Fath al-Majeed Sharh Kitab al-Tawheed - Hatiba

Ahmad Hatiba d. Unknown
71

Fath al-Majeed Sharh Kitab al-Tawheed - Hatiba

فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة

Genres

أنواع الشرك يقول النبي ﷺ: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، فسئل عنه فقال: الرياء). فالشرك يقسمه العلماء باعتبار ما يظهر وما يخفى: إلى شرك ظاهر وشرك خفي، والشرك الظاهر: إما أن يكون شركًا أكبر، وإما أن يكون شركًا أصغر، والشرك الخفي الرياء. فقد يقع الإنسان في الشرك الأكبر بأن يجعل لله ندًا سبحانه. وقد يقع في الشرك الأصغر كأن يقع في الرياء، أو في يسير من الرياء، أو ينسب شيئًا لا يكون إلا لله لغير الله ﷾، كقول القائل: لولا البط في الدار لهاجمنا اللصوص مثلًا، أو لولا نباح الكلب لجاء اللصوص. فينسى الله ﷾ ويذكر غيره. وقد يقسم العلماء الشرك إلى قسمين: شرك أكبر، وشرك أصغر. فالشرك الأكبر: اتخاذ الند والعديل له سبحانه. والشرك الأصغر: ما كان من أقوال يقولها كما ذكرنا، أو كان من يسير الرياء. وسواء جعلنا القسمة ثلاثية: شرك أكبر، وشرك أصغر، والرياء شرك خفيف، أو جعلناها ثنائية وقلنا: شرك أكبر، وشرك أصغر، فالشرك الأصغر يدخل فيه اليسير من الرياء. ونص الحديث السابق في مسند الإمام أحمد وعند الطبراني والبيهقي عن محمود بن لبيد ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (إن أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء. يقول الله تعالى يوم القيامة إذا جازى الناس بأعمالهم: اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم جزاء). والحديث صححه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى في السلسلة الصحيحة، وفيه أن النبي ﷺ جعل الرياء أن يعمل الإنسان العمل الذي يكون لله فينظر فيه إلى الناس فيسمع ويرائي. والسمعة ومأخوذة من السمع، والرياء مأخوذ من البصر. ففي السمعة يريد أن يسمع الناس عنه، فيشتهر بأنه من أهل الدين والصلاح؛ فيقصد غير الله ﷾، وقد يكون ذلك في العمل كله، أو في بعض العمل، ولا ينجو منه إلا من رحم الله سبحانه. والرياء: أن يعمل العمل أمام الناس ويبتغي مدحهم على ذلك. فالرياء والسمعة فيهما الشهرة بين الناس؛ ولذلك كان السلف يخافون من الشهرة، وكانوا يطلبون الخمول، ومعنى الخمول: عدم الشهرة، وليس معناه: ترك العمل. وقوله ﷺ: (إن أخوف ما أخافه عليكم)، الخطاب فيه موجه للمؤمنين، فإذا كان الشرك الأصغر مخوفًا على أصحاب رسول الله ﷺ مع كمال علمهم وقوة إيمانهم فكيف لا يخافه من هو دونهم في العلم والإيمان؟ والرياء محبط للعمل؛ ولذلك جاء في الحديث القدسي أن الله سبحانه ﵎ يقول: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) فالذي يشرك بالله سبحانه ويعمل عملًا لله ولغير الله فالله غني عن مثل هذا العمل ولا يقبله، بل يقول: اذهب إلى من كنت تعمل له ليعطيك أجرًا. وفي صحيح مسلم قول النبي ﷺ: (ما بعث الله من نبي إلا كان حقًا عليه أن يدل أمته على خير ما يعلمه لهم)، فأخبر أن جميع الأنبياء ناصحون لأممهم، والنبي ﷺ حق عليه أن ينصح هذه الأمة، فعلم الأمة التوحيد، وحذرهم من الشرك بالله سبحانه ﵎. وذكر في الحديث الذي أخرجه أبو يعلى وابن المنذر عن حذيفة عن أبي بكر ﵄ قال: (الشرك أخفى من دبيب النمل، قال أبو بكر: يا رسول الله وهل الشرك إلا ما عبد من دون الله أو ما دعي مع الله؟ قال: ثكلتك أمك، الشرك فيكم أخفى من دبيب النمل)، والحديث إسناده ضعيف عند أبي يعلى، ولكن صح هذا المعنى من حديث رواه الحاكم الترمذي عن ابن عباس عن النبي ﷺ قال: (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النمل على الصفا)، والصفا: الحجر الأملس. فالشرك أخفى من دبيب النمل على الصفا، فلو أن نملة دبت على خشب لا تسمع له صوتًا؛ فإذا دبت على الحجر الأملس فلا تسمع لها صوتًا من باب أولى. قال المصنف ﵀: (وفي الحديث أن تقول: أعطاني الله وفلان، والند: أن يقول الإنسان: لولا فلان قتلني فلان) لكن هذا ليس مرفوعًا إلى النبي ﷺ إنما المعنى: أن هذا داخل في الشرك، فبدلًا من أن ينسب الفضل لله ﷿ يقول: لولا فلان، والصحيح أن يقول: لولا الله ﷾ ثم فلان. فإذا أردت أن تذكر فضلًا لأحد فابدأ بصاحب الفضل الحقيقي وهو الله ذو الفضل العظيم، ولا تجعل فلانًا عدلًا لله سبحانه، فتقول: لولا الله وفلان. وإذا كان النبي ﷺ نهى أن يقال عنه ذلك فغيره من باب أولى كما سيأتي. قال المؤلف رحمه الله تعالى: (وعن ابن مسعود ﵁ أن رسول الله ﷺ قال: (من مات وهو يدعو من دون الله ندًا دخل النار». والند: الشريك والمثيل والنظير، ومعنى الحديث: يجعل أحدًا مع الله، ولم يكن أحد من أهل الجاهلية يسوي بين الله ﷿ وبين خلقه في أفعال الله سبحانه؛ فإذا سئل أحدهم من خلق كذا؟ قال: الله. إنما تسويته في العبادة، فيعبد غير الله ويقول: يقربني إلى الله. إذًا: جعلوا لله ﷿ أندادًا في تقربهم إلى الله ﷿ بالعبادة. فإذا قال إنسان: أنا معترف بأن الله يخلق، ويرزق، ويعطي، ويمنع ويضر فأنا لست مشركًا، قلنا: إن أهل الجاهلية كانوا مقرين بذلك، ولكن الإنسان يدخل في الشرك عندما يوجه عبادته إلى غير الله ﷾ أو يتلفظ بألفاظ يسوي فيها بين الله ﷿ وبين مخلوقاته. يقول ابن القيم ﵀: (الند: الشبيه، يقال: فلان ند فلان ونديده أي: مثله وشبهه) وقوله: (من مات وهو يدعو لله ندًا) أي: يجعل لله ندًا في العبادة يدعوه ويسأله ويستغيثه، كأن يقول: يا فلان، يا سيدي فلان، فيطلب من غير الله ما لا يطلب إلا من الله سبحانه. إذا وقع في المصيبة استغاث بغير الله ﷾. غير الله وليس من شرط اتخاذ الند في العبادة أن يصلي لغير الله، ولم نر أحدًا من هؤلاء يصلي لغير الله، لكنه إذا دعا دعا غير الله، وإذا نذر، قال: هذا لسيدي فلان. وقد قال الله سبحانه: ﴿قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ﴾ [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣]، فهذه العبادات لا يتوجه بها إلا لرب العالمين سبحانه، والمقصود بالنسك: ما يتقرب به لله ﷿ في الحج والعمرة. وقوله: (محياي) عموم بعد خصوص، والممات لا يكون إلا لله رب العالمين سبحانه. قال العلامة ابن القيم ﵀: والشرك فاحذره فشرك ظاهر ذا القسم ليس بقابل الغفران وهو اتخاذ الند للرحمن أيًا كان لله من حجر ومن إنسان يدعوه أو يرجوه ثم يخافه ويحبه كمحبة الديان وهذا فيه كسر للتفعيلة، والصواب ما أثبتناه.

6 / 7