Fath al-Majeed Sharh Kitab al-Tawheed - Hatiba
فتح المجيد شرح كتاب التوحيد - حطيبة
Genres
الكلام على قوله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة)
هذا الباب الثالث من كتاب التوحيد، وفيه من حقق التوحيد دخل الجنة بغير حساب، وتحقيق التوحيد، أي: تخليصه، وتصفيته، وتنقيته من شوائب الشرك والبدع، والمعاصي قال الله ﷿: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ * شَاكِرًا لِأَنْعُمِهِ اجْتَبَاهُ وَهَدَاهُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ﴾ [النحل:١٢٠ - ١٢١].
لما حقق إبراهيم التوحيد لرب العالمين، استحق أن يكون أمة وحده، واستحق أن يمدحه الله ﷿ بهذه الصفة، ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتًا لِلَّهِ حَنِيفًا وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ﴾ [النحل:١٢٠]، الأمة: بمعنى القدوة في جميع أعمال الخير، وإبراهيم ﵊ هو أبو الأنبياء، وكان يلقب بأبي الضيفان، وهو أحد الخمسة من أولي العزم من رسل الله سبحانه ﵎، وقد جعل الله ﷿ ذريته على التوحيد الخالص ببركة دعوته قال: ﴿وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الأَصْنَامَ﴾ [إبراهيم:٣٥]، فجعل من ذريته الأنبياء الذين يدعون إلى ربهم سبحانه، فما جاء بعده نبي إلا وهو من ذريته ﵊.
وذكروا أن الله ﷿ مدح إبراهيم ﵊ في هذه الآية بأنه حقق كمال التوحيد، وحسن العبادة، بل أحسن العبادة وأفضلها فوصفه بأنه: كان أمة: بمعنى: كان قدوة في الخير، وإمامًا ومعلمًا له.
وهناك فرق بين أن يكون إمامًا وأن يكون أمة، فإنه إن يكن أمةً يدخل تحتها أن يكون إمامًا، وإن يكن إمامًا فلا يلزم أن يكون أمة، إذ الأمة هو الذي جمع خصالًا من الخير لا تجتمع إلا في أمة كاملة، فكأن خصال الخير التي في إبراهيم لا تجتمع لغيره من الناس فرادى، ولكن تجتمع لمجموعة من الناس، فلما قام إبراهيم وحده بذلك كان أمة.
قالوا: والإمام كل من يقتدى به ويؤتم به، سواء قصد ذلك وشعر به أو لم يقصده ولم يشعر به.
ولذلك فمن تقتدي به أو تسير على نهجه وهديه فهو إمامك، ومن ذلك تسمية الطريق إمامًا، قال الله ﷿: ﴿وَإِنَّهُمَا لَبِإِمَامٍ مُبِينٍ﴾ [الحجر:٧٩]، أي: طريق مسلوك يسلكه الناس فيعرفون أن ديار ثمود كانت هنا، وأن أصحاب الأيكة كانوا هنا، فالإمام كل من تقتدي به شعر بذلك أو لم يشعر.
أما الأمة ففيها زيادة معنى فوق معنى الإمام، فإذا كان الإمام الفرد الواحد، فالأمة المجموعة من الناس، ولكن قد تطلق الأمة على الواحد على اعتبار أنه جمع خصالًا مجموعة من الناس، وليس إنسانًا واحدًا، فلفظ الأمة يشعر بذلك، فقوله: ﴿إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً﴾ [النحل:١٢٠]، يعني: أن فيه خصالًا عظيمة من خصال الخير لا تكون إلا في أمة من الناس.
5 / 3