للميت، وحملته إلى قبره؟ فإن الفقراء على ظهر البسيطة في كل بقعة من بقاع الأرض، وفعلك وأنها عاقل لا يكون إلا لمقصد قد قصدته، وأمر قد أردته، وإلا فأنت مجنون قد رفع عنك القلم، ولا نوافقك على دعوى الجنون إلا بعد صدور أفعالك وأقوالك في غير هذا على نمط أفعال المجانين، فإن كنت تصدرها مصدر أفعال العقلاء فأنت تكذب على نفسك في دعواك الجنون في هذا الفعل بخصوصه، فرارا عن أن يلزمك ما لزم عباد الأوثان الذين حكى الله عنهم في كتابه العزيز ما حكاه بقوله: ﴿وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيبا فقالوا هذا لله بزعمهم وهذا لشركائنا﴾ (١)، وبقوله: ﴿ويجعلون لما لا يعلمون نصيبا مما رزقناهم تالله لتسئلن عما كنتم تفترون﴾ (٢) [٢٤].
[كلمة التوحيد لا تكفي مجردة عن العمل]
فإن قلت: إن المشركين كانوا لا يقرون بكلمة التوحيد، وهؤلاء المعتقدون في الأموات يقرون بها.
قلت: هؤلاء إنما قالوها بألسنتهم، وخالفوها بأفعالهم، فإن من استغاث بالأموات، أو طلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله - سبحانه-، أو عظمهم، أو نذر عليهم بجزء من ماله، أو نحر لهم فقد نزلهم منزلة الآلهة التي كان المشركون يفعلون لها هذه الأفعال، فهو يعتقد معنى لا إله إلا الله، ولا عمل بها، بل خالفها اعتقادا وعملا، فهو في قوله: لا إله إلا الله كاذب على نفسه، فإنه قد جعل لها إلها غير الله يعتقد أنه يضر وينفع، وعبده بدعائه عند الشدائد، والاستغاثة به عند الحاجة، وبخضوعه له وتعظيمه إياه، ونحر له النحائر، وقرب إليه نفائس الأموال. وليس مجرد قول لا إله إلا الله من دون عمل بمعناها مثبتا للإسلام، فإنه لو قالها أحد من أهل الجاهلية، وعكف على صنمه يعبده لم يكن
(١) [الأنعام: ١٣٦].
(٢) [النحل:٥٦].