<233> بالجماعة وقال مالك والشافعي رحمهما الله تعالى في القديم الانفراد أفضل كسائر السنن لأنه أقرب إلى الإخلاص وأبعد عن الرياء وعن أبي يوسف رحمه الله تعالى أنه قال من قدر أن يصلي في بيته كما يصلى مع الإمام في مسجده فالأفضل له أن يصلى في البيت والصحيح أن الجماعة أفضل لأن عمر رضي الله تعالى عنه أقامها بالجماعة بمحضر من كبار الصحابة وخيارهم رضي الله تعالى عنهم والظاهر منهم اختيار الأفضل وقال بعض العلماء إذا صلاها في البيت وحده وترك الجماعة كان مسيئا تاركا كاللسنة والحاصل أن الجماعة سنة على وجه الكفاية أن ترك أهل المسجد كلهم فقد أساءوا وتركوا السنة وإن أقيمت التراويح في المسجد بالجماعة وتخلف رجل من أحاد الناس وصلى في بيته يكون تاركا للفضيلة ولا يكون مسيئا ولا تاركا للسنة وإن كان الرجل ممن يقتدي به ويكثر الجماعة بحضرته ونقل بغيبته لا ينبغي له أن يترك الجماعة لأن في تركه تقليل الجماعة وإن صلى بجماعة في البيت اختلف فيه المشايخ والصحيح أن للجماعة في البيت فضيلة وللجماعة في المسجد فضيلة أخرى فإذا صلى في البيت بجماعة فقد حاز فضيلة أدائها بالجماعة وترك الفضيلة الأخرى هكذا قاله القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله تعالى والصحيح أن أداءها بالجماعة في المسجد أفضل لأن فيه تكثيرا للجماعة وكذلك في المكتوبات ولو كان الفقيه قارئا فالأفضل والأحسن له أن يصلي بقراءة نفسه ولا يقتدي بقراءة غيره ويكره للرجل أن يستأجر رجلا يؤمه في بيته لأن الاستئجار للإمامة فاسد ولو أقاموا التراويح بإمامين فصلى كل إمام تسليمة بعضهم جوزوا ذلك والصحيح أنه لا يستحب وإنما يستحب أن يصلى كل إمام ترويحة ليكون موافقا عمل أهل الحرمين فلما جاز التراويح بإمامين على هذا الوجه يجوز أن يصلي الفريضة أحدهما والآخر التراويح ولو صلى إمام واحد التراويح في مسجدين كل مسجد على وجه الكمال اختلف المشايخ فيه حكى عن أبي بكر الإسكاف رحمه الله تعالى أنه لا يجوز قال أبو بكر سمعت أبا نصر أنه قال لا يجوز لأهل المسجدين جميعا كما لو أذن المؤذن وأقام وصلى ثم أتى مسجدا آخر فأذن وأقام <234>وصلى معهم فإنه لا يكره وإنما يكره إذا أذن وأقام ولا يصلي معهم كذلك في التراويح ولو صلى التراويح مرتين في مسجد واحد يكره كما لو أذن وأقام مرتين في مسجد واحد واختار الفقيه أبو الليث رحمه الله تعالى قول أبي بكر رحمه الله تعالى وهذا إذا أم للناس مرتين فإن لم يكن إماما وصلى التراويح في مسجد بجماعة ثم أدرك جماعة في مسجد آخر فدخل معهم وصلى لا بأس به كما لو صلى المكتوبة ثم أدرك الجماعة جاز أن يصلي معهم إلا الفجر والعصر. ثم مسائل التراويح يجمعها فصول نذكرها إن شاء الله تعالى (فصل في مقدار التراويح) مقدار التراويح عند أصحابنا والشافعي رحمه الله تعالى ما روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى قال القيام في شهر رمضان سنة لا ينبغي تركها يصلى أهل كل مسجد في مسجدهم كل ليلة سوى الوتر عشرين ركعة خمس ترويحات بعشر تسليمات يسلم في كل ركعتين وقال مالك رحمه الله تعالى أن يصلي ستا وثلاثين ركعة سوى الوتر لما روى عن عمر وعلي رضي الله تعالى عنهما أنهما كانا يصليان سنة وثلاثين ولنا ما روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنه أنه قال كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي عشرين ركعة في شهر رمضان ثم كان يوتر بثلاث بعدها خص رمضان بالذكر فالظاهر أنه أراد به التراويح وهو المشهور من الصحابة والتابعين رضوان الله عليهم أجمعين وما روى مالك رحمه الله تعالى غير مشهور وهو محمول على أنهما كانا يصليان بين كل ترويحة أربع ركعات فرادى فرادى كما هو مذهب أهل المدينة فإن صلوا بالجماعة ستا وثلاثين كما قال مالك رحمه الله تعالى لا بأس به عند الشافعي رحمه الله تعالى وعندنا أن صلوا بالجماعة عشرين ركعة وما زاد على ذلك إلى ست وثلاثين فرادى فرادى فهو مستحب وإن صلوا الزيادة بالجماعة يكره بناء على أن التنقل بالجماعة غير التراويح مكروه عندنا وعنده ليس بمكروه وكلما صلى الإمام ترويحة ينتظر قاعدا بين الترويحتين مقدار ترويحة وينتظر بين الترويحة الخامسة والوتر مقدار ترويحة ثم يوتر هكذا روى الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله تعالى وإنما يستحب الانتظار كل ترويحتين لأن التراويح مأخوذ
<235>من الراحة فيفعل ما قلنا تحقيقة للاسم وهو في الانتظار مخير إن شاء سبح وإن شاء هلل وإن شاء صلى وإن شاء سكت أي ذلك فعل فهو حسن لقوله عليه الصلاة والسلام المنتظر للصلاة في الصلاة وأهل مكة يطوفون بالبيت بين كل ترويحتين أسبوعا وأهل المدينة يصلون في ذلك أربع ركعات فصار تراويح أهل مكة مع الوتر ثلاثا وعشرين وتراويح أهل المدينة مع ما يصلون بين الترويحات تسعا وثلاثين فإن استراح على رأس خمس تسليمات ولم يسترح بين كل ترويحتين اختلفوا فيه قال بعضهم لا بأس به وقال بعضهم لا يستحب ذلك لأنه يخالف عمل أهل الحرمين وإن صلوا بين كل ترويحتين فرادى فرادى لا بأس به يستوي فيه الإمام وغيره
(فصل في وقت التراويح) اختلف المشايخ رحمهم الله تعالى في وقتها حكى عن الشيخ الإمام اسماعيل الزاهد وجماعة سواه رحمهم الله تعالى أن جميع الليل إلى طلوع الفجر وقت لها قبل العشاء وبعده قبل الوتر وبعده لأنها سميت قيام الليل فكان وقتها الليل وعامة مشايخ بخاري رحمهم الله تعالى قالوا وقتها ما بين العشاء والوتر إن صلوها قبل العشاء أو بعد الوتر لم يؤدها في وقتها ولا يكون تراويح لأن التراويح عرف بفعل الصحابة رضي الله تعالى عنهم فكان وقتها ما صلوا بعد العشاء قبل الوتر وقال القاضي الإمام أبو علي النسفي رحمه الله تعالى الصحيح أنه لو صلى التراويح قبل العشاء لا يجوز ولا يكون تراويح وإن صلوا بعد العشاء وبعد الوتر جاز ويكون تراويح لأنها تبع للعشاء بمنزلة السنة رجل دخل المسجد فوجد الناس يصلون التراويح وهو لم يصل العشاء فافتتح التراويح معهم ثم صلى العشاء يجوز ذلك على قول من يجوز التراويح قبل العشاء وإن وجدهم في الوتر وهو لم يصل العشاء فصلى الوتر معهم لا يجوز وتره في قولهم ولو صلى المكتوبة وعنده أنه قبل الوقت ثم ظهر أنه كان في الوقت قالوا لا يجوز ويخاف عليه في دينة ولو صلى إلى غير القبلة متعمدا فظهر أنه كان مستقبلا للقبلة قال نصير بن يحيى رحمه الله تعالى يصير كافرا بالله تعالى إذا لم يتأول قوله تعالى {فأينما تولوا فثم وجه الله}
Page 115