بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد والأئمة الهداة من آله الطاهرين وبعد فان هذه (الفتاوى الواضحة) تشتمل على احكام ترخيصية تمثل فتاوانا وعلى احكام الزامية تمثل فتاوانا أو مواقع الاحتياط الواجب في نظرنا وعلى آداب تعبر عن فتوى أو احتمال اخذ به الفقهاء ومن الله تعالى نستمد السداد والاعتصام وهو ولي التوفيق محمد باقر الصدر 24 محرم الحرام 1396

Page 3

المقدمة بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على الهداة الميامين خاتم الأنبياء وأهل بيته الطاهرين.

وبعد فان الله سبحانه وتعالى حينما انزل على خاتم الأنبياء أشرف رسالات السماء ضمن انسجامها مع فطرة الانسان وانفتاحها على كل ابعاد وجوده ورعايتها له المهد إلى اللحد.

وقد انعكس ذلك بكل وضوح على الشريعة الاسلامية فكانت شريعة الحياة في كل مناحيها والقيمة على توجيهها مع أخذ كل خصائص الانسان وظروفه الواقعية بعين الاعتبار كيف نشأت الحاجة إلى الاجتهاد والمصدر الأساس للشريعة هو الكتاب الكريم والسنة الشريفة، ولو كانت أحكام الشريعة قد أعطت كلها من خلال الكتاب والسنة صيغ وعبائر واضحة صريحة لا يشوبها اي شك أو غموض لكانت عملية استخراج الحكم الشرعي نم الكتاب والسنة ميسورة لكثير من الناس، ولكنها في الحقيقة لم تعط بهذه الصورة المحدودة المتميزة الصريحة وانما أعطيت منثورة في دراستها والمقارنة بينها واستخراج النتائج النهائية منها، ويزداد هذا الجهد

Page 4

العلمي ضرورة وتتنوع وتتعمق أكثر متطلباته وحاجاته كلما ابتعد الشخص عن زمن صدور النص وامتد الفاصل الزمني بينه وبين عصر الكتاب والسنة بكل ما يحمله هذا الامتداد من مضاعفات كضياع جملة من الأحاديث ولزوم تمحيص الأسانيد وتغير كثير من أساليب التعبير وقرائن التفهيم والملابسات التي تكتنف الكلام ودخول شئ كثير من الدس والافتراء في مجاميع الروايات الامر الذي يتطلب عناية بالغة في التمحيص والتدقيق، هذا إضافة إلى أن تطور الحياة يفرض هددا كبيرا من الواقع والحوادث الجديدة لم يرد فيها نص خاص فلابد من استنباط حكمها على ضوء القواعد العامة ومجموعة ما أعطي من أصول وتشريعات.

كل ذلك وغير ذلك مما لا يمكن استيعابه في هذا الحديث الموجز جعل التعرف على الحكم الشرعي في كثير من الحالات عملا علميا معقدا وبحاجة إلى جهد وبحث وهناء وان لم يكن كذلك في جملة من الحالات الأخرى التي يكون الحكم الشرعي فيها واضحا كل الوضوح كيف نشأت الحاجة إلى التقليد وكانت ولا تزال سنة الحياة في كل ناحية نم مناحيها تفرض موقفا مشابها لما تقدم، فأنت اي مجال من الحياة لاحظته تجد أن مما سنه تتطلب معرفة معينة وان جزاء من هذه المعرفة قد يكون واضحا ومتيسرا على العموم ولكن الجزء الأكبر منها غير واضح ويتطلب جهدا علميا ومعاناه في الدرس والبحث، ففي المجال الصحي مثلا يعلم كل انسان بحكم التجربة الساذجة في حياته انه إذا تعرض إلى مناخ بارد فجأة فقد يصاب باعراض حمى، ولكن كثيرا من أساليب الوقاية والعلاج لا يعرفها الا عن طريق الطبيب ولا

Page 5

يعرفها الطبيب الا بالبحث والجهد، وهكذا الحال في مجال التعمير والبناء ومجالات الزراعة والصناعة على اختلاف فروعها.

ومن هنا وجد كل انسان انه لا يمكن عمليا ان يتحمل بمفردة مسؤولية البحث والجهد الكامل في كل ناحية من نواحي الحياة لان هذا عادة أكبر من قدرة الفرد وعمرة من ناحية ولا يتيح له التعمق في كل تلك النواحي بالدرجة الكبيرة من ناحية أخرى، فاستقرت المجتمعات البشرية على أن يتخصص لكل مجال من مجالات المعرفة والبحث عدد من الناس فيكتفي كل فرد في غير مجال اختصاص محملا لهم المسؤولية في تقدير الموقف وكان ذلك لونا من تقسيم العمل بين الناس سار عليه لانسان بفطرته منذ أبعد العصور ولم يشذ الاسلام عن ذلك بل جرى على نفس الأساس الذي اخذ به الانسان في كل مناحي حياته فوضع مبدئي الاجتهاد والتقليد فالاجتهاد هو التخصص في علوم الشريعة والتقليد هو الاعتماد على المتخصصين، فكل مكلف يريد التعرف على الأحكام الشرعية يعتمد أولا على بداهته الدينية العامة وما لا يعرف بالبداهة من احكام الدين يعتمد في معرفته على المجتهد المتخصص، ولم يكلف الله تعالى كل انسان بالاجتهاد ومعاناة البحث والجهد العلمي من اجل التعرف على الحكم الشرعي توفيرا للوقت وتوزيعا للجهد الانساني على كل حقول الحياة. كما لم يأذن الله سبحانه وتعالى لغير المتخصص المجتهد بأن يحاول التعرف المباشر على الحكم الشرعي من الكتاب والسنة ويعتمد على محاولته بل أوجب عليه ان يكون التعرف على الحكم عن طريق

Page 6

التقليد والاعتماد على العلماء المجتهدين، وبهذا كان التقليد أمرا واجبا مفروضا في الدين. والتقليد على هذا الأساس يعني تحميل المسؤولية وانما سمي تقليدا لان المكلف يضع عمله كالقلادة في رقبة المجتهد الذي يقلده تعبيرا رمزيا عن تحميله مسؤولية هذا العمل امام الله سبحانه وتعالى وليس التقليد هو التعصب والاعتقاد بما يعتقده الآخرون جهلا وبدون دليل ففرق بين ان يبدي شخص رأيا فتسارع إلى اليقين بذلك الرأي بدون ان تعرف دليلا عليه وتؤكد صحته، وبين ان يبدي شخص رأيا فتتبعه محملا له مسؤولية هذا الرأي بحكم كونه من ذوي الاختصاص والمعرفة، فالأول هو التقليد المذموم شرعا وعقلا والثاني هو التقليد الصحيح الذي جرت عليه سنة الحياة شرعا وعقلا.

وقد احتاطت الشريعة للتقليد احتياطا كبيرا ففرضت على المكلف ان يقلد اعلم المتخصصين في حالة اختلاف آرائهم وان لا يقلد الا من كان عادلا لا يميل عن الشرع إلى هواه خطوة في كبيرة أو صغيرة لكي يضمن المقلد بذلك أكبر درجة ممكنة من الصواب في رأي مرجعه الديني وأمرته في اللحظة التي يجد فيها الأكفأ والأعلم من مقلده السابق ان يعدل إليه، كل ذلك للابتعاد بالتقليد من معنى المتابعة العمياء والتعصب المذموم.

وعلى ذلك جرت سنة المؤمنين والمسلمين منذ عصر الأئمة عليهم السلام إلى يومنا، هذا فقد كان الأئمة عليهم السلام يوجهون السائلين من أبناء الأمصار الأخرى إلى تقليد الفقهاء من أبناء مدرستهم والرجوع إليهم ولا يرون لهم عذرا في التسامح في ذلك.

Page 7