ـ[فتح الباقي بشرح ألفية العراقي]ـ
المؤلف: زين الدين أبي يحيى زكريا بن محمد بن زكريا الأنصاري السنيكي (ت ٩٢٦ هـ)
المحقق: عبد اللطيف هميم - ماهر الفحل
الناشر: دار الكتب العلمية
الطبعة: الطبعة الأولى، ١٤٢٢هـ / ٢٠٠٢م
عدد الأجزاء: ٢
أعده للشاملة/ أسامة بن الزهراء، فريق عمل المكتبة الشاملة
_________
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع، ومذيل بالحواشي]
1 / 1
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فَلاَ هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له.
«ونشهد أنَّ محمدًا عبده ورسوله، وأمينه على وحيه، وخيرته من خلقه وسفيره بينه وبين عباده، المبعوث بالدين القويم، والمنهج المستقيم، أرسله الله رحمةً للعالمين، وإمامًا للمتقين، وحجةً على الخلائق أجمعين» (١).
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ﴾.
آل عمران: ١٠٢.
﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا﴾. النساء: ١.
﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا - يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا﴾. الأحزاب: ٧٠ - ٧١.
أما بعد:
فإن الحديث النبوي الشريف المصدر الثاني للتشريع الإسلامي، بعضه يستقل بالتشريع، وكثيرٌ منه شارح لكتاب الله تعالى مُبين لما جاء فيه. قال تعالى: ﴿وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبِيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ﴾. النحل: ٤٤.
وقد أدرك المسلمون - منذ الصدر الأول، وحتى يوم الناس هذا - أهمية الحديث النبوي الشريف فحفظوا الأحاديث في الصدور، ودونوها في الدواوين، ونقَّروا عنها أشد التنقير والبحث كي لا ينضاف إليها ما ليس منها، فأنجبت هذه الأمة حُفَّاظًا عارفين وجهابذة ناقدين فكانوا بحق ينفون عن السنة تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل
_________
(١) من مقدمة زاد المعاد ١/ ٣٤ للعلامة ابن القيم.
1 / 5
الجاهلين، فظهرت المصنفات والجوامع والسنن والمسانيد والأجزاء والمشيخات وغيرها في صور عدة وضروب كثيرة، حرصًا واحتفاظًا واعتزازًا بسنة الحبيب المصطفى ﷺ وكان لابد من ظهور مؤلفات تُبين مصطلحات المحدثين في كتبهم ودروسهم، تكشف عما يريدون من إطلاقاتهم وأقوالهم. فظهر عددٌ من المؤلفات في القرون التِي تلت عصر الرواية ومما لا شك فيه أنَّ من أحسنها تصنيفًا وأعمها نفعًا كتاب الحافظ أبي عَمْرو عثمان بن عَبْد الرَّحْمَان الشهرزوري المشهور بـ: ابن الصَّلاَح (٥٧٧ - ٦٤٣ هـ) المسمى: " مَعْرِفَة أنواع علم الْحَدِيْث " (١) الَّذِي لا يُحصى عدُّ من شرحه واختصره ونظمه ونكَّت عَلَيْهِ.
ولِمَا تميز بِهِ كتاب ابن الصَّلاَح من أهمية يعرفها المختصون بهذا الشأن؛ إذ اشتهر هَذَا الكِتَاب أيما اشتهار، وذاع صيته بَيْنَ الأنَامِ، وحرص عَلَى تحصيله القريب والبعيد. وَقَدْ هيأ الله لهذا الكِتَاب التعاليق الكثيرة والشروح المستفيضة. وَكَانَ من الَّذِيْنَ قيظهم الله لخدمة هَذَا الكِتَاب النفيس الحَافِظ زين الدين أَبُو الفضل عَبْد الرحيم بن الْحُسَيْن العراقي
(ت٨٠٦ هـ) فنظم كتاب ابن الصَّلاَح في أرجوزة ربتْ عَلَى ألف بيت من الشعر (٢). وَكَانَ لهذا النظم من المزايا والمنافع الشيء الكثير لما احتواه من زيادات وإيضاحات واستدراكات. وقد كتب الله لهذه الأرجوزة القبول فتسابق الناس في حفظها، وأخذوا في شرحها وإيضاحها. فكان من تِلْكَ الشروح الكثيرة هَذَا الكِتَاب الَّذِي بَيْنَ أيدينا، وَهُوَ شرح نفيس للغاية إِذْ امتاز بشرح وبيان المسائل اللغوية والصرفية والعروضية والتنبيه عَلَى ضرورات الشعر، وما إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ من الميزات العديدة التِي احتواها هَذَا الشرح المبارك.
ولم يكتب - الباري ﷿ لهذا الكِتَاب أن يطبع من قَبْل محققًا تحقيقًا علميًا رصينًا رضيًا عَلَى الرغم من أهميته ونفاسته، كُلّ هَذَا دفعنا إِلَى إعادة طبعه بالشكل الَّذِي يسر كُلّ محب لسنة المصطفى ﷺ.
_________
(١) هكذا سماه بِهِ مؤلفه في ديباجة كتابه: ٧٨ بتحقيقنا، وهكذا أطلق عليه القرطبي في تفسيره ٤/ ٣١٠٩، طبعة الشعب.
(٢) وهي مشهورة معروفة باسم: " التبصرة والتذكرة ".
1 / 6
وَقَدْ قدّمنا بَيْنَ يدي الكِتَاب دراسة ضمنّاها ثلاثة أبواب: الباب الأول: العراقي ونظمه " التبصرة والتذكرة "، والباب الثاني: الأنصاري وكتابه " فتح الباقي، والباب الثالث: التحقيق، واشتمل عَلَى ثلاثة فصول: الأول: التعريف بالكتاب، والثاني: وصف النسخ المعتمدة، والثالث: منهج التحقيق.
وبعد:
فهذا كتاب " فتح الباقي " نُقدمه لِمُحبي المصطفى ﷺ السائرين عَلَى هديه الراجين شفاعته يوم القيامة، قَدْ خدمناه الخدمة التِي توازي تعلقنا بسيدنا المصطفى ﷺ، وَكَانَ الوقت الَّذِي قضيناه فِيْهِ كله مباركًا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام عَلَى سيدنا مُحَمَّد وعلى آله وصحبه والتابعين لهم بإحسان إِلَى يوم الدين.
المحققان
١/ ١٠ / ٢٠٠١ م
1 / 7
القِسْم الأول: [الدراسة]
الباب الأول: العراقي، ونظمه "التبصرة والتذكرة"
الفصل الأول: سيرته الذاتية
لا بد لنا وقد خضنا غمرة تحقيق كِتَاب "فتح الباقي بشرح ألفية العراقي" أن نعرِّج على تعريف موجز بصاحب النظم، ليس بالطويل المملّ ولا بالقصير المخلّ، لاسيّما أن هذا العمل يُعدّ مفتاحًا للولوج بمعرفة أكثر بالناظم، تعين القارئ على تكوين صورة مجملة عنه، وتوضح مكانته العلمية والمدة الزمنية التي عاشها.
ويشتمل هذا الفصل ثمانية مباحث نوردها تباعًا:
المبحث الأول: اسمه، ونسبه، وكنيته، وولادته:
هو عَبْد الرحيم بن الحسين بن عبد الرحمان بن أبي بكر بن إبراهيم الكردي (١) الرازياني (٢) العراقي الأصل (٣) المهراني (٤) المصري المولد الشافعي المذهب. كنيته: أبو الفضل، ويلقّب بـ (زين الدين) (٥). وُلِدَ في اليوم الحادي والعشرين من شهر جُمَادَى
_________
(١) نسبة إلى أقوام يقطنون شمال العراق، إذ أن أصل المتَرْجَم منهم. الأنساب٤/ ٦٠٩.
(٢) نسبة إلى رازيان: قرية من قرى إربل (أربيل: محافظة في شمال العراق). طبقات الحفاظ٥٤٣.
(٣) نسبة إلى عراق العرب، وهو القطر الأعظم الذي يضم قرية أبيه. الضوء اللامع ٤/ ١٧١، وطبقات المفسرين ١/ ٣٠٩.
(٤) نسبة إلى منشأة المهراني: موضع بين مصر والقاهرة، حيث ولد المترجم. طبقات الحفاظ٥٤٣.
(٥) قد يخفّف فيقال: الزين، كما جرت عادتهم آنذاك، فيقولون مثلًا: الشمس الذهبي والتقي السُّبْكِيّ ونحوهما.
1 / 8
الأولى سنة (٧٢٥ هـ) (١).
المبحث الثاني: أسرته:
أقام أسلاف الحافظ العراقي في قرية رازيان - من أعمال إربل (٢) - إلى أن انتقل والده وهو صغير مع بعض أقربائه إلى مصر (٣)، إذ استقر فيها وتزوج من امرأة مصرية (٤) ولدت له الحافظ العراقي. وكانت أسرته ممن عُرفوا بالزهد والصلاح والتقوى، وقد كان لأسلافه مناقب ومفاخر (٥)، وكانت والدته ممن اشتهرن بالاجتهاد في العبادات والقربات مع الصبر والقناعة (٦).
أمّا والدُه فقد اختصَّ - منذ قدومه مصر - بخدمة الصالحين (٧)، ولعلَّ من أبرز الذين اختصَّ والده بخدمتهم الشيخ القناوي (٨). ومن ثُمَّ ولد للمتَرجَمِ ابنٌ أسماه: أحمد، وكنَّاه: أبا زرعة، ولقَّبه: بولي الدين (٩)، وبنت تدعى: خديجة، صاهره عليها: الحافظ نور الدين الهيثمي ورزق منها بأولاد، وأشارت بعض المصادر أنَّ له ابنتين أخريين: جويرية (١٠) وزينب (١١).
_________
(١) لحظ الألحاظ ٢٢١، والضوء اللامع ٤/ ١٧١، والبدر الطالع ١/ ٣٥٤.
(٢) طبقات المفسرين ١/ ٣٠٩.
(٣) طبقات الحفاظ: ٥٤٣.
(٤) لحظ الألحاظ: ٢٢٠، والضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٥) الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٦) لحظ الألحاظ: ٢٢١، والضوء اللامع ٤/ ١٧١، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي: ٣٧٠.
(٧) طبقات الحفاظ: ٥٤٣.
(٨) هو الشيخ الشريف تقي الدين محمد بن جعفر بن محمد القناوي الشافعي، كان عالي الإسناد من الموصوفين بالصلاح، توفي سنة (٧٣٧ هـ). الدرر الكامنة ٤/ ٣٥، والضوء اللامع ٧/ ١٠٤، وحسن المحاضرة ١/ ٤٢١.
(٩) ستأتي ترجمته في مبحث تلامذته.
(١٠) نظم العقيان: ١٠٣.
(١١) نظم العقيان: ١١٤، وانظر: الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
1 / 9
المبحث الثالث: نشأته
وُلِد الحافظ العراقي - كما سبق - في مصر، وحمله والده صغيرًا إلى الشيخ القناوي؛ ليباركه، إذ كَانَ الشَّيْخ هُوَ البشير بولادة الحَافِظ، وَهُوَ الَّذِي سمَّاه أيضًا (١)؛ ولكنَّ الوالد لَمْ يقم طويلًا مَعَ ولده، إذ إنَّ يدَ المنونِ تخطَّفته والطفل لَمْ يزل بَعْدُ طريَّ العود، غضَّ البنية لَمْ يُكمل الثالثة من عمره (٢)، وَلَمْ نقف عَلَى ذكر لِمَن كفله بَعْدَ رحيل والده، والذي يغلب عَلَى ظننا أنّ الشَّيْخ القناوي هُوَ الَّذِي كفله وأسمعه (٣)؛ وذلك لأن أقدم سماع وجد له كان سنة (٧٣٧ هـ) بمعرفة القناوي (٤)، وكان يُتَوقّعُ أن يكون له حضور أو سماع من الشيخ، إذ كان كثير التردد إليه سواء في حياة والده أو بعده، وأصحاب الحديث عند الشيخ يسمعون منه؛ لعلوِّ إسناده (٥).
وحفظ الزينُ القرآنَ الكريمَ والتنبيه وأكثر الحاوي مَعَ بلوغه الثامنة من عمره (٦)، واشتغل في بدء طلبه بدرس وتحصيل علم القراءات، وَلَمْ يثنِ عزمه عَنْهُ إلا نصيحة شيخه العزّ ابن جَمَاعَة، إذ قَالَ لَهُ: إنه علم كَثِيْر التعب قليل الجدوى، وأنت متوقد الذهن فاصرف همَّتك إلى الحَدِيْث (٧). وَكَانَ قَدْ سبق لَهُ أن حضر دروس الفقه عَلَى ابن عدلان، ولازم العماد مُحَمَّد بن إسحاق البلبيسي (٨)، وأخذ عَنْ الشمس بن اللبان، وجمال الدين الإسنوي الأصولَ (٩) وَكَانَ الأخير كَثِيْر الثناء عَلَى فهمه، ويقول: «إنَّ ذهنه
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٢٠ - ٢٢١، وطبقات الحفَّاظ: ٥٤٣.
(٢) لحظ الألحاظ: ٢٢١.
(٣) الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٤) لحظ الألحاظ: ٢٢١.
(٥) الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٦) لحظ الألحاظ: ٢٢٧.
(٧) لحظ الألحاظ: ٢٢١، الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٨) الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٩) لحظ الألحاظ: ٢٢١.
1 / 10
صَحِيْح لا يقبل الخطأ» (١)، وكان الشيخ القناوي في سنة سبع وثلاثين - وهي السنة التي مات فيها - قد أسمعه على الأمير سنجر الجاولي، والقاضي تقي الدين بن الأخنائي المالكي، وغيرهما ممّن لم يكونوا من أصحاب العلوِّ (٢).
ثمَّ ابتدأ الطلب بنفسه، وكان قد سمع على عبد الرحيم بن شاهد الجيش، وابن عبد الهادي، وقرأ بنفسه على الشيخ شهاب الدين بن البابا (٣)، وصرف همَّته إلى التخريج وكان كثير اللهج بتخريج أحاديث " الإحياء " وله من العمر -آنذاك- عشرون سنة (٤)، وقد فاته إدراك العوالي مما يمكن لأترابه ومَن هو في مثل سنّه إدراكه، ففاته يحيى بن المصري - آخر مَن روى حديث السِّلَفي عاليًا بالإجازة (٥) - والكثير من أصحاب ابن عبد الدائم والنجيب بن العلاّق (٦)، وكان أوّل مَن طلب عَلَيْهِ: الحافظ علاء الدين بن التركماني في القاهرة وبه تخرّج وانتفع (٧)، وأدرك بالقاهرة أبا الفتح الميدومي، فأكثر عنه وهو من أعلى مشايخه إسنادًا (٨)، ولم يلقَ من أصحاب النجيب غيره (٩)، ومن ناصر الدين محمد بن إسماعيل الأيوبي (١٠)، ومن ثَمَّ شدَّ رحاله - على عادة أهل الحديث- إلى الشام قاصدًا دمشق فدخلها سنة (٧٥٤ هـ) (١١)، ثُمَّ عادَ إليها بعد ذلك سنة (٧٥٨هـ)، وثالثة في سنة (٧٥٩ هـ) (١٢)، ولم تقتصر رحلته الأخيرة على دمشق بل رحل إلى غالب
_________
(١) الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٢) الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٣) شذرات الذهب ٧/ ٥٥.
(٤) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٥) الضوء اللامع ٤/ ١٧١.
(٦) شذرات الذهب ٧/ ٥٦.
(٧) الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٨) شذرات الذهب ٧/ ٥٦.
(٩) الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(١٠) الضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(١١) لحظ الألحاظ: ٢٢٣.
(١٢) المصدر السابق.
1 / 11
مدن بلاد الشام (١)، ومنذ أول رحلة له سنة (٧٥٤ هـ) لم تخلُ سنة بعدها من الرحلة إمّا في الحديث وإمّا في الحجّ (٢)، فسمع بمصر (٣) ابن عبد الهادي، ومحمد بن علي القطرواني، وبمكة أحمد بن قاسم الحرازي، والفقيه خليل إمام المالكية بها، وبالمدينة العفيف المطري، وببيت المقدس العلائي، وبالخليل خليل بن عيسى القيمري، وبدمشق ابن الخباز، وبصالحيتها ابن قيم الضيائية، والشهاب المرداوي، وبحلب سليمان بن إبراهيم بن المطوع، والجمال إبراهيم بن الشهاب محمود في آخرين بهذه البلاد وغيرها كالإسكندرية وبعلبك، وحماة، وحمص، وصفد، وطرابلس، وغزّة، ونابلس ... تمام ستة وثلاثين مدينة. وهكذا أصبح الحديث ديدنه وأقبل عليه بكليته (٤)، وتضلّع فيه رواية ودراية وصار المعول عليه في إيضاح مشكلاته وحلّ معضلاته، واستقامت له الرئاسة فيه، والتفرد بفنونه، حتّى إنّ كثيرًا من مشايخه كانوا يرجعون إليه، وينقلون عنه -كما سيأتي- حتَّى قال ابن حجر: «صار المنظور إليه في هذا الفن من زمن الشيخ جمال الدين الإسنائي ... وهلمَّ جرًّا، ولم نرَ في هذا الفنّ أتقن منه، وعليه تخرج غالب أهل عصره» (٥).
المبحث الرابع: مكانته العلمية وأقوال العلماء فيه
مما تقدّم تبيّنت المكانة العلمية التي تبوّأها الحافظ العراقي، والتي كانت من توفيق الله تعالى له، إذ أعانه بسعة الاطلاع، وجودة القريحة، وصفاء الذهن، وقوة الحفظ، وسرعة الاستحضار، فلم يكن أمام مَن عاصره إلاّ أن يخضع له سواء من شيوخه أو تلامذته. ومما يزيد هذا الأمر وضوحًا عرضِ جملةٍ من أقوال العلماء فيه، من ذلك:
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٢٣، والضوء اللامع ٤/ ١٧٢.
(٢) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٣) انظر: الضوء اللامع ٤/ ١٧٢ - ١٧٣.
(٤) طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ٣٠.
(٥) إنباء الغمر ٢/ ٢٧٥ - ٢٧٦.
1 / 12
١ - قال شيخه العزُّ بن جماعة: «كلّ مَن يدّعي الحديث في الديار المصرية سواه فهو مدَّعٍ» (١).
٢ - قال التقي بن رافع السلامي: «ما في القاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ هذا، والقاضي عزّ الدين ابن جماعة»، فلمَّا بلغته وفاة العزّ قال: «ما بقي الآن بالقاهرة مُحَدِّثٌ إلاّ الشيخ زين الدين العراقي» (٢).
٣ - قال ابن الجزري: «حافظ الديار المصرية ومُحَدِّثُها وشيخها» (٣).
٤ - قال ابن ناصر الدين: «الشيخ الإمام العلاّمة الأوحد، شيخ العصر حافظ الوقت ... شيخ الْمُحَدِّثِيْن عَلَم الناقدين عُمْدَة المخرِّجِين» (٤).
٥ - قال ابن قاضي شهبة: «الحافظ الكبير المفيد المتقن المحرّر الناقد، محَدِّث الديار المصرية، ذو التصانيف المفيدة» (٥).
٦ - قال التقي الفاسي: «الحافظ المعتمد، ... كان حافظًا متقنًا عارفًا بفنون الحديث وبالفقه والعربية وغير ذلك، ... كان كثير الفضائل والمحاسن» (٦).
٧ - وقال ابن حجر: «حافظ العصر» (٧)، وقال: «الحافظ الكبير شيخنا الشهير» (٨).
٨ - وقال ابن تغري بردي: «الحافظ، ... شيخ الحديث بالديار المصرية، ... وانتهت إليه رئاسة علم الحديث في زمانه» (٩).
٩ - وقال ابن فهد: «الإمام الأوحد، العلاّمة الحجة الحبر الناقد، عمدة الأنام حافظ الإسلام، فريد دهره، ووحيد عصره، من فاق بالحفظ والإتقان في زمانه، وشهد له في التفرّد
_________
(١) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٢) لحظ الألحاظ: ٢٢٧.
(٣) غاية النهاية ١/ ٣٨٢.
(٤) الردّ الوافر: ١٠٧.
(٥) طبقات الشافعية ٤/ ٢٩.
(٦) ذيل التقييد: ١١٤ / أ - ١١٥ / ب.
(٧) إنباء الغمر ٢/ ٢٧٥.
(٨) المجمع المؤسس ٨٩ / أ.
(٩) النجوم الزاهرة ١٣/ ٣٤.
1 / 13
في فنه أئمة عصره وأوانه» (١). وأطال النفس في الثناء عليه.
١٠ - وقال السيوطي: «الحافظ الإمام الكبير الشهير، ... حافظ العصر» (٢).
ويبدو أنّ الأمر الأكثر إيضاحًا لمكانة الحافظ العراقي نقولات شيوخه عنه وعودتهم إليه، والصدور عن رأيه، وكانوا يكثرون من الثناء عليه، ويصفونه بالمعرفة، من أمثال السبكي والعلائي وابن جماعة وابن كثير والإسنوي (٣).
ونقل الإسنوي عنه في " المهمات " وغيرها (٤)، وترجم له في طبقاته (٥)
ولم يترجم لأحد من الأحياء سواه (٦)، وصرّح ابن كثير بالإفادة منه في تخريج بعض الشيء (٧).
ومن بين الأمور التي توضّح مكانة الحافظ العراقي العلمية تلك المناصب التي تولاها، والتي لا يمكن أن تسند إليه لولا اتفاق عصرييه على أولويته لها، ومن بين ذلك:
تدريسه في العديد من مدارس مصر والقاهرة مثل: دار الحديث الكاملية (٨)، والظاهرية القديمة (٩)، والقراسنقرية (١٠)، وجامع ابن طولون (١١)، والفاضلية (١٢)،
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٢٠.
(٢) طبقات الحفاظ: ٥٤٣.
(٣) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٤) المصدر السابق.
(٥) طبقات الشافعية، للإسنوي ٢/ ٧٨.
(٦) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣.
(٧) المصدر السابق.
(٨) طبقات الشافعية، لابن قاضي شهبة ٤/ ٣٢. وهي مدرسة تنسب إلى بانيها الملك ... الكامل محمد بن الملك العادل (ت ٦٢٢ هـ). انظر: خطط المقريزي ٣/ ٣٣٥.
(٩) الضوء اللامع٤/ ١٧٤. ونسبتها إلى بانيها الملك الظاهر بيبرس. انظر: حسن المحاضرة ٢/ ٢٦٤.
(١٠) الضوء اللامع ٤/ ١٧٤. وتنسب إلى بانيها الأمير شمس الدين قراسنقر. انظر: خطط المقريزي ٣/ ٣٥٧.
(١١) الضوء اللامع ٤/ ١٧٤.
(١٢) طبقات الشافعية ٤/ ٣٢. ونسبتها إلى بانيها القاضي الفاضل عبد الرحيم بن علي البيساني. انظر: خطط المقريزي ٣/ ٣١٩، والخطط التوفيقية ٦/ ١٢.
1 / 14
وجاور مدةً بالحرمين (١).
كما أنّه تولّى قضاء المدينة المنورة، والخطابة والإمامة فيها، منذ الثاني عشر من جُمَادَى الأولى سنة (٧٨٨ هـ)، حتى الثالث عشر من شوال سنة (٧٩١ هـ)، فكانت المدة ثلاث سنين وخمسة أشهر (٢).
وفي سبيل جعل شخصية الحافظ العراقي بينة للعيان من جميع جوانبها، ننقل ما دبَّجه قلم تلميذه وخِصِّيصه الحافظ ابن حجر في وصفه شيخه، إذ قال في مجمعه (٣):
«كان الشيخ منور الشيبة، جميل الصورة، كثير الوقار، نزر الكلام، طارحًا للتكلف، ضيق العيش، شديد التوقي في الطهارة، لطيف المزاج، سليم الصدر، كثير الحياء، قلَّما يواجه أحدًا بما يكرهه ولو آذاه، متواضعًا منجمعًا، حسن النادرة والفكاهة، وقد لازمته مدّة فلم أره ترك قيام الليل، بل صار له كالمألوف، وإذا صلَّى الصبح استمر غالبًا في مجلسه، مستقبل القبلة، تاليًا ذاكرًا إلى أن تطلع الشمس، ويتطوع بصيام ثلاثة أيام من كلِّ شهر وستة شوال، كثير التلاوة إذا ركب ...»، ثُمَّ ختم كلامه قائلًا: «وليس العيان في ذلك كالخبر».
المبحث الخامس: شيوخه
عرفنا فيما مضى أنَّ الحافظ العراقي منذ أن أكبَّ على علم الحديث؛ كان حريصًا على التلقي من مشايخه، وقد وفّرت له رحلاته المتواصلة سواء إلى الحج أو إلى بلاد الشام فرصة التنويع في فنون مشايخه والإكثار منهم.
والباحث في ترجمته وترجمة شيوخه يجد نفسه أمام حقيقة لا مناص عنها، وهي أنَّ سمة الحديث كانت الطابع المميز لأولئك المشايخ، مما أدَّى بالنتيجة إلى تنّوع معارف
_________
(١) الضوء اللامع ٤/ ١٧٤.
(٢) إنباء الغمر ٢/ ٢٧٧، والضوء اللامع ٤/ ١٧٤، وطبقات الحفاظ: ٥٤٤.
(٣) المجمع المؤسس ٩٠ / أ.
1 / 15
الحافظ العراقي وتضلّعه في فنون علوم الحديث، فمنهم من كان ضليعًا بأسماء الرجال، ومنهم من كان التخريج صناعته، ومنهم من كان عارفًا بوفيات الرواة، ومنهم من كانت في لغة الحديث براعته ... وهكذا. وهذا شيء نلمسه جليًا في شرحه هذا بجميع مباحثه، وذلك من خلال استدراكاته وتعقباته وإيضاحاته والفوائد التي كان يطالعنا بها على مرِّ صفحات شرحه الحافل.
ومسألة استقصاء جميع مشايخه من نافلة القول - فضلًا عن كونها شبه متعذرة سلفًا - لاسيّما أنه لم يؤلف معجمًا بأسماء مشايخه على غير عادة المحدّثين، خلافًا لقول البرهان الحلبي من أنه خرّج لنفسه معجمًا (١).
لذا نقتصر على أبرزهم، مع التزامنا بعدم إطالة تراجمهم:
١ - الإمام الحافظ قاضي القضاة علي بن عثمان بن إبراهيم المارديني، المشهور بـ «ابن التركماني» الحنفي، مولده سنة (٦٨٣ هـ)، وتوفي سنة (٧٥٠ هـ) لَهُ من التآليف:
" الجوهر النقي في الرد عَلَى البَيْهَقِيّ "، وغيره (٢).
٢ - الشيخ الْمُسْنِد المعمر صدر الدين أبو الفتح محمد بن محمد بن إبراهيم الميدومي المصري، ولد سنة (٦٦٤ هـ)، وهو آخر من روى عن النجيب الحراني، وابن العلاق، وابن عزون، توفي سنة (٧٥٤ هـ) (٣).
٣ - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو سعيد خليل بن كيكلدي بن عبد الله العلائي الدمشقي ثم المقدسي، ولد سنة (٦٩٤ هـ)، وتوفي سنة (٧٦١ هـ)، له من التصانيف: " جامع التحصيل "، و" الوشي المعلم "، و" نظم الفرائد " وغيرها (٤).
٤ - الإمام الحافظ العلاّمة علاء الدين أبو عبد الله مغلطاي بن قُليج بن عبد الله البكجري الحكري الحنفي، مولده سنة (٦٨٩ هـ)، وقيل غيرها، برع في فنون
_________
(١) انظر: الضوء اللامع ٤/ ١٧٤.
(٢) انظر ترجمته في: الجواهر المضية ١/ ٣٦٦، والدرر الكامنة ٣/ ٦، ولحظ الألحاظ: ١٢٥.
(٣) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة ٤/ ٢٧٤، والنجوم الزاهرة ١٠/ ٢٩١.
(٤) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية الكبرى ٦/ ١٠٤، وطبقات الإسنوي ٢/ ٢٣٩، والدارس ١/ ٥٩.
1 / 16
الحديث، وتوفي سنة (٧٦٢ هـ)، من تصانيفه: ترتيب كتاب بيان الوهم والإيهام
وسمّاه: " منارة الإسلام "، ورتّب المبهمات على أبواب الفقه، وله شرح على صحيح البخاري، وتعقّبات على المزي، وغيرها (١).
٥ - الإمام العلاّمة جمال الدين أبو محمد عبد الرحيم بن الحسن بن علي الإسنوي، شيخ الشافعية، ولد سنة (٧٠٤ هـ)، وتوفي سنة (٧٧٧ هـ)، له من التصانيف: "طبقات الشافعية" و"المهمات" و"التنقيح" وغيرها (٢).
المبحث السادس: تلامذته
تبين مما تقدّم أنّ الحافظ العراقي بعد أن تبوأ مكان الصدارة في الحديث وعلومه، وأصبح المعوّل عليه في فنونه، بدأت أفواج طلاب الحديث تتقاطر نحوه، ووفود الناهلين من معينه تتجه صوبه، لاسيّما وقد أقرَّ له الجميع بالتفرد بالمعرفة في هذا الباب، لذا كانت فرصة التتلمذ له شيئًا يعدّه الناس من المفاخر، والطلبةُ من الحسنات التي لا تجود بها الأيام دومًا.
والأمر الآخر الذي يستدعي كثرة طلبة الحافظ العراقي كثرة مفرطة، أنه أحيا سنة إملاء الحديث - على عادة المحدّثين - بعد أن كان درس عهدها منذ عهد ابن الصلاح، فأملى مجالس أربت على الأربع مئة مجلس، أتى فيها بفوائد ومستجدات «وكان يمليها من حفظه متقنة مهذّبة محرّرة كثيرة الفوائد الحديثية» على حد تعبير ابن حجر (٣).
لذا فليس من المستغرب أن يبلغوا كثر كاثرة يكاد يستعصي على الباحث سردها، إن لم نقل إنها استعصت فعلًا، فضلًا عن ذكر تراجمهم، ولكن القاعدة تقول: «ما لا
_________
(١) انظر ترجمته في: الدرر الكامنة ٤/ ٣٥٢، ذيل تذكرة الحفاظ للحسيني: ١٣٣، طبقات الحفاظ: ٥٣٨.
(٢) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٣/ ١٩٨، والدرر الكامنة ٢/ ٤٦٣، وحسن المحاضرة ١/ ٤٢٩.
(٣) المجمع المؤسس ٢٠٠/أ.
1 / 17
يدرك كلّه لا يترك جلّه» وانسجامًا معها نعرّف تعريفًا موجزًا بخمسة من تلامذته كانوا بحقّ مفخرة أيامهم، وهم:
١ - الإمام برهان الدين أبو إسحاق إبراهيم بن موسى بن أيوب الأبناسي، مولده سنة (٧٢٥هـ)، وهو من أقران العراقي، برع في الفقه، وله مشاركة في باقي الفنون، توفي سنة (٨٠٢ هـ)، من تصانيفه: " الشذا الفياح من علوم ابن الصَّلاح "، وغيره (١).
٢ - الإمام الحافظ نور الدين أبو الحسن علي بن أبي بكر بن سليمان الهيثمي القاهري، ولد سنة (٧٣٥ هـ)، وهو في عداد أقرانه أيضًا، ولكنه اختص به وسمع معه، وتخرّج به، وهو الذي كان يعلّمه كيفية التخريج، ويقترح عليه مواضيعها، ولازم الهيثمي خدمته ومصاحبته، وصاهره فتزوج ابنة الحافظ العراقي، توفي سنة (٨٠٧ هـ)، من تصانيفه: " مجمع الزوائد " و" بغية الباحث " و" المقصد العلي " و" كشف الأستار " و" مجمع البحرين " و" موارد الظمآن "، وغيرها (٢).
٣ - ولده: الإمام العلاّمة الحافظ ولي الدين أبو زرعة أحمد بن عبد الرحيم بن الحسين العراقي الأصل المصري الشافعي، ولد سنة (٧٦٢ هـ)، وبكّر بِهِ والده بالسماع فأدرك العوالي، وانتفع بأبيه غاية الانتفاع، ودرّس في حياته، توفي سنة (٨٢٦ هـ)، من تصانيفه: "الإطراف بأوهام الأطراف"، و"تكملة طرح التثريب "، و" تحفة التحصيل في ذكر رواة المراسيل "، وغيرها (٣).
٤ - الإمام الحافظ برهان الدين أبو الوفاء إبراهيم بن محمد بن خليل الحلبي المشهور بسبط ابن العجمي، مولده سنة (٧٥٣هـ)، رحل وطلب وحصّل، وله كلام لطيف على الرجال، توفي سنة (٨٤١ هـ)، من تصانيفه: " حاشية على الكاشف " للذهبي،
_________
(١) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٤/ ٥، وإنباء الغمر ٢/ ١١٢.
(٢) انظر في ترجمته: إنباء الغمر ٢/ ٣٠٩، ولحظ الألحاظ: ٢٣٩، والضوء اللامع ٥/ ٢٠٠، وحسن المحاضرة ١/ ٣٦٢.
(٣) انظر ترجمته في: طبقات الشافعية لابن قاضي شهبة ٤/ ٨٠، ولحظ الألحاظ: ٢٨٤، والضوء اللامع ١/ ٣٣٦، وحسن المحاضرة ١/ ٣٦٣.
1 / 18
و" نثل الهميان " (١)، و"التبيين في أسماء المدلّسين"، و"الاغتباط فيمن رمي بالاختلاط" وغيرها (٢).
٥ - الإمام العلاّمة الحافظ الأوحد شهاب الدين أبو الفضل أحمد بن علي بن محمد الكناني العسقلاني المعروف بابن حجر، ولد سنة (٧٧٣ هـ)، طلب ورحل، وألقى إليه الحديث والعلم بمقاليده، والتفرد بفنونه، توفي سنة (٨٥٢ هـ)، من تصانيفه: " فتح الباري "، و"تهذيب التهذيب"، و" تقريب التهذيب " و" نزهة الألباب "، وغيرها (٣).
المبحث السابع: آثاره العلمية
لقد عرف الحافظ العراقي أهمية الوقت في حياة المسلم، لذا فقد عمل جاهدًا على توظيف الوقت بما يخدم السنة العزيزة، بحثًا منه أو مباحثة مع غيره فكانت «غالب أوقاته في تصنيف أو إسماع» كما يقول السخاوي (٤)، لذا كثرت تصانيفه وتنوعت، مما حدا بنا -من أجل جعل البحث أكثر تخصصًا- إلى تقسيمها على قسمين: قسم خاصّ بمؤلفاته التي تتعلق بالحديث وعلومه، وقسم يتضمن مؤلفاته في العلوم الأخرى، وسنبحث كلًا منهما في مطلب مستقل.
المطلب الأول: مؤلفاته فيما عدا الحديث وعلومه
تنوعت طبيعة هذه المؤلفات ما بين الفقه وأصوله وعلوم القرآن، غير أنَّ أغلبها كان ذا طابع فقهي، يمتاز الحافظ فيه بالتحقيق، وبروز شخصيته مدافعًا مرجّحًا موازنًا بين الآراء.
_________
(١) وفي خزانتنا نسخة منه بخط مؤلفها مصورة عن دار الكتب المصرية برقم (٢٣٣٤٦ ب).
(٢) انظر في ترجمته: لحظ الألحاظ: ٣٠٨، وذيل تذكرة الحفاظ للسيوطي: ٣٧٩، وشذرات الذهب٧/ ٢٣٧.
(٣) انظر ترجمته في: لحظ الألحاظ: ٣٢٦، والضوء اللامع ٢/ ٣٦، وحسن المحاضرة١/ ٣٦٣.
(٤) الضوء اللامع ٤/ ١٧٥.
1 / 19
على أنَّ الأمر الذي نأسف عليه هو أنَّ أكثر مصنفاته فُقدت، ولسنا نعلم سبب ذلك، وقد حفظ لنا مَنْ ترجم له بعض أسماء كتبه، تعين الباحث على امتلاك رؤية أكثر وضوحًا لشخص هذا الحافظ الجليل، وإلمامًا بجوانب ثقافته المتنوعة المواضيع.
ومن بين تلك الكتب:
١ - أجوبة ابن العربي (١).
٢ - إحياء القلب الميت بدخول البيت (٢).
٣ - الاستعاذة بالواحد من إقامة جمعتين في مكان واحد (٣).
٤ - أسماء الله الحسنى (٤).
٥ - ألفية في غريب القرآن (٥).
٦ - تتمات المهمات (٦).
٧ - تاريخ تحريم الربا (٧).
٨ - التحرير في أصول الفقه (٨).
٩ - ترجمة الإسنوي (٩).
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٣١، ولا نعلم شيئًا أكثر من هذا عنه.
(٢) لحظ الألحاظ: ٢٣١، وذكره محقق شرح التبصرة ١/ ١٨ باسم: " إحياء القلب الميت بأحكام دخول البيت "، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (٣٨٥٤).
(٣) له نسخة خطية فريدة كتبت سنة (٩٠٠ هـ) محفوظة في مكتبة رضا برامبور برقم
[M ٥٦٤٢ (٢٦٨٤)]. انظر: الفهرس الشامل (الفقه وأصوله) ١/ ٣٩٥.
(٤) ذكره محقق شرح التبصرة ١/ ١٨، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (٣٨٥٤).
(٥) ذكر صاحب معجم المطبوعات العربية ١/ ٩٠١، ٢/ ١٢١٨، أنها طبعت بهامش تفسير أبي محمد
عبد العزيز المسمى: " التيسير في علم التفسير " ورد عليه محقق شرح التبصرة ١/ ١٦: بأنَّ المطبوعة هي لولده، ولا نعلم أحدًا ذكر مثل هذا لأبي زرعة ولد العراقي.
(٦) الضوء اللامع ٤/ ١٧٣، وكشف الظنون ١/ ٩٣٠ و٢/ ١٩١٥ باسم: " مهمات المهمات ".
(٧) المجمع المؤسس: ٨٩ / ب.
(٨) الأعلام ٣/ ١١٩.
(٩) الدرر الكامنة ٢/ ٣٥٥، ولحظ الألحاظ: ٢٣١.
1 / 20
١٠ - تفضيل زمزم على كلّ ماء قليل زمزم (١).
١١ - الرد على من انتقد أبياتًا للصرصري في المدح النبوي (٢).
١٢ - العدد المعتبر في الأوجه التي بين السور (٣).
١٣ - فضل غار حراء (٤).
١٤ - القرب في محبة العرب (٥).
١٥ - قرة العين بوفاء الدين (٦).
١٦ - الكلام على مسألة السجود لترك الصلاة (٧).
١٧ - مسألة الشرب قائمًا (٨).
١٨ - مسألة قصّ الشارب (٩).
١٩ - منظومة في الضوء المستحب (١٠).
٢٠ - المورد الهني في المولد السني (١١).
٢١ - النجم الوهاج في نظم المنهاج (١٢).
٢٢ - نظم السيرة النبوية (١٣).
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(٢) مقدمة محقق شرح التبصرة١/ ١٨، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (٣٨٥٤).
(٣) إيضاح المكنون ٢/ ٩٦، وهدية العارفين ١/ ٥٦٢.
(٤) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(٥) طبع أكثر من مرة.
(٦) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(٧) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(٨) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(٩) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(١٠) كشف الظنون٢/ ١٨٦٧. وقارن بفهرس مخطوطات المكتبة الظاهرية (فقه شافعي): ٢٦٢ - ٢٦٣.
(١١) لحظ الألحاظ: ٢٣١.
(١٢) المجمع المؤسس: ٨٩ / ب.
(١٣) ذكرها غير واحد، وفي خزانة مخطوطاتنا نسخة من شرحها لتلميذه سبط ابن العجمي، وأخرى من شرح المناوي.
1 / 21
٢٣ - النكت على منهاج البيضاوي (١).
٢٤ - هل يوزن في الميزان أعمال الأولياء والأنبياء أم لا؟ (٢).
المطلب الثاني: مؤلفاته في الحديث وعلومه
هذه الناحية من التصنيف كانت المجال الرحب أمام الحافظ العراقي ليظهر إمكاناته وبراعته في علوم الحديث ظهورًا بارزًا، يتجلى لنا ذلك من تنوع هذه التصانيف، التي بلغت (٤٢) مصنفًا تتراوح حجمًا ما بين مجلدات إلى أوراق معدودة، وهذه التصانيف هي:
١ - الأحاديث المخرّجة في الصحيحين التي تُكُلِّمَ فيها بضعف أو انقطاع (٣).
٢ - الأربعون البلدانية (٤).
٣ - أطراف صحيح ابن حبان (٥).
٤ - الأمالي (٦).
٥ - الباعث على الخلاص من حوادث القصاص (٧).
٦ - بيان ما ليس بموضوع من الأحاديث (٨).
٧ - تبصرة المبتدي وتذكرة المنتهي (٩).
_________
(١) الأعلام ٣/ ١١٩.
(٢) مقدمة محقق شرح التبصرة ١/ ١٨، وذكر أنه اطلع عليه في مجموع بالمكتبة الكتانية برقم (٣٨٥٤).
(٣) ذكره العراقي نفسه في شرح التبصرة والتذكرة ١/ ١٥٩ بتحقيقنا، وفي التقييد والإيضاح: ٣٣ وقد أشار البقاعي في نكته ٤٨/أ: إلى أنه لم يبيض، وأن مسوّدته عدمت.
(٤) لحظ الألحاظ: ٢٢٥.
(٥) لحظ الألحاظ: ٢٣٢.
(٦) توجد بعض المجالس منها بظاهرية دمشق برقم (مجموع ٥١) وحديث (٣٥٩). انظر: الفهرس الشامل ١/ ٢٤٢، وَقَدْ طبعت.
(٧) وهو مطبوع.
(٨) ذكره السخاوي في فتح المغيث ١/ ٢٥٦، ومنه نسخة في مكتبة السيد صبحي السامرائي.
(٩) وهو متن هذا الكتاب، وقد اشتهر باسم: " ألفية الحديث ". وقد طبع مفردًا بتحقيقنا.
1 / 22
٨ - ترتيب من له ذكر أو تجريح أو تعديل في بيان الوهم والإيهام (١).
٩ - تخريج أحاديث منهاج البيضاوي (٢).
١٠ - تساعيات الميدومي (٣).
١١ - تقريب الأسانيد وترتيب المسانيد (٤).
١٢ - التقييد والإيضاح لما أطلق وأغلق من كِتَاب ابن الصلاح (٥).
١٣ - تكملة شرح الترمذي لابن سيد الناس (٦).
١٤ - جامع التحصيل في معرفة رواة المراسيل (٧).
١٥ - ذيل على ذيل العبر للذهبي (٨).
١٦ - ذيل على كتاب أُسد الغابة (٩).
١٧ - ذيل مشيخة البياني (١٠).
١٨ - ذيل مشيخة القلانسي (١١).
١٩ - ذيل ميزان الاعتدال للذهبي (١٢).
_________
(١) لحظ الألحاظ: ٢٣٢.
(٢) توجد منه أربع نسخ خطية. الفهرس الشامل ١/ ٣٥١.
(٣) منه نسختان خطيتان. الفهرس الشامل ١/ ١٠١، ٣٧٥.
(٤) وهو متن كتابه الآتي "طرح التثريب"، ولهذا المتن عدة نسخ خطية. المعجم الشامل ١/ ٣٩٣.
(٥) طبع طبعة هي إلى السقم أقرب، ونحن في طريقنا إلى طبعه محققًا تحقيقًا يليق بمكانة المؤلف ونفاسة الكتاب.
(٦) وله عدة نسخ خطية. الفهرس الشامل ١/ ٤٠٢.
(٧) منه نسخة خطية في مكتبة راغب باشا برقم (٢٣٦). انظر: الفهرس الشامل ١/ ٦٥٨ ولعل هذا الكتاب هو نفسه الذي ذكره ابن فهد باسم " الإنصاف " وهو نفسه الذي ذكره حاجي خليفة باسم " ذيل العراقي على هوامش كتاب العلائي جامع التحصيل ". انظر: لحظ الألحاظ: ٢٣١، وكشف الظنون١/ ٨٩.
(٨) ذكره ولده أبو زرعة في ذيله على العبر ١/ ٤٩.
(٩) انظر: شرح التبصرة والتذكرة ٣/ ٦.
(١٠) الدرر الكامنة ٣/ ٢٩٥، والنجوم الزاهرة ١١/ ٨٩، وكشف الظنون ٢/ ١٦٩٦.
(١١) الدرر الكامنة ٤/ ٢٣٥.
(١٢) طبع بتحقيق السيد صبحي السامرائي في مؤسسة الرسالة، سنة ١٤٠٩ هـ- ١٩٨٩ م.
1 / 23