151

Fath Bayan

فتح البيان في مقاصد القرآن

Publisher

المَكتبة العصريَّة للطبَاعة والنّشْر

Publisher Location

صَيدَا - بَيروت

رجل من البلغاء من خطبه ورسائله وإنشاآته، أو إلى ما قاله شاعر من الشعراء من القصائد التي تكون تارة مدحًا وأخرى هجاء وحينًا تشبيبًا وحينًا رثاء وغير ذلك من الأنواع المتخالفة فعمد هذا المتصدي إلى ذلك المجموع فناسب بين فقره ومقاطعه، ثم تكلف تكلفًا آخر فناسب بين الخطبة التي خطبها في الجهاد والخطبة التي خطبها في الحج والخطبة التي خطبها في النكاح، ونحو ذلك وناسب بين الإنشاء الكائن في العزاء والإنشاء الكائن في الهناء وما يشابه ذلك لعد هذا المتصدي لمثل هذا مصابًا في عقله، متلاعبًا بأوقاته، عابثًا بعمره الذي هو رأس ماله. وإذا كان مثل هذا بهذه المنزلة وهو ركوب الأحموقة في كلام البشر، فكيف تراه يكون في كلام الله سبحانه الذي أعجزت بلاغته بلغاء العرب، وأبكمت فصاحته فصحاء عدنان وقحطان، وقد علم كل مقصر وكامل أن الله سبحانه وصف هذا القرآن بأنه عربي، وأنزله بلغة العرب، وسلك فيه مسالكهم في الكلام، وجرى فيه مجاريهم في الخطاب، وقد علمنا أن خطيبهم كان يقوم المقام الواحد فيأتي بفنون مختلفة وطرائق متباينة فضلًا عن المقامين فضلًا عن المقامات، فضلًا عن جميع ما قاله ما دام حيًا، وكذلك شاعرهم. ولنكتف بهذا التنبيه على هذه المفسدة التي يعثر في ساحاتها كثير من المحققين، وإنما ذكرنا هذا البحث في هذا الموطن لأن الكلام هنا قد انتقل مع بني إسرائيل بعد أن كان قبله مع أبي البشر ادم ﵇، فإذا قال متكلف كيف ناسب هذا ما قبله قلنا لا كيف: فدع عنك نهبًا صيح في حجراته ... وهات حديثًا ما حديث الرواحل

1 / 153