_________
العقيدة
_________
التوحيد
التوحيد
Unknown page
السائلة أماني عبد الحليم تقول: قرأت في كتاب بأن أهل التوحيد لايخلدون في النار، فمن هم أهل التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أهل التوحيد الذين عبدوا الله تعالى وحده، الذين عبدوا الله تعالى وحده أي: قاموا بالعبادة مخلصين بها لله، متبعين فيها لرسول الله ﷺ، هؤلاء هم أهل التوحيد، ولا يختصون بطائفةٍ دون أخرى، في أي بلادٍ كان الإنسان، ومن أي قبيلةٍ كان، ومن أي جنسٍ كان، إذا قام بعبادة الله ﷿ وحده، متبعًا في ذلك رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو من أهل الجنة.
***
1 / 1
ما هي أنواع التوحيد وشروط كلمة التوحيد؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤال السائل عن كلمة التوحيد: فكلمة التوحيد هي لا إله إلا الله، أي: لا معبود حق إلا الله، وهذه تتضمن شيئين مهمين: الشيء الأول: نفي الألوهية الحقة عما سوى الله ﷿، فإنه لا إله إلا الله ﷿. والثاني: إثبات الألوهية الحق لله ﷿، وبهذا تم الإخلاص في هذه الكلمة العظيمة التي هي باب الدخول في الإسلام، ولهذا من قال: لا إله إلا الله، فقد عصم دمه وماله. وفي الصحيح أن أسامة بن زيد ﵁ لحق رجلًا مشركًا هرب منه، فلما أحاط به قال الرجل المشرك: لا إله إلا الله. فقتله أسامة بعد أن قال لا إله إلا الله. فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقال له: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله؟ قال: يا رسول الله إنما قالها تعوذًا. يعني: ليعتصم بها من القتل وليست عن إخلاص، فجعل النبي ﷺ يكررها، حتى قال أسامة: (حتى تمنيت أني لم أكن أسلمت بعد) .فهذا أهم شيء في كلمة الإخلاص. ومنها- يعني: من شروط قبولها- أن يكون الإنسان قد قالها عن يقين، أي: قالها متيقنًا لا مترددًا ولا مقلدًا، بل متيقنًا أنه لا إله حق إلا الله ﵎، ولها مكملات بعضها على سبيل الوجوب وبعضها على سبيل الاستحباب، معلومة في كتب أهل العلم.
***
يسري حامد يقول: ما أقسام التوحيد مفصلة؟ لأننا في زمن كثرت فيه الشركيات، فنشاهد أناسًا يذبحون عند الأضرحة ويطوفون بها ويتقربون إليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ عن التوحيد وأقسامه سؤال مهم؛ لأن التوحيد هو الذي بعثت به الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم قال الله ﵎: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) . والرسل حكى الله عنهم على وجه التفصيل أنهم كانوا يقولون لأقوامهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) . والنبي ﵊ جاء بتحقيق هذا التوحيد تحقيقًا تامًّا يمنع العبد من الإشراك بالله الشرك الصغير والكبير، وقد ذكر أهل العلم ﵏ أن أقسام التوحيد ثلاثة، وذلك بالتتبع والاستقراء، أولها: توحيد الربوبية، والثاني: توحيد الألوهية، والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وقد اجتمعت الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فقوله تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) هذا توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) هذا توحيد الألوهية، وقوله تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) هذا توحيد الأسماء والصفات، أي لا تعلم له سميًّا أي: مساميا يضاهيه ويماثله ﷿. أقسام التوحيد ثلاثة: القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله ﷿ في الخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، لا أحد يقوم بهذا على وجه الإطلاق والعموم والشمول إلا الله رب العالمين، فهو المتفرد بالخلق، المتفرد بالملك، المتفرد بالتدبير، قال الله ﷿: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) . فالآية هذه فيها حصر الخلق والأمر في الله وحده، وذلك بتقديم الخبر (له) على المبتدأ (الخلق)، وتقديم ماحقه التأخير يفيد الحصر، كما قرر ذلك علماء البلاغة، فالخلق كله له، والأمر كله له ﷿، لا يشركه أحد، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . فبين الله ﷿ أن هؤلا السفهاء الذين يشركون، الذين اتخذهم عبادهم شفعاء عند الله، شركاء مع الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض على وجه الاستقلال بها دون الله، ما لهم فيهما من شرك، أي: لا يملكون شركة مع الله ﷿، فليسوا مستقلين في شيء، وليسوا شركاء مع الله في شيء، (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) يعني: ما لله أحد من هؤلاء يساعده ويعينه ﷿، بل هو مستغنٍ عن جميع خلقه، (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وذلك لكمال سلطانه وعظيم ملكه ﷿، لا أحد يشفع عنده يتوسط بشيء لأحد من خير أو دفع ضرر إلا بإذنه ﷿، وفي هذا قطع لجميع ما يتعلق به المشركون الذين يدعون أنهم يعبدون هذه الأصنام، يتخذونها شفعاء عند الله، قال: (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ومن المعلوم أن الله لن يأذن لهذه الأصنام أن تشفع، ولا يأذن لأحد أن يشفع لعابد هذه الأصنام، قال الله ﵎: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . وقال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) . وحينئذٍ تنقطع كل الآمال التي يتعلق بها هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله غيره، يرجونه نفعًا أو دفع ضرر، فإن ذلك لا ينفعه، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . إذًا توحيد الربوبية إفراد الله ﷿ بأمور ثلاثة: بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله. وما يوجد من المخلوق من صنع الأشياء، وما يوجد من المخلوق من الملك، وما يوجد للمخلوق من التدبير، فكله تدبير ناقص، وهم أيضًا غير مستقلين به، بل ذلك من خلق الله ﷿، أما المنفرد بذلك على وجه الاستقلال فهو الله ﷾، فللمخلوق خلق وإيجاد، لكنه ليس كخلق الله، فالله تعالى موجد الأشياء من العدم، والمخلوق لا يستطيع أن يوجد الشيء من العدم، وإنما يستطيع أن يركب شيئًا مع شيء،أو يغير صورة شيء إلى شيء، كما لو غير النجار الخشبة إلى باب، والحداد الصفائح الحديد إلى أبواب وما أشبه ذلك، لكنه لن يخلق هذه المادة، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) . كذلك الإنسان له ملك، قال الله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) . وقال الله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَه) . ولكن هذا الملك ملك مقيد محدود ليس بشامل، وليس للإنسان فيه مطلق التصرف، بل هو محدود، فما بيدي من الملك ليس لك، وما بيدك من الملك ليس لي، ثم إنه ملك محدود لا تستطيع أن تتصرف فيه إلا على حسب ما جاءت به الشريعة. وكذلك للإنسان تدبير: يدبر مملوكه، ويدبر زوجته، يدبر أهله، لكنه تدبير ناقص ليس بشامل، ولا للإنسان فيه مطلق الحرية، وبهذا عرفنا أن المنفرد بالخلق والمنفرد بالملك والمنفرد بالتدبير هو الله ﷿ وحده. هذا قسم من أقسام التوحيد، وهذا التوحيد لم ينكره المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ﵌، بل كانوا يقرون به غاية الإقرار، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) . وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) . وهكذا الآيات الكثيرة كلها تدل على أن المشركين الذين قاتلهم النبي ﵌ واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم وذريتهم كانوا يقرون بهذا التوحيد، لكن ذلك لم ينفعهم؛ لأنهم مشركون في توحيد الألوهية، توحيد العبادة الذي هو حق الله الخاص له، وهو: القسم الثاني: توحيد الألوهية، المستفاد من قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) والألوهية مبنية على شيئين، بل العبادة مبنية على شيئين: المحبة والتعظيم، فبالمحبة يكون الرجاء وفعل الأوامر، طلبًا للوصول إلى محبة الله ﷿ وثوابه، والتعظيم- وهو الأساس الثاني للعبادة- به يترك الإنسان المناهي التي نهى الله عنها؛ لأنه بتعظيمه لله يترك مناهيه ويخاف من عقابه. ثم إن العبادة لها شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول الله ﵌. فللعبادة إذًا ركنان ولها شرطان، أما ركناها فالمحبة والتعظيم وهما الأساس، وأما شرطاها فهما الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﵌، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . ودليل المتابعة قوله ﵎: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقال النبي ﵌: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . أي: مردود على صاحبه؛ لأنه لم تتحقق فيه المتابعة. وإذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية: فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأولياء، ومنهم من يطوف بالقبور رجاءً لنفعها ودفعها للضرر، ومنهم من يُؤلِّه الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية، يطيعهم فيما حرم الله فيستحله وفيما أحل الله فيحرمه، وهذا هو اتخاذهم أربابًا، قال الله ﵎: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . ويروى عن عدي بن حاتم ﵁ أنه قال للنبي ﵌: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى. قال النبي ﵌ فتلك عبادتهم) . وهذا القسم من التوحيد هو الذي خالف فيه المشركون رسول الله ﵌ وأنكروا عليه، وقالوا فيه: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) . وسبحان الله أن يكون التوحيد عجابًا، وأن يكون شركه صوابًا. فالعجب العجاب الذي لا ينقضي هو أن يشرك هؤلاء بالله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ولا يستجيب لهم إلى يوم القيامة، وقد استباح النبي ﵌ دماء هؤلاء المشركين ونساءهم وذرياتهم وأموالهم وقاتلهم على ذلك أشد المقاتلة، حتى يعبدوا الله ﷿ أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. أما القسم الثالث فهو توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله ﷿ بأسمائه وصفاته، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفى الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه ورسوله، إثباتًا بلا تمثيل، ونفيًا بلا تعطيل. وهذا هو الذي انقسمت فيه الأمة الإسلامية إلى أقسام متعددة: فمنهم السلف، وهم فقط أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو على لسان رسوله ﵌، إثباتًا بلا تمثيل، ونفوا ما نفى الله عن نفسه نفيًا بلا تعطيل، وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله. فمن ذلك أنهم أثبتوا لله كل ما وصف به نفسه، كل صفة أثبتها لنفسه: من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام والعزة والحكمة والرحمة والعجب والضحك، وأثبتوا لله الوجه واليدين والعينين، وأثبتوا لله القدم والساق، وكذلك كل ما وصف الله به نفسه أثبتوه لله ﷿ لكن بلا تمثيل، يثبتون هذا ويقولون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ) . فيقولون: لله يد ولكن ليستا كأيدينا، وجه لكن ليس كوجوهنا، عينان لكن ليست كأعيننا، وهكذا بقية الصفات. ويقولون أيضًا: إن الله استوى على العرش، علا عليه علوًّا يليق بجلاله ﷿، لكن ليس كاستوائنا نحن على السرير أو على الدابة أو على الفلك؛ لا؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ) . هذا هو مذهب السلف: إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الأسماء والصفات، والسكوت عما سكت عنه. وبعد ذلك تنازع الناس تنازعًا طويلًا عريضًا لا ينبني على أصل، لا من المعقول ولا من المنقول: فأثبت قوم الأسماء، وأثبتوا من الصفات صفات قليلة، وليس على الوجه الذي يثبته عليه أهل السنة والجماعة، بل يخالفونه في كيفية هذا الإثبات. وأثبت قوم الأسماء، ونفوا الصفات كلها، أو إلا الحياة والعلم والقدرة. ونفى قوم الأسماء والصفات، ونفى قوم الإثبات والنفي، واضطربوا في ذلك اضطرابًا كثيرًا. لكن من هؤلاء من تصل بدعته إلى حد الكفر المخرج من الملة، ومنهم من دون ذلك، ولكن الحق فيما ذهب إليه السلف، وهم أهل السنة والجماعة: إثبات كل صفة أثبتها الله لنفسه بدون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي كل صفة نفاها الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه، وهذه الطريقة السليمة الثابتة سمعًا وعقلًا وفطرةً. وللناس في هذا كتب ورسائل معلومة، ومن أحسن ما رأيته تقريبًا لهذا الأصل العظيم ما كتبه شيخ الإسلام، ابن تيمية ﵀، وكتبه تليمذه ابن القيم، فإنهما كتبا في هذا الباب كتابات عظيمة مفيدة، ما رأيت أحدًا كتب مثل كتابتهما، وغالب من يكتب في هذا الباب تجدهم يقلد بعضهم بعضًا، ولهم مقلدون لا يخرجون عن كلامهم ولو تبين الحق، والحقيقة أن الواجب على المرء أن يتبع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله سلم، وأنه ليس بمعذور إذا خالف ذلك من أجل قول فلان وفلان، قد يخطئ فلان وفلان من المتبوعين خطأً يعذر فيه، لكن التابع الذي تبين له الحق لا يعذر في اتباعه لهؤلاء الذين أخطؤوا. وإنني من هذا المنبر منبر نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية أدعو جميع إخواني الذين درسوا في هذا العلم علم التوحيد علم العقائد، أدعوهم إلى تقوى الله ﷿، وأن يسلكوا ما سلكه النبي ﵌ وأصحابه من الخلفاء الراشدين وغيرهم في هذا الباب العظيم الخطير؛ لأن هذا الباب مبناه على الخبر المحض، ليس للعقول فيه مجال إلا على سبيل الإجمال، فإن العقول تهتدي إجمالًا إلى أن الله موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، ولكن لا تدرك هذا على وجه التفصيل، وإنما يؤخذ ذلك من الكتاب والسنة، وإذا كان هذا هو الواقع، وأن ما يتعلق بصفات الله وأسمائه خبر محض، فإنه يجب علينا أن لا نحيد عن ما جاء به الكتاب والسنة قيد أنملة، ولا سمك شعرة، بل يجب علينا قبول ما جاء به الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولقد رأينا أن الذين يحيدون عن هذه السبيل ويتخبطون خبط عشواء في بعض أسماء الله وصفاته، رأينا أنهم يضلون كثيرًا، ويؤدي بهم الحال إلى الشرك وإلى الحيرة، كما نقل ذلك عن كثيرٍ من زعمائهم، حتى إن الفخر الرازي وهو من رؤسائهم قال فيما نقل عنه، إما منشدًا وإما ناظمًا: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وقال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تروي غليلًا ولا تشفي عليلًا، وجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) . وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) . ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي) . ويقول الآخر: لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعًا كف حائر على ذقن أو قارعًا سن نادم وهذا يدل على أن هؤلاء المتكلمين الذين ذهبوا يحكمون على الله تعالى بعقولهم فيما يصفونه به كانوا في حيرة شديدة، وأن من بلغ منهم الغاية في علم الكلام رجع إلى الحق، وهو ما كان عليه سلف هذه الأمة: من إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﵌، ونفي ما نفى الله عنه أو ما نفاه عنه رسوله ﵌، والسكوت عن ما لم يرد به إثبات ولا نفي، وهذا هو الأدب مع الله ورسوله، فعلينا جميعًا أن نتوب إلى الله ﷿، وأن نرجع إلى منهج سلفنا الصالح في هذا الباب العظيم الخطير. ونسأل الله لنا ولإخواننا السلامة والتوفيق لمنهج السلف الصالح، وأن يتوفانا على ما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم. ***
هل الإيمان هو التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان والتوحيد شيئان متغايران وشيئان متفقان، فالتوحيد هو إفراد الله ﷿ بما يستحقه ويختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ولهذا قال العلماء ﵏: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وإن هذه الأقسام جاءت في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . فقوله: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يعني توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) يعني توحيد الألوهية، وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) يعني توحيد الأسماء والصفات. وهذا التقسيم للإيمان في الواقع؛ لأن الإيمان بالله ﷿ يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعلى هذا فالموحد لله مؤمن به، والمؤمن بالله موحد له، لكن قد يحصل خلل في التوحيد أو في الإيمان فينقصان، ولهذا كان القول الراجح أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد وينقص في حقيقته وفي آثاره ومقتضياته: فالإنسان يجد من قلبه أحيانًا طمأنينة بالغة، كأنما يشاهد الغائب الذي كان يؤمن به، وأحيانًا يحصل له شيء من قلة هذا اليقين الكامل، وإذا شيءت أن تعرف أن اليقين يتفاوت فاقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم خليله ﵊: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) . كما أنه أيضًا يزيد بآثاره ومقتضياته: فإن الإنسان كلما ازداد عملًا صالحًا ازداد إيمانه، حتى يكون من المؤمنين الخلص. ***
كيف يحقق المسلم التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحقق التوحيد بإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله، أي لا معبود حق إلا الله ﷿، فكل ما عبد من دون الله فهو باطل، قال الله ﵎: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ) . ويحقق التوحيد- وهو توحيد الاتباع- بالتزام سنة النبي ﷺ، ألا يحيد عنها يمينًا ولا شمالًا، وألا يتقدمها إقبالًا، ولا يتأخر عنها إدبارًا. ***
كيف يحقق المسلم التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحقق التوحيد بالإخلاص لله ﷿، وأن تكون عبادته لله تعالى وحده لا يرائي فيها ولا يحابي فيها، وإنما يعبد الله مخلصًا له الدين، هذا بالنسبة للعبادة. كذلك أيضًا بالنسبة للربوبية: لا يعتمد إلا على الله، ولا يستعين إلا بالله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عمه وهو عبد الله بن عباس ﵄: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . وعليه أن يسأل الله دائمًا الثبات على الحق وعلى التوحيد، فإن كثيرًا من الناس وإن كان معه أصل التوحيد لكن يكون هناك أشياء منقصة، وأضرب لك مثلًا شائعًا عند الناس يتهاونون به، وهو الاعتماد على الأسباب، فإن من المعلوم أن الله ﷾ قدر للأشياء أسبابًا: فالمرض قدر الله للشفاء منه أسبابًا، والجهل قدر الله تعالى للتخلص منه أسبابًا، الأولاد قدر الله لهم أسبابًا، وهلم جرًّا. فبعض الناس يعتمد على السبب: فتجده إذا مرض يتعلق قلبه تعلقًا كليًا بالمستشفى وأطبائه، ويذهب وكأن الشفاء بأيديهم، وينسى أن الله ﷾ جعل هؤلاء أسبابًا قد تنفع وقد لا تنفع، فإن نفعت فبفضل الله وتقديره، وإن لم تنفع فبعدل الله وتقديره، فلا ينبغي بل لا يجوز أن ينسى الإنسان المتسبب ويتفكر للسبب، نعم نحن لا ننكر أن السبب له تأثير في المسبب، لكن هذا التأثير إنما كان بإذن الله ﷿، كما قال الله ﵎ في السحرة: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) قال (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) . فالمهم أن تحقيق التوحيد هو تعلق القلب بالله ﵎ خوفًا وطمعًا، وتخصيص العبادة له وحده. ***
يسري حامد يقول: ما أقسام التوحيد مفصلة؟ لأننا في زمن كثرت فيه الشركيات، فنشاهد أناسًا يذبحون عند الأضرحة ويطوفون بها ويتقربون إليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ عن التوحيد وأقسامه سؤال مهم؛ لأن التوحيد هو الذي بعثت به الرسل كلهم من أولهم إلى آخرهم قال الله ﵎: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) . والرسل حكى الله عنهم على وجه التفصيل أنهم كانوا يقولون لأقوامهم: (اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ) . والنبي ﵊ جاء بتحقيق هذا التوحيد تحقيقًا تامًّا يمنع العبد من الإشراك بالله الشرك الصغير والكبير، وقد ذكر أهل العلم ﵏ أن أقسام التوحيد ثلاثة، وذلك بالتتبع والاستقراء، أولها: توحيد الربوبية، والثاني: توحيد الألوهية، والثالث: توحيد الأسماء والصفات، وقد اجتمعت الثلاثة في آية واحدة من كتاب الله في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) فقوله تعالى (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) هذا توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) هذا توحيد الألوهية، وقوله تعالى: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) هذا توحيد الأسماء والصفات، أي لا تعلم له سميًّا أي: مساميا يضاهيه ويماثله ﷿. أقسام التوحيد ثلاثة: القسم الأول: توحيد الربوبية، وهو إفراد الله ﷿ في الخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله، لا أحد يقوم بهذا على وجه الإطلاق والعموم والشمول إلا الله رب العالمين، فهو المتفرد بالخلق، المتفرد بالملك، المتفرد بالتدبير، قال الله ﷿: (أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ) . فالآية هذه فيها حصر الخلق والأمر في الله وحده، وذلك بتقديم الخبر (له) على المبتدأ (الخلق)، وتقديم ماحقه التأخير يفيد الحصر، كما قرر ذلك علماء البلاغة، فالخلق كله له، والأمر كله له ﷿، لا يشركه أحد، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ. وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . فبين الله ﷿ أن هؤلا السفهاء الذين يشركون، الذين اتخذهم عبادهم شفعاء عند الله، شركاء مع الله، لا يملكون مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض على وجه الاستقلال بها دون الله، ما لهم فيهما من شرك، أي: لا يملكون شركة مع الله ﷿، فليسوا مستقلين في شيء، وليسوا شركاء مع الله في شيء، (وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ) يعني: ما لله أحد من هؤلاء يساعده ويعينه ﷿، بل هو مستغنٍ عن جميع خلقه، (وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وذلك لكمال سلطانه وعظيم ملكه ﷿، لا أحد يشفع عنده يتوسط بشيء لأحد من خير أو دفع ضرر إلا بإذنه ﷿، وفي هذا قطع لجميع ما يتعلق به المشركون الذين يدعون أنهم يعبدون هذه الأصنام، يتخذونها شفعاء عند الله، قال: (وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) ومن المعلوم أن الله لن يأذن لهذه الأصنام أن تشفع، ولا يأذن لأحد أن يشفع لعابد هذه الأصنام، قال الله ﵎: (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئًا إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى) . وقال تعالى: (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضَى) . وحينئذٍ تنقطع كل الآمال التي يتعلق بها هؤلاء المشركون الذين يعبدون مع الله غيره، يرجونه نفعًا أو دفع ضرر، فإن ذلك لا ينفعه، قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . إذًا توحيد الربوبية إفراد الله ﷿ بأمور ثلاثة: بالخلق والملك والتدبير، فلا خالق إلا الله، ولا مالك إلا الله، ولا مدبر إلا الله. وما يوجد من المخلوق من صنع الأشياء، وما يوجد من المخلوق من الملك، وما يوجد للمخلوق من التدبير، فكله تدبير ناقص، وهم أيضًا غير مستقلين به، بل ذلك من خلق الله ﷿، أما المنفرد بذلك على وجه الاستقلال فهو الله ﷾، فللمخلوق خلق وإيجاد، لكنه ليس كخلق الله، فالله تعالى موجد الأشياء من العدم، والمخلوق لا يستطيع أن يوجد الشيء من العدم، وإنما يستطيع أن يركب شيئًا مع شيء،أو يغير صورة شيء إلى شيء، كما لو غير النجار الخشبة إلى باب، والحداد الصفائح الحديد إلى أبواب وما أشبه ذلك، لكنه لن يخلق هذه المادة، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَإِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبَابُ شَيْئًا لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطَّالِبُ وَالْمَطْلُوبُ. مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) . كذلك الإنسان له ملك، قال الله تعالى: (إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ) . وقال الله تعالى: (أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَه) . ولكن هذا الملك ملك مقيد محدود ليس بشامل، وليس للإنسان فيه مطلق التصرف، بل هو محدود، فما بيدي من الملك ليس لك، وما بيدك من الملك ليس لي، ثم إنه ملك محدود لا تستطيع أن تتصرف فيه إلا على حسب ما جاءت به الشريعة. وكذلك للإنسان تدبير: يدبر مملوكه، ويدبر زوجته، يدبر أهله، لكنه تدبير ناقص ليس بشامل، ولا للإنسان فيه مطلق الحرية، وبهذا عرفنا أن المنفرد بالخلق والمنفرد بالملك والمنفرد بالتدبير هو الله ﷿ وحده. هذا قسم من أقسام التوحيد، وهذا التوحيد لم ينكره المشركون الذين بعث فيهم رسول الله ﵌، بل كانوا يقرون به غاية الإقرار، قال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) . وقال: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَوَات وَالأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ) . وهكذا الآيات الكثيرة كلها تدل على أن المشركين الذين قاتلهم النبي ﵌ واستباح دماءهم وأموالهم ونساءهم وذريتهم كانوا يقرون بهذا التوحيد، لكن ذلك لم ينفعهم؛ لأنهم مشركون في توحيد الألوهية، توحيد العبادة الذي هو حق الله الخاص له، وهو: القسم الثاني: توحيد الألوهية، المستفاد من قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ) والألوهية مبنية على شيئين، بل العبادة مبنية على شيئين: المحبة والتعظيم، فبالمحبة يكون الرجاء وفعل الأوامر، طلبًا للوصول إلى محبة الله ﷿ وثوابه، والتعظيم- وهو الأساس الثاني للعبادة- به يترك الإنسان المناهي التي نهى الله عنها؛ لأنه بتعظيمه لله يترك مناهيه ويخاف من عقابه. ثم إن العبادة لها شرطان: الشرط الأول: الإخلاص لله، والثاني: المتابعة لرسول الله ﵌. فللعبادة إذًا ركنان ولها شرطان، أما ركناها فالمحبة والتعظيم وهما الأساس، وأما شرطاها فهما الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﵌، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقوله تعالى في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . ودليل المتابعة قوله ﵎: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقال النبي ﵌: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقال: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) . أي: مردود على صاحبه؛ لأنه لم تتحقق فيه المتابعة. وإذا نظرنا إلى حال كثير من المسلمين اليوم وجدنا أنهم ليسوا على توحيد خالص في باب الألوهية والعبودية: فمنهم من يعبد القبور، ومنهم من يعبد الأولياء، ومنهم من يطوف بالقبور رجاءً لنفعها ودفعها للضرر، ومنهم من يُؤلِّه الحكام ويجعلهم في منزلة الألوهية، يطيعهم فيما حرم الله فيستحله وفيما أحل الله فيحرمه، وهذا هو اتخاذهم أربابًا، قال الله ﵎: (اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . ويروى عن عدي بن حاتم ﵁ أنه قال للنبي ﵌: يا رسول الله إنا لسنا نعبدهم. قال: (أليس يحرمون ما أحل الله فتحرمونه، ويحلون ما حرم الله فتحلونه؟ قال: بلى. قال النبي ﵌ فتلك عبادتهم) . وهذا القسم من التوحيد هو الذي خالف فيه المشركون رسول الله ﵌ وأنكروا عليه، وقالوا فيه: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ) . وسبحان الله أن يكون التوحيد عجابًا، وأن يكون شركه صوابًا. فالعجب العجاب الذي لا ينقضي هو أن يشرك هؤلاء بالله ما لا ينفعهم ولا يضرهم ولا يستجيب لهم إلى يوم القيامة، وقد استباح النبي ﵌ دماء هؤلاء المشركين ونساءهم وذرياتهم وأموالهم وقاتلهم على ذلك أشد المقاتلة، حتى يعبدوا الله ﷿ أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. أما القسم الثالث فهو توحيد الأسماء والصفات، وهو إفراد الله ﷿ بأسمائه وصفاته، وذلك بإثبات ما أثبته الله لنفسه، ونفي ما نفى الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه ورسوله، إثباتًا بلا تمثيل، ونفيًا بلا تعطيل. وهذا هو الذي انقسمت فيه الأمة الإسلامية إلى أقسام متعددة: فمنهم السلف، وهم فقط أهل السنة والجماعة الذين أثبتوا لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات في كتابه أو على لسان رسوله ﵌، إثباتًا بلا تمثيل، ونفوا ما نفى الله عن نفسه نفيًا بلا تعطيل، وسكتوا عما سكت الله عنه ورسوله. فمن ذلك أنهم أثبتوا لله كل ما وصف به نفسه، كل صفة أثبتها لنفسه: من الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر والإرادة والكلام والعزة والحكمة والرحمة والعجب والضحك، وأثبتوا لله الوجه واليدين والعينين، وأثبتوا لله القدم والساق، وكذلك كل ما وصف الله به نفسه أثبتوه لله ﷿ لكن بلا تمثيل، يثبتون هذا ويقولون: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ) . فيقولون: لله يد ولكن ليستا كأيدينا، وجه لكن ليس كوجوهنا، عينان لكن ليست كأعيننا، وهكذا بقية الصفات. ويقولون أيضًا: إن الله استوى على العرش، علا عليه علوًّا يليق بجلاله ﷿، لكن ليس كاستوائنا نحن على السرير أو على الدابة أو على الفلك؛ لا؛ لأن الله تعالى يقول: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصيرِ) . هذا هو مذهب السلف: إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الأسماء والصفات، والسكوت عما سكت عنه. وبعد ذلك تنازع الناس تنازعًا طويلًا عريضًا لا ينبني على أصل، لا من المعقول ولا من المنقول: فأثبت قوم الأسماء، وأثبتوا من الصفات صفات قليلة، وليس على الوجه الذي يثبته عليه أهل السنة والجماعة، بل يخالفونه في كيفية هذا الإثبات. وأثبت قوم الأسماء، ونفوا الصفات كلها، أو إلا الحياة والعلم والقدرة. ونفى قوم الأسماء والصفات، ونفى قوم الإثبات والنفي، واضطربوا في ذلك اضطرابًا كثيرًا. لكن من هؤلاء من تصل بدعته إلى حد الكفر المخرج من الملة، ومنهم من دون ذلك، ولكن الحق فيما ذهب إليه السلف، وهم أهل السنة والجماعة: إثبات كل صفة أثبتها الله لنفسه بدون تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي كل صفة نفاها الله عن نفسه، والسكوت عما سكت الله عنه، وهذه الطريقة السليمة الثابتة سمعًا وعقلًا وفطرةً. وللناس في هذا كتب ورسائل معلومة، ومن أحسن ما رأيته تقريبًا لهذا الأصل العظيم ما كتبه شيخ الإسلام، ابن تيمية ﵀، وكتبه تليمذه ابن القيم، فإنهما كتبا في هذا الباب كتابات عظيمة مفيدة، ما رأيت أحدًا كتب مثل كتابتهما، وغالب من يكتب في هذا الباب تجدهم يقلد بعضهم بعضًا، ولهم مقلدون لا يخرجون عن كلامهم ولو تبين الحق، والحقيقة أن الواجب على المرء أن يتبع ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله سلم، وأنه ليس بمعذور إذا خالف ذلك من أجل قول فلان وفلان، قد يخطئ فلان وفلان من المتبوعين خطأً يعذر فيه، لكن التابع الذي تبين له الحق لا يعذر في اتباعه لهؤلاء الذين أخطؤوا. وإنني من هذا المنبر منبر نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية أدعو جميع إخواني الذين درسوا في هذا العلم علم التوحيد علم العقائد، أدعوهم إلى تقوى الله ﷿، وأن يسلكوا ما سلكه النبي ﵌ وأصحابه من الخلفاء الراشدين وغيرهم في هذا الباب العظيم الخطير؛ لأن هذا الباب مبناه على الخبر المحض، ليس للعقول فيه مجال إلا على سبيل الإجمال، فإن العقول تهتدي إجمالًا إلى أن الله موصوف بصفات الكمال، منزه عن كل نقص وعيب، ولكن لا تدرك هذا على وجه التفصيل، وإنما يؤخذ ذلك من الكتاب والسنة، وإذا كان هذا هو الواقع، وأن ما يتعلق بصفات الله وأسمائه خبر محض، فإنه يجب علينا أن لا نحيد عن ما جاء به الكتاب والسنة قيد أنملة، ولا سمك شعرة، بل يجب علينا قبول ما جاء به الكتاب والسنة من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولقد رأينا أن الذين يحيدون عن هذه السبيل ويتخبطون خبط عشواء في بعض أسماء الله وصفاته، رأينا أنهم يضلون كثيرًا، ويؤدي بهم الحال إلى الشرك وإلى الحيرة، كما نقل ذلك عن كثيرٍ من زعمائهم، حتى إن الفخر الرازي وهو من رؤسائهم قال فيما نقل عنه، إما منشدًا وإما ناظمًا: نهاية إقدام العقول عقال وأكثر سعي العالمين ضلال وأرواحنا في وحشة من جسومنا وغاية دنيانا أذى ووبال ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا وقال: (لقد تأملت الطرق الكلامية والمناهج الفلسفية، فما رأيتها تروي غليلًا ولا تشفي عليلًا، وجدت أقرب الطرق طريقة القرآن، أقرأ في الإثبات: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ) . وأقرأ في النفي: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ)، (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) . ومن جرب مثل تجربتي عرف مثل معرفتي) . ويقول الآخر: لقد طفت في تلك المعاهد كلها وسيرت طرفي بين تلك المعالم فلم أر إلا واضعًا كف حائر على ذقن أو قارعًا سن نادم وهذا يدل على أن هؤلاء المتكلمين الذين ذهبوا يحكمون على الله تعالى بعقولهم فيما يصفونه به كانوا في حيرة شديدة، وأن من بلغ منهم الغاية في علم الكلام رجع إلى الحق، وهو ما كان عليه سلف هذه الأمة: من إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله ﵌، ونفي ما نفى الله عنه أو ما نفاه عنه رسوله ﵌، والسكوت عن ما لم يرد به إثبات ولا نفي، وهذا هو الأدب مع الله ورسوله، فعلينا جميعًا أن نتوب إلى الله ﷿، وأن نرجع إلى منهج سلفنا الصالح في هذا الباب العظيم الخطير. ونسأل الله لنا ولإخواننا السلامة والتوفيق لمنهج السلف الصالح، وأن يتوفانا على ما يحبه ويرضاه، إنه جواد كريم. ***
هل الإيمان هو التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان والتوحيد شيئان متغايران وشيئان متفقان، فالتوحيد هو إفراد الله ﷿ بما يستحقه ويختص به من الربوبية والألوهية والأسماء والصفات، ولهذا قال العلماء ﵏: إن التوحيد ينقسم إلى ثلاثة أقسام: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية، وتوحيد الأسماء والصفات. وإن هذه الأقسام جاءت في قوله تعالى: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . فقوله: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا) يعني توحيد الربوبية، وقوله: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ) يعني توحيد الألوهية، وقوله: (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) يعني توحيد الأسماء والصفات. وهذا التقسيم للإيمان في الواقع؛ لأن الإيمان بالله ﷿ يتضمن الإيمان بربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وعلى هذا فالموحد لله مؤمن به، والمؤمن بالله موحد له، لكن قد يحصل خلل في التوحيد أو في الإيمان فينقصان، ولهذا كان القول الراجح أن الإيمان يزيد وينقص، يزيد وينقص في حقيقته وفي آثاره ومقتضياته: فالإنسان يجد من قلبه أحيانًا طمأنينة بالغة، كأنما يشاهد الغائب الذي كان يؤمن به، وأحيانًا يحصل له شيء من قلة هذا اليقين الكامل، وإذا شيءت أن تعرف أن اليقين يتفاوت فاقرأ قول الله تعالى عن إبراهيم خليله ﵊: (وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى قَالَ أَوَلَمْ تُؤْمِنْ قَالَ بَلَى وَلَكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي) . كما أنه أيضًا يزيد بآثاره ومقتضياته: فإن الإنسان كلما ازداد عملًا صالحًا ازداد إيمانه، حتى يكون من المؤمنين الخلص. ***
كيف يحقق المسلم التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحقق التوحيد بإخلاص شهادة أن لا إله إلا الله، أي لا معبود حق إلا الله ﷿، فكل ما عبد من دون الله فهو باطل، قال الله ﵎: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الْبَاطِلُ) . ويحقق التوحيد- وهو توحيد الاتباع- بالتزام سنة النبي ﷺ، ألا يحيد عنها يمينًا ولا شمالًا، وألا يتقدمها إقبالًا، ولا يتأخر عنها إدبارًا. ***
كيف يحقق المسلم التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحقق التوحيد بالإخلاص لله ﷿، وأن تكون عبادته لله تعالى وحده لا يرائي فيها ولا يحابي فيها، وإنما يعبد الله مخلصًا له الدين، هذا بالنسبة للعبادة. كذلك أيضًا بالنسبة للربوبية: لا يعتمد إلا على الله، ولا يستعين إلا بالله، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابن عمه وهو عبد الله بن عباس ﵄: (يا غلام إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيءٍ لم ينفعوك إلا بشيءٍ قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيءٍ لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . وعليه أن يسأل الله دائمًا الثبات على الحق وعلى التوحيد، فإن كثيرًا من الناس وإن كان معه أصل التوحيد لكن يكون هناك أشياء منقصة، وأضرب لك مثلًا شائعًا عند الناس يتهاونون به، وهو الاعتماد على الأسباب، فإن من المعلوم أن الله ﷾ قدر للأشياء أسبابًا: فالمرض قدر الله للشفاء منه أسبابًا، والجهل قدر الله تعالى للتخلص منه أسبابًا، الأولاد قدر الله لهم أسبابًا، وهلم جرًّا. فبعض الناس يعتمد على السبب: فتجده إذا مرض يتعلق قلبه تعلقًا كليًا بالمستشفى وأطبائه، ويذهب وكأن الشفاء بأيديهم، وينسى أن الله ﷾ جعل هؤلاء أسبابًا قد تنفع وقد لا تنفع، فإن نفعت فبفضل الله وتقديره، وإن لم تنفع فبعدل الله وتقديره، فلا ينبغي بل لا يجوز أن ينسى الإنسان المتسبب ويتفكر للسبب، نعم نحن لا ننكر أن السبب له تأثير في المسبب، لكن هذا التأثير إنما كان بإذن الله ﷿، كما قال الله ﵎ في السحرة: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) قال (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) . فالمهم أن تحقيق التوحيد هو تعلق القلب بالله ﵎ خوفًا وطمعًا، وتخصيص العبادة له وحده. ***
1 / 2
أهل السنة والجماعة
Unknown page
من هي الطائفة المنصورة؟ وكيف تُعرف؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الطائفة المنصورة هم أهل السنة والجماعة، وهم الفرقة الناجية، وهم الذين كانوا على مثل ما عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه عقيدةً وقولًا وفعلًا. ففي العقيدة: يؤمنون بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، يؤمنون بأن الله تعالى رب كل شيء ومليكه، يؤمنون بأن الله تعالى هو الحق وأن ما يدعى من دونه هو الباطل، يؤمنون بكل ما سمى الله به نفسه أو ما سماه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يؤمنون بكل ما وصف الله به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل ولا تكييف ولا تمثيل، يؤمنون كذلك بملائكة الله تعالى على ما جاء في الكتاب والسنة، وبكتبه وبرسله وباليوم الآخر والقدر خيره وشره، يتعبدون لله تعالى بما شرع، لا يبتدعون في دين الله تعالى ما لم يشرع، يعتقدون أن كل بدعة في دين الله تعالى ضلالة، مخلصون لله تعالى في عباداتهم؛ لأنهم أمروا بذلك: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . لا يبتدعون في دين الله ما ليس منه، لا في العقيدة ولا في الأعمال القولية أو الفعلية، بل هم مخلصون لله، متبعون لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم، هؤلاء هم الفرقة الناجية، وهم الطائفة المنصورة، وهم أهل السنة والجماعة.
***
2 / 1
ما أهمية الجماعة في الإسلام؟ وهل يشترط على المسلم أن ينتمي إلى جماعةٍ معينة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الجماعة في الإسلام هي الاجتماع على شريعة الله ﷿ التي قال فيها الرسول ﵊: (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين، لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم، حتى يأتي أمر الله وهم على ذلك) . هذه هي الجماعة التي يجب على الإنسان أن ينتمي إليها، أما الجماعة الحزبية التي لا تريد إلا انتصار رأيها، سواء كان بحق أم بباطل، فإنه لا يجوز الانتماء إليها؛ لأن ذلك متضمنٌ البراءة من الجماعة الإسلامية، والولاية للجماعة الحزبية التي فيها التفرق والاختلاف، وقد قال الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى الله) . وقال تعالى: (شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحًا وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ) . وقال تعالى: (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . وقال تعالى لنبيه ﷺ (إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ) . وهذه الجماعات الإسلامية التي تنتمي إلى الإسلام وهدفها انتصار الإسلام يجب عليها أن لا تتفرق، يجب عليها أن تنحصر في طائفةٍ واحدة، طائفة الجماعة التي كان عليها رسول الله ﷺ وأصحابه، كما أخبر بذلك النبي ﷺ حين قال: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة، قالوا: من هي يا رسول الله؟ قال من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) . وهذه الجماعات فرقت الأمة وشتتهم، وألقت بينهم العداوة، حتى صار الواحد منهم ينظر إلى الثاني نظر العدو البعيد، مع أن الكل منهم مسلم ينتمي إلى الإسلام ويريد أن ينتصر الإسلام به، ولكن أنى وقد تفرقوا هذا التفرق، وتمزقوا هذا التمزق؟ فالذي ينبغي أن أوجه إخواني إليه من هذا المنبر منبر نور على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية أن يجتمعوا على الحق؟ وأن يجتنبوا أوجه الاختلاف بينهم، فيزيلوها بالرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. والحقيقة أن هذا التفرق أصبح فريسته هذا الوعي الذي نشاهده في الشباب الإسلامي، فإن هذا الشباب بتفرق هذه الجماعات صار كل طائفةٍ منهم تنتمي إلى جماعة، صار كل واحدٍ منهم ينتمي إلى جماعة من هذه الجماعات، وتفرقوا وصار بعضهم يسب بعضًا ويطعن في بعض، وهذه ضربةٌ قاسية قاصمةٌ للظهر إلى هذه الصحوة التي بدأت ولله الحمد تظهر آثارها في شباب المسلمين. المهم أنني أنا أنصح بعدم التفرق ولو في ضمن هذه الجماعات، وأرى أن تكون الأمة الإسلامية أمةً واحدة،لا تختلف ولا تتسمى كل واحدةٍ منهم باسم ترى أنها ندٌ للجماعات الأخرى.
***
وجدت في تفسير ابن كثير حديثًا يقول فيه الرسول ﷺ ما معناه: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) . فهل هذا الحديث صحيح؟ وما هي الفرق الضالة من هذه الفرقة الناجية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح، بكثرة طرقه، وتلقي الأمة له بالقبول، فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد، وقد بين النبي ﵊ أن الفرقة الناجية هي الجماعة الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة وقول وعمل، فمن التزم ما كان عليه رسول الله ﷺ من العقائد الصحيحة السليمة والأقوال والأفعال المشروعة فإن ذلك هو الفرقة الناجية، ولا يختص ذلك بزمان ولا بمكان، بل كل من التزم هدي الرسول ﵊ ظاهرًا وباطنًا فهو من هذه الجماعة الناجية، وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات، وناجية في الآخرة من النار. ***
ماالمقصود بالسلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السلف معناه المتقدمون، فكل متقدم على غيره فهو سلف له، ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، هؤلاء هم السلف الصالح، ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف، وإن كان متأخرًا عنهم في الزمن؛ لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح ﵃، كما قال النبي ﵊: (إن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة،كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة) . وفي لفظ: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) . وبناء على ذلك تكون السلفية هنا مقيدة بالمعنى، فكل من كان على منهاج الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فهو سلفي وإن كان في عصرنا، هذا وهو القرن الرابع عشر بعد الهجرة. ***
ما المراد بالتوسط في الدين أو الوسطية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسط في الدين أو الوسطية أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية. فمثلًا في الأمور العقدية انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط طرفٌ، غلا في التنزيه فنفى عن الله ما سمى ووصف به نفسه، وقسمٌ غلا في الإثبات فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، لكن بدون اعتقاد المماثلة، بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيئٌ من مخلوقاته. مثال الأول الذين غلوا في التنزيه الذين يقولون: إن الله تعالى لا يوصف إلا بصفاتٍ معينة حددوها، وادعوا أن العقل دل عليها، وأن ما سواها لا يثبت؛ لأن العقل بزعمهم لم يدل عليها، فمثلًا أثبتوا صفة الإرادة لله وقالوا: إن الله تعالى مريد، لكنهم نفوا صفة الرحمة عنه وقالوا: معنى الرحمة الإحسان أو إرادة الإحسان، وليست وصفًا في الله ﷿، فتجد هؤلاء أخطؤوا حيث نفوا ما وصف الله به نفسه، بل نفوا ما كانت دلالة العقل فيه أظهر من دلالة العقل على ما أثبتوه، فإن إثباتهم للإرادة بالطريق العقلي أنهم قالوا: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به مثل: هذه سماء وهذا أرض وهذه بعير وهذه فرس وهذا ذكر وهذه أنثى، هذا التخصيص يدل على إرادة الخالق أنه أراد أن يكون الشيء على هذا فكان. فنقول لهم: إن دلالة نعم الله ﷿ ودفع نقمه تدل على الرحمة أكثر مما يدل التخصيص على الإرادة، ولكن مع ذلك نفوا الرحمة وأثبتوا الإرادة، بناءً على شبهةٍ عرضت لهم. القسم الثاني الذين غلوا في الإثبات وهم أهل التمثيل، قالوا: نثبت لله ﷿ الصفات، لكن على وجهٍ مماثل للمخلوق، وهؤلاء ضلوا وغفلوا عن قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) . والقسم الثالث الوسط قالوا: نثبت لله كل ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو فيما صح عن رسوله ﷺ من الأسماء والصفات، مع اعتقاد عدم المماثلة، وأن ما يثبت للخالق من ذلك مخالفٌ لما يثبت للمخلوق، فإن ما يثبت للخالق أكمل وأعلى، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . هذا في العقيدة، كذلك أيضًا في الأعمال البدنية: من الناس من يغلو فيزيد ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون ويفرط فيضيع شيئًا كثيرا، ً وخير الأمور الوسط. والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة فهو وسط، وما خالف الشريعة فليس بوسط، بل هو مائل إما للإفراط وإما إلى التفريط. وقد ذكر شيخ الإسلام ﵀ في العقيدة الواسطية خمسة أصول، بين فيها ﵀ أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها؛ لما فيها من الفائدة. ***
عبد الله بن عبد الرزاق يقول: ما حكم من قال بأن الخوض في مسائل العقيدة والتوحيد والمناقشات العلمية يسبب الفرقة وضياع الجهد والفكر والدعوة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التعمق في السؤال فيما يتعلق بالعقيدة ليس هو من طريق السلف، بل كانوا يحذرون منه غاية التحذير؛ لأن أمور العقيدة أمورٌ غيبية يجب أن يتلقاها الإنسان بالتسليم، دون الخوض في كيفياتها وحقيقتها، ولهذا لما سأل رجلٌ الإمام مالكًا ﵀ عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى): كيف استوى؟ فأطرق مالكٌ ﵀ برأسه حتى علاه الرحض- أي: حتى علاه العرق- ثم رفع رأسه فقال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا)، ثم أمر به فأخرج من المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما البحث عن معاني أسماء الله تعالى وصفاته وإثباتها على الوجه اللائق به جل وعلا من غير تكييفٍ ولا تمثيل فهذا حق، وهذا منهج السلف الصالح ﵃، هذه هي القاعدة والجادة فيما يتعلق بالعقيدة، ولكن إذا ابتليت بشخص أرغمك على أن تبحث معه وله اصطلاحات خاصة، فعليك أن تبين الحق، وأن لا تسكت أو تسكته إلا إذا علمنا أنه معاند، فلنا أن نسكته حتى يعرف قدر نفسه. ***
أم عبد الله تقول: ما حكم التنطع في الإسلام؟ وضحوا لنا ذلك من الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التنطع في الإسلام معناه التشدد في الإسلام والتعمق والتقعر، وحكمه أنه هلاك للمرء؛لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . ودين الله ﷾ الحق بين الغالي فيه والجافي عنه، فالتعمق والتنطع وإلزام النفس بما لا يلزمها هذا كله هلاك، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ما السبب في وجود عقيدة صحيحة وعقيدة خاطئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤالٌ عجيب! يعني إذًا قل: ما السبب في وجود مؤمنين وكافرين؟ ما السبب في وجود فاسقين ومعتدلين؟ ونقول: السبب في ذلك أن هذه حكمة الله ﷿، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) . وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) . أي: على دينٍ واحد وعقيدة واحدة،ولكن: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) . ولولا هذا الاختلاف لكان خلق الجنة والنار عبثًا؛ لأن النار تحتاج إلى أهل والجنة تحتاج إلى أهل، فلا بد من الاختلاف. لكن ينبغي أن يقول: ما هو الضابط في العقيدة الصحيحة وفي العقيدة الفاسدة؟ وجوابنا على هذا أن نقول: ما كان موافقًا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عقيدةٌ صحيحة، وما كان مخالفًا لهم فهو عقيدةٌ فاسدة، وكذلك يقال في الأعمال البدنية: ما كان موافقًا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عملٌ صالح، وما لم يكن كذلك فهو عملٌ فاسد، وهذا هو الذي ينبغي أن نسأل عنه، وينبغي أن نبحث: هل نحن في عقيدتنا، هل نحن في أعمالنا موافقون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أم مخالفون؟!! ***
في بعض البلاد الإسلامية يدرس تاريخ الإسلام بطريقة غير صحيحة، مما يؤدي إلى بغض بعض الصحابة رضوان الله عليهم، نرجو التوضيح خاصة عن موقف بعض المعارك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما قاله السائل صحيح، فإن التاريخ في الحقيقة يزوّر ويشوّه حسب ما تكون الدولة، فهو خاضع مع الأسف للدولة بحيث توجهه حيث ما تريد، وخاضع كذلك لبعض الأفكار التي تجترئ على الكذب وتستسيغه في جانب ما تدعو إليه وتهدف إليه، ولذلك نرى في كثير من كتب التاريخ أشياء مشوهة إن كان صدقًا، وكثيرًا وكثيرًا مزورة مكذوبة، لاسيما فيما جرى بين الصحابة ﵃ مما هم فيه معذورون؛ لأنهم مجتهدون، ومن أصاب منهم له أجران، ومن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور. فيجب على المرء أن يحذر من مثل هذه الكتب المزورة أو المشوهة بزيادة أو نقص، لاسيما إذا كان يشعر بأن هذا الكتاب مثلًا يسيء إلى الصحابة ﵃ في تشويه حياتهم ومجتمعاتهم؛ لأن القدح في الصحابة ﵃ ليس قدحًا في الصحابة أنفسهم فقط، بل هو قدح فيهم وقدح في رسول الله ﷺ، وقدح في الشريعة، وقدح في الله ﷾؛ لأنه إذا صار القدح في الصحابة ﵃ كان ذلك قدحًا في الشريعة؛ لأنهم هم وسيلة النقل، هم الذين نقلوها إلينا، فإذا كانوا محل قدح وعيب فكيف نثق بالشريعة التي بين أيدينا وهي جاءت عن طريقهم؟ وإذا كان قدحًا في الصحابة صار قدحًا في النبي ﷺ؛ لأنهم أصحابه وأحبابه وناصروه على أعدائه، والقدح في الصاحب قدح في المصحوب، وإذا كان القدح في الصحابة صار قدحًا في الله ﷿، فكيف يقال: إن الله تعالى اختار لنبيه -وهو أفضل خلقه- مثل هؤلاء الأصحاب الذين هم محل القدح والسب والعيب؟ إذًا فالقدح في الصحابة قدح في الله وفي رسوله وفي شريعته، والأمر أمر عظيم، وكتب التاريخ قد يكون بعضها متناولًا لهذا الأمر مما يكون دالًا على القدح في الصحابة إما تصريحًا وإما تلميحًا،فليحذر المؤمن من مثل هذه التواريخ التي تضله.والله المستعان. ***
وجدت في تفسير ابن كثير حديثًا يقول فيه الرسول ﷺ ما معناه: (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة، كلها في النار إلا واحدة) . فهل هذا الحديث صحيح؟ وما هي الفرق الضالة من هذه الفرقة الناجية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح، بكثرة طرقه، وتلقي الأمة له بالقبول، فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد، وقد بين النبي ﵊ أن الفرقة الناجية هي الجماعة الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة وقول وعمل، فمن التزم ما كان عليه رسول الله ﷺ من العقائد الصحيحة السليمة والأقوال والأفعال المشروعة فإن ذلك هو الفرقة الناجية، ولا يختص ذلك بزمان ولا بمكان، بل كل من التزم هدي الرسول ﵊ ظاهرًا وباطنًا فهو من هذه الجماعة الناجية، وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات، وناجية في الآخرة من النار. ***
ماالمقصود بالسلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السلف معناه المتقدمون، فكل متقدم على غيره فهو سلف له، ولكن إذا أطلق لفظ السلف فالمراد به القرون الثلاثة المفضلة: الصحابة، والتابعون، وتابعوهم، هؤلاء هم السلف الصالح، ومن كان بعدهم وسار على منهاجهم فإنه مثلهم على طريقة السلف، وإن كان متأخرًا عنهم في الزمن؛ لأن السلفية تطلق على المنهاج الذي سلكه السلف الصالح ﵃، كما قال النبي ﵊: (إن أمتي ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة،كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة) . وفي لفظ: (من كان على مثل ما أنا عليه وأصحابي) . وبناء على ذلك تكون السلفية هنا مقيدة بالمعنى، فكل من كان على منهاج الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان فهو سلفي وإن كان في عصرنا، هذا وهو القرن الرابع عشر بعد الهجرة. ***
ما المراد بالتوسط في الدين أو الوسطية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسط في الدين أو الوسطية أن يكون الإنسان بين الغالي والجافي، وهذا يدخل في الأمور العلمية العقدية، وفي الأمور العملية التعبدية. فمثلًا في الأمور العقدية انقسم الناس فيما يتعلق بأسماء الله وصفاته إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط طرفٌ، غلا في التنزيه فنفى عن الله ما سمى ووصف به نفسه، وقسمٌ غلا في الإثبات فأثبت لله ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، لكن باعتقاد المماثلة، وقسمٌ وسط أثبت لله تعالى ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، لكن بدون اعتقاد المماثلة، بل باعتقاد المخالفة، وأن الله تعالى لا يماثله شيئٌ من مخلوقاته. مثال الأول الذين غلوا في التنزيه الذين يقولون: إن الله تعالى لا يوصف إلا بصفاتٍ معينة حددوها، وادعوا أن العقل دل عليها، وأن ما سواها لا يثبت؛ لأن العقل بزعمهم لم يدل عليها، فمثلًا أثبتوا صفة الإرادة لله وقالوا: إن الله تعالى مريد، لكنهم نفوا صفة الرحمة عنه وقالوا: معنى الرحمة الإحسان أو إرادة الإحسان، وليست وصفًا في الله ﷿، فتجد هؤلاء أخطؤوا حيث نفوا ما وصف الله به نفسه، بل نفوا ما كانت دلالة العقل فيه أظهر من دلالة العقل على ما أثبتوه، فإن إثباتهم للإرادة بالطريق العقلي أنهم قالوا: إن تخصيص المخلوقات بما تختص به مثل: هذه سماء وهذا أرض وهذه بعير وهذه فرس وهذا ذكر وهذه أنثى، هذا التخصيص يدل على إرادة الخالق أنه أراد أن يكون الشيء على هذا فكان. فنقول لهم: إن دلالة نعم الله ﷿ ودفع نقمه تدل على الرحمة أكثر مما يدل التخصيص على الإرادة، ولكن مع ذلك نفوا الرحمة وأثبتوا الإرادة، بناءً على شبهةٍ عرضت لهم. القسم الثاني الذين غلوا في الإثبات وهم أهل التمثيل، قالوا: نثبت لله ﷿ الصفات، لكن على وجهٍ مماثل للمخلوق، وهؤلاء ضلوا وغفلوا عن قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) . والقسم الثالث الوسط قالوا: نثبت لله كل ما أثبته الله لنفسه في كتابه، أو فيما صح عن رسوله ﷺ من الأسماء والصفات، مع اعتقاد عدم المماثلة، وأن ما يثبت للخالق من ذلك مخالفٌ لما يثبت للمخلوق، فإن ما يثبت للخالق أكمل وأعلى، كما قال تعالى: (وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . هذا في العقيدة، كذلك أيضًا في الأعمال البدنية: من الناس من يغلو فيزيد ويشدد على نفسه، ومن الناس من يتهاون ويفرط فيضيع شيئًا كثيرا، ً وخير الأمور الوسط. والوسط الضابط فيه: ما جاءت به الشريعة فهو وسط، وما خالف الشريعة فليس بوسط، بل هو مائل إما للإفراط وإما إلى التفريط. وقد ذكر شيخ الإسلام ﵀ في العقيدة الواسطية خمسة أصول، بين فيها ﵀ أن أهل السنة فيها وسطٌ بين طوائف المبتدعة، فيا حبذا لو أن السائل رجع إليها؛ لما فيها من الفائدة. ***
عبد الله بن عبد الرزاق يقول: ما حكم من قال بأن الخوض في مسائل العقيدة والتوحيد والمناقشات العلمية يسبب الفرقة وضياع الجهد والفكر والدعوة؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التعمق في السؤال فيما يتعلق بالعقيدة ليس هو من طريق السلف، بل كانوا يحذرون منه غاية التحذير؛ لأن أمور العقيدة أمورٌ غيبية يجب أن يتلقاها الإنسان بالتسليم، دون الخوض في كيفياتها وحقيقتها، ولهذا لما سأل رجلٌ الإمام مالكًا ﵀ عن قوله تعالى: (الرحمن على العرش استوى): كيف استوى؟ فأطرق مالكٌ ﵀ برأسه حتى علاه الرحض- أي: حتى علاه العرق- ثم رفع رأسه فقال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، وما أراك إلا مبتدعًا)، ثم أمر به فأخرج من المسجد مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما البحث عن معاني أسماء الله تعالى وصفاته وإثباتها على الوجه اللائق به جل وعلا من غير تكييفٍ ولا تمثيل فهذا حق، وهذا منهج السلف الصالح ﵃، هذه هي القاعدة والجادة فيما يتعلق بالعقيدة، ولكن إذا ابتليت بشخص أرغمك على أن تبحث معه وله اصطلاحات خاصة، فعليك أن تبين الحق، وأن لا تسكت أو تسكته إلا إذا علمنا أنه معاند، فلنا أن نسكته حتى يعرف قدر نفسه. ***
أم عبد الله تقول: ما حكم التنطع في الإسلام؟ وضحوا لنا ذلك من الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التنطع في الإسلام معناه التشدد في الإسلام والتعمق والتقعر، وحكمه أنه هلاك للمرء؛لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . ودين الله ﷾ الحق بين الغالي فيه والجافي عنه، فالتعمق والتنطع وإلزام النفس بما لا يلزمها هذا كله هلاك، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ما السبب في وجود عقيدة صحيحة وعقيدة خاطئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤالٌ عجيب! يعني إذًا قل: ما السبب في وجود مؤمنين وكافرين؟ ما السبب في وجود فاسقين ومعتدلين؟ ونقول: السبب في ذلك أن هذه حكمة الله ﷿، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) . وقال تعالى: (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً) . أي: على دينٍ واحد وعقيدة واحدة،ولكن: (وَلا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ (١١٨) إِلاَّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ) . ولولا هذا الاختلاف لكان خلق الجنة والنار عبثًا؛ لأن النار تحتاج إلى أهل والجنة تحتاج إلى أهل، فلا بد من الاختلاف. لكن ينبغي أن يقول: ما هو الضابط في العقيدة الصحيحة وفي العقيدة الفاسدة؟ وجوابنا على هذا أن نقول: ما كان موافقًا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عقيدةٌ صحيحة، وما كان مخالفًا لهم فهو عقيدةٌ فاسدة، وكذلك يقال في الأعمال البدنية: ما كان موافقًا لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه فهو عملٌ صالح، وما لم يكن كذلك فهو عملٌ فاسد، وهذا هو الذي ينبغي أن نسأل عنه، وينبغي أن نبحث: هل نحن في عقيدتنا، هل نحن في أعمالنا موافقون لما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه أم مخالفون؟!! ***
في بعض البلاد الإسلامية يدرس تاريخ الإسلام بطريقة غير صحيحة، مما يؤدي إلى بغض بعض الصحابة رضوان الله عليهم، نرجو التوضيح خاصة عن موقف بعض المعارك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما قاله السائل صحيح، فإن التاريخ في الحقيقة يزوّر ويشوّه حسب ما تكون الدولة، فهو خاضع مع الأسف للدولة بحيث توجهه حيث ما تريد، وخاضع كذلك لبعض الأفكار التي تجترئ على الكذب وتستسيغه في جانب ما تدعو إليه وتهدف إليه، ولذلك نرى في كثير من كتب التاريخ أشياء مشوهة إن كان صدقًا، وكثيرًا وكثيرًا مزورة مكذوبة، لاسيما فيما جرى بين الصحابة ﵃ مما هم فيه معذورون؛ لأنهم مجتهدون، ومن أصاب منهم له أجران، ومن أخطأ فله أجر، وخطؤه مغفور. فيجب على المرء أن يحذر من مثل هذه الكتب المزورة أو المشوهة بزيادة أو نقص، لاسيما إذا كان يشعر بأن هذا الكتاب مثلًا يسيء إلى الصحابة ﵃ في تشويه حياتهم ومجتمعاتهم؛ لأن القدح في الصحابة ﵃ ليس قدحًا في الصحابة أنفسهم فقط، بل هو قدح فيهم وقدح في رسول الله ﷺ، وقدح في الشريعة، وقدح في الله ﷾؛ لأنه إذا صار القدح في الصحابة ﵃ كان ذلك قدحًا في الشريعة؛ لأنهم هم وسيلة النقل، هم الذين نقلوها إلينا، فإذا كانوا محل قدح وعيب فكيف نثق بالشريعة التي بين أيدينا وهي جاءت عن طريقهم؟ وإذا كان قدحًا في الصحابة صار قدحًا في النبي ﷺ؛ لأنهم أصحابه وأحبابه وناصروه على أعدائه، والقدح في الصاحب قدح في المصحوب، وإذا كان القدح في الصحابة صار قدحًا في الله ﷿، فكيف يقال: إن الله تعالى اختار لنبيه -وهو أفضل خلقه- مثل هؤلاء الأصحاب الذين هم محل القدح والسب والعيب؟ إذًا فالقدح في الصحابة قدح في الله وفي رسوله وفي شريعته، والأمر أمر عظيم، وكتب التاريخ قد يكون بعضها متناولًا لهذا الأمر مما يكون دالًا على القدح في الصحابة إما تصريحًا وإما تلميحًا،فليحذر المؤمن من مثل هذه التواريخ التي تضله.والله المستعان. ***
2 / 2
الإيمان والإسلام
Unknown page
ما هي أركان الإيمان؟ وما حكم الإيمان بها؟
فأجاب رحمه الله تعالى: أركان الإيمان هي ما أخبر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ومن لم يؤمن بها جميعًا فهو كافر، يعني: لو آمن ببعض وكفر ببعض فهو كافر؛ لأن الذي يؤمن ببعض الشريعة ويكفر ببعضها فهو كافر بالجميع، والذي يؤمن ببعض الرسل ويكفر ببعضهم كافر بالجميع، كما قال الله تعالى موبخًا بني إسرائيل: (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا * أُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقًّا) . فبين الله تعالى أن هؤلاء الذين يؤمنون ببعض الرسل دون بعض هم الكافرون حقًا فأركان الإيمان إذًا ستة: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره فأما الإيمان بالله فأن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى حي عليم قادر، منفرد بالربوبية وبالألوهية وبأسمائه وصفاته، ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ويؤمن بأنه على كل شيء قدير، وأن أمره إذا أراد شيئًا أن يقول له: كن فيكون. والإيمان بالملائكة: أن تؤمن بهذا العالم من الخلق، وهم- أعني: الملائكة- عالم غيبي لا نشاهده إلا إذا أراد الله أن نشاهده لحكمة فهذا يقع، هذا العالم من المخلوقات خلقوا من نور- أعني: الملائكة- وهم مطيعون لله تعالى دائمًا، يسبحون الليل والنهار لا يفترون، نعلم منهم جبريل وميكائيل وإسرافيل: أما جبريل فهو موكل بالوحي يأتي به من الله ﷿ إلى من أوحاه الله إليه، وأما اسرافيل فإنه موكل بالنفخ في الصور، وأما ميكائيل فإنه موكل بالقطر والنبات، ومنهم- أي: من الملائكة- من وكلوا بحفظ بني آدم كما قال تعالى عنهم: (لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ) . ومنهم من هو موكل بإحصاء أعمال ابن آدم يكتبها عليه، كما قال الله ﵎ (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ * إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ * مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . فهم عن أيماننا وعن شمائلنا لكن لا نراهم، وقد يُرى الملك بصورة إنسان مثلًا، كما جاء جبريل ﵇ إلى النبي ﷺ في صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، جلس إلى النبي ﷺ جلسة المتأدب، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه، ووضع كفيه على فخذيه، ثم سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإسلام والإيمان والإحسان والساعة وأشراطها. والملائكة عليهم الصلاة والسلام لا يأكلون ولا يشربون، وهم عدد لا يحصيهم إلا الله ﷿ كما جاء في الحديث: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ما من موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه)، وهذا يدل على كثرتهم العظيمة. الإيمان بكتب الله هذا الركن الثالث من أركان الإيمان، كتب الله المنزلة نعرف منها التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وموسى، وخاتمها القرآن الكريم المنزل على محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ورسله جمع رسول، وهم الذين أرسلهم الله ﵎ إلى البشر، وهم من بني آدم، يلحقهم من العوارض الجسدية ما يلحق بني آدم، وكم من بني آدم فضلوا بما أعطاهم الله من النبوة والأخلاق والشمائل، نعرف منهم عددًا كبيرًا، ومنهم من لم نعلم، لم يقصه الله علينا، لكن يكفينا الإجمال: أن نؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ومن علمناه بعينه آمنا به بعينه. اليوم الآخر هو يوم القيامة، وسمي آخرًا لأنه لا يوم بعده. قال شيخ الإسلام ﵀: ويدخل في الإيمان باليوم الآخر كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مما يكون بعد الموت: كفتنة القبر وعذابه أو نعيمه؛ لأن كل من مات فقد قامت قيامته، انتهى، انتقل إلى اليوم الآخر، ويدخل في ذلك الإيمان بما يكون في ذلك اليوم من حشر العالم كلهم في صعيد واحد، يسمعهم الداعي وينفذهم البصر، وما ذكر في ذلك اليوم من الميزان، وحوض النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، والصراط المنصوب على جهنم، والجنة والنار، وغير ذلك مما جاء به القرآن وصحت به السنة. والقدر خيره وشره، القدر يعني: تقدير الله ﷿، والله ﵎ قدر كل شيء، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . ومراتب القدر أربع: الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، فإن الله تعالى عالم بكل شيء كان أم لم يكن، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . المرتبة الثانية: الكتابة، فإن الله تعالى كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، ودليل ذلك: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقال تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . فما كتب في اللوح المحفوظ فلابد أن يقع، كما جاء في الحديث: (جفت الأقلام وطويت الصحف) . المرتبة الثالثة: أن تؤمن بعموم مشيئة الله ﷿، وأنه ما في الكون من موجود ولا معدوم إلا بمشيئة الله، فهو الذي يحيي ويميت، ويعز ويذل، ويؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، حتى أفعالنا نحن كائنة بمشيئة الله. المسألة الرابعة: الإيمان بخلق الله، أي بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأن له مقاليد السماوات والأرض، حتى أعمال العباد مخلوقة لله ﷿، قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) (الفرقان: من الآية٢) . وقال تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) (الصافات: ٩٦) . هذه المراتب الأربع لابد من الإيمان بها، فمن نقص منها مرتبة واحدة لم يتم إيمانه بالقدر. وقوله: (خيره وشره) . إذا قال قائل: إذا كان القدر من الله كيف يكون فيه شر؟ فالجواب: أن الشر ليس في تقدير الله، ولكن فيما قدره الله، أي: في المقدورات، أما قدر الله لها بالشر فإنه لحكمة بالغة، وبهذا الاعتبار يكون خيرًا.
***
3 / 1
ما هي العقيدة الإسلامية الصحيحة التي بها يتقبل الله صلوات المصلىن؟
فأجاب رحمه الله تعالى: العقيدة الصحيحة للمسلمين التي يتقبل الله بها صلاة المصلىن هي ما أجاب به النبي ﷺ جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . هذه هي العقيدة الصحيحة التي يتقبل الله بها من المسلمين، وتتضمن هذه العقيدة تمام القبول والانقياد، وذلك بأن يشهد الإنسان أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وحينئذٍ يكون مسلمًا تصح منه الصلاة وسائر العبادات.
***
ما هي العروة الوثقى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العروة الوثقى هي الإسلام، وسميت عروة وثقى لأنها توصل إلى الجنة. ***
إذا أخل المسلم بركن واحد من أركان الإيمان الستة فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخل بركن من أركان الإيمان الستة جحدًا وتكذيبًا فهو كافر، وأما إذا كان عن تأويل- كالذين أنكروا مسائل في باب القدر- فهذا لا يكفر؛ لأنه متأول لكن أحيانًا يكون التأويل بعيدًا، وأحيانًا يكون التأويل قريبًا. ***
ما الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وإذا أقام الشخص الإسلام وترك الباقيات هل نكفره أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين هذه الثلاثة بيّنه النبي ﵊ حين سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) . وسأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) . فسأله عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، هذا هو الفرق. ومن ترك واحدًا من ذلك ففيه تفصيل: من ترك الشهادتين فلم يشهد أن لا إله إلا لله ولا أن محمدًا رسول الله فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ومن أتى بالشهادتين لكن ترك الصلاة فهو كافر على القول الراجح، والأدلة على ذلك كثيرة تمر بنا كثيرًا في هذا البرنامج، ومن ترك الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكفر على القول الراجح؛ لقول عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . وأما الإيمان فأركانه ستة، إذا أنكر واحدًا منها كفر: لو لم يؤمن بالله فهو كافر، أو بملائكته فهو كافر، أو بكتبه فهو كافر، أو برسله فهو كافر، أو باليوم الآخر فهو كافر، أو بالقدر فهو كافر. وأما الإحسان فهو كمال: إن أتى به الإنسان فلا شك أنه أكمل، يعني: صلى كأنه يرى ربه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، فالإحسان كمال وفضل، والإيمان ترك واحد من أركانه كفر، والإسلام فيه التفصيل. ***
تقول المستمعة: كيف يعلم الشخص أنه وصل إلى درجة الإيمان؟ لأن عندي إحدى الأخوات تقول بأنها مؤمنة وإيماني قوي، كيف يعلم الإنسان بأن إيمانه قوي؟ وما هي الشروط التي تجعل المؤمن قوي الإيمان؟ وهل يعلم الإنسان إذا كان إيمانه قويًّا أو ضعيفًا؟ أرجو توضيح ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، والإنسان يعلم أنه مؤمن بما يكون في قلبه من الإقرار الجازم بما يجب الإيمان به، وهو: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وبما يكون لهذا الإيمان من النتائج، وهي الإنابة إلى الله ﷿ بفعل الطاعات، والتوبة إليه من المعاصي، ومحبة الخير للمؤمنين، ومحبة النصر للإسلام، وغير ذلك من موجبات الإيمان التي تدل دلالة واضحة على أن الإنسان مؤمن. ويمكن هذا، أعني: أن العلم بأن الإنسان مؤمن، بأن يطبق أحواله وأعماله على ما جاءت به السنة مثل: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . فلينظر: هل هو يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أو يحب أن يستأثر على أخيه ولا يهتم بشأنه، أم ماذا؟ وليطبق ذلك أيضًا على نفسه في المعاملة:هل هو ناصح في معاملته لإخوانه، أو غاشٌّ لهم؟ لأن النبي ﵌ قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . وثبت عنه ﷺ أنه قال: (من غش فليس منا) . فلننظر إلى هذا، ولننظر أيضًا: هل هو حَسَنُ الجوار بجيرانه، أو على خلاف ذلك؟ لأن حسن الجوار من علامات الإيمان؟ قال النبي ﷺ: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) . وقال ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يعرف بها الإنسان ما عنده من الإيمان قوة وضعفًا. فالإنسان العاقل البصير يزن إيمانه بما يقوم به من طاعة الله واجتناب معصيته، ومحبة الخير لنفسه وللمسلمين. وأما قول القائل: أنا مؤمن وإيماني قوي، فهذا إن قاله على سبيل التزكية لنفسه فقد أساء؛ لقول الله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) . وإن قالها على سبيل التحدث بنعمة الله، وتشجيع غيره على تقوية إيمانه، فلا حرج عليه في ذلك، ولا بأس به. والإنسان يعرف قوة الإيمان- كما ذكرنا آنفًا- بآثاره التي تترتب عليه، ومتى قوي إيمانه صار الإنسان كما أنه يشاهد علم الغيب الذي أخبر الله عنه، بحيث لا يكون عنده أدنى شك فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب. ***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يذكران جميعًا ويذكر أحدهما منفردًا عن الآخر. فإذا ذكرا جميعًا اختلف معناهما، وكان الإيمان للأعمال الباطنة والإسلام للأعمال الظاهرة، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب ﵁ حين جاء جبريل إلى رسول الله ﷺ فسأله عن الإسلام، فقال النبي ﵌: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام) . ثم سأله عن الإيمان فقال النبي ﵌: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) . ففرق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإسلام هي الأعمال الظاهرة التي هي قول اللسان وعمل الجوارح، وجعل الإيمان الأعمال الباطنة التي هي إقرار القلب واعترافه وإيمانه، ولهذا قال الله ﷿ عن الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . فجعل الله تعالى الإيمان في القلب، وبين في هذه الآية الكريمة أن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام؛ لأن الإسلام يكون من المنافق ومن المؤمن حقًا، وفي هذه الحال نقول: إن الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام. أما إذا أفرد أحدهما عن الآخر فإنهما يكونان بمعنى واحد، كقول الإنسان: أنا مؤمن، كقوله: أنا مسلم ولا فرق، ولكن إذا قال: أنا مؤمن، فإنه يجب عليه أن يكون الباعث له على هذه المقالة التحدث بنعم الله ﷿، أو الإخبار المحض المجرد، لا أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإعجابه بها وافتخاره على غيره، فإن ذلك من الأمور المحرمة. ***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يتفقان في المعنى إذا افترقا في اللفظ، بمعنى: أنه إذا ذكر أحدهما في مكان دون الآخر فهو يشمل الآخر، وإذا ذكرا جميعًا في سياق واحد صار لكل واحد منهما معنى: فالإسلام إذا ذكر وحده شمل كل الإسلام، من شرائعه ومعتقداته وآدابه وأخلاقه، كما قال الله ﷿: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) . وكذلك المسلم إذا ذكر هكذا مطلقًا فإنه يشمل كل من قام بشرائع الإسلام من معتقدات وأعمال وآداب وغيرها، وكذلك الإيمان: فالمؤمن مقابل الكافر، فإذا قيل: إيمان ومؤمن بدون قول الإسلام معه فهو شامل للدين كله، أما إذا قيل: إسلام وإيمان في سياق واحد فإن الإيمان يفسر بأعمال القلوب وعقيدتها، والإسلام يفسر بأعمال الجوارح. ولهذا قال النبي ﷺ في جوابه لجبريل: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) إلى آخر أركان الإسلام. وقال في الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه) إلى آخر أركان الإيمان المعروفة. ويدل على هذا الفرق قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . وهذا يدل على الفرق بين الإسلام والإيمان: فالإيمان يكون في القلب، ويلزم من وجوده في القلب صلاح الجوارح؛ لقول النبي ﷺ: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) . بخلاف الإسلام فإنه يكون في الجوارح، وقد يصدر من المؤمن حقًا، وقد يكون من ناقص الإيمان. هذا هو الفرق بينهما، وقد تبين أنه لا يفرق بينهما إلا إذا اجتمعا في سياق واحد، وأما إذا انفرد أحدهما في سياق فإنه يشمل الآخر. ***
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) . يقول: أيهما أولى: الإسلام أم الإيمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . يعني: لم يدخل بعدُ الإيمان في قلوبكم، ولكنه قريب من الدخول. ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، كما في قوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل: مؤمن وكافر، فإن الإيمان يشمل الإسلام، أما إذا ذكرا جميعًا- كما في آية الحجرات- فإن الإيمان في القلب، والإسلام في الجوارح، والإيمان أكمل. ***
بعض الناس يقدمون المعونات المادية لبعض المساكين، ويكتفون بذلك ولا يؤدون فرائض الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما، ويدّعون أنهم يعملون الصالحات، وأنهم خيرٌ عند الله من الذين يؤدون فرائض الله ثم يذنبون،وأنهم سيدخلون الجنة بما قدموا من حسناتٍ ماديةٍ قبل الذين يؤدون الفرائض، وربما حرمت على الذين يؤدون الفرائض ويذنبون وهم لا يحرمون منها؛ لأنهم أيضًا بيض القلوب غير مذنبين،فما الحكم في مثل هؤلاء أينما كانوا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هؤلاء أنه إذا كان الواحد منهم يدعي بأنه غير مذنب فإننا نقول: أي ذنبٍ أعظم من ترك الصلاة وشعائر الإسلام؟ وما أنفقوه على الناس من سد الحاجات وإعانة المحتاج وإصلاح الطرق وغيرها، كل هذا لا ينفعهم، كل هذا هباءٌ منثور كما قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) . وقال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) . فهؤلاء كل أعمالهم- ولو كانت متعديًا نفعها إلى الغير، كلها- لا تنفعهم عند الله ولا تقربهم إليه، وهم إن ماتوا على ترك الصلاة ماتوا كفارًا مخلدين في النار والعياذ بالله. فعليهم أن يتوبوا إلى الله ﷾، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم، ودعواهم أن من قام بشرائع الإسلام ولم ينفق إنفاقهم فإنه يحرم دخول الجنة وتكون الجنة لهم، هذه دعوىكاذبة، بل إن من قام بشرائع الإسلام، وحصل منه بخل في بعض ما أوجب الله عليه بذله، فإنه كغيره من أهل الذنوب والمعاصي تحت المشيئة إن شاء الله تعالى عذبه، وإن شاء غفر له، فهذه التي قالها أولئك القوم دعوى باطلة كاذبة. ***
راشد غانم العبد الغفار الرياض الديرة يقول: كثير من الناس لا يؤدون شرائع الإسلام، وإذا طُلب من أحدهم تأديتها قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا ما طُلب من الرسول تحصيله بالقتال، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا منه دماءهم وأموالهم، ولذا يرددون: الإسلام مجرد النطق بكلمة التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: هذا الفهم الذي فهمه هذا السائل وغيره خطأ عظيم فادح، حيث يظنون أن الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وإنما هذا مفتاح الإسلام للدخول فيه، وأما الإسلام فإنه هذا مع الشرائع الأخرى، ولهذا قال النبي ﵊: (فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) . وقاتلهم أبو بكر ﵁، قاتل من منع الزكاة، ولما راجعه عمر في ذلك قال: الزكاة حق المال، والزكاة من حقوق الإسلام التي لابد منها. وكذلك الصلاة والحج والصيام، لكن من هذه الحقوق ما يكون تركه كفرًا، كما في الصلاة التي ثبت عن النبي ﵊ أنها هي التي بين الرجل وبين الكفر والشرك، وأنها هي العهد الذي بيننا وبين الكفار؛ ومن حقوق الإسلام ما لا يكون تركه كفرًا بحسب ما تقتضيه النصوص الشرعية. والمهم أن الإسلام ليس مجرد النطق بالشهادتين، وكيف يكون مسلمًا من يقول: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهو لا يقوم لله ولا لرسوله ﷺ بالحق الواجب لهما؟ إذا كان يشهد ألا إله إلا الله فلماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يعبده؟ إذا كان يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله لماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يتبعه؟ فلابد من عبادة الله، ومن اتباع رسول الله ﷺ، وإلا مجرد النطق بالشهادتين لا يكفي، المنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكنهم لا يأتون بأركان الإسلام، فلذلك لم يكونوا مؤمنين. ***
عثمان محمد يقول: أحيانًا يوسوس لي الشيطان: من خلق هذا؟ إلى أن يقول لي: من خلق الله ﷾؟ وأسهو كثيرًا وأحزن وأترك هذا الموضوع. أفيدوني على ما أصرف به هذا الوسواس، وهل الوسواس يؤثر عليّ في حياتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الوسواس لا يؤثر عليك، وقد أخبر به النبي ﵊ (أن الشيطان يأتي للإنسان فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ إلى أن يقول: من خلق الله؟) . وأعلمنا رسول الله ﷺ بالدواء الناجع، وهو: أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي عن هذا، فإذا طرأ عليك هذا الشيء وخطر ببالك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وانتهِ عنه وأعرض إعراضًا كليًا، وسيزول بإذن الله. ***
مدحت أحمد محمود عمارة يقول: أنا مصري الجنسية وأعيش في ألمانيا، وقد حاول الكثير ممن أعرفه يدينون بالمسيحية، حاولوا استمالتي وترغيبي في دينهم، ولقلة معرفتي بدين الإسلام وعدم توفر القرآن عندي جعلني أحتار وأشك في أي الدينين هو الصحيح؟ وقد قرأت الإنجيل الذي أهدوه إلي ولم أجد فيه شيئًا يقبله العقل السليم ولا المنطق، مما يؤكد لي أنه محرف وأنه غير صحيح، مما قوى إيماني بالله وتمسكي بديني الإسلام، وأخيرًا حصلت على نسخةٍ من القرآن الكريم وأخذت أقرأ فيها وفي بعض التفاسير، وزادني ذلك والحمد لله قوة إيمانٍ ويقين بأن دين الإسلام هو الدين الحق، وأخذت بعد ذلك أحاول فيهم هم أن يعتنقوا دين الإسلام. فهل علي إثمٌ في حيرتي الأولى؟ وبماذا تنصحونني أن أفعل نحو هؤلاء؟ كما أرجو إرشادي إلى من أجد عنده الكتب الدينية والقرآن بخطٍ واضح والتفاسير الصحيحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي حصل لك أيها الأخ هو من نعمة الله عليك، حيث ثبتك الله ﷿ في حال الشبهة والتلبيس من هؤلاء، ولا ريب أن ما فتح الله به عليك من معرفة الحق ومعرفة الإنجيل المحرف، لا ريب أن ما فتح الله عليك به خيرٌ ونعمة، ولهذا يسر الله لك حيث كنت تريد الحق، يسر الله لك هذه النسخة من القرآن الكريم، وكذلك ما تقرؤه من التفاسير، وما حصل لك من الحيرة إبان دعوتهم إياك لا يضرك، ما دمت والحمد لله قد ثبت على دين الإسلام، ثم ازددت يقينًا بما حصل لك من هذه النسخة من القرآن الكريم والتفاسير القيمة، فنرجو لك الثبات، ونرجو أن تمضي قدمًا في دعوة هؤلاء وغيرهم إلى دين الإسلام، ببيان صحته من الوجهة النقلية ومن الوجهة العقلية، فإنه الدين الحق الذي لا يشك فيه أي عاقلٍ منصف إذا علمه أنه حق، وحينئذٍ فاستمر في دعوتك إليه: (ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم) . وأما ما ذكرت من إرشادك إلى من يكون عنده تفسير أو كتب دينية: فإننا نرشدك إلى أن تتصل برئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الرياض في المملكة العربية السعودية، وتطلب منها الكتب المناسبة، لعل الله ينفع بها من يطلع عليها. ***
السائل أبو عبد الله يقول: أكثر الناس يحبون المال حبًا شديدًا، فهل يؤثر ذلك على عقيدتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن حب المال لا يؤثر على العقيدة ولا على الدين إذا لم يشغل عن واجب أو مستحب، فإن شغل عن واجب كان الاشتغال به حرامًا، وإن شغل عن مستحب كان الاشتغال بالمستحب أولى من الاشتغال بالمال، ولابد أن يكون تصرف الإنسان بالمال على وفق الشريعة الإسلامية، فلا يعامل معاملة تشتمل على ظلم أو ربا أو غش، ولا يعامل الناس بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما هو عليه. وحب المرء للمال أمر طبيعي، كما قال الله ﵎: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا. فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا. فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا. ً إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) . أي: لحب المال، كما قال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) . وإذا كانت محبة الإنسان المال من أجل أن ينميه ليعمل به عملًا صالحًا كان ذلك خيرًا، فإنه نِعْمَ المال الصالح عند الرجل الصالح، وكم من أناس أغناهم الله فنفع الله تعالى بأموالهم: في الجهاد في سبيل الله، في نشر العلم، في إعانة الملهوف، إلى غير ذلك. ***
مديحة القاضي تقول في رسالتها: عندما أقرأ القرآن تمر علي آيات الترغيب في الجنة وآيات الترهيب من النار، ولكني في قرارة نفسي أتأثر كثيرًا من آيات الترغيب في الجنة، ولكنني قليلة التأثر في الترهيب من النار، فهل في ذلك خلل أو نقص في العقيدة؟ رغم أنني والحمد لله مؤمنة بهما، وأقيم الصلاة في أوقاتها. أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس فيه خلل في العقيدة، ما دمت تؤمنين بأن ما أخبر الله به من الثواب والعقاب حق واقع لا محالة، فإن ذلك لا يؤثر في عقيدتك، وبعض الناس قد يكون في قلبه شيء من القسوة فلا يلين عند المواعظ، وبعض الناس ربما يتأثر من المواعظ دون بعض، باعتبار صفاء ذهنه في تلك الساعة، أو باعتبار إلقاء الواعظ، أو باعتبارات أخرى. والحاصل أن الإنسان ما دام مؤمنًا بما أخبر الله به من الثواب والعقاب ولا شك عنده في ذلك فإن عقيدته سليمة، فلا يحزن ولا يخف. ***
ما هي العروة الوثقى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العروة الوثقى هي الإسلام، وسميت عروة وثقى لأنها توصل إلى الجنة. ***
إذا أخل المسلم بركن واحد من أركان الإيمان الستة فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أخل بركن من أركان الإيمان الستة جحدًا وتكذيبًا فهو كافر، وأما إذا كان عن تأويل- كالذين أنكروا مسائل في باب القدر- فهذا لا يكفر؛ لأنه متأول لكن أحيانًا يكون التأويل بعيدًا، وأحيانًا يكون التأويل قريبًا. ***
ما الفرق بين الإسلام والإيمان والإحسان؟ وإذا أقام الشخص الإسلام وترك الباقيات هل نكفره أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين هذه الثلاثة بيّنه النبي ﵊ حين سأله جبريل عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له: (الإسلام: أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت) . وسأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، والقدر خيره وشره) . فسأله عن الإحسان فقال: (أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك)، هذا هو الفرق. ومن ترك واحدًا من ذلك ففيه تفصيل: من ترك الشهادتين فلم يشهد أن لا إله إلا لله ولا أن محمدًا رسول الله فهو كافر مرتد بإجماع المسلمين، ومن أتى بالشهادتين لكن ترك الصلاة فهو كافر على القول الراجح، والأدلة على ذلك كثيرة تمر بنا كثيرًا في هذا البرنامج، ومن ترك الزكاة أو الصيام أو الحج فإنه لا يكفر على القول الراجح؛ لقول عبد الله بن شقيق: (كان أصحاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . وأما الإيمان فأركانه ستة، إذا أنكر واحدًا منها كفر: لو لم يؤمن بالله فهو كافر، أو بملائكته فهو كافر، أو بكتبه فهو كافر، أو برسله فهو كافر، أو باليوم الآخر فهو كافر، أو بالقدر فهو كافر. وأما الإحسان فهو كمال: إن أتى به الإنسان فلا شك أنه أكمل، يعني: صلى كأنه يرى ربه فإن لم يكن يراه فإن الله تعالى يراه، فالإحسان كمال وفضل، والإيمان ترك واحد من أركانه كفر، والإسلام فيه التفصيل. ***
تقول المستمعة: كيف يعلم الشخص أنه وصل إلى درجة الإيمان؟ لأن عندي إحدى الأخوات تقول بأنها مؤمنة وإيماني قوي، كيف يعلم الإنسان بأن إيمانه قوي؟ وما هي الشروط التي تجعل المؤمن قوي الإيمان؟ وهل يعلم الإنسان إذا كان إيمانه قويًّا أو ضعيفًا؟ أرجو توضيح ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام، والإنسان يعلم أنه مؤمن بما يكون في قلبه من الإقرار الجازم بما يجب الإيمان به، وهو: الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، وبما يكون لهذا الإيمان من النتائج، وهي الإنابة إلى الله ﷿ بفعل الطاعات، والتوبة إليه من المعاصي، ومحبة الخير للمؤمنين، ومحبة النصر للإسلام، وغير ذلك من موجبات الإيمان التي تدل دلالة واضحة على أن الإنسان مؤمن. ويمكن هذا، أعني: أن العلم بأن الإنسان مؤمن، بأن يطبق أحواله وأعماله على ما جاءت به السنة مثل: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) . فلينظر: هل هو يحب لأخيه ما يحب لنفسه، أو يحب أن يستأثر على أخيه ولا يهتم بشأنه، أم ماذا؟ وليطبق ذلك أيضًا على نفسه في المعاملة:هل هو ناصح في معاملته لإخوانه، أو غاشٌّ لهم؟ لأن النبي ﵌ قال: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة. قالوا: لمن يا رسول الله؟ قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم) . وثبت عنه ﷺ أنه قال: (من غش فليس منا) . فلننظر إلى هذا، ولننظر أيضًا: هل هو حَسَنُ الجوار بجيرانه، أو على خلاف ذلك؟ لأن حسن الجوار من علامات الإيمان؟ قال النبي ﷺ: (والله لا يؤمن، والله لا يؤمن، والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) . وقال ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره)، إلى غير ذلك من الأحاديث التي يعرف بها الإنسان ما عنده من الإيمان قوة وضعفًا. فالإنسان العاقل البصير يزن إيمانه بما يقوم به من طاعة الله واجتناب معصيته، ومحبة الخير لنفسه وللمسلمين. وأما قول القائل: أنا مؤمن وإيماني قوي، فهذا إن قاله على سبيل التزكية لنفسه فقد أساء؛ لقول الله تعالى: (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) . وإن قالها على سبيل التحدث بنعمة الله، وتشجيع غيره على تقوية إيمانه، فلا حرج عليه في ذلك، ولا بأس به. والإنسان يعرف قوة الإيمان- كما ذكرنا آنفًا- بآثاره التي تترتب عليه، ومتى قوي إيمانه صار الإنسان كما أنه يشاهد علم الغيب الذي أخبر الله عنه، بحيث لا يكون عنده أدنى شك فيما أخبر الله به ورسوله من أمور الغيب. ***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يذكران جميعًا ويذكر أحدهما منفردًا عن الآخر. فإذا ذكرا جميعًا اختلف معناهما، وكان الإيمان للأعمال الباطنة والإسلام للأعمال الظاهرة، ودليل ذلك حديث عمر بن الخطاب ﵁ حين جاء جبريل إلى رسول الله ﷺ فسأله عن الإسلام، فقال النبي ﵌: (أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت الحرام) . ثم سأله عن الإيمان فقال النبي ﵌: (الإيمان: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) . ففرق بين الإيمان والإسلام، فجعل الإسلام هي الأعمال الظاهرة التي هي قول اللسان وعمل الجوارح، وجعل الإيمان الأعمال الباطنة التي هي إقرار القلب واعترافه وإيمانه، ولهذا قال الله ﷿ عن الأعراب: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . فجعل الله تعالى الإيمان في القلب، وبين في هذه الآية الكريمة أن الإيمان أعلى رتبة من الإسلام؛ لأن الإسلام يكون من المنافق ومن المؤمن حقًا، وفي هذه الحال نقول: إن الإيمان أعلى مرتبة من الإسلام. أما إذا أفرد أحدهما عن الآخر فإنهما يكونان بمعنى واحد، كقول الإنسان: أنا مؤمن، كقوله: أنا مسلم ولا فرق، ولكن إذا قال: أنا مؤمن، فإنه يجب عليه أن يكون الباعث له على هذه المقالة التحدث بنعم الله ﷿، أو الإخبار المحض المجرد، لا أن يكون الحامل له على ذلك تزكية نفسه وإعجابه بها وافتخاره على غيره، فإن ذلك من الأمور المحرمة. ***
ما الفرق بين المسلم والمؤمن وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسلام والإيمان يتفقان في المعنى إذا افترقا في اللفظ، بمعنى: أنه إذا ذكر أحدهما في مكان دون الآخر فهو يشمل الآخر، وإذا ذكرا جميعًا في سياق واحد صار لكل واحد منهما معنى: فالإسلام إذا ذكر وحده شمل كل الإسلام، من شرائعه ومعتقداته وآدابه وأخلاقه، كما قال الله ﷿: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ) . وكذلك المسلم إذا ذكر هكذا مطلقًا فإنه يشمل كل من قام بشرائع الإسلام من معتقدات وأعمال وآداب وغيرها، وكذلك الإيمان: فالمؤمن مقابل الكافر، فإذا قيل: إيمان ومؤمن بدون قول الإسلام معه فهو شامل للدين كله، أما إذا قيل: إسلام وإيمان في سياق واحد فإن الإيمان يفسر بأعمال القلوب وعقيدتها، والإسلام يفسر بأعمال الجوارح. ولهذا قال النبي ﷺ في جوابه لجبريل: (الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله) إلى آخر أركان الإسلام. وقال في الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه) إلى آخر أركان الإيمان المعروفة. ويدل على هذا الفرق قوله تعالى: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . وهذا يدل على الفرق بين الإسلام والإيمان: فالإيمان يكون في القلب، ويلزم من وجوده في القلب صلاح الجوارح؛ لقول النبي ﷺ: (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) . بخلاف الإسلام فإنه يكون في الجوارح، وقد يصدر من المؤمن حقًا، وقد يكون من ناقص الإيمان. هذا هو الفرق بينهما، وقد تبين أنه لا يفرق بينهما إلا إذا اجتمعا في سياق واحد، وأما إذا انفرد أحدهما في سياق فإنه يشمل الآخر. ***
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) . يقول: أيهما أولى: الإسلام أم الإيمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل، ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية: (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) . يعني: لم يدخل بعدُ الإيمان في قلوبكم، ولكنه قريب من الدخول. ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان، كما في قوله تعالى: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل: مؤمن وكافر، فإن الإيمان يشمل الإسلام، أما إذا ذكرا جميعًا- كما في آية الحجرات- فإن الإيمان في القلب، والإسلام في الجوارح، والإيمان أكمل. ***
بعض الناس يقدمون المعونات المادية لبعض المساكين، ويكتفون بذلك ولا يؤدون فرائض الله تعالى كالصلاة والصوم وغيرهما، ويدّعون أنهم يعملون الصالحات، وأنهم خيرٌ عند الله من الذين يؤدون فرائض الله ثم يذنبون،وأنهم سيدخلون الجنة بما قدموا من حسناتٍ ماديةٍ قبل الذين يؤدون الفرائض، وربما حرمت على الذين يؤدون الفرائض ويذنبون وهم لا يحرمون منها؛ لأنهم أيضًا بيض القلوب غير مذنبين،فما الحكم في مثل هؤلاء أينما كانوا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هؤلاء أنه إذا كان الواحد منهم يدعي بأنه غير مذنب فإننا نقول: أي ذنبٍ أعظم من ترك الصلاة وشعائر الإسلام؟ وما أنفقوه على الناس من سد الحاجات وإعانة المحتاج وإصلاح الطرق وغيرها، كل هذا لا ينفعهم، كل هذا هباءٌ منثور كما قال الله تعالى: (وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا) . وقال تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلاَّ أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلاَّ وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنفِقُونَ إِلاَّ وَهُمْ كَارِهُونَ) . فهؤلاء كل أعمالهم- ولو كانت متعديًا نفعها إلى الغير، كلها- لا تنفعهم عند الله ولا تقربهم إليه، وهم إن ماتوا على ترك الصلاة ماتوا كفارًا مخلدين في النار والعياذ بالله. فعليهم أن يتوبوا إلى الله ﷾، وأن يقوموا بما أوجب الله عليهم، ودعواهم أن من قام بشرائع الإسلام ولم ينفق إنفاقهم فإنه يحرم دخول الجنة وتكون الجنة لهم، هذه دعوىكاذبة، بل إن من قام بشرائع الإسلام، وحصل منه بخل في بعض ما أوجب الله عليه بذله، فإنه كغيره من أهل الذنوب والمعاصي تحت المشيئة إن شاء الله تعالى عذبه، وإن شاء غفر له، فهذه التي قالها أولئك القوم دعوى باطلة كاذبة. ***
راشد غانم العبد الغفار الرياض الديرة يقول: كثير من الناس لا يؤدون شرائع الإسلام، وإذا طُلب من أحدهم تأديتها قال: أنا أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهذا ما طُلب من الرسول تحصيله بالقتال، فإذا قالوا ذلك فقد عصموا منه دماءهم وأموالهم، ولذا يرددون: الإسلام مجرد النطق بكلمة التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: هذا الفهم الذي فهمه هذا السائل وغيره خطأ عظيم فادح، حيث يظنون أن الإسلام هو شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. وإنما هذا مفتاح الإسلام للدخول فيه، وأما الإسلام فإنه هذا مع الشرائع الأخرى، ولهذا قال النبي ﵊: (فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها) . وقاتلهم أبو بكر ﵁، قاتل من منع الزكاة، ولما راجعه عمر في ذلك قال: الزكاة حق المال، والزكاة من حقوق الإسلام التي لابد منها. وكذلك الصلاة والحج والصيام، لكن من هذه الحقوق ما يكون تركه كفرًا، كما في الصلاة التي ثبت عن النبي ﵊ أنها هي التي بين الرجل وبين الكفر والشرك، وأنها هي العهد الذي بيننا وبين الكفار؛ ومن حقوق الإسلام ما لا يكون تركه كفرًا بحسب ما تقتضيه النصوص الشرعية. والمهم أن الإسلام ليس مجرد النطق بالشهادتين، وكيف يكون مسلمًا من يقول: أشهد ألا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وهو لا يقوم لله ولا لرسوله ﷺ بالحق الواجب لهما؟ إذا كان يشهد ألا إله إلا الله فلماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يعبده؟ إذا كان يقول: أشهد أن محمدًا رسول الله لماذا لا يقوم بحقه؟ لماذا لا يتبعه؟ فلابد من عبادة الله، ومن اتباع رسول الله ﷺ، وإلا مجرد النطق بالشهادتين لا يكفي، المنافقون يشهدون أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله ولكنهم لا يأتون بأركان الإسلام، فلذلك لم يكونوا مؤمنين. ***
عثمان محمد يقول: أحيانًا يوسوس لي الشيطان: من خلق هذا؟ إلى أن يقول لي: من خلق الله ﷾؟ وأسهو كثيرًا وأحزن وأترك هذا الموضوع. أفيدوني على ما أصرف به هذا الوسواس، وهل الوسواس يؤثر عليّ في حياتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الوسواس لا يؤثر عليك، وقد أخبر به النبي ﵊ (أن الشيطان يأتي للإنسان فيقول: من خلق كذا؟ من خلق كذا؟ إلى أن يقول: من خلق الله؟) . وأعلمنا رسول الله ﷺ بالدواء الناجع، وهو: أن نستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وننتهي عن هذا، فإذا طرأ عليك هذا الشيء وخطر ببالك فقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وانتهِ عنه وأعرض إعراضًا كليًا، وسيزول بإذن الله. ***
مدحت أحمد محمود عمارة يقول: أنا مصري الجنسية وأعيش في ألمانيا، وقد حاول الكثير ممن أعرفه يدينون بالمسيحية، حاولوا استمالتي وترغيبي في دينهم، ولقلة معرفتي بدين الإسلام وعدم توفر القرآن عندي جعلني أحتار وأشك في أي الدينين هو الصحيح؟ وقد قرأت الإنجيل الذي أهدوه إلي ولم أجد فيه شيئًا يقبله العقل السليم ولا المنطق، مما يؤكد لي أنه محرف وأنه غير صحيح، مما قوى إيماني بالله وتمسكي بديني الإسلام، وأخيرًا حصلت على نسخةٍ من القرآن الكريم وأخذت أقرأ فيها وفي بعض التفاسير، وزادني ذلك والحمد لله قوة إيمانٍ ويقين بأن دين الإسلام هو الدين الحق، وأخذت بعد ذلك أحاول فيهم هم أن يعتنقوا دين الإسلام. فهل علي إثمٌ في حيرتي الأولى؟ وبماذا تنصحونني أن أفعل نحو هؤلاء؟ كما أرجو إرشادي إلى من أجد عنده الكتب الدينية والقرآن بخطٍ واضح والتفاسير الصحيحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي حصل لك أيها الأخ هو من نعمة الله عليك، حيث ثبتك الله ﷿ في حال الشبهة والتلبيس من هؤلاء، ولا ريب أن ما فتح الله به عليك من معرفة الحق ومعرفة الإنجيل المحرف، لا ريب أن ما فتح الله عليك به خيرٌ ونعمة، ولهذا يسر الله لك حيث كنت تريد الحق، يسر الله لك هذه النسخة من القرآن الكريم، وكذلك ما تقرؤه من التفاسير، وما حصل لك من الحيرة إبان دعوتهم إياك لا يضرك، ما دمت والحمد لله قد ثبت على دين الإسلام، ثم ازددت يقينًا بما حصل لك من هذه النسخة من القرآن الكريم والتفاسير القيمة، فنرجو لك الثبات، ونرجو أن تمضي قدمًا في دعوة هؤلاء وغيرهم إلى دين الإسلام، ببيان صحته من الوجهة النقلية ومن الوجهة العقلية، فإنه الدين الحق الذي لا يشك فيه أي عاقلٍ منصف إذا علمه أنه حق، وحينئذٍ فاستمر في دعوتك إليه: (ولأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم) . وأما ما ذكرت من إرشادك إلى من يكون عنده تفسير أو كتب دينية: فإننا نرشدك إلى أن تتصل برئاسة إدارات البحوث العلمية والإفتاء والدعوة والإرشاد في الرياض في المملكة العربية السعودية، وتطلب منها الكتب المناسبة، لعل الله ينفع بها من يطلع عليها. ***
السائل أبو عبد الله يقول: أكثر الناس يحبون المال حبًا شديدًا، فهل يؤثر ذلك على عقيدتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن حب المال لا يؤثر على العقيدة ولا على الدين إذا لم يشغل عن واجب أو مستحب، فإن شغل عن واجب كان الاشتغال به حرامًا، وإن شغل عن مستحب كان الاشتغال بالمستحب أولى من الاشتغال بالمال، ولابد أن يكون تصرف الإنسان بالمال على وفق الشريعة الإسلامية، فلا يعامل معاملة تشتمل على ظلم أو ربا أو غش، ولا يعامل الناس بدعوى ما ليس له أو بإنكار ما هو عليه. وحب المرء للمال أمر طبيعي، كما قال الله ﵎: (وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا. فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا. فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا. فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا. فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعا. ً إِنَّ الإِنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ. وَإِنَّهُ عَلَى ذَلِكَ لَشَهِيدٌ. وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ) . أي: لحب المال، كما قال تعالى: (وَتُحِبُّونَ الْمَالَ حُبًّا جَمًّا) . وإذا كانت محبة الإنسان المال من أجل أن ينميه ليعمل به عملًا صالحًا كان ذلك خيرًا، فإنه نِعْمَ المال الصالح عند الرجل الصالح، وكم من أناس أغناهم الله فنفع الله تعالى بأموالهم: في الجهاد في سبيل الله، في نشر العلم، في إعانة الملهوف، إلى غير ذلك. ***
مديحة القاضي تقول في رسالتها: عندما أقرأ القرآن تمر علي آيات الترغيب في الجنة وآيات الترهيب من النار، ولكني في قرارة نفسي أتأثر كثيرًا من آيات الترغيب في الجنة، ولكنني قليلة التأثر في الترهيب من النار، فهل في ذلك خلل أو نقص في العقيدة؟ رغم أنني والحمد لله مؤمنة بهما، وأقيم الصلاة في أوقاتها. أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس فيه خلل في العقيدة، ما دمت تؤمنين بأن ما أخبر الله به من الثواب والعقاب حق واقع لا محالة، فإن ذلك لا يؤثر في عقيدتك، وبعض الناس قد يكون في قلبه شيء من القسوة فلا يلين عند المواعظ، وبعض الناس ربما يتأثر من المواعظ دون بعض، باعتبار صفاء ذهنه في تلك الساعة، أو باعتبار إلقاء الواعظ، أو باعتبارات أخرى. والحاصل أن الإنسان ما دام مؤمنًا بما أخبر الله به من الثواب والعقاب ولا شك عنده في ذلك فإن عقيدته سليمة، فلا يحزن ولا يخف. ***
3 / 2
توحيد الربوبية
4 / 1
حامد عبد الله الجور يقول: ما رأيكم في نشرة الأحوال الجوية، وكل التنبؤات الجوية التي نسمعها يوميًا في نشرات الراديو وفقكم الله؟
فأجاب رحمه الله تعالى: إن نزول المطر من علم الغيب الذي لا يعلمه إلا الله، قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) . فمن ادعى علم الغيب فيما ينزل من المطر في المستقبل فإنه كافر؛ لأنه مكذب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . وأما من أخبر بنزول مطر، أو توقع نزول مطر في المستقبل، بناءً على ما تقتضيه الآلات الدقيقة التي تقاس بها أحوال الجو، فيعلم الخبيرون بذلك أن الجو مهيأ لسقوط الأمطار؛ فإن هذا ليس من علم الغيب، بل هو مستند إلى أمر محسوس، والشيء المستند إلى أمر محسوس لا يقال: إنه من علم الغيب، والتنبؤات التي تقال في الإذاعات من هذا الباب وليست من باب علم الغيب، ولذلك هم يستنتجونها بواسطة الآلات الدقيقة التي تضبط حالات الجو، وليسوا مثلًا يخبرونك بأنه سينزل مطر بعد كذا سنة وبمقدار معين؛ لأن هذه الآلات لم تصل بعد إلى حدٍ تدرك به ماذا يكون من حوادث الجو، بل هي محصورة في ساعات معينة، ثم قد تخطئ أحيانًا وقد تصيب، أما علم الغيب فهو الذي يستند إلى مجرد العلم فقط بدون وسيلة محسوسة، وهذا لا يعلمه إلا الله ﷿. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إنه يجب أن يعلم بأن ما جاء في كتاب الله أو فيما صح عن رسوله ﷺ من الأمور الإخبارية فإنه لا يمكن أبدًا أن يُكَذِّبها الواقع؛ لأن الواقع أمر يقيني، وما جاء به كتاب الله أو ما صح عن رسوله ﷺ فهو أيضًا أمر يقيني، إذا كانت دلالاته على مدلوله غير محتملة، ولا يمكن التعارض بين يقينيين؛ لأن اليقيني قطعي ولا تعارض بين قطعيين. وعلى هذا فإذا وجدنا آيةً في كتاب الله ظاهرها كذا ولكن الواقع يخالف الظاهر فيما يبدو لنا، فإنه يجب أن نعرف أن هذا الظاهر ليس هو ما أراده الله ﷿؛ لأنه لا يمكن أبدًا أن يكون الواقع المحسوس مكذبًا للقرآن أبدًا، بل إن القرآن نزل من عند الله ﷿، وهو العليم الخبير الصادق فيما يقول، فبعض الناس يظن أن هذه التنبؤات مخالفة لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) . والحقيقة أنها لا تعارضها؛ لأنه كما أشرنا إليه إنما يعارضها لو كانوا يحكمون بهذه الأمور بمجرد العلم، ولكنهم هم يحكمونها بواسطة آلات محسوسة يتبين بها حال الجو، وهل هو مهيأ للأمطار أو ليس بمهيأ. ومثل هذا ما نُقل أخيرًا من كونهم يعلمون ما في الأرحام من ذكر أو أنثى، يعرفون أنه ذكر أو أنه أنثى، فإن بعض الناس يظن أنه معارض لقوله تعالى: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) . وفي الحقيقة أنه إذا ثبت ذلك فإنه لا يعارض هذه الآية؛ لأن قوله: (وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ) ما اسم موصول يقتضي العموم، وهو شامل لكل ما يتعلق بهذا الجنين، ومن المعلوم أن أحدًا لا يستطيع أن يدعي أنه يعلم أن هذا الجنين سيخرج حيًا أو ميتًا، أو أنه إذا خرج حيًا سيبقى مدة طويلة أو يموت بعد زمن قصير، أو أن هذا الجنين إذا خرج إلى الدنيا وعاش هل يكون غنيًا أو فقيرًا، وهل يكون صالحًا أو فاسدًا، وهل هو شقي أو سعيد، ثم لا يدعي أحد أن يعلم هل هو ذكر أو أنثى قبل أن يُخلَّق وتتبين ذكورته وأنوثته. فمتعلق العلم بما في الأرحام ليس خاصًا بالذكورة والأنوثة بعد أن يُخلَّق الجنين في بطن أمه؛ لأنه إذا خُلِّق فإنه يمكن أن يعلم به الملك الذي يوكّل بالأرحام يقول: أذكر أو أنثى؟ ويعلم أنه ذكر أو أنثى. فتبين بهذا أن ما ذكر إذا صح أنهم استطاعوا أن يعرفوا كون الجنين ذكرًا أم أنثى، فإنه لا يعارض الآية؛ لسعة متعلق علم ما في الأرحام؛ لأنه ليس خاصًا بكونه ذكرًا أو أنثى.
***
مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها ﷿ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل يحتمل أن يريد بقوله: نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر أو أنثى. ويحتمل أن يكون مراده تحديد نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر وأنثى، أن يجعلوا هذه الأنثى ذكرًا، أو أن يجعلوا الذكر أنثى. أما الأول- وهو: العلم بأن الجنين ذكر أو أنثى- فهذا كما قاله السائل، قد اشتهر أنهم يعلمون ذلك، وهذا العلم لا ينافي ما جاءت به النصوص من كون الله ﷾ يعلم ما في الأرحام، فإن الله تعالى يعلم ما في الأرحام بلا شك، ولا ينافي علمه بذلك أن يكون أحدٌ من خلقه يعلمه، فالله يعلم وكذلك غيره يعلم. لكن المعلوم الذي يتعلق بالجنين ينقسم إلى قسمين: قسم محسوس يمكن للخلق أن يعلموا به، كالذكورة والأنوثة، والكبر والصغر، واللون، وما أشبه ذلك، فهذا يكون معلومًا عند الله ﷿، ويكون معلومًا عند من يتوصل إلى علمه بالوسائل الحديثة، ولا منافاة بين الأمرين. وأما المعلوم الثاني للجنين فهو المعلوم الذي ليس بمحسوس يدرك، وهو علم ماذا سيكون مآل هذا الجنين: هل يخرج حيًا أو ميتًا؟ وإذا خرج حيًا هل يبقى طويلًا في الدنيا أو لا؟ وإذا بقي فهل يكون عمله صالحًا أم سيئا؟ ً وإذا بقي أيضًا فهل يكون رزقه واسعًا أو ضيقًا؟ وما أشبه ذلك من المعلومات الخفية التي ليست بحسية، فهذا النوع من العلوم المتعلقة بالجنين هذا لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعلمه، ومن ادعى علمه فهو كاذب، ومن صدقه في ذلك فقد كذب قول الله ﷿: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . أما الاحتمال الثاني ما يحمله سؤال السائل أنهم توصلوا إلى أن يجعلوا الذكر أنثى أو الأنثى ذكرًا، فهذا لا يمكن؛ لأن هذا يتعلق بخلق الله ﷿، وهو الذي بيده التذكير والتأنيث، فلا يمكن لأحد من المخلوقين أن يجعل ما قدره الله ذكرًا أنثى، ولا يمكن أن يجعل ما قدره الله أنثى ذكرًا، يقول الله ﷿: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) . وكذلك الآية التي ساقها السائل: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) . فالذي أقوله الآن: إن هذا أمر غير ممكن، وكما أنهم لا يستطيعون أن يجعلوا الذكر المولود أنثى والأنثى المولودة ذكرًا، فكذلك لا يمكنهم أن يجعلوا الجنين الذي قدره الله ذكرًا أن يجعلوه أنثى أو العكس، هذا ما أعتقده في هذه المسألة. ***
أبو صالح يقول: هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ وهل هناك آيات دالة على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن البحث في هذا من فضول العلم، وليس من الأمور العقدية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل بما تقتضيه الأدلة، ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل، فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين: حركة تختلف بها الفصول، وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار، ويقول: إن قول الله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يدل على ذلك، ووجه الدلالة عنده أن نفي المَيَدان دليلٌ على أصل الحركة، إذ لو لم يكن أصل الحركة موجودًا لكان نفي الميدان لغوًا من القول لا فائدة منه، ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله، أن تكون هذه الأرض- وهي هذا الجرم الكبير- تتحرك بدون أن تميد بالناس وتضطرب، مع أن الله ﷿ إذا شاء حركها فحصلت الزلازل والخسوفات. ومن العلماء من يقول: الأرض لا تتحرك، بل هي ثابتة؛ لقوله ﵎: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تضطرب. ولقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) . ولأن الله تعالى جعل الأرض قرارًا يقر الناس عليه، وهذا ينافي أن تكون لها حركة. وأيًا كان هذا أو هذا فإن إشغال النفس بمثل ذلك ليس فيه كبير فائدة، فيقال: إن كانت تتحرك وهي في هذا القرار التام فهذا دليلٌ على تمام قدرة الله ﷿، وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك، لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال ﷿: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) . فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس: إذا طلعت، وإذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله أو من قام به، أي: من قام به هذا الفعل، فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو، ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو، فإذا قال الله: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ) فليس المعنى أن الأرض دارت حتى رأينا الشمس؛ لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت، بل يقال: نحن طلعنا على الشمس، أو: الأرض طلعت على الشمس. وكذلك قال الله ﵎ في قصة سليمان: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ) أي: الشمس (بالْحِجَابِ) ولم يقل: حتى توارى عنها بالحجاب. وقال النبي ﵊ لأبي ذر عند غروب الشمس: (أتدري أين تذهب)؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) . فأضاف الذهاب إلى الشمس. فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده، ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع، وذلك لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها، حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها، إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر، هذا هو الجواب عن السؤال الأول. وأما قوله: أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين، والنار في سجين، وسجين في الأرض السفلى، كما جاء في الحديث: (الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) . وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين، وقد ثبت عن النبي ﵊ (أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس) . جعلنا الله تعالى من أهلها. ***
يا فضيلة الشيخ تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان كما هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هؤلاء بما ذكره الله تعالى في سورة الطور: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون َ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) . فنسألهم أولًا: هل هم موجودون بعد العدم، أو موجودون في الأزل وإلى الأبد؟ والجواب بلا شك أن يقولوا: نحن موجودون بعد العدم، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) . فإذا قالوا: نحن موجودون بعد العدم، قلنا: من أوجدكم؟ أوجدكم أبوكم أو أمكم أو وجدتم هكذا بلا موجد؟ سيقولون: لم يوجدنا أبونا ولا أمنا؛ لأن الله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشيءكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ) . إذا قالوا: وجدنا من غير موجد، نقول: هذا مستحيل في العقل؛ لأنه ما من حادث إلا وله محدث، وحينئذٍ يتعين أن يكون حدوثهم بمحدث، وهو الله ﷿ الواجب الوجود. وكذلك يقال في السماوات والأرض: نقول: من أوجد السماوات والأرض؟ هو الله ﷿، لكن السماوات والأرض كانت ماءً تحت العرش، كما قال الله ﵎: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) . فخلق الله ﷿ السماوات والأرض من هذا الماء، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) أي: فصلنا ما بينهما (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) . فهذا جواب على هؤلاء الملاحدة، فإن أَبَوا إلا ما كانوا عليه فهم مكابرون، ويحق عليهم قول الله تعالى في آل فرعون: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) . ***
الخير أحمد سوداني مقيم بالعراق يقول في رسالته: عرفنا من القرآن الكريم أن الله ﷾ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . ولكن أريد أن أعرف منكم ما البعد بين كل سماء؟ وهل هناك سمك لكل سماء؟ أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن السماوات كما ذكر السائل سبع، جعلهنّ الله تعالى طباقًا، وجعل بينهن مسافات، ويدل لذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما: (أن جبريل ﵊ جعل يعرج بالنبي ﷺ من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة، وبلغ ﷺ موضعًا سمع فيه صريف الأقلام، ووصل إلى سدرة المنتهى) . وكذلك الأَرَاضون هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . والمثلية هنا ليست في الصفة؛ لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، ولكنها مثلية في العدد، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين في قول الرسول ﵊: (من اقتطع شبرًاَ من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين) . وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضًا، وأن بعضها تحت بعض.وأما بُعْد ما بين كل سماء والأخرى: فقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله ﷺ: (أن بعد ما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وأن كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام) . والعلم عند الله ﵎. ***
الشهادتان
السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تحتاج إلى شروط توضح واضحة بنفسها لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله يجب أن يشهد الإنسان بذلك بقلبه ولسانه وجوارحه. فبقلبه يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لا معبود حق إلا الله، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج: ٦٢) . ثانيًا: أن يقول ذلك بلسانه ما دام قادرًا على النطق؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حتى يشهدوا ألا إله إلا الله) . فلابد من النطق لمن كان قادرًا عليه، أما الأخرس فيكتفى باعتقاد قلبه. ثالثا: ً لابد من تحقيق هذه الكلمة، وذلك بالعمل بمقتضاها، بأن لا يعبد إلا الله، وأن لا يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله، فمن أشرك بالله ولو شركًا أصغر فإنه لم يحقق معنى قول: لا إله إلا الله، ومن تابع غير الرسول ﵊ مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتفي بقول: لا إله إلا الله، حتى فيما يظن الإنسان أنه قالها غير مخلص بها، لحق أسامة بن زيد بن حارثة رجلًا مشركًا، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامة أنه قال ذلك خوفًا من القتل، فقتله، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال لأسامة: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله)؟ قال يا رسول الله إنما قالها تعوذًا! فجعل يكرر الرسول ﷺ ويقول: (ما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)؟ يقول: حتى تمنيت أنني لم أكن أسلمت من قبل. فلهذا نقول: لابد من النطق بها باللسان، والعمل بمقتضاها بالأركان، والاعتقاد بمعناها ومدلولها في الجنان، أي: في القلب. ***
السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال: ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولًا لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ***
كيف يكون المسلم محققًا لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قولًا وعملًا واعتقادًا بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله: أن يفهم الإنسان معناها أولًا ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهًا، كما قال تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) . وقال المشركون: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) . لكن هذه الآلهة ليست حقًّا، بل هي باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) . وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدة وقولًا وعملًا لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: أن لا يعبد إلا الله، فلا يتذلل ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله ﷿، ومقتضى هذا أيضًا أن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق، وما سواه فهو الباطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام. ولا بد أيضًا لتحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله ﷿ من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) . وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) . فلابد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله ﷿، أو تحكم إليه من دون الله. ***
أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطًا؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أعظم بيان ﷺ، سأله أبو هريرة ﵁: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه) . فإذا قال الإنسان: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه،كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية. ***
المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون: لا إله إلا الله يجب أن يعرفوا معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وأن كل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . وشروط قول: لا إله إلا الله: أن يقولها الإنسان بلسانه نطقًا لا بقلبه، وأن يقولها طائعًا مختارًا. ويشترط أيضًا أن يقوم بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ومن أهم ما يقوم به الصلاة لأن من ترك الصلاة فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله ثم إن هذة الكلمة إذا قالها الإنسان وهو يفهم معناها فإنها تستلزم أن يقوم بطاعة الله ﷿؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا يقتضي أن يعبد هذا الإله الحق على الوجه الذي أمر به: مخلصًا له الدين، متبعًا لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملًا فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإخلاص هي قول لا إله إلا الله. ولا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ لأن المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) . ولكن لا بد من أن يكون الإنسان معتقدًا لمعناها في قلبه، مؤمنًا بها، قائمًاَ بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، وهو: التعبد لله وحده لا شريك له، بحيث لا يشرك معه في عبادته ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، ولا سلطانًا حاكمًا، ولا غير ذلك من مخلوقات الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتكفير في أمور تقع ممن قال: لا إله إلا الله، مثل كفر تارك الصلاة، فإن من ترك الصلاة كسلًا وتهاونًا يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام الصحابة ﵃، والمعنى الصحيح بل والنظر الصحيح. وهذه مناسبة لما وعدنا به سابقًا من أننا سنتكلم بإسهاب عن حكم تارك الصلاة، حيث بينا فيما سبق أن كفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا هومقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، وأن ما خالف ذلك لا يخلو من واحد من أمور خمسة: إما ألا يكون فيه دلالة أصلًا، وإما أن يكون وقع من قوم معذورين بجهلهم، وإما أن يكون مقيدًا بقيد يمتنع معه أن يترك الصلاة، وإما أن يكون ضعيفًا، وإما أن يكون عامًا لكنه مخصوص بأدلة تكفير تارك الصلاة. وبينا أيضًا فيما سبق بأن المراد بترك الصلاة تركها بالكلية، وأما من كان يصلى ويخلي، أي: إنه يصلى أحيانًا ويدع أحيانًا فإنه لا يكفر. نحن الآن نسوق ما تيسر لنا من الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة: فمن ذلك قوله ﵎ عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . فإن هذه الآية الكريمة شرطت لثبوت الأخوة في الدين من المشركين ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، والشرط الثاني: أن يقيموا الصلاة، والشرط الثالث: أن يؤتوا الزكاة. ومن المعلوم أن ما رُتب على شرط فإنه يتخلف بتخلف هذا الشرط، فإذا لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوانًا لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة الدينية إلا بكفر مخرج عن الإيمان، أما مجرد المعاصي- وإن عظمت، إذا لم تصل إلى حد الكفر- فإنها لا تخرج الإنسان من الإيمان، ودليل ذلك- أي: دليل أن المعاصي لا تخرج من الإيمان وإن عظمت- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) . فجعل الله القاتل والمقتول أخوين، مع أن القاتل أتى ذنبًا عظيمًا، توعد الله عليه بوعيد شديد في قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) . وقال الله ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فأثبت الله الأخوة بين الطائفتين المقتتلتين وبين الطائفة المصلحة بينهما، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب. فإذا تبين أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بكبائر الذنوب التي دون الكفر، فإن انتفاءها يدل على أن من حصل منه ما يوجب هذا الانتفاء، دليل على أنه كافر. فإن قال قائل: ما تقولون فيمن تاب من الشرك وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة؟ أتكفرونه كما تقتضيه الآية أم لا تكفرونه؟ قلنا لا نكفره؛ لأن لدينا منطوقًا يدل على أنه ليس بكافر، والمنطوق عند العلماء مقدم على المفهوم، هذا المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار) . فإن هذا الحديث يدل على أن من لم يؤد الزكاة لا يكفر؛ لأن قوله: (ثم يرى سبيله: إما إلى النار أو الجنة) دليل على أنه قد يدخل الجنة، ولا يمكن أن يدخل الجنة مع كفره، وعلى هذا فيبقى القيد في التوبة من الشرك وإقام الصلاة قيدًا معتبرًا لا معارض له، بخلاف قوله: (وآتوا الزكاة)، فإن مفهومه عورض بمنطوق الحديث الذي ذكرت، فحينئذٍ لا يكون ترك الزكاة والبخل بها مكفرًا مخرجًا عن الإسلام، على أن من العلماء من قال: إن تارك الزكاة الذي لا يؤديها كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ولكن الذي تقتضيه الأدلة أنه لا يكفر، ونحن بحول الله لا نعدو ما دلت الأدلة عليه سلبًا ولا إيجابا. ً وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: ففيما رواه مسلم عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فجعل ترك الصلاة هو الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، أو بين الشرك وبين الإيمان ومن المعلوم أن الحد فاصل بين محدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، ويدل لهذا أن لفظ الحديث: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فقال: (والكفر) . ولم يقل ﷺ: ترك الصلاة كفر، حتى يمكن أن يحمل على كفر دون كفر، ولكنه عرفه بأل، الدالة على حقيقة الكفر، وقد أشار إلى هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم. أما الحديث الثاني فهو ما رواه أهل السنن عن بريدة بن الحصيب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) . فجعل النبي ﷺ الحد الفاصل بين المسلمين والكفار هو الصلاة، ومن المعلوم أن الحد يخرج كل محدود عن دخوله في الآخر. أما كلام الصحابة ﵃: فقد حكى إجماعهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق ﵀، وهو تابعي مشهور قال: (كان أصحاب رسول الله ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وحكاه غيره أيضًا. وأما النظر الصحيح الذي يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة: فإنه لا يمكن لمؤمن- بل لا يمكن لمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان- أن يعلم شأن الصلاة وعظمها ومنزلتها عند الله ﷿ ثم يحافظ على تركها، هذا من المحال أن يكون في قلبه شيء من الإيمان، وعلى هذا نقول: إن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل إيمان لا يمكن أن يترك الصلاة تركًا مطلقًا وهو يعلم ما لها من المنزلة العظيمة في دين الإسلام. وأما الأدلة التي استدل بها من قال: إنه لا يكفر، فقد أشرنا إلى أنها لا تخلو من واحد من خمسة أمور، كما صدرنا ذلك في كلامنا هذا. وإذا تبين قيام الدليل السالم عن المعارض المقاوم فإنه يجب الأخذ بمقتضاه، وإننا حين نحكم بالكفر على من دلت الأدلة على كفره لم نتجاوز ولم نتعد؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدم التكفير إلى الله ﷿، كما أن الحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب إلى الله ﷿، ولا لوم على الإنسان إذا أخذ بما تقتضيه الأدلة من أي حكم من الأحكام، وعلى كل مؤمن أن يأخذ بما تقتضيه الأدلة من أي وصف كان، ولأي موصوف كان، وألا يجعل النزاع سببًا موجبًا للتخلي عن مدلول الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) . وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فإن قال قائل: إذا قلت بتكفير تارك الصلاة حصل في ذلك ارتباك وتشويش وتكفير لكثير من الناس؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إننا إذا قلنا بمقتضى الأدلة الشرعية فإنه لن يكون من جراء ذلك إلا ما فيه الخير والصلاح؛ لأن الناس إذا علموا أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وردَّة كبرى، فإنهم لن يتجرؤوا على ترك الصلاة، بل سيكون ذلك حافزًا لهم على القيام بها على الوجه المطلوب منهم، ولكننا إذا قلنا: إنه ليس بكفر وإنما هو فسق، فإنهم يتهاونون بها أكثر مما قلنا لهم ذلك: إنه كفر، ونحن لا نقول: إنه كفر، من أجل أن نحث الناس على فعل الصلاة، ولكننا نقول: إنه كفر، من أجل دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك. وأما قول هذا القائل الذي يقول: إنك إذا حكمت بكفر تارك الصلاة فإنك بهذا توقع الإرباك والتذبذب، وتخرج كثيرًا من الناس عن الملة الإسلامية، أقول: ما قول هذا القائل إلا كقول من قال: إنك إذا قطعت يد السارق أصبح نصف الشعب مقطوعًا؛ لأننا نقول لهذا: إنك إذا قطعت يد السارق فسيقل السراق قلة كبيرة؛ لأن السارق إذا علم أن يده ستقطع فإنه لن يقدم على السرقة، وما مثل هذا وهذا إلا كمثل من يقول: إنك إذا قتلت القاتل المستحق للقتل قصاصًا فإنك تضيف إلى قتل الأول قتل رجل آخر، وهذا يضاعف عدد المقتولين، فإننا نقول: إن هذه القولة قولة باطلة، أبطلها الله في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . فإن القاتل إذا علم أنه إذا قتل عمدًا سيقتل لن يقدم على القتل، فحينئذٍ يقل القتل عمدًا وعدوانًا. والمهم كل المهم أنه يجب على الإنسان العالم المتقي لله ﷿ أن يكون متمشيًا مع الدليل حيث ما كان إيجابًا وسلبًا، وإصلاح الحال على الرب ﷿ الذي شرع هذا الذي أقدم عليه المفتي والحاكم، والله ﷿ لم يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لا يمكن أبدًا أن يشرع لعباده ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة، كما قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) . وأنت إذا حكمت الناس بمقتضى شريعة الله لا بمقتضى واقعهم فإن الواقع سوف يتغير، حتى يتحول إلى مراد الله ﷿ في عباده فيما شرعه لهم. فضيلة الشيخ: يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملةً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا: إنه لا يؤدي حقيقتها إذا لم يأت بشروطها ومقتضياتها اللازمة، فإنه ليس المراد من كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله أن يقولها بلسانه، بل لا بد أن يقولها بلسانه معتقدًا مدلولها بقلبه، قائمًا بما تقتضيه من واجبات وشروط وأركان. ***
السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله) . والله أعلم، ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة، لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهن. ومعناها: لا معبود حق إلا الله، فكل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . والعبادة لا تختص بالركوع أو السجود، يعني: أن الإنسان قد يعبد غير الله دون أن يركع له ويسجد، ولكن يقدم محبته على محبة الله، وتعظيمه على تعظيم الله، ويكون قوله أعظم في قلبه من قول الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) . فَجَعَلَ للدينار عبدًا، وللدرهم عبدًا، وللخميلة عبدًا، وللخميصة عبدًا، الخميلة: الفراش، والخميصة: الكساء، مع أن هؤلاء لا يعبدون الدرهم والدينار، لا يركعون له ولا يسجدون له، لكنهم يعظمونه أكثر من تعظيم الله ﷿، وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) . فهذه الكلمة كلمة عظيمة، فيها البراءة من كل شرك، وإخلاص الألوهية والعبادة لله ﷿، فلو قالها بلسانه وقلبه فهو الذي قالها حقًا، ولهذا قال أبو هريرة: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه) . وقال في حديث عتبان بن مالك- أعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال-: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، فلا بد من الإخلاص. وأمَّا مَنْ قالها بلسانه دون أن يوقن بها قلبه فإنها لا تنفعه؛ لأن المنافقين يذكرون الله ويقولون: لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) . ويشهدون للنبي ﷺ بالرسالة، كما قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) . فلن تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك عن قلب وإخلاص. فمن قال هذه الكلمة دون إخلاص فإنها لا تنفعه، ولا تزيده من الله تعالى إلا بعدًا. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الإيقان بها والعمل بمقتضاها، إنه على كل شيء قدير. ***
هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله ﷺ يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولًا بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا على صواب، فإن المراد بقول: لا إله إلا الله، أن يقولها الإنسان بلسانه، معتقدًا مدلولها بقلبه، عاملًا بمقتضاها. ولهذا لو قال الإنسان: لا إله إلا الله، وجحد ولو حرفًا واحدًا من القرآن كان كافرًا، ولم تنفعه لا إله إلا الله. ومن قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة مثلًا كان كافرًا، ولم تنفعه لا إله إلا الله، لكن من قال: لا إله إلا الله، وكانت آخر كلامه، فإنه سيقولها مخلصًا لله بها وهو في هذه الحال، لا يستطيع أن يعمل أكثر من ذلك فتكون مدخلة له الجنة. ***
الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول ﷺ: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال: لا إله إلا الله، عند موته موقنًا بها قلبه فإنه يدخل في الحديث، ولكن ليعلم أن النصوص العامة فيما يدخل الجنة أو يدخل النار لا تطبق على شخصٍ بعينه إلا بدليل، فمثلًا: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . إذا علمنا أن هذا الرجل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فنحن نقول: يرجى أن يكون من أهل الجنة، فالمعين لا تجزم له وإنما قل: يرجى إذا كان في خير، أو يخشى إذا كان في شر؛ لأنه يفرق بين العموم والخصوص، نحن نشهد ونعلم ونوقن بأن كل مؤمنٍ في الجنة، فهل نشهد لكل مؤمن بعينه أنه في الجنة؟ فالجواب: لا، لكننا إذا علمنا أنه مؤمن نرجو له أن يكون داخلًا في الجنة، نؤمن بأن الله تعالى يحب المؤمنين ويحب المحسنين، فلو رأينا رجلًا يحسن ورأينا رجلًا مؤمنًا يقوم بالواجبات ويترك المحرمات فهل نشهد أن الله يحبه؟ فالجواب: لا؛ لأن التعيين غير التعميم، ولكن نقول: نشهد لكل مؤمن أن الله يحبه، ونرجو أن يكون هذا الرجل بعينه ممن يحبه الله ﷿. وقد أشار البخاري ﵀ في صحيحه إلى نحو هذا فقال: (بابٌ: لا يقال فلان شهيد) . وإن كان قتل في سبيل الله فلا تقل: إنه شهيد، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة جاء وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) . فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إشارة إلى أنك لا تشهد للشخص المعين، بل قل: الله أعلم. وخطب أمير المؤمنين عمر ﵁ فقال: إنكم تقولون: فلان شهيد فلان شهيد، وما أدراك لعله فعل كذا وكذا؟ ولكن قولوا: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد، ففرق ﵁ بين التعيين والتعميم. ***
ع. أ. ك.، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله ﷺ: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة) . (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة) . (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة) . (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة) . وقال رسول الله ﷺ: (من صام يومًا في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا)، وقال رسول الله ﷺ في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون) . فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالًا أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سببًا لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلًا: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه،وهكذا: (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا سترًا له من النار) . هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سببًا لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذًا أن ما ذكر من الأعمال مرتبًا عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلًا أن رجلًا من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضًا في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضًا مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها. ***
العبادة
السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله ﷿، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظرًا لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا: ً كونها تنذر لله ﷿ ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر: (أن النذر لا يرد القضاء) . فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئًا وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله ﷿، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله ﷿ حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانيًا: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن البناء على القبور وقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي ﷺ في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي ﵊ لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي ﷺ لم يدفن في المسجد، والمسجد لم يبن على قبره، المسجد كان قديمًا بناه الرسول ﵊ من حين قدم المدينة مهاجرًا، والنبي ﷺ لم يقبر فيه، وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة ﵂، ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه، فدخلت فيه بيوت أزواج النبي ﷺ، وكان من جملتها بيت عائشة، لكنه بيت مستقل، لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد، فهو حجرة في مسجد، قائمة قبل بناء المسجد-أعني: الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران، فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة، وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه، فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد، أو يبنى المسجد على القبر، وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقًا، وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم، وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله، هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال. أما المسألة الثالثة، وهي: أنها لا تعلم أن النذور التي نذرت قد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذرًا مطلقًا أو معلقًا بشرط، أكرر ذلك لأن النبي ﷺ نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . هكذا كلام الرسول ﵊: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقًا بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلًا، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة. ***
هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله ﷿ على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائمًا خائفة جدًّا لتقصيري، وأسأل الله ﷿ أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يجب أن يسير إلى الله ﵎ بين الخوف والرجاء كجناحي طائر، قال الإمام أحمد ﵀: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه. فالإنسان إذا رأى ذنوبه وما حصل منه من التقصير في حقوق الله ﷿ وحقوق العباد خاف، وإذا تأمل فضل الله تعالى وسعة رحمته وعفوه طمع ورجع، وعليه فينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء يخشى عليه من الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف خشي عليه أن يقنط من رحمة الله، وكلاهما محظور، وقد قال الله تعالى عن أوليائه وأنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) . ومن العلماء من قال: إن فعل الطاعات فليغلب جانب الرجاء والقبول، وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا؛ وإن فعل المحرمات غلب الخوف، وخاف أن تناله سيئاته بعقوبات حاضرة ومستقبلة. وقال آخرون من أهل العلم: ينبغي في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف؛ ليحمله ذلك على فعل الواجبات وترك المحرمات، وفي حال المرض المدنف الذي يخشى أن يلاقي ربه به يغلب جانب الرجاء، من أجل أن يموت وهو يحسن الظن بالله ﷿. وعلى كل حال يجب على الإنسان أن لا يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو الرجاء حتى يأمن من مكر الله، وليكن سائرًا إلى ربه بين هذا وهذا. ***
السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسن الظن بالله أن الإنسان إذا عمل عملًا صالحًا يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله ﷿ يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له إذا أذنب ذنبًا ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله ﷿ في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة، ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعًا التسليم بقضاء الله تعالى شرعًا وقدرًا، وأن نحسن به الظن؛ لأنه ﷾ أهل الثناء والمجد. ***
بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل على الله ﷿ تفويض أمرك إلى الله، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) . أن يفوض الإنسان أمره إلى الله، ويصدق في الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويثق في الله ﷿ وبوعده، ويفعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها، هذا هو التوكل. وأنت إذا اعتمدت على ربك على هذا الوصف فإن الله تعالى حسبك وكافيك؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) . ونحن نقر بذلك-أي: بالتوكل على الله، أو بما يتضمنه- في كل صلاة، نحن نقول في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . والاستعانة تستلزم تفويض الأمر إلى الله ﷿، وأنه ليس لنا حول ولا قوة ولا قدرة على العبادة إلا بمعونة الله، ولكن لا بد من فعل الأسباب الموصلة إلى المقصود، شرعيةً كانت أم حسية. فمن قال: أنا أعتمد على الله وأتوكل عليه في حصول الولد، ولم يتزوج كان كاذبًا في توكله، لا بد أن يتزوج، والزواج هو الوسيلة الشرعية لحصول الولد. ومن قال: أنا أعتمد على الله، وألقى نفسه في النار، أو ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة، نقول: أنت كاذب، لا بد أن تفعل الأسباب الواقية من النار أو من الغرق. ولهذا كان سيد المتوكلين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يأخذ بالأسباب الحسية مع صدق توكله على الله، فكان ﵊ في الحرب يلبس الدرع، والدرع عبارة عن درع من حديد يقي السهام والحراب، وربما لبس درعين زيادةً في الوقاية، كما فعل ذلك يوم أحد. فلا بد من فعل الأسباب النافعة، شرعية كانت أم قدرية حسية، من أجل أن يحصل لك المقصود في اعتمادك على الله ﷿. ***
كيف يكون الإنسان متوكلًا على الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الإنسان متوكلًا على الله بأن يصدق الاعتماد على ربه ﷿، حيث يعلم أنه ﷾ هو الذي بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي ﷺ لعبد الله بن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . فبهذه العقيدة يكون الإنسان معتمدًا على ربه جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه. ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا، هو من تمام التوكل، سواء كانت شرعية أم حسية ومن تمام الإيمان بحكمة الله ﷿؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا. وهذا النبي ﷺ وهو سيد المتوكلين- كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أحد ظاهر بين درعين- أي: لبس درعين- فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله ﷿ هم في الواقع مخطئون، فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به، ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق. قلنا إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلًا حقيقيًّا، فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ولو قال قائل: أنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها، لعده الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله ﷿. ولو أن أحدًا أكل السم وقال: إني أتوكل على الله تعالى في أن لا يضرني هذا السم، لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه ﷾ هو الذي قال لنا: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابًا لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله ﷿ به. ***
هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد العلماء ﵏ بتقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، ما ذكره الله تعالى في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فدعاء المسألة: أن تسأل الله تعالى حاجاتك، بأن تقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واجبرني وما أشبه ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله ﵎ بما شرع، تصلى وتزكي وتصوم وتحج وتفعل الخير؛ لأن هذا الذي يتعبد لله ما قصد إلا رضوان الله وثوابه، فهو داع لله تعالى بلسان الحال له لا بلسان المقال. على أن بعض هذه العبادات التي يتعبد بها تتضمن دعاء المسألة، كالصلاة مثلًا، ففي الصلاة يقول المصلى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا دعاء مسألة. ويقول: رب اغفر لي وهذا دعاء مسألة، ويقول: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، وهذا كله دعاء مسألة. فالفرق بينهما إذًا: أن دعاء المسألة أن يسأل الله تعالى شيئًا مباشرة، سواء سأله حصول مطلوب أو سأله النجاة من مرهوب. ودعاء العبادة أن يتعبد لله تعالى بما شرع، رجاء ثوابه جل وعلا، وخوفًا من عقابه، هذا هو معنى تقسيم أهل العلم ﵏. وقد علمنا أن الدعاء نفسه عبادة، كما تدل عليه الآية التي تلوتها، وهي قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولم يقل: عن دعائي، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة. وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . ودعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى يتضمن سؤاله بها، مثل: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ويتضمن التعبد لله تعالى بمقتضاه: فإذا علمنا أنه غفور عملنا ما يكون سببًا للمغفرة، علمنا أنه رحيم عملنا ما يكون سببًا للرحمة، وإذا علمنا أنه رزاق عملنا ما يكون سببًا للرزق، وهلم جرًّا. ***
هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله ﷿ والتعلق به دون التعلق بغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وسنقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله ﷿، وهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله ﵎: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وفي قراءة: (سَيَقُولُونَ اللهُ) . وقال تبارك تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء، وأهل الاستعاذة، وهو أهل الفضل والإحسان. ***
يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما السجادات: فإن كانوا أوصوك بها لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص، فلا حرج؛ وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تُشترى من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشترِيها لهم بناءً على هذا الاعتقاد. وأما الكفن أيضًا: فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس واردًا عن النبي ﵊ ولا عن أصحابه، وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ أنه أهديت إليه جبة، فسأله إياها رجل من الصحابة، فلاذ الناس به وقالوا: كيف تسأل النبي ﷺ ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلًا؟ فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، وكذلك أيضًا طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي من النبي ﷺ أن يكفن أباه عبد الله بن أبي بقميص الرسول ﵊ ففعل، فهذه الأكفان التي كانت من لباس الرسول ﵊ لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وأما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به. ***
بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الله تعالى جعل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، وشفاء لما في الأجسام أيضًا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وقد قال الرسول ﵊ كما في حديث أبي سعيد: أنهم قرؤوا على لديغ سورة الفاتحة، قرؤوها عليه سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي ﵊ لما رجعوا إليه وأخبروه، قال-: (ما يدريك أنها رقية)؟ فأثبت النبي ﵊ أن الفاتحة رقية؛ لأنه يرقي بها المريض، أي يقرأ عليه. فالقرآن كله خير وكله بركة، ولا شك أنه مؤثر، ولكن يجب أن نعرف كما يقال: السيف بضاربه، لا بد لتأثير القرآن من ثلاثة أمور: أولًا: إيمان القارىء بتأثيره، وثانيًا: إيمان المقروء عليه بتأثيره، وثالثًا: أن يكون ما قرأ به مما تشهد الأدلة له بالتأثير. فإذا كان كذلك فإنه مؤثر بإذن الله، أما إذا نقص واحد من هذه الأمور الثلاثة، مثل: أن يقرأ على سبيل التجربة، يقول: أجرب أشوف ينفع أم لا؟ فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الواجب على المؤمن أن يؤمن بتأثيره، وكذلك أيضًا لو كان المريض عنده شك في ذلك، وليس عنده إيمان بتأثير القرآن، فإن ذلك لا ينفعه أيضًا؛ لأن المحل غير قابل حينئذ، وكذلك أيضًا لو قرأ آيات لم تشهد الأدلة لها بالتأثير، فهذا أيضًا قد لا يؤثر، وليس معنى ذلك أنه نقص في القرآن الكريم، ولكنه خطأ في استعمال أو قراءة ما تبقى قراءته من الآيات أو السور. ***
بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركًا فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضًا وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحانًا من الله ﷾ لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركًا أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحًا لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي ﵊ في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركًا) . ***
ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يقرأ في الماء ويتوضأ به المريض ليستشفي به وهذا وإن كنت لا أعلم أنه واردٌ عن السلف لكن قد يقول قائل إنه يدخل في عموم الآية الكريمة (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وخيرٌ من ذلك أن يقرأ المريض على نفسه بآيات من القرآن أو يقرأ عليه أحدٌ من أهله أو من أصحابه بما يراه مناسبًا. ***
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي وس م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التداوي بالقرآن العظيم؛ لأن الله ﷿ يقول: (وَنُنَزِّلُ مِن الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وكان النبي ﷺ يقرأ المعوذتين يتعوذ بهما، وقال: (ما تعوذ متعوذ بمثلهما) . فيقرأ على المريض الآيات المناسبة لمرضه، مثل أن يقرأ لتسكين المرض والألم: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . ويقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، أو نحو ذلك من الآيات المناسبة. وكذلك يقرأ الفاتحة، فإن النبي ﷺ ذكر أنها رقية يرقى بها المريض واللديغ، وينتفع بها بإذن الله، لكن يجب أن نعلم أن القرآن نفسه شفاء ودواء، ولكنه بحسب القارىء وبحسب المقروء عليه؛ لأنه لا بد من أهلية الفاعل وقابلية المحل، وإلا لم تتم المسألة: فالفاعل لا بد أن يكون أهلًا للفعل، والمحل لابد أن يكون قابلًا له، فلو أن أحدًا من الناس قرأ بالقرآن وهو غافل أو شاك في منفعته فإن المريض لا ينتفع بذلك، وكذلك لو قرأ القرآن على المريض والمريض شاك في منفعته فإنه لا ينتفع به، فلا بد من الإيمان من القارىء والمقروء عليه بأن ذلك نافع، فإذا فعل هذا مع الإيمان من كلٍ من القارىء والمقروء عليه انتفع به. ***
بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية التي تقال في الرقية أهمها وأعظمها قراءة سورة الفاتحة، فإن قراءة سورة الفاتحة على المريض من أسباب شفائه، كما قال النبي ﷺ: (وما يدريك أنها رقية)؟ ومن ذلك ما جاءت به السنة، مثل قوله: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين حاسد الله يشفيك) . ومثل قوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجَع أو على هذا الوجِع) . ومثل قوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا) . والأحاديث في هذا معروفة، يمكن للسائل أن يرجع إليها في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، أو في كتاب الأذكار للنووي، أو غيرهما مما كتبه أهل العلم في هذا الباب. ***
بينما كنت جالسًا في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علمًا بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءتك على الفتاة فإن هذا لا بأس به، ولكن في هذه الحال يجب أن تكون ساترة لما يجب ستره من الوجه وغيره، وأما مسحك رأسها ووجهها بعد قراءتك فلا أرى له وجهًا، ولا ينبغي ذلك منك، بل يحرم عليك أن تمس بشرة امرأة أجنبية منك، ليست زوجة وليس بينك وبينها محرمية، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا تعود إليه. أما القراءة على النساء والرجال مع مراعاة التحفظ الواجب فإن هذا لا بأس به، وهو من الإحسان، بشرط أن لا يكون هناك فتنة. ***
المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول ﷺ أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أنه كان ﵊ إذا أوى إلى فراشه فعل ما ذكره السائل، لكن السائل بدأ بقل أعوذ برب الناس قبل قل أعوذ برب الفلق، والترتيب الصحيح أن نقول: قل أعوذ برب الفلق قبل قل أعوذ برب الناس، نفث: نفخ مع ريق خفيف، والحكمة من ذلك أن هذا الريق تأثر بقراءة هذه السورالكريمة، فإذا كان متأثرًا به ومسحه على وجهه ورأسه وبسط عن جسده كان في ذلك خيرٌ وبركة وحماية ووقاية للإنسان في منامه. ***
السائلة مريم تقول: فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك شيئًا عن السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) . ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا) . فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارىء والمقروء عليه مؤمنَين بأثره وتأثيره فإنه لابد أن يكون له أثر، فإن الله ﷾ يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات. ***
بارك الله فيكم المستمع أبو عبد الله يقول: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون المرضى، إلا أني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيرًا من هؤلاء الذين يقرؤون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب، فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغًا معينا، ً فهل عملي في محله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله ﷿، وأن ينووا بذلك- أي: بقراءتهم على المرضى- التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيرًا وبركة. ***
هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان، إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله ﷿، ونفع عباد الله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارىء عبدًا للدنيا: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله ﷿، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصل البركة في قراءتهم على إخوانهم، هذا ما أقوله لإخواني القراء. ***
هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه؟ الشيخ: القراءة على المريض فعلها السلف ﵏، ولعل لها أصلًا من كون الرسول ﵊ عند النوم ينفث في يديه ويقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاث مرات. ***
كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف أن قراءة القرآن في الماء إنما يشربها المريض ولا يغتسل بها، وإذا كان المرض في الجلد- يعني: لا في داخل الجسم- فإنه يؤخذ من هذا الماء ويدهن به الجلد، يؤخذ بقطنة أو بمنديل ويدهن به الجلد المصاب، هذا المعروف، أما أن يغتسل به الإنسان غسلًا كاملًا فلا أصل له. ***
هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرىء به من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني: يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن، منقورًا نقرًا لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمدًا نسأل الله العافية، فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئًا من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء؛ لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم. ***
بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد عن السلف الصالح ﵏ أنهم يقرؤون القرآن ويلفظون بريقهم ليشربه المريض، وقد جرب هذا ونفع، لكن إذا علم القارىء أن في فمه داء يمكن أن تنتقل الجراثيم بواسطة الريق إلى هذا الماء فيصاب به المريض فإنه لا يجوز له ذلك، خوفًا من وقوع الضرر على المريض، وفي هذه الحال يمكن أن يذهب الرجل بنفسه إلى المريض فيقرأ عليه. ***
هل ورد في سنة النبي الكريم ﷺ قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيرًا من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﷿: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وهذا الشفاء الذي أنزله الله ﷿ في هذا القرآن الكريم يشمل شفاء القلوب من أمراضها، وشفاء الأبدان من أمراضها أيضًا. ولهذا لما أخبر النبي ﷺ أبو سعيد أو غيره ممن معه في السرية التي بعثها رسول الله ﷺ، فاستضافوا قومًا من العرب فلم يضيفوهم، ثم إن سيد هؤلاء القوم لدغ، فطلبوا له قارئًا يقرأ من السرية التي بعثها رسول الله ﷺ، فجاؤوا إليهم وقالوا: هل منكم من راق؟ يعني: من قارئ قالوا: نعم ولكنكم لم تضيفونا، فلا نرقي لكم إلا بِجُعل. فجعلوا لهم شيئًا من الغنم، ثم ذهب قارئٌ منهم يقرأ على هذا اللديغ، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأنما نشط من عقال، يعني: قام بسرعة طيبًا بريئًا، ثم أعطوهم الجُعل، ولكنهم توقفوا حتى يسألوا رسول الله ﷺ، فلما سألوا رسول الله ﷺ عن هذا قال: (خذوا، واضربوا لي معكم بسهم) . وقال للقارىء (وما يدريك أنها رقية)؟ يعني ما يعلمك أنها- أي: الفاتحة- رقية؟ وهكذا بعض الآيات الأخرى التي يسترقي بها الناس التي يقرأ بها الناس، على المرضى، كثير فيه فائدةٌ مجربة معروفة، فإذا قرأ القارىء على المريض بفاتحة الكتاب وبغيرها من الآيات المناسبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج، وهو من الأمور المشروعة. وأما كتابة القرآن بالأوراق ثم توضع في الماء ويشرب الماء، أو على إناء ثم يوضع فيه الماء ويرج فيه ثم يشرب، أو النفث في الماء بالقرآن ثم يشرب، فهذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله ﷺ، ولكنه كان من عمل السلف، وهو أمرٌ مجرب، وحينئذٍ نقول: لا بأس به- أي: لا بأس أن يصنع هذا للمرضى لينتفعوا به- ولكن الذي يقرأ في الماء بالنفث أو التفل ينبغي له أن لا يفعل ذلك إذا كان يعلم أن به مرضًا يخشى منه على هذا المريض الذي قرىء له. ***
هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول ﷺ في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمراض قد تشفى بقراءة القرآن، وهذا أمرٌ واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، فإن النبي ﷺ بعث رهطًا في سرية، فنزلوا على قوم، ولكن القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فقعدوا ناحية، ثم إن الله ﷾ سلط على سيدهم حيةً فلدغته، فجاؤوا إلى هؤلاء الرهط وقالوا: هل معكم من يرقي؟ قالوا: نعم. تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله ﷺ وأخبروه قال له ﵊: (وما يدريك أنها رقية)؟ وقد قال الله ﷿: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . وأما ما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله ﷿، بأن توضع في ماء ويشرب، فهذا أيضًا قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجربٌ ونافع. لكن ورد في سؤاله ذكر سورة يس، وهذا لا أعلم أن يس مما يرقى به، لكن يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، بقل هو الله أحد، بقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس. ***
أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كان بعض السلف يكتب بالزعفران في الإناء أو نحوه، ثم يخض بالماء ويشربه المريض، ويحصل به الشفاء إن شاء الله، وهذا يدخل في عموم قول الله تبارك تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإن قوله تعالى: (مَا هُوَ شِفَاءٌ) يعم الشفاء القلبي والبدني، أي: يعم الشفاء من الأمراض القلبية كالشك والشرك والعداوة للمؤمنين والبغضاء لهم وما أشبه ذلك، وكذلك من الأمراض الجسدية كالصداع والألم وما أشبه ذلك، فالقرآن كله خير، كله شفاء، فإذا استشفى به الإنسان على وجهٍ من الوجوه وانتفع به فهذا محل الغرض ***
هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك هو أن الرقية على المريض المصاب بسحر أو بغيره من مرض لا بأس بها إذا كانت من القرآن أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت أن النبي ﷺ كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، أنت رب الطيبين، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) . ومن الأدعية المشروعة: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك) . ومنها: (أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) . إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ. وأما كتابة الآيات أو الأذكار وتعليقها، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك؛ لأن هذا لم يرد عن النبي ﷺ، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح؛ لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل شيئًا من الأمور سببًا لأمر آخر بغير إذن من الشرع فإن عمله هذا يعد نوعًا من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سببًا، هذا بقطع النظر عن حال هؤلاء المشايخ، فلا ندري لعل هؤلاء المشايخ من المشعوذين الذين يكتبون أشياء منكرة وأشياء محرمة، فإن ذلك لا شك في تحريمه، ولهذا قال أهل العلم: لا بأس بالرقى بشرط أن تكون معلومة مفهومة خالية من الشرك. ***
من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول ﷺ يعمل ذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نحفظ عن النبي ﷺ أنه عمل مثل هذا، ولكن بعض السلف كانوا يفعلون ذلك، فإذا فعله الإنسان فلا حرج عليه، ولكن الأفضل من هذا والأولى أن يقرأ هو بنفسه على المريض ما وردت السنة به من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلًا قراءة الفاتحة على المريض، فإنها من أبلغ الأدوية، وقد قال النبي ﵊: (وما يدريك أنها رقية)؟ وكذلك القراءة على المريض بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وكذلك ما جاءت به الأحاديث مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا) . ومثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع) فيبرأ. (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك) . وغير ذلك مما جاءت به السنة، فإذا قرأ الإنسان هذه على المريض فهو أولى من كتابة آيات من القرآن تجعل في ماء يستشفي بها المريض. ***
أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملًا وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا: يجب أن نعرف أن تلك الكتابة بهذا الحبر أو بالأقلام الناشفة على ورقة ثم توضع في إناء ويشربها المريض قد يكون في ذلك ضرر على المريض؛ لان تركيب هذا الحبر وهذه المادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن، لكن العلماء ﵏ قالوا: إنه يكتب بالزعفران إما على ورقة ثم تلقى في الماء حتى يظهر أثر الزعفران على الماء، وإما في إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن، ثم يصب فيه الماء ويمزج، ثم يشربه المريض، هذا الذي كان يفعله السلف الصالح، ولا بأس باستعماله، وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به. وأما بالنسبة للأقلام وبالنسبة للحبر فلا ينبغي أبدًا أن يستعملها الإنسان في هذه المسألة؛ لأننا لا ندري ما هي مركبات هذا الحبر، سواء ناشفًا أو سائلًا. ***
هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فعل بعض السلف مثل هذا، أي إنه ينفث في الماء ثم يشربه المريض، وقد جرب ونفع، لكن كون القارىء يقرأ على المريض مباشرة أحسن وأفيد وأرجى للانتفاع، والمسلم إذا أتى إلى أخيه ورقاه فإنه على خير، قد يجعل الله الشفاء على يده فيكون محسنًا إلى هذا المريض إحسانًا بالغًا، ولكن ليعلم أن الراقي على المرضى لابد أن يعتقد أن هذه الرقية نافعة في حد ذاتها، بأنه لو قرأ وهو متشكك متردد فإنها لا تنفع، لابد أن يعتقد بأنها نافعة، ولابد للمرقي أن يعتقد أيضًا انتفاعه بها، فإن كان مترددًا شاكًّا فلا تنفعه؛ لأن كل سبب شرعي لابد أن يكون الفاعل له مؤمنًا بأنه سبب يؤدي إلى المقصود حتى ينفع الله به، وإنما أحث إخواني الذين نفع الله بقراءتهم على المرضى أن يبتعدوا عن الكلمات التي لا تعرف، والتي ليس فيها إلا أسجاع سمجة باردة، وأن يقتصروا على ما جاءت به السنة من الرقى، وأعظمه الرقية بالفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- في الذي رقى المريض بها فقام كأنما نشط من عقال، قال النبي ﷺ: (وما يدريك أنها رقية)؟ وهذا حث له ولغيره على أن يرقي بها المرضى. ***
ما الحكم في تعليق التمائم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم لا يخلو إما أن تكون من القرآن أو من غيره، فإن كانت من القرآن ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ويجعل هذا من بركة القرآن أن الله تعالى يرفع به العين والشر ممن علقه. وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن تعليق القرآن يكون نافعًا لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك، ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة وأما إذا كانت التمائم من غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها فإنها محرمة، محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور. ***
حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب يعني التميمة التي تعلق على الإنسان، أو يجعلها بعض الناس تحت الوسادة، أو يعلقها على الجدار، وقد اختلف العلماء ﵏ في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو من الأذكار النبوية أو الأدعية المباحة، اختلفوا في هذا على قولين، فمنهم من منع ذلك؛ لعموم التحذير من التمائم، ومنهم من أجاز ذلك وأدخلها في عموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . والاحتياط ألا يعلق هذا ولو كان من القرآن أو من الأدعية أو الأذكار الواردة. فأما إذا كانت التميمة لا يقرأ ما فيها فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان الذي فيها كتابة لا يعرف ما هي فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان ما فيها من أسماء الشياطين أو الجن أو ما أشبه ذلك فإن هذا حرام ولا يجوز. المهم أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما علم أنه من القرآن أو من الأذكار النبوية أو من الأدعية المباحة، فهذا محل خلاف بين العلماء، والاحتياط ألا يعلقها. والثاني: ما سوى ذلك، فتعليقه حرام على كل حال. ***
من مصر أأ يقول: في الحديث: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) . ما هي التولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقريب من ذلك ما يسمى عندنا بالدبلة، يقال: إن الزوج يكتب اسم امرأته في خاتمه، والزوجة تكتب اسم زوجها في خاتمها، ويدعون أنهما- أي: الزوجين- يحصل بفعلهما هذا الألفة بينهما، وأنه لو خلع هذه الدبلة أو خلعتها معناه الفراق. فإذا قال قائل: ما هي الوسيلة إلى أن يحب الرجل زوجته والمرأة زوجها؟ فنقول: الوسيلة إلى ذلك بينها الله بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . عاشروهن بالمعروف، فإذا عاشر كل إنسان زوجته بالمعروف، وهي كذلك، حصلت المحبة والألفة والحياة الزوجية السعيدة. ***
ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- أعني: تعليق الحجب أو التمائم- تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون المعلق من القرآن، والثاني: أن يكون من غير القرآن مما لا يعرف معناه. وأما الأول، وهو: تعليقها من القرآن، فقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفًا وخلفًا، فمنهم من أجاز ذلك، ورأى أنه داخلٌ في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع السوء. ومنهم من حرَّم فعل هذا وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي ﵊ أنه سببٌ شرعيٌ يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف. وهذا هو القول الراجح، وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن، ولا يجوز أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدران أو ما أشبه ذلك، وإنما يوضع المريض ويقرأ عليه مباشرةً، كما كان النبي ﵊ يفعل. وأما إذا كان المعلق من غير القرآن- وهو القسم الثاني مما لا يعرف معناه- فإنه لا يجوز بكل حال؛ لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروفًا متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرؤها، فهذا من البدع، وهو محرم لا يجوز بكل حال. ***
ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظًا من العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا ولا ينفع؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنه يتحصن بالقرآن على هذا الوجه، وما يتوهمه بعض الناس فهو لأنه تخيّل أنّ هذا نافع، فظن أنّ انتفاء الشر والعين عن سيارته بواسطة وضع المصحف فيها. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم من القرآن- يعني: التي تعلق على العنق- اختلف فيها السلف والخلف، فمنهم من قال بجوازها، واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقالوا: إن أي تجربة يكون فيها الشفاء وهي من القرآن الكريم فإنها داخلة في هذا العموم. ومنهم من قال: إن التمائم ممنوعة، سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم ﵏. ***
السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علمًا بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظرًا للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحجاب الذي يعلقه المريض من القرآن والأدعية المباحة فقد اختلف العلماء ﵏ في جواز تعليقه، فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، أما إذا كان الحجاب قد كتب فيه ما لا يدرى عنه ولا عن معناه فإنه لا يجوز لبسه؛ لاحتمال أن يكون به أشياء شركية لا نعلم بها. ***
هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيرًا. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) . ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم ﷺ عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالحجاب التميمة التي تعلق على الإنسان في عنقه، أو يجعلونها في جيبه، أو يجعلونها تحت وسادته إذا نام. وهذه التمائم تكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكتب فيها ما لا يعلم ولا يدرى معناه، فإن هذه لا تحل ولا تجوز؛ لأنه لا يدرى ما الذي تشتمل عليه: أهو شرك، أم أسماء للشياطين، أو لمردة الجن، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة؟ فهذه لا تجوز قطعًا. وأما الوجه الثاني: فهو التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن على وجه واضح بيِّن يقرأ، أو شيء من الأدعية الواردة عن النبي ﷺ، وهذه فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والصواب مع من منعها وأنها لا تجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن إنما يجوز على الوجه الوارد عن النبي ﷺ، وذلك بقراءته على المريض مباشرة، وبعض السلف يجوِّز أن يكتب القرآن في إناء بزعفران أو نحوه، ويصب عليه الماء ويحرك حتى يصطبغ الماء بهذا اللون المكتوب به القرآن، ثم يشرب. وعلى هذا فنقول: إن تعليق التمائم واصطحابها في الجيب ووضعها تحت الوسادة لا يجوز مطلقًا، سواء كانت من القرآن أو غيره، ولكن يقرأ على المريض بالآيات التي يرقى بها للمرضى. وأما قول السائل: أرى أن هذا لا يفيد؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) . فإن الآية لا تدل على منع هذا الحجاب أو هذه التميمة إذا صح أنها سبب شرعي؛ لأن قوله تعالى: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) يشمل ما كشفه الله ﷾ بسبب غير معلوم لنا، وما كشفه بسبب معلوم، لكن لا بد أن يكون هذا السبب معلومًا عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس والتجربة. ***
من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أنه يجب أن نعلم أن الأسباب التي تجلب الخير أو تدفع الشر لابد أن تكون متلقاة من الشرع؛ لأن مثل هذا الأمر- أعني: جلب الخير أو دفع الشر- لا يكون إلا بتقدير الله ﷿، فلابد أن نسلك الطريق الذي جعله الله ﷾ طريقًا يوصل إلى ذلك، أما مجرد الأوهام التي لا تبنى على أصل شرعي فإنها أوهام لا حقيقة، لها قد يتأثر الإنسان منها نفسيًا لاعتقاده فيها ما يعتقد، وإن كان في الحقيقة خلاف ذلك. وتعليق الأحراز على الصدور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون طلاسم أوحروف مقطعة لا يعلم لها معنى، فهذه محرمة بلا شك، وربما يكتب عليها أسماء الشياطين من الجن ولا يعلم حاملها ذلك، وعلى هذا فيكون تعليقها نوعًا من الشرك، وإذا اعتقد معلقها أنها تنفع أو تضر بدون قدر الله ﷿ كان مشركًا شركًا أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن النافع والضار هو الله ولكن هي وسيلة، فهي شرك أصغر؛ لأن الله تعالى لم يجعل هذا سببًا يندفع به الشر أو يحصل به الخير. أما الثاني: فأن تكون هذه الأحراز مكتوبة بحروف معلومة من القرآن أو من صحيح السنة، فهذه موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها لا بأس بها، مستدلًا بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) . ومنهم من يرى منعها وأنها من الشرك الأصغر، مستدلًا بعموم الأحاديث الدالة على أن التمائم شرك. والذي ينبغي للمؤمن أن يتجنبه، وذلك لأن أقل ما فيها أنه لم يرد فيها عن النبي ﵌ ما يدل على الجواز، والأصل في مثل هذه الأمور المنع حتى يقوم دليل على الجواز. ثم إن الإنسان إذا تعلق بها أعرض عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد القولية التي جاءت بها الشريعة، مثل قوله ﵌ في آية الكرسي: (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . وقوله في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (من قرأهما في ليلة كفتاه) . وكذلك قوله في المعوذتين. المهم أن هذه الأحراز توجب غفلة الإنسان عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد الشرعية القولية، وعلى هذا فإن نصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يَدَعوا هذه الأحراز، وأن يقوموا بما جاءت به السنة من الأوراد القولية، إما من الكتاب وإما من السنة. ***
المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئًا مما يعلق، ثم إن فيه عرضة بامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك، فلهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم. ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به. واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . والاحتياط أن لا يفعل ذلك، لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملًا لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة. ***
من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعمًا منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق التمائم، أو وضعها تحت وسادة الفراش، أو تعليقها في جدران الحجرة، أو ما أشبه ذلك، كله من البدع، بل مما نهي عنه: (فمن تعلق تميمة فلا أتم الله له) . والشفاء الذي يحصل بهذا ليس منها، بل هو فتنة حصل عندها لا بها. لكن اختلف السلف ﵏ فيما إذا كان المعلق من القرآن هل هو جائز أم لا؟ فكرهه ابن مسعود وجماعة، وهذا أقرب إلى الإخلاص والتوكل على الله ﷿، وأجازه آخرون. وأما ما ليس من القرآن فلا يجوز، لا سيما إذا كان فيه حروف لا يعرف معناها، فإنها قد تكون أسماء للشياطين وطلاسم سحرية، فلا يجوز اعتمادها، حتى لو حصل الشفاء عند استعمالها فإنه لم يحصل بها؛ لأنه لم يقم دليل على أنها سبب شرعي، ولا هي سبب حسي، لكن قد يبتلي الله ﷾ العبد ويفتنه، فيحصل مطلوبه بوسيلة محرمة. فليحذر العاقل اللبيب من هذه الأمور، وليستعن بالله ﷿، وليتوكل عليه. نعم لو وجدنا رجلًا صالحًا يقرأ على المريض بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية فهذا لا بأس به، وهو من السنة أن يرقي الإنسان أخاه بالرقى المشروعة. ***
من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علمًا بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنني ما عرفت معنى الحجب بالضبط؛ لأن المعروف أن الحجب هي عبارة عن أوراق يكتب فيها أدعية وتعوذات وآيات قرآنية، يحملها الإنسان على صدره مربوطة في عنقه، يرى أنها تحجبه من الشر ومن الشياطين، وبعضهم يفعل ذلك إذا مرض، يرى أن الله يشفيه بها، هذا معنى الحجب التي نعرف، وأما ما يفيده ظاهر كلامها فكأنها تريد بذلك نقض السحر، ونقض السحر بالسحر ممنوع؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان. لكن قد يكون هناك حالات خاصة ينظر فيها بعينها. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لهذه العزائم فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمل عزائم لا يدري ما هي حتى يعرف أنها من القرآن أو من السنة الصحيحة أو من الأدعية المباحة، فأما أن يأتي لأي شخص يجده يقرأ على الناس ويكتب لهم العزائم فيطلب منه ذلك فإن هذا لا يجوز. وأما وضعها عند الرأس فلا أصل له، ولم يفعله أحد من السلف، لكن رخص بعض السلف في العزائم إن كانت من القرآن أن يتقلدها الإنسان، أو أن يضعها في ماء ويشرب أثر المداد الذي يتحلل في هذا الماء، وأما وضعها عند الرأس أو تحت الوسادة فلا أصل له. وأما أخذ الأجرة والعوض على هذه العزائم: فالذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل، وإن فعل فلا حرج؛ لأن النبي ﷺ، أجاز أخذ الأجرة على الرقية في قصة الصحابة الذين بعثهم النبي ﷺ، فاستضافوا قومًا فلم يضيفوهم، فسلط الله على حية فلدغ، ثم جاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم قارئًا، قالوا لا نقرأ عليكم إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم من الغنم، وبلغ ذلك النبي ﷺ فأقره. وأما كون القارىء يأخذ أجرًا كثيرًا على عمل يسير: فإني أنصحه أن يتقي الله ﷿ في إخوانه، وألا يستغل ضرورتهم في ابتزاز أموالهم فليأخذ ما يرى أنه حق له، وأما ما زاد فليتورع عنه. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمعة فتاة من الأردن الزرقاء تقول: عمرها خمسة وعشرون عاما، ً فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب، لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال، فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل؛ لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء. وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة وحدها إلى امرأة يقال لها: شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة، من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء، منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين، ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب. أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح: فهي تكره أن ترى الناس، بعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكرارًا لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسل وبعض الأسماء الغريبة، فحرقتها جميعا. ً فتسأل: هل صحيح أن الحجاب الذي يعمله المشعوذون يمنع الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام؟ مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال يتلخص جوابه في شيئين: الشيء الأول: تعليق هذه الحجب، سواء كان لطالب الزواج، أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي، هل هو جائز أو ليس بجائز؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال، وذلك لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ أن تعليق مثل هذا يكون سببًا في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعًا فإنه لا يجوز إثبات كونه سببًا. ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به- أي: بتعليق الحجاب- لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كُتب فيه، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفًا لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطًا رابعًا، وهو: أن يكون من القرآن خاصة. وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقًا؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء يثبت سببًا لشيء ولم يكن معلومًا بالشرع أو معلومًا بالحس فإنه لا يجوز إثباته. أما المسألة الثانية أو الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب تمزيقه من المعروف، وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول ﷺ وأسماء الخلفاء وبعض الرسل فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد، وإذا رأت فيه قرآنًا فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل والذي نرى أيضًا أنه لا يجوز تعليقه. فإذا كان قرآنًا فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائيًا. وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب، وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى قد أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به، وأيضًا فإنه من المعلوم نفسيًا أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسيًا فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلًا عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به هذا الرجل، يكون مشتغلًا بتحميل عفشه مثلًا فيجرحه مسمار أو زجاجة، تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به؛ لأنه جعل فكره إليه. والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله ﷿، ويتبع ما جاء عن النبي ﷺ في الاستشفاء بالقرآن والدعاء. ***
من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد ﷺ، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي ﷺ يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سببًا في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله ﷿، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سببًا، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سببًا في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله ﷺ: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي ﵊ نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم. ***
يقول الله تعالى في سورة البقرة: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) . ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ توعد أولئك الذين يفترون عليه كذبًا فيكتبون بأيديهم كلامًا ثم يقولون للناس: هذا من عند الله، من أجل أن ينالوا به حظًا من الدنيا، إما جاهًا أو رئاسة أو مالًا أو غير ذلك، ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعًا: على كتابتهم الباطلة، وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة. أما الذين يكتبون الحجب- وهي: ما يعلق على المريض لشفائه من المرض، أو على الصحيح لوقايته من المرض -فإنه ينظر: هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا؟ إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها، أو كتب فيها أشياء محرمة، كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك، فإن تعليقها لا يحل بكل حال. وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم، والراجح أنه لا يحل تعليقها، وذلك لأن التعبد لله ﷾ بما لم يشرعه الله بدعة، ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سببًا لم يجعله الله سببًا نوع من الشرك. وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء، لا من القرآن ولا من غيره، ولا أن يعلق على الصحيح شيء، لا من القرآن ولا من غيره، وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك، فإنه لا يجوز. ***
المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول: نعلم أنه روي عن النبي ﷺ أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي) . وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل: نعلم أنه روي عن النبي ﷺ، الصواب أن يقال: إنه ثبت عن النبي ﷺ؛ لأن قول: روي عن الرسول معناه تضعيف الحديث، والحديث ثابت، وهو أن الرسول ﵊ صلى بأصحابه صلاة الصبح على إثر مطر نزل، فلما أنهى صلاته أقبل عليهم وقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بالله؛ لأنه اعترف لله بالفضل، وأن هذا المطر من آثار فضله ورحمته ﵎، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يضيف النعم إلى بارئها ومسديها وهو الله ﵎، ولا حرج أن يضيفها إلى سببها الثابت شرعًا أو حسًا إلا أنه إذا أضافها إلى سببها الثابت حسًا أو شرعًا، فإنه لا يضيفها إلى السبب مقرونًا مع الله ﷿ بالواو، وإنما يضيفها إلى سببها مقرونًا مع الله تعالى بثم، أو إلى سببها وحده. فلو أن شخصًا أنقذ غريقًا من غرق فهنا لا يخلو من حالات: الأولى: أن يقول: أنقذني الله تعالى على يد فلان، وهذا أفضل الأحوال. الثانية: أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وهذه جائزة، وهي دون الأولى. الثالثة: أن يقول: أنقذني فلان، ويعتقد أنه سبب محض، وأن الأمر كله إلى الله ﷿، وهذه جائزة، ويدل لجوازها أن النبي ﷺ لما أخبر عن عمه أبي طالب أنه كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه- والعياذ بالله- قال النبي ﵊: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) . الرابعة: أن يقول: أنقذني الله وفلان، وهذا لا يجوز؛ لأنه أشرك سببًا مع الله بحرف يقتضي التسوية وهو الواو، ودليل ذلك أن النبي ﷺ قال له رجل: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي ﷺ: (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) . فالمطر النازل لاشك أنه بفضل الله ورحمته وبتقديره ﷿ وقضائه، ولكن الله تعالى جعل له أسبابًا، كما أشار الله إليه بقوله: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا) . قال: (يُرْسِلُ) (فَتُثِيرُ) أضاف الإثارة إلى السحاب؛ لأنها سبب هذه الإثارة، فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء، فلا بأس بإضافة الشيء إلى سببه مع اعتقاد أنه سبب محض، وأن خالق السبب هو الله ﷿. وأما قول الرسول ﵊ عن الله ﵎: (أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهوكافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا لأنهم أضافوا الشيء إلى سبب غير صحيح؛ لأن النوء ليس سببًا للمطر، فالنوء الذي هو الكوكب ليس هو الذي يجلب المطر، ولا علاقة له به، ولذلك أحيانًا تكثر الأمطار في نوء من الأنواء في سنة وتقل في سنة أخرى وتعدم في سنة ثالثة، وربما يكون العكس فالأنواء ليس لها تأثير في نزول المطر ولهذا كانت إضافة المطر إليها نوعًا من الشرك فإن اعتقد أن النوء يحدث المطر بنفسه بدون الله فذلك شرك في الربوبية، شرك أكبر مخرج عن الملة، فهذا وجه قوله ﵎ فيما رواه عنه نبيه محمد ﷺ: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . وأما ما اشتهر من أن الأمطار تكون بسبب تبخر البحار ونحو ذلك: فهذا إن صح فإنه لا ينافي ما ذكره الله تعالى في القرآن، إذ من الجائز أن يكون هذا البخار تثيره الريح حتى يصعد في جو السماء، ثم يبسطه الله تعالى في السماء كيف يشاء، ثم ينزل به المطر، وهذه مسألة ترجع إلى أهل العلم بهذا الشأن، فإذا ثبت ذلك فإنا نقول: هذا البخار الذي تصاعد من البحار الذي خلقه هو الله، والذي جعله يتصاعد في الجو حتى يمطر هو الله ﷿، ولا ينافي ذلك ما جاء في القرآن إذا صح علميًا. والله أعلم. ***
وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله ﷾، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيرًا حسيًا في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين: أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه، إنَّما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين؟ لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض. القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب، وهذا كثير جدًا من الأدوية المستعملة قديمًا وحديثًا، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب؛ لأنه لم ينزل فيها شرع. فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه، إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيرًا في بعض الأمراض، فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها. ***
الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل- وهو: وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات، هذا- لا أصل له، ولا أعلم له أصلًا من الشرع، ولا أصلًا من الواقع، فإن الحشرات تأتي إلى ما يلائمها، فمنها ما يلائمها التمر وتأتي حوله، بل تأكل منه أيضًا، ومنها ما يلائمها الدسم فتأتي إليه وتطعم منه، ولا أصل لهذا الذي يفعل. وإذا لم يكن له أصل من الشرع ولا من الواقع فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله؛ لأنه مبني على مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها. ***
هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياسًا مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلًا، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم شرائها لا يجوز، واعتقاد أن فيها هذا النفع الذي يقال لا يجوز أيضًا؛ لأن هذا لا دليل عليه، وأما بيعها فلا يجوز أيضًا، وينبغي لكم- بل يجب عليكم- إذا رأيتم مثل هذا أن تخبروا السلطات عن هذا الأمر، حتى يمنعوهم من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن التكسب بمثل هذه الأمور من أكل أموال الناس بالباطل، والواجب منعه وتأديب فاعله. ***
بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيرًا ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعًا آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله ﷾ للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر الذي أشار إليه السائل- وهو: تعليق الآيات القرآنية على الجدران وأبواب المساجد وما أشبهها- هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح الذين هم خير القرون، كما ثبت عن النبي ﵊ أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) . ولو كان هذا من الأمور المحبوبة لله ﷿ لشرعه الله تعالى على لسان رسوله ﷺ؛ لأن كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم فهو مشروع على لسان الرسول ﷺ، ولو كان هذا من الخير لكان أولئك السلف الصالح أسبق إليه منا ومع هذا فإننا نقول لهؤلاء الذين يعلقون هذه الآيات: ماذا تقصدون من هذا التعليق؟ أتقصدون بذلك احترام كلام الله ﷿؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: لسنا والله أشد احترامًا لكتاب الله ﷾ من أصحاب النبي ﷺ، ومع ذلك لم يعلقوا شيئًا من آيات الله على جدرانهم أو جدران مساجدهم. وإن قالوا: نريد بذلك التذكير والموعظة. قلنا: لننظر إلى الواقع، فهل أحد من الناس الذين يشاهدون هذه الآيات المعلقة يتعظ بما فيها؟ قد يكون ذلك ولكنه نادر جدًا، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الآيات المكتوبة حسن الخط، أو ما يحيط بها من البراويز والزخارف، أو ما أشبه ذلك وهو نادر جدًا أن يرفع الإنسان رأسه إليها ليقرأها فيتعظ بما فيها. وإن قالوا: نريد التبرك بها. فيقال: ليس هذا طريق التبرك، والقرآن كله مبارك، لكنه بتلاوته وتفقد معانيه والعمل به، لا بأن يعلق على الجدران ويكون كالمتاحف. وإن قالوا: أردنا بذلك الحماية والوِرد. قلنا: ليس هذا طريق الحماية والوِرد، فإن الأوراد التي تكون من القرآن إنما تنفع صاحبها إذا قرأها، كما في قوله ﷺ فيمن قرأ آية الكرسي في ليلة: (لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومع هذا فإن بعض المجالس- أو كثيرًا من المجالس- التي تكتب فيها الآيات قد يكون فيها اللغو، بل قد يكون فيها الكلام المحرم، أو الأغاني المحرمة، وفي ذلك من امتهان القرآن المعنوي ما هو ظاهر. ثم إن الامتهان الحسي الذي أشار إليه السائل- بأن هذه الأوراق قد تتساقط في الأسواق وعلى القاذورات، وتوطأ بالأقدام- هو أمر آخر أيضًا مما ينبغي أن ينزه عنه، بل مما يجب أن ينزه عنه كلام الله ﷿. والخلاصة: أن تعليق هذه الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر، وسلوك طريق السلامة أولى بالمؤمن وأجدر. على أنني أيضًا رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي ﷺ فاعله. ثم إن العلماء ﵏ اختلفوا هل يجوز أن ترسم الآيات برسم على غير الرسم العثماني أو لا يجوز؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز مطلقًا أن ترسم على القاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه، ما دامت بالحروف العربية. ومنهم من يقول: إنه لا يجوز مطلقًا، بل الواجب أن ترسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني فقط. ومنهم من يقول: إنه يجوز أن ترسم بالقاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه للصبيان؛ لتمرينهم على أن ينطقوا بالقرآن على الوجه السليم، بخلاف رسمه للعقلاء الكبار فيكون بالرسم العثماني. وأما أن يرسم على وجه الزركشة والنقوش، أو صور الحيوان، فلا شك في تحريمه، فعلى المؤمن أن يكون معظمًا لكتاب الله ﷿ محترمًا له، وإذا أراد أن يأتي بشيء على صورة زركشة ونقوش فليأتِ بألفاظ ُأخر من الحِكم المشهورة بين الناس وما أشبه ذلك، وأما أن يجعل ذلك في كتاب الله ﷿، فيتخذ الحروف القرآنية صورًا للنقوش والزخارف، أو ما هو أقبح من ذلك بأن يتخذها صورًا للحيوان أو للإنسان، فإن هذا قبيح محرم. والله المستعان. ***
هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على الجدر ونحوها في المساجد والمساكن، والجواب على هذه الفقرة أنني لا أرى ذلك، أي: لا أرى أن الإنسان يعلق آيات من القرآن على الجدر، سواء في المساجد أو في البيوت؛ لأن هذا التعليق لا بد أن نسأل: ما الحامل على ذلك؟ إن قال: الحامل على ذلك التبرك بكلام الله ﷿. قلنا: إن التبرك بالقرآن الكريم على هذا الوجه ليس بصحيح؛ لأن هذا لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتبركون بالقرآن على هذا الوجه، وإذا لم يرد عنهم ذلك عُلِم أنه ليس من الشرع، وإذا لم يكن من الشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله ﷿، أو أن يتبرك بالقرآن على هذا الوجه بدون مستندٍ شرعي. قد يقول: إنني أريد بذلك تذكير الجالسين بما تتضمنه هذه الآية من ترغيب أو ترهيب. فنقول: هذا التفكير وإن كان مقصودًا للواضع، لكنه في الحقيقة غير واقع وغير عملي، فما أكثر الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إذا وضعت فإن أكثر الحاضرين- إن لم يكن كلهم- لا ينتفع بذلك ولا يتعظ، قد يكون من المعلق قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، ويكون المجلس الذي فيه هذه الآية كله غيبة وكلام في أعراض الناس، فيكون هذا من باب المضادة لكلام الله ﷿. قد يقول: إني علقتها حماية لبيتي، فأنا أعلق آية الكرسي لتحفظ البيت من الشياطين؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فنقول: هذا أيضًا من البدع، فإن السلف لم يكونوا يحفظون بيوتهم بتعليق الآيات عليها، والنبي ﵊ يقول: (من قرأ آية الكرسي في ليلة)، والقراءة غير التعليق كما هو ظاهر، وبناء على هذه العلة التي يتعلل بها من يعلق الآية تجد كثيرًا من الناس يعتمد على هذا التعليق ولا يقرؤها بنفسه؛ لأنه يقول: قد كفيت بتعليق هذه الآية، فيفوت الإنسان خير كثير بناء على هذا العمل المبني على هذا الاعتقاد الذي لا أصل له. ونحن نقول: إن بعض الناس قد يعلقها- أي: الآيات- من باب التجميل، ولهذا تجدهم أحيانًا يعلقون آيات كتبت على غير الرسم العثماني، بل هي مخالفة له، وربما يكتبونها على الشكل الذي يوحي به معناها، وربما يكتبونها على صورة بيت أو قصر أو أعمدة وما أشبه ذلك، مما يدل على أنهم جعلوا كلام الله ﷿ مجرد نقوش وزخرفة، وهذا رأيته كثيرًا. فالذي أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يعلق شيئًا من كلام الله ﷿ على الجدر، فإن كلام الله أعلى وأسمى وأجل من أن يجعل وشيًا تحلى به الجدران، ولا يمكن أن يقاس هذا على شخص علق المصحف بوتد أو شبهه في الجدار، فإن هذا قياس مع الفارق العظيم: فالمصحف مغلف في جيبه أو بظرفه، ولم تبدُ حروفه ولا أسطره، ولا أحد يقول: إني علقت المصحف هنا لأتبرك به أو لأتعظ به، وإنما يقول: علقته هنا لرفعه عن الأرض، وحفظه عن الصبيان ونحو ذلك، وفرق بين البارز الظاهر المعلق أو المشمع على الجدار، وبين مصحف معلق مغلف جعل في فرجة أو علق بوتد أو شبهه، ولا ينطلي هذا القياس على أحد تأمل المسألة وتدبرها. ***
هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول: اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعًا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز شرعًا، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلومًا بالحس، وليس هو أيضًا معلومًا بالشرع، وكل سبب ليس معلومًا بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم، يكافحوها بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي. ***
السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، وأصله من الطير، وكانت العرب في الجاهلية تتشاءم: يزجرون الطير، فإذا طار واتجه إلى جهةٍ ما، تطيروا، حتى إنه ربما كان إنسان قد ربط متاعه وأناخ راحلته يريد السفر، فيتطير، فإذا جنح الطير إلى جهةٍ ما ترك السفر وقال: هذا سفر شر. هذا هو الأصل في معنى التطير، ولهذا يجب على الإنسان إذا حدث في قلبه التشاؤم أن يتوكل على الله وأن يعتمد عليه، وأن لا يبالي بهذه الأوهام التي يجرها الشيطان إلى العبد ليكدر عليه صفوه، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له) . ***
كيف نوفق بين قوله ﷺ: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما أن قوله ﷺ: (لا عدوى،ولا طيرة) نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية بأن الأمراض تعدي بنفسها، بحيث ينتقل المرض من المريض إلى السليم بنفسه حتمًا، فنفى رسول الله ﷺ ذلك، وبين أن العدوى لا تكون إلاباذن الله ﷾، أي: إن هذا النفي يتضمن أن العدوى لا تكون إلا من الله ﷿، ولهذا أورد على النبي ﷺ لما حدث بهذا الحديث أن الرجل يأتي إبله السليمة بعير أجرب فتجرب الإبل، فقال النبي ﷺ ردًا على هذا الإيراد: (فمن أعدى الأول)؟ أي: من جعل في الأول المرض؟ هل هناك مريض أعداه؟ والجواب: لا، ولكن الذي جعل فيه المرض هو الله، فالذي جعل المرض ابتداءً في المريض الأول هو الذي يجعل المرض ثانية في المريض الثاني بواسطة العدوى. وعلى هذا فيكون معنى الحديث (لا عدوى) أي: بنفسها، ولكن ذلك بتقدير الله ﷿ الذي جعل لكل شيء سببًا، ومن أسباب المرض اختلاط المريض بالسليم، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن اختلاطك به قد يكون سببًا للعدوى، فينتقل المرض من المجذوم إليك إذا اختلطت به، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) . فيكون الحديث الثاني فيه الأمر بتجنب أسباب المرض وهي مخالطة المريض، ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد ممرض على مصح) . ***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائمًا يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلًا: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجدًا فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلانًا مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام محرم؛ لأنه كذب ورجم بالغيب، ثم إنه قد يوجد عقيدة فاسدة بالتشاؤم من هذا الرجل، ثم إنه قد يوجد عداوة مستقبلًا؛ لأن كثرة المزاح في مثل هذه الأمور تؤثر على القلب وعلى النفس حتى يكون فيه عداوة وبغضاء، فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات المبنية على الكذب، والتي تسبب ما لا ينبغي أن يكون. ***
هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدًّا: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركبات، أو بعض الزوجات مشؤومًا، يجعل الله ﷾ بحكمته- مع مصاحبته إما ضررًا، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله ﷾ أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله وسلم أنه قال: (الشؤم في ثلاث، وذكر منها الدار) . فضيلة الشيخ: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيه شؤم، بعض الزوجات يكون فيه شؤم، بعض البيوت يكون فيه شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله ﷿، وأن الله ﷾ بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر. ***
بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن بعض الناس يجد في بعض ماله من بركة فينتفع به كثيرًا ويوقى الآفات، سواء كان في السيارة أو في البيت أو في غير ذلك، وربما يجد منه خلاف هذا، ربما يكون هذا الشيء كثير الآفات مقلقًا له لا ينشرح صدره له، فإذا وجد ذلك في بعض ماله فلا حرج عليه أن يبيعه ليتخلص من آفاته، وكم من إنسان حصل له مثل هذا، أي: اشترى سيارة فصارت كثيرة الآفات من صدمات أو غيرها، فيبيعها ثم يشتري أخرى، فيجد منها الراحة والبركة وقلة الآفات، ولا يعد هذا من باب التشاؤم، بل هو من باب التخلص من آفات هذا الشيء وخسارته التي يخسرها عليه، ولا يعد هذا من باب التطير. ***
هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء لا يجوز لهم هذا التشاؤم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن الطيرة وقال: (ليس منا من تطير أو تُطِير له، أو سَحَر أو سُحِر له) . فلا يجوز لأحد أن يتشاءم بشخص، وهذا على عكس التفاؤل، فإن التفاؤل مطلوب، كون الإنسان يتفاءل يكون مطلوبًا في حقه، وأما التشاؤم الذي يُدخِل على الإنسان الحزن والهم والغم فإن ذلك ليس من أعمال المسلمين، فلا يجوز للمرء أن يتطير بأحد. *** الأسماء والصفات
أحسن الله إليكم يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أهل السنة والجماعة- جعلنا الله منهم- أشد الناس تعظيمًا لله ﷿، وأشد الناس احترامًا لنصوص الكتاب والسنة، فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله ﷿، فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه وإن حارت العقول فيه، وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته. مثال ذلك: أن الله ﷿ فوق كل شيء أزلًا وأبدًا، وهو ﷾ له العلو المطلق في كل وقت وحين، فوق سماواته، فوق مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، فيأتي الشيطان للإنسان ويقول: كيف ينزل وعلوه لازم له؟ كيف ينزل؟ فنقول: هذا يحار فيه العقل، لكن يجب علينا أن نصدق ونقول: الله أعلم بكيفية هذا، نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية، عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته. ولهذا قال بعضهم: إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله العقول، فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها والإيمان بها، وأنها حق وإن حارت عقولنا في كيفيتها، فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه، سواء في القرآن أو في السنة، فإنه يجب الإيمان به وتصديقه. قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) . يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول: كيف يجيء؟ فنقول: يجيء على الكيفية التي أراد الله، الكيف مجهول، يجب عليك أن تؤمن بهذا حتى لو حار عقلك به، مأمور بأن تصدق على كل حال. ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته، فأنكروا ما أثبته الله لنفسه، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: (استوى على العرش) أي: استولى على العرش. فسبحان الله! كيف يقول ﷿: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) . أفيمكن أن نقول: إنه قبل ذلك ليس مستوليًا عليه؟ هذا أمر ينكره العامي فضلًا عن طالب العلم، لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقف على الخبر المحض ضل وزل. ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون: استوى بمعنى استولى، أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش، أي: علا عليه علوًّا خاصًّا يليق بجلاله وعظمته، وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم ﷿، وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله، أو بناء على ما تقتضيه أهواؤهم وعقولهم؟ إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليهم ويوفقهم للحق، فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله ﷿، وكذلك أيضًا من قالوا: إن الله ليس عاليًا بذاته فوق المخلوقات، وقالوا: لا يجوز أن نقول: إن الله فوق، فنقول: توبوا إلى ربكم، أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق، وتمدون أيديكم أيضًا إلى فوق، دعوكم وفطرتكم فقط، واتركوا عنكم الأوهام والأشياء التي تضلكم، وإذا أنكرتم علو الله وقلتم: إنه بذاته في كل مكان، فكيف يليق هذا؟ أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة؟ ألا فليتق الله هؤلاء، وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة، أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا. ***
بارك الله فيكم من موريتانيا المستمع سعدي. أ. ن يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الاسم والصفة ظاهر، فإذا قلت مثلًا السميع، فالسميع اسم والصفة السمع، وإذا قلت: البصير فالبصير اسم والصفة البصر، وإذا قلت: العلي فالعلي اسم والعلو صفة، وإذا قلت: الحكيم فالحكيم اسم والحكمة صفة، وهلم جّرًا. فهذا هو الفرق: فالاسم ما تسمى الله به، والصفة ما اتصف الله به، وهي المعنى القائم بالله ﷿. وهناك صفات ليست صفات معانٍ مثل اليد، فلله تعالى يدان اثنتان، قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) . والعين، فلله تعالى عينان، كما قال النبي ﵊: (إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور) . وما أشبه ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، فهذه الصفات وأمثالها ليست صفات معانٍ ولكنها صفات مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء. ***
هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو بهذا الإفادة جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء، وكل ما أثبته لنفسه من الصفات، على وجه ليس فيه تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولنضرب لهذا مثلًا: قال الله ﵎: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . فيقول أهل السنة والجماعة: إن معنى الآية الكريمة أن الله استوى على العرش، أي: علا عليه، لكن كيف علا؟ الله أعلم، لا نكيف صفاته لكن نؤمن بمعناها، فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: علا عليه علوًّا يليق بجلاله وعظمته، ويجتنبون طريق أهل البدع الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى. ولا شك أن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، ولا شك أيضًا أنه يستلزم لوازم باطلة؛ لأننا إذا قلنا: استوى بمعنى استولى، لزم أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض ملكًا لغير الله، وأن الله استولى عليه بعد ذلك، ولزم أيضًا أن يقال: إنه يصح أن تقول: إن الله استوى على الأرض؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذا أمر باطل. ومثال ثانٍ: قول الله ﵎: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ) . قال أهل التعطيل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه: المراد بوجه الله ثوابه، وليس المراد به وجهه الذي هو صفة من صفاته ﷿، من صفاته الخبرية التي لا مدخل للعقل فيها وليست معنوية، بل هي صفة خبرية، نظيرها بالنسبة لنا بعض منا وجزء منا، فيقال: هذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فوجهه الله تعالى هو وجهه، والثواب شيء آخر، ثم أين المقارنة: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ) أين المقارنة بكون المراد العمل؟ فالآيات هذه لا تناسب ما قبلها حتى يقال: إنها من العمل، أي لا تناسب ما قبلها من حيث تفسيرها بالثواب. ومن ذلك أيضًا قول الله ﵎ لإبليس: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)؟ قالوا: المراد باليد هنا القدرة. فيقال: سبحان الله! كل البشر خلقهم الله بقدرته، ثم هل القدرة تتبعض وتتعدد؟ القدرة صفة واحدة، يستطيع بها القادر أن يفعل بلا عجز. وقس على هذا كثيرًا، فأهل السنة والجماعة يقولون: كل ما سمى الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، وكل ما وصف الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، لكن يجب أن يكون إثباتنا هذا منزهًا عن التمثيل وعن التكييف، بمعنى: أن نثبت لله هذه الصفة وننفي أن يكون مماثلًا للعباد في هذه الصفة، وكذلك نثبت هذه الصفة ولا نكيفها، لا نقول: كيفيتها كذا وكذا. ولهذا لما سأل الإمام مالكًا رجل فقال: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . فقال ﵀: الكيف غير معقول، يعني: لا يمكن أن ندركه بعقولنا، وإذا كنا لا ندركه بعقولنا لزم أن نعتمد في ذلك على النقل، ولم ينقل لا في القرآن ولا في السنة كيفية استواء الله ﵎ على عرشه، وعلى هذا فتكون كيفية الاستواء مجهولة، وليست معلومة لنا. ***
بارك الله فيكم من المغرب رسالة وصلت من المستمع أحمد يقول: ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم، ومنهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات منهج وسط بين أهل التعطيل وأهل التثميل: فأهل التمثيل قوم أكدوا لله الصفات، لكن بالغوا في إثباتها وغلوا في ذلك، وجعلوها من جنس صفات المخلوقين، فانحرفوا بذلك عن الصراط المستقيم؛ لأن الله ﷾ يقول في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . ويقول جل ذكره: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . ويقول ﷾: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) . ويقول ﷿: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . والقسم الثاني معطلة: عطلوا الله ﷾ من صفاته التي أثبتها لنفسه، ونفوها عنه، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، وعطلوها من المراد بها بحجج هي شُبَه في الحقيقة وليست بحجج، حكموا في ذلك عقولهم، وجعلوا يثبتون لله ما اقتضت عقولهم إثباته، وينكرون ما لم تقضِ عقولهم إثباته، فظلموا في ذلك وصاروا هم الحاكمين على الله، وليس كتاب الله هو الحاكم بينهم، فأنكروا ما وصف الله به نفسه وقالوا: ليس لله وجه، ليس لله عين، وليس لله يد. وقالوا أيضًا. ليس لله فرح، وليس لله غضب، وليس لله عجب. وقالوا أيضًا: ليس لله فعل: لا استواء على العرش، ولا نزول إلى السماء الدنيا. بل بالغوا حتى قالوا: إن الله ليس عاليًا فوق خلقه، وإنما علوه علوُّ صفة وعلو معنوي، وليس علوًّا ذاتيًّا. وبالغ بعضهم فقالوا: إن الله ﷾ لا يقال: إنه فوق العالم، ولا تحت العالم، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، وأتوا بأقوال يعجب منها المرء ويقول: كيف يكون هذا مقتضى العقول؟ أما أهل السنة والجماعة فإنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته من الأسماء والصفات إثباتًا حقيقيًا، مع نفي المماثلة- أي: مماثلة المخلوقين- فيقولون: نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أي: فيثبتون لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، ويثبتون لله الأفعال المتعلقة بمشيئته: كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والإتيان للفصل بين العباد،؟ ويثبتون لله الفرح والضحك والعجب، ويثبتون لله الحكمة والرحمة، وغير ذلك مما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله ﵌، لكن من غير تحريف ولا تعطيل. ويقولون لهؤلاء الذين أنكروا ما أثبته لله لنفسه، وحكموا على الله بعقولهم، يقولون: إننا إذا سلمنا جدلًا أن ما نفيتموه لا يدل عليه العقل، فإنه قد دل عليه السمع، والسمع دليل شرعي نتفق وإياكم عليه، على أن الكتاب والسنة هما الدليلان بإثبات ما أثبته لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، وكونكم تقولون: إن إثبات شيء ما من هذه الصفات يقتضي التمثيل والتشبيه، نقول لكم: وأنتم حين أكدتموه يقتضي على قاعدتكم أنكم مشبهة ممثلة. فأي فرق بين من يقول: إن لله سمعًا وبصرًا، ومن يقول: إن لله رحمة وإن لله وجهًا، وإن الله استوى على العرش؟ إن كان ما أكدتموه لا يدخل في التمثيل فما أكدناه نحن لا يدخل في التمثيل، وإن كان ما أثبتناه يقتضي التمثيل فما أثبتموه يقتضي التمثيل، والتفريق بين هذا وهذا تحكُّم وتناقض، والواجب على المرء أن لا يتقدم بين يدي الله ورسوله لنفي ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، أو إثبات مالم يثبته الله لنفسه ولا أثبته له رسوله، الواجب في هذا الأمر- يعني: في باب الأسماء والصفات- أن يتلقى من الكتاب والسنة؛ لأنه من الأمور التي لا مجال للعقل فيها، والعقل لا يدرك ما يجب لله من الأسماء والصفات أو يجوز أو يمتنع، وإن كان العقل قد يدرك من حيث الإجمال أن الله موصوف بصفات الكمال ولا بد، ولكن تفاصيل ذلك لا تعلم إلا عن طريق السمع. وخلاصة القول: أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الصفات، والسكوت عما لم يرد به نفيٌ ولا إثبات؛ لأن هذا هو مقتضى السمع ومقتضى العقل، فنسأل الله تعالى أن يتوفانا على عقيدة أهل السنة والجماعة. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من سوداني يعمل بالرياض يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسول الله ﷺ قبول هذا الوصف، والإيمان به، واعتقاد أنه حق على حقيقته، إلا أنهم ينزهون الله تعالى عن أي نقص في هذه الصفة، أو عن مشابهة المخلوقين فيها. فيؤمنون مثلًا بقوة الله، ويؤمنون بأن هذه القوة لن يلحقها ضعف، ويؤمنون بأن هذه القوة لا تشبه قوى المخلوقين، مهما اجتمعوا وكثروا فإن قوتهم لن تكون مثل قوة الله ﷿. إن لله تعالى يدًا حقيقية، ويؤمنون بأن هذه اليد قوية عظيمة، قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . وقال تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) . ويؤمنون بأن هذه اليد لا تماثل أيدي المخلوقين؛ لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . فالقاعدة إذًا فيما جاء من صفات الله ﷿ في القرآن أو السنة: الإيمان بذلك، وقبوله، وتنزيه الله ﷾ عن أي نقص فيه، وتنزيه الله تعالى أن يكون مماثلًا للمخلوقين فيه، هذه هي السبيل التي درج عليها أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة وأئمتها، ولهذا كانوا يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت دون كيف. وسئل الإمام مالك ﵀ عن الاستواء فقيل له: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق رأسه حتى تصبب منه العرق، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . قال الاستواء غير مجهول؛ لأنه معلوم في اللغة العربية أن معنى استوى على كذا أي علا. والكيف غير معقول، أي: غير مدرك بالعقل؛ لأنه فوق ما تتصوره عقولنا. والإيمان به واجب؛ لأن النص ورد به، فقد ذكر الله استواءه على عرشه في سبعة مواضع من كتابه. والسؤال عنه بدعة، أي: السؤال عن كيفيته بدعة لا عن معناه، فإنه لا حرج على الإنسان أن يسأل عن معنى آيات الصفات وأحاديثها؛ لأن هذا من الأمورالتي يمكن الوصول إليها، أما الكيفية فلا يجوز السؤال عنها؛ لأنها من الأمور التي لا يمكن الوصول إليها. ولم تكن من عادة السلف، ولهذا قال ﵀: السؤال عنه بدعة. وهكذا نقول في سائر الصفات: إنها معلومة المعنى مجهولة الكيفية، وإن الإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة. فنقول مثلًا في العين: إن معناها معلوم، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة. وهكذا نقول في الوجه، وغير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله: إنه معلوم المعنى، مجهول الكيفية. ***
السائل من السودان يقول في هذا السؤال: حدثونا عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة هو الكلمة المشهورة: أمروها كما جاءت بلا كيف، وأنه يجب الإيمان بها والتصديق، واعتقاد مقتضاها من غير تحريف ولا تعطيل، ولاتكييف ولا تمثيل، فلا يجوز أن يحرف الكلم عن مواضعه، فيقال مثلًا: المراد باليدين القوة أو القدرة أو النعمة، ولا يجوز أيضًا أن يحرف الوجه عن معناه فيقال: المراد بالوجه الثواب أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أيضًا أن يحرف استواء الله على العرش إلى استيلائه عليه فيقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى، ولا يجوز أن يحرف نزول الله إلى السماء الدنيا بنزول أمره أو نزول رحمته، أونزول ملك من ملائكته، ولا يجوز أن يحرف قوله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) إلى أن المراد إتيان شيء من آياته، ولا يجوزأن يحرف قول الله ﵎: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) إلى أن المراد بذلك علمنا أو ما أشبه ذلك. المهم أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إبقاء النصوص على ظاهرها اللائق بالله ﷿، كما أنه لا يجوز عندهم التمثيل، أي: أن تمثل هذه الصفات بصفات المخلوقين، فيقال مثلًا: إن وجه الله تعالى كوجوهنا، أو يده كأيدينا، أو عينه كأعيننا، أو نزوله كنزولنا، أو استواءه كاستوائنا، كل هذا محرم. فطريقتهم ما دل الكتاب والسنة والعقل على أنها حق، وذلك بإثباتها على ظاهرها، من غير تمثيل ولا تحريف. ***
يقول هذا السائل: يا فضيلة الشيخ ما مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما معنى أمروها كما جاءت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن الكريم، أو صح عن النبي ﷺ في سنته المطهرة، فكل ما جاء في القرآن من أسماء الله وصفاته فهو حق، وكل ما جاء في السنة مما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق، ويتبرؤون من أمورٍ أربعة: التمثيل، والتحريف، والتعطيل، والتكييف. فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يحرفون القرآن والسنة عن ظاهرهما بتأويلٍ ليس بسائغ، ولا يعطلون الله تعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ولا يعطلون النصوص من دلالتها التي أراد الله بها، ولا يكيفون صفات الله بصفات خلقه، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يتعمقون في البحث عن أسماء الله وصفاته، بل يسكتون عما سكت الله عنه ورسوله، وعما سكت عنه الصحابة ﵃. ومعنى قولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف، يعني أبقوا جلالتها على ما هي عليه، وأثبتوا ما دلت عليه من الإثبات، ولا تكيفوا صفات الله بصفات الخلق، أو تكيفوا صفات الله بصفةٍ تتخيلونها وإن خالفت صفة الخلق؛ لأن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها. ***
جزاكم الله خيرًا أبو إبراهيم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال: سئل أحد السلف ﵃ عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف، فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضًا إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته. وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين: إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظًا لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقًا، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها. وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة. فالأول طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات، والثانية طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطانًا، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها. على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين: الأولى من عطلت المعاني مطلقًا، والثانية من أثبتت معاني لا دليل عليها، وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى، فنفت المعنى، وهذا نفي بلا علم بلا شك. والثانية نفت المعنى المراد وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، فصار في ذلك جنايتان: الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ، والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ، نسأل الله الهداية للجميع. أما قولهم: بلا كيف، فهو رد على طائفة منحرفة على ضد الطائفتين المعطلتين، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات، ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين: فوجه الله تعالى- على زعمهم، تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري، وهكذا بقية صفاته ﷿. وهؤلاء أيضًا خالفوا قول الله تعالى خبرًا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . وعصوا أمر الله تعالى نهيًا في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وخلاصة الجواب أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت: أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها، وهو ما يفهم من ظاهرها، على الوجه اللائق بالله ﷿. وقولهم: بلا كيف، رد على الممثلة، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، مجرد القول بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية، لكنها غير معلومة، ولهذا قال الإمام مالك ﵀ في استواء الله على عرشه: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . ***
هذا السائل يقول: يا فضيلة الشيخ البعض من الدعاة يقولون بأنه لا ينبغي أن نعلِّم الناس مسائل توحيد الأسماء والصفات؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا حصل إشكال لهم في أي شيء منها- أي: من الصفات- بينا لهم ذلك، فما رأي فضيلتكم بارك الله فيكم وفي علمكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن الناس في هذا الباب- أي: في باب أسماء الله وصفاته- ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. فطرفٌ يقول مثلما قال هذا السائل عن شخصٍ آخر أنه يقول: لا تبينوا أسماء الله وصفاته؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا سألوا فأجيبوهم. وقسمٌ آخر طرفٌ آخر يقول: بينوا للناس أسماء الله وصفاته، ثم ما يتفرع على هذه الأسماء والصفات من الإشكالات أوردوه عليهم، أو تعمقوا في جانب الإثبات واذكروا كل شيء، حتى إن بعضهم يقول مثلًا: كم أصابع الله؟ كيف استوى على العرش؟ هل لله أذن؟ وما أشبه ذلك من الأمور التي يجب الإعراض عنها؛ لأنها لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، ولو كان ذكرها مما تتوقف عليه العقيدة الصحيحة لكان الله يبينها لعباده: إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والقسم الثالث وسط يقول: علموا الناس ما يحتاجون إليه في هذا الباب، دون أن تتعمقوا وتتكلفوا ما لستم مكلفين به. وهذا القول هو الصحيح، هو الراجح، أن نعلم الناس ما يحتاجون إليه، إلى معرفته في هذا الباب، وأن لا نتكلف علم، ما ليس لنا به علم، بل نعرض عنه. فمثلًا: إذا شاع في الناس مذهبٌ يخالف مذهب السلف، فلا بد أن نبين للناس مذهب السلف في هذا الباب، لو شاع في الناس أن اليدين اللتين أثبتهما الله لنفسه هما النعم، يجب علينا أن نبين أن هذا خطأ، وأن اليدين صفتان لله ﷿، أثبتهما الله لنفسه، وبين جل وعلا أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وأخبر النبي ﷺ (أن الله يبسط يده بالليل ليتوب المسيء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب المسيء بالليل) . وأخبر أن يد الله ملأى سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وأجمع سلف الأمة على أنهما يدان حقيقيتان ثابتتان لله على وجهٍ يليق به، لكن لا تماثلان أيدي المخلوقين، حتى يزول عن الناس الاعتقاد الذي ليس بصحيح، وهو أنهما النعمتان، هذا لا بد منه. لكن إذا كنا في قومٍ لم يطرأ على بالهم هذا الشيء، ولو دخلنا معهم في مسائل تفصيلية لحصل لهم ارتداد، أو لدخلوا في أمورٍ يتنطعون فيها، فهنا نأخذ بما جاء عن السلف، وخاصةً عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: (إنك لن تحدث حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) . وقال عليٌ ﵁: (حدث الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله)؟ أما التعمق في الصفات، وطلب ما لا يمكن العلم به، فإن هذا من التكلف والبدعة، ولهذا لما قال رجلٌ للإمام مالك: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ وكان هذا سؤالًا عظيمًا وقع موقعه في الإمام مالك ﵀، فأطرق برأسه وجعل يتصبب عرقًا، ثم رفع رأسه وقال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يريد بذلك ﵀ أن الاستواء غير مجهول، معروف استوى على كذا يعني: علا عليه، قال الله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) يعني: علوت عليه وركبت فيه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) يعني: إذا علوتم عليه راكبين. فاستوى على العرش يعني: علا عليه علوًا يليق بجلاله وعظمته، هذا معنى قوله: الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول، لم يقل ﵀: الكيف غير موجود، بل قال: الكيف غير معقول، يعني: هناك كيفية استوى الله عليها لكن لا ندري، عقولنا لا تدرك ذلك، وشرعنا لم يأتِ بها، الكتاب والسنة ليس فيهما كيفية استواء الله على العرش، وعقولنا لا تدرك هذا، فانتفى عنها الدليلان العقلي والسمعي، فوجب السكوت، فإذا سئلنا: كيف استوى؟ قلنا: الله أعلم الإيمان به واجب أي بالاستواء واجبٌ على ما أراده الله ﷿ والسؤال عنه بدعة هذا محل الشاهد من كلامنا، هذا السؤال عن الكيفية بدعة، لماذا؟ لأن الصحابة- وهم أحرص منا على معرفة الله، وأحرص منا على العلم، وإذا سألوا سألوا من هو أعلم منا بالإجابة- لم يسألوا النبي ﷺ، لم يقولوا: يا رسول الله كيف استوى؟ مع أنهم يسألون عن أشياء أدق من هذا، لكنهم يعرفون ﵃ أن مثل هذه الأمور لا يمكن العلم بها، لذلك لم يسألوا، وإلا فهم يسألون عما هو أدق، كما سنبين إن شاء. الله أيضًا السؤال عنه بدعة: من سمات أهل البدع؛ لأن أهل البدع هم الذين يحرجون أهل السنة في ذكر الكيفية، يقولون: كيف استوى؟ كيف ينزل إلى السماء الدنيا؟ يحرجونهم ليقولوا: استوى على الكيفية الفلانية، أو ينكروا الاستواء، أو يقولوا: نزل على الكيفية الفلانية، أو ينكروا النزول، فهو من سمات أهل البدع، السؤال عن كيفية الصفات من سمات أهل البدع، ثم إن السؤال عن الكيفية- كيفية الصفات- من التنطع في دين الله، وقد قال النبي ﵊: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . أو بما جاءت به النصوص من أمور الغيب، ولا تسأل عما وراء ما ذكر لك؛ لأنك لن تصل إلى شيء، وإذا سألت عما لم يذكر لك من أمور الغيب ربما تكون من الذين يسألون عن أشياء لا حاجة لهم بها، بل أنت منهم، وربما تقع في متاهات تعجز عن التخلص منها. وقولنا: إن الصحابة ﵃ يسألون عما دون ذلك، أستدل له بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن الدجال يخرج ويمكث في الأرض أربعين يومًا: اليوم الأول كسنة كاملة، يعني: اثني عشر شهرًا، واليوم الثاني كشهر، واليوم الثالث كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا. فالصحابة ﵃ لما قال: يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاةُ يوم واحد؟ قال: (لا، اقدروا له قدره) . فتجدهم أنهم سألوا عن هذا لأنهم مكلفون بالصلوات الخمس في أوقاتها المعلومة، وهذا اليوم سيكون طويلًا، سيكون اثني عشر شهرًا، هل تكفي فيه خمس صلوات؟ لذلك سألوا، فإذا كانوا لم يسألوا الرسول ﵊ فيما يتعلق بصفات الله فإنهم خير سلفٍ لنا نقتدي بهم، ولا نسأل عن كيفية صفات الله، ولا نسأل أيضًا عما لم يبلغنا علمه من هذه الصفات ولا من غيرها من أمور الغيب، كل أمور الغيب الأدب فيها أن يقتصر الإنسان فيها على ما بلغه، وأن يسكت عما لم يبلغه لأنه لو كان في بيانه خيرٌ لبينه الله ورسوله. وأما قول السائل: لا تخبروا العوام بها؛ لأنها من المتشابه. فنقول له: يا أخي ماذا تريد بالمتشابه؟ إذا كانت صفات الله ﷿ وكانت نصوصه الواردة فيها من المتشابه فماذا يبقى بيانًا؟ آيات الصفات من أبين الآيات، أحاديث الصفات من أبين الأحاديث، وليس فيها ولله الحمد شك، كلها معناها معلوم، كلها معناها مفهوم بمقتضى اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن، وكيف ينزل الله علينا شيئًا يتعلق بأسمائه وصفاته ونحن نجهله ولا يمكننا الوصول إليه؟ هذا مستحيل فنقول: إن آيات الصفات وأحاديثها من المعلوم، وليست من المتشابه، فهل يشتبه على أحد قول الله ﵎: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) فلا يدري ما معنى خلق؟ هل يشتبه على أحد قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) أن معناها نفي المماثلة وإثبات السمع والبصر؟ آيات الصفات وأحاديثها ليست من المتشابه، نعم إن أراد القائل بقوله: من المتشابه، يعني: من الذي يشتبه علينا إدراك كيفيته وحقيقته فهذا صحيح، نحن لا نعلم كيفية ما وصف الله به نفسه وكنهه، لكن معناه واضح، ولولا أن معناه واضح ما استطعنا أن ندعو الله بأسمائه، وقد قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . فالمهم أن هذه الكلمة التي أطلقها بعض العلماء على آيات الصفات وأحاديثه وقال: إنها من المتشابه، نقول له: إن أردت أنها من المتشابه معنىً فلا، وإن أردت أنها من المتشابه حقيقةً وكنهًا، وأننا لا ندرك كيفيتها ولا حقيقة كنهها فهذا حق، وليس بغريبٍ أن نعلم معنى الشيء ولا ندرك حقيقته وكيفيته، نحن نعلم معنى الروح التي بين جنبينا، والتي إذا انسلت من الجسد مات الإنسان، نعم نعلم هذا، لكن هل ندرك حقيقتها وكيفيتها؟ لا أبدًا، نحن نعلم ما ذكر الله عن الجنة بأن فيها من كل فاكهةٍ زوجين ونخلًا ورمانًا وما أشبه ذلك، ولكن هل نحن ندرك حقيقة ذلك وكنهه؟ لا؛ لأن الله يقول: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ويقول الله ﷿ في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . والمهم التنبيه على هذه العبارة المتداولة في كلمة المتشابه بالنسبة لأسماء الله وصفاته، حيث يتوصل بها أهل التعطيل إلى أن نسلك مسلكًا سيئًا في ذلك، بحيث نفوض العلم بمعنى أسماء الله وصفاته، كما زعم بعض المتأخرين أن مذهب السلف هو التفويض، أي: تفويض القول بأسماء الله وصفاته إلى الله، وألا نتكلم بشيءٍ من معناها، وهذا القول بالتفويض على هذا الوجه قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: (إنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد) . أما تفويض الحقيقة والكنه فهذا شيء لا بد منه، ولا يضرنا إذا كنا نعلم المعنى، ولكن لا نعلم الكنه والحقيقة التي عليها هذا المسمى والموصوف. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أبو محمد يقول: هل من أسماء الله (الحق) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من أسماء الله تعالى الحق، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) . ولكن نسمع كثيرًا من الناس إذا أراد أن يستشهد بآية قال: قال الحق كذا وكذا، والأولى أن يعبر بما كان السلف يعبرون به فيقول: قال الله كذا، حتى كان النبي ﵊ إذا حدث عن الله ﷿ بحديث قال: قال الله تعالى. فالذي ينبغي لنا أن نتبع ما كان عليه سلفنا في مثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نستشهد بآية قلنا: قال الله تعالى كذا وكذا. ***
يقول السائل: هل الحنَّان، المنان،المحسن، من أسماء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحنان لم يثبت أنها من أسماء الله، وأما المنان فثابت أنها من أسماء الله، والمحسن أيضًا من أسماء الله ﵎. ولهذا ما زال الناس يسمون عبد المحسن، عبد المنان، والعلماء يعلمون بذلك ولا ينكرونها. ***
أحسن الله إليكم هل الحفي من أسماء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هو في القرآن الكريم: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) . ولا أعلمها وردت مطلقة في أسماء الله ﷿، بل هي مقيدة، وبدلًا من أن يدعو الإنسان بقوله: يا حفي احتفِ بي، يقول: يا رحيم ارحمني، وإذا كان عن ذنب يقول: يا غفور اغفر لي، وما أشبه ذلك. ***
تقول السائلة: إن أسماء الله وصفاته على وزن فعيل من صيغ المبالغة، فهل هذا صحيح؟ وهل يصح القول بأن أسماء الله وصفاته من صيغ المبالغة؟ نرجو النصح والتوجيه في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أسماء الله تعالى وصفاته التي جاءت في القرآن وغير القرآن منها ما هو صفةٌ مشبهة- ويعني العلماء بالصفة المشبهة: الصفة اللازمة للموصوف التي لا ينفك عنها- وذلك مثل: العزيز، الحكيم، السميع، البصير، وما أشبهها، هذه صفةٌ مشبهة، بمعنى: أنها صفةٌ لازمة لا تنفك عن الله ﷿. ومن أسماء الله ما يكون صيغة مبالغة، ومعنى صيغة مبالغة أنها دالةٌ على الكثرة، وليس المعنى أنه مبالغٌ فيها دون إرادة الحقيقة، مثل: الرزاق، فإن الرزاق من أسماء الله ﷾، وجاء بهذه الصيغة للدلالة على كثرة من يرزقه الله ﷿، فإنه ما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها، ولكثرة رزقه الذي يعطيه ﷾ لمن يشاء، كما قال الله ﷾: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) . ولعل الطالبة فهمت من قول المدرسة: صيغة مبالغة، أنها صيغةٌ مبالغٌ فيها ولا تعني الحقيقة، وليس هذا هو المراد، بل مراد العلماء من قولهم: صيغة مبالغة، أنها دالة على الكثرة، وبهذا التفصيل وبهذا الشرح لمعنى المبالغة يزول الإشكال. فإذا قلنا مثلًا: إن الرزاق من أسماء الله وهو صيغة مبالغة، فليس معناه أن الله ﷾ لا يرزق، بل معناه أنه كثير الرزق. ***
أبو منار يقول: فضيلة الشيخ ما المقصود من كلام الرسول ﷺ عندما قال: (إنما بعثت رحمة للعالمين)؟ وهل يجوز استنادًا لهذا القول أن نقول بأن محمدًا ﷺ رحيم أو كريم أو عليم أو حكيم، أو إلى ما هنالك من صفات الله عز جل؟ أفيدونا بما علمكم الله وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما وصف النبي ﷺ بأنه رؤوف رحيم فهذا قد جاء في القرآن الكريم، لكنه مقيد بالمؤمنين، فقال الله ﷿: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) . وأما كونه رحمة فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) . لكن ليس معنى الآية أنه هو الرحمة، بل معناه أن الله رحم به الخلق، يعني: ما أرسلناك إلا لنرحم الخلق بك، فإن النبي ﷺ هو الدال على الله ﷿، المبين شريعته، الداعي إليها، فكان بعثه وإرساله رحمة للعالمين في الدنيا والآخرة. وأما قول السائل: وغير ذلك من أوصاف الله وأسماء الله، فلا نقول به؛ لأن من أسماء الله وأوصافه ما يختص به ﷿: فالله هو الجبار، والمتكبر، والقدوس وما أشبه ذلك مما لا يصح أن يوصف به أحد سوى الله ﷿. ***
رسالة بعث بها المستمع محمد صالح عبد الله من حائل يقول: ما حكم التسمية بأسماء هي من أسماء الله أو صفاته، كمثل: رؤوف، وعزيز، وجبار، ونحو ذلك؟ هل تجوز مثل هذه التسمية، أم يجب تغييرها فيمن تسمى بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بأسماء الله ﷿ يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يحلى بأل، أو يقصد بالاسم ما دل عليه من صفة، ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله، كما لو سميت أحدًا بالعزيز والسيد والحكيم وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يسمى به غير الله؛ لأن أل هذه تدل على لمح الأصل، وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم، وكذلك إذا قصد بالاسم وإن لم يكن محلًّى بأل، إذا قصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا يسمى به، ولهذا غير النبي صلى الله وسلم كنية أبي الحكم التي تكنى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه، فقال النبي ﵊: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، ثم كناه بأكبر أبنائه شريح، كناه بأبي شريح، فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظًا بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع؛ لأن هذه التسمية تكون مطابقة تمامًا لأسماء الله ﷾. أما الوجه الثاني: فهو أن يتسمى باسم غير محلًّى بأل، ولا مقصود به معنى الصفة، فهذا لا بأس به، مثل حكم وحكيم، ومن أسماء بعض الصحابة حكيم بن حزام الذي قال له النبي ﵊: (لا تبع ما ليس عندك) . وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به، لكن في مثل جبار لا ينبغي أن يتسمى به وإن كان لم يلاحظ الصفة، وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المسمى فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق، فمثل هذه الأسماء التي قد تؤثر على صاحبها ينبغي للإنسان أن يتجنبها. والله أعلم. ***
بارك الله فيكم من الجزائر أبو بسام يقول: فضيلة الشيخ ما قول أهل السنة والجماعة في رؤية المسلم لربه ﷿ يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول أهل السنة والجماعة في رؤية الله ﷾ يوم القيامة ما قاله الله عن نفسه، وقاله عنه رسوله ﵌ فالله تعالى قال في كتابه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ) يعني: يوم القيامة (نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة الأولى بمعنى حسنة، الثانية من النظر بالعين؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجوه، فالوجوه محل العينين التين يكون بهما النظر، وهذا يدل على أن المراد نظر العين، ولو كان المراد نظر القلب وقوة اليقين لقال: قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ولكنه قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) . ومن ذلك قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالزيادة فسرها أعلم الخلق بمراد الله، رسول الله ﵌ بأنها النظر إلى وجه الله ﷿. ومن ذلك قوله تعالى في الفجار: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فحجب هؤلاء الفجار عن الله يومئذ- يعني: يوم القيامة- يدل على أن غيرهم ينظرون إلى الله ﷿، ولو كان غيرهم لا ينظر إلى الله لم يكن بينهم وبين الفجار فرق. ومن ذلك قوله ﵎: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) . فإن هذه الآية تدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار، ودليل ذلك أنه نفى الإدراك، وهذا يدل على وجود أصل الرؤية، ولو كان أصل الرؤية غير ثابت ما صح أن ينفى الإدراك. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على امتناع رؤية الله ﷿؛ لأن الآية إنما نفت ما هو أخص من الرؤية، وهو الإدراك، ونفي الأخص يستلزم وجوب الأعم، وهو الرؤية، والله ﷿ يرى يوم القيامة ولكن الأبصار لا تدركه، هذا بالنسبة لما جاء في القرآن. أما السنة: فقد ثبت عن النبي ﷺ ثبوتًا متواترًا لا شك فيه إثبات رؤية الله ﷿ يوم القيامة، أي: إنه يرى ﷾. فمن ذلك قوله ﵌: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والأحاديث في هذا متواترة، كما قال بعض العلماء في نظم شيء من المتواتر: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض هذا هو قول أهل السنة والجماعة: أن الله ﷾ يرى يوم القيامة بالبصر رؤية حقيقية، لكنه مع هذه الرؤية لا يمكن إدراكه ﷿؛ لأنه أعظم من أن تدركه الحواس أو الأفهام أو الخواطر. ولكن يبقى النظر: متى تكون هذه الرؤية؟ نقول: هذه الرؤية تكون في عرصات القيامة- أي: قبل دخول الجنة- وتكون كذلك بعد دخول الجنة. يبقى نظرٌ آخر: هل يراه كل الناس في عرصات القيامة أم ماذا؟ نقول: أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله ﷿؛ لقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة، ثم لا يرونه بعد ذلك، وهذا أعظم وأشد حسرة عليهم. وأما المؤمنون فإنهم يرون الله تعالى في عرصات القيامة، كما يرونه بعد دخول الجنة. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني السامعين ممن ينظر إلى الله ﷿، إنه على كل شيء قدير. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي ﷺ لربه أم لا؟ نريد توجيهًا سديدًا في هذه المسألة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي ﷺ لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: (نور أنَّى أراه)؟ وفي رواية: (رأيت نورًا) والله ﷿ قد احتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي ﷺ نفسه نفى أن يكون رأى الله، فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدع أن النبي ﷺ رأى ربه. وما ذكر عن عبد الله بن عباس ﵄ أن النبي ﷺ رأى ربه، فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: إن ابن عباس لم يصرح أن النبي ﷺ رأى ربه بعينه يقظة، وإن قوله- أي: ابن عباس- يعني: أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين. وما قاله شيخ الإسلام ﵀ هو الحق، ولن يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبدًا. ولهذا لما قال موسى ﵊: (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) شوقًا إلى الله ﷿، قال الله له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . فعلق الرب عزوجل على أمر مستحيل؛ لأنه يستحيل على الجبل أن يصمد على رؤية الله ﷿، وهو جبل أصم، حجر غليظ قاسٍ قال الله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) . اندك الجبل أمام موسى يشاهده بعينه، فصعق ﵊ من هول ما رأى. (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فشكر الله له وقال: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) . فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله ﵎ يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يَثْبُتَ لذلك. أما في الآخرة: فقد دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة ﵃ أن الله تعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين، قال الله ﵎: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى ربها ناظرة) . وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بعينه، إذ إن ما تحصل به الرؤية هو العين، وهي موجودة في الوجه، لكن أضاف الله تعالى النظر إلى الوجه: لأن هذه النظرة إلى الرب ﷿ يحصل بها سرور في القلب ونورفي الوجه، حتى كأن الوجه كله ينظر إلى الله ﷿؛ لتأثره بهذه النظرة التي أسأل الله تعالى أن لا يحرمني وإخواني منها. ومن الأدلة على ذلك- على أن الله تعالى يرى في الآخرة- قول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) . وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن، وهو النظر إلى وجه الله ﷿، واستدلوا أيضًا بقول الله ﵎ في الأبرار: (عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) قالوا: إنهم ينظرون الله ﷿، وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم؛ لقوله في الفجار: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا، فهذه أربع آيات من كتاب الله. أما السنة عن رسول الله ﷺ الذي هو أعلم الخلق بالله، وأشدهم تنزيهًا لله- فقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثبوت رؤية الله تعالى في الجنة، حتى إن الرسول ﵊ قال ذلك بوجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار، حيث قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته) . وقال: (إنكم سترون ربكم عيانًا، كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب) . وأما أقوال الصحابة: فقد أجمع الصحابة ﵃ على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر؛ لوضوح الأدلة فيها وصراحتها، وإجماع الصحابة عليها، وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها. أسأل الله ﵎ لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة، والله على كل شيء قدير. ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول: ما هي أنواع الاستواء في لغة العرب؟ وكيف نثبت لله ﷾ صفة الاستواء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستواء في اللغة العربية يأتي لازمًا، ويأتي متعديًا إلى المعمول بحرف الجر، ويأتي مقرونًا بواو المعية، فهذه ثلاثة وجوه للاستواء. أما الأول- وهو أن يأتي مطلقًا غير مقيد بالمعمول، ولا واو المعية-: فإنه يكون بمعنى الكمال، ومنه قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي: كمل، ومنه قول الناس في لغتهم العامية: استوى الطعام، أي كمل نضجه. والقسم الثاني أو الوجه الثاني: أن يأتي مقرونًا بواو المعية، فيكون بمعنى التساوي، كقولهم: استوى الماء والخشبة، أي: تساويا. والثالث يأتي معدًّى بحرف الجر، فإن عدي بعلى صار معناه العلو والاستقرار، وإن عدي بإلى فقد اختلف المفسرون فيه، فمنهم من يقول: إنه بمعنى الارتفاع والعلو، ومنهم من يقول: إنه بمعنى القصد والإرادة. مثال ماعُدِّيَ بعلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وقوله ذلك في سبعة مواضع في القرآن الكريم. ومثال المعدى بإلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) . ولذلك اختلف المفسرون في الاستواء، استوى هنا، فبعضهم قال: معناها علا إلى السماء، ومنهم من قال: معناها قصد وأراد، وعلى كل فاستواء الله على العرش من الصفات الثابتة التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها، وهو أن الله تعالى استوى على عرشه، أي: علا عليه علوًّا خاصًّا ليس كعلوه على سائر المخلوقات، بل هو علو خاص بالعرش، كما قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ) . ولكن هذا الاستواء ليس معلومًا لنا في كيفيته؛ لأن كيفيته لا يمكن الإحاطة بها، ولم يخبرنا الله عنها ولا رسوله، ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . ونحن نعلم معنى الاستواء ونؤمن به ونقره، وهو أنه ﷾ علا على عرشه واستوى عليه، علوًّا واستقرارًا يليق به ﷾، ولكننا لا نعلم كيفية هذا الاستواء، فالواجب علينا أن نمسك عن الكيفية، وأن نؤمن بالمعنى. وأما قول من قال: إن معنى استوى على العرش أي: استولى عليه، فهذا قول لا يصح، وهو مخالف لما كان عليه السلف، ولما تدل عليه هذه الكلمة في اللغة العربية، فلا يعوَّل عليه، بل هو باطل، ولو كان معنى استوى استولى للزم أن يكون الله تعالى مستوليًا على شيء دون شيء، وهوسبحانه وتعالى مستولٍ على كل شيء، وللزم أن يكون العرش قبل هذا ليس ملكًا لله بل ملكًا لغيره، ثم استولى عليه من غيره، وهذه معان باطلة لا تليق بالله ﷾. ***
هذا مستمع من السودان يقول: هذا سؤالٌ يحيرني وأرجو الإفادة عليه، وهو: أن بعض الناس يقولون بأن الله فوق في السماء، وعندنا في السودان علماء التوحيد يقولون بأن الله كان ولا مكان، وهو منزهٌ عن الجهات الست، طبعًا شرق وغرب وشمال وجنوب فوق تحت، نرجو منكم التوجيه حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: علو الله ﷿ على خلقه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فأدلته متنوعة، كل الأدلة الممكنة في إثبات الشيء تدل على أن الله تعالى فوق عباده. أما من القرآن فأدلة ثبوت علو الله على خلقه كثيرةٌ جدًا متنوعة، مثل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرةً. وكذلك الآيات الدالة على أن الأشياء تصعد إليه، كما في قوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) . وكذلك الآيات الدالة على أن الشيء ينزل من عنده، كما قال الله تعالى: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)، والآيات في هذا كثيرة جدًا. وأما السنة فقد دلت بجميع أنواعها على علو الله، دلت بالقول والفعل والإقرار. فالنبي ﵊ يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى)، وخطب الناس في يوم عرفة وقال: (هل بلغت؟ قالوا: نعم. فأشار إلى السماء يقول: اللهم اشهد)، وسأل جاريةً قال: (أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . فاجتمع من السنة القول والفعل والإقرار على علو الله ﷿، وأنه فوق كل شيء. وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة، وأئمة الهدى من بعدهم، على أن الله تعالى فوق كل شيء، ولم يرد عنهم حرفٌ واحد في نفي علو الله ﷿، بل كانوا مجمعين على أن الله تعالى فوق كل شيء. وأما العقل: فإن كل إنسان يعلم بعقله أن العلو صفة كمال، وأن الرب ﷿ له صفة الكمال المطلق، فإذا كان العلو صفة كمال فإن فوات العلو صفة نقص، والله ﷿ منزهٌ عن النقص، فوجب أن يثبت له العلو؛ لأنه صفة كمال. وأما الفطرة: فما من أحدٍ يقول: يا رب، إلا وجد من قلبه ضرورةً بطلب العلو، ولهذا يرفع يديه إلى السماء، واسألوا الذين يسألونه ويدعونه: أين يوجهون أيديهم؟ هل يوجهونها إلى الأرض أو إلى السماء؟ أو إلى اليمين أو إلى الشمال؟ إنهم يوجهونها جميعًا إلى السماء، وهذا أمرٌ فطري لا يختلف فيه اثنان، إلا من اجتالته الشياطين عن الفطرة، وأنكر هذا الأمر الذي فطر عليه الخلق. وإذا كان كذلك فإننا نقول: إن الله كان ﷿ كان ولم يكن شيء قبله، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وكان عاليًا ﷿ قبل أن يخلق العرش، ولما خلق السماوات والأرض استوى على العرش، كما قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، فكان استواء الله على عرشه بعد خلقه. وهنا نقول: استواء الله على عرشه حين خلق السماوات والأرض تدل الآية الكريمة أنه لم يكن، أما قبل ذلك فالله أعلم، وأما بعد ذلك- أي: بعد خلق السماوات والأرض- فإن الآية تدل على أن الله استوى على عرشه. وأما قولهم: إن الله تعالى منزه عن الجهات الست، فهذا غاية التعطيل والعياذ بالله؛ لأنهم إذا قالوا: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف، فإن هذا هو العدم المحض والتعطيل المحض، أين يكون؟ وإذا قلنا: إن الله تعالى في جهة العلو، العلو الذي ليس فوقه شيء، فليس في هذا من نقصٍ في حق الله ﷿؛ لأن العلو على جميع المخلوقات ليس فيه شيء من المخلوقات يمكن أن نقول إنه محاذٍ لله ﷿، بل كل شيء من المخلوقات فإن الله ﷿ فوقه، ولا يحاذي الله ﷿ شيئًا من مخلوقاته، وعين النقص في إثبات مثل ذلك. وأين الوجود إذا قلنا: إن الله تعالى خالٍ من الجهات الست؟ نعم نقول: إنه لا يمكن لجهة أن تحيط بالله؛ لأن الله تعالى محيطٌ بكل شيء، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، فإذا كان فوق كل شيء فإن ما فوق الأشياء ليس أمرًا وجوديًا حتى نقول: إن هذا يقتضي أن يشارك المخلوق الخالق في علوه ﷿، والواجب على الإنسان أن يؤمن إيمانًا قطعيًا بأن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه العلي الأعلى، وأنه ﷾ له العلو المطلق: علو الذات، وعلو الصفات، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على ذلك. ***
بارك الله فيكم هذا السائل تجاني إسماعيل سوداني ومقيم بالمملكة يقول: أستفسر عن الآيات الكريمة التالية، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) . والآية الأخرى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . يقول: على حُسْنِ قول الناس منهم مَنْ يقول بأن الله موجود في السماء، والبعض يقول بأن الله موجود في كل مكان. اشرحوا لنا ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة عظيمة مهمة، وذلك أن الله ﷾ وصف نفسه بأنه العلي، وأنه الأعلى، وأنه القاهر فوق عباده، وأن الأمور تتنزل من عنده وتعرج إليه، وأنه في السماء، وكل هذا يدل على علوه جل وعلا، وأنه فوق كل شيء. فأما قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك الألوهية، لا ذات الرب ﷿، فقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، فقول القائل: فلان أمير في المدينة وفي مكة، مع أنه في إحداهما وليس فيهما جميعًا وإنما إمرته ثابتة في المدينة وفي مكة، فالله تعالى إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض، وأما هو نفسه جل وعلا ففوق سماواته على عرشه، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الآية وبين قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ومعنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: إنه علا على العرش؛ لأن استوى في اللغة العربية إذا عديت بعلى صار معناها العلو، كقوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت، وقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) - أي: تعلوا على ظهوره- (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي: علوتم عليه، فهو سبحانه تعالى مستوٍ على العرش أي: عال عليه، وهذا العلو ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات، بل هو علو خاص مختص بالعرش، ولهذا يقال: استوى على العرش، ولا يقال: استوى على السماء، ويقال: علا على العرش وعلا على السماء، فالاستواء على العرش علو خاص ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات. وقد أخطأ وضل من فسر الاستواء هنا بالاستيلاء والملك، أخطأ من عدة أوجه: الوجه الأول: أنه مخالف لمقتضى اللغة العربية، فلم تأتِ استوى على كذا بمعنى استولى عليه في اللغة العربية، وها هو كلام العرب بين أيدينا لا نعلم أنَّ منهم من عبر عن الاستيلاء بالاستواء أبدًا، فأما ما قيل: قد استوى بِشرٌ على العراق من غير سيف أو دم مهراق فإننا نطالب أولًا بصحة النقل عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك، ثم على فرض أنه ثبت عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص فإنَّ هنا قرينةً تمنع أن يكون المراد بذلك العلو على العراق؛ لأن الرجل لا يمكن أن يعلو على العراق علوًا ذاتيًا، وحينئذ يكون المراد به العلو المعنوي وهو الاستيلاء، أما علو الله تعالى نفسه على عرشه فلا مانع منه لا عقلًا ولا سمعًا. ثانيًا: أن نقول: إن تفسير الاستواء بالاستيلاء مخالف لما كان عليه السلف الصالح وأئمة الخلف، فإنهم مجمعون على أن استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولم يأت عن أحد منهم حرف واحد يدل على أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء، ومعلوم أن مخالفة السلف ضلال وخروج عن جماعة الحق. ثالثًا: أنه يلزم على تفسير (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) استولى عليه أن يكون العرش قبل هذا ملكًا لغير الله، وأن الله تعالى بالمعالجة حصل عليه من غيره، وهذا لازم باطل جد البطلان. رابعًا: أننا إذا فسرنا استوى باستولى لجاز أن نقول: إن الله استوى على الأرض، وعلى الإنسان، وعلى الجمل، وعلى السفينة، وعلى كل شيء؛ لأنَّ الله تعالى مستولٍ على كل شيء ومالكٌ له، ومعلوم أنه لا أحد يُسَوِّغ أن يقول القائل إن الله استوى على الإنسان، أو على الأرض، أو ما أشبه ذلك. خامسًا: أنَّ الذين فسروه بالاستيلاء مضطربون ومختلفون، واضطراب أهل القول فيه يدل على عدم رسوخه وعدم صحته، وعلى هذا فلا يحل لأحدٍ أن يفسر قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أو قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأن المعنى استولى عليه من أجل هذه الوجوه التي ذكرناها، فالاستواء على العرش يلزم منه العلو المطلق على جميع المخلوقات، وأن الله تعالى عال بنفسه على جميع المخلوقات، ولا يعارضه ما ذكره السائل من قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)؛ لما ذكرنا في صدر الجواب. ونظير هذه الآية- أعني قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) - قوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) فقال: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) وليس المعنى أنه نفسه في السماوات وفي الأرض، ولكن المعنى: أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض. وليعلم أن اعتقاد أن الله تعالى نفسه في كل مكان اعتقاد باطل، لو شعر الإنسان بلوازمه الباطلة ما تفوه به؛ لأنه يلزم من هذا القول أن يكون الله تعالى في كل مكان من الأماكن الطيبة والأماكن الخبيثة، بل لَلَزِمَ منه أن يكون الله تعالى في أجواف الحيوانات وأجواف الناس وما أشبه ذلك، ثم يلزم من هذا أحد أمرين: إما أن يتعدد بتعدد الأمكنة، وإما أن يكون متجزئًا بعضه هنا وبعضه هناك، وكل هذه لوازم فاسدة، تصورها كاف في ردها وإفسادها. ومَنْ قال: إن الله تعالى نفسه في كل مكان، فهو ضال مبتدع ما قَدَر الله حق قدره، ولا عرف عظمته جل وعلا، وكيف يكون في كل مكان وهو الذي قد وسع كرسيه السماوات والأرض؟ (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . فليتق الله قائل هذا، وليتب إلى ربه قبل أن يدركه الموت على هذه العقيدة الفاسدة، ويلقى ربه على خبث العقيدة وفساد الطوية، نسأل الله السلامة. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا: أين الله؟ فأجيب: بأنه في السماء، واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة، ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، أليس توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء، كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه، حيث قال ﷾: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) . وكما شهد بذلك رسول الله ﷺ، حين أقر الجارية التي سألها: (أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . وكما أشار إلى ذلك ﷺ في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة، حين خطب الناس خطبته الشهيرة فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد)، وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس، فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء. وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو، والعلو صفة كمال، والرب ﷾ قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله ﵎، فثبت له ذلك عقلًا. كذلك في الفطرة: فإن الناس مفطورون على أن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئًا، حينما يقول: يا رب، لا يجد في قلبه التفاتًا يمينًا ولا يسارًا ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو، بمقتضى الفطرة التي سلمت من اجتيال الشياطين، وما من أحد يصلى فيقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء. وقد انعقد إجماع السلف على ذلك، كما ذكر ذلك الأوزاعي وغيره. وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته. ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله وأنها محيطة به، فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه، وهو ﷾ غني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه ﷾، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء، وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل، بأنه إذا قلنا بأن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له ﷿، وليس الأمر كذلك. فإن قال قائل: قوله: في السماء، قد يفهم أن السماء تحيط به؛ لأن (في) للظرفية، والمظروف يكون الظرف محيطًا به. فالجواب: أن ذلك ليس بصحيح؛ لأن السماء بمعنى العلو، وأن السماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن، كما في قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) . والماء ينزل من السحاب، والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ) أي: أنزل من العلو، ويكون معنى قوله: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من في العلو. وهناك وجه آخر بأن نجعل (في) بمعنى (على)، ونجعل السماء هي السماء السقف المحفوظ، ويكون معنى (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من على السماء، وإذا كان عاليًا عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به. ولا يمكن أن تكون محيطة به. (وفي) تأتي بمعنى (على)،كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ) أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون: (وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي: على جذوع النخل، بكل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة. ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله ﷿، وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة على وجه مجرد عن الهوى، ومجرد عن التقليد، حتى يتبين له الحق، ويعرف أن الله ﷿ أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته. أما قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فإن الاستواء بمعنى العلو، كما في قوله تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) أي: تعلو عليها. وكما في قوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت. فالاستواء في اللغة العربية بمعنى العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبدًا، ولو كان هذا صحيحًا لبينه الله ﷿ في القرآن ولو في موضع واحد، والاستواء على العرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبدًا، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه. وليس في سنة رسول الله ﷺ حرف واحد يدل على أن الاستواء- أي: إن استواء الله على عرشه- بمعنى استيلائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة أن استواء الله على العرش بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى العلو والاستقرار والارتفاع والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح لقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وما أشبهها من الآيات، أي: الرحمن على العرش علا علوًا خاصًا يليق بجلاله ﵎، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجًا إلى العرش، بل إنه لا يقتضي ذلك أبدًا، فإنه قد علم أن الله تعالى غنيٌّ عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه. فنرجو من الأخ السامع للجواب، الأول أن يرد إليه هذا الجواب حتى يتبين له الحق، بأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد، حتى يكون قلبه سليمًا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ***
يقول السائل: ما حكم الخوض في ذات الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الخوض في ذات الله ﷿؛ لأن الوصول إلى معرفة حقيقة ذات الله ﷿ مستحيلة، ومن رام ذلك فقد يقع في هلاك وشقاء. نعم يفكر ويتأمل في أسماء الله وصفاته، كما قال ﷿: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ***
يقول السائل: لقد سمعت بيتًا لأحد السلف الصالح، ولكنه التبس عليَّ الشطر الأخير وشككت فيه من الناحية العقائدية، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي معنى هذا البيت، وهل هو صحيح من ناحية الاعتقاد أم لا؟ البيت هو: إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيب إلى أن قال: ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب فأجاب رحمه الله تعالى: هذان البيتان صحيحان، فإذا خلا الإنسان يومًا من الدهر فلا يقل: إني خلوت؛ لأن عليه رقيبًا من الله ﷿، كما قال الله ﷿: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . فالإنسان مهما اختفى عن الناس فإنه لن يخفى على الله، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) . ولا تظن أنك إذا اختفيت فإن الله ﷾ يغفل عنك أو لا يعلم بك، فإن الله تعالى يقول: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) . فهو ﷾ محيطٌ بكل شيء علمًا، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم ما ظهر وما بطن. ***
هذه رسالة من المخلصين عبد الله محمد أحمد الرياض منظور أحمد قريشي أحمد حسين، يقول الإخوة: الموضوع يوجد بطاقات مكتوب عليها أسماء الله ﷻ، مثل هذه الصورة التي بجانب الرسالة- وقد ضمنوا هذه الرسالة صورة لكسوة الكعبة، وعليها آيات من كتاب الله المبين- يقول: ترمى في الأرض من قبل ناس لا يعرفون الإسلام، يقول هذه فقط إشارة، وما تنصحون الباعة بذلك، أو من يهمه الأمر بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كثرت في الناس على أوجه متعددة، منها بطاقات تحمل لفظ الجلالة الله وأخرى إلى جانبها تحمل محمد، ثم توضع البطاقاتان متوازنتين على الجدار أو على لوحة أو ما أشبه ذلك، ونحن نتكلم على هذه الصورة. أولًا: ما فائدة تعليق كلمة الله فقط ومحمد فقط؟ إذا كان الإنسان يظن أنه يستفيد من ذلك بركة فإن البركة لا تحصل بمثل هذا العمل؛ لأن هذا ليس بجملة مفيدة تكسب معنى يمكن أن يحمل على أنه للتبرك، ثم إن التبرك بمثل هذا لا يسوغ؛ لأن التبرك بالله وأسمائه لا يمكن أن يستعمل إلا على الوجه الذي ورد؛ لأنه عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف. ثم إن هذا الوضع الذي أشرنا إليه سابقًا: أن توضع كلمة الله وبجانبها موازيةً لها كلمة محمد، هذا نوع من التشريك والموازنة بين الله وبين الرسول ﷺ، وهذا أمر لا يجوز، وقد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي ﷺ: (أجعلتني لله ندا؟ ً بل ما شاء الله وحده) . ثم إن التبرك بمجرد وضع اسم النبي ﷺ أيضًا لا يجوز، التبرك إنما يكون بالتزام شريعة النبي ﷺ والعمل بها. هذه صورة مما يستعمله الناس في هذه البطاقات، وقد تبين ما فيها من مخالفة للشرع. أما بالنسبة للصورة الثانية التي أشار إليها الأخ السائل، فهي أيضًا جوازها محل نظر، وذلك لأن الأصل في كتابة القرآن على الأوراق والألواح، الأصل فيه الجواز، لكن تعليقه أيضًا على الجدران في المنازل لم يرد ذلك عن السلف الصالح ﵏، لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ولا عن التابعين، ولا أدري بالتحديد متى حصلت هذه البدعة، هذا في الحقيقة بدعة؛ لأن القرآن إنما نزل ليتلى لا ليعلق على الجدران وغيرها، ثم إن في تعليقه على الجدران، فيه مفسدة، زائدًا على أن ذلك لم يرد عن السلف، تلك المفسدة هي أن يعتمد الإنسان على هذا المعلق، ويعتقد أنه حرز له، فيستغني به عن الحرز الصحيح، وهو التلاوة باللسان، فإنها هي الحرز النافع، كما قال النبي ﷺ في آية الكرسي: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فالإنسان إذا شعر أن تعليق هذه الآيات على الجدران مما يحفظه، فإنه سيشعر باستغنائه بها عن تلاوة القرآن، ثم إن فيها نوعًا من اتخاذ آيات الله هزوًا، لأن المجالس لا تخلو غالبًا من أقوال محرمة من غيبة أو سباب وشتم، أو أفعال محرمة، وربما يكون في هذه المجالس شيء من آلات اللهو التي حرمها الشرع، فتوجد هذه الأشياء والقرآن معلق فوق رؤوس الناس، فكأنهم في الحقيقة يسخرون به؛ لأن هذا القرآن يحرم هذه الأشياء، سواء كانت الآية المكتوبة هي الآية التي تحرم هذه الأشياء أو آية غيرها من القرآن، فإن هذا بلا شك نوع من الاستهزاء بآيات الله. لذلك ننصح إخواننا المسلمين عن استعمال مثل هذه التعليقات، لا بالنسبة لاسم من أسماء الله أو أسماء الرسول ﷺ، أو آيات من القرآن، ويستعملوا ما استعمله سلفهم الصالح، فإن في ذلك الخير والبركة. بالنسبة لما أشار إليه الأخ من أن هذه البطاقات التي يكتب عليها القرآن ترمى في الأسواق، وفي الزبل وفي مواطئ الأقدام، فهذا أيضًا لا يجوز؛ لما فيه من امتهان القرآن الكريم، لكن المخاطب بذلك من هي في يده، إلا أن الباعة الذين يبيعونها إذا علموا أن هذا يفعل بها غالبًا يكون ذلك موجبًا لتحريم بيعها والاتجار بها؛ لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا كان العقد وسيلة لازمة أو غالبةً إلى شيء محرم فإن ذلك العقد يكون حرامًا؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأظن أن الإجابة على السؤال انتهت. أما بالنسبة لتعليق القرآن على المرضى، سواء كانت أمراضهم جسدية أو نفسية للاستشفاء بها، فإن هذه موضع خلاف بين السلف والخلف، فمن العلماء من يجيز ذلك؛ لما يشعر به المريض من راحة نفسية، حيث إنه يحمل كلام الله ﷿، وشعور المريض بالشيء له تأثير على المرض زيادةً ونقصًا وزوالًاَ كما هو معلوم. ومن العلماء من قال: إنه لا يجوز، وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أن يستعمل مثل ذلك للاستشفاء، وإنما الاستشفاء بقراءة ما ورد على المريض، وإذا كان لم يرد عن الشارع أن هذا سببٌ فإن إثباته سببًا نوع من الشرك، ذلك لأنه لا يجوز أن نثبت أن هذا الشيء سبب إلا بدليل من الشرع، فإذا أثبتنا سببيته فمعنى ذلك أننا أحدثنا أمرًا لم يكن في الشرع، وهذا نوع من الشرك. ***
بارك الله فيكم المستمع م. أ. أ. من القصيم يقول: أسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . لأنني قرأت بعض التفاسير، وخشيت أن يكون في بعضها ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك في قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) . نريد الجواب الشافي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحب أن أنبه على قول السائل: إنه يسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . فإن ظاهر لفظه أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من مقول الله، والذي ينبغي إذا أراد أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أن يقدمها على قول الله، فيقول مثلًا: أسأل عن هذه الآية ثم يذكرها، أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما معنى قوله تعالى كذا وكذا. وأما بالنسبة لسؤاله: فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، بدون تحريف، بل يجرى الكلام على ظاهره؛ لأن المتكلم به- وهو الله ﷿ أعلم بنفسه من غيره، ولأنه ﵎ أصدق القائلين، وكلامه أفصح الكلام وأبينه، ومراده ﷿ من عباده أن يهتدوا ولا يضلوا، وكذلك رسول الله ﷺ هو أعلم الناس بربه، وكلامه أصدق كلام الخلق وأفصحه، ومراده ﷺ هداية الخلق دون ضلالهم، وهذه الصفات الأربع: العلم والصدق والفصاحة وإرادة الخير، إذا توافرت في كلام فقد بلغ الغاية في وجوب الأخذ بمدلوله على ظاهره، ولا يجوز أن يحرف إلى غير الظاهر. وبناء على هذه القاعدة العظيمة نقول: إن كل ما وصف الله به نفسه من الصفات فهو حق على ظاهرها، ففي الآية الأولى التي ذكرها قال الله ﵎ عن المنافقين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . قال ذلك ﷿ ليبين أن خداعهم ومكرهم دون خداع الله تعالى لهم ومكره بهم، فهو كقوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) . والخداع ليس وصفًا مطلقًا بالنسبة لله، ولكنه وصف في مقابلة من يخادعونه؛ ليبين أنه ﷿ أقدر منهم على الخداع والمكر، وهذا لا شك يدل على القوة وعلى ضعف المقابل، وليس به أي نقص يتوجه إلى الله ﷿، ولهذا نرى الناس إذا أرادوا أن يخدعوا شخصًا فعرف خداعهم وخادعهم علموا أنه أقوى منهم وأشد، فالخداع في مقابلة المخادع صفة كمال وليس صفة نقص. ويذكر أن علي بن أبي طالب ﵁ لما بارز عمرو بن ود وخرج إليه عمرو قال علي: إني لم أخرج لأبارز رجلين فالتفت عمرو يظن أنه قد لحقه آخر، فلما التفت ضربه علي حتى أهلكه، فهذا من الخداع الجائز، لأن عمرو بن ود إنما خرج من أجل أن يقتل عليًا ﵁، والحرب خدعة، فخدعه علي ﵁ بهذه الكلمة حتى قضى عليه، ويعد هذا من قدرة علي ﵁ وقوته في خداع خصمه. ولهذا نقول: إن الخداع والاستهزاء والمكر والكيد الذي وصف الله به نفسه إنما يوصف الله به في مقابل من فعل ذلك، لا على سبيل الإطلاق. ولهذا ننبه على مسألة يقولها بعض العامة، يقولون: خان الله من يخون، فيظنون أن الخيانة مثل الخداع، وهذا ليس بصحيح، لأن الخيانة خداع في غير موضعه، ومكر في غير موضعه، فلا يجوز أن يوصف الله بها، ولهذا قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم) ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة وصف لا يليق بالله تعالى مطلقًا؛ لأنه مذموم على كل حال. فضيلة الشيخ: قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية كما قلنا في الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . وكما أشرنا إلى آية ثالثة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وإلى آية رابعة: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا. ً وَأَكِيدُ كَيْدًا) . ***
يقول السائل: مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها له من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، فكيف نفسر الآيات الكريمات، الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا)، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب السلف الصالح الذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو: أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل، أي: دل عليه الشرع والعقل، وذلك لأن صفات الله ﷾ مجهولة لنا، لا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به عن نفسه، وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق؛ لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره، ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة، وعلى هذا فما وصف الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به، لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة، بمعنى: أننا لا ندرك كيفيته، فمثلًا استواء الله على عرشه أثبته الله تعالى لنفسه في سبعة مواضع من كتابه العزيز، فنحن نعلم عن الاستواء على الشيء أنه العلو عليه، كما قال الله ﵎: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) . ولكننا لا نعلم كيفية استواء الله تعالى على عرشه، يعني: لا نعلم على أي صفةٍ هو، ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عليه عن ذلك، فقال له رجل: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقًا من شدة ما سمع من السؤال وهيبته وتعظيمه لله ﷿، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يعني: أن الاستواء غير مجهول في اللغة العربية، بل هو معلوم، فإن اللغة العربية تدل على أن استوى على الشيء بمعنى علا عليه، والقرآن نزل باللغة العربية، كما قال الله ﵎: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي: صيرناه باللسان العربي من أجل أن تعقلوه وتفهموه. فقوله ﵀: الاستواء غير مجهول، أي: معلوم المعنى واضح المعنى. والكيف غير معقول، أي: إن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية استواء الله على عرشه، وهكذا بقية الصفات لا يمكن لعقولنا القاصرة أن تدرك كيفيتها. والإيمان به واجب، أي: الإيمان بالاستواء على ما تقتضيه اللغة العربية واجب؛ لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب علينا قبوله والإيمان به. والسؤال عنه- أي: عن الاستواء، أي: عن كيفيته- بدعة، أي: إنه من ديدن أهل البدع، وهو أيضًا بدعة لكون الصحابة لم يسألوا عنه رسول صلى الله عليه وعلى آله سلم. فالقاعدة العريضة للسلف الصالح وأئمة المسلمين هي: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. واعلم أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم كمال مطلق بكل حال، فهو يوصف الله به وصفًا مطلقًا على كل حال، كالسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام وما أشبهها. وقسم آخر لا يكون كمالًا على كل حال، لكنه كمال في موضعه، كالآيات التي ذكرها السائل، فإن الله لا يوصف بها مطلقًا، أي: على سبيل الإطلاق، وإنما يوصف بها حيث تكون كمالًا، كما سيتبين إن شاء الله من الكلام على كل آية وحدها. فقوله تعالى في الآية الأولى: (الله يستهزئ بهم) أي: المنافقين؛ لأن المنافقين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) أي: مستهزئون بالمؤمنين حيث نقول لهم: إننا آمنا، وهم لم يؤمنوا، فقال الله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . فقابل استهزاءهم بالمؤمنين باستهزائه ﵎ بهم، وذلك حيث مكن لهم وأمهلهم واستدرجهم من حيث لا يعلمون، فهذا استهزاء في مقابلة استهزاء، واستهزاء الله تعالى أعظم وأكبر من استهزائهم بالمؤمنين. والآية الثانية: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وهذه أيضًا في المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، وفي آية أخرى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ) . والمخادعة وصف محمود إذا وقع في محله، ولهذا قيل: الحرب خدعة، فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والذين آمنوا ويغرونهم ويرونهم أنهم مؤمنون- وهم غير مؤمنين- خداعًا ومكرًا وكيدًا، فيقول الله ﷿: إن الله خادعهم، وذلك بإمهاله لهم واستدراجه لهم وحقن دمائهم ومعاملتهم معاملة المسلمين، لكنه ﷿ سيريهم العذاب الأليم حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، وهذا لا شك خداع بهم، حيث يعاملهم ﷾ معاملة الرضا وهم على العكس من ذلك. الآية الثالثة: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا) . إنهم يعني: المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكيدون للنبي صلى الله عليه كيدًا عظيمًا، ولكن الله تعالى يكيد بهم كيدًا أعظم. وتأمل قوله: (يَكِيدُونَ) حيث أتى بصيغة الجمع (وَأَكِيدُ) حيث أتى بصيغة الإفراد، فإن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت والكيد والمكر متقاربان، ومعناهما: الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، يعني: أن يوقع الإنسان بخصمه من حيث لا يشعر به، وقد كاد الله تعالى لنبيه ﷺ مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيدًا عظيمًا، كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وفي الآية الأخيرة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هذه أيضًا كقوله: (إنهم يكيدون كيدًا. وأكيد كيدًا) يعني: أن الكفار يمكرون بأولياء الله ﷿، ولكن الله تعالى يمكر بهم، فيقابلهم بما هو أعظم وأشد من مكرهم، ولهذا قال: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أي: أعظمهم وأشدهم. والمكر- كما قلت آنفًا- هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، فهو دليل على القوة والعلم والقدرة، فيكون في مقابلة الفاعل صفة مدح وكمال، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه ماكر على سبيل الإطلاق، أو بأنه خادع، أو بأنه كائد، أو بأنه مستهزئ على وجه الإطلاق، بل يقال: إنه ﷾ ماكر بمن يمكر به، ومستهزئ بمن يستهزئ به، وهكذا. ***
الإيمان بالملائكة
جزاكم الله خيرًا يقول هذا السائل إبراهيم من الرياض: ما هي أهمية الإيمان بالملائكة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالملائكة أهميته عظيمة؛ لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) . أما كيف نؤمن بهم؟ فنؤمن بأنهم عالم غيبي خلقوا من نور، وجعل الله منهم رسلًا ومنهم عبادًا، وهم على قوة عظيمة، ولا سيما جبريل ﵇، فقد وصفه الله بأنه ذو قوة فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) . وهم في وظائفهم أقسام: منهم ملائكة مع الإنسان عن اليمين وعن الشمال يكتبون أعماله الحسنة والسيئة، ومنهم ملائكة يحفظون الإنسان من أمر الله ﷿ يتعاقبون بالليل والنهار، هؤلاء في الليل وهؤلاء في النهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الأموات بعد الدفن. المهم أنهم عالم غيبي عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط) - والأطيط هو صرير الرحل، رحل البعير، إذا حمِّل وصار البعير يمشي، يكون له أطيط، أي: صرير- يقول: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور الذي في السماء السابعة: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه في اليوم الثاني، بل يأتي غيرهم، إلى يوم القيامة) أو إلى ما بعد ذلك الله أعلم. المهم أنهم جنود لا يعلمهم إلا الله ﷿، فنؤمن بما عرفنا من أسمائهم، ونؤمن بما عرفنا من أوصافهم، ونؤمن بما عرفنا من وظائفهم، وما عدا ذلك فالله أعلم. ***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية والذي رمز لاسمه بـ م ل م يقول: فضيلة الشيخ نود أن تعطونا نبذة عن خلق الملائكة، وهل تأتي على صورة حيوان؟ ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الملائكة عالم غيبي خلقهم الله ﷾ من نور، وكلفهم بما شاء من العبادات والأوامر، واصطفى منهم رسلًا، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) . فمنهم الرسل الموكلون بالوحي، كجبريل ﵊. ومنهم الرسل الموكلون بقبض أراوح بني آدم، كما قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . ومنهم الكتبة الذين يكتبون أعمال بني آدم، ومنهم الحفظة الذين يحفظونهم من أمر الله، ومنهم السياحون الذين يسيحون في الأرض يتلمسون حلق الذكر، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من أعمالهم ووظائفهم. وأما أوصافهم: فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه رأى جبريل وله ستمائة جناح قد سد الأفق، ولكن مع هذا له قدرة بإذن الله ﷿ أن يكون على صورة إنسان، كما جاء جبريل إلى النبي ﵊ على صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي ﷺ، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأشراطها، وكما جاء إليه بصورة دحية الكلبي، وكما أخبرنا النبي ﵊ في قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك جاء إلى كل واحد منهم وسأله عن أحب ما يكون إليه، ثم بعد أن أنعم الله عليهم بإزالة العيوب وبالمال عاد إليهم الملك بصورة كل واحد منهم قبل أن يزول عنه العيب ويحصل له الغنى، والقصة معروفة مشهورة. ثم إن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قدرة عظيمة، وسرعة عظيمة في الطيران والوصول إلى الغايات، ألم تر إلى قول سليمان ﵊: (يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مسلمين) أي: عرش بلقيس، وهو السرير الذي تجلس عليه، وهو عرش عظيم. (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) . قال أهل العلم: إن هذا الرجل دعا الله ﷿، فحملت الملائكة العرش حتى وضعته عند سليمان ﵊. ثم ألم تر إلى الإنسان يموت فتقبض الملائكة روحه، وتصعد بها إلى الله ﷿ إذا كان مؤمنًا إلى ما فوق السماوات، وتعاد إليه روحه إذا دفن في قبره؟ وكل هذا يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قوة عظيمة وسرعة عظيمة. ومن أراد أن يقف على شيء من أوصافهم وأحوالهم فليرجع إلى الكتب المصنفة في ذلك، منها كتاب البداية والنهاية لابن كثير ﵀. ***
المستمعة أشواق تقول: إن الله ﷾ قد خلق لنا كرامًا كاتبين، يكتبون كل ما نقول ونفعل. السؤال: ما الحكمة من خلقهم؟ مع العلم بأن الله ﷾ يعلم ولا يخفى عليه ما نسر وما نعلن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن نقول: أولا: ً مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك، فإن كثيرًا من الأشياء لا نعرف حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) . فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه؟ وجعل الخيل على هذا الوجه؟ وجعل الحمير على هذا الوجه؟ وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سُئلنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله ﷿ جعل صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، وصلاة العشاء أربعًا؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك، إذ قد يقول قائل: لماذا لم تجعل ثماني أو ستًا؟ ولهذا علمنا أن كثيرًا من الأمور الكونية وكثيرًا من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو الأشياء المشروعة إن منّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لم ينقصنا شيئًا. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو: ما الحكمة في أن الله وكل بنا كرامًا كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك بيان أن الله ﷾ نظم الأشياء وقدرها، وأحكمها إحكامًا متقنًا، حتى أنه ﷾ جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كرامًا كاتبين يكتبون ما يفعلون، مع أنه ﷾ عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله ﷿ بالإنسان، وكمال حفظه ﵎، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام. ***
بارك الله فيكم المستمعة من المدينة المنورة أم عبد الله تقول: فضيلة الشيخ بعض الناس يقومون بوضع البخور في بيوتٍ قديمة، يدعون أنهم يبخرونها للملائكة، ويضعون قطعًا من القماش ويبخرونها. فما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هؤلاء جماعة من الخرافيين السفهاء في عقولهم، الضالين في عملهم؛ لأن الملائكة لا يمكن أن تكون أماكنها الأماكن الخربة، الأماكن الخربة يمكن أن تكون مأوى الجن أو الشياطين، أما الملائكة فإن مأواها في الأرض هي بيوت الله ﷿، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أكل بصلًا أو ثومًا قال: (فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وأضل من ذلك أن يبخروا هذه الأماكن، وكذلك يجعلون قطعًا من القماش ويبخرونها، وكل هذا ضلال في الدين وسفه في العقل. والواجب على من علم بذلك أن ينكر على من فعلها، ويبين له أن هذا خطأ عظيم، وأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أجل وأكرم عند الله من أن يجعل مأواهم هذه البيوت الخربة. ***
يقول السائل: هل هناك أدلة تدل على أفضلية الملائكة على الصالحين من بني البشر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- وهي: المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من البشر- محل خلاف بين أهل العلم، وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص، ولكن القول الراجح أن يقال: إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية، فإن الله ﷾ يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم، بل إن الملائكة في مقرهم- أي: في مقر الصالحين، وهو الجنة- يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، وجبلوا على طاعة الله ﷿ والقوة عليها، كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار: (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) . وقال ﷿: (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة. وبعد فإن الخوض فيها، وطلب المفاضلة بين صالح البشر والملائكة، من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به. والله المستعان. ***
الجن والشياطين
جزاكم الله خيرًا عبد المجيد محمد له هذا السؤال يقول: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشياطين يكونون من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) . بل يكون الشيطان من غير العقلاء، كما قال النبي ﷺ: (الكلب الأسود شيطان) . وأما الجن فإنه من ذرية إبليس، كما قال الله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) . ***
هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين يقول: أخوكم في الله ريكان غيلان الضامن من الجمهورية العراقية يقول: نحن نعرف أن إبليس هو أبو الشياطين، فكيف تتكاثر الشياطين وكيف تتناقص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة ﷾: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) . فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته، ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم. ***
السائل أنور محمد إبراهيم من العراق محافظة ذي قار يقول: كيف هي حقيقة حياة الجن؟ وهل بينهم تزاوج شرعي؟ وهل هم يعيشون ويموتون مثلنا نحن الإنس؟ وهل لهم تأثير على الإنس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة حياة الجن الله أعلم بها، ولكننا نعلم أن الجن أجسام لها حقيقة، وأنهم خلقوا من النار، وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون أيضًا، ولهم ذرية، كما قال الله تعالى في الشيطان: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) . وأنهم مكلفون بالعبادات، فقد أرسل إليهم النبي ﵊، وحضروا واستمعوا القرآن، كما قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) . وكما قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) إلى آخر الآيات. وثبت عن النبي ﵊ أنه قال للجن الذين وفدوا إليه وسألوه الزاد، قال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحمًا) . وهم- يعني: الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم الله على أكله، ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة، وكذلك على الشرب، كما أمر بذلك النبي ﷺ وعليه. فإن الجن حقيقة واقعة، وإنكارهم تكذيب للقرآن، وكفر بالله ﷿، وهم يؤمَرون وينهون، ويدخل كافرهم النار، كما قال الله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنَ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) . ومؤمنهم يدخل الجنة أيضًا لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . والخطاب للجن والإنس، ولقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا) . إلى غير ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون، يدخلون الجنة إذا آمنوا، ويدخلون النار إذا لم يؤمنوا. فضيلة الشيخ: تأثيرهم على الإنس. فأجاب رحمه الله تعالى: أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضًا، فإنهم يؤثرون على الإنس: إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم، وإما أن يؤثروا عليه بالإيحاش والترويع وما أشبه ذلك. فضيلة الشيخ: كيف العلاج من تأثيرهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية، مثل: قراءة آية الكرسي، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ***
بارك الله فيكم، المستمعة هناء محمد تقول: سمعت بأنه يوجد جن صالحون وجن شياطين، هل يظهرون للإنسان؟ وكيف نتجنب ظهورهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجن كالإنس فيهم الصالحون، فيهم المسلمون، فيهم الكافرون، فيهم الأولياء الذين آمنوا بالله وكانوا يتقون. ذكر الله ﵎ في سورة الجن عن الجن أنهم قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . وقالوا أيضًا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . وفيهم- أي: في الجن- من يحب الصالحين من الإنس، وربما يخاطبهم وينتفع بهم بالنصيحة والتعليم، وفيهم- أي: في الجن- فساق وكفار يحبون الفاسقين والكافرين ويبغضون المؤمنين وأهل الاستقامة، وفي الجن من يحب العدوان على الإنس والأذية، وهم في الأصل عالم غيبي لا يظهرون للإنس، لكن ربما يظهرون أحيانًا ويراهم الإنس وربما يتشكلون بأشكال مؤذية مزعجة لأجل أن يروعوا الإنس، ولكن الإنسان إذا تحصن بالأوراد الثابتة عن رسول الله ﷺ كفاه الله شرهم، ومن ذلك قراءة آية الكرسي، وهي قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) . فإن هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ولكن لابد أن يكون القارئ مؤمنًا بها، مؤمنًا بأثرها، مؤمنًا بأن الله تعالى يحفظه بها من كل شيطان، أما من قرأها وهو غافل، أو من قرأها مجربًا غير موقن بأثرها فإنه لا ينتفع بها. ***
هل الجن قد أسلموا برسالة محمد ﷺ، وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضًا هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله ﷾، وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في سورة الجن عنهم حيث قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) . وقالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . وقد صرف الله نفرًا من الجن إلى رسول الله ﷺ، فاستمعوا القرآن وآمنوا به، وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . وهذا يدل على أن الجن كانوا يؤمنون بالرسل السابقين، وأنهم يعلمون كتبهم؛ لقولهم: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) . وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه أكرم الوفد، وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم: (لكم كل عظم يذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة فهي علف لدوابكم) .ولهذا (نهى النبي ﷺ عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث، وقال: إن العظام زاد إخوانكم من الجن) . فضيلة الشيخ: يقول: هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات، ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة، وحجهم يكون كحج الإنس زمنًا ومكانًا، وإن كانوا قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم، فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الإنس. ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائلة الزهراء ع. م. ن. من البيضاء من الجماهيرية العربية الليبية تقول: هل للجن تأثيرٌ حقيقة على الإنسان؟ كما نسمع من تسلط بعض ذكور الجن على إناث الإنس، وتسلط بعض إناث الجن على رجال من الإنس؟ وكيف التخلص من هذا إن كان هذا واردًا؟ وبأي الطرق يمكن معالجة من به مثل هذه الحالة، دون الرجوع إلى وسائل محرمة ومخالفة للتوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لاشك أن الجن لهم تأثير على الإنس، بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يؤذونه بالإيحاش، أي: يروعونه، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع. وقد ثبت أن الرسول ﵊ أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات- وأظنها غزوة الخندق- وكان شابًا حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك فقالت له: ادخل، فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش، فكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال وفي الزمن أو في اللحظة التي ماتت فيها الحية مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتًا: الحية أم الرجل؟ فلما بلغ ذلك النبي ﷺ (نهى عن قتل الجان التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين) . وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم يؤذونهم. كما أن الواقع شاهد بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت الأخبار بأن الإنسان قد يأتي إلى خربة فينال الحجارة، وهو لا يرى أحدًا من الإنس في الخربة، وقد يسمع أصواتًا، وقد يسمع حفيفًا كحفيف الأشجار، وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به. وكذلك أيضًا قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي: إما لعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب. ويشير إلى هذا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) . وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن نفس الإنسي ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن، وربما يأخذ القارئ عليه عهدًا ألا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس. وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شره- من شر الجن- أن يستعيذ الإنسان، أو أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم، مثل: آية الكرسي، فإنها آية إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ***
يقول السائل: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون، كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي هي فوق طاقة الإنسان وقدرته؟ أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الجن كما ذكر السائل وعلى ما استدل به من أن فيهم الصالح وفيهم دون ذلك، كما في الآية الكريمة التي ذكرها السائل، وفيهم أيضًا المسلم والكافر، كما قال تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . ومن المعلوم أن الصالح منهم لا يرضى بالفسق ولا يعين عليه، وكذلك المسلم لا يرضى بالكفر ولا يعين عليه، ولهذا قال الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) . فكافرهم يدخل النار، كما تفيده هذه الآية والآية التي في سورة الجن: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . ومؤمنهم يدخل الجنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . فأخبر أن لمن خاف مقام ربه جنتين، وخاطب بذلك الجن والإنس في قوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . وقد سمى النبي ﵊ المؤمنين منهم إخوة لنا، حين نهى عن الاستنجاء بالعظام وقال: (إنها طعام إخوانكم أو زاد إخوانكم) يعني: من الجن. وأما الاستعانة بهم: فإني أحيل السائل على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي جمع ابن القاسم صفحة ثلاثمائة وسبع مجلد أحد عشر، وما ذكره ﵀ في كتابه النبوات صفحة مائتين وستين إلى مائتين وسبع وستين، ففيه كفاية. ***
أسمع دائمًا من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله ﷾. فهل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلًا شابًا من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات يومٍ أو ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحًا فطعنها فماتت هذه الحية، ثم مات الرجل فورًا، فلا يدرى أيهما أسرع موتًا: الرجل أم الحية؟ ثم إن النبي ﷺ نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين. وهذا يدل على أن هذا كان جنًا، وأنه وقد تصور بصورة الحية، والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل ﷺ كان يأتي إلى النبي ﷺ أحيانًا بصورة دحية الكلبي، وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتأدب، ثم سأل النبي ﷺ الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة وأشراطها، ثم قال النبي ﷺ: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) . ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله ﷾، فهو الذي أقدرهم على ذلك، فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة، هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة. ***
الإيمان بالكتب
التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة هل هي منسوخة بالقرآن؟ وما هو الدليل من القرآن إن وجد؟ والسنة المطهرة؟ وما حكم قراءتها بالنسبة للعالم للاطلاع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب السابقة منسوخة بالقرآن الكريم؛ لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) . فكلمة: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) تقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له، فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب. وأما قراءة الكتب السابقة: فإن كان للاهتداء بها والاسترشاد فهو حرام ولا يجوز؛ لأن ذلك طعن في القرآن والسنة، حيث يعتقد هذا المسترشد أنها- أي: الكتب السابقة- أكمل مما في القرآن والسنة، وإن كان للاطلاع عليها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من خالفوا الإسلام فهذا لا بأس به، وقد يكون واجبًا؛ لأن معرفة الداء هي التي يمكن بها تشخيص المرض ومحاولة شفائه، أما من ليس عالمًا ولا يريد أن يطلع ليرد فهذا لا يطالعها. إذًا فأقسام الناس فيها ثلاثة: من طالعها للاسترشاد بها فهذا حرام ولا يجوز؛ لأنه طعن في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، ومن طالعها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من تمسكوا بها وتركوا الإسلام فهذا جائز، بل قد يكون واجبًا، ومن طالعها لمجرد المطالعة فقط، لا ليهتدي بها ولا ليرد بها، فهذا جائز، لكن الأولى التباعد عن ذلك؛ لئلا يخادعه الشيطان بها. ***
تقول السائلة: ماحكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته، وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه، إلا كتابًا واحدًا وهو القرآن، ولا يحل لأحد أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى مع عمر بن الخطاب ﵁ صحيفة من التوراة، فغضب وقال: (أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب)؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن صحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا، فلا يوثق أن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله ﷿، ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن، فلا حاجة لها إطلاقًا. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا، وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئًا أن يحرقه، النصارى عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة صاروا يبثون في الناس الآن ما يدعونه إنجيلًا على شكل المصحف تمامًا، مشكل على وجهٍ صحيح، وفيه فواصل كفواصل السور، والذي لا يعرف المصحف- كرجلٍ مسلم ولكنه لا يقرأ- إذا رأى هذا ظن أنه القرآن، كل هذا من خبثهم ودسهم على الإسلام، فإذا رأيت أخي المسلم مثل هذا فبادر بإحراقه يكن لك أجر؛ لأن هذا من باب الدفاع عن الإسلام. ***
عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته: عثرت على بعض الكتب المسيحية، فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يريد أنه وجد نسخًا من الإنجيل، وأشكل عليه: هل يحرقها، أو يدفعها للنصارى الذين يدعون أنهم متبعون لعيسى بن مريم ﵊؟ والذي أرى أنه يجب عليه إحراقها، وأنه لا يحل له أن يعطيها النصارى. ***
هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقهلية يقول في رسالته: ما هو الحكم في الذي يقرأ بالإنجيل؟ فهل هو حلال أم حرام، مع العلم أنه يتلو القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون التالي عالمًا بالشريعة، ويتلوها ليقيم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام، فالتلاوة هنا وسيلة إلى أمر محمود فتكون محمودة. والقسم الثاني: أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف الشريعة، ويقصد الاهتداء بهذه الكتب، فهذه حرام عليه، أي: هذه التلاوة حرام عليه؛ لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، ولا يجوز الاهتداء بغير ما جاء به النبي ﷺ، هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين. ***
هذه يا شيخ رسالة وردت من محمد العيسى الحمود الجارياوي يقول في رسالته: إنني قرأت في كتاب وهو كتاب مسيحي، وفيه مكتوب أن المسيح ابن الله تعالى، وأنا أعرف أنه خطأ وكفر بالله، هل يلحقني ذنب في هذه القراءة؟ أرشدوني جزاكم الله خيرًا، رغم أن الكتاب فيه عدة أخطاء وكفر بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي قرأت للمسيحي لم تبين أنه الإنجيل أو غيره، وعلى كل حال فإن الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل قراءتها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقرأها للاسترشاد بها والاستفادة منها، فهذا لا يجوز، وذلك لأن في القرآن والسنة ما يغني عنها. ثانيًا: أن يقرأها ليعرف ما فيها من حق فيلزم به متبعيها، ويبين خطأهم في مخالفة ما جاء به محمد ﷺ، فهذا لا بأس به، بل هو مطلوب إما وجوبًا وإما استحبابًا. الثالث: أن يقرأها لمجرد المطالعة فقط ليعرف ما عندهم، وليس يريد أن يسترشد بها أو يهتدي بها عن القرآن والسنة، ولا أن يرد على متبعيها باطلهم، فالأولى هنا أن لا يفعل؛ لأنه يخشى أن يتأثر بها ويجعلها مصدرًا لرشاده وهدايته. ***
حنان وسامية من بابلة الأردن المستمعتان تسألان: نحن نعلم بأن القرآن الكريم نزل مفرقًا، وورد بالقرآن أنه نزل في ليلة القدر، هل معنى ذلك بأنه نزل في كل سنة من ليلة القدر؟ نرجو بهذا إفادة يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا يخفى علينا جميعًا أن القرآن كلام الله ﷿؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي: حتى يسمع القرآن. وليس المعنى أن هذا المستجير يسمع كلام الله نفسه من الله، بل إنما يسمع القرآن الذي هو كلام الله ﷿، وأن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) . وكما قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فالقرآن نزل من عند الله ﷿، ونزوله كان مفرقًا، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) . وقال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) . ولنزوله مفرقًا فوائد كثيرة، ذكرها أهل العلم في التفسير في أصول التفسير. فأما قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . فقد اختلف المفسرون فيها، فقال بعضهم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، فيكون القرآن أول ما نزل في ليلة القدر، ثم نزل متتابعًا حسب ما تقتضيه حكمة الله ﷿. وقال بعض العلماء: إنه نزل إلى بيت العزة جميعًا في ليلة القدر، ثم نزل إلى النبي ﷺ مفرقًا بعد ذلك. لكن الأول أقرب إلى الصواب؛ لأن قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) يقتضي إنزاله إلى منتهى إنزاله، وهو قلب النبي ﷺ، ومعلوم أنه لم ينزل على قلب النبي ﷺ جميعًا في ليلة واحدة، بل نزل مفرقًا، فيكون المعنى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، ثم صار ينزل مفرقًا حسب ما تقتضيه حكمة الله ﵎. ***
بارك الله فيكم السائلة أع ن تقول: هل نزول القرآن باللغة العربية يجعل الأعجميين لديهم عذر أو حجة لأن القرآن ليس بلغتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للأعجميين حجة أو عذر لكون القرآن ليس بلغتهم، بل عليهم أن يتعلموا لغة القرآن؛ لأنه إذا توقف فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تعلم العربية كان تعلم العربية واجبًا، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولهذا كان من أئمة اللغة العربية قوم من العجم من فارس وغيرها، وصاروا أئمة في العربية لأنهم عرفوا قدر تعلم اللغة العربية، فتعلموها فصاروا أئمة فيها. وأما تعصب بعض الناس للغتهم، وعدم تحولهم إلى اللغة العربية مع قدرتهم على ذلك، فهذا من حمية الجاهلية، والقرآن ولله الحمد الآن انتشر بين العالم، وترجم معناه إلى لغات متعددة، لغات عالمية حية، ولغات في مناطق معينة، فلا حجة لأحد اليوم في قوله: إن لساني ليس عربيًّا فلا أفهم القرآن. ***
جزاكم الله خيرًا هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقًا. فما معنى أن القرآن ليس محدثًا وليس مخلوقًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من قال: إن القرآن مخلوق، فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله ﷿، وكلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة، وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك- أي: على من قال: إن القرآن مخلوق- إنكارًا شديدًا، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ﵀، حتى إن بعضهم- أي: بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال: إن القرآن مخلوق، ولا شك أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد أبطل الأمر والنهي؛ لأنه إذا كان مخلوقًا فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة، فهو كالنقوش في الجدران والورق وشبهها لا يفيد شيئًا، إذ ليس أمرًا ولا نهيًا ولا خبرًا ولا استخبارًا. وأما من قال: إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) . نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول: إنه محدث، خشية أن يتوهم ما ليس بجائز. فضيلة الشيخ: لماذا اعتبرت الفرق الضالة بأن القرآن مخلوق وأنه محدث؟ وما هو الغرض من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولًا: كما سمعت كلمة محدث لا بأس بها، ما لم نكن نخاطب من يفهم منها الخلق، وأن "محدث" في إزاء مخلوق. وأما المخلوق فإنهم إنما ذهبوا هذا المذهب لشبهات كانت عليهم، مثل قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) . ومثل قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) وما أشبه ذلك، فظنوا أن هذا هو الحق، لكنهم بُيِّنَ لهم هذا، وبُيِّنَ لهم الغلط، إلا أنهم أصروا وعاندوا، وصاروا يدعون إلى بدعتهم هذه، وهي بدعة ضلالة. ***
ناصر دوارة من الجمهورية العربية السورية يقول: ما الفرق بين النبي والرسول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن الفرق بينهما: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، هذا هو الفرق عند جمهور أهل العلم. وقيل: إن الفرق أن النبي لم يأت بشرع جديد، وإنما يكون مبلغًا بشرع من قبله، أي: إنه يحكم بشريعة من قبله بدون وحي جديد يوحى به إليه، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . يحكم بها النبيون الذين أسلموا، وهم يحكمون بما في التوراة. فأما إذا أتى بشرع فحينئذٍ- ولو كان تكميلًا لشرع من قبله- يكون رسولًا، ولا يرد على هذا التعريف إلا آدم، فإن آدم كان نبيًا وليس برسول؛ لأن أول رسول نوح، وآدم نبي أوحي اليه بشرع، فعمل به، فأخذت به ذريته الذين كانوا في عهده. ***
فضيلة الشيخ ما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ وهل توجد كتب غير الكتب الأربعة التي نزلت أو أنزلت على الأنبياء؟ وما هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم؟ نرجو منكم الإجابة فأجاب رحمه الله تعالى: جميع من ذكروا في القرآن من النبيين رسل، حتى وإن ذكروا بوصف النبوة؛ لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) . وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) إلى أن قال: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . فكل نبيٌ ذكر في القرآن فإنه رسول، لكن ذكر العلماء ﵏ أن النبي هو الذي أوحى الله إليه بالشرع ولم يلزمه بتبليغه، وإنما أوحى الله إليه بالشرع لأجل أن يتعبد به، فيحيي شريعةً قبله أو يجدد شريعةً إذا لم يكن مسبوقًا بشريعةٍ من قبل. فمن الأول قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . ومن الثاني- وهو: أن يكون الوحي الذي أوحي إلى النبي نبوة بلا رسالة- آدم ﵊، فإنه كان نبيًا ولم يكن رسولًا، ومع ذلك فهو لم يجدد شريعةً قبله، وإنما تعبد لله تعالى بما أوحى إليه من الشرع، فتبعه على ذلك أولاده، فلما كثر الناس واختلفوا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، وأول رسولٍ بعثه الله ﷿ هو نوح ﵊، ومعه كتابٌ بلا شك، وآخر الرسل والأنبياء محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل رسول معه كتاب، ولكننا لا نعلم من الكتب السابقة إلا التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وقد اختلف العلماء في صحف موسى هل هي التوراة أم غيرها؟ والله أعلم. هذا هو جواب السؤال. ***
الإيمان بالرسل
السائل ب م حجازي الخبر المملكة العربية السعودية يقول: أرجو أن تبينوا لنا مشكورين حقيقة الأمر في مسألة عصمة الرسول الكريم ﷺ، حيث يلتبس الأمر على كثير من الناس في هذا الشأن، كثيرًا ما نسمع ما يمكن أن يفهم منه أن الرسول ﷺ كان معصومًا من الخطأ، كما يفهم من عموم قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) . ولكن نرى في بعض ما ورد عنه ﷺ أنه كان يصيب ويخطئ في بعض الأمور، كالسهو في الصلاة مثلًا. فما حقيقة أمر العصمة للرسول ﷺ؟ وما هي الجوانب التي عصم منها من الخطأ تحديدًا والجوانب التي لم يعصم من الخطأ مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإني أسأل هذا السائل: هل يؤمن بأن محمدًا رسول الله على كل حال؟ هو يؤمن بهذا لا شك إن شاء الله، إذا كان يؤمن بمحمد رسول الله ﷺ أنه رسول الله فكفى، وما وقع منه فإنه لا ينافي الرسالة، فالسهو وقع منه في الصلاة، ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) .وعدم العلم وقع منه ﵊، فقد (صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلاه، وفي أثناء الصلاة خلع النعلين، فخلع المسلمون نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما قذرًا فخلعتهما) . فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في نعليه ولم يعلم أن فيهما قذرًا، وهذا أيضًا من طبيعة البشر أن الإنسان جاهل، هذا الأصل في الإنسان، كما قال الله ﷿: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يجتهد في أفعاله ولا يكون اجتهاده مصيبًا، لكنه حين فعله للشيء الذي صدر منه عن اجتهاد هو مصيب، كما في قول الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) . فهذا وقع اجتهادًا من النبي ﷺ أن ينصرف إلى هؤلاء الكبراء الذين جاؤوا إليه من قريش، يرجو إسلامهم وينتفع بإسلامهم قومهم والمسلمون جميعًا. ومثل قول الله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . فاجتهد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعفا عنهم؛ لمحبته ﷺ للعفو، وأخذ الناس بظواهرهم، وهو حين عفا عنهم مصيب، لكن بين الله ﷿ له أن الحكمة هي الانتظار، وهذا لا يخدش بالرسالة، النسيان من طبيعة الإنسان، وعدم العلم هو أصل الإنسان أنه لا يعلم حين وقع من الرسول ﷺ مثل هذا فإنه والله لا يخدش بالرسالة وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) فالمعنى: أنه ﷺ لا ينطق نطقًا صادرًا عن هوى، وإنما نطقه إما عن وحي من الله وإما عن اجتهاد، فليس كغيره ممن ينطق عن الهوى ويتكلم بما يهوى، سواء كان الحق أو غير الحق. وإني أنصح هذا السائل وغيره ألا يتعمقوا في مثل هذه الأمور فيلقي الشيطان في قلوبهم شرًّا، فالإنسان غير آمن من الشيطان، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وهو معتكف قام يقلب صفية ﵂، حين جلست عنده ساعة من الليل في معتكفه، فقام يقلبها ﵊ أي: يمشي معها- فأبصر به رجلان من الأنصار فأسرعا، أسرعا خوفًا وخجلًا من النبي ﷺ وحياء، فقال: (علىرسلكما إنها صفية) . فقالا: سبحان الله! قال: (نعم، إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئًا- أو قال: شرًا-) . فانظر إلى هذا: خاف أن يلقي الشيطان في قلوبهما ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهما من الصحابة، فالبحث في هذه الأمور والتعمق فيها قد يكون خطرًا على الإنسان وهو لا يشعر، وأنا أشكر السائل حيث سأل ليتبين له الأمر، لكني أقول: إن الأولى بالإنسان أن يدع البحث في هذه الأمور، وأن يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أبعد الناس أن يقول عن هوى أو أن يحكم بالهوى، بل هو الصادق الأمين ﵊. ثم إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ما يخل بالإخلاص لله ﷿، فلم يقع منهم الشرك، معصومون عن كل ما يخل بالمروءة والخلق، فلم يقع منهم ما ينافي ذلك، وأما بعض الذنوب فيقع منهم، لكن من خصائصهم أنهم معصومون من الاستمرار فيها وعدم التوبة، وإذا تاب الإنسان من الذنب فكمن لا ذنب له، بل قد تكون حاله بعد التوبة من الذنب أكمل من حاله قبل أن يفعل الذنب. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن ما ذكر في الإسرائيليات عن داود ﵊ في قصة الخصمين اللذين اختصما عنده وقال أحدهما: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) . في بعض الإسرائيليات أن داود ﵊ كان له أحد الجنود، وكان عند هذا الجندي امرأة أعجبت داود وأرادها، فطلب من هذا الجندي أن يذهب للجهاد لعله يقتل فيأخذ زوجته، هذه قصة كذب ولا يجوز لأحد أن ينقلها إلا إذا بين أنها كذب، ولا يجوز اعتقادها في نبي من أنبياء الله، هذه لا تليق ولا من عامي من الناس فكيف بنبي؟ ولا أستبعد أن هذه من دسائس اليهود التي دسوها على المسلمين ليفسدوا بذلك دينهم. والقضية هي أن هذا الرجل مع خصمه عنده نعجة واحدة، أي: أنثى من الضأن، وكان أخوه- أي: خصمه- عنده تسع وتسعون، فقال له: أنت ليس عندك إلا واحدة لا تغني شيئًا، وأنا عندي تسع وتسعون، باقٍ واحدة وتكتمل المائة، والإنسان ينظر إلى تكميل العدد، فطلب منه هذه الواحدة، وجعل يورد عليه الحجج حتى غلبه في الحجج، فاختصما إلى داود. فإذا قال قائل: ما تقول في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)؟ فالجواب سهل: داود ﵇ جعله الله خليفة في الأرض يحكم بين الناس، وكونه يدخل محرابه- أي: متعبده- ثم يغلق الباب خلاف لما كلف به، وهو مجتهد في ذلك لا شك، ثم إنه حكم على الخصم قبل أن يسمع حجة الآخر المحكوم عليه، فلما قال الخصم: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ) الخ. فحكم قبل أن يسمع حجة الخصم، ولعله من أجل أن يسرع التفرغ للعبادة، فلما جاءت هذه القصة وأخذ بقول الخصم وكان قد أغلق الباب ظن داود ﵊ أن الله تعالى أرسل هذين الخصمين اختبارًا له (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) . فإن قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهند حين شكت زوجها أبا سفيان أنه رجل شحيح لا يعطيها وولدها ما يكفيهم، فقال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) فحكم لها؟ فالجواب: أن حكم النبي ﷺ فتيا وليست قضاء بين خصمين؛ لأن خصمها لم يحضر، فهو أفتاها على صورة القضية بدون محاكمة ومخاصمة. ***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ من السودان يقول: يا فضيلة الشيخ نعلم أن الرسل معصومون من الخطأ، هل هم معصومون من الخطأ في التشريع فقط، أم في كل الأمور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله ﷾، وهم معصومون من كل خطأ يخل بصدقهم وأمانتهم، وهذا هو محل الثقة فيهم. وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطئون فيه، فإن نوحًا ﵊ سأل ربه أن ينجي ابنه، فقال الله له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) . ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهادًا منه، فقال الله له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) . وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . لكنهم معصومون من الإقرار على الخطأ، يعني لو حصل منهم خطأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه، بخلاف غيرهم فإنهم لا يعصمون من ذلك. ***
يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد، ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه، ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصلىها. فهل هذا صحيح؟ وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا باطل قطعًا، فإن سيد الأنبياء والمرسلين محمدًا ﷺ لم يزره بلا ريب، وكذلك الأنبياء قبله لا يمكن أن يكونوا قد زاروه؛ لأنه لو قصد بالأنبياء الأنبياء الذين لم يرسلوا فإنهم أربعة وعشرون ألفًا، وإن قصد الرسل فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولًا، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد زاروا هذا المسجد، وإنما هذا من التزوير الذي يقصد به أكل المال بالباطل وصد الناس عن سبيل الله. والذهاب إلى هذا المسجد بهذه النية محرم ولا يجوز، والواجب على المسلمين أن يتحققوا في هذه الأمور، وأن ينصحوا من مارس القيام بتعظيمها واحترامها، وليس هناك مساجد تشد الرحال إليها إلا ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، والمسجد الأقصى. وماعدا ذلك من المشاهد أو المساجد فإنه لا يجوز أن تشد إليها الرحال مطلقًا في أي حال من الأحوال، ثم إن غالب هذه الأمور تكون كذبًا مزوّرة، والمؤمن العاقل يعرف أن هذا من التزوير بأول نظرة. فضيلة الشيخ: لكن ما حكم الصلاة فيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في الجواب: إنه لا يجوز قصده للصلاة فيه، وإنه حرام وأما الصلاة فيه كبقعة، مثل: أن يمر به الإنسان مرورًا عابرًا فيصلى فيه، فإنه لا بأس به. فضيلة الشيخ: يعني: دون أن يعتقد فيه شيئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: دون أن يعتقد ما ذكره السائل؛ لعموم قول النبي ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) . إلا أن يخشى أن يفتتن أحد بصلاته فيه، فإنه يتجنبه ويتقدم عنه، ويصلى في مكان آخر. ***
يقول السائل محمد عمر أحمد من السودان: قيل: إن سيدنا محمدًا ﷺ جاءه ملك وفتح صدره وملأه نورًا، فما مدى صحة هذا الكلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام صحيح، فإن الرسول ﵊ حين عرج به جاءه جبريل فشق ما بين نحره إلى أسفل بطنه، واستخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانًا وليس نورًا، ولكن ملأه حكمة وإيمانًا، والإيمان والحكمة من النور المعنوي. ***
السائلة أم أسامة من مصر أسوان تقول: سمعت من بعض الإخوة يقول بأن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا القول صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) .ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) . والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه، وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين. والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضهم عنده تهاون في دينه، واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذر منه. وإن نصيحتي لهؤلاء أن يتلقوا معتقدهم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يعلموا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر مثلنا، كما أمره الله أن يقول ذلك ويعلنه على الملأ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) . فقد تميز صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وبأنه أتقى الناس لله وأعبد الناس لله، لكنه بشر، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلم أنه بشر مثلنا ينسى كما ننسى فقال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) . انظر التواضع العظيم: أخبر أنه بشر ينسى، ومع ذلك قال: (إذا نسيت فذكروني) . ولن ينقص ذلك من قدره شيئًا، بل هو أكمل الخلق إيمانًا وتقوى وزهدًا وخلقًا ﵊، ومن أراد أن يحشر تحت لوائه يوم القيامة فليكن تحت لواء سنته في الدنيا، ولا يتعدَّ حدود الله ولا يقصر عنها، فلا غلو ولا تحريف، هذا الواجب علينا. ولقد قال الله ﵎ لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . فمن كان صادقًا في دعوى المحبة لله أو المحبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك يقيم بينة على صدق دعواه، وأما أن يدعي أنه متبع للرسول محب للرسول، وهو يقول في الرسول ما ليس حقيقة، ويبتدع في دينه ما لم يشرع، فإن البينة تخالف دعواه. ***
يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان، فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه، وتلك الوصايا التي ذكرها له، والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحيانًا، كما يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، وما أشبه ذلك. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول: من هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم، وقولنا: مع العلم، للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم، والصواب أنه ليس من الأنبياء، وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. ***
أحسن الله إليكم هل الخضر ﵇ حي إلى يومنا هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه حيًّا فلا، ليس بحي؛ لأنه لو كان حيًّا لوجب عليه أن يؤمن بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يجاهد معه، ولم يكن شيء من ذلك، فالخضر كغيره من البشر مات في وقته فيما يظهر لنا، وكذلك ليس الخضر بنبي، وإنما هو رجل آتاه الله تعالى علمًا لا يعلمه موسى ﵊؛ لأن موسى ﵊ قال: إنه لا أحد في الأرض أعلم منه، فأراه الله ﷿ هذه الآية: أن موسى ﵊ وإن كان لديه علم كثير من شريعة الله فإنه قد يفوته شيء من المعلومات الأخرى. ***
يزعم بعض الناس من المسلمين أن نبي الله الخضر ﵇ لا يزال حيًا يطوف على الأرض، وأنه إذا مر على إنسان وطلب منه الإحسان فقدمه له، إن كان ذلك الإنسان فقيرًا صار غنيا، ً ويأتي إلى الناس بهيئة المجانين كي لا يعرفوه، وصار كثير من الناس يقدمون الإحسان لكل من يأتيهم بمثل تلك الهيئة، ظنًا منهم أن يكون هو الخضر ﵇، فهل هذا الزعم الأسطوري وارد في الحديث الشريف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على هذا السؤال من وجهين: أولًا: قول السائل: إن نبي الله الخضر، وجزمه بأنه نبي: هذا محل خلاف بين أهل العلم، هل كان الخضر نبيًا، أو كان وليًا أعطاه الله ﷾ من الكرامات ما علم به مآل ما جرى بينه وبين موسى ﵊؟ والراجح أنه ليس بنبي، وأنه ولي من أولياء الله؛ لأدلة ليس هذا موضع بسطها. الوجه الثاني: من حيث بقاء هذا الرجل- أعني: الخضر- إلى الآن: فإن هذا لا يصح إطلاقًا؛ لأنه لو كان الخضر حيًا لكان يجب عليه أن يأتي إلى النبي ﷺ ويؤمن به ويتبعه لو كان حيًا، على فرض أن يكون حيًا لكان قد مات أيضًا؛ لأن النبي ﷺ حدث أصحابه في آخر حياته أنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها ذلك اليوم أحد، فلو فرض أن الخضر قد بقي إلى الرسول ﵊ لكان لا يمكن أن يبقى بعد مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله ﷺ، وعليه فإن الخضر لا وجود له وليس بموجود. ثم إن هذا الزعم الباطل الذي يقتضي السخرية والاستهزاء به، حيث يقول: إنه يأتي إلى الناس بصورة المجنون لئلا يعرف، وإن من أتاه شيئًا وأهدى إليه شيئًا فإنه يصبح غنيًا، فإن هذا باطل من أبطل الباطل. أيضًا والمهم أنه يجب على المؤمن أن يعتقد بأن الخضر ليس بموجود؛ للدليلين اللذين أشرنا إليهما فيما سبق: أنه لو كان موجودًا لم يسعه إلا أن يأتي للنبي ﵊ ويؤمن به ويتبعه، وأنه لو كان موجودًا لكان يموت قبل أن تأتي مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله ﷺ. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل: هل هناك خصائص اختصها الله ﷿ للرسول ﷺ، ولم تكن لغيره من أفراد أمته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليست لأمته كثيرة جدًّا، وقد ذكر العلماء ﵏ أعني بهم: الفقهاء، ذكروا- في كتاب النكاح خصائص كثيرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أحب أن يرجع إليها فليفعل. ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في القرآن حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) إلى قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) . فهنا بين الله ﷿ أن النكاح بالهبة لا يحل إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كما أن هذه الأمة خصها الله تعالى بخصائص لم تكن لغيرها من الأمم، كما في حديث جابر بن عبد الله ﵄ الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) وذكر تمام الحديث. فالحاصل أن الله ﷾ يختص من شاء من عباده بأحكام شرعية وغيرها مما لا يكون لغيره. ***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يسأل عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: نعم تجوز الصلاة على الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، بل تجوز الصلاة أيضًا على غير الأنبياء من المؤمنين: إن كانت تبعًا فبالنص والإجماع، كما في قوله ﷺ حين سئل: كيف نصلى عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍِ، كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) . وآل النبي ﷺ في هذه الجملة هم المتبعون لشريعته من قرابته وغيرهم، هذا هو القول الراجح، وإن كان أول وأولى من يدخل في هذه- أي: في آل محمد- هم المؤمنون من قرابة النبي ﷺ، لكن مع ذلك هي شاملة لكل من تبعه وآمن به؛ لأنه من آله وشيعته. والصلاة على غير الأنبياء تبعًا جائزة بالنص والإجماع، لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالًا لا تبعًا هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أنه يجوزأن يقال لشخص مؤمن: صلى الله عليه، وقد قال الله ﵎ للنبي ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي ﷺ يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم) . إلا إذا اتخذت شعارًا لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل: لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عليًا قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعارًا لشخص معين. ***
كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم ﷺ هي ركعات، وقد صلىت عددًا من الركعات ظنًّا مني أن هذه هي الصلاة عليه، وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة- والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله فما رأيكم جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه أنه يجب على الإنسان ألا يعمل عملًا يتقرب به إلى الله ويتعبد به لله ﷿ حتى يكون على علم بأن هذا من شريعة الله؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة، دليل ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) . فهذا الذي فهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها الركوع والسجود له قد فهم فهمًا مخطئًا باطلًا، لكن لكونه مستندًا على أصل يظنه صحيحًا أرجو أن الله تعالى لا يؤاخذه بما فعل، وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما قصر فيه من طلب العلم، ومادام علم الآن أن هذا ليس المقصود بالأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه تبين له أن معنى الصلاة عليه أن تقول: اللهم صل على محمد أو ما يؤدي هذا المعنى، فأرجو الله أن يتجاوز عنه وأن يغفر له. ***
السائل حمودة يقول: فضيلة الشيخ منذ سنوات فهمت عن جهلٍ مني بأن الصلاة على النبي ﷺ هي مثل الصلاة العادية: ركوع وسجود وخلاف ذلك، وصلىت عدة ركعات ظنًا مني بأن الله ﷿ أمرنا بذلك، فهل علي إثمٌ في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا إثم عليك في ذلك لأنك جاهل، ولكن الواجب على المرء أن يسأل أهل العلم إذا كان لا يعلم؛ لقول الله ﵎: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . فعملك الذي كنت عملته سابقًا عملٌ مردودٌ باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . لكنك مثابٌ إن شاء الله على نيتك، وقد يكون هناك تقصيرٌ منك بعدم سؤال أهل العلم عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: أ. ح. الأردن يقول في رسالته: هل محمد ﷺ أفضل الخلق قاطبة، أم أفضل البشر فقط؟ وما الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الذي أعلمه من ذلك أنه ﷺ سيد ولد آدم كما ثبت ذلك عنه، وأما أنه أفضل الخلق على الإطلاق فلا يحضرني الآن دليل في ذلك، لكن بعض أهل العلم صرح بأنه أفضل الخلق على الإطلاق، كما في قول صاحب الأرجوزة: وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق والمهم أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الثقلين الإنس والجن هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فعلينا أن نؤمن به تصديقًا لأخباره، وامتثالًا لأوامره، واجتنابًا لنواهيه، هذا هو الذي ينفع الإنسان في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ وبارك فيكم هذا سائل سوداني يقول: فضيلة الشيخ يقولون بأن الرسول مخلوق من نور، هل هذا كلام صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام باطل، فإن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وسلسلة آبائه وأجداده معلومة، وهو نفسه ﵊ قد صرح بما أمر الله به، فقد قال الله تعالى له: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) . وقال ﷺ هو عن نفسه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فقد خلق ﵊ من طين، كما هو شأن بني آدم كلهم، والذين خلقوا من نور هم الملائكة، فإن المخلوقات ثلاثة أقسام: قسم خلقوا من نار وهو إبليس وذريته، وقسم خلقوا من النور وهم الملائكة، وقسم خلقوا من طين وهم آدم وبنوه، وليس هناك قسم رابع، فهذا الحديث أو الأثر أو القولة المشهورة أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور كذب لا أصل له. ***
جزاكم الله خيرًا يا فضيلة الشيخ، هناك أناس غلوا في الرسول وتجاوزوا الحد في محبته، وهناك أناس فرطوا وتساهلوا في محبته، كيف نوجه مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلهم أخطؤوا: الذين فرطوا والذين أفرطوا، والخطر عظيم على الجميع. أما الذين غلوا فيخشى عليهم من الإشراك به، ولهذا ادعى بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم الغيب، وأنه يشفي المريض، وأنه يزيل الكربات، فصاروا يدعونه، فالتحقوا بذلك بالمشركين وهم لا يشعرون. وأما الطرف الثاني فيخشى عليهم من التهاون في الشريعة شيئًا فشيئًا حتى يقضى عليها، ولهذا المحب له حقيقة هو المتبع لسنته بدون غلو ولا تفريط. ***
يقول: كيف تحقق محبة الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحقق محبة الرسول ومحبة الله ﷿ باتباع الرسول ﷺ، فكل من كان أتبع لرسول الله كان أحرى بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سنته فيتبعها، ولا يزيد في ذلك ولا ينقص. وعلى هذا فالذين يبتدعون بدعًا تتعلق بالنبي ﷺ، يدَّعون أن ذلك من محبته وتعظيمه، هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه، وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع آثاره، وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه، وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله ورسوله قاصرة بلا شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تتقدم بين يدي الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) . ***
يقولون: إن الرسول ﷺ وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول ﷺ؟ هذا في قولهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: أما كونه ﷺ يسمع ويرد فليس به غرابة، فقد روى أبو داود في سننه: (أنه ما من رجل يسلِّم على رجل في قبره وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد ﵇ . فلا غرابة أن النبي ﷺ إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام. وأما كونه حيًّا في قبره: فالشهداء أحياء عند الله، والله ﵎ لم يقل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء في قبورهم، بل قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولا شك أن النبي ﷺ دفن وصلى عليه صلاة الجنازة وخلفه من خلفه من أصحابه، وليسوا يقدمون له الأكل والشرب، وهم يعلمون أنه مات، كما قال الله ﵎: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) . وكما قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) . وهذا أمر معلوم بالضرورة من الدين، ولا يماري فيه أحد، وحياة الشهداء عند الله ﷿ ليست كحياة الدنيا، أي: ليست حياة يحتاج فيها الإنسان إلى أكل وشرب أو هواء ويعبد ويدعو، هي حياة برزخية،الله تعالى أعلم بكيفيتها. وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يقف على قبر النبي ﷺ فيقول: يا رسول الله اشفع لي، يا رسول الله استغفر لي؛ لأن هذا غير ممكن، فالنبي ﷺ لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، ولا يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وإذا أردت أن تسأل سؤالًا صحيحًا فقل: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، اللهم شفعه فيَّ، وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل: يقول الرسول ﷺ: إن أعمال العباد تعرض عليه وهو في قبره. هل هذا حديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، فإن الرسول ﵊ تعرض عليه، الصلاة عليه، يعني: إذا صلىنا على النبي ﷺ فإنها تعرض عليه وتبلغه أينما كنا، أما سائر أعمالنا فلا يحضرني الآن هل هو صحيح أو غير صحيح. ***
يقول السائل: إذا قام شخص بقراءة القرآن، أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول ﷺ، هل عليه إثم في ذلك؟ الشيخ: ليس عليه إثم في ذلك، فإن مد الرجلين إلى اتجاه قبر النبي ﷺ لا حرج فيه، ولا يحتاج أن أقول: بشرط أن لا يكون مستهينًا برسول الله ﷺ أو محتقرًا له؛ لأن هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، فمد الرجلين إلى نحو قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأس به، وهذا يقع كثيرًا، كالذين يكونون في الصف الأول في المسجد النبوي فإنهم يستندون إلى الجدار القبلي، وحينئذ تكون أرجلهم إن مدوها ممدودة نحو القبر. ***
هذه رسالة من إبراهيم بن عبد الله من بني مالك يقول: أسأل عن النبي ﷺ هل كان يقرأ أم كان أميًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النبي ﷺ كان أميًا؛ لقول الله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ) . ولقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) . فهو ﵊ كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، فلما نزل عليه القرآن صار يقرأ، ولكن هل كان يكتب؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن النبي ﷺ بعد أن أنزل عليه الوحي صار يقرأ ويكتب؛ لأن الله إنما قيد انتفاء الكتابة قبل نزول القرآن: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) . وأما بعد ذلك فقد كان يكتب، ومن العلماء من قال: إنه لم يزل ﵊ غير كاتب حتى توفاه الله. ***
هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: آيات الأنبياء هي المعجزات، وسماها بعض المتأخرين معجزات، والصواب أنها آيات؛ لأنها جمعت بين أمرين: بين كون البشر لا يستطيعون مثلها وهذا إعجاز؛ وكونها دليلًا على نبوة هذا النبي ورسالته، وهذه آية علامة، ولهذا ينبغي أن نسمي ما تأتي به الأنبياء من المعجزات نسميها آيات كما سماها الله تعالى في كتابه. هناك معجزات وليست بآيات، لكنها من الشياطين: فالساحر ربما يُرى طائرًا في الجو، وهذا معجز لا يستطيع البشر أن يفعلوه، لكنه من فعل الشياطين. وهناك كرامات يكرم الله بها من شاء من عباده الأولياء والصالحين، تكون معجزة لكنها آية على صحة ما كان عليه هذا الولي، وعلى صحة الشريعة التي كان يعمل بها، ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، ولا تزال فيها إلى يوم القيامة: في الأمم السابقة أصحاب الكهف، اعتزلوا قومهم المشركين وأووا إلى الغار، فهيأ الله لهم غارًا، وألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، وفي هذه المدة لم يتغير منهم شيء، لم يحتاجوا لطعام ولا لشراب ولا لبول ولا لغائط، ولم تَنمُ أظفارهم ولا شعورهم، كأنما ناموا يومًا واحدًا، ولهذا لما بعثهم الله ﷿ وأيقظهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) . مما يدل على أنهم لم يصبهم شيء من العوارض البشرية، لا جوع ولا عطش ولا بول ولا غائط، ولا نمو شعور ولا أظفار، حتى صلحت أحوال القرية وماتت سلاطينهم التي تعينهم على الشرك. مريم ﵂ أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) . امرأة لتوها ولدت، وما أعلمك بالتعب عند الولادة، أمرت أن تهز جذع النخلة جذع النخلة، لو هزه أي إنسان ما يهز علوه، لكن هي قيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ففعلت (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) تسقط الرطب من فوق إلى الأرض ولا تفسد، مع أنها رطب لينة اصطدامها على الأرض يوجب أن تتقطع، لكن تبقى كأنها مجنية، كأن رجلًا خرقها (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) . هذه من الكرامات التي أكرم الله بها من شاء من عباده، في هذه الأمة موجودة: كان سارية بن زنيد أميرًا على سرية في العراق، وكان عمر ﵁ يخطب الناس يوم الجمعة، فسمعوه يقول: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! أمير المؤمنين يخطب ثم يقول هذا الكلام، ما هذا؟ فأخبرهم أنه كشف له عن هذا في سريته والعدو محيط به، فناداه عمر: يا سارية الجبل! يعني: ارجع إلى الجبل، فسمع سارية، فهذه ثلاثة أشياء: كشف لعمر فشاهدهم، ناداهم فسمعوه، لجؤوا إلى الجبل بقيادة السلطان وهو على منبر، سبحان الله! كرامة من الله ﷿. ولهذا كان من مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ولكن الولي من هو؟ هل كل من ادعى الولاية هو ولي؟ ليس كل من ادعى الولاية هو وليًا، قال الله ﷿: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:٦٢- ٦٣) . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. ***
ع م م س يقول: هل لكم فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا- ولو بشيء من الإيجاز- معجزات الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معجزات النبي ﷺ وهي الآيات الدالة على رسالته ﷺ، وأنه رسول الله حقًا- كثيرة جدًا، وأعظم آية جاء بها هذا القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . فالقرآن الكريم أعظم آية جاء بها رسول الله ﷺ، وأنفع آية لمن تدبرها واهتدى بها، فإنها آية باقية إلى يوم القيامة، أما الآيات الأخرى الحسية التي مضت وانقضت فهي كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ جملة صالحة منها في آخر كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، هذا الكتاب الذي ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه؛ لأنه بين فيه عوار النصارى الذين بدلوا دين المسيح ﵊ وخطأهم، أي: بين خطأهم وخطلهم وضلالهم، وأنهم ليسوا على شيء مما كانوا عليه فيما حرفوه وبدلوه وغيروه، والكتاب مطبوع وبإمكان كل إنسان أن يحصل عليه، وفيه فوائد عظيمة، منها ما أشرت إليه: بيان شيء كثير من آيات النبي ﷺ. وكذلك ابن كثير ﵀ في البداية والنهاية، ذكر كثيرًا من آيات النبي ﷺ، فمن أحب فليرجع إليه. ***
إبراهيم محمد من السودان الفاشر يقول: أحاط المسلمون بسيرة المصطفى ﷺ في بعض الخوارق والمعجزات، أسأل وأقول: ما مدى صحة هذه المعجزات؟ وهل وردت في أحاديث كثيرة؟ ثم ألا ترون أن هذه المعجزات تنزهه عن آدميته؟ نرجو منكم إفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعجزة عند أهل العلم هي أمر خارق للعادة، يظهره الله ﷾ على يد الرسول تأييدًا له، وقد سماها أكثر أهل العلم بالمعجزات، والأولى أن تسمى بالآيات التي هي العلامات على صدق الرسول وصحة ما جاء به، كما سماها الله ﷿ بذلك، وهي أبين وأظهر من المعجزات، أي: من هذا اللفظ، فالأولى أن تسمى معجزات الأنبياء بآيات الأنبياء. والآيات التي جاء بها النبي ﷺ آيات كثيرة: حسية ومعنوية، أرضية وأفقية، أخلاقية وعملية، فهي متنوعة، وأعظمها وأبينها كتاب الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . ومن آيات الرسول ﵊ الأفقية أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . قال أنس وهو راوي الحديث: وما والله في السماء من سحاب ولا قزعة- أي: قطعة غيم- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، وسلع جبل معروف في المدينة تخرج من نحوه السحب. قال أنس: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت ثم أمطرت، فما نزل النبي ﷺ من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر ينزل أسبوعًا كاملًا. َ وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. (فرفع النبي ﷺ يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) . وجعل يشير ﷺ إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت، فخرج الناس يمشون في الشمس. ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى ما كتبه الحافظ ابن كثير ﵀ في كتاب البداية والنهاية، وإلى ما ذكره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكتب غيرهما كثير من أهل العلم في هذه الناحية. وآيات الأنبياء فيها ثلاث فوائد: الأولى: الدلالة على ما تقتضيه صفات الله ﷿ من القدرة والحكمة والرحمة وغير ذلك. الثانية: تأييد الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم صادقون فيما جاؤوا به. والثالثة: رحمة الخلق، فإن الخلق لو لم يشاهدوا هذه الآيات من الأنبياء لأنكروا وكذبوا، فتأتي هذه الآيات ليزدادوا طمأنينة، ويقبلوا ما جاءت به الرسل، ويذعنوا وينقادوا له، والله عليم حكيم. وأما قول السائل: أفلا تكون هذه الآيات مجردة له عن الأحوال البشرية؟ فإننا نقول له: لا، هذه الآيات لا تخرجه عن كونه بشرًا، ولهذا لما سها النبي ﷺ في صلاته قال لهم: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فبين النبي ﷺ أنه بشر، وأنه يلحقه ما يلحق البشر من النسيان وغير النسيان أيضًا، إلا أنه ﷺ تميز عن البشر بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وبما جبله عليه الله تعالى من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من الصبر والكرم والجود والشجاعة وغير ذلك مما كان به أهلًا للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته. وليُعلم أن الرسول ﷺ لا يعلم الغيب، ولايملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا يملك ذلك لغيره أيضًا، فقد قال الله له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إليَّ) . وقال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . وبهذا يتبين أن من دعا الرسول ﷺ واستنجد به بعد وفاته واستغاث به فإنه على ضلال مبين، قد صرف الأمر إلى غير أهله، فإن الأهل بذلك- أي: بالدعاء والاستغاثة- هو رب العالمين ﷿، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فيا أخي المسلم لا تدع غير الله، فما بك من نعمة فمن الله ﷿، وإذا مسك الضر فلا تلجأ إلا الله ﷿: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . لا والله، لا إله إلا الله الذي يكشف السوء ويجيب المضطر إذا دعاه ويجعل من شاء من عباده خلفاء الأرض، فاتق الله في نفسك، وضع الحق في نصابه، ولا تغل في دينك غير الحق فتكون مشابهًا لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. ***
ما الرد على من قال: هل كان سلام الرسول ﷺ ليلة المعراج على الأنبياء وردهم عليه كان بالروح، أم بالجسد، أم بهما معًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال لا ينبغي أن يصاغ على هذه الصفة، بل يقال: هل العروج بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والإسراء به إلى بيت المقدس، هل هو بروحه، أو بروحه وجسده؟ والجواب: أنه بروحه وجسده، أسري به ﵊ يقظة لا منامًا بروحه وجسده؛ لأن الله تعالى قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) ولم يقل: بروح عبده وقال الله ﷾ في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) إلى آخر الآيات، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به ببدنه يقظان وليس بنائم. ويدل لذلك من الواقع أن قريشًا لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما رأى في تلك الليلة صاحوا عليه وكذبوه، وأنكروا ذلك غاية الإنكار، ولو كانت بروحه أو رؤيا رآها لما أنكروا هذا عليه؛ لأن العرب لا ينكرون المرائي، والإنسان يرى في منامه أنه سافر إلى أبعد مكان، وأنه فعل وفعل وفعل، مع أنه لو كان يقظان ما حصل له ذلك. فالحاصل أن القول الراجح بل المتعين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسري به بروحه وجسده، يقظان وليس بنائم. ***
أسأل عن الإسراء والمعراج بمحمد ﷺ، هل صعد إلى سدرة المنتهى بروحه وجسده أم روحه فقط؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعراج الذي حصل للرسول ﷺ كان بجسده وروحه، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . والعبد- وكذلك الصاحب- لا يكون إلا في الروح والجسد، فالنبي ﷺ أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات حتى بلغ مستوى بجسده وروحه ﷺ، ولو كان ذلك بروحه فقط ما أنكرت قريش ذلك، إذ إن المنامات يقع منها شيء كثير من جنس هذا، ولكنه كان ﷺ قد أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات كذلك. ***
السائل ع م د ومقيم بالمملكة يقول: نرجو من فضيلة الشيخ إلقاء الضوء على العبر والمواعظ من الإسراء والمعراج والمشاهد التي رآها الرسول ﷺ التي تؤثر في القلوب الغافلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحيل السائل إلى ما كتبه أهل العلم في ذلك؛ لأن حديث المعراج حديث طويل يحتاج إلى مجالس، ولكن ليرجع إلى ما كتبه ابن كثير ﵀ في كتاب البداية والنهاية في قصة المعراج، وما كتبه العلماء في الحديث على ذلك: كفتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم، وغيرهما من الكتب، إنما نشير إشارة موجزة لقصة المعراج: فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسرى به الله تعالى ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان نائمًا في الحجر فأسري به من هناك، والحجر هو الجزء المقتطع من الكعبة والمقوس عليه بالجدار المعروف، أسري به من هناك ﵊ إلى بيت المقدس، وجمع له الأنبياء، وصلى بهم إمامًا، ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة. وجد في الأولى آدم، ووجد في السابعة إبراهيم ﵊، ووصل إلى موضع لم يصله أحد من البشر، وصل إلى موضع سمع فيه صريف الأقلام التي يكتب بها القدر اليومي، إلى سدرة المنتهى، ورأى من آيات الله ﷾ ما لو رآه أحد سواه لزاغ بصره ولخبل عقله، لكن الله ﷾ ثبت هذا النبي الكريم ﵊ حتى رأى من آيات ربه الكبرى. وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وقيض الله موسى ﵊ حين مر به رسول الله ﷺ أن يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ماذا فرض الله عليه وعلى أمته؟ فأخبره بأن الله تعالى فرض عليه خمسين صلاة في كل يوم. وليلة فقال له: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فما زال نبينا صلوات الله وسلامه عليه يراجع الله، حتى استقرت الفريضة خمس صلوات في كل يوم وليلة بدل خمسين صلاة، لكنها بنعمة الله وفضله كانت خمس صلوات بالفعل وخمسين في الميزان، أي: إذا صلىنا خمس صلوات فكأننا صلىنا خمسين صلاة، والحمد لله رب العالمين وفي قصة فرض الصلوات في هذه الليلة التي هي أعظم ليلة في حق الرسول ﵊، وأنها خمسون صلاة، وأنها فرضت من الله إلى رسوله بدون واسطة، في هذا دليل على عناية الله تعالى بهذه الصلوات ومحبته لها، وأنها أعظم الأعمال البدنية في الإسلام، ولهذا كان تاركها كافرًا مرتدًّا خارجًا عن الإسلام. وقد اختلف الناس في ليلة المعراج والإسراء: هل هما في ليلة واحدة، أو في ليلتين؟ وهل كان الإسراء بروحه، أو بدنه وروحه؟ والصواب أنهما في ليلة واحدة، وأنه أسري بالرسول ﷺ بروحه. وبدنه ثم انقسم الناس في ليلة المعراج: في أي ليلة هي؟ وفي أي شهر هي؟ وأقرب الأقوال أنها كانت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأنها كانت في ربيع الأول، وليست في رجب. ثم ابتدع الناس في هذه الليلة بدعًا لم تكن معروفة عند السلف، فصاروا يقيمون ليلة السابع والعشرين من رجب احتفالًا بهذه المناسبة، ولكن لم يصح أنها- أعني: ليلة الإسراء والمعراج- كانت في رجب، ولا أنها في ليلة سبع وعشرين منه، فهذه البدعة صارت خطأً على خطأ: خطأً من الناحية التاريخية؛ لأنها لم تصح أنها في سبع وعشرين من رجب، وخطأ من الناحية الدينية؛ لأنها بدعة، فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحتفل بها، ولا الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين من بعدهم. ***
الأيمان باليوم الآخر
هذا المستمع يقول: ما هو أثر الإيمان باليوم الآخر على عقيدة المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر) . وأثر الإيمان على قلب المؤمن وعمله كبير: فإن الإنسان إذا آمن باليوم الآخر عمل له، والعمل لليوم الآخر هو فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وإذا فقد الإيمان باليوم الآخر فلا إيمان؛ لأنه أحد أركان الإيمان، ففي فقده فقد ركن من أركان الإيمان، والإيمان لا يتبعض في أركانه، لا بد أن يؤمن الإنسان بجميع أركان الإيمان، وإلا فلا إيمان له. فأثر الإيمان باليوم الآخر عظيمٌ جدًا، ولهذا يقرنه الله ﵎ بالإيمان به في مواضع كثيرة من القرآن؛ لأن الإيمان به هو الذي يحمل الإنسان على العمل، وقد قال الله تعالى مبينًا أن جحده كفر: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) . فأمر الله نبيه أن يقسم على البعث، وبين ﵎ أن ذلك يسيرٌ عليه فقال: (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقال ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . ***
المستمع من مصر سيد عباس يقول: ما هي العلامات الصغرى المتبقية فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يريد علامات الساعة، وفيها ما وقع وفيها ما هو مستقبل. ومن علامات الساعة التي وقعت بعثة النبي ﷺ، وكونه خاتم النبيين؛ لأن كونه خاتم النبيين يؤذن بقرب انتهاء الدنيا، والأمر كذلك، فإن الرسول ﷺ خطب الناس ذات يوم في آخر النهار وقال: (إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل ما بقي من يومكم هذا) وكانت الشمس على رؤوس النخل، أي: قريبة من الغروب. ومنها ما أشار إليه النبي عليه الصلاة السلام حين سأله جبريل قال له: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال النبي ﷺ: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) . ومنها انتشار الربا، وقد وقع وانتشر الربا كثيرًا بين الأمة الإسلامية. ومنها فساد أحوال الناس، فإن كثيرًا من بلاد المسلمين فيها شر كثير ومعاص معلنة، نسأل الله العافية والسلامة. وقد صنف العلماء ﵏ في ذلك كتبًا مستقلة أحيانًا، وفي ضمن كتاب يشتمل عليها وعلى غيرها أحيانًا أخرى، فنرشد السائل إلى مراجعتها. ***
تقول السائلة: ما صحة القول بأن أول علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، طلوع الشمس من مغربها متأخر؛ لأن الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى كلها قبل طلوع الشمس من مغربها. ***
يقول السائل: أقرأ هذا الدعاء في كل صلاةٍ قبل السلام، وهو: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أريد أن أعرف: من هو المسيح الدجال؟ وما هي فتنته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي أنت تدعو به في صلاتك بقي عليك شيء، وهو أنك تستعيذ من أربع، كما أمر بذلك النبي ﷺ: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . هذه الأربع أمر النبي ﷺ بالاستعاذة منها بعد التشهد وقبل السلام. أما المسيح الدجال: فإنه رجل يخرج في آخر الزمان يَدَّعي الربوبية، ويعطيه الله ﵎ من الآيات ما يكون سببًا للفتنة؛ امتحانًا من الله تعالى واختبارًا،هذا الرجل رجلٌ أعور، ولهذا سُمي المسيح لمسح إحدى عينيه، وهو معه جنةٌ ونار، فمن أطاعه أدخله الجنة، ولكنه لا يجد جنةً وإنما يجد نارًا، ومن عصاه أدخله النار التي معه، ولكنه لا يجدها نارًا وإنما يجدها ماءً عذبًا طيبًا، أو جنة كما ورد في بعض ألفاظ الحديث. ويمكث في الأرض أربعين يومًا: اليوم الأول بمقدار سنة، والثاني بمقدار شهر، والثالث بمقدار أسبوع، وبقية الأيام كأيامنا، وقد سأل الصحابة ﵃ رسول الله ﷺ عن هذا اليوم الذي كسنة: هل تكفي فيه صلاة يوم واحد؟ فقال رسول الله ﷺ: (لا اقدروا له قدره) . أي: إن هذا اليوم الأول من أيام الدجال يُصلى فيه صلاة سنةٍ كاملة؛ لأنه عن سنةٍ كاملة، واليوم الثاني يصلى فيه صلاة شهر، واليوم الثالث يُصلى فيه صلاة أسبوع، وبقية الأيام تصلى في كل يوم خمس صلوات. ثم إن هذا الدجال مع ما يحصل من فتنته العظيمة يوفق الله ﷾ المؤمنين فيعرفونه بعلامته، فإنه مكتوبٌ بين عينيه: كافر، كاف وفاء وراء يقرؤها كل مؤمن الكاتب وغير الكاتب، ويعمى عنها من ليس بمؤمن ولو كان قارئًا. ثم إنه أيضًا يُؤتى إليه برجل ليفتتن به، فيقول هذا الرجل: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ، فيقطعه الدجال قطعتين ثم يمشي بينهما، ثم يقف فيدعوه، يدعو هذا الرجل المقتول المفرق قطعتين، فيقوم هذا الرجل حيًا والناس ينظرون إليه، فيقول له: أتشهد أني الله؟ فيقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ. فيقطعه مرةً أخرى ثم يعود فيدعوه، فيقوم ويقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ. فيريد أن يقتله كما قتله المرتين الأوليين، ولكنه يعجز عنه، فيأخذ به ويلقيه في النار، ولكنه كما أسلفنا النار التي معه جنةٌ وماءٌ عذب، كما جاء به الحديث عن رسول الله ﷺ. ونهاية هذا الدجال أن عيسى بن مريم ﵊ ينزل من السماء؛ لأن عيسى بن مريم قد رفعه الله تعالى إلى السماء حيًا لم يمت، ثم ينزل في آخر الزمان فيقتل هذا المسيح الدجال وتنتهي فتنته. ***
يقول السائل: قرأت في بعض الكتب عن الدجال، هل هو ابن صياد أم لا؟ فما هو الحق في ذلك؟ وكذلك في صحيح مسلم أن الرسول ﷺ رأى رجلًا يطوف بالبيت وفيه صفات الدجال، فلما سأل عنه قيل: هذا هو الدجال، مع أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة. نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ابن صياد ليس هو الدجال الذي يبعث في آخر الزمان، وإنما هو دجال من الدجاجلة، يشبه الكهان في تخرصه وتخمينه، ولكنه ليس هو الدجال الذي يبعث يوم تقوم الساعة، فيقتله عيسى بن مريم ﵊. وأما رؤية النبي صلى عليه وسلم من قيل له: إنه هو الدجال يطوف بالبيت، فإن الممتنع إنما هو دخوله في اليقظة، فإنه لا يدخل- أعني: الدجال الذي سيبعث في آخر الزمان، لا يدخل- مكة ولا المدينة وهذا في اليقظة، والأحكام الشرعية تختلف في اليقظة وفي المنام. ***
يقول السائل: من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كبيرتان من بني آدم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: (إنه إذا كان يوم القيامة ينادي الله ﷾: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! فيقول الله تعالى: أخرج من ذريتك بعثًا إلى النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعةٌ وتسعون. يعني: هؤلاء كلهم في النار من بني آدم، وواحد في الجنة. فعظم ذلك على الصحابة فقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ فقال ﷺ: أبشروا! فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحد ومنهم تسعمائة وتسعةٌ وتسعون) . فهما قبيلتان عظيمتان، لكنهما من أهل الشر والفساد، والدليل على ذلك أمران: أمرٌ سابق، وأمرٌ منتظر. فأما الأمر السابق: فما حكاه الله ﷾ عن ذي القرنين أنه لما بلغ السدين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤» إلى آخر ما ذكر الله ﷿. والشاهد من هذا قولهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)، وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدًّا. وأما الشر والفساد المنتظر: فهو ما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل (أن الله ﷾ يوحي إلى عيسى أنه أخرج عبادًا لله لا يدان لأحدٍ بقتالهم، وأنهم يعيثون في الأرض فسادًا، وأنهم يحصرون عيسى ومن معه في الطور) . وهذا هو الفساد المرتقب منهم، فسيخرجون في آخر الزمان من كل حدبٍ ينسلون، ويعيثون في الأرض فسادًا، حتى يدعو عيسى بن مريم ربه عليهم، فيصبحون موتى كنفسٍ واحدة. هؤلاء هم يأجوج ومأجوج، وأما ما يذكر في الإسرائيليات من أن بعضهم طويلٌ طولًا مفرطًا، وأن بعضهم قصيرٌ قصرًا مفرطًا، وأن بعضهم لديه آذانٌ يفترش إحدى الأذنين ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فإن كل هذا لا صحة له، بل الصحيح الذي لا شك فيه أنهم كغيرهم من بني آدم، أجسادهم وما يحسون به وما يشعرون به، فهم بشر كسائر البشر، لكنهم أهل شرٍ وفساد. ***
ما المقصود بيأجوج ومأجوج؟ وماذا تعرفون عنهم، كما ورد ذكرهما في القرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بيأجوج ومأجوج أنهما قبيلتان من بني آدم، كما جاء في ذلك الحديث عن النبي ﷺ. وما ورد في بعض الكتب من أن منهم القصير جدًا والصغير، ومنهم الكبير، ومنهم الذي يفترش أذنًا من أذنيه ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فكل هذه لا أصل لها، وإنما هم من بني آدم وعلى طبيعة بني آدم، لكنهم كانوا في وقت ذي القرنين، كانوا قومًا مفسدين في الأرض، فطلب جيرانهم من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدًا، حتى يمنعهم من الوصول إليهم وإفسادهم في أرضهم، وفعل ذلك وقال: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) (الكهف:٩٦) ففعلوا، فما استطاعوا أن يظهرو وما استطاعوا له نقبًا، فكفى الله جيرانهم شرهم. ثم إنهم في آخر الزمان، وبعد نزول عيسى ﵊ يخرجون على الناس ويبعثون؛يبعثون بمعنى أنهم يخرجون وينتشرون في الأرض، ويحصرون عيسى بن مريم والمؤمنين معه في جبل الطور، ثم يلقي الله ﵎ في رقابهم دودةً تأكل رقابهم، فيصبحون فرسى- يعني: جمع فريسة، يعني: موتى- كلهم ميتة رجلٍ واحد، ويقي الله ﷾ عيسى وأصحابه شرهم. ***
السائل ش م م من العراق محافظة صلاح الدين يقول: يقول الله ﷿ في سورة الكهف: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) . فمن هم يأجوج ومأجوج؟ وأين يوجدون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج ذكرهم الله ﷾ في القرآن الكريم في قوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) . وفي قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) (الكهف:٩٤) . وهاتان قبيلتان من بني آدم، كما ثبت به الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: (أن الله يقول يوم القيامة: يا آدم! فيقول لبيك وسعديك! فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار. فقال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فشق ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ يعنون: الذي ينجو من النار. فقال رسول الله ﷺ: أبشروا! فإنكم في أمتين- أو قال: بين أمتين- ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج) . وهذا دليل واضح على أنهما قبيلتان من بني آدم، وهو كذلك، وهم موجودون الآن، وظاهر الآية الكريمة أنهم في شرق آسيا؛ لأن الله قال: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) . فظاهر سياق الآيات الكريمات أنهم كانوا في الشرق، ولكن هاتان الأمتان سيكون آخر الزمان لهم دور كبير في الخروج عن الناس؛ لما جاء في حديث النواس بن سمعان الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن الله تعالى يوحي إلى عيسى أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم: يأجوج ومأجوج، فحرِّر عبادي إلى الطور) . فخروجهم الكبير المنتشر الذي يظهر به فسادهم أكثر مما هم عليه الآن سيكون في آخر الزمان، وذلك في وقت نزول عيسى بن مريم ﵊. ***
يقول السائل: كثيرًا ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض، ونسمع من جهةٍ ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول: لا إله إلا الله في الأرض، فكيف نوفق بين هذين القولين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما سهل، وهو: أن كل واحدٍ منهما في زمنٍ غير زمن الآخر، فالإسلام يعم الأرض كلها، ثم بعد ذلك يندثر هذا الإسلام ويموت المؤمنون، ولا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة. ***
ما مدى صحة ما يقال بأن من يموت في رمضان أو يوم الجمعة لا يعذب عذاب القبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت لكل من يستحقه، سواء مات في يوم الجمعة أو في رمضان أو في أي وقت آخر، ولهذا كان المسلمون يقولون في صلاتهم، في كل صلاة من صلواتهم في التشهد الأخير: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. إلا أن من مات مجاهدًا في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان اللذان يسألانه عن دينه وربه ونبيه؛ لأن بارقة السيوف على رأسه أكبر امتحان له واختبار، وأكبر دليل على أنه مؤمن، وإلا لما عرض رقبته لأعداء الله. ***
المستمع عدنان من المملكة الأردنية الهاشمية يقول: هل الميت يبصر؟ وما مدى بصيرته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الميت لا يبصر البصر المعروف في الدنيا؛ لأنه قد فقد الإحساس بموته، لكنه يبصر ما يراه في قبره من عالم الآخرة، ويفسح له في قبره مد البصر إن كان مؤمنًا، ويرى الملكين يسألانه عن ربه ودينه ونبيه. وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فإنه لا يبصره؛ لأنه قد حجب عن أمور الدنيا بموته. ***
إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته، أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة؟ نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما جسم الميت فإنه يبقى في الأرض في المكان الذي دفن فيه إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . فهو باقٍ في الأرض. وأما روحه فإنها تكون في الجنة أو تكون في النار، قال الله ﵎: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) . فبين أن هذا القول يكون عند الوفاة، فمعنى ذلك أنهم يدخلون الجنة يوم وفاتهم، وهذا لا يكون إلا للروح، لا يكون للبدن. وقد ثبت عن النبي ﷺ (أن الميت في قبره إذا كان مؤمنًا يفتح له بابٌ إلى الجنة، ويأتيه من روحها ونعيمها) . وأما الكافر فإن روحه أيضًا يذهب بها إلى العذاب، قال الله تعالى عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وفيها قراءة (وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة ادخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) . فهذا دليل على أن الميت المؤمن يلقى جزاءه في الجنة من يوم موته، والكافر يلقى عذابه في النار من يوم موته، وهذا بالنسبة للروح، أما البدن فإنه يبقى في الأرض إلى يوم القيامة، وقد تتصل الروح به معذبةً أو منعمة، كما تدل على ذلك الأحاديث. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هل الميت يسمع السلام والكلام ويشعر بما يفعل لديه أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، والسنة فيها قد بينت بعض الأشياء: فقد صح عن النبي ﵊ (أن الرجل إذا دفن في قبره وانصرف الناس عنه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان) فامتحناه. فأثبت النبي ﵊ أنه يسمع قرع النعال، وأخبر النبي ﷺ أنه (ما من رجلٍ مسلم يمر بقبر رجلٍ مسلم فيسلم عليه وهو يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد ﵇ . وهذا الحديث صححه ابن عبد البر، وذكره ابن القيم في كتاب الروح ولم يعقب عليه. وربما يؤيد هذا أن الرسول ﵊ كان إذا خرج إلى المقابر قال: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين) . فإنه قد يشعر بأنهم يسمعون ذلك ويردون، من أجل أنه وجه هذا الدعاء إليهم بالخطاب. وعلى كل تقدير مهما قلنا بأن الميت يسمع فإن الميت لا يسمع غيره ولو سمعه، يعني: أنه لا يمكن أن ينفعك الميت إذا دعوت الله عند قبره، كما لا ينفعك إذا دعوته نفسه، ودعاؤك الله عند قبره معتقدًا أن في ذلك مزية بدعةٌ من البدع، ودعاؤك إياه شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة. فإن قال قائل: إن بعض الذين يدعون الأموات قد ينتفعون بدعائهم؟ فالجواب على ذلك: أن هذا الانتفاع لم يكن بدعائهم الميت، لكن كان عند دعائهم الميت، وفرق بين حصول الانتفاع بدعاء الميت وحصول الانتفاع عند دعاء الميت؛ لأنك إذا قلت: حصل الانتفاع بدعاء الميت كان دعاء الميت هو السبب في ذلك الانتفاع، وإذا قلت: عنده لم يكن هو السبب ولكن كان قريبًا منه في الوقت. فنحن نقول: إن الله قد يبتلي الإنسان الذي يدعو أصحاب القبور بحصول ما يدعو به عند دعائه امتحانًا له واختبارًا له، وإلا فنحن نعلم أن كل من دعا غير الله فإنه من أضل الناس، بل قد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . ولا عجب أن يبتلي الله الإنسان بمثل هذه البلوى، فهاهم أصحاب السبت، قومٌ من بني إسرائيل من اليهود كانوا في قريةٍ على شاطئ البحر، وكان عمل صيد الحوت محرمًا عليهم يوم السبت، فابتلاهم الله ﷿، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعًا على سطح الماء كثيرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي الحيتان، فطال عليهم الأمد وقالوا: كيف نحرم من هذه الحيتان؟ وما الحيلة في الحصول عليها؟ فزين لهم الشيطان حيلةً بأن يضعوا شبكًا يوم الجمعة في الماء، فإذا أتت الحيتان يوم السبت وقعت في هذا الشبك ولم تستطع الخروج منه، فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها، تحيلوا على محارم الله بأدنى الحيل، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فقلب الله هؤلاء القوم قردةً خاسئة ذليلة. والمهم من سياق هذه القصة أن الإنسان قد يبتلى بما يكون فتنةً له في دينه إن اتبعه، فهؤلاء الذين يدعون الأموات ربما يفتنون فيحصل لهم المطلوب عند دعائهم الأموات فتنةً لهم، وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن الأموات لا ينفعون أحدًا مهما كان الأمر، لو دعاهم بالليل والنهار ما نفعوه، كيف وهم أمواتٌ جثث هامدة؟ ولكن من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور. ***
مستمعة من العراق محافظة التأمين أشواق إلياس سليمان تقول: لقد ذكر الله جل شأنه في كتابه العزيز أن أصحاب الكهف ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، وأن العزير أماته الله ﷾ مائة، ثم بعثهم وبعثه، وقد علمنا من شأنهم بقية القصة. السؤال: هل الموتى لا يحسون بمدة موتهم إلى أن يحييهم الله يوم القيامة؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا هي ذكرت قصتين قصة أصحاب الكهف، وقصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ولم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان عزيرًا، فهو رجلٌ حصلت له هذه القصة. والعبرة لما في القصة من آيات الله ﷿: أما أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولكنهم ناموا، ألقى الله عليهم النوم هذه المدة الطويلة التي قال الله عنها: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) . ولما استيقظوا تساءلوا: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)؛ لأن النائم- كما هو مشاهد ومحسوس- لا يحس بالوقت، قد ينام الإنسان يومًا أو يومين وكأنه لم ينم إلا ساعة أو ساعتين، وهذا شيء مشاهد، والظاهر أن الموتى كالنُّوَّم، وهي التي صارت فيها القصة الثانية: فإن هذا الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فاستبعد أو استفهم: كيف يحيي الله الأرض هذه القرية بعد موتها؟ فأراه الله ﷿ هذه الآية العظيمة، أماته الله مائة سنة ثم بعثه من موته، وسأله: (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ) . ثم أمره ﷿ أن ينظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير، مع أنه بقي مائة سنة، فلم ييبس من شمس ولا رياح، والطعام لم ينتن، بل هو باق كما، كان أما الحمار فإنه قد مات وذهب جلده ولحمه ولم يبق إلا عظامه، فقال الله تعالى: (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) . فشاهد العظام ينشز الله بعضها ببعض بواسطة العصب، فلما تكاملت كساها الله لحمًا فكان حمارًا كاملًا، وهذا من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته، وأنه على كل شيء قدير. والخلاصة أن في هاتين القصتين من آيات الله العظيمة ما هو ظاهر للمعتبر، وأن الجواب على سؤال السائلة- وهو: أن الميت لا يدري عن المدة التي تمر عليه-: أن الظاهر أن الميت كالنائم، ينطوي عليه الوقت ولا يدري عن سرعته. ***
يقول: فضيلة الشيخ إمام وخطيب المسجد الجامع الكبير بعنيزة السلام عليكم، سؤالي ما يلي: كيف يتأذى الميت بدخول إنسان لا يصلى معه في القبر؟ ألم يكن كل واحد ذهب إلى مقعده: إن كان في الجنة فهو في الجنة، والثاني في النار فهو في النار؟ أم كيف يكون التأذي؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا السؤال أن نقول: إنه لا يحل أن يدفن شخص لا يصلى مع شخص مسلم، بل ولا يحل أن يدفن وحده في مقابر المسلمين، والواجب أن يدفن من مات لا يصلى في مكان غير مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم. هذا القول الراجح الذي رجحناه بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقوال الصحابة ﵃، وقد سبق لنا مرارًا من هذا البرنامج ذكر الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة كفرًاَ مخرجًا عن الملة، سواء كان مقرًا بفرضيتها أم كان جاحدًا بل إذا كان جاحدًا، كفر وإن صلى، إلا أن يكون جاهلًا بأحكام الإسلام، كحديث عهد بالإسلام، فإنه يعرف ويبين له، فإن أقر بالوجوب وإلا كان كافرًا. المهم أنه لا يجوز أن يدفن من لا يصلى مع شخص مسلم، ولا في مقابر المسلمين، بل إن المشروع ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره. واختلف العلماء ﵏: هل دفن الميت مع ميت آخر محرم لا يجوز إلا للضرورة، أو مكروه يجوز عند الحاجة إليه ولو بدون الضرورة، مع اتفاقهم على أن المشروع أن يدفن كل ميت وحده؟ وأما قول السائل: إنه يتأذى به، فهذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئًا من السنة، وإن كان بعض العلماء ﵏ يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلًا من السنة يؤيد هذا. والله أعلم. ***
المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت بكتاب الله وسنة رسوله. أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وفي قوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة، ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين، وهو قول المصلى: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . وعذاب القبر في الأصل على الروح، وربما يتصل بالبدن أحيانًا، ولا سيما حين سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه، فإن روحه تعاد إلى جسده، لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا، ويسأل الميت عن ربه ونبيه ودينه، فإذا كان كافرًا أو منافقًا قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق. ***
يقول: إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر فكيف يكون ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن رسول الله ﷺ أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) (الإسراء:٣٦) ***
يقول: تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاث: حياة الدنيا وهي التي نعيشها، ثانيا: ً حياة الآخرة معروفة، ثالثا: ً بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ، فما هي حياة البرزخ؟ وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حياة البرزخ حياةٌ بين حياتين، وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى: فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة للمتقين؛ لأن الإنسان ينعم في قبره، ويفتح له بابٌ إلى الجنة، ويوسع له مد البصر. وحياة الآخرة- وهي الجنة التي هي مأوى المتقين- أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ. وكذلك يقال بالنسبة للكافر، يقال: إن حياته في قبره أشد عذابًا مما يحصل له من عذاب الدنيا، وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد، فحياة البرزخ في الواقع حياةٌ بين حياتين في الزمن وفي الحال، فحال الإنسان فيها بين حالين: دنيا وعليا، وكذلك الزمن كما هو معروف. أما سؤاله: هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟ فهي قطعًا بالروح بلا شك، ثم قد تتصل بالبدن أحيانًا إن بقي ولم تأكله الأرض، ولم يحترق ويتطاير في الهواء، وقد لا تتصل. هذا هو القول الراجح في نعيم القبر أو عذابه: أنه في الأصل على الروح، وقد تتصل بالبدن، لكن ما يكون عند الدفن فالظاهر أنه يكون على الروح والبدن جميعًا؛ لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك، من أن الميت يجلس في قبره ويسأل، ويوسع له في قبره، ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وكل هذا يدل على أن النعيم أو العذاب عند الدفن يكون على البدن والروح. ***
ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه، وسألاه عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة- جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم- فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المنافق فإنه يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. ثم يبقى المؤمن منعمًا في قبره، والمنافق معذبًا في قبره. والعذاب يكون في الأصل على الروح، ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع، وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعًا. ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي، ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛ لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس ﵄ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) . يعني: أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما، بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) . يعني: بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ ليفسد بينهم ويفرق بينهم. فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين، فجعل على كل قبر واحدة، فقالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول؟ الله قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر، وأنه قد ينقطع وقد يخفف. أخذ بعض أهل العلم ﵏ من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين، لكن هذا مأخذ ضعيف جدًّا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر، لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان، فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر، وأنه الآن يعذب. وثُم هو بدعة؛ لأن النبي ﷺ إذا فعل شيئًا لسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامًّا في كل شيء، بل فيما ثبت في هذا السبب. ثم هذا السبب ليس أمرًا معلومًا، بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة، بل هو مجهول، وهو عذاب القبر، فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛ لأن ذلك كله من البدع، ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه. ***
السائل إبراهيم من الرياض يقول: ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عقيدتهم في الحياة البرزخية ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على أن الإنسان يعذب في قبره وينعم بحسب حاله، قال الله ﵎ في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:٤٦) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وقال الله تبارك تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصلىةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦» . وهذه الحياة التي يكون فيها النعيم أو العذاب حياة برزخية ليست كحياة الدنيا، فلا يحتاج فيها الحي إلى ماء ولا طعام ولا هواء، ولا وقاية من برد ولا وقاية من حر، حياة لا نعلم كيفيتها، بل هي من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله ﷿، أو من وصل إليها وحصل له بها حق اليقين. ونحن نقرأ في صلواتنا: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ***
السائلة تقول في هذا السؤال: أرجو التحدث عن الحياة البرزخية كما جاء في سورة المؤمنون: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فأجاب رحمه الله تعالى: الحياة البرزخية هي الحياة التي تكون بين موت الإنسان وقيام الساعة، والإنسان قد يقبر فيدفن في الأرض، وقد يلقى في البحر فتأكله الحيتان، وقد يلقى في البر فتأكله الطيور والوحوش، ومع ذلك فإن كل واحد من هؤلاء يناله من الحياة البرزخية ما يناله. وهي- أعني: الحياة البرزخية- من عالم الغيب، فلولا أن الله ورسوله أخبرانا بما يكون فيها ما علمنا عنها، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه ورسوله ﷺ أخبرنا في سنته بما لا نعلمه عن هذا الأمر، فالحياة البرزخية يكون فيها العذاب ويكون فيها النعيم، إما على الروح وحدها أو تتصل بالبدن أحيانًا، لكن هذا العذاب ليس من عالم الشهادة، ولهذا يعذب الإنسان في قبره، ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، أو يفسح له في القبر وينعم فيه، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها ونعيمها، ولو أننا كشفنا القبر لوجدنا الميت كما دفناه بالأمس لم تختلف أضلاعه، ولم نجد رائحة من روائح الجنة ولا شيئًا من هذا؛ لأن هذه الحياة حياة برزخية غير معلومة لنا وليست من عالم الشهادة. وأضرب مثلًا يقرب ذلك بأن الإنسان النائم نائم عندك، وهو يرى في منامه أنه يذهب ويجيء، ويبيع ويشتري، ويصلى، ويزور قريبًا له ويعود مريضًا، وهو في منامه مضطجع عندك ما كأنه رأى شيئًا من ذلك، ومع ذلك هو يرى، هكذا أيضًا الحياة البرزخية: الميت يرى فيها ما يرى، وينعم فيها ويعذب، لكن في جانب الحس لا يشاهد شيئًا من هذا، وذلك أن النوم أخو الموت في الواقع، لكن الموت أشد وأعظم عمقًا في مثل هذه الأمور. والنفس لها تعلق بالبدن على وجوه أربعة: الأول: تعلقها بالبدن في حال الحمل، والثاني: تعلقها في حال الحياة الدنيا، وتعلقها في حال الحياة الدنيا يكون في حال اليقظة وفي حال النوم، ويختلف هذا عن هذا، والثالث: تعلقها بالبدن في البرزخ، والرابع: تعلقها بالبدن بعد البعث، وهذا الأخير هو أكمل التعلقات، ولهذا لا تفارق الروح البدن لا بنوم ولا بموت، إذ لا موت بعد البعث ولا نوم، وإنما هي حياة دائمة، حياة يقظة، لكن إما في نعيم دائم- أسأل الله أن يجعلني والمستمعين من هؤلاء- وإما في جحيم دائم والعياذ بالله: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) . وأما أهل النعيم فهم في نعيم دائم، فهذه أنواع تعلق الروح بالبدن، ولكل منها خاصية ليست في الأخرى. ***
يقول السائل: كيف السؤال في القبر بعد ممات الإنسان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال أنه يأتيه ملكان فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب أو المنافق فهذا يقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين. ***
يقول السائل م. ع: ما حقيقة عالم البرزخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحيلك على نفسك: إذا كنت في البرزخ فسوف تعرف ما حال الإنسان! ولكن الذي بلغنا من ذلك أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فسألاه عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن- نسأل الله أن يجعلنا منهم- فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة. وأما المنافق المرتاب- والعياذ بالله- فإنه إذا سئل قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته- أعاذنا الله وإياكم منهم- فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، أي: يدخل بعضها بعضًا من الضيق، ويفتح له بابٌ إلى النار- أجارنا الله وإياكم منها- ثم يبقى الإنسان على أمرٍ لا ندري عنه بالتفصيل، لكننا نؤمن بعذاب القبر ونعيم القبر. ***
السائلة ن ع ع جدة تقول: أرجو أن تبينوا لنا عذاب القبر وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله. وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فقد تم توديعه، وحينئذ يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن أجاب بالصواب فسح له في قبره، وفتح له باب إلى الجنة، ونادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي. وإن توقف وقال: لا أدري، فإنه يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي. ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. والأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة، تنحصر في أن الأسباب الواقية من عذاب القبر هي القيام بطاعة الله، فيفعل ما أمر الله به ويترك ما نهى الله عنه. ومنها- أي: من الأسباب الواقية من عذاب القبر- التعوذ بالله من عذاب القبر، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نتعوذ من عذاب القبر أمرًا عامًّا فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، وأمرنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر أمرًا خاصًّا بعد التشهد الأخير، حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر- أو قال: الأخير فليستعذ بالله من أربع، فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . ومن أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، كما في حديث ابن عباس ﵄ قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول- أو قال لا يستنزه من البول-، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة) . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرز في كل قبر واحدة، قالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول الله؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . فبين النبي ﷺ سبب عذابهما بأن أحدهما لا يستبريء من البول، وأن الثاني كان يمشي بالنميمة. والنميمة هي نقل كلام الناس فيما بينهم على سبيل الإفساد، فيأتي للشخص ويقول: قال فلان فيك كذا، قال فلان فيك كذا؛ ليلقي العداوة بينهما. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء يفعله بعض الناس: إذا فرغ من دفن الميت وضع عليه غصنًا أخضر من جريد النخل أو غيره، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث وضع الجريدة التي شقها نصفين على كل قبر واحدة، فإن هذا الذي يفعله بعض الناس بدعة؛ لأن رسول الله ﷺ ما كان يفعله على قبر كل ميت، وأيضًا فإن الرسول ﷺ فعله لسبب، وهو أن أصحاب القبرين يعذبان، فما يدري هذا الرجل أن صاحبه يعذب حتى يضع عليه هذا الغصن الأخضر؟ وأيضًا فإن وضع هذا الغصن الأخضر شهادة بالفعل على أن صاحب القبر يعذب، فيكون في ذلك إساءة ظن بصاحب القبر. لكن بعض الناس لا يتأملون ماذا يتفرع على أفعالهم من المفاسد، فتجدهم يأخذون بظاهر الحال ولا يتأملون حق التأمل، نسأل الله لنا ولهم الهداية. ***
يقول السائل: يقال: إن الكافر عندما يوضع في القبر ويأتيه منكر ونكير، يأتيانه في صورٍ مخيفة ومرعبة، فهل المؤمن يرى منكرًا ونكيرًا بنفس الصورة التي يراهما فيها الكافر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لا يستوي المؤمن والكافر فيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وأن المؤمن ينعم في قبره، ويوسع له فيه، وينور له فيه، ويفتح له فيه بابٌ إلى الجنة، وأما الكافر فإنه يعذب في قبره، ويضيق عليه فيه حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، ويفتح له بابٌ إلى النار. وأما المساءلة حين السؤال: فإن الميت يأتيه ملكان يسألانه عن ثلاثة أشياء: عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب فيقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. هذا أكثر ما عندي الآن حول الإجابة على هذا السؤال ***
يقول المستمع م. ع. م. من المدينة المنورة: ورد في الحديث الصحيح أن الميت عندما يوضع في قبره يسأل عن ثلاث: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ بينما ورد عن الرسول ﷺ بأن ينتظر عند الميت بعد دفنه مقدار ما تنحر الجزور. السؤال: الأسئلة المذكورة أعلاه الثلاثة لا تستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق، فهل هناك أسئلة أخرى تستغرق مقدار نحر الجزور؟ آمل إفادتي مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي ﷺ أن الناس يمكثون عند القبر بمقدار ما تنحر الجزور، وإنما جاء ذلك عن عمرو بن العاص ﵁، أما الوارد عن النبي ﷺ فإنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) . فالذي أمر به النبي ﵊ أن نقف بعد دفن الميت إذا فرغنا من دفنه، أن نقف عليه وأن نقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، ثلاث مرات ثم ننصرف، هذا هو الوارد فليقتصر عليه. ***
المستمع مصري الجنسية يعمل بالعراق يقول: قرأت في كتاب يسمى دقائق الأخبار ما يفيد بأن الإنسان بعد الموت يدخل عليه في القبر ملك اسمه دومان، فيقول له: اكتب عملك. فيقول: أين قلمي وحبري وورقي؟ فيمسك سبابة يده اليمنى ويقول: هذا قلمك، ويشير إلى فمه: من هنا حبرك، ويقطع قطعة من جلد يده ويقول: هذا ورقك. وروى الكثير مما يحدث بعد الموت، مثل استئذان الروح من ربها بعد أسبوع وتعود إلى البيت الذي كانت تعيش فيه. هل هذا صحيح؟ وهل هناك ما يثبت ذلك من القرآن والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل هو باطل، والأمور الغيبية لا يجوز الاعتماد على شيء لم يثبت فيها عن الله ورسوله؛ لأن الأمور الغيبية لا يطلع عليها إلا الله ﷿، أو من أطلعه الله عليه ممن اصطفاه من الرسل، قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧» . وما ذكره مما يكون للإنسان بعد موته فهو باطل لا أصل له. وإني أحذر أخي السائل من قراءة مثل هذه الكتب، وما أكثر أنواعها في الوعظ والترغيب والترهيب، فإن كثيرًا من الكتب المصنفة في الوعظ والترغيب والترهيب فيها أحاديث لا زمام لها، وإنما يقصد واضعوها أن يقووا رغبة الناس أو رهبتهم، وهذا خطأ، خطأ أرجو الله أن يعفو عنهم إذا كان صادرًا عن حسن النية، والحذر الحذر فالحذر الحذر من مثل هذه الكتب، وما صح من سنة رسول الله ﷺ ففيه كفايتنا عن هذه. ***
يقول السائل: كيف النجاة من فتنة القبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام، فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله؛ لأنه إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فسيجيب بالصواب، وحينئذ ينجو، فإن مات على نفاق- نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق- فإنه لن يجيب إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فهذا لا ينجو من الفتنة، ويعذب في قبره والعياذ بالله. ***
يقال: إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون، إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة. ما مدى صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بصحيح، بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم، وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه، ولكن الله تعالى ييسره على المسلم، كما قال الله تعالى: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . فاليوم عسير وشديد، وعسره وشدته على الجميع، ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين، ويكون غير شاقٍ عليهم، بخلاف الكافرين. ***
كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غرلًا بُهمًا. أما حفاةً فمعناه: أنه ليس في أقدامهم نعالٌ ولا خفاف ولا جوارب، وأما عراة فمعناه: أنه ليس عليهم ثياب، العورات بادية، كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . غرلًا أي: غير مختونين، أي: إن القلفة التي تقطع في الختان في الدنيا- وهي الجلدة التي على رأس الذكر- تعاد يوم القيامة، حتى يخرج الناس من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم غير مختونين، وأما بُهمًا فمعناه: أنه ليس معهم مال يعرفون به، فلا درهم ولا دينار ولا متاع ولا شيء ما هي إلا الأعمال الصالحة، هكذا يخرج الناس من قبورهم لرب العالمين جل وعلا. ***
هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدًّا؟ أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المؤمن يخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون يسيرًا جدًّا، ودليل ذلك في كتاب الله ﷿، قال الله ﵎: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . وقال تعالى: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) . وكل هذا يدل أن هذا اليوم يكون يسيرًا على المؤمنين، وبقدر ما يكون الإيمان عند العبد يكون اليسر في ذلك اليوم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، نسأل الله أن ييسر علينا وعلى إخواننا المسلمين أهوال ذلك اليوم. ***
هذه رسالة وصلت من إحدى اخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى، تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة، تقول: كثيرًا ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة، حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل. سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير، يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟ أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال المقدم عن هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت. وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيرًا بكونها مؤمنة بالله تعالى، وتحاول جاهدة تصديق الشريعة الإسلامية، وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان أن يتحدث بنعمة الله ﷿، أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به، وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه ﷿ فإن هذا فيه شيء من المنّة، وقد قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به، لكن الأولى تركه، فالأحوال إذًا في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع: الحال الأولى: أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه من نعمة الإيمان والثبات، الثانية: أنه يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه، فهاتان الحالان محمودتان؛ لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة. الحال الثالثة: أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله ﷿ بما هو عليه من الإيمان والثبات، وهذا غير محمود؛ لما ذكرناه من الآية. الحال الرابعة: أن يريد بذلك مجرد خبر عن نفسه لما هو عليه من الإيمان والثبات، فهذا جائز ولكن الأولى تركه أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها، وهي أن يوم الحساب يوم واحد أو أكثر؟ فجوابها: أن يوم الحساب يوم واحد، ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤» أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من صاحب ذهب ولافضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد) . وهذا يوم طويل، وهو يوم عسير على الكافرين، كما قال تعالى: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيرًا على الكافر، أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي ﷺ فيه: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم. وأضرب لك مثلًا بما ذكره الله ﷾ في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير والعسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك، مع قوله ﷿: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) . وقوله في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى، وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئًا وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق ﵀ برأسه حتى علاه الرحض- أي: العرق- وصار يتصبب عرقًا، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزانًا لجميع ما وصف الله به نفسه، قال ﵀: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة ﵃ وهم أشد منا حرصًا على العلم وعلى الخير- لم يسألوا النبي ﷺ مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة. وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله ﷿ التي وصف الله بها نفسه، من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله ﷿ لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها، كما أن الله ﷾ لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب الآن: أن اليوم الآخر يوم واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلومًا لنا في هذه الحياة الدنيا. ***
محمد عبد الجبار مصطفى من بغداد العراق يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في حكم الطفل الذي يولد متخلفًا عقليا؟ ً وهل ورد في أحاديث الرسول ﷺ ما يشير إلى ذلك؟ وهل هناك تفسير لآياتٍ قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟ وهل يحاسب يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المولود وهو متخلفٌ عقليًا حكمه حكم المجنون ليس عليه تكليف، فلا يحاسب يوم القيامة، ولكنه إذا كان من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم فإن له حكم الوالد المسلم، أي: إن هذا الطفل يكون مسلمًا فيدخل الجنة، وأما إذا كان من أبوين كافرين: فإن أرجح الأقوال أنه يمتحن يوم القيامة بما أراد الله ﷿، فإن أجاب وامتثل أدخل الجنة، وإن عصى أدخل النار. هذا هو القول الراجح في هؤلاء، وهو- أي: هذا القول- منطبق على من لم تبلغهم دعوة الرسول ﷺ، كأناسٍ في أماكن بعيدة عن بلاد الإسلام، ولا يسمعون عن الإسلام شيئًا، فهؤلاء إذا كان يوم القيامة امتحنهم الله ﷾ بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. قد يقول قائل: كيف يمتحنون وهم في دار الجزاء، وليسوا في دار التكليف؟ فجوابنا على هذا: أولًا: أن الله ﷾ يفعل ما يشاء، فله أن يكلف عباده في الآخرة كما كلفهم في الدنيا، ولسنا نحن نحجر على الله ﷿. ثانيًا: أن التكليف في الآخرة ثابت بنص القرآن، كما قال الله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣» . فدل هذا على أن التكليف قد يقع في الآخرة. إذًا هذا الذي ولد متخلفًا عقليًا فحكمه حكم المجانين، وليس عليه تكليف، وحكمه حكم أبويه إن كانا كافرين، وإن كانا مسلمين أو أحدهما فهو مسلم. وبهذا الجواب يتبين حكم هذا المولود المتخلف عقليًا، وما ذكرناه فإنه مقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ. فضيلة الشيخ: هل هناك تفسير لآيات قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كما قلت قبل قليل والسنة، كلٌ منهما يدل على أن المجنون ومن في حكمه ليس عليه تكليف. فضيلة الشيخ: في فقرةٍ له يقول: وهل وجود طفل متخلف في العائلة هو عقوبة للوالدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المصائب التي تصيب الإنسان تارةً تكون عقوبة، وتارةً تكون امتحانًا، تارةً تكون عقوبة إذا فعل الإنسان محرمًا أو ترك واجبًا، فقد يعجل الله له العقوبة في الدنيا، ويصيبه بما شاء من مصيبة، وقد يصاب الإنسان بمصيبة لا عقوبة على ترك واجبٍ أو فعل محرم، ولكن من باب الامتحان يمتحن الله بها الإنسان؛ ليعلم ﷿ أيصبر أو لا يصبر؟ وإذا صبر كانت هذه المصيبة منحة لا محنة، يرتقي بها هذا الإنسان إلى المراتب العالية وهي مرتبة الصابرين؛ لأن الصبر لا يحصل إلا بشيءٍ يصبر عليه، ولهذا كان رسول الله ﷺ يوعك- يعني: يمرض- كما يوعك الرجلان منا، أي: يشدد عليه في الوعك؛ لأجل أن ينال بذلك أعلى درجات الصابرين ﵊. ***
ما مصير الأطفال الذين يموتون دون البلوغ والتكليف، سواءٌ كانوا مسلمين أو غير مسلمين، من ناحية مصيرهم في الآخرة؟ وهل الحديث الذي معناه: (كل مولودٍ يولد على الفطرة) ينطبق حتى على أطفال غير المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مصير أطفال المؤمنين الجنة؛ لأنهم تبعٌ لآبائهم، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما أطفال غير المؤمنين، يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين، فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين، فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله أعلم بما كانوا عاملين، كما قال النبي ﷺ: (والله أعلم بمآلهم) . هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيرًا، إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا- أعني: أولاد المشركين الذين من أبوين كافرين، أحكامهم في الدنيا- أنهم كالمشركين، بمعنى: أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابرنا. ***
ما مصير أطفال المشركين أو الكفار الذين يموتون؟ هل هم في النار أم في الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أطفال المشركين والكفار: إذا كان الأم والأب كلاهما كافرًا فإن هؤلاء الأولاد لهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين. أما في الآخرة فأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنهم لا يعلم مصيرهم، وأن علمهم إلى الله ﷿؛ لأنهم ممتحنون في يوم القيامة بما أراده الله، فإن امتثلوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإلا فهم في النار. ***
هل التائب من الذنوب لا يحاسب على ذنوبه الماضية إذا تاب توبة صادقة؟ وهل مرتكبو الكبائر إذا تابوا تقبل منهم توبتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تاب الإنسان توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل منه مهما عظم الذنب دليل ذلك قوله ﵎: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وهذه عامة ليس فيها تفصيل، أن مَنْ تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه، وقال تعالى في التفصيل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . فالذنب مهما عظم إذا تاب الإنسان منه توبة نصوحًا غفره الله ﷿، فهنا تجد أن الله تعالى ذكر الشرك وقتل النفس بغير حق والزنى، وكلها عدوان عظيم: الأول عدوان في حق الخالق ﷿، والثاني عدوان على النفس في حق المخلوق، والثالث عدوان على العرض في حق المخلوق، ومع ذلك إذا تاب الإنسان وآمن وعمل عملًا صالحًا بدل الله سيئاته حسنات. ألم تر إلى قوم كانوا مشركين مضادين لدعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهداهم الله وتابوا وصاروا من قادة الأمة الإسلامية؟ ولكن إذا كانت المعصية في حق مخلوق فلابد من إيصال الحق إلى أهله، فلو سرق الإنسان مال شخص وتاب من السرقة تاب الله عليه، لكن لابد أن يعيد المال إلى مالكه؛ لأنها لا تتم التوبة فيما يتعلق بحق المخلوق إلا برد الحق إلى أهله. ***
سائل يقول في هذا السؤال: ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينهما أن الكوثر نهرٌ في الجنة أعطاه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما الحوض فإنه في عرصات القيامة، يصب عليه ميزابان من الكوثر، هذا الحوض عظيم طوله شهرٌ وعرضه شهر، يرِده المؤمنون من أمة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جعلنا الله وإياكم ممن يرده ويشرب منه، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، وريحه أطيب من ريح المسك، وآنيته كنجوم السماء في حسنها وكثرتها. ***
سائل يسأل عن الحوض المورود ما هو؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحوض المورود حوض يكون في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والجمال، وماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، يصب عليه ميزابان من الكوثر الذي في الجنة الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) . أما أثره: فمن شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدًا، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه يا رب العالمين. ***
بالنسبة لحديث الحوض والذي يَردِ فيه الناس والذي يكون الرسول ﷺ قائمًا عليه، من هم هؤلاء الناس الممنوعون من الشرب؟ أهم أصحاب البدع؟ وهل للبدع أنواع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الممنوع من الشرب من حوض النبي ﷺ يوم القيامة كل من أحدث في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي ﷺ يقال له: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. وكلما كان الإنسان أقوى في اتباع الرسول ﵊ كان وروده أضمن، ولهذا قيل: من ورد على شريعته فشرب ورد على حوضه فشرب، ومن لا فلا، ولكلٍ درجات مما عملوا. وأما قول السائل: هل البدع أنواع؟ فنعم البدع أنواع متعددة كثيرة، منها ما يوصل إلى الكفر، ومنها ما دون ذلك. ***
محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثًا عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق، واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة. والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثًا صحيحًا عن النبي ﷺ، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم: منهم السريع، ومنهم البطيء، على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيمًا على الصراط في هذه الدنيا مسابقًا إلى الخيرات كان مستقيمًا على صراط الآخرة سابقًا فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم وردًا، كما قال الله ﷿، بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا، فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط. وأول من يجوز بأمته محمد ﷺ، ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي ﵊ إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله ﷿ أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها محمدٌ ﷺ. فضيلة الشيخ: ويقول: ما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده: إن كان جاهلًا فإنه يعلَّم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره- مع علمه أن النبي ﷺ أخبر به- كان مرتدًا كافرًا؛ لتكذيبه رسول الله ﷺ. ***
يقول السائل: ما صفة الصراط عند المرور عليه؟ وهل ورد له صفة معينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط هو جسر يوضع على النار، يعبر منه المؤمنون إلى الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- يمر الناس به على قدر أعمالهم: إما كلمح البصر، أو كالبرق، أو كالريح، أو كالفرس الجواد، أو كالإبل، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يكردس في نار جهنم ويعذب بقدر ذنوبه. أما صفته فقد ورد أنه أحدُّ من السيف وأدق من الشعر، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طريقٌ واسع، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنه دحض ومزلة)، وهذا لا بد أن يكون واسعًا يسلكه الناس. وليس المهم أن نعرف هل هو واسع أو ضيق، المهم أن نعرف كيف يسير الناس عليه، ولماذا اختلف سير الناس عليه، فبعضهم كلمح البصر، وبعضهم كالبرق، وبعضهم يزحف، وبعضهم يلقى في النار. والجواب: أن هذا على حسب أعمالهم في الدنيا وتلقيهم لشريعة الله، فمن كان مسرعًا لتلقي شريعة الله مسارعًا في الخيرات كان عبوره على الصراط يسيرًا خفيفًا سريعًا، ومن كان متباطئًا في شريعة الله وقبولها صار سيره على الصراط كعمله جزاءً وفاقًا. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ذكر بعض المتحدثين بأن الصراط طوله ثلاثة آلاف سنة، فهل هذا ثابت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس بثابت. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: من صلى في المسجد النبوي ثمانين صلاة متتابعة، مع الحضور قبل الصلاة ليلحق تكبيرة الإحرام، ويشفع له الرسول ﷺ يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعرف عن صحته شيئًا، ولكن شفاعة الرسول ﵊ لها أسبابٌ أخرى كثيرة، منها: أن من أجاب المؤذن، ثم بعد فراغه صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسأل الله له الوسيلة، فإنها تحل له- أو: تجب له- شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
من السودان السائل أبو محمد يقول: هل الأطفال الذين يموتون وهم صغار يشفعون لوالديهم يوم القيامة؟ أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات للإنسان أطفال فصبر واحتسب، فإنهم يكونون له حجابًا من النار وسترًا من النار، ويدخل بهم الجنة، أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فإنه سيفوته من الأجر بقدر ما فاته من الصبر. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: هل يشفع الابن الصالح والولد الصالح لوالديه في الآخرة؟ وكيف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأولاد الصغار الذين ماتوا وهم صغار: فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم يكونون سترًا وحجابًا من النار لوالديهم، وأما البالغون فيشفعون لآبائهم في الحال التي يؤذن لهم فيها، ومن الشفاعة الدعاء للميت، فإن الدعاء للميت شفاعةٌ له؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) . وهذا يدل على أن الدعاء للغير شفاعةٌ له، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) . فذكر الدعاء؛ لأن الدعاء شفاعةٌ للمدعو له. فأنا أحث إخواننا على كثرة الدعاء لوالديهم أحياءً أم أمواتًا؛ لأن ذلك طريق الأولاد الصالحين الذين امتثلوا قول الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) . ***
المستمعة أشواق إلياس سليمان العراق محافظة التأمين تقول: وضعت طفلًا ميتًا بعد رمضان العام الماضي، وقد صمت الشهر كله ولله الحمد. سؤالها تقول: هل يأتي يوم القيامة كبيرًا، كما سمعت من بعض النساء؟ هل لي أجر حمله تسعة أشهر وساعات ولادته العسيرة؟ وضحوا لنا ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الطفل الذي ذكرته السائلة أنه مات، وتسأل: كيف يأتي يوم القيامة؟ جوابي على هذا: أننا لا نعلم كيف يأتي هذا الطفل يوم القيامة، ولكن قد ثبت أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . فالحفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف، والعراة ليس عليهم ثياب، والغرل جمع أغرل، وهو الذي لم يختن، أي: إن جلدة الختان تعود يوم القيامة. وأما سؤالها: هل لها أجر على ما حصل لها من المشقة على حمله والتعب في وضعه؟ فجوابه أن نقول: إن لها أجرًا في ذلك، فإنه لا يصيب المرأة، بل لا يصيب الإنسان، من هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله عنه، حتى الشوكة إذا أصابته وحصل فيها ألم فإنه يكفر به عنه من سيئاته، وإذا صبر واحتسب الأجر من الله كان له مع تكفير السيئات زيادة في حسناته على صبره، كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .فالمصائب التي تصيب الإنسان تكفير، ومع الصبر عليها واحتساب الأجر تكون مع التكفير زيادة في الحسنات. ***
المستمعة حصة. م. أ. الرياض تقول في رسالتها: كما نعلم يا فضيلة الشيخ من القرآن الكريم والسنة المطهرة مآل المشركين في الآخرة، سؤالي هو عن أطفالهم الصغار إذا ما ماتوا، ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات أطفال الكفار وهم لم يبلغوا سن التمييز فيُسلموا، وكان أبوه وأمه كافرين، فإن حكمه حكم الكفار في الدنيا، أي: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين؛ لأنه كافر بأبويه، هذا في الدنيا. أما في الآخرة: فالله أعلم بما كانوا عاملين، وأصح الأقوال فيهم أن الله ﷾ يختبرهم يوم القيامة بما يشاء من تكليف، فإن امتثلوا أدخلهم الله الجنة، وإن أبوا أدخلهم النار. وهكذا نقول في أهل الفترة ومن لم تبلغهم الرسالات: إنهم إذا كانوا لا يدينون بالإسلام حكمهم في الدنيا حكم الكفار، وأما في الآخرة فالله أعلم بما كانوا عاملين، يختبرون ويكلفون بما يشاء الله ﷿ وما تقتضيه حكمته، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار. ***
يقول: جاء في بعض الأحاديث أن القرآن يشفع للعبد، يقول: يا رب إلى آخره، فكيف الجمع بين ذلك وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحديث فيه أن القرآن يقول: يا رب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إذا صح- لأن بعض أهل العلم ضعفه، لكن إذا صح هذا الحديث- فإن الله ﷾ قادر على أن يكون هذا القرآن الكريم يمثل جزاؤه وأجره، يمثل بشيء يتكلم فيتكلم، كما أن الموت- وهو معنى من المعاني- يمثل يوم القيامة على صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، يشهده أهل الجنة وأهل النار. فالمعنى- الذي هو عمل الإنسان، وهو قراءته، وثواب الإنسان على هذه القراءة- قد يجعله الله شيئًا ينطق ويتكلم ويقول: يا رب، هذا إن صح الحديث. ***
أحسن الله إليكم هل صحيح أن الإنسان الذي يموت يكون إما في سجين وإما في عليين، جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا جاءت به السنة أن الله ﷾ يقول في الرجل الفاجر: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السابعة السفلى) . وإذا كان من الأبرار قال: (اكتبوا كتاب عبدي في عليين) . وهكذا في الآخرة: الناس إما في سجين وإما في عليين، إما في الجنة وإما في النار، قال الله ﵎: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) . وقال الله ﵎: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) . وإنني بهذه المناسبة أنبه على مسألة يقولها بعض الناس وهم لا يشعرون، وهي أنهم إذا تحدثوا عن شخص مات قالوا: ثم نقل إلى مثواه الأخير، يعنون بذلك القبر، وهذا غلط واضح؛ لأن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل المثوى الأخير إما الجنة وإما النار، أما القبر فإن الإنسان يأتيه ثم ينتقل عنه، وما مجيئه في القبر إلا كزائر بقي مدة ثم ارتحل. وقد ذكر أن بعض الأعراب سمع قارئًا يقرأ قول الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) . فقال هذا الأعرابي: والله لنبعثن؛ لأن الزائر ليس بمقيم. ولهذا يجب الحذر من إطلاق هذه الكلمة- أعني: القول بأنه انتقل إلى مثواه الأخير- لأن مضمونها إنكار البعث وأنه لا بعث، ونحن نعلم أن المسلم إذا قالها لا يريد هذا المضمون، لكنها تجري على لسانه تقليدًا لمن قالها من حيث لا يشعر، فالواجب الحذر منها والتحذير منها. ***
السائل حميد أحمد من اليمن يقول في هذا السؤال: لدينا طلاب متفقهون في الشرع، ويقولون بأن الله ﷿ سيرى يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ مع الدليل من الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رؤية الله تعالى يوم القيامة صحيح ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف. فمن أدلة ذلك في كتاب الله قول الله ﵎: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فناضرة الأولى بمعنى حسنة، وناظرة الثانية من النظر بالعين، ولهذا أضيف النظر إلى الوجوه التي هي محل الأعين. ومن ذلك قول الله ﵎: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) فقد فسر النبي ﷺ الحسنى بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله ﷿. ومن ذلك قول الله ﵎: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين: ١٥) يعني في ذلك الفجار، وهذا دليل على أن الأبرار يرون الله ﷿؛ لأن الله تعالى لما حجب هؤلاء في حال سخط كان المفهوم أن الله تعالى لا يحجب هؤلاء في حال الرضا، أعني: الأبرار. ومن ذلك قول الله ﵎، وهي الآية الرابعة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) فإن المزيد ينبغي أن يفسر بما فسرت به الزيادة في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) والذي فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن النبي ﷺ أعلم الناس بمراد الله تعالى في كلامه. وأما السنة: فالأحاديث في ذلك متواترة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد تواتر عن النبي ﷺ أن الله يرى بالعين يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي ﷺ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والصلاة التي قبل طلوع الشمس هي صلاة الفجر، والتي قبل غروبها هي صلاة العصر، وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات، ولهذا قال ﵊: (من صلى البردين دخل الجنة) . وقد صرح النبي ﷺ في أحاديث أخرى تصريحًا بالغًا من أقوى التصريحات فقال: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة عيانًا بأبصاركم، كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب) . وأمَّا إجماع السلف: فهو أمر مشهور لا يخفى على أحد. ولهذا صرح بعض العلماء بأن من أنكر رؤية الله في الجنة فهو كافر؛ لأنه كذب القرآن والسنة، وخالف إجماع السلف، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) . ولولا أننا نفضل الدعاء للمنكرين على الدعاء عليهم لقلنا: نسأل الله تعالى أن يحتجب عن من أنكروا رؤيته في الآخرة، ولكننا لا نفضل ذلك، بل نقول نسأل الله تعالى الهداية لمن التبس عليه الأمر، وأن يقر ويؤمن بما جاء في الكتاب والسنة. والعجب أن من الناس من ينكر رؤية الله في الآخرة بشبه يأتي بها من القرآن والسنة، أو بشبه عقلية لا أساس لها من الصحة. فمنهم من قال: إن رؤية الله تعالى غير ممكنة في الآخرة؛ لأن موسى ﵊ قال: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . وقرروا دليلهم ذلك بأنّ (لن) تفيد التأبيد والتأبيد، يقتضي أن يكون هذا عامًّا في الدنيا والآخرة، فيكون قوله: لن تراني، أي في الدنيا وفي الآخرة. ولا شك أن هذا لبس وإلباس وتخبيط؛ لأن موسى إنما سأل الله الرؤية في تلك الساعة، بدليل أن الله تعالى قال له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) . وسؤال موسى الرؤية يدل على إمكانها، إذ لو لم تكن ممكنة عقلًا ما سألها موسى ﵊، لكن الإنسان في الدنيا لا يستطيع أن يرى الله ﷿، وذلك لقصوره وضعفه، ولهذا قال النبي ﵊: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) . ويدل لهذا أن الله تعالى لما تجلى للجبل اندك الجبل وهو الحجر الأصم، فكيف يمكن لجسم ابن آدم الضعيف أن يثبت لرؤية الله ﷿ في هذه الدنيا؟ أما في الآخرة فشأنها غير شأن الدنيا، وفي الآخرة من الأمور ما لا يمكن إطلاقًا في الدنيا: دنو الشمس قدر ميل يوم القيامة، لو حدث ذلك في الدنيا لاحترقت الأرض ومن عليها. كون الناس في الموقف يختلفون، يعرقون فيختلفون في العرق: منهم من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، هذا أمر لا يمكن في الدنيا، لكنه في الآخرة ممكن. كون الناس يمشون على الصراط، وهو كما جاء في مسلم بلاغًا (أدق من الشعر وأحد من السيف) أمر لا يمكن في الدنيا، ويمكن في الآخرة. كون الناس يقفون خمسين ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، حفاة عراة غرلًا، هذا لا يمكن في الدنيا وأمكن في الآخرة. فإذا كانت رؤية الله في الدنيا لا تمكن فإنه لا يلزم من ذلك ألا تمكن في الآخرة، وأما دعواهم أن (لن) تفيد التأبيد فدعوى غير صحيحة، فإن الله تعالى قال في أهل النار: إنهم لن يتمنوا الموت أبدًا بما قدمت أيديهم، قال ذلك في اليهود، وقال عن أهل النار يوم القيامة: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) أي: ليهلكنا ويمتنا حتى نستريح، فهنا تمنوا الموت وسألوا الله تعالى أن يقضي عليهم، ولكن لا يتسنى لهم ذلك: (قال إنكم ماكثون) . ولهذا قال ابن مالك ﵀ في الكافية: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا والمهم أن من العقيدة عند السلف الواجبة أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى يرى يوم القيامة، ولكن متى يرى؟ يرى في الجنة إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، فإن الله تعالى يكشف لهم كما شاء ومتى شاء وكيف شاء، فيرونه في عرصات القيامة، لا يراه الكافرون، يراه المؤمنون والمنافقون، ثم يحتجب الله تعالى عن المنافقين. والخلاصة: أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى يرى يوم القيامة رؤية حق بالعين، فإن قال قائل: وإذا رئي هل يدرك كما يدرك الرائي وجه مرئيه؟ قلنا: لا، لا يمكن أن يدرك؛ لأن الله تعالى قال: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) . والعجب أن المنكرين لرؤية الله في الآخرة استدلوا بهذه الآية على أنه لا يرى، وهو استدلال غريب، فإن الآية تدل على أنه يرى أكثر مما تدل على أنه لا يرى، بل إنه ليس فيها دلالة إطلاقًا على أنه لا يرى؛ لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك، والإدراك أخص من الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، بل إنما يقتضي وجود الأعم، فنفي الإدراك دليل على وجود أصل الرؤية، ولهذا جعل السلف هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله ﷿ في الآخرة، وهو استدلال صحيح واضح. ***
السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول: يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف، وجاء في الحديث: (أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) . وأيضًا جاء: (لا يدخل الجنة نمام) . فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص؟ أم كيف يكون الجمع بينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النصوص وأمثالها من أحاديث أو من نصوص الوعيد هي التي أوجبت بطائفة الخوارج والمعتزلة أن يقولوا بخلود أهل الكبائر في النار؛ لأنهم أخذوا بهذه العمومات ونسوا عمومات أخرى تعارضها، وهي ما ثبت في أدلة كثيرة من أن الموحدين، أو من في قلبه إيمان ولو مثقال حبة من خردل فإنه لا يخلد في النار، كما أن عمومات الأدلة الدالة على الرجاء، وأن المؤمن يدخل الجنة، حملت المرجئة على ألا يعتبروا بنصوص الوعيد، وقالوا: إن المؤمن ولو كان فاسقًا لا يدخل النار، فهؤلاء أخذوا بعمومات هذه الأدلة، وأولئك أخذوا بعمومات أدلة الوعيد، فهدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة، وهو: أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان، وأنه مستحق للعقوبة، ولكن قد يعفو الله عنه فلا يدخله النار، وقد يدعى له فيعفى عن عقوبته، وقد تكفر هذه العقوبة بأسباب أخرى، وإذا قدر أنه لم يحصل شيء يكون سببًا لتكفيرها فإنه يعذب في النار على قدر عمله، ثم يكون في الجنة، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى هذا: فأحاديث الوعيد المطلقة أو العامة كما في الحديثين اللذين أشار إليهما السائل: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، (لا يدخل الجنة نمام) تحمل على أن المعنى لا يدخلها دخولًا مطلقًا، أي: دخولًا كاملًا بدون تعذيب، بل لابد أن يتقدم ذلك التعذيب، إن لم يوجد ما يمحو ذلك الإثم من عفو الله أو غيره، فيكون معنى (لا يدخلون الجنة) أي: الدخول المطلق الكامل الذي لم يسبق بعذاب، وبهذا تجتمع الأدلة. ***
يقول هذا السائل: هل السبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملًا، ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟ والذين يبقون في النار خالدين فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الناس الذين يبقون في النار خالدين فيها فهؤلاء الكفار الذين ليس لهم حسنات، كما قال الله ﵎: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) . وقد ذكر الله تعالى خلود الكافرين الأبدي في القرآن في ثلاثة مواضع: الأول في النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) والثاني في الأحزاب في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) . والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) . وأما أهل المعاصي من المؤمنين فهؤلاء مستحقون لدخول النار والعذاب فيها بقدر ذنوبهم، ولكن قد يغفر الله لهم فلا يدخلون النار، وقد يشفع لهم فلا يدخلون النار. وهناك أناس يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين وصفهم النبي ﵊ بقوله: (لا يَسْتَرْقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) . ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على هذا أحاديث عن النبي ﵊ وردت كثيرًا بأن عصاة المؤمنين يدخلون النار، يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة، ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار، فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام: قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلًا، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب، ولكن يكون له الشفاعة، فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب. ***
بارك الله فيكم يقول السائل: هل يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار؛ لأن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، والذي يخلد به الإنسان في النار- أعاذنا الله منها- هو الشرك الأكبر؛ لقول الله ﵎: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ولكن هل يكون الشرك الأصغر داخلًا تحت المشيئة كسائر الذنوب، أو لابد فيه من توبة؟ هذا يحتمل أن يكون قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) عامًّا للشرك الأصغر والأكبر، أي إنه لا يغفر، لكن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار. ويحتمل أن يقال: إن المراد بالشرك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك الأكبر، فيكون الشرك الأصغر داخلًا تحت قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وفضل الله ﷾ أوسع مما نتصور، فنرجو أن يكون الشرك الأصغر داخلًا تحت المشيئة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة حول هذه الآية، أعني قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فإن بعض المتهاونين بالمعاصي إذا نهوا عن المعصية قال: إن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . فجميع المعاصي داخلة تحت مشيئته، فيتهاون بالمعصية من أجل هذا الذي ذكره الله تعالى فيما دون الشرك. فنقول له: أنت على كل حال مخاطر، فهل تعلم أن الله تعالى يشاء أن يغفر لك؟ إنك لا تدري، فربما تكون من الذين لا يشاء الله أن يغفر لهم، فأنت مخاطر، والخطر أمر منهي عنه. ثم إن هناك أدلة أخرى محكمة ليس فيها اشتباه، وهي: وجوب التوبة إلى الله ﷿، فقد قال الله ﵎: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . ***
بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله العتيبي الطائف الحوية يقول: فضيلة الشيخ هل أهل الكبائر من أمة محمد ﷺ يخلدون في النار أم لا؟ وهل تحل لهم الشفاعة أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟ أرجو منكم الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكبائر التي دون الكفر لا يخلدون في النار؛ لقول الله تبارك تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وهم من أهل الشفاعة الذين يشفع فيهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وهذا لا يعني أن الإنسان يتهاون بالكبائر، فإن الكبائر ربما توجب انطماس القلب حتى تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله، كما قال الله ﵎ في سورة المطففين: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين َ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّين ِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . فهذا يشير إلى أن القلوب قد يران عليها فترى الحق باطلًا، كما ترى الباطل حقًّا. فعلى الإنسان أن يستعتب من كبائر ذنوبه قبل ألا يتمكن من ذلك، وأن يتوب إلى الله ﷿. ***
المستمعة من الرياض تقول: هل المسلم إذا دخل الجنة يتعرف على أقاربه الذين في الجنة؟ وهل يذكر أهله بعد موته ويعرف أحوالهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشق الأول من السؤال، وهو: إذا دخل أحد الجنة هل يتعرف على أقاربه؟ فجوابه: نعم يتعرف على أقاربه وغيرهم من كل ما يأتيه سرور قلبه؛ لقول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . بل إن الإنسان يجتمع بذريته في منزلةٍ واحدة إذا كانت الذرية دون منزلته، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما الشق الثاني من السؤال، وهو: معرفة الميت ما يصنعه أهله في الدنيا؟ فإنني لا أعلم في ذلك أثرًا صحيحًا يعتمد عليه، ولكن بعض الوقائع تدل على أن الإنسان قد يعرف ما يجري على أهله، فقد حدثني شخص أنه بعد موت أبيه أضاع وثيقةً له، وصار يطلبها ويسأل عنها، فرأى في المنام أن أباه يكلمه من نافذة المجلس ويقول له: إن الوثيقة مكتوبة في أول صفحة من الدفتر الفلاني، لكن الورقة لاصقةٌ بجلدةٍ في الدفتر، فافتح الورقة تجد الوثيقة في ذلك المكان. ففعل الرجل ورآها كما ذكر أبوه، وهذا يدل على أن الإنسان قد يكون له علم بما يصنعه أهله من بعده. ***
أحسن الله إليكم هذا سائل عبد المنعم عثمان من السودان يقول: هل الرجل يتعرف على أولاده في يوم القيامة إذا كانوا سعداء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأولاد سعداء والأب من السعداء فإن الله ﵎ يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يعني: أن الإنسان إذا كان له ذرية، وكانوا من أهل الجنة، فإنهم يتبعون آباءهم وإن نزلت درجتهم عن الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي: ما نقصنا الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بل الآباء بقي ثوابهم موفرًا، ورفعت الذرية إلى مكان آبائها، هذا ما لم يخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم وأهليهم، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ولا يلحقون بآبائهم؛ لأننا لو قلنا: كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج أوكان منفردًا بنفسه، لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة؛ لأن كل واحد من ذريته من فوقه، لكن المراد بالذرية الذين كانوا معه ولم ينفردوا بأنفسهم وأزواجهم وأولادهم، هؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ولا ينقص الآباء من عملهم من شيء. ***
حفظكم الله هذه رسالة وصلت من مستمع للبرنامج لم يذكر الاسم، في حالة دخول الزوجين الجنة هل يلتقيان مرة ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا دخل الرجل وزوجته الجنة فهي زوجته لا تتعداه، وهو أيضًا لا يتعداها إلا فيما أعطاه الله تعالى من الحور العين، أو من نساء الجنة اللاتي ليس لهن أزواج في الدنيا. وإذا كان للمرأة زوجان ودخلا الجنة فإنها تخير بينهما، فمن اختارت فهو زوجها، وفي الحديث أنها تختار أحسنهما خلقًا. ***
رسالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح أنه إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له، قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً، ويلحق الله بهما ذريتهما، وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهذا من كمال النعيم كما قلت. ***
فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حورًا عينًا، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ ألهن أزواجٌ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﵎ في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢» . ويقول تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكورًا كانوا أم إناثًا، فالمرأة يزوجها الله ﵎ في الجنة، يزوجها بزوجها الذي كان زوجًا لها في الدنيا، كما قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس قاصرًا على الذكور، وإنما هو للذكور وللإناث، ومن جملة النعيم الزواج. ولكن قد يقول قائل: إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات، ولم يذكر للنساء أزواجًا؟ فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج، بل لهن أزاج من بني آدم. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد صالح يقول: هل المرأة الصالحة في الدنيا تكون من الحور العين في الآخرة؟ أرجو منكم الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الصالحة في الدنيا- يعني: الزوجة- تكون خيرًا من الحور العين في الآخرة، وأطيب وأرغب لزوجها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن أول زمرة تدخل الجنة على مثل صورة القمر ليلة البدر. فضيلة الشيخ: هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا في القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكن خيرًا من الحور العين حتى في الصفات الظاهرة والله أعلم، ونحن نقول لأخينا السائل: هذه أسئلة لا وجه لها، أنت إذا كنت من أهل الجنة ودخلت الجنة فستجد فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ستجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهذه التساؤلات في أمور الغيب هي من التنطع في دين الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . اصبر يا أخي حتى تدخل الجنة، فستجد ما لا يخطر لك على بال. ***
تقول السائلة ر ق ع في هذا السؤال: ما منزلة المرأة في الجنة مع وجود الحور العين؟ وماذا بالنسبة لزوجها؟ وهل المرأة تصبح زوجة للشهداء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الزوجات يكن مع أزواجهن في الآخرة، يقول الله ﷿ في دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . ولا شك أن الزوجة مع زوجها في الجنة لها مقام عظيم عالٍ، حتى إن بعض العلماء قال في دعاء الميت: (وأبدلها زوجًا خيرًا من زوجها) أن المعنى: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها، أي: اجعل زوجها لها في الجنة خيرًا مما هو عليه في الحياة الدنيا. ثم إن قول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) شامل لكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فليس فيها كدر ولا نصب، ولا هم ولا غم، فلتبشر النساء بالخير، ولتعلم أن الجنة ليس فيها ما في الدنيا من الغيرة والتأذي. ***
وعد الله ﷿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم الجنة والحور العين، أرجو أن تعرفونا هل هذا خاص للرجال فقط بالنسبة للحور العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين للرجال وللنساء، وليقرأ السائل قول الله تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) إلى قوله ﵎: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .وقوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) . فما ثبت للرجال من الأجور على الأعمال الصالحة فهو ثابت للنساء، وما ثبت من الأوزار على الرجال فهو ثابت للنساء، لكن هناك أحكام تختص بالرجال وأحكام تختص بالنساء بدليل من الكتاب والسنة، فإذا كان هناك دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم أو اختصاص النساء بالحكم فليكن هذا على مقتضى الدليل. ***
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول: نحن نعلم بأن الله ﷾ قد أعد الحور العين لعباده المؤمنين يوم القيامة في الجنة، فإذا كانت هنالك امرأة مؤمنة وأدخلها الله ﷾ الجنة برحمته، أما زوجها فلسوء سعيه في الدنيا لم يدخل الجنة، فمن يكون زوجها يومئذٍ؟ أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: وعلى السائل السلام ورحمة الله وبركاته. والجواب على سؤاله هذا يؤخذ من عموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢» . ومن قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج،؟ أو كان زوجها ليس من أهل الجنة، فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، وهم- أعني: من لم يتزوجوا من الرجال- لهم زوجات من الحور، ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاؤوا وشغل ذلك أنفسهم، وكذلك نقول، بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكن زوجها لم يدخل مع أهل الجنة: إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه؛ لعموم هذه الآيات، ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة. والعلم عند الله تعالى. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع سالم غانم عاشور العراق الموصل يقول: قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثًا عن النبي ﷺ عن الشفاعة، فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته ﷺ، حين يقول الله تعالى: فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي، فيخرج من النار أقوامًا لم يعملوا حسنة قط، فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات، ويسمون عتقاء الله ﷿. فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث متفق عليه بمعناه، يعني: أنه قد روى البخاري ومسلم معنى هذا الحديث، إلا أن فيه كلمة منكرة في هذا السياق الذي ذكره الأخ، وهي قوله: (فتبقى شفاعتي) . فإن هذه اللفظة منكرة، واللفظ الذي ورد في الصحيحين: (ولم يبق إلا أرحم الراحمين) . وإنما كانت اللفظة التي ذكرها السائل منكرة لأن قوله: (وتبقى شفاعتي) عند من يشفع؟ فالله ﷾ هو الذي يشفع إليه، وليس يشفع إلى أحد ﷾: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) .ومعنى هذا الحديث: أن الله ﷾ يأذن للرسل والملائكة والنبيين، وكذلك لصالح الخلق، أن يشفعوا في إخراج من شاء من أهل النار، فيخرج من أهل النار من شاء الله، حتى إذا لم يبق أحد تبلغه شفاعة هؤلاء، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، أخرج الله ﷾ بهذه الرحمة من شاء، وجعل في رقابهم خواتم على أنهم عتقاء الله ﷾، فيدخلون الجنة، ومعنى قوله: (لم يعملوا حسنةً قط) أنهم ما عملوا أعمالًا صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل، آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرًا قط، وإما أن يكون هذا الحديث مقيدًا بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلًا، فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة، وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل، فماتوا فور إيمانهم، فما عملوا خيرًا قط، وإما أن يكون هذا عامًّا، ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة، فإنه لابد أن يصلى الإنسان، فمن لم يصل فهو كافر، لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار. ***
الشياطين مخلوقة من نار، أي: نار السموم، وعدهم الله بنار الحميم، فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم، ولا فرق بينهما، والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء، أرأيت نفسك أيها السائل: خلقت من طين، فهل أنت طين؟ من المعلوم أن الجواب: لا، ليس الإنسان بطين، هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست نارًا، وإذا لم تكن نارًا فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها، وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار. ***
القضاء والقدر
إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر إذا اجتمعا فلكل واحد معناه. وأما إذا أفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، فإذا قيل: قضاء وقدر، فالقضاء: ما قضاه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ. والقدر: ما قدره الله فوقع. فأما إذا قيل: قضاء فقط فإنه يشمل الأمرين جميعًا، أو قيل: قدر فقط فإنه يشمل الأمرين جميعًا. ***
هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القضاء والقدر بمعنى واحد إذا أفرد أحدهما عن الآخر، فيقال مثلًا: يؤمن بقدر الله، أو: يؤمن بقضاء الله. وأما إذا جمعا فالقضاء: ما كتبه الله في الأزل، والقدر: ما قدر الله وجوده، أو بالعكس، يعني: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. ***
يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا، ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملًا للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملًا للقضاء والقدر أيضًا. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعًا صار القضاء: ما يقضي به الله ﷿ من أفعاله أو أفعال الخلق، والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلًا. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه ﷾ في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي: من الكلمتين- معنى. ***
تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ماذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء هو القدر إذا ذكر وحده، والقدر هو القضاء إذا ذكر وحده. فإن اجتمعا وقيل: القضاء والقدر صار القضاء: ما يفعله الله ﷿، والقدر ما كتبه في الأزل. وقد ذكر العلماء ﵏ أن الإيمان بالقدر له مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله ﷿، بأن يؤمن العبد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه عالمٌ بما كان وما يكون، وأنه ما وقع شيء إلا بعلمه. والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتابة، أي: إن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال اكتب ما هو كائنٌ. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله العامة، وأن كل شيءٍ واقع بمشيئته ﷾، لا فرق في ذلك بين ما يحصل من فعله جل وعلا، وما يحصل من أفعال مخلوقاته. أما دليل الأول- وهو: ما يحصل من فعله- فهو قول الله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) . وأما الثاني- وهو: ما وقع من أفعال خلقه- فدليله قول الله ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) فكل شيء يقع في السماوات أو في الأرض فإنه واقعٌ بمشيئته ﵎. وأما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بخلق الله، وأن كل كائن فهو مخلوق لله ﷿، لا خالق غيره ولا رب سواه. ودليل هذا قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه المراتب الأربع ومن المعلوم أن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ***
عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنى واحد، وإن اجتمعا فالقضاء: ما يقضي به الله، أي يحكم به، أي: بوقوعه. والقدر: ما كتبه الله تعالى في الأزل. وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) . والقضاء الكوني: يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) . والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله ﷺ حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . فحقيقته: أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما دفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب. ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جوابًا لجبريل عندما قال: أخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله تعالى، وأنه ﷾ محيطٌ بكل شيءٍ علمًا، لا يخفى عليه شيء الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. ودليل هذين الأمرين قول الله ﵎: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله ﷿. قال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العالمين) . وقال ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، حتى أعمال العبد مخلوقة لله تعالى؛ لقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . ووجه كون فعل العبد مخلوقًا لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقتان لله ﷿، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجًا عن إرادةٍ وقدرة وهما مخلوقتان لله؛ صار فعل العبد مخلوقًا لله ﷿. فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله، كتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ،مشيئة الله،خلق الله. وفي هذا يقول الناظم: علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين ***
هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقدر واجب، ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ لأن جبريل ﵇ سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .والقدر هو: تقدير الله ﵎ في الأزل، أي تقديره ﵎ ما كان وما يكون، فإنه ﷾ (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله- كالمطر والنبات والحياة والموت- أو من أفعال العباد- كالاستقامة والانحراف- فإنه مكتوب، مكتوب في الأزل عند الله ﵎. فيجب علينا أن نؤمن بذلك: أن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله ﵎ هو بنفسه، وما يفعله عباده. قال العلماء: وللإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي، وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يضل الرب ﷿ ولا ينسى. لما سأل فرعون موسى ﵊: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) ﷾. فيجب أن نؤمن بعلم الله ﷿ أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلًا فالجملة مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والتفصيل مثل قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وكذلك قوله تعالى: (علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ)، (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ)، والأمثلة على هذا كثيرة، هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر. المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله ﵎ كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدل ولا يتغير. ودليل ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . والحديث الذي ذكرناه آنفًا: (أن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . المرتبة الثالثة: أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله، يعني: إلا وقد شاءه الله، سواء كان من فعله ﵎ أم من أفعال خلقه. فحركات الإنسان وسكنات الإنسان، وطوله وقصره، وبياضه وسواده، ورضاه وغضبه، واستقامته وانحرافه، كل ذلك بمشيئة الله، لا يشذ عن مشيئة الله شيء، حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله. دليل ذلك قول الله ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللهُ ما اقتَتَلُوا وَلَكنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ)، وقال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. أما المرتبة الرابعة فهي الخلق: أن تؤمن بأن الله ﵎ خالق كل شيء، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، وقال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . وقد ذكر الله تعالى الخلق عامًا كما في هاتين الآيتين، وذكره خاصًا مثل قوله: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فكل شيء سوى الله فهو مخلوق، خلقه الله ﷿، سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف. فالآدمي له جثة، له جسد، من خلق هذا؟ الله ﷿، الآدمي طويل وقصير، وأبيض وأسود، من قدر هذا؟ الله ﷿، الآدمي له عمل وحركة، صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله ﷿؛ لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان، والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة. ودليل ذلك ما ذكرته الآن: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع: علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خَلْقُ الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون. فالمعدوم يوجده الله، والموجود يعدمه الله. وقد اختلف بنو آدم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه، فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط. فالغالي في إثبات القدر قال: إن الإنسان مجبور على عمله، ليس له فيه اختيار، إن عمل صالحًا فإكراهًا عليه، إن عمل سيئًا فإكراهًا عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر؛ لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون. وآخرون قصروا في هذا قالوا: إن الله يشاء كل شيء، ويخلق كل شيء، إلا أفعال الإنسان، فليس له فيها تصرف، وهؤلاء قصروا في الربوبية. وتوسط آخرون فقالوا: الإنسان يفعل باختياره، ويفرق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره. وهذا هو الواقع: أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك. هذا أمر لا ينكر، ولا يشعر أحدٌ أبدًا أنه أكره على هذا الفعل. ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم، إن أكره على محرم أو على ترك واجب، حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها، وصار لا يحمد على فعل الخير ولا يذم على فعل الشر، فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا: إنه مجبر، بهذا. أما الذين قالوا: إنه مستقل، فنقول: سبحان الله! الإنسان في ملك، الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله، فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله؟ هي مخلوقة لله، وهي في ملك الله، لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية، فإذا زنى أو سرق أو شرب الخمر قال: والله هذا بقدر الله. نقول: هل الله أجبرك؟ هل تعلم أن الله قدر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم، ونحن لا نعلم أن الله قدر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع، فإذا وقعت علمنا أنه أرادها، أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدر الله، كما قال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) . فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره، ولم يعلم أن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع. ولهذا لا ترى أحدًا يعذر أحدًا إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب: لم ضربتني؟ قال: والله هذا بقدر الله، لا تجد أحدًا يقبل هذه الحجة. يذكر عن أمير المؤمنين عمر ﵁ أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال له: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله. قال: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانه عليهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله، ومعصيته لله ظلم لنفسه، ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه، مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبل منه، لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته، ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) قال تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) . وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم؛ لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله. والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر، وأن كل شيء فهو من الله، وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله. ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) .إذًا نحن مأمورون بالعمل، وإذا عملنا ما يرضي الله يسر الله لنا. ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنقول: آمِنْ بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك. ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروهًا للعبد، كالمصائب في بدنه، في أهله، في ماله، في أصحابه، في مجتمعه. لا يخلو الإنسان من مصيبة؛ لأن الله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم. هذه المصائب إذا حصلت اِرضَ بها، اِرضَ بقضاء الله،فإن الله ﷾ أعلم بمصالحك. كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب، إذا أراد الله ﷾ هداية الإنسان، كما أنها بالعكس في أناس آخرين، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) . يعني: إذا أوذي في دينه وضيق عليه في دينه جعلها كالعذاب، فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله. فالمهم أن الإيمان بالقدر يهون عليك المصائب؛ لأنك تعلم أنها من عند الله، وأن الله مالك كل شيء، وأنت من جملة من يملكه الله ﷿، أنت عبد لله يفعل بك ما شاء فلا تجزع. قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) . قال علقمة في معنى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال: (إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) . لو أن رجلًا أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض، لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى؛ لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجرًا وثوابًا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ***
أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله ﷿، وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر. والمصائب على نوعين: النوع الأول: أن تكون تكفيرًا لسيئات وقعت من المرء وإصلاحًا لحاله، كما في قوله ﵎: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) . والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء، ولكن لزيادة رفعة في درجاته، وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ومن ذلك ما يقع للرسول ﷺ من المصائب التي تصيبه ﵊، حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا- أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه: فهو أعلى الناس صبرًا على طاعة الله، وأعلى الناس صبرًا عن محارم الله، وأعلى الناس صبرًا على أقدار الله المؤلمة. وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره، وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته ﵎، إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء. وانظر إلى الكرم والفضل: أنه ﷿ يفعل في عبده ما يشاء، ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب. قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربعة: التسخط، والصبر، والرضا، والشكر. أما التسخط فحرام، سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح. فالتسخط في القلب: أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة، وأنه ليس أهلًا لأن يصاب، وهذا على خطر عظيم، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل: واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله. وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب. وقد تبرأ النبي ﷺ من فاعل هذا فقال: (ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود ودعا بدعوى الجاهلية) . فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب، والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه. المقام الثاني: مقام الصبر، وهو: حبس النفس عن التسخط. وهو ثقيل على النفس، لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب، فيكون الصبر واجبًا. ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته- التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت، فأرسلت إلى النبي ﷺ رسولًا تدعوه للحضور، فقال النبي ﷺ: (مرها فلتصبر ولتحتسب) . المقام الثالث: هو الرضا، يعني: يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضًا تامًا. وقد اختلف العلماء في وجوبه، والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة. والفرق بين الصبر والرضا: أن المرء يكون في الصبر كارهًا لما وقع، لا يحب أنه وقع، لكنه قد حبس نفسه عن التسخط؛ وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع، بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راضٍ رضًا تامًّا عن فعل الله، فهو يقول: أنا عبده وهو ربي، إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر. فالأحوال عنده متساوية. وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر، وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثوابًا لا عقابًا، فيتساوى عنده الألم والثواب. وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية- فيما أظن-: أنها أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . المقام الرابع: مقام الشكر: أن الإنسان يشكر الله ﷿ على هذه المصيبة. وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك، لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة، وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون، أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت، أو يزول قبل الممات، والأجر والثواب الحاصل يبقى، فيشكر الله تعالى على ذلك. مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة، فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم، فهو يشكر الله ﷿ أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر، ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ، وهلم جرًّا. ثم يقول أيضًا. هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت، وإما أن أموت، فلها أجل محتوم مقدر، لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين، فيشكر الله ﷿ على هذه المصيبة التي كانت سببًا لما هو أبقى وأفضل وأخير. إذًا فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات. ***
يقول السائل: البعض من المرضى يتذمر ويكثر من الشكوى ويتسخط مما فيه من مرض، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء وذلك بالاحتساب والصبر؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لإخواني هؤلاء المرضى ومن أصابهم مصائب في أموالهم وأهليهم: أن يصبروا ويحتسبوا، ويعلموا أن هذه المصائب ابتلاءٌ من الله ﷾ واختبار، كما قال الله ﵎: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . وإذا كان الله تعالى يبتلي العبد بالنعم ليختبره أيشكر أم يكفر، فكذلك يبتلي عبده بما يضاد ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع ويتسخط. ويعين المرء على الصبر على هذه الأمور أمور: الأمر الأول: الإيمان بأن الله ﷾ رب كل شيء ومليكه، وأن الخلق كلهم خلقه وعبيده، يتصرف فيهم كيف يشاء، لحكمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، فلا اعتراض عليه ﷾ فيما فعل في ملكه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) . الثاني: أن يؤمن بأن هذه المصائب التي تصيبه تكفير لسيئاته، تحط عنه الخطايا ويغفر له بها الذنوب، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولقد أصيبت امرأةٌ من العابدات في أصبعها، ولكنها لم تتسخط ولم يظهر عليها أثر التشكي، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . ومن المعلوم أن الصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر الإنسان عليه حتى يكون من الصابرين، و(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثالثًا: أن يتسلى بما يصيب الناس سواه، فإنه ليس وحده الذي يصاب بهذه المصائب، بل في الناس من يصاب بأكثر من مصيبته. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم- وهو أشرف الخلق عند الله- يصاب بالمصائب العظيمة، حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، ومع ذلك يصبر ويحتسب. وفي التسلي بالغير تهوينٌ عن المصاعب. رابعًا: ان يحتسب الأجر على الله ﷿ بالصبر على هذه المصيبة، فإنه إذا احتسب الأجر على الله ﷿ بالصبر على هذه المصيبة فإنه- مع تكفير السيئات به- يرفع الله له بذلك الدرجات، بناءً على احتسابه الأجر على الله ﷾. ومن المعلوم أن كثيرًا من الناس منغمرٌ في سيئاته، فإذا جاءت مثل هذه المصائب: المرض، أو فقدان الأهل أو المال أو الأصدقاء، أو ما أشبه ذلك هان عليه الشيء بالنظر إلى ما له من الأجر والثواب على الصبر عليه، واحتساب الأجر من الله، وكلما عظم المصاب كثر الثواب. خامسًا: أن يعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم، فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلًا وإن آجلا، ً لكن كلَّما ما امتدت ازداد الأجر والثواب. وينبغي في هذه الحال أن نتذكر قول الله ﵎: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، وأن نتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) سادسًا: أن يكون لديه أمل قوي في زوال هذه المصيبة، فإن فتح الآمال يوجب نشاط النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وإن الإنسان كلما مضى عليه ساعة رأى أنه أقرب إلى الفرج وزوال هذه المصائب كان في ذلك منشطًا نفسه حتى ينسى ما حل به، ولا شك أن الإنسان الذي ينسى ما حل به أو يتناساه لا يحس به، فإن هذا أمرٌ مشاهد: إذا غفل الإنسان عما في نفسه من مرضٍ أو جرح أو غيره يجد نفسه نشيطًا وينسى ولا يحس بالألم، بخلاف ما إذا ركز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم فإنه سوف يزداد. وأضرب لذلك مثلًا بالعمال: تجد العامل في حال عمله ربما يسقط عليه حجرٌ يجرح قدمه، أو تصيبه زجاجة تجرح يده أو ما أشبه ذلك، وهو مستمرٌ في عمله ولا يحس بما أصابه، لكن إذا فرغ من عمله ثم توجهت نفسه إلى هذا الذي أصابه حينئذٍ يحس به. ولهذا لما شكي إلى الرسول ﷺ الوساوس التي يجدها الإنسان في نفسه قال ﵊: (إذا أحس بذلك فليستعذ بالله، أو: إذا وجد ذلك فليستعذ بالله ثم لينتهِ)، يعني: ليعرض عن هذا ويتغافل عنه فإنه يزول، وهذا شيء مشاهد ومجرب، ففي هذه الأمور الستة يحصل للمريض الطمأنينة والخير الكثير. الأمر السابع: أن يؤمن بأن الجزع والتسخط لا يزيل الشيء، بل يزيده شدة وحسرة في القلب، كما هو ألمٌ في الجسد. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الناس تجاه المصائب التي تقع بهم ينقسمون إلى أربعة أقسام: القسم الأول: من جزع وتسخط ولم يصبر، بل دعا بالويل والثبور، وشق الجيوب ولطم الخدود ونتف الشعور، وصار قلبه مملوءًا غيظًا على ربه ﷿، فهذا خاسرٌ في الدنيا والآخرة؛ لأن فعله هذا حرام، والألم لا يزول به، فيكون بذلك خسر الدنيا والآخرة، وربما يؤدي ذلك إلى الكفر بالله ﷿، كما قال الله ﵎: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . الحال الثانية: الصبر، بمعنى أن هذا المصاب لا يحب أن تقع المصيبة، بل يكرهها ويحزن لها، لكنه يصبر: فيمنع قلبه عن التسخط، ولسانه عن الكلام، وجوارحه عن الفعال، ولكنه يتجرع مرارة الصبر ولا يحب أن ذلك وقع، فهذا أتى بالواجب وسلم ونجا. الحال الثالثة: أن يقابل هذه المصيبة بالرضا وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى كأنه لم يصب بها؛ لقوة رضاه بالله ﷿. فالفرق بينه وبين الأول الذي قبله: أن الأول عنده كراهة لما وقع ويتجرع مرارة الصبر عليه، أما هذا فلا، ليس عنده كراهة ولا في نفسه مرارة، يقول: أنا عبد والرب رب، ولم يقدر لي هذا إلا لحكمة، فيرضى تمامًا. وقد اختلف العلماء ﵏ في هذا الرضا: هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه مستحب؛ لأنه صبرٌ وزيادة، والصبر سبق أنه واجب، وأما ما زاد على الصبر فإنه مستحب، فالراضي أكمل من الصابر. الحال الرابعة: الشكر لله ﷿ على ما حصل، فيشكر الله ﷾ على هذه المصيبة. ولكن قد يقول قائل: إن هذا أمرٌ لا يمكن بحسب الفطرة والطبيعة أن يشكر الإنسان ربه على مصيبة تقع عليه. فيقال: نعم، لو نظرنا إلى مطلق المصيبة لكانت الفطرة تأبى أن يشكر الله على ذلك، ولكن إذا نظر الإنسان إلى ما يترتب على هذه المصيبة: من مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات شكر الله ﷾ أن ادخر له من الأجر والثواب خيرًا مما جرى عليه من هذه المصيبة، فيكون بذلك شاكرًا لله ﷾. وقد كان من هدي النبي ﷺ أنه إذا أصابه ما يسره قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا أصابه خلاف ذلك قال: (الحمد لله على كل حال) . وهذا هو الذي ينبغي أن يقوله الإنسان. أما ما اشتهر على لسان كثيرٍ من الناس حيث يقول إذا أصيب بمصيبة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهي عبارةٌ بشعة، ولا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ لأن هذا يعلن إعلانًا صريحًا بأنه كارهٌ لما قدر الله عليه، وفيه شيء من التسخط وإن كان غير صريح، ولهذا نقول: ينبغي لك أن تقول ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وهو: (الحمد لله على كل حال) . وفي النهاية أوصي إخواني المرضى ومن أصيبوا بمصيبة أن يصبروا على ذلك، وأن يحتسبوا الأجر من الله ﷿، والله تعالى مع الصابرين، و: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) . ***
المستمعة من حفر الباطن تقول: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت بعد أن يصطدم بأشياء وأمور لا تجوز في هذه الدنيا الفانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا، لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضرٍ نزل به، بل الواجب عليه أن يصبر ويحتسب ويكابد، ويستعين بالله ﷿ في درء هذه المحظورات أو المحرمات بنصح إخوانه وإرشادهم، ولعل بقاءه من أجل النصح والإرشاد والدعوة إلى الله خيرٌ من أن يموت وينقطع عمله، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله، وإذا بقي في الدنيا وهو مؤمن فإن أمره كله خير، كما قال النبي ﵊: (إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له) . وعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله ﷾، ويعلم أن دوام الحال من المحال، وأن الأمور لا بد أن تنفرج، كما قال رسول الله ﷺ: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . ***
سائلة تقول: واجهت في حياتي عدة مشكلات جعلتني أكره الحياة، فكنت كلما تضطجرت توجهت إلى الله تعالى بأن يأخذ عمري بأقرب وقت، وهذه أمنيتي حتى الآن؛ لأنني لم أر حلًا لمشكلاتي سوى الموت هو وحده يخلصني من هذا العذاب، فهل هذا حرام علي؟ أرشدوني أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: أن تمني الإنسان الموت لضر نزل به وقوع فيما نهى عنه رسول الله ﷺ، حيث قال ﵊: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . فلا يحل لأحد نزل به ضر أو ضائقة أو مشكلة أن يتمنى الموت، بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله ﷾، وينتظر الفرج منه؛ لقول النبي ﷺ: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . وليعلم المصاب بأي مصيبة أن هذه المصائب كفارة لما حصل له من الذنوب، فإنه لا يصيب المرء المؤمن هم ولاغم ولا أذى إلا كفر الله به عنه، حتى الشوكة يشاكها. ومع الصبر والاحتساب ينال منزلة الصابرين، تلك المنزلة العالية التي قال الله تعالى في أهلها: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) . وكون هذه المرأة لا ترى حلًا لمشكلاتها إلا بالموت أعتبر أن ذلك نظر مخطئ، فإن الموت لا تنحل به المشكلات بل ربما تزداد به المصائب، فكم من إنسان مات وهو مصاب بالمشكلات والأذايا، ولكنه كان مسرفًا على نفسه، لم يستعتب من ذنبه ولم يتب إلى الله ﷿، فكان في موته إسراع لعقوبته، ولو أنه بقي على الحياة ووفقه الله تعالى للتوبة والاستغفار والصبر وتحمل المشاق وانتظار الفرج لكان في ذلك خيرٌ كثير له. فعليك أيتها السائلة أن تصبري وتحتسبي وتنتظري الفرج من الله ﷿، فإن الله ﷾ يقول في كتابه: (فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) . والنبي ﷺ يقول فيما صح عنه: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . والله المستعان. ***
من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري. إذًا فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك: فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك، ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلًا أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلًا والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع، ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلمًا والله ﷾ منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) . والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا، ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبدًا؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلًا عن الشرع. ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟ والجواب: لا، إنك ما أردت شيئًا إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . فإذا أراد الإنسان أن يأكل فأكل علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته أن يريد الأكل فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري واشترى وباع علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرًّا فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة، ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئًا إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة على العاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك. لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة مسير أو مخير ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبدًا لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وكفر الإنسان باختياره وإيمانه باختياره، وليس المعنى بالاختيار يعني أنك إن شيءت فآمن وإن شيءت فاكفر، لا، المعنى: أن وقوع الكفر باختيارك ووقوع الإيمان باختيارك. وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئًا وفعله فهو بإرادة الله السابقة عليه. نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلًا وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملًا ناسيًا هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار. ***
علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في ذلك أن نقول للإنسان: ارجع إلى نفسك لا تسأل أحدًا غيرك: هل أنت تفعل ما تفعله مكرهًا عليه أم تفعل ما تفعله باختيارك؟ هل إذا توضأت في بيتك وخرجت إلى الصلاة وصلىت مع الجماعة هل أنت مكره على هذا أو فعلته باختيارك؟ هل أنت إذا خرجت إلى سوقك وفتحت متجرك وبعت واشتريت هل أنت مجبر على ذلك أو فاعله باختيارك؟ هل أنت إذا أردت أن تقرأ في مدرسة معينة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعية أو أعلى من ذلك دراسات عليا هل أنت تفعل ذلك باختيارك أو تفعله مجبرًا على هذا؟ إني أتعجب أن يرد هذا السؤال من شخص يعلم نفسه ويعلم تصرفه ثم يقول: هو مسير أو مخير؟ كل يعلم الفرق بين ما يفعله الإنسان باختياره وإرادته وطوعه وبين ما يكره عليه. والمكره على الفعل لا ينسب إليه الفعل ولا يلحقه به إثم، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو كان الإنسان مكرهًا على عمله لكانت عقوبة العاصي ظلمًا؛ لأنه يقول: يا رب أنا مكره ليس لي اختيار. ولو كان الإنسان مجبرًا على عمله لكانت كتابة حسناته عبثًا؛ لأنه يثاب على شيء ليس من فعله ولا من اختياره. فعلى أخي السائل وغيره من المسلمين أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يعلموا أنهم غير مجبرين على الفعل، بل هم يفعلون الشيء باختيارهم من غير أن يكرهوا عليه. ولكن فليعلم أن ما يقع منا من فعل فإنه بقضاء وقدر سابق من الله ﷿، وبمشيئة الله ﷾ واقع، فالقدر قدر الله ومشيئته لا يعلم تحققهما إلا بعد فعل العبد. هذا وقد ذكر علماء أهل السنة أن للقدر مراتب: أولها: العلم، بأن تؤمن بأن الله ﷾ عالم بكل شي جملة وتفصيلًا أزلًا وأبدًا، فلا يضل ربي ولا ينسى، ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء. والثاني: الكتابة: أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. والثالث: المشيئة أن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله ﷾. والمرتبة الرابعة: الخلق: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا الله خالقه جل وعلا. والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها رسول الله صلى عليه وآله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال النبي ﵌: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) . ***
هذا السائل من السودان يقول: فضيلة الشيخ ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيرًا، مثلًا في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيبًا أو خبيثا؟ ً أرجو بهذا توجيهًا مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم جدًا، وذلك لأنه سأل عن الهداية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . وسأل: هل الإنسان مخير أو مسير؟ وهل له إرادة أن يفعل؟ أو لا يفعل والجواب على الأول: أن الهداية المذكورة في القرآن تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وبيان، وهداية توفيق وإرشاد. فأما الهداية الأولى فهي مثل الآية التي ساقها السائل، وهي قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . يعني: إنا بينا للإنسان السبيل والطريق، سواءٌ كان شاكرًا أو كان كفورًا، فالكل بين له الحق، لكن من الناس من منّ الله عليه فشكر والتزم بالحق، ومن الناس من كان على خلاف ذلك. ومن أمثلة الهداية التي يراد بها الدلالة قوله ﵎ عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي: لتدل إلى الصراط المستقيم؛ لأن النبي ﷺ قد بيَّن وعلَّم أمته الصراط المستقيم، وترك أمته على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها. أما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإرشاد، ومن أمثلتها قوله ﵎ لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فالمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك أن يهدي أحدًا هداية توفيق يوفقه بها إلى الإيمان والعمل الصالح. وهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعاه النبي ﷺ إلى الهدى، ولكن لم يوفق لذلك، فأنزل الله هذه الآية تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . وقد يراد بالهداية الهدايتان جميعًا، أي: هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد، ومن ذلك قوله ﵎ في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإن هذه الآية تشمل هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد. والقارئ إذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) . يريد بذلك المعنيين جميعًا: يريد أن يعلمه الله ﷿، ويريد أن يوفقه الله تعالى لسلوك الحق. هذا هو الجواب عن الجزء الأول في سؤاله. أما الجزء الثاني، وهو: هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر، بمعنى: أن له الاختيار وإن كان ليس سواء: لا يستوي الكفر والإيمان، لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم: فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر، وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن، بل الكافر كفر باختياره، والمؤمن آمن باختياره. كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره، ويرجع إليه باختياره، وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره، ويدخل الجامعة الفلانية باختياره، وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه، ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر. نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان:كحوادث تحدث للإنسان: من انقلاب سيارة، أو صدام، أو سقوط بيتٍ عليه، أو احتراق، أو ما أشبه هذا، هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه، بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر. ولهذا عاقب الله ﷾ الكافرين على كفرهم؛ لأنهم كفروا باختيارهم، ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا. ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفرًا، أو على القول ولو كان كفرًا فإنه لا يعاقب عليه؛ لأنه بغير اختيارٍ منه؟ ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر، وقد يرى نفسه ساجدًا لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا؛ لأن ذلك بغير اختياره؟ فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه، فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل؛ لأنه فعل السيئ باختياره. وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله ﷾ قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة؛ فإن هذا لا حجة فيه، وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله ﷾، إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق، فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلًا، فالإنسان الذي يصلى لا يعلم أن الله كتب له أن يصلى إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة، ولم يجبر المصلى على الصلاة بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره. ولما حدث النبي ﷺ أصحابه بأنه (ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل؟ قال لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) . فأمر بالعمل، والعمل اختياري وليس اضطراريًا ولا إجباريًا، فإذا كان يقول ﵊: (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) نقول للإنسان: اعمل يا أخي صالحًا حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملًا صالحًا وإن شاء عمل عملًا سيئًا. ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول: هذا أمرٌ مكتوب علي، يترك الصلاة مع الجماعة ويقول: هذا أمر مكتوب علي، يشرب الخمر ويقول: هذا أمر كتب علي، يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول: هذا أمرٌ مكتوبٌ علي. ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته أنت؟ لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة؟ وأما قول السائل: هل للإنسان إرادة؟ نقول: نعم له إرادة بلا شك، قال الله ﵎: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) . والآيات في هذا معروفة، وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة. ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه، قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله: قد فعلت. وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة، والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول إلى الحق. وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، فتأثر من ذلك ﵊؛ لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك، وإلا فالأمر واضح ولله الحمد. ***
من الرياض طالب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول: سؤالي هو أنه وقع بيني وبين أخي خلافٌ عقائدي حيث قلت له: إن الإنسان مسير وليس مخيرًا. فقال: هذا ليس بصحيح، بل الإنسان مسير ومخير أيضا. ً وطال الجدال، فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟ وجزيتم خيرًا. فأجاب رحمه الله تعالى: القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير، وأن له اختيارًا كما يريد، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) . وقال ﷿: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) . وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة: فأنت الآن عندما قدمت لنا هذا الكتاب هل قدمته على وجه الإكراه، وأنك تشعر بأن أحدًا أكرهك على تقديمه، أو أنك قدمته على سبيل الاختيار، فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب أو أرسلت الكتاب؟ لا شك في أن هذا هو الواقع. ولكننا نقول: كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله ﷿ معلومٌ عنده، أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير، وأن نهرب عن فعل الشر، وليس في هذا إشكالٌ أبدًا: نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلًا أو إلى الجامعة، فمنهم من يختار كلية الشريعة، ومنهم من يختار كلية أصول الدين، ومنهم من يختار كلية السنة، ومنهم من يختار كلية اللغة، ومنهم من يختار كلية الطب. المهم أن كلًا منهم يختار شيئًا، ولا يرى أن أحدًا يكرهه على هذا الاختيار، كيف نقول: مسير ومخير؟ لو كان الإنسان مجبرًا على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلمًا، والله ﷿ منزهٌ عن الظلم بلا شك، فالإنسان يفعل باختياره بلا شك، لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مقدر عليه من قبل، لكنه لم يعلم بأنه مقدر إلا بعد وقوعه. ولهذا لما قال النبي ﷺ: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: (اعملوا) فأثبت لهم عملًا مرادًا (فكلٌ ميسرٌ لما خلق له): أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ مخير، ومعنى مخير: أن له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله، وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب. ***
السائل محمد من مكة المكرمة يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن أقول له: اسأل نفسك: هل أنت حينما كتبت هذه الورقة وفيها السؤال هل أنت فعلت ذلك باختيارك أو أن أحدًا أجبرك؟ إنني أجزم جزمًا أنه سيقول: كتبتها باختياري. ولكن ليعلم أن الله ﷾ هو الذي خلق في الإنسان الإرادة، الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه أمرين كلاهما سبب الوجود، الأمر الأول: الإرادة، فالله تعالى جعل الإنسان مريدا. ً والأمر الثاني: القدرة، جعله الله تعالى قادرًا. فإذا فعل شيئًا فإنما يفعله بإرادته وقدرته، والذي خلق فيه الإرادة هو الله ﷿، وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله ﷿. وهذه الكلمة: مخير ومسير هي كلمة حادثة لا أعلمها في كلام السابقين، وعلى هذا فنقول: إن الإنسان مخير يفعل الشيء باختياره وإرادته، ولكن هذا الاختيار والإرادة كلاهما مخلوقان لله ﷿. ***
مجموعة من السائلات يقلن: يا فضيلة الشيخ نحن السائلات من المدرسة الثانوية بجدة لنا هذا السؤال: هل يؤاخذ الإنسان ويعاقب على الأخطاء والمعاصي وقد قدرها الله ﷿ عليه في اللوح المحفوظ؟ نرجو بهذا إفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، المعاصي يعاقب عليها الإنسان، إلا إذا كانت دون الشرك، فإنها داخلةٌ تحت مشيئة الله ﷿. وهذه المعاصي لا شك أنها واقعة بعلم الله ومشيئة الله، وأنها مكتوبة على العبد في اللوح المحفوظ، ومكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، ولكن هذه الكتابة ليست معلومة حتى يكون الإنسان بنى عمله عليها، لو كان يعلمها فبنى عمله عليها لقلنا: إن له حجة، لكنه لم يعلمها، فمن يعلم أن الله تعالى قدر له أن يعصي الله وهو لم يعصه حتى الآن؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) . ولهذا يكون إقدام العاصي على المعصية إقدامًا بلا علمٍ أن الله قدرها عليه حتى تقع منه، والحجة لا تكون حجة حتى تكون سابقة على العمل الذي احتج بها عليه. ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سرٌ مكتوم، لا يعلم حتى يقع. وهذا صحيح: من يعلم أن الله قدر أن ينزل المطر غدًا، حتى ينزل غدًا فنعلم أن الله قدره؟ من يعلم أن فلانًا يعصي الله غدًا، حتى يعصي الله هذا الرجل فنعلم أن الله قدره؟ ولهذا لا حجة للإنسان العاصي بقدر الله على شرع الله، فالشرع لا يحتج عليه بالقدر أبدًا، ولهذا قال الله تعالى مبطلًا هذه الدعوى، أي: دعوى القدر: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) ولو كانت الحجة صحيحة لم يستحقوا أن يذوقوا بأس الله. وقال الله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولو كان القدر حجة لم يرفعها إرسال الرسل. ولما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من أحدٍ إلا وكتب مقعده من الجنة أو من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له. ثم قرأ ﷺ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنحن نقول للإنسان: القدر علمه عند الله ﷿، وهو سرٌ مكتوم، وأنت مأمورٌ بأن تعمل العمل الصالح، وأن تتجنب العمل السيئ، فقم بما أمرت به: اعمل عملًا صالحًا، واجتنب العمل السيئ، وهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. ***
هل يكتب الله ﷿ طريقة الموت على الإنسان، أي: كيف يموت بمرض أم حادث؟ أرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، يكتب الله ذلك كله، وما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو مكتوب عند الله، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . وكل شيء فإنه مكتوب عند الله ﷿، حتى الشوكة تصيب الإنسان هي مكتوبة عند الله. ***
من أريتيريا عثمان محمد عبد الله يسأل ويقول بأنه دخل في عدة طرق من الطرق المتعددة وخرج منها. سؤاله يقول: هل ما ضاع من عمري في هذه الفترة والسيئات التي وقعت فيها محسوبة عليّ أم تنفى عني بتوبتي؟ ثانيًا يقول: وهل كل ما حصل عليّ في هذه الطرق الباطلة قبل هذا كان مكتوبًا علي؟ إن كان مكتوبًا عليّ من الأزل وكان الله عالمًا بهذا؟ نرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أهنىء الأخ الذي منّ الله عليه بالاستقامة ولزوم الصراط المستقيم، بعد أن كان منحرفًا في متاهات البدع والضلال، فإن هذا من نعم الله، بل هو أكبر نعمة ينعم الله بها على العبد: أن يتوب الله عليه فيتوب إلى ربه، ويقلع عن غيه إلى رشده، يقول الله ﷿ ممتنًّا على المؤمنين بمثل ذلك: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . ويقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . ويقول جل وعلا: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) . فالهداية للإيمان من أكبر النعم بل هي أكبر نعمة أنعم الله بها على العبد، فأسأل الله أن يثبتني وإخواني المسلمين على دينه المستقيم، إنه جواد كريم. أما بالنسبة للجواب على سؤاله فإني أقول له: إذا تاب الإنسان من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه، ويمحو عنه سيئاته؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تجُّب ما قبلها. قال الله ﷿: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وقال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . والنصوص في هذا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كلها تدل على أن الله إذا منّ على العبد بالتوبة النصوح فإن الله يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، إذا تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فكل ما جرى عليك من اعتناق الطرق والمذاهب الهدامة والزيغ والضلال فإنه يمحى برجوعك إلى الحق. وأما الفقرة الثانية في السؤال، وهي: أن هذا الذي عمله هل كان مكتوبًا عليه في الأزل، وبعلم من الله ﷿؟ فنقول: نعم، هو مكتوب عليه في الأزل، مكتوب عليه العمل السيئ السابق، ومكتوب له التوبة الأخيرة التي منّ الله بها عليه، وكل ذلك بعلم من الله ﷾، يقول الله ﷿: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ويقول جل ذكره: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . فعلم الله ﷾ محيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين والحمد لله، وهو إحدى مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، فإن الإيمان بالقضاء والقدر مراتب أربع: الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، بمعنى: أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلًا ما كان وما لم يكن. والمرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإن الله ﷾ يقول: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . أما المرتبة الثالثة فهي: الإيمان بعموم مشيئة الله، فهي أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو واقع بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء لا من فعله ولا من فعل عباده، والنصوص في هذا كثيرة، ومنها قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . فبين الله ﷿ أن اقتتال هؤلاء المختلفين كان بمشيئته. وقال ﷾: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فما في الكون شيء يحدث عدمًاَ أو وجودًا إلا وهو بمشيئة الله ﷾. أما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بعموم خلق الله، أي: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو مخلوق لله ﷿ في أعيانه وفي أوصافه، كما قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . وقال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . حتى العبد مخلوق لله تعالى بعينه وشخصه، وبأوصافه وقواه الظاهرة والباطنة، وبما ينشأ عن تلك القوى، فأفعال العبد مثلًا مخلوقة لله، باعتبار أن هذه الأفعال ناشيءة عن قدرة في العبد وإرادة، والقدرة والإرادة من صفات العبد، والعبد مخلوق لله، فأوصافه كذلك مخلوقة له أي لله. فكما أن الأوصاف الخَلْقية الظاهرة مخلوقة لله، فكذلك الأوصاف الخُلُقية والفكرية الباطنة مخلوقة لله كذلك. وهذه المراتب الأربع يؤمن بها أهل السنة والجماعة جميعها، فعلينا أن نؤمن بها ونصدق، لكن مع ذلك نعلم علم اليقين أن للإنسان إرادة وقدرة، فهو يريد الشيء فعلًا وتركًا أي: يريد أن يفعل فيفعل إذا كان له قدرة، ويريد أن يترك فيترك، ولكن خالق القدرة وخالق الإرادة هو الله ﷿، فهو يُنْسَبْ- أي: فعل العبد- إلى الله تعالى خلقًا وإرادة، وإلى العبد فعلًا وكسبًا، مع أنه داخل تحت إرادة العبد وقدرته، فلولا أن الله تعالى أقدر العبد على الفعل ما فعل؛ لعجزه عنه، ولولا أن الله خلق فيه الإرادة ما فعل؛ لعدم وجود الإرادة. ***
يقول السائل: هل الكفار مكتوب لهم من الأزل أنهم كفار؟ ولماذا يعذبون في المكتوب قديمًا إذا كان كل شيء يجري على ما سبق في الأزل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: نعم الكفار كذلك مكتوب عملهم في الأزل، ويكتب كذلك عمل الإنسان عند تكوينه في بطن أمه، كما دل على ذلك الحديث الصحيح لابن مسعود قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) .فأعمال الكفار مكتوبة عند الله ﷿، والشقي شقي عند الله ﷿ في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل. ولكن يقول قائل- كما أورد هذا السائل-: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟ فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة، وبين لهم الطريق: فأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال، ورغبوا في سلوك طريق الهدى، وحذروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات ولهم اختيارات. ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضًا يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا تجد أحدًا منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه ويقول: إن هذا مكتوب عليّ، أبدًا، كل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا أيضًا لما فيه منفعتهم في أمور دينهم، كما يسعون لما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما، بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام أكثر وأعظم من بيان الأمور الضارة في أمور الدنيا، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم، دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم. نقول: إن هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أن أحدًاَ أكرهه، وإنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على هذا الكفر هل كان عالمًا بما كتب الله له؟ والجواب: لا، لأنا نحن لا نعلم بأن الشيء قد كتب إلا بعد أن يقع، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب؛ لأنه من علم الغيب. فنقول لهذا الكافر: لماذا لم تقدر أن الله ﷾ كتب لك السعادة وتؤمن؟ فأنت الآن قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان: هداية وضلال، فلماذا لا تسلك طريق الهداية مقدرًا أن الله تعالى كتبه لك؟ لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسلكه تحتج بأن الله تعالى كتبه؟ نقول لك: قبل أن تدخل في هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك؟ سيقول: لا، ولا يمكن أن يقول: نعم، فإذا قال: لا، قلنا: إذًا لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى كتب لك ذلك؟ ولهذا يقول الله ﷿: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، ويقول ﷿: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي ﵊ أصحابه بأنه (ما من أحدٍ إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . هذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل، وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال، وهو عجب منهم؛ لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبدًا، بل تجدهم يسوقون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم، ولا يمكن لأحد أن يقال له: هذا الطريق الذي أمامك طريق وعر صعب فيه لصوص وفيه سباع، وهذا الطريق الثاني طريق سهل آمن لا يمكن لأحد أن يسلك الطريق الأول ويدع الطريق الثاني، مع أن هذا نظير الطريقين: طريق النار وطريق الجنة، فالرسول بين طريق الجنة وقال: هو هذا، وبين طريق النار وقال: هو هذا، وحذر من الثاني ورغب في الأول، ومع ذلك فإن هؤلاء العصاة يحتجون بقضاء الله وقدره- وهم لا يعلمونه- على معاصيهم. ***
عوض عبد الوهاب يقول: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ وهل مكتوب مثلًا أتزوج فلانة بعينها مسبقًا؟ وهل الرزق محدد مهما كد الشخص وتعب؟ وما الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كل شيء يجري منذ أن خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب، مكتوب في اللوح المحفوظ؛ لأن الله ﷾ (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . وثبت عن النبي ﷺ أن الجنين في بطن أمه إذا مضى أربعة أشهر بعث الله إليه ملكًا ينفخ فيه الروح، ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. والرزق أيضًا مكتوب لا يزيد ولا ينقص، ولكن الله ﷾ قد جعل له أسبابًاَ يزيد بها وينقص، فمن الأسباب: أن يعمل الإنسان بطلب الرزق، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ومن الأسباب أيضًا صلة الرحم من بر الوالدين وصلة القرابات، فإن النبي ﷺ قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) . ومن الأسباب تقوى الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدود ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه، فإن هذا من العجز، والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك. قال النبي ﵊: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) . ***
يقول السائل: إذا كان قضاء الله وقدره سابقًا على الإنسان بالسعادة أو الشقاوة فما حكم تركه الأخذ بالأسباب والعمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم ترك الأسباب والعمل سفه؛ لأن الله ﷾ يقدر الأشياء بأسبابها، فلحكمته جل وعلا صار لكل شيء سببٌ كل شيء يكون فإنه لابد له من سبب، إما معلوم لنا وإما مجهول لنا. وقد بين الله لنا أسباب السعادة وأسباب الشقاوة، وأمرنا بأن نعمل في أسباب السعادة، فقال جل وعلا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي ﵊ أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر له لما خلق له) . ثم قرأ هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فهذا ما دل عليه الشرع: أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وكذلك دل عليه العقل: فإن الإنسان لو قال: أنا لا أتزوج، ولكن إن كان الله قد كتب لي أولادًا فسيأتون، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء. وكذلك لو قال: أنا لن أسعى لطلب الرزق، ولو قدر الله ﷾ لي أن أشبع وأن أروى فسأشبع وأروى، لعد ذلك من أسفه السفه. فلابد من فعل الأسباب، ولا يتم التوكل ولا الاعتماد إلا بامتثال أمر الله ﷿ بفعل الأسباب النافعة التي تؤدي إلى المقصود. ***
هذه الرسالة وردتنا من المستمع، يقول الباحث عن الحقيقة من الجمهورية العراقية مدينة كركوك يقول في رسالته: هناك نوعان من الحياة: الحياة السعيدة، ولا أقصد السعادة بالمال والجاه، وإنما أقصد تلك السعادة التي تأتي من النفس، أي أن يكون الإنسان مرتاحًا من الناحية النفسية. ثانيا: ً الحياة الذليلة، وأقصد به الذل النفسي، أي أن يكون الإنسان ذليلًا من الناحية النفسية. والسؤال: لماذا يخلق الإنسان ذليلًا في أمة الإسلام، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وذكر عدة آيات منها قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) وعدة آيات يقول: هل نستطيع أن نعتبر أن الذين خلقهم الله أذلاء من الناحية النفسية لم تشملهم هذه الرحمة الواسعة، ولا تزال قلوبهم ونفوسهم تعيش في الظلمات ولم تر النور، ونعتبر هذا ظلمًا لهم من الله ﷾؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي سأل عنه الأخ يتعلق بمسألة عظيمة وهي مسألة القضاء والقدر التي ينقسم الناس فيها إلى قسمين: منهم من وفق للاستقامة، ومنهم من وفق للضلالة. وهذا هو محط الإشكال عند كثير من الناس: كيف يكون هذا ضالًا وكيف يكون هذا مهتديًا؟ ولكننا ننبه على نقطة مهمة في هذا الباب، وهي: أن من كان ضالًا فإن سبب ضلاله هو نفسه؛ لقول الله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، ولقوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولقول النبي ﷺ حين حدث أصحابه: (مامن أحد إلاوقد كتب مقعده من الجنة والنار. فقالوا: أفلا نتكل يا رسول الله على الكتاب ونترك العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم تلا هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وعلى هذا فنقول: هؤلاء الذين وصفهم السائل بأنهم أذلاء إنما أذلتهم المعصية ولم يكتب لهم الهدى بسبب أنهم هم الذين تسببوا للضلالة، حيث لم تكن إرادتهم صادقة في طلب الحق والوصول إليه وفي العمل به بعد وضوحه وبيانه، ولو أنهم كانوا أحسنوا النية وصدقوا العزيمة لوفقوا للحق؛ لأن الحق بين ميسر: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . فالذي أنصح به هذا الأخ ومن على شاكلته وممن أشكل عليهم هذا الأمر أن يرجعوا إلى أنفسهم أولًا ويحسنوا نيتهم ويصححوا عزيمتهم، حتى تكون النية سليمة والعزيمة صادقة في طلب الحق، وحينئذ فأنا ضامن أن يوفقوا له؛ لأن الله ﷾ هو الذي وعد بذلك: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وتأمل أن الآية جاءت بالسين الدالة على قرب مدخولها وعلى تحقق مدخولها أيضًا، لأن السين كما هو معلوم تدل على هذين المعنيين: قرب مدخولها وتحققه ولكن البلاء من أنفسنا. وأتلو الآن أيضًا قول الله ﵎: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)، فإن هذا النسيان يشمل الذهول الذي هو ذهول القلب عن المعلوم، النسيان هو: ذهول القلب عن المعلوم، وكذلك النسيان الذي بمعنى الترك، فهم تسلب علومهم ولا يوفقون إلى العمل الصالح بسبب نقض الميثاق. فضيلة الشيخ: لكن هؤلاء أذلتهم المعصية، وأيضًا ذكرتم الآية الأخيرة والتي نزلت فيما أعتقد في بني يهود الذين قال الله تعالى فيهم: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) نجد الآن من الذين ينتسبون إلى الأمة الإسلامية أذل من الذين جاهروا بالكفر وانتهجوا هذا المنهج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صحيح مثل هذا، وذلك أن الحق عليهم في الاستقامة أوكد من الحق على أولئك، ومعلوم أن من تدنس بالأرجاس وهو من أهل الولاية أشد ممن تدنس بها وليس من أهل الولاية، فإن حق الله على المسلمين أعظم من حقه على أولئك الكافرين، ولهذا يلزمون بشرائع الإسلام، فإنه إذا تمرد كان أشد وأعظم، ولهذا إذا تمت النعمة على العبد صارت مخالفته أشد وأعظم. ومن ذلك ما ورد عن النبي ﷺ في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ومنهم: الأشيمط الزاني؛ لأنه لا داعي له للزنى، وهو إلى الاتعاظ والبعد عن هذا أولى، فلذلك عظم إثمه. فهؤلاء الأذلة من المسلمين لأنهم يجب عليهم من حق الله ﷾ والاستقامة أكثر مما يجب على أولئك، ولهذا كانت مخالفتهم أعظم من مخالفة أولئك، وكان الذل إليهم أقرب. وقد مثل بعض العلماء شبيه هذه المسألة بحاشية الملك والبعيدين عنه، فقال: إن مخالفة حاشية الملك للملك أشد وأعظم وقعًا من مخالفة الأباعد، هكذا المسلمون: مخالفاتهم تكون أعظم من غيرهم، فلذلك كان جزاؤهم أشد من غيرهم. ***
يقول السائل: هل الإصابة بالعين حقيقة؟ نرجو توضيح ذلك، وكيف نعالج هذه الإصابة بالآيات القرآنية؟ وما هذه الآيات؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين حقيقة دل عليها القرآن والسنة: أما القرآن فإنه قد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قول الله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أن المراد بها العين، وكذلك أيضًا قول الله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ذهب كثير من أهل العلم أن المراد بها العين. وأما السنة فقد ثبت ذلك عن النبي ﷺ حينما قال: (العين حق، ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) . فهذا نص صريح، ثم إن الواقع يشهد لذلك أيضًا، ولا حاجة إلى سرد الوقائع المعلومة لنا في هذا المقام، لكنها معلومة عند جميع الناس. وخير وقاية منها نوعان: أحدهما وقاية دافعة، والثاني وقاية رافعة. أما الوقاية الدافعة فهو: أن الإنسان يستعمل الأوراد الواقية من العين وغيرها، مثل آية الكرسي، حيث قال الرسول ﵊ فيها: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل ألا يظهر لمن اتُهم بالعين بمظهر يُخشى منه أن يثير هذا العائن. وأما الأسباب الرافعة فمنها: أن يؤمر العائن بالاغتسال، ويؤخذ ما تناثر من الأعضاء، أو بالوضوء ويؤخذ ما تناثر من أعضائه، فيُصب على رأس المصاب وعلى ظهره، ويشرب منه، وحينئذ تزول العين بإذن الله ﵎. فضيلة الشيخ: هو يسأل عن آيات قرآنية، هل هناك آيات قرآنية خاصة يرقى بها من أصابته العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف في هذا شيئًا، ولكن كما قلت: آية الكرسي واقية، نعم وينبغي قبل أن نختم الجواب ينبغي لمن عرف من نفسه أنه عائن ينبغي أن يكثر التبريك إذا رأى ما يسره، فيقول إذا رأى ما يسره: تبارك الله ما شاء الله، وما أشبه هذا؛ لأن ذلك من أسباب الوقاية. ***
العين حق فكيف يتقي الإنسان من العين يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العين حق ولا شك فيها، ولكن للعين أشياء تقي منها دافعة ورافعة. أما الأشياء الدافعة: فأن يكثر الإنسان من الأوراد التي جاءت بها السنة، مثل قراءة آية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. ومنها: إذا رأى أحدًا يخاف عينه يقول: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. ومنها: إذا كان الإنسان من الذين يؤذون الناس بعينهم، أي: إذا كان عائنًا، فإنه إذا رأى ما يعجبه يبرك عليه فيقول: تبارك الله عليك، وما أشبه ذلك. أما معالجة العين بعد وقوعها- وهو دفعها- فله أسباب، منها: القراءة على الشخص المصاب بالعين، ومنها: أن يؤمر العائن بأن يتوضأ، ويؤخذ مما يتناثر من وضوئه، فيصب على المصاب، ويشرب منه، فإن هذا من أسباب ارتفاع أثر العين عن المصاب. ***
يقول السائل: ما العلاج الشرعي للمصاب بالعين؟ وبعض الناس يكون عنده وسواس ويخشى الإصابة بالعين، ودائمًا يطلب من الناس أن يذكروا الله، فهل عمله هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه من الواضح جدًا في عهدنا القريب أن الناس كثر فيهم الأوهام والوساوس، فإذا أصيبوا بشيءٍ عادي قالوا: هذا جن، أو: هذه عين، أو: هذا سحر. ونحن لا ننكر أن الجن قد يسلط على الإنسي ويتلبس به، ولا ننكر أن الإنسان قد يصاب بالعين، ولا ننكر أن الإنسان يسحر. ولكننا نريد أن لا يكون هذا وهمًا بين الناس، فإذا قدر أن أحدًا أصيب بذلك- نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية- فإنه يبحث عن العلاج، علاج السحر نقضه، علاج السحر أن ينقض: بأن يعثر عليه ثم يتلف. علاج العين أن يطلب من العائن أن يغتسل، ويؤخذ الماء الذي يتناثر من غسله ويعطى المريض شربًا ورشًا على بدنه، وهذا من العلاج. علاج الجن قراءة الآيات التي يطرد بها الجن، مثل آية الكرسي، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، ومثل بعض آيات سورة الجن، مع الاستعانة بالله ﷿، والتوكل عليه، والاعتماد عليه، والاعتقاد أن كلامه جل وعلا شفاء لما في الصدور. نسأل الله لنا ولإخواننا السلامة من شر أنفسنا ومن شر ما خلق. ***
يقول السائل: هل هناك رقية شرعية تعمل لمن أصيب بالعين؟ وهل يجوز التداوي من العين بطرق أخرى يعملها بعض الناس وهم يزعمون بأنها تشفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين دواؤها أن يؤمر العائن بأن يغتسل، وما تناقط من الماء الذي اغتسل به يستشفي به المصاب، أو يتوضأ ويغسل مغابنه، وما تناثر منه يؤخذ إلى المصاب بالعين ويستشفي به. هذا المعروف، فإذا فعله الإنسان فإنه بإذن الله يبرأ من إصابة العين. ***
ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلًا الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة. هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين، أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه العائن: أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه، ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى. وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعًا، فإن كان واقعًا حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعًا فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره. لكن بعض الناس- والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم ويأبى يقول: أنا عائن؟! أنا نحوت؟! كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، انفع أخاك: إن كانت العين منك فتكون قد تخلصت منها وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك، يعني: إذا لم تكن منك لم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك بريء من العين. ***
يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق)؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث صحيح، والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو- أي: العائن- شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله ﷿. والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن: أن يبرك على من رآه متنعمًا الله فيقول: اللهم بارك على فلان، وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد. وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك: أن يكثر من قراءة الأوراد صباحًا ومساء، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، وغيرها مما جاءت به السنة. هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة، أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله. فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب، أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين. فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد؛ لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها. ***
يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك ألا يقع من هذا المشاهد عين تصيب المشهود؛ لأن النفوس قد يقع منها ما لا يجوز، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله ﵎. ***
الكفر والتكفير
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية. فما أطلق الشارع عليه الكفر نظرنا: إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة كلية حسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس مناقضًا على وجه الإطلاق. فقول الرسول ﵊: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) إذا نظرنا إلى قوله: (قتاله كفر) فيقول قائل: من قاتل المسلم فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول ﵊ قال: (قتاله كفر) أي: إن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة: المقاتلة الباغية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فيكون هذا الناقض ليس ناقضًا بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر، وليس هو الكفر المطلق. وإذا نظرنا إلى قول النبي ﷺ: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضة كلية، وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلًا بائنًا عن الطرف الآخر، لا يجتمع معه في شيء؛ لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وكذلك قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام. فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى، وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، والنواقض الصغرى، وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلة من خصال الكفر. ***
يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالًا أو أعمالًا أو اعتقادًا، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة، وهي: أن الذي يخرج من الملة هو يدور على أمرين: إما الإنكار، وإما الاستكبار. يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئًا أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكمًا من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها. أو الاستكبار، وهو: أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله. فتارك الصلاة مثلًا كافر مع أنه يؤمن بالله ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، ليس بلازم، بل إذا تركها متهاونًا بلا عذر، ولا جهل منه إذا كان بعيدًا عن المدن الإسلامية فإنه في الحقيقة مستكبر. فجميع أنواع الردة تعود إلى هذا: إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جدًا، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء ﵏ في باب أحكام المرتد. أما أحسن كتاب في التوحيد: فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل. ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم إذا ترقى الإنسان شيئًا فالعقيدة التدمرية، ثم إذا ترقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لابن القيم ﵀ وغير ذلك. والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله ﷿، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤاله عن نواقض الإسلام فنواقض الإسلام بمعناها الإجمالي: كل ما أوجب الردة فهو ناقضٌ للإسلام، يعني: كل شيء من قولٍ أو فعل أو عقيدة يكون به الإنسان مرتدًا فهو ناقضٌ للإسلام، وهو لا يحصر في الواقع، يعني: أفراده لا تحصر لا بعشرة ولا بعشرين ولا بأكثر، لكن الضابط: أن كل ما كان مقتضيًا للردة فهو من نواقض الإسلام. فمثلًا: كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به، مثل أن يجحد- والعياذ بالله- وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضًا من نواقض الإسلام. لو جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنى، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام. كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء: لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . كذلك لو استكبر عما يكون الاستكبار عنه ردة، كما لو ترك الصلاة وصار لا يصلى لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد. والحاصل: أن نواقض الإسلام لا تحصر بعدد، وإنما تذكر بحد، وهو: كل ما أوجب الردة- أي: كل ما كان ردة- فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل. ***
عبد الرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه. فأما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان- والعياذ بالله- عن دين الله ومات على الكفر يحبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام فإن عمله لا يحبط، ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة، وهو يصلى كما يصلى الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام، ثم أتاه وقت ارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة، ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام فأقام الصلاة وقام بشعائر الإسلام، فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟ فنقول: لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة، هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات. أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه: فالوضوء مثلًا يبطله الحدث، والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه، والصدقة يبطلها المن والأذى، والصوم يبطله الأكل والشرب، والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول. فالمهم: أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها. ***
هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، نعم ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله ﷿ فإنه يكون مؤمنًا ومع المؤمنين؛ لقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . ***
هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولًا إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرتد ليس كالكافر الأصلى، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلى، بل هو أشد منه؛ لقول النبي ﵊: (من بدل دينه فاقتلوه) . فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلى، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفرًا، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه. وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلمًا، وإما أن يقتل. ***
ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلمًا أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي، أما معناها اللغوي فهو الميل عن طاعة الله ﷾ بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) . وعلى هذا فكل عاصٍ لله ﷾ يكون ملحدًا، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة، وهو: ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة، وهو: ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العرفي، فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو: إنكار الألوهية، يعني: إنكار وجود الله- والعياذ بالله- أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه. والصواب: أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلمًا فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافرًا كفرًا أصلىًا أو كان مرتدًا فإنه يكون ملحدًا؛ لأنه- والعياذ بالله- الكفر وإن كان دركات بعضها أسفل من بعض، لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام. ***
ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحدًا في أسماء الله وصفاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه سمي الحفر في طرف القبر لحدًا لأنه مائل إلى جهة منه. أما في الاصطلاح فهو: الميل عن ما يجب اعتقاده أو عمله. وهذا تعريف عام: كل من مال عن ما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر وإلحاد أصغر. فالإلحاد التام الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ضاهاهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال، كقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم. أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها إنكارًا كليًّا؟، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعله غلاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم. الثاني: إلحاد في الأسماء فقط، بأن يثبتها لله ﷿ لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من الصفات. ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالة على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماء يثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، ويقول: إن لله تعالى علمًا لكن علمه مماثل لعلم المخلوق. وكذلك من يمثل في الصفات وهو ملحد فيها، كالذي يقول: إن لله تعالى وجهًا لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء والصفات هذا من الإلحاد. ومن الإلحاد أيضًا أن نسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه، فيسميه الصانع والساخر وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماء من عنده فإن هذا إلحاد، وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد. ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإنّ هذا من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض. من الناس من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريد متكلم لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضًا: إن الله تعالى ليس له رحمة، لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق أو إرادة إحسانه إليهم، وما أشبه ذلك، هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته. ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام ويشتق للأصنام أسماء من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، أخذوا الأول من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى. ***
إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كافر، إذا كذب إنسان بالبعث بعد الموت فإنه كافر خارج عن الإسلام؛ لقول الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، ولأن المكذب بالبعث مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ورجل هذا شأنه لا شك في كفره، فإذا رأينا أحدًا يكذب بالبعث فالواجب علينا نصيحته بقدر الإمكان، إن من قال هذا فلا شك في كفره وارتداده، وينصح، فإن لم يتب وجب رفعه إلى الجهات المسؤولة، والجهات المسؤولة تنفذ فيه أحكام الردة، حتى لو سولت له نفسه أنه يتدين بدين مقبول فإنه خاسر. هذا كلام ربنا الخالق المنزل للشرائع؛ لأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على النبيين عمومًا أن يؤمنوا بمحمد ﵊، كما قال ﷿: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، فاستشهد بعضهم على بعض وشهد جلَّ وعلا بأنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، ومن الرسول المصدق لما معهم؟ هو محمد ﵊، فإذا كان هذا مأخوذًا على رسلهم فإنهم إن كانوا مؤمنين برسلهم حقًا أخذوا به تبعًا لرسلهم، وها هو عيسى ﵊ آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين محمد رسول قال لبني إسرائيل: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) هذا الرسول السابق (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) الرسول اللاحق (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والتبشير بالرسول يعني يجب اتباعه لأنه لو لم يجب اتباعه؛ لم يكن في بشارته به فائدة (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ) أي هذا الرسول المبشر به لما جاءهم (بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . ولقد شهد علماء اليهود والنصارى على أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي بشرت به الأنبياء وهو (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . النجاشي لما ذكروا له قصة الوحي ورآهم يفعلون تلك الأفعال آمن وشهد بأن الرسول حق، وهو من أئمة النصارى. عبد الله بن سلام ﵁ من أحبار اليهود شهد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه رسول الله حقًا، لكن أهل الكتاب كما قال الله عنهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ) . فالخلاصة: أنني أنصح وأحذر إخواني المسلمين من هذا الرأي القبيح المنكر وهو ما يسمى بتوحيد الأديان، فإن هذا أمر لا يمكن إطلاقًا، كيف توحد الأديان ودين منها حق ودين منسوخ؟ هذا غير ممكن إلا أن يمكن الجمع بين النار والماء، فلا ينخدع المسلمون بهذه الدعوى الباطلة المنكرة القبيحة المنافية للإسلام. ***
المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) يعني تبعثون (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) . فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين، فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقرارًا صادقًا يقر به ظاهرًا وباطنًا- يعني: ظاهرًا مع الناس وباطنًا فيما بينه وبين نفسه ومع أهله- فهو من نعمة الله عليه، ويكون رجوعًا للإسلام بعد الكفر، وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله، وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة، فهذا حكم من أنكر البعث. ثم إن إنكار البعث- مع كونه كفرًا وتكذيبًا لله ورسوله وإجماع المسلمين- هو نقصٌ في العقل، إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة، ويرسل إليها الرسل، وينزل من أجلها الكتب، ويأمر بجهاد من عارض شرعه، ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة ترابًا لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون؟ لو وقع هذا لكان من أسفه السفه، فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين؟ فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم، ولهذا نقول: من أنكر البعث فهو كافر، وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله، والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث. ***
محمد أحمد من البحرين يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن رجلٍ إذا ذكرته في أمور الآخرة مثل البعث والجنة والنار يكذب بها ويقول: نحن إذا متنا نصير ترابًا ولا نبعث. وأنا لا أدري هل يقول هذا الكلام اعتقادًا منه أو مازحا، ً علمًا بأنه يصلى. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا قال هذا فإنه كافر، قال الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقد ذكر العلماء ﵏ أن من تكلم بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ كان جادًا أم مازحًا. فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله، وأن يؤمن بالبعث، وأن يسأل الله تعالى الثبات على ذلك، وأن يسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلبه بعد إذ هداه، فإن القلوب بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. نسأل الله للجميع الثبات على الحق والوفاة عليه، إنه على كل شيءٍ قدير. ***
بماذا نحكم على من أنكر المعراج أو أوّل في تفسيره له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحكم على من أنكر المعراج: بأنه إن كان قد تبين له الحق وعلم ما جاء به من النصوص من السنة الصريحة ومن ظاهر القرآن الكريم فإنه يكون بذلك كافرًا؛ لأنه يكون مكذبًا لله ورسوله. وإن كان لديه شبهات في هذا الأمر فإنه يجب أن ترفع عنه الشبهة حتى يتبين له الحق، ثم إذا أصر بعد زوال الشبهة حكم بكفره أيضًا؛ لأن المعراج حق ثابت أشار الله تعالى إليه في قوله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) إلى أن قال ﷾: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) . وأما الإسراء فهو أيضًا ثابت بنص القرآن في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقد تضافرت الأحاديث الكثيرة في قصة المعراج وأنه حق ثابت، ولهذا أدخله كثير من أهل العلم في كتب العقائد وجعله من عقيدة أهل السنة والجماعة. ولكن بهذه المناسبة أود أن أبين أن المعراج دخل فيه أشياء كذب وموضوعة على الرسول ﵊، مثل الكتاب الذي ينسب إلى ابن عباس ﵄ في روايته، وهو كتاب متداول عند بعض الناس، فيه أشياء منكرة موضوعة لا تصح عن النبي ﷺ، فعلى الإنسان أن يكون محترزًا منه مبتعدًا عنه. ***
يقول السائل: الذي لا يصلى ولا يزكي هل يعتبر كافرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان مراد السائل الذي لا يصلى ولا يزكي أي إنه جمع بين ترك الصلاة وترك الزكاة فنعم فهو كافر، فإن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ﵃ قد دلت على أن تارك الصلاة كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة. وإن كان مراده لا يصلى ولا يزكي أي إنه يترك الصلاة مع كونه يزكي، أو يترك الزكاة مع كونه يصلى فهذا فيه تفصيل: فإن كان مراده أنه يترك الصلاة ويزكي فنقول له: إنه إذا ترك الصلاة وزكى فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة ولا ينفعه إيتاء الزكاة؛ لأنه كافر، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وإن كان قصده أنه ترك الزكاة مع الصلاة، أي إنه يصلى ولكنه لا يزكي فالصحيح أنه لا يخرج من الإسلام، لكنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله ﵎: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . وقال الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) . وقال ﵊: (من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع - أي حية عظيمة قرعاء - ليس على رأسها زغب لكثرة سمها قد تمزق شعرها يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول: أنا مالك أنا كنزك) . وأخبر ﷺ أنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) . وهذا أيضًا وعيد شديد عظيم، لكنه لا يكفر؛ لقوله في هذا الحديث: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، وذلك لأنه لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة، ولأن عبد الله بن شقيق ﵀ وهو من التابعين المعروفين (قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . والخلاصة في الجواب على سؤال الرجل: أن من لا يصلى ولا يزكي كافر مرتد عن الإسلام؛ لأنه لا يصلى، وعدم زكاته يكون ظلمًا على ظلم، وإن كان لا يزكي ولكنه يصلى فقد أتى كبيرة عظيمة لكنه ليس بكافر. ***
يقول السائل: إننا نرى إذا أقبل شهر رمضان المبارك نرى البعض من الناس يهرعون إلى الصلاة حتى يصوموا شهر رمضان،وإذا انقضى رمضان نراهم يتركون الصلاة ولا يصلون إلا في شهر رمضان، ويعللون ذلك ويقولون: نحن نصلى في هذا الشهر حتى يقبل صومنا. هل يقبل منهم مثل هذا الصيام؟ وهل تقبل الصلاة في هذا الشهر، مع العلم بأنهم لا يقضون ما فاتهم من صلاة؟ أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يفعلون ذلك معتقدين أنه لا صلاة واجبة إلا في رمضان فهؤلاء كفار كفر اعتقاد كفرًا مخرجًا عن الملة؛ لأن من أنكر وجوب شيء من الصلوات الخمس وهو في بلاد المسلمين فإنه يكون كافرًا؛ لأن الأمة كلها مجمعة على وجوب الصلوات الخمس، فلا عذر لأحد في تركها لتأويل أو غير تأويل. وأما إذا كان فعلهم هذا ليس عن اعتقاد، أي: إنهم يعتقدون وجوب الصلوات الخمس، لكنهم يتهاونون بها، ولا يفعلون ذلك إلا في رمضان، فأنا أتوقف في كفر هؤلاء. ***
من العراق محافظة بابل أ. ف. ي. د. تقول: يزورنا في البيت من الأقارب من لا يصلون ولا يؤدون الواجبات ويشركون بالله- والعياذ بالله- ومنهم من يقول لي: ندعو الأولياء والصالحين. عجزت من نصحهم هل يجوز مجالستهم؟ وعندما أتحدث عن الدين يضحكون مني ويسخرون ويهزؤون ويقولون لي: هذه عابدة اتركوها، وعندما يقولون هذا أتضايق كثيرًا وأقول: يسامحهم الله. وعندما أقول لوالدتي: يا أماه لا تشركي بالله لا تعيرني أي اهتمام، وإذا استمعت إلى برنامجكم نور على الدرب تقول: بأنك لن تدخلي الجنة على عملك هذا، وإذا استمررت على سماع هذا البرنامج أو غيره من البرامج الدينية فسوف تصابين بالجنون. وأقول لها: إنني لست مجنونة ولكن الله هداني. ماذا أفعل لكي أرضي الله ﷾ ثم أرضي أمي والناس؟ نصيحتكم يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا أولًا نوجهها إلى هؤلاء الجماعة الذين وصفتهم بأنهم لا يصلون وبأنهم يشركون بالله ويسخرون من الدين ومن يتمسك به، فإن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم، وأن يعلموا أن دين الله حق، وهو الذي بعث به محمد ﷺ، وأن أركانه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. فعليهم أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذا الكفر والشرك البالغ غايته، وعليك أيضًا أن تحرصي على مناصحتهم ما أمكن، ولا تيأسي من صلاحهم، فإن الله ﷾ مقلب القلوب، فربما مع كثرة البيان والنصح والإرشاد يهديهم الله ﷿. وإذا تعذر إصلاحهم فإن الواجب هجرهم والبعد عنهم وعدم الجلوس إليهم؛ لأنهم حينئذ مرتدون عن دين الإسلام والعياذ بالله. وأما قول بعضهم لك: إنك إذا استمعت إلى برنامج نور على الدرب أو غيره من الكلمات النافعة تصابين بالجنون، فإن هذا خطأ منهم خطأ عظيم، وهو كقول المكذبين للرسل: إنهم- أي الرسل- مجانين وكهان وشعراء وما أشبه ذلك من الكلمات المشوهة التي يقصد بها التنفير عن الحق وأهل الحق، فاستمري أنت على هداية الله ﷿، وعلى الاستماع لكل ما ينفع، وعلى القيام بطاعة الله ﷾، واعلمي أن العاقبة للمتقين. ***
يقول السائل: هل يعتبر التحاكم إلى غير شرع الله كفرًا مع العلم بأنه يعتقد اعتقادًا منافيًا للشك بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي أفضل من الأحكام الوضعية؟ نرجو بهذا التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتبين بالآتي: أولًا: أن الله ﷾ إنما خلق الخلق لعبادته، خلق الجن والإنس ليعبدوه، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) . وعبادة الله ﷾ هي التذلل له حبًا وتعظيمًا بإقامة شرائعه القلبية واللفظية والعملية. ثانيًا: يقول الله ﷿: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فلا حاكم بين العباد إلا الله ﷾، ولا يحل لأحد أن يفصل هذه القضية عما وجهنا الله فيه نحوها: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله لا إلى غيره. ثالثًا: يقول الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) . فتأمل هذه الآية الكريمة تجد أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ورسوله وليست مستقلة، ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل: أطيعوا أولي، الأمر وهذا يدل دلالة ظاهرة على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ولا يمكن أن تكون مستقلة، كما أن الله تعالى يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) . لم يقل: ردوه إلى القانون الفلاني أو القانون الفلاني أو الرأي الفلاني أو النظرية الفلانية أو ما أشبه ذلك، بل لا مرد إلا إلى الله ورسوله، إلى الله إلى كتابه وإلى رسوله إلى سنته ﷺ، فإن كان حيًا فإليه نفسه، وإن كان ميتًا فإلى ما حفظ من سنته ﷺ. رابعًا: قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . فأقسم الله ﷾ بربوبيته لرسوله محمد ﷺ، وهي ربوبيةٌ خاصة لا تساويها أي ربوبية بالنسبة للعباد؛ لأنه كلما كان الإنسان أعبد لله كانت ربوبيه الله له أخص، ومن المعلوم أن نبينا محمدًا ﷺ أعبد الناس لله، وعلى هذا فإن الله أقسم بهذه الربوبية الخاصة المضافة إلى رسول الله ﷺ أنه لا يؤمن أحد إلا بهذه الشروط: الشرط الأول: (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) لا يحكموا غيرك. الشرط الثاني: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) بل تتسع صدورهم لذلك وتنشرح صدورهم به، فلا يجدوا حرجًا وضيقًا مما قضيت. والثالث: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ينقادوا انقيادًا تامًا، وبهذا أكد الفعل بالمصدر بقوله: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) إذا عرفت هذه الأمور الأربعة تبين لك أن خروج الإنسان عن التحاكم إلى الله ورسوله خلاف ما خلق الله العباد من أجله، وخلاف ما أرشد الله أن يكون التحاكم إليه، وخلاف ما جعل الله تعالى لولاة الأمور من الطاعة، وخلاف تحكيم الرسول ﵊. ولهذا قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) . ***
يقول السائل: أسأل عن الآية الكريمة في قوله ﵎: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) على من تنطبق هذه الآية الكريمة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية قيل: إنها نزلت في اليهود، واستدل هؤلاء بأنها كانت في سياق توبيخ اليهود، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) . وقيل: إنها عامة لليهود وغيرهم، وهو الصحيح؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن ما نوع هذا الكفر؟ قال بعضهم: إنه كفر دون كفر. ويروى هذا عن ابن عباس ﵄، وهو كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وهذا كفر دون كفر، بدليل قول الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ِإنمَّاَ المؤمنونَ ِإخوةٌ) . فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة، وهذا قتال مؤمن لمؤمن، فهو كفر، لكنه كفر دون كفر. وقيل: إن هذا- يعني قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) - ينطبق على رجل حكم بغير ما أنزل الله بدون تأويل مع علمه بحكم الله ﷿، لكنه حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه مثل ما أنزل الله أو خير منه، وهذا كفر؛ لأنه استبدل بدين الله غيره. ***
يقول السائل: ما حكم سب الدين الإسلامي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سب الدين الإسلامي كفر؛ لأن سب الدين الإسلامي سب للرسول ﵊ ولله ﷾، إذ إن الدين الإسلامي هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وهو الذي رضيه لعباده دينًا، فإذا سبه المرء فقد سب الله ﷾ وطعن في حكمته واختياره، وكذلك سبّ الرسول ﷺ؛ لأنه صاحب الرسالة وصاحب هذا الدين، فهو كفر والعياذ بالله. ***
حسن سعيد سوداني ومقيم بالعراق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين بحالة غضب؟ هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ حيث إنني سمعت من أهل العلم يقولون بأنك خرجت عن الإسلام بقولك هذا، وأيضًا يقولون بأن زوجتك حرمت عليك. أفيدونا بهذا الموضوع فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: الحكم فيمن سب الدين، الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام، وكفر بالله ﷿ وبدينه، وقد حكى الله تعالى عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله ﷿ أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به، فقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالًا للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبة نصوحًا استوفت شروط التوبة الخمسة فإن الله تعالى يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة أو خوفًا من المخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا، فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله ﷿ والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله تعالى فيها. والشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزنًا على ما مضى، ويراه أمرًا كبيرًا يوجب عليه أن يتخلص منه. والأمر الثالث أو الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه، فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن، وإن كان ذنبه بفعل محرم أقلع عنه وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها. الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد أن لا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها. والشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل. وفوات وقت القبول عام وخاص: أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعده أي بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل؛ لقول الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) . وأما الخاص فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) . أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفرًا وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب نقول له: إن كان غضبك شديدًا بحيث لا تدري ما تقول ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله ﷾ لا يؤاخذ به، يقول الله تعالى في الأيمان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) . ويقول تعالى في آية أخرى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته، ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي ﷺ حين سأله رجل فقال: يا رسول الله أوصني. فقال: (لا تغضب) فردد مرارًا قال: (لا تغضب) . فْليُحكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائمًا فليجلس، وإذا كان جالسًا فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب عنه غضبه، وما أكثر الذين ندموا ندمًا عظيمًا على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان. ***
يقول: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامدًا بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)؟ وإن لم يكن داخلًا فما معنى هذه الآية إذًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جادًا أو مازحًا، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمنًا بالله ﷿ وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين؟ كيف يكون مؤمنًا وهو يسب دينًا قال الله فيه: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)؟ وقال الله تعالى فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)؟ وقال الله فيه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)؟ كيف يكون مؤمنًا من سب هذا الدين ولو كان مازحًا؟ إذا كان قد قصد الكلام فإن من سب دين الإسلام جادًا أو مازحًا فإنه كافرٌ كفرًا مخرجًا عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله ﷿. وسب الدين مازحًا أشد من سبه جادًا وأعظم، ذلك لأن من سب شيئًا جادًا وكان هذا السب واقعًا على هذا الشيء فإنه قد لا يكون عند الناس مثل الذي سبه مازحًا مستهزئًا وإن كان فيه هذا الشيء، والدين الإسلامي والحمد لله دينٌ كامل كما قال الله ﷿: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) . وهو أعظم منةٍ منَّ الله بها على عباده كما قال: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) . فإذا سبه أحد ولو مازحًا فإنه يكفر، فعليه أن يتوب إلى الله ويقلع عما صنع، وأن يعظم دين الله ﷿ في قلبه حتى يدين الله به وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين. أما شيءٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍ بدون قصد بل سبقًا على اللسان فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصدًا وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإن هذا لا يضر، ولهذا ثبت في الصحيح في قصة (الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح) فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام. الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحٌ غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقًا، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله وبلى والله، يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد فإنه لا يعتبر له حكم. وقد يقال: إن الإنسان قد قال في حديثه: لا والله وبلى والله إنه قصد اللفظ لكن ما قصد عقد اليمين، فإذا كان هذا فإنه يفرق بين حكم اليمين وبين الكفر، فالكفر ولو كان غير قاصدٍ للسب يكفر ما دام قصد الكلام واللفظ. ***
ما حكم من يسب الدين أي يشتم الإنسان بلعن دينه؟ وماذا عليه إن كان متزوجًا؟ وإذا سألته عن ذلك يقول: هذا لغو ولم أقصد سب الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم سب الدين كفر ولعن الدين كفرٌ أيضًا؛ لأن سب الشيء ولعنه يدل على بغضه وكراهته، وقد قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالردة؛ لقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمهم أن هذا الذي يسب الدين لا شك في كفره، وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعب وأنه ما قصد هذا لا ينفي كفره، كما قال الله تعالى عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . ثم نقول له: إذا كنت صادقًا في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى الله، فإذا تبت قبلنا توبتك، تب إلى الله وقل: أستغفر الله مما جرى، وارجع إلى ربك، وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة. ***
تقول السائلة من الجزائر: يا شيخ هل سب الدين في حالة الغضب من الكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان الغضب شديدًا بحيث لا يملك الإنسان نفسه فإنه لا يخرج بذلك من الدين؛ لأنه لا يعي ما يقول، وأما إذا كان يملك نفسه فسب الدين كفر وردة، فيجب عليه أن يتوب إلى الله ﷿ وأن يجدد إسلامه. ***
هناك بعض الشباب يمزح ويقول كلامًا على الله وعلى رسوله من أجل أن يضحك زملاءه، وحينما ننصحه يقول: أنا أمزح. فبماذا تردون عليه؟ وهل إذا كان مازحًا يجوز له أن يمزح بكلام عن الدين أو الله أو الرسول أو المؤمنين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو برسوله أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ولو كان على سبيل إضحاك القوم نقول: إن هذا كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي ﷺ في الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء. يعنون رسول الله ﷺ وأصحابه، فنزلت فيهم هذه الآية: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) لأنهم جاؤوا إلى النبي ﵊ يقولون: يا رسول الله إنما كنا نتحدث حديثًا لنقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله ﷺ يقول لهم ما أمره الله به: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه، لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله ﷿ وكتبه ورسله وشرعه، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله ﷿ مما صنع؛ لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله ﷿ وتعظيمه وخوفه ومحبته. ***
يقول السائل: ما حكم من يستهزئ بالحجاب ولا يأمر أهله به؟ فنرجو منكم التوجيه والنصح مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب هو عبارة عن ستر الوجه وما تكون به الفتنة من بقية الأعضاء، هذا هو الحجاب الشرعي، خلافًا لما يظنه بعض الناس من أن الحجاب الشرعي أن تستر المرأة كل بدنها إلا الوجه والكفين، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها، ولنا في ذلك رسالة أسميناها الحجاب، ولغيرنا في ذلك أيضًا رسائل، وقد ألفت في هذا مؤلفات كثيرة والحمد لله. ومن استهزأ بالحجاب فإن كان قصده الاستهزاء به كشرعيةٍ وسنةٍ من سنن الرسول ﵊ فإنه على خطرٍ عظيم، ويخشى أن يكون هذا ردةً عن دين الله؛ لأن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، كما قال الله ﵎: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . وأما إن كان يستهزئ به لا على أنه شريعة لكن على أنه قول اختاره من يفعله ويتحجب فهذا لا يكفر، لكنه أخطأ خطأً عظيمًا؛ لأن الاستهزاء بقول غيرك من أهل العلم وإن كنت عالمًا لا يحل، ما دامت المسألة مبنية على الاجتهاد، فإنه ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر، وليس اجتهاده أولى بالصواب من اجتهادك، والصواب من اجتهاديكما ما وافق الكتاب والسنة، ونحن نعلم أن الخير كل الخير بستر الوجه عن الرجال الأجانب، بقطع النظر عن دلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح على وجوب ستر الوجه، لكن هو من الناحية العقلية أن ستره لا شك أحفظ للمرأة وأبعد للفتنة، والإنسان العاقل إذا رأى ما وقعت فيه المجتمعات التي لا تستر الوجه من الشر يعرف أن الخير كل الخير في ستر الوجه، وأنه واجبٌ عقلًا وإن قدر أنه ليس فيه أدلةٌ شرعيةٌ تدل على الوجوب، مع أن فيه أدلةً شرعيةً تدل على الوجوب لا شك عندنا في ذلك. وانظر إلى تلك المجتمعات: هل اقتصر نساؤها على كشف الوجه فقط والكفين فقط؟ لا، كشفوا الوجوه والنحور والشعور والأذرعة والأقدام والسيقان، وحصل بذلك شرٌ كثير، لكن انظر إلى المرأة المختمرة المغطية لوجهها تجد أنها في سلامة وفي أمان وفي حشمة ووقار، لا يطمع فيها الطامعون ولا يحوم حولها السافلون، واختر لنفسك ما شيءت. ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله ﷿ مما صنع، وأن يلزم أهله من بنات وأخوات وزوجات بما تدل عليه الأدلة الشرعية من ستر الوجه، حتى تسلم نساؤه ويسلم دينه، ويكون قد رعاهن حق الرعاية، فإن الإنسان مسؤولٌ عن أهله يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته) . ***
ما حكم الاستهزاء بالملتزمين؟ هل هو كفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان هذا الاستهزاء بما التزموا به فهذا كفر، يعني: لو استهزأ بالصلاة التي التزموا بها أو الشرائع التي التزموا بها فهذا كفر لا شك فيه، وأما إذا استهزأ بالرجل نفسه فهذا لا يصل إلى حد الكفر، لكنه لا شك أنه آثم باستهزائه برجل ممن تمسكوا بدينهم. ***
يقول السائل: ما حكم من يستعمل ألفاظًا غير لائقة في القرآن أو عبارات أو جملًا وهذا من باب المزاح، كذكر كلمة من القرآن وربطها بكلمةٍ عامية، فما رأيكم بما يفعل في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكفر لا فرق فيه بين المازح والجاد، فمتى أتى الإنسان بما يوجب الكفر فهو كافر والعياذ بالله، ومن أعظم ذلك أن يأتي بشيء يفيد السخرية بالقرآن أو الاستهزاء بالقرآن، فإن هذا كفر نسأل الله العافية، كما قال الله ﷿ في المنافقين الذين كانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، يعنون بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. فأنزل الله فيهم: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فمن أتى بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ أتى بها جادًا أم لاعبًا مازحًا أم غير مازح، فعلى من فعل ذلك أن يتوب لله ﷿ وأن يعتبر نفسه داخلًا في دين الإسلام بعد أن خرج منه، ويجب على المؤمن أن يعظم كلام الله ﷿، وأن يعظم كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عليه أن يعظم الله ﷾ وأن يعظم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يليق به ولا يكون غلوًا فيه. وأما السخرية بالقرآن وربط الكلمات القرآنية وهي كلام رب العالمين بكلامٍ عاميٍ مسخرة فهذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا نسأل الله العافية، قد يخرج به الإنسان من الإسلام وهو لا يشعر. ***
سالم سليم من شمال سيناء يقول: عندنا جماعة يقولون بأن الله في كل مكان بذاته. ونقول لهم: إن الأمر ليس كذلك، إن الله في السماء. ونقول لهم: الرحمن على العرش استوى. ولم يقتنعوا بقولنا، ومصرون على ما هم عليه. السؤال: هل هم كفار؟ وهل يلحق بهم من اتبعهم وهم على جهل؟ أم ماذا يقال عنهم؟ أنا قرأت في بعض الكتب بأن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ يقول: أنا لو قلت بمقالتكم كنت كافرًا، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال. فما القول الصحيح في هؤلاء مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في هذا ما قاله شيخ الإسلام ﵀ إذا كانوا جهالًا فإنهم لا يكفرون، وأما إذا كانوا عالمين بأن الله في السماء ولكنهم استكبروا وأبوا إلا أن يقولوا: إنه في الأرض فهم كفار، ولا يخفى أنه يلزم على هذا القول لوازم باطلة جدًا جدًا؛ لأنك إذا قلت: إن الله في كل مكان لزم من هذا أن يكون في المراحيض والعياذ بالله والحشوش والمواضئ والأماكن القذرة ومن يصف ربه بهذا؟ لا يمكن لمؤمن أن يصف ربه بهذا أبدًا. وأما ما يوجد من بعض الناس في هذه المسألة الواجب أن يجادل بالتي هي أحسن كما قال الله ﷿: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . ***
إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) . فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلًا، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله ﵎ فيهم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء ﵏ هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحًا، ويدل لذلك قول الله ﵎: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) . أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) . وقال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) . فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا) . وأما الوفاء بالوعد فإن الله ﷾ مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) . وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق. ***
هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء ﵏ إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة. وعللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفرًا ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب. ***
يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك. مثال الأكبر قول الله ﵎ في سورة ألم تنزيل السجدة: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) . هذا الفسق بمعنى الكفر فسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر ومثله قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) . فذكر الكفر وحده والفسوق وحده والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده. وقول الفقهاء ﵏ في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق، يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر. ***
السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحًا للنبي ﷺ: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهًا الخطاب إلى رسول الله ﷺ: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله ﷺ لا يمكن أن يرضى بهذا أبدًا، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال: (أجعلتني لله ندًّا بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلًا عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهًا الخطاب للرسول ﷺ: إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول ﵊؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها، الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊ وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول ﵊ الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)؟ فأمر الله ﷿ أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه ﷺ عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أيًا كان، والباطل مردود ممن جاء به أيًّا كان. ***
من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم، هل يكون مشركًا شركًا أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله ﷿، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركًا أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبدًا وتقربًا وتعظيمًا لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركًا أكبر مخرجًا عن الملة، يستحق عليه قول الله ﵎: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
من كان ينطبق عليه حكم الكفر هل يجوز مناداته بالكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن لا ينادى بالكفر؛ لأن هذا يوجب الفتنة والشر، لكن يقال: أنت إذا لم تتب إلى الله فإنك كافر، يبين له هذا الكلام، وأما مناداته بياكافر وما أشبه ذلك مما يثير الفتنة فهذا لا أراه. والحمد لله مادمنا في غنىً عن هذا الأمر وبإمكاننا أن نمسكه ونقول له: إن هذا الأمر كفر وارجع إلى ربك وارجع إلى دينك وننصحه. ***
يقول السائل: قلت لأخي: يا كافر لأنه لا يصلى أثناء شجارٍ وقع بيني وبينه، فما حكم ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي لا يصلى كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، فإذا مات على الكفر وإذا كان يوم القيامة صار مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف. ولكن لا يقال للشخص المعين: يا كافر حتى تقام عليه الحجة، ويتبين له أن فعله كفر، وهذا الذي حصل بينه وبين أخيه شجار وقال له: يا كافر لأنه لا يصلى نقول له: إن هذا لا ينبغي منك، ولكن عندما تحادثه وتتكلم معه كلامًا عاديًا بين له أن ترك الصلاة كفر، وأنه إن أصر على ذلك فهو كافر، وأما أن تصفه بالكفر حين المنابزة والمخاصمة فهذا أمرٌ لا ينبغي منك. وخلاصة القول: أن تارك الصلاة كافرٌ كفرًا مخرجًا عن الملة، وأنه إن مات على ذلك فإنه ليس من المؤمنين، ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، ولكن لا ينبغي لنا عند المنابزة أن نصفه بالكفر فنقول: يا كافر، بل نبين له في الكلام العادي أن ترك الصلاة كفر، وأنه إذا أصر على تركها فهو كافر، لعل الله يهديه ويرجع إلى دينه. ***
من المستمع عبد الحميد البربري مصري ومقيم في الرياض يقول في رسالته: هل المسيحي يعد في عداد الكفرة، علمًا بأنه من أهل الكتاب، ومن هم أهل الكتاب؟ أفيدونا بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى الذين تسموا بالمسيحيين، هؤلاء هم أهل الكتاب، وإنما سموا أهل كتاب لأن الله تعالى أنزل كتبًا على رسله: فأنزل على موسى ﵊ التوارة التي يدين بها اليهود، وأنزل على عيسى ﵊ الإنجيل الذي يدين به النصارى. والذين يسمون أنفسهم الآن بالمسيحيين ودين اليهود منسوخ بدين النصارى، أي: إنه يجب على اليهود أن يتبعوا النصارى في دينهم حين كان دين النصارى قائمًا، ودين النصارى وغيره من الأديان نسخ بدين الإسلام الذي بعث به النبي ﷺ، فكان دين الإسلام ناسخًا لجميع الأديان، فلا دين مقبول عند الله إلا الإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) وهذه الصيغة تقتضي الحصر وأنه لا دين عند الله سوى الإسلام. وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وهذا دليل على أن جميع الأديان غير الإسلام غير مقبولة عند الله، وأن أصحابها في الآخرة خاسرون لا حظ لهم فيها في الآخرة، وهذا لا يكون إلا للكافرين. وعلى هذا فإن النصارى واليهود كلهم ليسوا على دين مقبول عند الله، وإذا كانوا ليسوا على دين مقبول عند الله كانوا كفارًا، ويزول كفرهم بالإيمان بالنبي ﷺ واتباعه، وهم إذا آمنوا بالنبي ﷺ فإن هذا هو مقتضى ما تدل عليه كتبهم، كما قال الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . فدلت هاتان الآيتان على أن النبي ﷺ معروف في التوراة والإنجيل، وأنه يجب عليهم الإيمان به واتباعه، وقد قال عيسى بن مريم ﵊ لقومه: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . فبشارة عيسى عليه الصلاةوالسلام بالنبي محمد ﷺ تدل على أنه يجب على أتباعه أن يتبعوه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان لبشارته به فائدة، بل إن الإنسان لا يبشر إلا بما يعود إليه بالخير، فكل من كفر بالنبي محمد ﷺ من اليهود والنصارى وغيرهم فإنه كافر بالله؛ لأن الله تعالى أمر جميع العباد أن يؤمنوا به وبرسوله النبي الأمي، وبين أن هذا هو سبيل الفلاح والهدى والرشاد، وأن ما سوى ذلك فإنه ضلال نسأل الله العافية والهداية. ***
وردتنا من منطقة خريسان من الجمهورية العراقية محافظة ديانا بهز أو قرية أبو خميس بعث بها المرسل أخوكم في الإسلام علوان منصور جسام القريشي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الفضيلة العلماء المحترمين قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) . فهل معظم سكان البشرية غير المسلمين هم في الآخرة مطرودون من رحمة الله، حتى ولو كانوا ينتمون إلى أديان سماوية أخرى مثل الديانة اليهودية والمسيحية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن خير الكلام وأصدقه وأحكمه كلام الله ﷿، والسائل قد صدر سؤاله بكلامٍ محكمٍ صدق وهو قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) . فهذه الآية فيها عموم في قوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ) فإن من شرطية وأسماء الشرط للعموم، وكذلك قوله: (دِينًا) نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، يعني: أي دين، فأي إنسانٍ يبتغي أي دينٍ من الأديان غير الإسلام فإنه لا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام هو ما بعث الله به محمدًا ﷺ؛ لأن الإسلام عند الله ما بعث به رسله، ومن المعلوم أن محمدًا ﷺ خاتم الرسل كلهم، وأنه هو الذي جاء بالإسلام، وأن ما سوى ذلك فهو كفر، وعلى هذا فكل من دان بغير الإسلام- سواءٌ دان بكتابٍ سماويٍ نسخ، أو اتبع رسولًا نسخت رسالته، كاليهود والنصارى، أو لم يكن على دينٍ سماوي- فكل هؤلاء أعمالهم حابطة وسعيهم ضائع، وهم في الآخرة من الخاسرين. ولا تستغرب أيها السائل أن يكون عامة البشر من أهل هذا الوصف، فإنه قد ثبت في الصحيح: (إن الله ﵎ يقول يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول أخرجْ من ذريتك بعثًا إلى النار. فيقول: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) . يعني في الألف واحد من أهل الجنة والباقون كلهم من أهل النار، فعلى هذا فلا يبقى في المسألة شكٌ ولا ارتياب بأن كل من ليس على دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا ﷺ فإنهم خاسرون، خاسرون دنياهم وآخرتهم، وأنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدون، ثم إنه ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يتبع ما جئت به إلا كان من أهل النار) . فضيلة الشيخ: لكن هل هذا الواحد الذي يؤخذ من الألف في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل سنة أم أنه يزيد وينقص تبعًا للعصور وتبع قوة المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنت إذا عرفت النسبة ليس هو بالنسبة يعني لأمة محمدٍ فقط، بالنسبة لكل بني آدم، كل بني آدم من أولهم إلى آخرهم ما يدخل الجنة منهم إلا واحدٌ في الألف، هذا الواحد قد يكون غالبهم من هذه الأمة وهو الأظهر؛ لأن أكثر الأمم اتباعًا هم أمة محمد ﷺ، هم أكثر الأمم اتباعًا للوحي وقبولًا له، فعلى هذا تكون هذه النسبة واحدٌ من الألف أكثرها من هذه الأمة ولله الحمد. ***
يوجد عندنا بعض الناس يزعمون أنهم فقهاء، ليسوا فقهاء علمًا، بل يزعمون أنهم يضرون وينفعون من يشاؤون، بحجة أن لهم شرهة يصيبون بها من يريدون، ويكررون هذا القول في كثير من المناسبات فهل ذلك صحيح أم خرافات جاهلية؟ وكيف نتخلص من ذلك؟ علمًا بأن بعض الناس يصدقونهم فيما يقولون مثل كبار السن والجهال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الذين يدعون أنهم ينفعون أو يضرون هؤلاء كذبة، لا يجوز لأحد أن يصدقهم ولا أن يسألهم عن هذه الأشياء، ويجب على من علم بهم أن يبلغ أمرهم إلى ولاة الأمور ليتخذوا اللازم، فلا أحد يملك النفع والضرر إلا الله وحده لا شريك له، حتى النبي ﷺ قال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) . وأمره الله أن يقول: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) . ومن زعم أن أحدًا يملك الضرر أو النفع بغير أسباب حسية معلومة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله ﷺ. وإني أقول لهؤلاء الذين يتوهمون صدق ما قاله هؤلاء الدجاجلة أقول لهم: اثبتوا على إيمانكم ودينكم، واعلموا أنه لا يملك أحد الضرر والنفع إلا الله وحده لا شريك له. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لابن عباس قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . وفي القرآن الكريم لما ذكر الله السحرة قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) . فالمهم أن هؤلاء كذبة فيما يدعون من كونهم يملكون النفع والضرر، فإن ذلك إلى الله وحده لا شريك له، وعليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يعترفوا بقصورهم وبتقصيرهم، وأنهم ضعفاء أمام قدرة الله، وأنهم لا يملكون دفع الضرر عن أنفسهم هم فضلًا عن غيرهم، كما لا يملكون لأنفسهم جلب نفع فضلًا عن جلبه لغيرهم إلا ما شاء الله ﷾، وعلى من حولهم ممن يتوهمون صدقهم أن يتوبوا إلى الله تعالى في تصديقهم، وأن يعلموا أنهم كذبة، ولا حق لهم ولا حظ لهم أيضًا في مثل هذه الأمور. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد حفظكم الله هذا السائل يقول: لقد خاب وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، متى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العذر للجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضًا، وهو مقتضى حكمة الله ﷿ ورحمته، يقول الله ﵎: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . ويقول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إِلَى قوله: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . ويقول الله ﵎ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) . ويقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . والآيات في هذا عديدة، كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ إن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله ﷿ وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها- على شيء لم يعلمه؟ فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضًا، فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافرًا عند الله ﷿. يدل لهذا أن النبي ﷺ قال: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأضلها- أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت وهو آيس منها، فإذا براحلته عنده فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) . وهذا خطأ عظيم هو في نفسه كفر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافرًا؛ لأنه لم يقصد ما يقول. وكذلك أخبر النبي ﵊ (عن رجل كان مسرفًا على نفسه، وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم، ظنًّا منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعده وسأله: لم فعل هذا؟ قال: يا ربي خوفًا منك. فغفر الله له)، مع أنه كان شاكًّا في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه. وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء، الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله ﷿، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده، كما قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) . فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله ﵎، وأعني بالعصمة: يعني الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير. وقد ثبت عن النبي ﵊ (أن من دعا رجلًا بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله) يكون هو الكافر وهو عدو الله. فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوًّا لله ورسوله، وليحبس لسانه فإن اللسان آفة الآفات. ولهذا لما حدث النبي ﷺ معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له ﵊: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله. فأمسك النبي ﷺ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا، كف عليك هذا) . يعني: لا تطلقه، احبسه قيده. فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني: هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي ﷺ: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)؟ ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عن ما حرم الله، وأن لا يقول إذا قال إلا خيرًا؛ لقول النبي ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) . والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر، حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله. ولا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم، ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام رحمه في فتاويه وفي كتبه المستقلة، فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه- وأقولها شهادة عند الله- أوفى ما رأيت كلامًا في هذه المسألة العظيمة. ***
متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مهم سؤال عظيم لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله ﷺ تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصرًا في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، ومن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت) . وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وقال الله تبارك تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) . وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) . والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك في السنة، فقد روي عن النبي ﵌ أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . ولكن قد يكون الإنسان مقصرًا بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبرًا عما بلغه من الحق، فيبين له الحق ولكنه يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . كما يوجد من كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك، يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، فالمسألة مسألة خطيرة عظيمة يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاءً عامًّا بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غايتهم في الجهل: منهم الجاهل مطلقًا جهلًا مطبقًا لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكنه عنده استكبار عن الحق، ومنهم من هو بين ذلك. فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال. ***
أسأل وأنا أعتقد بأن علي إثمًا في هذا السؤال، وهو: أن لدينا ناسًا يقولون: إن عبد الله أبا محمد ﷺ هو في النار، وناس يقولون: لا بل هو في الجنة؛ لأنه أبو نبي، أفيدونا جزاكم الله خيرًا، وهل عليّ إثم في هذا السؤال، وإذا كان علي إثم فهل له كفارة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ودمتم فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا ليس عليك إثم في هذا السؤال، لكن هذا السؤال ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها؛ لأنه لا فائدة منها إطلاقًا، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب فيقال: إن أبا النبي ﷺ مات على الكفر وهو في النار، كما ثبت في الصحيح (أن رجلًا جاء إلى النبي ﵊ فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما انصرف دعاه النبي ﵊ فقال له: أبي وأبوك في النار) . وهذا نص في الحديث عن النبي ﷺ، وعلى هذا فيكون أبو النبي ﷺ كغيره من الكفار فيكون في النار، والأخ السائل يقول: إن بعض الناس يقولون: ليس في النار؛ لأنه أبو نبي، وهذا لا يمنع إذا كان أبا نبي أن يكون في النار، فهذا آزر أبو إبراهيم كان كافرًا وكان في النار، ولهذا لما استغفر إبراهيم لأبيه قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) . ***
السحر
ما حكم فعل السحر وتعلمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفرًا، ونوع يكون فسقًا. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله ﵎: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . والنوع الثاني يكون فسقًا، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأيًا كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي ﷺ: (حد الساحرضربة بالسيف) . ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافرًا- أي: إن كان سحره مكفرًا- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. ***
حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول ﷺ قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) . فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى ﵊ كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول ﵊ سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي ﵊ أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا، هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها. ***
ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله ﵎: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي ﷺ: (من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . وإنما كان ذلك كفرًا لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . ***
المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحًا فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيرًا مباشرًا بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) . وقوله تعالى في قصة موسى ﵊: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) . وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضررًا في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله. ***
بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتبًا يكتب كتابًا يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملًا يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملًا يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله ﷿ دائمًا أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجبًا عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير. ***
ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئًا من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضًا محرم، وقد يكون كفرًا وشركًا. ***
هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء ﵏ لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله ﷿ يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصًا، وإن كان بتمريض نظر في أمره، وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءًا لفساده وإفساده. ***
ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى السحرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي ﷺ، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) . فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي ﷺ في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالًا ربما تكون أموالًا طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي ﷺ والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله. ***
سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الآيات الخاصة بهذا مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)؛ لأنه ما تعوذ أحد بمثلهما. والأدعية الخاصة بأن يدعو الإنسان ربه بالشفاء: اللهم اشفني من هذا الداء، أو كذلك يدعو له من يقرأ عليه بمثل هذا الدعاء المناسب. ***
بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله ﷿ ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له. ***
امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذا أن نقول: إن حل السحر ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بوسائل محرمة، كأن يُحل بالسحر، مثلما يستعمله بعض البادية من صب الرصاص في الماء على رأس المسحور حتى يعلم بذلك من سحره، فهذا لا يجوز. فإذا كان حل السحر بوسائل محرمة فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بسندٍ جيد. والقسم الثاني: أن يكون حل السحر بالطرق المباحة كالأدعية والقراءة على المريض والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به ولا حرج. ***
المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول ﷺ، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثًا قدسيًا شريفًا أو نصًا قرآنيًا يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولًا لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي ﷺ إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول ﵊ غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى ﵊ لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله ﷿: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله ﷿، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . وليس كل من ادعى الولاية يكون وليًا، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنيًا على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله ﷿؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) . فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعًا في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله. ***
ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلًا للذي قد عمل له عقدة أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفرًا، قال الله ﷿: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، وأما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرًّا كبيرًا على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة والأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله ﷿ وتوكل عليه. ***
هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله ﷿، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة. ***
ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي يكون بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وما جاءت به السنة من الأدعية، وكذلك بالأدعية المباحة التي يدعو بها الإنسان ربه، هذا هو العلاج الشرعي للسحر. ***
أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناسًا كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرمًا، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله ﷾ بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . ***
المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحدًا وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات، بل هو من الكفر إذا كان الساحر يستعين بالأحوال الشيطانية على سحره أو يتوصل به إلى الشرك، وقد قال الله ﵎: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فهذا دليل على أن تعلم السحر كفر، السحر متلقى من الشياطين، وعلى هذا فيجب الحذر منه والبعد عنه، حتى لا يقع الإنسان في الكفر المخرج عن الملة والعياذ بالله. وأما حل السحر عن المسحور فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن، فهذا جائز لا بأس به، ومن أحسن ما يقرأ به على المسحور: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما. وتارة يكون حل السحر بسحر، وهذا مختلف فيه سلفًا وخلفًا، فمن العلماء من رخص فيه لما فيه من إزالة الشر عن هذا المسحور، ومنهم من منعه وقال: إنه لا يحل السحر إلا ساحر، وهذا أحسن؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وعمل الشيطان هو ما كان بالسحر، أما ما كان بالقرآن أو بالأدعية المباحة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه. وعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يصبر وأن يكثر من القراءة والأدعية المباحة حتى يشفيه الله تعالى من ذلك. فضيلة الشيخ: الشخص الذي يستخدم السحر أو يزاول السحر ماذا عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلنا: إذا كان سحره بواسطة الشياطين أو لا يتوصل إليه إلا بالشرك فإن هذا شرك مخرج عن الملة. فضيلة الشيخ: والتصديق به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التصديق بالسحر نوعان: أحدهما: أن يصدق بأثره أن له تأثيرًا، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الواقع. والثاني: أن يصدق به إقرارًا، أي: مقرًا له وراضيًا به، فهذا محرم ولا يجوز. ***
يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعًا، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعبًا وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله ﷾، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله ﷿. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) . وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله ﷿، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر. ***
هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سئل النبي ﷺ عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . وقسم العلماء ﵏ النشرة إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة، أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها. والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي ﵊ في قوله: (هي من عمل الشيطان) . ***
أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحرًا فهل يجوز له ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر لا شك أنه داء عضال، وأنه جناية من الساحر عظيمة، والساحر الذي يستعين بالأرواح الشيطانية أو بالشياطين أو بالجن كافر- والعياذ بالله -كفرًا مخرجًا عن الملة وإن صام وصلى؛ لقول الله ﵎: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . فالساحر الذي يستعين بالشياطين والأرواح الشيطانية والجن كافر عليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إليه، وأن يقلع عن ما يفعل. أما المسحور فقد ابتلي ببلية ابتلاه الله بها على يد هذا الساحر، وله أن يسعى بقدر ما يستطيع لفك السحر عنه، وأحسن ما يكون في فك السحر كتاب الله ﷿ والآيات القرآنية التي جاءت بفك السحر، مثل: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، والآيتين في آخر سورة البقرة. فإذا قرأها قارئ مخلص مؤمن بها وكان المصاب بالسحر متقبلًا لها معتقدًا نفعها فإنها تنفعه بإذن الله ﷿، ويوجد ولله الحمد من يقوم بهذا بكثرة، وفي هذا غنى عن الذهاب إلى السحرة. نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين السلامة من الآفات، وأن يقينا شر عباده. ***
إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا لا يجوز، لو كان هذا الرجل الشيخ يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه لكان هذا مما ورد عن السلف وكان هذا جائزًا وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهانًا للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله ﷿ حسًا ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق؛ لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء، وبالآيات القرآنية، ومنها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما. ***
من السودان الطيب م. م. يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن يترددون على الكهان والسحرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ قال: (من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، أو قال: أربعين ليلة) . وهذا الأسلوب من أساليب التحريم؛ لأن منع قبول صلاته أربعين ليلة يدل على أنه أتى إثمًا، وكذلك من أتى كاهنًا، فإن إتيان الكاهن من جنس إتيان العراف، على أن بعض أهل العلم يقولون: إن العراف اسم لكل من يدعي معرفة الأمور عن طريق الغيب. فإن أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ، وذلك لأنه إذا سأله عن أمر من أمور الغيب فصدقه به، فقد كذّب قول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . فلا أحد يعلم المستقبل أبدًا، ومن ادعى علمه فقد كذب هذه الآية. ***
ف. ع. البارقي تقول: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ يقول مثل هذا القول: لولا تحزين الناس لأخبرت كل إنسان باليوم الذي يموت فيه هذا الرجل. تقول: بأن والدي يصدق هذا الرجل ويقول بأنه عالم ولم يأتِ بعده أعلم منه، علمًا بأن هذا الرجل قد مات، ولكن والدي لم ينس هذا الرجل، فما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إنه إذا صدق هذا الرجل فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه صدق بأمرٍ يناقض قول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . ومعلومٌ أن وقت موت الإنسان غيبي لا يعلمه إلا الله ﷿، فمن ادعى علمه فهو كاذب، فالرجل الذي يدعي أنه يعلم متى يموت الناس كاذبٌ بلا شك، ومن يصدقه كافرٌ؛ لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . فنصيحتي لوالدك أن يتوب إلى الله ﷿ من تصديق هذا الرجل، وأن يعتقد أنه رجلٌ كذاب خرافي، لا يجوز أن يصدق بما يدعيه من علم الغيب. ***
المستمع أحمد الرفاعي له سؤال يقول فيه بالنسبة للشعوذة والدجل توجدان رغم ثقافة المواطنين بكثرة، وما زال الناس يرزحون تحت وطأتها، والإيمان بها عند ضعاف العقول. هل من نصيحة أو توجيه حول هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة هو أن نلتزم بما دلت عليه السنة النبوية التي صدرت عن أنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بما ينفع الخلق محمد ﷺ، وقد نهى النبي ﷺ عن الكهانة وحذر من إتيان الكهان وقال: (من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، ومن أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ .ونهى عن الطيرة، وهي: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان. ونهى عن السحر وقال: (ليس منا من تكهن أوتكهن له، أو سحر أو سحر له) . كل هذا من أجل أن يسير الناس في حياتهم على حياة الجد وعدم التعلق بالمخلوقين، وأن يكلوا أمرهم إلى الله ﷿، وأن يكون تعلقهم به وحده حتى يكونوا في سيرهم راشدين مرشدين. والله الموفق. ***
المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصًا يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التحضير لأرواح الموتى لا يصح ولا يمكن أن يكون ثابتًا، وإذا قدر أن أحدًا زعم أنه حضر روح فلان وخاطبها وخاطبته فإن هذا شيطان يخاطبه بصوت ذلك الميت، فإن الأرواح بعد الموت محفوظة، كما قال الله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة.حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . أي: لا يفرطون في حفظ هذه الروح. ثم إن الأرواح تكون بعد الموت في مقرها، ولا يمكن أن تحضر إلى الدنيا بأي حال من الأحوال. وتعاطي مثل هذا العمل محرم؛ لما فيه من الكذب والدجل وغش الناس وأكل المال بالباطل، فالواجب الحذر منه والتحذير أيضًا؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة العظيمة. ***
رسالة من الأخوين يونس ومحمد ابني صالح بن سالم التوبي من سلطنة عمان يقولان: نحن نعلم علم اليقين أن الإسلام حرم الشعوذة وحاربها، ولكن يحدث أحيانًا أن يصاب شخص ما بأحد الأمراض فيراجع كل الأطباء المختصين بذلك المرض ولكن دون جدوى، وأخيرًا يقال له: إننا لم نعرف هذا الداء من قبل وليس عندنا له دواء، إلى أن يزداد عليه المرض أكثر فأكثر، وأخيرًا يقرر أن يذهب لأحد المنجمين مع أنه يعلم أن ذلك حرام، ففعلًا ذهب وما هي إلا أيام حتى بَرَأَ بحمد الله. فما رأيكم في مثل هذه الأحوال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذه الأحوال أن السائل حكم على نفسه بأنه فعل محرمًا؛ لأنه ذكر أنه يعلم أنه حرام، وأن الإتيان إلى الكهان والمنجمين محرم، وإذا كان محرمًا فإنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إليهم؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، والواجب على هذا الذي فعل ما فعل، الواجب عليه أن يتوب إلى الله ﷾ من هذا العمل، وأن يكثر من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح لعل الله ﷾ أن يعفو عنه. ومن أصيب بمثل هذه الأمور فإن له طريقًا مفيدًا جدًا بل هو أفيد الأشياء لمن وفق له، وهو: القراءة على هذا المصاب بالآيات القرآنية، وبما صح عن النبي ﷺ من الأحاديث النبوية التي يستشفى بها، ففيها الشفاء وفيها الكفاية وفيها العافية. ***
أسمع كثيرًا عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديمًا في باطن الأرض وعليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعًا من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلًا يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن، هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصًا، ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا نحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوي باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا بأن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم. والله الموفق. ***
رسالة وردتنا من شخص من اليمن وهو مقيم بالسعودية في الدمام يقول المرسل محمد بن علي الجبلي: في مدينة عمران باليمن امرأة تدعى السندية لها عشرون عاما ً تسلب أموال الناس، ويقصدها الكثير من الجهال يسألونها عن المغتربين ما بهم ومتى يأتون؟ ويقصدها المرضى للشفاء. وإذا حضروا عندها جاءت بغطاء ووضعته على نفسها ثم تقول بصوت متغير: فلان يأتي بعد كذا يوم أو شهر أو لا يأتي، والمريض فلان يشفى وهذا حرز له أو لا يفيد معه الحرز، وتخبر النساء عن ما يكنه لهن الأزواج، حتى إن زوجتي ذهبت لها وقالت لها: إن زوجك يفكر في الزواج فأرسلت لي زوجتي ورقة تطلب طلاقها، فأرسلتها لها وفيها الخلوع بالثلاث هل هذا الطلاق صحيح أم باطل؟ علمًا أن له ستة شهور ولا أعلم ما السبب. وهذه المرأة تدعي أن معها أشرافًا يخبرونها، وكثيرًا ما تقول للرجال: إن لزوجاتكم رجالًا غيركم لتوقع بين الزوجات وأزواجهن. فهل في الجن أشراف يعلمون الغيب؟ أفيدونا بدقة عن هذا الموضوع. فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة من الكهان؛ لأنها تدعي أنها تعلم عن المستقبل، وكل من يدعي أنه يعلم المستقبل فإنه كاهن كاذب لا يجوز الإتيان إليه ولا يجوز تصديقه، بل إن تصديقه تكذيب للقرآن، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . والغيب ما غاب عن الإنسان من الأمور المستقبلة فلا يعلمه إلا الله ﷿، وهذه المرأة التي تدعيه هي أيضًا مكذبةٌ للقرآن، فيجب على ولاة الأمور أن يمنعوا مثل هذه الأمور في بلادهم، حتى لا يوقعوا الناس فيما يخالف عقيدتهم وفيما يكذب كلام الله ورسوله ﷺ، أما ما تدعيه هذه المرأة من علم الغيب فإنه لا يجوز تصديقه أبدًا، وإذا قدر أن ما تخبر به يقع منه شيء فإنما ذلك عن مصادفة أو عن أمر استمع من السماع وتضيف هي إليه عدة كذبات لتموه على باطلها. وأما بالنسبة لما تدعيه من مكالمة الأشراف من الجن لها فهذا أيضًا دعوى كاذبة؛ لأن الكاهن بجميع ما يقول وجميع ما يذكر من مؤثرات لكهانته يجب تكذيبه، والجن لا يعلم الغيب بنص القرآن، يقول الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ "يعني: سليمان" مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ "يعني: عصاه" فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) . فلا أحد يعلم الغيب لا من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . وقال ﷾: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) . وأما بالنسبة لقوله: إنه خالع زوجته ثلاثًا فهذه مسألة الطلاق الثلاث، وإذا كان يريد الرجوع إلى زوجته فإنه موضع خلاف بين أهل العلم، هل له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه المرأة أو ليس له أن يراجعها؟ والراجح أنه يجوز له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه الطلقة، فإن في صحيح مسلم حديث ابن عباس ﵁ قال: كان الطلاق الثلاث في عهد النبي ﷺ وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر قال: كان الطلاق الثلاث واحدةً، فلما تتابع الناس في هذا قال عمر ﵁: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ وهذا نص صريح بأن إمضاء الثلاث على البينونة أمر اجتهادي من أمير المؤمنين عمر ﵁، وكما أن هذا مقتضى النص فهو أيضًا مقتضى النظر، فإن الطلاق الثلاث أمره إلى الشرع لا إلى الإنسان. والإنسان لو قال: أستغفر الله ثلاثًا سبحان الله ثلاثًا لو قال دبر الصلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم قال بعده: ثلاثًا وثلاثين ما كتب له ثلاث وثلاثون. فإذا كان هذا لا يحصل في الأمور المرغوبة المحبوبة إلى الله ﷿ وهو: الإثابة على ذكره وطاعته- فكيف يكون في الأمور التي غاية ما هي أنها من الأمور المباحة كالطلاق؟ فإن النظر والقياس الصحيح يقتضي أن طلاق الثلاثة واحدة، فيكون مؤيدًا بالنص وبالنظر. كما أن الله ﷾ قال لنبيه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) فطلقوهن لعدتهن، والطلاق للعدة لا يكون إلا والمرأة عند زوجها أي غير مطلقة؛ لأنها إذا طلقت بعد أن طلقت في نفس العدة لم تكن مطلقةً للعدة. ولهذا يقول العلماء ﵏: لو أن الرجل طلق امرأته اليوم وبعد أن حاضت مرتين أردفها بطلقةٍ ثانية فإنها لا تستأنف العدة بهذه الطلقة الثانية. دل ذلك على أنها طلقة لغير العدة، وإذا كانت طلقة لغير العدة صارت غير مأمور بها؛ لأن الله يقول (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) . وقد ثبت عن النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه ﵀ أن الطلاق الثلاث ولو بكلماتٍ متفرقة لا يقع إلا واحدة فقط، إلا إذا تخلله رجعة أو عقد نكاح جديد. ***
ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئًا من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علمًا أنه مقصر في دينه كثيرًا: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحًا فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى وهي من أهمها: ذهابها إلى الكهان، ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله ﷿، وهذا هو الواجب على من فعل محرمًا أن يبادر بالتوبة إلى الله ﷾ فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل. والمسألة الثانية: تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها. والجواب على هذه المسألة أن نقول: إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها، ولو منعها من ذلك فإنه ظالم، وهو ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل. المسألة الثالثة: البقاء معه أو طلب الفراق. فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه؛ لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكلات بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها، وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله ﷿ وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق؟ ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركًا للصلاة، فإن كان تاركًا للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح. والله أعلم. ***
من كان به مرضٌ ودُلّ على شخصٍ يتلو على المريض ويعطي له دواء على حسب ما يراه حيث يقول: إن فلانًا به كذا وعُمِل له كذا، أو طاح على مكانٍ به جنٌ فما هو الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل الذي ذهب إليه من الصالحين المعروفين بالاستقامة والثبات والأمانة فإنه لا بأس أن يذهب إليه ليقرأ عليه الأدعية المشروعة ويعطيه من الأدوية المباحة ما ينتفع به. وأما إخباره بما جرى على الشخص فهذا لا بأس به أيضًا، إذا كان الرجل المخبر من المعروفين بالصدق والإيمان والتقوى؛ لأنه قد يكون له صاحبٌ من الجن يخبره بما حصل. والشيء المحرم الذي لا يجوز تصديقه إذا أخبر بشيءٍ مستقبل، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكهانة، والكهانة حرام التصديق بها: (ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ . فالشيء الماضي ليس غيبًا؛ لأنه مشاهدٌ معلوم، ولكنه قد يكون غيبًا بالنسبة لأحدٍ دون أحد، ولا يمتنع أن يعلم به أحدٌ من الجن فيخبر به صاحبه هذا. ***
الشرك
ما هو الشرك وما هي أنواعه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكًا في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. ففي الربوبية: أن يجعل خالقًا مع الله ﷿ لهذا الكون، أو يجعل معينًا لله تعالى في خلق هذا الكون. وفي الألوهية: أن يتخذ إلهًا مع الله يعبده، إما ولي أو نبي، أو أمير أو وزير، أو حجر أو شجر، أو شمس أو قمر. وأما في الأسماء والصفات: فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين، ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق. وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر، والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة. وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائمًا مستعينًا به. ***
هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك الأكبر هو الشرك المخرج عن الملة، مثل أن يعتقد الإنسان أن مع الله إلهًا آخر يدبر الكون، أو أن مع الله إلهًا آخر خلق شيئًا من الكون، أو أن مع الله أحدًا يعينه ويؤازره، فهذا كله شركٌ أكبر، وهذا الشرك يتعلق بالربوبية. أو أن يعبد مع الله إلهًا آخر، مثل أن يصلى لصاحب قبر، أو يتقرب إليه بالذبح له تعظيمًا له أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشرك في الألوهية. فالشرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملة. وأما الشرك الأصغر فهو كل عملٍ أطلق الشرع عليه اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله فإنه من الشرك الأصغر، كأن يقول قائل: والنبي محمدٍ ما فعلت كذا، أو: والنبي محمدٍ لأفعلن كذا، أو يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة المعظمة ما فعلت كذا، أو: والكعبة المعظمة لأفعلن كذا أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن الحلف بغير الله من الشرك، لكنه شركٌ أصغر لا يخرج به الإنسان من الملة. والدليل على أنه من الشرك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . إلا أنه إذا اعتقد أن لهذا المحلوف به من التعظيم مثل ما لله ﷿ من التعظيم فهنا يكون مشركًا شركًا أكبر لأنه ساوى المخلوق بالخالق، فيكون بذلك مشركًا شركًا أكبر وليعلم أن الشرك لا يغفره الله ﷿، سواءٌ كان أصغر أم أكبر لعموم قول الله ﵎: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) . هذا في آية، وفي آية أخرى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) . ***
هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركًا، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك المخرج عن الملة هو: أن يتخذ الإنسان إلهًا مع الله يعبده ويتقرب إليه بالركوع والسجود والذبح والصوم وما أشبه ذلك، أو يتخذ مع الله ربًّا يستغيث به ويستنصر به ويستنجد به. فالأول شرك في الألوهية، والثاني شرك في الربوبية. فمن فعل شيئًا من ذلك فهو مشرك، هذا هو الأصل، لكن قد يقوم بالشخص مانع يمنع من الحكم عليه بالشرك، مثل: أن يكون الإنسان جاهلًا لا يدري، رأى الناس يفعلون شيئًا ففعله، فإذا نبهناه ترك ما هو عليه واهتدى، فإن هذا لا يكون مشركًا مخلدًا في النار؛ لأنه جاهل، إلا أنه ربما يكون غير معذور بهذا الجهل، مثل أن يفرط في طلب العلم، فيقال له مثلًا: هذا من الشرك ولا يجوز، ولكنه يتهاون ولا يسأل، فإن هذا ليس بمعذور في جهله؛ لأنه مفرط ومتهاون. ***
المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي: أما الشرك الأكبر فمثل أن يصرف الإنسان شيئًا من العبادة لغير الله ﷿، ومن العبادة الدعاء، فإذا دعا الإنسان غير الله، كما لو دعا نبيًا أو وليًا أو ملكًا من الملائكة، أو دعا الشمس أو القمر، لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركًا بالله شركًا أكبر، وكذلك لو سجد لصنم، أو للشمس أو للقمر، أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحدًا يشارك الله تعالى في خلقه، أو يكون قادرًا على ما لا يقدر عليه إلا الله ﷿، فإنه يكون مشركًا شركًا أكبر. أما الشرك الأصغر فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل: أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله ﷿، فيحلف بغير الله تعالى تعظيمًا له- أي: المحلوف به- ولكنه يعتقد أنه دون الله ﷿ في التعظيم، فهذا يكون شركًا أصغر؛ لقول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، فإنه حرام عليه، ويكون به مشركًا شركًا أصغر. وأما الشرك الخفي فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر وإما أن يكون أصغر: فإذا أشرك في قلبه مع الله أحدًا يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركًا شركًا أكبر، وإن كان لا يظهر للناس شركه فهو شرك خفي على الناس، لكنه أكبر فيما بينه وبين الله ﷿، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركًا شركًا خفيًا؛ لخفائه على الناس، لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام. فضيلة الشيخ: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلى الله ﷿ والتزام أوامره فعلًا والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعصمه الله تعالى من الشرك. ***
يقول:نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الرياء أن يعمل العبد عملًا صالحًا ليراه الناس فيمدحوه به ويقولوا: هذا رجل عابد، هذا رجل صالح وما أشبه ذلك، وهو مبطل للعمل إذا شاركه من أوله، مثل أن يقوم الإنسان ليصلى أمام الناس ليمدحوه بصلاته، فصلاته هذه باطلة لا يقبلها الله ﷿، وهو نوع من الشرك. قال الله ﵎ في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . ولا شك أن المرائي مشرك مع الله؛ لأنه يريد بذلك ثناء الله عليه وثواب الله ويريد أيضًا ثناء الخلق، فالمرائي في الحقيقة خاسر؛ لأن عمله غير مقبول، ولأن الناس لا ينفعونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس ﵄: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . ومن أخلص عمله لله ولم يراع الناس به فإن الله تعالى يعطف القلوب عليه ويثنى عليه من حيث لا يشعر، فأوصي إخواني المسلمين بالبعد عن الرياء في عباداتهم البدنية كالصلاة والصيام، والمالية كالصدقة والإنفاق، والجاهية كالتظاهر بأنه مدافع عن الناس قائم بمصالحهم وما أشبه ذلك. ولكن لو قال قائل: إنه يتصدق من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا، لا من أجل أن يراه الناس فيمدحوه، فهل هذا خير؟ فالجواب: نعم هذا خير، ويكون هذا داخلًا في قول النبي ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولهذا امتدح الله ﷿ الذين ينفقون أموالهم في السر وفي العلانية: في السر في موضع السر، وفي العلانية في موضع العلانية. ***
بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص النية في العمل هو أن يتناسى الإنسان كل ما سوى الله، وأن لا يكون الحامل له على هذه العبادة إلا امتثال أمر الله ﷿ وإرادة ثوابه وابتغاء وجهه ﷿، وأن يتناسى كل شيءٍ يتعلق بالدنيا في هذه العبادة، فلا يهتم بالناس أرأوه أم لم يروه، أسمعوه أم لم يسمعوه، ولا يبالي بهم أثنوا عليه أم قدحوا فيه. وكذلك أيضًا من أسباب الإخلاص أن يكون الإنسان حين قيامه بالعبادة مستحضرًا لأمر الله ﷿ بها، ومستحضرًا لاتباع الرسول ﷺ فيها. مثال ذلك: رجل قام يتوضأ للصلاة، فهنا نقول: أولًا استحضر أنك إنما توضأت امتثالًا لأمر الله ﷿، كأنك الآن تقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) . وكأنك لوضوئك تقول: سمعًا وطاعة، تجد في هذا حلاوة ولذة وحبًا للطهارة؛ لأن الله أمرك بها، ثم استحضر أنك في هذا العمل متبعٌ لرسول الله ﷺ، كأنما رسول الله ﷺ أمامك وأنت تتبعه في هذا الوضوء، وبهذا يتحقق لك الثواب والأجر للإخلاص والمتابعة، وبذلك تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ***
فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله ﷿، وأن ذلك من أساس الاعتقاد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله ﵎: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) . وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) . وفي الحديث الصحيح القدسي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) . فلا تقبل العبادة- حجًا كانت أم غيره- إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي: يقوم بها من أجل أن يراه الناس فيقولوا: ما أتقى فلانًا، ما أعبد فلانًا لله، وما أشبه هذا. ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن أو رؤية الناس أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يؤمون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله ﷿، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي أو أن يتجروا أو أن يقال: فلان يحج كل سنة وما أشبه ذلك، ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلًا من الله بالتجارة وهو آمٌّ للبيت الحرام؛ لقول الله ﵎: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) . وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل أو نقصانه نقصًا شديدًا، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) . ***
تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلًا: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علمًا بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الشعور بالرياء من الشيطان ليصد الإنسان عن طاعة الله ﷿، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ وإن رأى معه ضعفًا في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلى رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يومًا ويفطر يومًا، إلا أنه دائمًا يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جدًّا! فإن هذا الإمام- الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأن ظاهر حاله الاستقامة- قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله ﷿ شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول ﵊ أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأنًا وأقل منه وجاهة عند الله ﷿، فإذا كان دعاء رسول الله ﷺ شركًا فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر، أو غير عبد القادر والرسول ﵊ نفسه لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًّا قال الله تعالى آمرًا له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) . وقال آمرًا له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال تعالى آمرًا له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . بل قال الله تعالى آمرًا له: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) . فإذا كان الرسول صلى الله وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله ﷿؛ لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وصاحبه في النار، لقوله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ونصيحتي لهذا الإمام أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا الأمر المحبط للعمل، فإن الشرك يفقد العمل، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وقال تعالى: (ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فليتب إلى الله من هذا، وليتعبد لله ﷾ بما شرع من أذكار وعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه البدع بل إلى هذه الأمور الشركية، وليتفكر دائمًا في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فضيلة الشيخ: يقول: إنه أيضًا هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله يزعم أن الله يوحي إليه. فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقًّا أنه ولي؟ فأجاب ﵀: علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فهذه هي علامات الولاية. وشروطها: الإيمان بالله، وتقوى الله ﷿. فمن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا، أما من أشرك به فليس بولي لله وهو عدو لله كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) . فأي رجل أو امرأة يدعو غير الله ويستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ﷿ فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية. فضيلة الشيخ: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟ فأجاب ﵀: إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنه لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى ما دام يشرك بالله ﷾، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة فيما مضى من صلاتهم. ***
عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الشرك إذا كانوا يغطونها بهذا الليف خوفًا من العين، فإن هذا ليس من الشرك؛ لأن أعين الحاسدين إنما تنصب على الشيء الفائق، فإذا أخفي هذا الشيء لم يكن فائقًا في أعينهم، فيكون سببًا لمنع العين. والسبب إذا كان مشروعًا أو محسوسًا فإن ممارسته لا تعد من الشرك؛ لأن الأمور التي جعلها الله أسبابًا بما أوحى من شرعه أو بما علم الناس من قدره فإنها تكون أسبابًا شرعية، وممارستها ليست شركًا، وعلى هذا فالصلاة خلف هؤلاء ليس فيها بأس. ***
هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: الدعاء لا يكون إلا لله ﷿، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركًا، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين: الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله: (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسرًا في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضًا غير عاقل، بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . أي لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام لأنه أبلغ من النفي المحض، حيث يكون مشربًا معنى التحدي. وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله ﷿، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة- أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله، وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركًا يستحق ما قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . ***
هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز إلا فيما جاءت به السنة، وقد جاءت السنة بقول المُسلِّم عليه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) . وأما قول القائل: يا سيدي يا رسول الله فأقل ما يقال فيه: إنه بدعة، فإن ناداه هذا النداء ليستغيث به ويستعين به على أمر كان شركًا، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: إذا قال: يا سيدي يا رسول الله، إن كان يريد أن يستغيث به أو يستعين به فهذا شرك ودعاء لغير الله ﷿، وإن قال: يا سيدي يا رسول الله السلام عليك فهذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى كل حال فعلى القائل مثل هذا القول أن يتوب إلى الله، وألا يعود إليه. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لا بد أن ننظر هل القبر سابقٌ على المسجد أم المسجد سابقٌ على القبر؟ فإن كان القبر سابقًا على المسجد، بمعنى: أن القبر كان متقدمًا فبنوا عليه مسجدًا، فالمسجد هنا لا تصح فيه الصلاة على كل حال؛ لأنه مسجد يجب هدمه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبنى على القبور، لا سيما إذا كان المبني مسجدًا، وإنما قلنا: يجب هدمه؛ لأنه يشبه مسجد الضرار الذي يجب هدمه، ومسجد الضرار هو المسجد يبنى بقرب مسجدٍ آخر فيؤثر على أهل المسجد الأول ويفرقهم، فهذا مسجد ضرار فيهدم على كل حال. وأما إذا كان المسجد سابقًا ودفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس. أما من تبرك بهؤلاء، أي: بأهل القبور، سواءٌ في المسجد أو في غير المسجد: فإن كان يدعوهم أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يطلب منهم الحوائج فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وإن كان لا يدعوهم ولكن يتبرك بترابهم ونحوه فهذا شركٌ أصغر لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، إلا إذا اعتقد أن بركته يحصل بها الخير من دون الله فهذا مشركٌ شركًا أكبر. ***
بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا؟ فأجاب ﵀: أما فعلهم الأول- وهو: ذبحهم للقبور تقربًا بهذا الذبح إلى صاحب القبر- فإنه من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، وذلك لأن الذبح من عبادة الله ﷿، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك أكبر. وأما الثاني- وهو: تعليقهم أنياب الذئاب في أعناق أولادهم من أجل دفع الجن- فإن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنهم أثبتوا سببًا لم يجعله الله ﷾ سببًا لا حسًَّا ولا شرعًا، وهذا نوع من الشرك الأصغر. فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا، وأن يزيلوا ما في أعناق أولادهم من هذه الأنياب، ولا يدفع شر الجن إلا ما جعله الله ﷾ سببًا للدفع، مثل قراءة آية الكرسي، (فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل أن يقول الإنسان إذا نزل منزلًا: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) . ***
هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله؟ فأجاب ﵀: نعم، أما قوله: توكلت على الله فهذه ليست شركًا لأن الله تعالى هو المتوكَّل عليه، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) . وأما قوله: ورسوله فهذا شرك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميت في قبره، لا يملك أن يدعو لأحد ولا أن ينفع أحدًا ولا أن يضر أحدًا ﵊، فالتوكل عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرك، وعلى غيره من باب أولى: لو توكل على قبر من يدعي أنه ولي فهو مشرك، والواجب علينا أن نتبرأ من الشرك كله بأي أحد، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال: (وَعَلَى اللَّهِ) قدمها على عاملها، قال أهل العلم: وتقديم ما حقه التأخير يدل على الاختصاص والحصر، أي: وعلى الله لا غيره فتوكلوا إن كنتم مؤمنين. ***
أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، ويمكثون أيامًا عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله؟ فأجاب ﵀: الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعًا سفه عقلًا؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله ﷾ على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ حيث قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله ﷿، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) . والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسبابًا، فالشفاء بها من شفاء الله ﷿، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقًا وشافيًا، وهذا شرك في ربوبية الله ﷾. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم ﷾، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سببًا للشفاء من هذا المرض. وأخيرًا أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي ﷺ نهى عن البناء على القبور)، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي ﷺ: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) . وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله ﷿، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله ﷿، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله ﵎: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . نسأل الله لنا ولهم الهداية. ***
في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب ﵀: رأينا في هذا أنه يجب أن تهدم هذه القبة أو هذه الحجرة وأن تزال معالمها؛ لأنها معالم شرك والعياذ بالله. ثم نقول لهؤلاء الذين يذهبون إلى هذه الحجرة يذبحون عندها القربان، ويسألونها دفع الضرر وجلب النفع، نقول: هؤلاء مشركون في الربوبية والألوهية؛ لأنهم تعبدوا لهذا القبر بالذبح له، ولأنهم اعتقدوا أن صاحبه ينفع أو يضر وليس الأمر كذلك، ولأنهم دعوا صاحب هذا القبر، والدعاء من العبادة، فقد أشركوا بالربوبية والألوهية شركًا أكبر. وعلى علماء المسلمين أن يبينوا لهؤلاء العوام بأن هذا من الشرك، وأن يحذروهم، وإن السكوت على مثل هذا في بلاد تكثر فيها القباب على القبور والذبح لها والسفر إليها، السكوت على هذا لاشك أنه مسؤولية كبيرة على أولئك العلماء، ومن المعلوم أن العامة يثقون بأقوال علمائهم أكثر مما يثقون بأقوال علماء بلاد أخرى كما هو ظاهر. فالواجب على علماء المسلمين في جميع أقطار المسلمين أن يتقوا الله ﷿، وأن يبينوا لعوامهم خطر هذه الأمور، وأنها من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ﷿، والذي أوجب الله لصاحبه الخلود في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهؤلاء العامة الذين يحذرون من هذا الولي تحذيرهم ليس بصحيح وليس بواقع، وليجرب الناس هذا الأمر، يجربوا ويحذروا من هذا العمل المحرم الشركي، وينظروا هل يصيبهم شيء أم لا؟ فكل هذا تحذير باطل، وإنما هو من الشيطان، ولا يجوز التصديق به؛ لأنه كذب وزور، ثم إن المصدق به يصدق بما ليس له حقيقة أصلًا. ***
هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: هؤلاء مشركون شركًا أكبر؛ لأنهم دعوا أصحاب القبور واستغاثوا بهم، واستنجدوا بهم ورأوا أنهم يجلبون إليهم النفع ويدفعون عنهم الضرر وينذرون لهم، وكل هذه من حقوق الله التي لا تصلح لغيره، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يرجعوا إلى توحيدهم وإخلاصهم قبل أن يموتوا على هذا فيستحقوا ما أخبر الله به عن المشركين في قوله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . فإن قال قائل: إن هؤلاء قد يملى لهم، وقد يبتلون فيدعون أصحاب القبور ثم يحصل لهم ما دعوا به؟ فنقول: هذه فتنة بلا شك، والذي حصل لم يحصل بهؤلاء المقبورين، وإنما حصل عند دعائهم وليس بدعائهم، وإلا فنحن نؤمن ونجزم جزمنا بالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب أن هؤلاء المقبورين لن يستجيبوا لهم أبدًا؛ لقوله ﵎: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى دين الله وتوحيد الله، وأن يعلموا أن النبي ﷺ قاتل المشركين واستباح دماءهم وأموالهم وذرياتهم من أجل شركهم، وهؤلاء شركهم من جنس شرك المشركين الذين قاتلهم النبي ﷺ على شركهم. ***
ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقادًا جيدًا أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه؟ فأجاب ﵀: تسمية هذا الرجل الذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته مسلمًا جهل من المسمي، ففي الحقيقة أن هذا ليس بمسلم؛ لأنه مشرك، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالدعاء لا يجوز إلا لله وحده، فهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . فهذا وإن صلى وصام وزكى وهو يدعو غير الله ويعبده وينذر له فإنه مشرك قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. ***
بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم فأجاب ﵀: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن ما يدعى بأنه قبر فلان أو فلان من الصحابة ﵃ أو الأئمة بعدهم قد لا يكون صحيحًا، فليس كل ما ادعي يكون مقبولًا وصحيحًا، بل قد يكون هذا من تزوير المزورين، أما على فرض أن يكون في هذا المكان قبر صحابي أو قبر إمام من الأئمة فإن المشروع للإنسان إذا زار المقبرة أن يفعل ما أمر به النبي ﷺ من السلام عليهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فالزائر للمقبرة زائر معتبر داع للموتى وليس داعيًا عندهم، وأما الذين يزورنها على سبيل التبرك بترابها، أو أقبح من ذلك أن يدعو الأموات بكشف الضر وجلب النفع أو ما أشبه هذا فإن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فبين الله ﷾ أن هذا الذي يدعو من دون الله أو يدعو مع الله إلهًا آخر أنه كافر، وأنه ليس بمفلح، أي لن يحصل له مطلوبه ولن ينجو من مرهوبه. وقال الله ﷾ في آية أخرى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالمشرك الداعي لغير الله ﷿ غير مفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو أيضًا سفيه لا أحد أضل منه. فنصيحتي لهؤلاء الذين يزورون هذه المقابر أن تكون زيارتهم على الوجه المشروع: بأن يتعظوا بهذه الزيارة ويتذكروا الآخرة، وأنهم الآن على ظهر الأرض أحياء يأكلون ويشربون ويلبسون ويتمتعون، وعما قريب سوف يكونون في بطن الأرض مرتهنين بأعمالهم، كما كان هؤلاء المقبورون مثلهم بالأمس وهذه حالهم اليوم، ثم يدعون لإخوانهم بما شرع لهم مما ذكرناه آنفًا، وأما أن يتبركوا بالتراب أو أن يدعوا هؤلاء الموتى فهذا ضلال لا أصل له. ***
المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم؟ فأجاب ﵀: هذه المسألة خطيرة جدًا لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك، شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعيًا لغير الله ﷿، فكان مشركًا في دينه وضالًا في عقله: أما كونه مشركًا في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله ﷿: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فإذا دعا أحدًا غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركًا كافرًا، وقال ﷿: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهًا آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحانًا من الله ﷿ وفتنة واستدراجًا. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالًا في عقله فلأن الله تعالى يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وفي الآية هذه دليل أيضًا على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيرًا جديًا في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي ﵊: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيرًا لغيره ولا يدفع ضرًّا عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئًا، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله ﷿، فيدعون الله ﷿ في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه ﷾ هو الذي قال في كتابه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) . فلماذا لا يدعون الله ﷿؟ فليرجعوا عن هذا العمل- أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعوا الله سبحانه تعالى وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعوا الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة. ***
هذه الرسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية، وبعث بها المستمع لبرنامج نور على الدرب سليمان عبد الغفار عبد المجيد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على النفس والكفار والمشركين. أما بعد فأنا أشكركم على برنامج نور على الدرب، وأتمنى لكم أعظم أجر من الله العزيز الحكيم. يقول: إنني أتوجه إلى الشيوخ الأفاضل بهذه الأسئلة: إننا يوجد عندنا أغلب الناس يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويقولون: لا إله إلا الله، ولكن- والعياذ بالله- يجعلون قبور الصالحين واسطة بينهم وبين الله، ويقول: إنهم يشدون لهم الرحال، ويعملون حفلات فوق القبور، ويأخذون الأطفال والنساء، ويذبحون الكثير من الغنم والماعز، ويحلفون بهذه الأوثان. فهل نأكل من هذه الذبائح وهم يذكرون الله عليها؟ نرجو التوجيه منكم لنا ولهم وفقكم الله فأجاب ﵀: هذه الذبائح إذا كان المقصود بها التقرب إلى هؤلاء الأموات فهي مما ذبح لغير الله، فلا يحل أكلها ولو ذكروا اسم الله عليها؛ لأنها داخلة في قوله تعالى: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، فحرام عليكم أن تأكلوا منها شيئًا. أما بالنسبة لهم فإن عملهم هذا إشراك بالله ﷿؛ لأن التقرب بالذبح من خصائص الله ﷾، أي: من الأمور المختصة به لا يجوز صرفها لغيره؛ لأنها من العبادة، كما قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . وعلى هذا فيجب على العلماء أن ينصحوا أولئك الجهال، وأن يبينوا لهم أن هذا من الشرك بالله، وأن الشرك بالله لا يقبل الله معه عملًا؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . ولا يجوز للعلماء العالمين بأحوال هؤلاء، العالمين بأحكام ما يفعلونه، لا يجوز لهم السكوت؛ لأن السكوت في مثل هذه الحال إقرار لهم على هذا الشرك، والعامة متعلقون بالعلماء، والعلماء مسؤولون عنهم، وهم- أعني: العلماء- ورثة الأنبياء في العلم والعمل والدعوة إلى الله ﷿، وسيسألهم الله ﷿ يوم القيامة عما علموا: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . فالحاصل أنه إذا كان الأمر كما وصف السائل شائعًا كثيرًا بين الناس فما ذلك إلا لتقصير أهل العلم في بيان الحق، وإلا فلو أن أهل العلم بينوا للعامة حكم صنيعهم هذا لكان العامة أقرب شيء إلى الامتثال والانقياد ونسأل الله تعالى لنا ولهم التوفيق، وأن يعيننا على أداء ما حملنا بمنه وكرمه. ***
كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع، فما هو أصلها؟ وما موقف التشريع الإسلامي منها؟ أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها؟ فأجاب ﵀: لست أعلم ما يريد بالنذور، فأخشى أنه يريد بالنذور ما يُنذر للأموات، فإن كان يريد ذلك فإن النذور للأموات من الشرك الأكبر؛ لأن النذر خاص لله ﷿. فإذا قال قائل: لصاحب هذا القبر عَلَّي نذر أن أذبح له، أو: لصاحب هذا القبر نذر أن أصلى له أو ما أشبه ذلك من العبادات التي تُنذر لأصحاب القبور فإن هذا بلا شك شرك مخرج عن الملة. أما إن أراد بالنذر النذر لله ﷿ فهذا فيه تفصيل كثير: إن كان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، سواء كان النذر مطلقًا أو معلقًا بشرط. فإذا قال قائل مثلًا: لله علي نذر أن أصوم غدًا وجب عليه أن يصوم،لله علي نذر أن أصلى ركعتين وجب عليه أن يصلى ركعتين، لله علي نذر أن أحج وجب عليه أن يحج،لله علي نذر أن أعتمر وجب عليه أن يعتمر، لله علي نذر أن أصلى في المسجد النبوي وجب عليه أن يصلى في المسجد النبوي. إلا أنه إذا نذر شيئًا فله أن ينتقل إلى ما هو خير منه: لو نذر أن يصلى في المسجد النبوي فله أن يصلى بدلًا من ذلك في المسجد الحرام؛ لأنه ثبت أن رجلًا قال يوم الفتح للنبي ﷺ: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. فقال النبي ﷺ: (صلِّ ها هنا) . فأعاد عليه الرجل مرتين، فقال له النبي ﵊: (شأنك إذًا) فهذا دليل على أنه إذا نذر شيئًا وفعل ما هو خير منه من جنسه فإنه يكون جائزًا وموفيًا بنذره، هذا في نذر الطاعة، سواءً كان مطلقًا كما مثلنا أو كان معلقًا بشرط كما في هذا الحديث: إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. ومثل النذور المعلقة أيضًا ما يفعله كثير من الناس: يكون عندهم المريض فيقول: إن شفا الله هذا المريض فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من أمور الخير، فيجب عليه إذا شُفي هذا المريض أن يوفي بما نذر من طاعة الله. ومثله أيضًا ما يفعله بعض الطلبة يقول: إن نجحت فلله علي كذا من أمور الطاعة لله، علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو عشرة أيام، أو يوم الاثنين والخميس من هذا الشهر أو ما أشبه ذلك، فكل هذا يجب الوفاء به؛ لعموم قول رسول الله ﷺ: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ومع هذا فإني أنصح إخواننا المسلمين أنصحهم ألا ينذروا على أنفسهم؛ لأن النذر أقل أحواله الكراهة، بل إن بعض العلماء حرمه؛ لأن رسول الله ﷺ نهى عنه وقال: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) . ولأن الناذر ألزم نفسه بأمر هو في عافية منه، ولأن الناذر قد يتراخى ويتساهل في الوفاء بالنذر وهذا أمر خطير، واستمعوا إلى قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) . فإذا تساهل الإنسان فيما نذر لله على شرط فإنه يوشك أن يُعاقب بهذه العقوبة العظيمة: يعقبه الله نفاقًا في قلبه إلى أن يموت، نسأل الله السلامة والعافية. ثم إن النذر في هذه الحال كأن الناذر يقول: إن الله لا يعطيني ما أريد إلا إذا شرطتُ له، وهذا في الحقيقة سوء ظن بالله ﷿، فالله ﵎ يتفضل على عباده بدون أن يشترطوا له شرطًا أو شيئًا، فأنت إذا حصل لك مكروه أو أردت مرغوبًا فاسأل الله وادعه، هذه طريقة الرسل، كما قال الله تعالى عنهم، عن الذين أُصيبوا ببلاء أنهم يناجون الله ﷿ ويدعونه فيستجيب لهم: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) . وهل أيوب نذر لله نذرًا إن عافاه الله؟ لا، بل دعا ربه. وهكذا أيضًا سنة الرسول ﵊ وخلفائه الراشدين: إذا أرادوا من الله ما يرغبون توجهوا إليه بالرغبة والدعاء أن يعطيهم ذلك، وإذا أرادوا من الله ﷾ أن يصرف عنهم ما يكرهون دعوه ﷾ ولجؤوا إليه بأن يصرف عنهم ما يكرهون، هذه سبيل المرسلين من الأولين والآخرين، آخرهم محمد ﷺ، فكيف يخرج الإنسان عن طريقتهم؟ فالمهم أننا ننصح إخواننا بالبعد عن هذا الأمر، وكثيرًا ما يسأل الناس الذين نذروا، على أنفسهم نذورًا يسألون يريدون أن يجدوا من أهل العلم من يخلصهم منها فلا يجدون من يخلصهم. ***
المستمع ع. ع. ب. أيضًا من جمهورية مصر العربية يقول إنه يوجد لدينا في أرياف مصر من يقومون بالنذر للمشايخ ببعض الأطعمة مثل الزبد والألبان واللحوم وغيرها إذا كانت لديهم بعض من البهائم مريضة أو غير ذلك، وبعد شفائها يقومون بأداء النذر لهذا الشيخ. فهلا أرشدتم العباد فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: نعم النذر للشيخ عند حدوث المصائب إذا زالت المصائب محرم؛ لأن هذا الشيخ لا أثر له في حصول المصلحة أو دفع المضرة أو شفاء المريض أو غير ذلك، بل قد يصل هذا إلى حد الشرك الأكبر إذا اعتقد أن الشيخ بيده نفعٌ أو ضرر دون الله. فالواجب أولًا على المشايخ أن يتنزهوا عن هذا الأمر، وأن لا يوهموا العامة بأن لديهم سرًا يستطيعون به شفاء المريض، وأن يعلموا أن الدنيا دار غرور فلا تغرنهم الحياة الدنيا، وأن الشيطان ربما يخدعهم ويزين لهم سوء أعمالهم، فإن الشيطان كما وصفه الله ﷿ في قوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) . وعلى العامة أن يبتعدوا عن هؤلاء المشايخ، وأن لا يعتقدوا بهم، وأن يعلموا أنهم دجالون كذابون ليس لديهم من الأمر شيء. وها هو النبي عليه الصلاة السلام أشرف خلق الله وأعظمهم ولاية وجاهًا عند الله يقول الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) . فكيف بهؤلاء الدجالين الكذابين؟ فإنني أوجه النصيحة أولًا إلى هؤلاء المشايخ أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم وفي عباد الله، ثم ثانيًا إلى الناس عمومًا أن لا يغتروا بأمثال هؤلاء، وأن يعلموا أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف يملكون لغيرهم؟ وإذا أراد الإنسان أن يشفى مريضه أو يحصل له مطلوبٌ أو يرتفع عنه مكروب فليتوجه إلى الله ﷿، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو الذي بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، ليصدقوا مع الله حتى ينالوا جزاء الصادقين، كما قال الله تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ)، وحتى يكون لهم قدم صدقٍ عند الله ﷿، وليعلموا أنهم إذا لجؤوا إلى الله واتقوا الله ﷿ يسر لهم الأمور وكشف عنهم الكروب. قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) . (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . أما التعلق ببشرٍ مثلهم فهو سفهٌ في العقل وضلال في الدين. ***
٤٨٧-هذا المستمع بعيضة فضيل من الجزائر يقول: في القرية التي أقيم فيها بعض العادات توشك أن توقعنا في خطر كبير، منها زيارة بعض أشخاص قد ماتوا قديمًا يدعي أجدادنا أنهم من الأولياء الصالحين، وزيادة على هذا فإنهم يسألونهم الخيرات والرزق مثل الأولاد دون أن يسألوا الله العلي القدير، ويلقون إليهم بالنذور كأن يقول الواحد منا: إن نجحت في الامتحان لأذبحن كبشًا وأقدمه قربانًا إلى ذلك الولي الصالح، ويسميه باسمه الشخصي، وفعلًا فهم يوفون بالنذر. فهل يجوز هذا أم لا؟ وما هي نصيحتكم لهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره، فهذه القبور التي يزعم أن فيها أولياء تحتاج إثبات أنها قبورٌ أولًا، قد يضع شيئًا ويقال: هذا قبر فلان كما ثبت ذلك. ثانيًا: إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله؛ لأننا لا ندري هل هم أولياء لله أم أولياء للشياطين؟ ثالثًا: وإذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم أو دعائهم أو الاستغاثة بهم والاستعانة بهم في هذه الأمور، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للدعاء لهم فقط، على أنه إذا كان في زيارتهم فتنة فإنه لا تجوز زيارتهم، لو كان في زيارتهم مثلًا خوف فتنة بالغلو فيهم فإنه لا تجوز زيارتهم، دفعًا للمحظور ودرءًا للمفاسد. فأنت يا أخي حكم عقلك هذه الأمور الثلاثة التي ذكرت لابد أن تتحقق: ثبوت القبر، ثبوت أنه ولي، ثالثًا الزيارة لا لأجل الاستعانة بهم ولكن لأجل الدعاء لهم؛ لأنهم الآن في حاجة، مهما كانوا فهم في حاجة إلى الدعاء لهم، أما هم فهم أموات جثث لا ينفعون ولا يضرون. ثم إن قلنا: إن ازيارتهم لأجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محذورًا، فإن استلزمت محذورًا بحيث يغتر بهم فإن زيارتهم لا تجوز، أما من زارهم على الوصف الذي ذكره السائل ليستغيث بهم أو نذر لهم فذبح لهم فإن هذا شرك أكبر مخرج من الملة، يكون صاحبه به كافرًا مخلدًا في النار. ***
٤٨٨- من سلطنة عمان المنطقة الجنوبية عامر بن أحمد يقول: هل يجوز النحر للميت؟ أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: لا ندري ماذا يريد من النحر للميت إن أراد بالنحر للميت؟ التقرب إلى الميت بالذبح له فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، ومن فعله فعليه أن يتوب إلى الله من شركه، فإن لم يفعل ومات على ذلك فإن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وأما إن أراد بالنحر للميت أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها عن الميت فهذا جائز؛ لأن الصدقة عن الميت باللحم أو بطعام آخر أو بالدراهم جائزة. فينظر في مراد السائل هل أراد النحر للميت تقربًا إليه وتعظيمًا؟ فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بتوبة، وإن أراد بذلك أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها فهذا لا بأس به. ***
عدنان عبد القادر من السودان كسلا يقول: بعض الناس هداهم الله يحلفون بالأولياء ويطلبون منهم العون، فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال هو أن طلب الحوائج من الأولياء الأموات أو الأحياء الذين لا يستطيعون مباشرة قضاء الحاجة شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وفاعله مخلدٌ في نار جهنم، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وأما إذا كان الولي حاضرًا وطلب منه الإنسان ما يقدر عليه: كإعانته على إخراج عفشه من البيت، أو بتحميله في السيارة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن طلب قضاء الحاجة من الحي الحاضر القادر لا بأس به؛ لأنه من الاستعانة بأخيه المسلم على قضاء حاجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما الحلف بالأولياء فهو أيضًا شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولكن إن كان يرى أن هذا الولي يستحق من التعظيم ما يستحقه الله ﷿ فإنه شركٌ أكبر، وإن كان لا يرى ذلك ولكن حلف بهذا الولي إجلالًا وتعظيمًا له دون أن يرى أنه يستحق من التعظيم ما يستحقه الرب العظيم فإن هذا يكون شركًا أصغر. وعلى كل حال فيجب الحذر من هذا وأن لا يحلف إلا بالله؛ لقول النبي ﷺ: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . ***
قرأت في كتيب بعنوان صيغة الصلاة على سيدنا محمد فيها فوائد عظيمة لقضاء الحاجات، والصيغة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد سر حياة الوجود، والسبب العظيم لكل موجود، الحبيب المحبوب، شافي العلل ومفرج الكروب. ما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا الدعاء أنه منكر، ولا يجوز للإنسان أن يدعو به؛ لأنه وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه سر الوجود، وأنه شافي العلل، وهذا شرك: فالشافي هو الله ﵎، والنبي ﷺ نفسه يقول في الدعاء على المريض: (واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك) . فكيف يدعي هذا أن النبي ﷺ هو شافي العلل؟ فعلى من رأى هذا الدعاء أن يمزقه وأن يحذر منه. وإنني بهذه المناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين عن ما يتداوله الناس أحيانًا من ورقات يوزعها أناس مجهولون، فيها أنواع من الأدعية كلها أسجاع غريبة تصد الناس عن الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو التي ذكرها الله تعالى في القرآن، فتجد الناس- لحسن أسلوب هذه الأدعية التي توزع أحيانًا، ولكون الشيطان يزينها في قلوبهم- يكبون عليها ويعرضون عما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية النافعة الجامعة، وأنصح كل من وقع في يده شيء من هذا أن يعرضه على أهل العلم قبل أن يتعبد لله به. هؤلاء الذين يوزعون هذه المناشير إما جاهلون فهم تحت عفو الله ﷿، على أني أخشى ألا يعفى عنهم؛ لأن الواجب على الإنسان في هذه الأمور أن يسأل أهل العلم قبل أن يوزعها؛ وإما متعمدون لصد الناس عن الأدعية الواردة المشروعة إلى هذه الأدعية المصنوعة المسجوعة؛ ليبعدوا الناس عن ما جاء في الكتاب والسنة، ولا شك أن الأدعية الواردة في الكتاب والسنة خير ما يكون من الأدعية؛ لأنها من عند الله ﷿ علمها عباده، ومن عند النبي ﷺ علمها أمته، فالحذار الحذار أيها الإخوة من التمسك بهذه المنشورات. وكما ترد هذه المنشورات في الأدعية ترد أيضًا في مسائل أخرى: فتوزع أحيانًا منشورات فنها أحاديث مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أن النبي ﷺ قال: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) . وقال: (من حدث عني حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين، أو الكاذِبَيْن) . فليحذر عباد الله من هذه المنشورات توزيعًا أو طباعة، أو شراءً أو بيعًا، أو هدية أو استعمالًا. والعلماء والحمد لله موجودون في البلاد، يتمكن الإنسان من الوصول إليهم مشافهة ومباصرة، أو مشافهة عن طريق الهاتف. ***
٤٩١-هذا سائل للبرنامج يقول: أرجو التكرم من فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين بالإجابة على أسئلتي. يقول: يوجد في قريتنا إمام مسجد يدعو الناس إلى الاستغاثة بغير الله من الأموات، ويعتقد ذلك من الأمور التي تقرب الناس إلى الله تعالى. فما حكم الإسلام في نظركم في هذا الرجل؟ وما حكم الصلاة خلف هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هذا الرجل الذي يدعو إلى الاستغاثة بغير الله مشرك داع إلى الشرك، ولا يصح أن يكون إمامًا للمسلمين، ولا يصلى خلفه، وعليه أن يتوب إلى الله ﷿ قبل أن يدركه الموت. الاستغاثة لا تكون إلا بالله وحده، وتكون الاستغاثة بحي قادر على أن ينقذ من استغاث به من الشدة، كما في قول الله ﵎: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) . أما أن يستغيث بالأموات فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وإنني من هذا المنبر أدعو هذا الرجل إلى أن يتوب إلى الله ﷿، ويعلم أن الاستغاثة بالأموات لا تقرب إلى الله بل هي تبعد من الله ﷿، ومن استغاث بالأموات فهو داخل في قول الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
٤٩٢- نحن في بلاد غير إسلامية يكثر فيها غير المسلمين، وكان بينهم وبين المسلمين مناظرات، وفي هذه المناظرات أثيرت شبهة، وهي أن أهل الكتاب قالوا: إنكم أيها المسلمون تشركون بالله؛ لأنكم تطوفون بالكعبة ومن ضمنها الحجر الأسود، وهذا يعني أن المسلمين يشركون بالله. والسؤال: كيف نرد على هذه الشبهة؟ علمًا بأنهم رفضوا قبول النصوص بتاتًا فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هذه الشبهة بأننا ندور على الكعبة لا تعظيمًا للكعبة لذاتها ولكن تعظيمًا لله ﷿؛ لأنه رب البيت؛ وقد قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) . والذين يطوفون بالبيت ليسوا يسألون البيت يقولون يا أيتها الكعبة اقضيِ حوائجنا، اغفري ذنوبنا، ارحمينا، أبدًا، بل هم يدعون الله ﷿ ويذكرون الله ويسألون الله المغفرة والرحمة، بخلاف النصارى عابدي الصلبان الذين يعبدون الصلىب ويركعون له ويسجدون له ويدعونه، ومن سفههم أن الصلىب كما يدعون هو الذي صلب عليه المسيح عيسى ابن مريم ﵊، فكيف يعظمون ما كان المقصود به تعذيب نبيهم ﵊ وكيف يعظمونه؟ ولكن هذا من جملة ضياع النصارى وسفاهتهم، على أننا نحن المسلمين لا نرى أن عيسى ﵊ قتل أو صلب؛ لأن ربنا ﷿ يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) . وهات أي واحد من المسلمين حقًا يقول: إنه يطوف بالكعبة من أجل أن تكشف ضره أو تحصل ما يطلب، لن تجد أحدًا كذلك. ***
المستمع محمد الطرشان دمشق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم فيما لو ذبح الإنسان خروفًا وقال: اللهم اجعل ثوابه في صحيفة الشيخ فلان بن فلان؟ هل في ذلك شيء من البدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ذبح الإنسان خروفًا أو غيره من بهيمة الأنعام ليتصدق به عن شخص ميت فهذا لا بأس به، وإن ذبح ذلك تعظيمًا لهذا الميت وتقربًا إلى هذا الميت كان شركًا أكبر، وذلك لأن الذبح عبادة وقربة، والعبادة والقربة لا تكون إلا لله، كما قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . فيجب التفريق بين المقصدين: فإذا قصد بالذبح أن يتصدق بلحمه ليكون ثوابه لهذا الميت فهذا لا بأس به، وإن كان الأولى والأحسن أن يدعو للميت إذا كان أهلًا للدعاء بأن كان مسلمًا، وتكون الصدقة للإنسان نفسه؛ لأن النبي ﷺ لم يرشد أمته إلى أن يتصدقوا عن أمواتهم بشيء، وإنما قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ولم يقل: يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلى عنه، فدل هذا على أن الدعاء أفضل وأحسن. وأنت أيها الحي محتاج إلى العمل، فاجعل العمل لك واجعل لأخيك الميت الدعاء. وأما إذا كان قصده بالذبح لفلان التقرب إليه وتعظيمه فهو شركٌ أكبر؛ لأنه صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى. ***
يقول بعض الناس: إذا سكن منزل جديد لا بد وأن يذبح بداخله ذبيحة أو ذبيحتان خوفًا من مس الجن اعتقادًا منهم بذلك. نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذبح الإنسان عند نزوله للمنزل أول مرة اتقاء الجن وحذرًا منهم محرم لا يجوز، بل أخاف أن يكون من الشرك الأكبر، ولا يزيد الإنسان إلا شرًا ورعبًا ورهبًا، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) . والإنسان إذا نزل منزلًا ينبغي أن يقول ما جاءت به السنة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فإن من نزل منزلًا وقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لن يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. أما إذا ذبح الذبائح ودعا الأقارب والجيران والأصحاب من باب إظهار الفرح والسرور بهذا المنزل الجديد فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه، وله أن يدعو من شاء ممن يرى أنهم يفرحون بفرحه ويسرون بسروره. ***
أحسن الله إليك يا شيخ من شمال سيناء مصر السائل أبو محمد يقول: فضيلة الشيخ عندنا أناس يذبحون للأولياء والصالحين، ويذبحون عند شراء السيارة الجديدة حتى لا يحصل لها حادث، ويذبحون للبيت الجديد حتى لا تسكن فيه الجان، ويذبحون لخزان المياه حتى لا يغرق فيه أحد. أفيدونا بالحكم عن هذه المسائل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذبح للأولياء أو غيرهم من المخلوقين فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة، وقد قال الله ﵎: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . وهؤلاء لا تنفعهم صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا حج ولا غيرها من الأعمال الصالحة؛ لأن الكافر لا يقبل منه أي عمل صالح؛ لقول الله ﵎: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿ من ذلك، وأن يستقيموا على الإخلاص، ومن تاب من الذنب تاب الله عليه، قال الله ﵎: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) . وأما الذبح عند نزول البيت أو بناء الخزان أو ما أشبه ذلك فهذا سفه وخطأ، لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وعليهم أن يكفوا عن هذا العمل؛ لأن ذلك ليس وسيلة إلى حفظ البيت أو الخزان أو ما أشبه ذلك، فهو يشبه التمائم والتعويذات التي ليست بمشروعة. ***
المستمع أبو سالم من العراق يقول: بعض الناس عندنا يذبحون الذبائح لغير الله، للإمام علي ﵁ مثلًا، أو للشيخ عبد القادر، وأحيانًا يكلفني بعضهم بأن أذبح له بتلك النية، ولكني في داخل نفسي أقول: هي لله تعالى؛ لعلمي أن ذلك لا يجوز. فهل في هذا شيء؟ وهل يلحقني شيء من الإثم؟ وهل يجوز الأكل من لحوم تلك الذبائح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذبح لغير الله شرك؛ لأن الذبح عبادة، كما أمر الله به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ) . فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركًا مخرجًا عن الملة والعياذ بالله، سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة أو رسول من الرسل أو نبي من الأنبياء أو لخليفة من الخلفاء أو لولي من الأولياء أو لعالم من العلماء، كل ذلك شرك بالله ﷿ ومخرج عن الملة، والواجب على المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه، وألا يطيع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . ولا يحل لك أنت أن تذبح له هذه الذبيحة وأنت تعلم أنه يؤمن بذلك: ذبحها لغير الله ﷿، فإن فعلت فقد شاركته في الإثم حتى ولو فيما أُهلَّ لله به، فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الاعتبار بنية صاحبها الذي وكلك، فلا تفعل هذا. وأما الأكل من لحوم هذه الذبيحة فإنه محرم؛ لأنها أُهِلَّ لغير الله بها، وكل شيء أهِلَّ لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم، كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) فهي من قسم المحرمات، لا يحل أكلها لا لذابحها ولا لك ولا لغيركما. ***
الحلف
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، لكنه ليس شركًا أكبر مخرجًا من الملة، بل هو شرك أصغر، إلا أن يقع في قلب الحالف بغير الله أن منزلة هذا المحلوف به كمنزلة الله، فحينئذ يكون شركًا أكبر بناء على ما حصل في قلبه من هذه العقيدة، وإلا فمجرد الحلف بغير الله شرك أصغر، وقد قال النبي ﵊: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وبهذه المناسبة أود أن أحذر مما وقع فيه كثير من الناس اليوم حيث كانوا يحلفون بالطلاق، فتجد الواحد منهم يقول: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو ما أشبه ذلك. وهذا خلاف الصواب، وأكثر أهل العلم من هذه الأمة من الأئمة وأتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق لا يكفر، ويقولون: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعل فإنها تطلق، ولو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلت فإنها تطلق، سواء نوى التهديد أو نوى الطلاق. هذا هو الذي عليه جمهور الأمة وأئمة الأمة، فالمسألة خطيرة، والتهاون بها إلى هذا الحد: لو أن رجلًا قدم لشخص فنجانًا من الشاي قال: علي الطلاق ما أشربه، ويقول الثاني: علي الطلاق أن تشرب وما أشبه ذلك. لماذا هذا التلاعب بدين الله ﷿؟ ولو أن أحدًا من العلماء الذين يرون أن الطلاق يقع يمينًا ويقع طلاقًا- أعني: الطلاق المعلق- لو أن أحدًا من أهل العلم قال: أنا أريد أن ألزم الناس بذلك أي بالطلاق؛ لأن الناس تتابعوا فيه فألزمهم كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث، لو فعل ذلك لكان له وجه؛ لأن الناس كثر منهم هذا، كثر كثرة عظيمة، لو أن العالم الذي يستفتى قارن بين ما يستفتى عنه في مسائل الدين وبين ما يستفتى عنه في هذا الطلاق المعلق لوجد أن استفتاءه في هذا الطلاق المعلق أكثر بكثير من استفتائه في أمور تتعلق بالدين، وأنا أحذر الأزواج من أن يسهل على ألسنتهم هذا الطلاق أو هذا الحلف بالطلاق. ***
أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله محرم ونوع من الشرك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وكان من عادتهم في الجاهلية أنهم يحلفون بآبائهم، ولهذا قال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله) تحقيقًا لتوحيده؛ لقول النبي ﷺ: (من قال: واللات- يعني: حلف بهذا الصنم- فليقل: لا إله إلا الله) يعني من حلف بها فليقل: لا إله إلا الله، (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق)؛ لأن المقامرة حرام من الميسر وأكل المال بالباطل، فليتصدق فليداوِ الداء بما يوافقه من دواء. ***
يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي ﷺ في ذكر الصدقات: (وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، وهو من الشرك. وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . ***
بارك الله فيكم أيضًا من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلًا والنبي، عليك الشيخ فلان مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأن النبي ﵊ نهى عن ذلك فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . بل قد جعل النبي ﷺ ذلك من الشرك حيث قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا الحلف بالولي، ولا الحلف بالملك، ولا الحلف بالوطن، ولا الحلف بالقومية، ولا بأي مخلوقٍ كان، إنما يحلف بالله ﷿ وبصفاته ﷾، فيقال: والله العلي العظيم، والله الرحمن الرحيم، ورب الكعبة. أو يقال: وعزة الله، وقدرة الله وما أشبه ذلك من صفاته، فإنه يجوز الحلف به، ومع هذا فإنه لا ينبغي إكثار الحلف؛ لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن معناها على أحد الأقوال أي: لا تكثروا الحلف بالله، ولا سيما إذا كان الحلف عن كذب فإن الأمر في ذلك خطير، فإن الكذب في اليمين إن تضمن أكل مال الغير بغير حق- ومعلومٌ أن الكذب ليس فيه حق- فإن النبي ﷺ قال: (من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) . وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار والعياذ بالله. وينبغي أن يعلم أن الحالف بالله إذا قرن يمينه بمشيئة الله فإنه لا كفارة عليه إذا حنث، مثل أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإنه إن لم يفعله فلا شيء عليه؛ لأن النبي ﷺ قال: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . لذا ينبغي لكل إنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بالمشيئة، فإنه يستفيد في ذلك فائدتين: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر وحصول المقصود، والفائدة الثانية: أن لا تلزمه الكفارة فيما لو حنث. ودليل الأمر الأول- أي: تسهيل الأمور إذا قرن الإنسان يمينه بالمشيئة- ما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ: (أن سليمان ﵊ قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٍ منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، لم يقل ذلك لقوة عزيمته ﵊، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان)، ليبين الله ﷿ له ولغيره أن الأمر بيده ﷾، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يتألى على الله ﷿. قال النبي ﷺ في هذا الحديث: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركًا لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله) . وأما الثانية- وهي: أنه إذا قال: إن شاء الله فحنث فلا كفارة عليه- فهو ما سُقته آنفًا من قوله ﵊: (من حلف على يمينه فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . ***
هل يجوز الحلف بغير الله ﷾؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله ﷾ قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم، وهو نوع من الشرك، ولهذا قال النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه ﷺ أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وثبت عنه أنه قال: (من قال: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) . وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله ﷾، لا بالكعبة، ولا بالنبي ﷺ، ولا بجبريل ولا بميكائيل، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف ولا بالقومية ولا بالوطنية، كل حلف بغير الله محرم وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله. وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله ﷾، تكلم الله به حقيقة في لفظه مريدًا لمعناه، وهو ﷾ موصوف بالكلام، فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفًا بصفة من صفات الله ﷾ وهو جائز. وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى: (والليل إذا يغشى)، (والشمس وضحاها) وما أشبهها فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله ﷾ فيعارضون به المحكم، فهذا الحلف ربنا ﷾ هو الذي حلف به، ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، وهو ﷾ قد نهانا على لسان رسوله ﷺ أن نحلف بغيره، فعلينا أن نمتثل الأمر وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به، فإن الله يفعل ما يشاء. ***
المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيرًا من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علمًا بأن النبي ﷺ قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) . لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله معصية لرسول الله ﷺ ونوع من الشرك، قال النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وقال ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف، على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان، من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من أحد معانيها: أي لا تكثروا الحلف بالله ﷿، ولكن ما يجري على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . وقوله في آية أخرى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم) وعلى من حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره، وألا يعود إلى مثل ما جرى منه. ***
من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بحياة الله حلفٌ صحيح؛ لأن الحلف يكون بالله أو بأي اسمٍ من أسماء الله أو بصفةٍ من صفات الله، والحياة صفةٌ من صفات الله، فإذا قال: وحياة الله لأفعلن كذا وكذا كان يمينًا منعقدةً جائزة. وأما إذا حلف بحياة النبي أو بحياة الولي أو بحياة الخليفة أو بحياة أي معظم سوى الله ﷿ فإن ذلك من الشرك، وفيه معصية لله ﷿ ورسوله، وفيه إثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولقول النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) .وإنا نسمع كثيرًا من الناس يقول: والنبي لأفعلن كذا، وحياة النبي لأفعلن كذا، ويدعي أن هذا مما يجري على لسانه بلا قصد. فنقول: حتى في هذه الحال عود لسانك أن لا تحلف إلا بالله ﷿، واحبس نفسك عن الحلف بغير الله. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أبين لإخواني المستمعين أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الأيمان؛ لأن بعض أهل العلم فسر قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) بأن المراد لا تكثروا الحلف، وإذا قدر أن الإنسان حلف على شيء مستقبل فليقل: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله كان في ذلك فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن هذا من أسباب تيسير الأمر الذي حلف عليه وحصول مقصوده، والثانية: أنه لو لم يفعل فلا كفارة عليه. ودليل ذلك قصة سليمان النبي ﵊ حين قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٌ منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل اعتمادًا على ما في نفسه من اليقين، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدةٌ منهن شق إنسان، أي: نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركًا لحاجته) . وأما الفائدة الثانية- وهي: أنه لو لم يفعل لم يحنث، يعني لو حلف أن يفعل شيئًا فلم يفعل وقد قال: إن شاء الله- فإنه لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) . ***
هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نوعٌ من الشرك؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكرِ معظم، فكأن الحالف يقول: أؤكد هذا الشيء كما أعظم هذا المحلوف به، ولذلك كان القسم خاصًا بالله ﷿، فلا يجوز أن تحلفوا بالنبي ولا بجبريل ولا بالأولاد ولا بغير ذلك من مخلوقات الله ﵎، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . الحلف بالأمانة كذلك لا يجوز؛ لأنه حلفٌ بغير الله، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (من حلف بالأمانة فليس منا) . لكن أحيانًا يقول الإنسان: بأمانتي، ويقصد بذلك العهد والذمة ولا يقصد اليمين، فيقول: بأمانتي لأوفين لك، أو: بذمتي لأوفين لك، والمقصود بذلك الالتزام لا تعظيم الأمانة ولا تعظيم الذمة، فهذا لا ينهى عنه إلا احتياطًا، خوفًا من أن يقتدي به من يحلف بالأمانة أو الذمة. والذي أعرف من أصل العوام في قولهم: بذمتي لأفعلن كذا، أنهم يريدون بذلك العهد لا الحلف بالذمة. ***
هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان: والنبي لأفعلن كذا، أو: والنبي لقد كان كذا، فهذا حلف بالنبي ﷺ، وهو محرم، بل هو من الشرك الأصغر، بل من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بالنبي ﷺ أن للنبي ﷺ منزلة كمنزلة الرب ﷿، فإنه في هذا يكون مشركًا شركًا أكبر مخرجًا عن الملة. فالواجب الحذر من الحلف بالنبي ﷺ والبعد عنه؛ لأن هذا- أعني: البعد عن الحلف بالنبي ﷺ هو عنوان تعظيم الرسول ﵊، فتعظيم الرسول ﷺ لا يأتي بمعصية الرسول، وتعظيم الرسول ﵊ لا يأتي بأن يبتدع الإنسان في دين الله ما ليس منه، إن تعظيم الرسول ﵊ هو أن يلتزم العبد شريعته اتباعًا للمأمور، وتركًا للمحظور، أما أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، أما أن يأتي بما فيه معصية الرسول ﵊ فقد كَذَبَ فيما ادعاه من محبة الرسول ﵊، كذب لأنه خالف الرسول، والمحب للرسول لا يخالفه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . ***
بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي ﷺ وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقوله ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله ﷿، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله ﷿ في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله ﷾. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائمًا محترزًا من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبرًا من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئًا إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي ﷺ ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله. ثم إني أيضًا أنصح من أراد الحلف بالله ﷿ أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يومًا: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتمادًا على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركًا لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله) . فانظر كيف قال النبي ﵊: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك. ***
المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عاديًا، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء، فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحلف بالنبي ﷺ أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي ﷺ أو بغيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك، فإذا أقسم أحد بالنبي ﷺ فقال: والنبي، أو: والرسول، أو أقسم بالكعبة، أو أقسم بجبريل أو بإسرافيل، أو أقسم بغير هؤلاء فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك، قال النبي ﷺ: (من كان حالفًا فليحف بالله أو ليصمت) . وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وقول الحالف بالنبي ﷺ: إن هذا من تعظيم النبي ﷺ، جوابه أن نقول: هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي ﵊، وبين أنه نوع من الشرك، فتعظيم النبي ﷺ بالابتعاد عنه؛ لأن تعظيم النبي ﷺ لا يكون في مخالفة النبي ﷺ، بل تعظيم النبي ﷺ بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما أن امتثال أمره واجتناب نهيه يدل على محبته ﷺ، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادَّعوا محبة الله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . فإذا أردت أن تعظم النبي ﷺ التعظيم الذي يستحقه ﵊ فامتثل أمره واجتنب نهيه في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظمًا لرسول الله ﷺ. فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله ﷿، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله ﷾، امتثالًا لأمر النبي ﷺ في قوله: (من كان حالفًا فليحلف بالله)،وابتغاء مرضاة الله، واتقاء من الوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ***
القبور
هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت) . والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبرًا خاصًّا من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي ﷺ استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له ﵎، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضًا دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ﷿، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقًا، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول ﵊ لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقًا، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب ﵁ قبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك) . وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبدًا مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، إذا كان هذا الميت لو كان حيًّا ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حيًا لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتًا؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله ﷿ في كتابه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) . ***
يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البدعة التي ذكرها السائل- وهي: الدعاء عند القبور، أو طلب أصحاب القبور قضاء الحاجات- بدعةٌ عظيمة منكرة. أما الدعاء عند القبور فإنها بدعة، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إذا كان الإنسان يدعو الله ﷿ لكن يعتقد أن دعاءه في هذا المكان أفضل من غيره. وأما دعاء أصحاب القبور وطلب الحوائج منهم فهذا كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فيجب على الطائفتين- أي: التي تدعو الأموات، أو التي تدعو الله عند قبور الأموات- أن يكفوا عن هذا الأمر، وأفضل مكان للدعاء هو المساجد، وكذلك أفضل حالاتٍ للدعاء أن يكون الإنسان ساجدًا، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الدعاء حال السجود، فقال ﵊: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) . ***
هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقدًا أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة الأضرحة يعني القبور سنة، لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور، أولاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظًا وتذكرًا بالآخرة، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن، الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر، وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول ﷺ يدعو لهم إذا زارهم: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها، سواء كان ذلك في النهار أو في الليل. وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض. ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة، وأقرب إلى إجابة الدعاء، وإلى حضور القلب وخشوعه. ***
فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا ندعي هذا السائل بصحة دعواه، أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، الوعي العقلي قلَّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، إلا الهمج الرعاع هؤلاء من الأصل. فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية، فالشرك في القبور وشبهها في ظني بأنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر، وهو: محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) . فسمى النبي ﷺ من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبدًا لها، فهي معبودةٌ له، أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا، حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جدًا إلى الدنيا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) . هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية: وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا. فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال، سواءٌ من أجل الدنيا أو من أجل الدين الصحيح. ***
يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن بناء المساجد على القبور محرم لعن النبي ﷺ فاعله، لعن ذلك وهو في النزع ﵊ حيث قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله ﵎، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور. وكذلك أيضًا لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين. والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر، ولا يجوز أيضًا أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعًا يجب هدمها والقضاء عليها. ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عمومًا أن يقوموا لله ﵎ مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين. ***
يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه هو أنه يجب عليك مناصحتهم وبيان أن هذا ليس فيه خير وليس فيه بركة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيه بركةً يتبرك بها الناس. وليعلم أن الإنسان قد يفتتن، أو قد يفتنه الله ﷿، فيأخذ من هذا التراب ويسقيه المريض أو يدهنه به فيشفى بإذن الله، فتنةً لهذا الفاعل، ويكون الشفاء عند هذا الفعل وليس بهذا الفعل، أي ليس الفعل سببًا ولكن حصل الشفاء عنده بإذن الله تعالى فتنةً واختبارًا، فإن الله ﷾ قد يفتن الإنسان بما يجعله يفعل المعصية؛ ليعلم ﷿ من الصادق في إيمانه ومن المتبع لهواه. والمهم أن عليك أن تنصح أهلك عما يفعلونه، وأن تبين لهم أن هذا أمرٌ لا حقيقة له، وأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ أن تراب الأموات يتبرك به. ***
هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضًا إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها بابًا من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: المساجد التي فيها قبور لا يخلو أمرها من حالين: الحال الأولى: أن تكون المساجد سابقة على القبر، بمعنى: أن المسجد قد بني ثم يدفن فيه ميت بعد بنائه، فهذا يجب أن ينبش القبر ويدفن الميت خارج المسجد في المقابر. والحال الثانية: أن يكون القبر سابقًا على المسجد، بمعنى: أنه يكون قبرًا ثم يبنى عليه مسجد، وفي هذه الحال يجب أن يهدم المسجد؛ لأنه محرم في هذه الحال، وما كان محرمًا فإنه لا يجوز إقراره، فيجب أن يهدم المسجد ويبقى القبر في مكانه، لكن لا يجوز أن يكون القبر على ما وصف السائل مرفوعًا مزخرفًا مبنيًا بالإسمنت؛ لأن هذا من تعظيم القبور وإشرافها، وقد قال علي لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) . وكذلك أيضًا من المنكر أن يصب عليه الطين، أو توضع عليه الزهور، أو يتبرك بترابه، أو نحو ذلك من الأمور المنكرة التي تكون وسيلة إلى الشرك، فإن وسائل الأمور تلحق بغاياتها، بمعنى: أنها تكون محرمة، وإن كانت لا تساويها في مقدار الإثم وفي الحكم، لكنه لا شك أن وسائل المحرم محرمة يجب البعد عنها. والله أعلم. ***
هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح ﵇ والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلًا، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول ﷺ أم أنه بدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إضاءة المقامات- يعني: مقامات الأولياء والأنبياء كالتي يريد بها السائل قبورهم- هذه الإضاءة محرمة، وقد ورد عن النبي ﷺ لعن فاعليه، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور لا في ليالي الاثنين ولا في غيرها، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله ﷺ. وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم فإن نذره محرم، وقد قال النبي ﵊: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) . فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر، ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ محل خلاف بين أهل العلم، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر. وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء، مثل: قبر صالح وموسى فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء، إلا قبر النبي ﷺ، فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم. وقد قال النبي ﷺ في قبر موسى: (إنه كان عند الكثيب الأحمر قريبًا من البلاد المقدسة. قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه) . وليس معلومًا مكانه الآن، وكذلك قبر إبراهيم الخليل ﵇، وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم، إلا النبي ﷺ فإن مكان قبره معلوم: دفن في بيته في حجرة عائشة ﵂. وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر، وأقبح من ذلك الذبح عندها، فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها، لا سيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر، فإنه إذا قصد ذلك صار مشركًا شركًا أكبر مخرجًا عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله ﷿، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة. ***
هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال من ناحيتين: الناحية الأولى: إثبات أن هؤلاء المقبورين من أولياء الله، فإنه لا يعلم هل هم من أولياء الله أو من أولياء الشيطان؟ لأن أولياء الله وصفهم الله تعالى بوصف من خرج عنه فليس من أولياء الله، فقال الله ﷾: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فلا نعلم حال هؤلاء المقبورين أهم متصفون بالإيمان والتقوى أم ليسوا متصفين بذلك؟ هذه واحدة، وعلى فرض أن يكونوا من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فإنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا، بل هم جثث هامدة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم هوام القبور فضلًا عن أن يدفعوا عن غيرهم المكاره والشرور، أو يجلبوا لغيرهم الخيرات والسرور، وقد قال الله ﵎ في كتابه: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وإذا كان أشرف الخلق وإمام الأولياء والمتقين محمد رسول الله ﷺ قد أمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) .فنقول لهؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات ويستغيثون بهم: إنكم ضالون ولا أحد أضل منكم؛ لأنكم تدعون من دون الله من لا يستجيب لكم إلى يوم القيامة، ونقول لهم: إنكم بدعائكم هؤلاء الأموات- وإن كانوا أولياء في اعتقادكم- أشركتم بالله ﷿، فإن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لايقدر عليه فإنه يكون مشركًا بالله ﷿، وهؤلاء الذين في القبور لا يقدرون أن يغيثوكم بشيء، ولا يقدرون أن يدفعوا عنكم شرًا، ولا أن يجلبوا لكم نفعًا، فعلى هؤلاء الذين يذهبون إلى القبور أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى ربهم، وأن ينزّلوا حاجاتهم بالله، فإن الله تعالى هو الذي قال في كتابه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالله تعالى هو المرجو لكشف السوء، وهو المدعو لطلب الخير، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) . فلا يقدر أحد على كشف السوء ولا على إجابة الداعي إلا الله ﷾ وحده لا شريك له، فنصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يقلعوا عما هم عليه من دعوة الأموات والاستغاثة بهم، حتى يحققوا بذلك التوحيد، وليعلموا أن من أشرك بالله فإن الله تعالى لا يغفر له ذنبه، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بواضح، هل هذا الولي حي؟ أو المراد قبر ولي؟ فإن كان المراد قبر ولي فلا شك أن عملهم هذا منكر، وأن الميت لا يفيد أحدًا شيئًا، ويجب عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يطلبوا الشفاء منه لا من أصحاب القبور. وأما إذا كان حيًا وأُوتي إليه بشيء يقرأ فيه ويدهن به المريض أو يشربه إن كان مما يشرب فإن هذا لا بأس به، ولكن يجب علينا أن نفهم من هو الولي؟ الولي من كان مؤمنًا بالله متقيًا لمحارم الله؛ لقوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا، ولا تُنال الولاية بالدعوى والتمسكن والتطامن كما يدعيه بعض الناس الذين يغرون العامة، فيتظاهرون بمظهر الأولياء وقد يكونون من الأعداء، وتعينهم الشياطين على مرادهم، فيظن العامة أن ما حصل كرامة وهو في الحقيقة إهانة. لذلك يجب علينا أن نحذر أمثال هؤلاء الأدعياء، وألا نغتر بظاهرهم وتمسكنهم؛ لأنهم يخدعون العامة بهذا المظهر. ***
المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيرًا مما صنعوا، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد، سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها، فإن فعلوا بأن بنوا مسجدًا على قبر من يرونه وليًا أو صالحًا فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه مسجد محرم؛ لنهي النبي ﷺ عن اتخاذ القبور مساجد. أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولًا ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المسجد تعيَّن للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة، هذا هو الحكم في هذه المسألة. وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل، وهو قوله: ما حكم الشرع في كذا وكذا؟ فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب؛ لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل، ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال: ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم؟ وما أشبه ذلك، أو يقول صيغة ثانية: ما رأيكم في كذا وكذا؟ حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله ﷿، وهذا يرد كثيرًا في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم، ويرد أحيانًا في الكتب المؤلفة، فتجد الكاتب يقول: نظر الشرع كذا وكذا، حكم الإسلام كذا وكذا، مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده، وقد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، أما إذا كان الأمر أو إذا كان الحكم حكمًا منصوصًا عليه في القرآن واضحًا فلا حرج أن تقول: حكم الشرع الحكم كذا وكذا، كما لو قلت: حكم الإسلام في الميتة أنها حرام؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) . حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وما أشبه ذلك. وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم، وعند كتابة الأحكام في المؤلفات، وكذلك في الخطب والمواعظ: أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصًا عليه نصًا صريحًا بينًا، وإلا فيقالُ: فيما أرى، أو يقول: يحرم كذا مثلًا، أو: يجوز كذا بدون أن يقول: إن هذا حكم الإسلام؛ لأنه قد يخطئ فيه. ولهذا كان بعض أهل العلم، بل كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه، وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل ﵀، يقول: أكره هذا، أو لا يعجبني، أو: لا أراه، أو: هو قبيح، أو ما أشبه ذلك، تحرزًا من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح. ***
هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركًا بالله هذا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور؛ لأن النبي ﷺ يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجدًا على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجدًا على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهومًا لا محققًا، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي ﵁، فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدري كيف كان الحسين ﵁ رجلًا واحدًا ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء ليس بمعقول، فالحسين بن علي ﵁ الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مُخفَىً خوفًا عليه من الأعداء، كما أخفي قبر علي بن أبي طالب ﵁ حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة، خوفًا من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال: إنها مبنية على قبور بعض الأولياء، نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيدًا عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور، وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سببًا لقبول صلاتهم وكثرة ثوابهم فإن هذا وهْمٌ خاطئ، بل إن النبي ﷺ نهى عن الصلاة إلى القبور فقال: (لا تصلوا إلى القبور) . وكذلك قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) . فالقبور ليست مكانًا للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبدًا إلا صلاة القبر على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى على القبر، على كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك، وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له، وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان، حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد: فإن كان الإنسان يعتقد أنها وَهْم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبرًا، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر. ***
يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء فأجاب رحمه الله تعالى: حكمها أنها محرمة، ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته. ***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله ﷾ يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من صيغة السؤال أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد جاء في القرآن؛ لأنه قال: إن الله يخاطب المؤمنين بتجنب، فظاهر سؤاله أن ذلك في القرآن، والأمر ليس كما ظن إن كان قد ظنه، فهذا ليس في القرآن، لكن النبي ﷺ لعن المتخذين القبور مساجد، فجاء ذلك في السنة. ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد من كبائر الذنوب، ولكن إذا وجد قبر في مسجد: فإذا كان المسجد مبنيًا على القبر وجب هدمه وإزالته، وإن كان القبر موضوعًا في المسجد بعد بنائه وجب إخراجه من المسجد، فإذًا الحكم للأول منهما إن كان الأول هو المسجد فإنه يزال القبر، وإن كان الأول القبر فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يرد على هذا ما استشكله كثير من الناس بالنسبة لقبر النبي ﷺ وقبري صاحبيه الموجودين في المسجد النبوي، وذلك لأن المسجد لم يُبنَ عليهما، المسجد كان مستقلًا، وهذه كانت حجرة لعائشة ﵂ دفن فيها النبي ﷺ حيث قبض، واختار أبو بكر أن يدفن معه، وكذلك عمر ﵄، وقصة عمر في مراجعة عائشة في ذلك مشهورة. أقول: لا يرد على ذلك؛ لأن هذه الحجرة كانت منفصلة متميزة عن المسجد، ولم يقبر النبي ﷺ ولا صاحباه في المسجد، ولم يُبنَ عليهما أيضًا، لكن في زمن الوليد وفوق التسعين من الهجرة احتاج المسجد إلى زيادة، فرأى الولاة في ذلك الوقت أن يضاف إليه حجر زوجات النبي ﷺ ومن جملتها حجرة عائشة ﵂، إلا أن الحجرة بقيت منفصلة متميزة عن المسجد ببنايتها. على أن من الناس في ذلك الوقت من كره هذا الأمر ونازع فيه ولم يوافق عليه، وقد ذكر أهل العلم أن أكثر الصحابة ﵃ لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت في المدينة، وأن الموجود من الصحابة في ذلك الوقت كانوا نازحين في البلاد الإسلامية التي فتحت، وعلى هذا فالمسالة- أي: إدخال الحجرة في المسجد- ليست موضع اتفاق من الناس في ذلك الوقت، إلا أنها بقيت ولم تغير؛ لأن تغييرها صعب، فلذلك أبقوها كما هي والحمد لله منفصلة عن المسجد، ولم توضع القبور داخل المسجد، ولا المسجد بني عليها. ***
يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجدًا على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان خارجًا عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلىن، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة- بكونه أي: المسجد حول المقبرة- فهذا لا بأس به، فأما إذا بني في جانب منها أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل فهذا لا يجوز. ***
التصوير
ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علمًا بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز، وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن، هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف، لكن الجمهور على أنها جائزة. أما ما لا يمتهن، سواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها فإنه لا يجوز، ولا يحل للمرء اقتناؤه، فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم وغيرها أو غيرها هذه لا تجوز، ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيبًا له أو صديقًا له في يومٍ من الأيام قد يكون يومًا من الأيام بغيضًا لك، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض، وقد قيل: أحبب حبيبك هونًا ما فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما. على كل حال هذه الذكرى لا تنبغي، والإنسان عبارة عن ابن وقته، والأحوال تختلف وتتغير، فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور، بل ولا يجوز أن يحتفظ بها. وأما التصوير فنوعان: أحدهما: أن يكون باليد بتخطيط اليد، بمعنى: أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلًا من وجهٍ ويدين إلى آخره، فهذا لا يجوز، وهو الذي لعن النبي ﷺ فاعله، وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذابًا. وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم، وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويرًا فعليًا من المصور في الحقيقة، بل هو ناقلٌ للصورة وليس مصورًا، وليس كالمصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله ﷿ وتصوير الله، وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوَّره الله ﷾ بواسطة الضوء فبينهما فرق. ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: انقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصورًا والكتابة هذه كتابتي. لكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فالكتابة كتابة الأول، كتابة صاحب الخط الأول، ليست كتابة الذي صور بالآلة المصورة، فهذا مثله تمامًا. وهذا هو الذي نرجحه: أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية، فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به، يعني: لا بأس بالتصوير للتابعية وشبهها، ومع هذا- مع قولنا بالجواز، أو مع ترجيحنا للجواز- نرى أن اللائق للمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع؛ لما في ذلك من الشبهة، فإن بعض أهل العلم يرون أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية يرون أنه حرام، وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة. ***
أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلًا إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: البصمة الإحاطة بها صعبة جدًا؛ لأنه لا يعرفها إلا أفرادٌ من الناس، وبشرط أن توضع البصمة على قدرٍ معين من الحبر أو شبهه؛ لأنه إذا زاد لم تنضبط العلامة، وإذا نقص كذلك لم تنضبط. فمن أجل هذا نرى أن استعمال البصمة بدلًا من الصورة قد تكون أعظم وأشق؛ لأن الإنسان ربما يضرب على الورقة ببصماته عدة مرات فلا يمكن ضبطها، ثم هي عرضة أيضًا لأن تطرأ عليها حكٌ أو شبهه، فإذا تغيرت أدنى تغير لم يحصل بها فائدة. فلا نرى أن مثل هذه الوسيلة تكفي عن وسيلة التصوير. ***
تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذان سؤالان، السؤال الأول البكاء على الميت: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين: قسم بمقتضى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه، فهذا لا يعذب به الميت. وقسم آخر يكون متكلفًا ويرخي الإنسان لنفسه العنان في الاستمرار في البكاء، فهذا يعذب به الميت في قبره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، لكن هذا التعذيب ليس عقوبة، وإنما هو بمعنى التألم والتوجع؛ لأن العذاب قد يطلق على هذا، كما في قول الرسول ﷺ: (إن السفر قطعة من العذاب) . وأما الاحتفاظ بصور الميت فلا يجوز، بل الواجب إحراقها من حين أن يموت؛ لأن تعلق النفس بالميت أشد من تعلقها بالحي، ويخشى أن الرجل يذهب يطالع صورة الميت ليتجدد حزنه وأسفه عليه، وإن كان معظمًا فربما يعلق صورته في الجدار فيحصل بذلك ضرر ومفسدة، لهذا أرى أنه من حين أن يموت الميت يجب أن تحرق صوره كلها ولا تبقى. ***
رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور التي تحفظ كما يقولون للذكرى نرى أن الاحتفاظ بها حرام، لا سيما إذا كانت صور أموات، وأن الواجب إحراقها وإزالتها؛ لأنها صورة حقيقة، وإذا كانت صورًا حقيقة فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، وإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة يراد به التحذير من اقتناء هذه الصور. فنصيحتي لهؤلاء الأخوات السائلات أن يحرقن ما عندهن من هذه الصور، وألا يعدن لأمثال ذلك. ***
من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة، أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله ﷿، وفي الحديث الصحيح (أن رسول الله ﷺ لعن المصورين)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضًا أن الله تعالى قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) . وفيه أيضًا في الحديث الصحيح: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، والأدلة في هذا كثيرة. ومن التصوير- على القول الراجح- المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه، وهو كبيرة من كبائر الذنوب. أما التصوير بالآلة الفوتغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير، وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا فنرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا: ما أجود هذا المصور وما أحذقه لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صور فقالوا: ما أحسن هذا ما أحذق هذا! فدل ذلك على الفرق بين من يرسم الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية. ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتابًا بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة، وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون يتولى هذا رجلٌ أعمى، أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط الرجل الآخر فجاء يقلد آخر حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقًا للرسم. ومن هذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويرًا ينسب إلى الفاعل ولا يقال إن هذا مضاهئٌ لخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئًا والقول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمرًا محرمًا؛ لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شي محرم كانت حرامًا؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمثلًا لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون؛ لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) . ***
ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علمًا بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها أي طمس وجوهها ورؤوسها فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس: حقيقة الإنسان تعرف برأسه، عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه، فعلى هذا فالواجب أن يطمس الرأس والوجه، هذا إذا تمكن، أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة، فلهذا نرى أنه لا بأس به إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها. ***
رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقًا فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال، نعم تعليقنا عليها أن الصور لا تجوز إلا إذا كانت في أمور ممتهنة كالمخاد والفرش وشبهها، وإلا فلا يجوز اقتناؤها لا في الرسائل ولا في تعليقها على الجدران ولا في حفظها في ألبوم الذي يسمونه ألبوم، ولا غير ذلك. ***
ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها مادامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولًا أو أسودًا أو جمالًا أو غير ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة)، وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه، فعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته. وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم، وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه، وأنه لا ينبغي لعاقل فضلًا عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته. والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها، فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثمًا، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام؛ لقول النبي ﷺ: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) . فلا يجوز استيرادها ولا إيرادها، ولا بيعها ولاشراؤها، ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض؛ لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان، والله ﷿ يقول لعباده: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وكذلك أيضًا يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها؛ لأن تعليق الصور رفع من شأنها، فيدخل في عموم قول النبي ﷺ: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) . وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافًا بين أهل العلم هل يحرم أو لا؟ وجمهور أهل العلم على حله، فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشًا ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن، ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس. ***
يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح فهي محرمة لا تجوز؛ لأن النبي ﷺ ثبت عنه أنه لعن المصورين، وثبت أيضًا عنه أنه قال: قال الله ﷿: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)؟ وهذا محرم. أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس بها وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح. ***
المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك. ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يرسم صور الشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها مما خلق الله ﷿، ويجوز أن يحرص على دقة تصويرها حتى تكون كأنها منظر طبيعي، لكن بشرط أن لا يكون فيها صور من ذوات الأرواح كالإنسان والبهائم، وذلك لأن تصوير الإنسان والبهائم محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ (لعن المصورين، وأخبر أن من صور صورة فإنه يُجعل له بها نفس يعذب بها في جهنم) . وقال ﷺ: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله) . وأخبر ﷺ (أنه يقال لهم -تحديًا وتعجيزًا-: أحيوا ما خلقتم) . فلا يجوز للإنسان أن يصور ما فيه روح من بشر أو غيره، سواء صورها مستقلة أو صورها داخل هذه المناظر التي ذكرتها السائلة، وهي من كبائر الذنوب- أعني: التصوير لذوات الأرواح من كبائر الذنوب-؛ لأن النبي ﷺ رتب عليه اللعنة، ومن فعل من ذلك شيئًا فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يمزق أو يحرق ما صوره حتى لا يبوء بإثمه، وأما ما ليس فيه روح فلا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح، وإذا جاز أن يصور ما ليس فيه روح من الأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال والبيوت وما أشبهها جاز أن يعلقها على بيته وينظر إليها ويهديها إلى غيره، لكن ينبغي أن لا يسرف في هذا فيصرف الأموال الكثيرة في شراء مثل هذه المناظر وتعليقها على الجدر أو إهدائها إلى غيره، فإن الإسراف حرام؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) . ***
المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في تحنيط الطيور- بعد أن تذبح ذبحًا شرعيًا، الأصل- أنه جائز، لكن إذا كان في ذلك إضاعة للمال فإنه قد يمنع منه من هذه الناحية؛ لأن النبي ﷺ (نهى عن إضاعة المال)، وإضاعة المال صرفه في غير فائدة. أما إذا كان هناك فائدة مثل إطلاع الناس على مخلوقات الله ﷿ التي تدل على تمام قدرته ﷾ وكمال حكمته فإن هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة، وأخشى أن بعض الناس يشتري هذه الحيوانات المحنطة بثمن كثير باهظ مع أنه قد يقصر على أهله ومن تلزمه نفقتهم، فيدع أمرًا واجبًا لأمر ليس بواجب، بل لأمر ليس فيه إلا إضاعة المال. ***
هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث، لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة، وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي وهذا في الصور المرسومة، وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم وإن كان الجسم أكثر؛ لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي. ويدل على ذلك على العموم، وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيمًا أو كان تلوينًا عمومًا، لعن النبي ﷺ للمصورين، فعموم لعنه للمصورين يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة، والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط. ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن: أن يكون بعيدًا عن الشبه. ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص، لا في اتباع الأشد؟ نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد، لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا فالأحوط الأخذ بعمومه، وهذا ينطبق تمامًا على أحاديث التصوير، فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنسانًا ولا حيوانًا آخر؛ لأنه داخلٌ في لعن المصورين. ***
السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله ﷿ مما صنعت، وأن تحرق جميع الصور التي تحتفظ بها الآن؛ لأنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى، فعليك أن تحرقها من حين أن تسمع كلامي هذا. وأسأل الله لي ولك الهداية والعصمة مما يكره. ***
بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتبًا فيها صور فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذاكر في المسجد أن يذاكر الدروس التي ليس فيها صور، وذلك لأنه إذا أحضر صورة إلى المسجد فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، لكن هذه الصور التي تكون في المقررات غالبها يكون قد أغلق عليه الكتاب، فهو غير ظاهر ولا بارز، ثم إن بعضًا منها يكون فيه صورة الرأس فقط دون بقية الجسم، والصورة التي تحرم إنما هي ما يعرف أنها صورة لوجود الجسم كله أو غالبه. ***
المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكورًا بالإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم، فإن عائشة ﵂ (كان لها بنات- أي: لعب تلعب بهن- في عهد النبي ﷺ، وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة، وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه ولا حرج فيه، والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة، فتجعل لها فراشًا ووسادة، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها، وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات، وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية، ولا شك أن هذا يعطيها تعليمًا لتربية الأولاد في المستقبل، ويعطيها أيضًا حنانًا على من يكون طفلًا لها حقيقة، ويعطيها تسلية وفرحًا وسرورًا، ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل، فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه. أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة، لها رأس وأنف وعين، وربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك، فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة، بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه، ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية. ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلًا بعموم الحالات لا بعموم اللفظ؛ لأنه ليس هناك لفظ عام؛ لأن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة، ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها. ***
يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الصور المجسمة للحيوانات التحريم، وأنه لا يجوز اقتناؤها لا للصغار ولا للكبار، وإذا لم يجز اقتناؤها لم يجز بيعها وشراؤها؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، لكن بعض أهل العلم رخص في لعب البنات الصغيرة تتخذ للبنت الصغيرة، من أجل أن تتعود على تربية البنات فيما لو رزقها الله تعالى بنتًا، فمنهم من قال: إن هذه الصور المرخص فيها يجب أن لا تكون على شكل الصورة الحقيقية فلا يكون لها عينان ولا أنف ولا شفتان ولا وجهٌ إلا مطموسًا كالظل، ومنهم من قال: إنه لا بأس أن تكون الصورة التي ستلعب بها البنت على شكل الصورة الحقيقية؛ لأن المقصود حاصل بهذا وبهذا. وأنا لا أشدد في هذه المسألة، فأقول: إن تمكن أولياء البنت الصغيرة أن يأتوا لها بلعبٍ ليس لها وجه بين فهي كالظل فهو أولى وأحسن، أما صور الحيوانات الأخرى كالخيل والطيور وما أشبهها فالأصل منعها وعدم جوازها، جواز اقتنائها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها وشراؤها. ***
فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تمامًا حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيرًا فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثمًا؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيرًا في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل. ***
هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصور التي ليس لها رأس فلا بأس بإلباس الصبي منها، أي من الثياب التي فيها هذه الصور، وكذلك الرأس بلا جسم، إلا إذا كان الرأس من المعظمين في الكفر أو في الفسوق أو في الفجور، فإنه لا يجوز تعظيم هؤلاء ولا إحياء ذكراهم؛ لأنهم من دعاة الشر. لكن إذا كانت رأس إنسان مجهول لا يعلم من هو وليس فيه فتنة فلا بأس به بإلباس الصبي ثيابًا من هذا النوع. وأما الصور الكاملة فإنه لا يجوز إلباس الصبي من الثياب التي فيها هذه الصور، وقد ذكر العلماء ﵏ أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ. أما كيف التخلص منها؟ التخلص سهل: أن لا يشتريها الإنسان، أن يقاطعها الناس، وإذا قاطعها الناس لن ترد على بلادنا؛ لأنها لم ترد إلا حين شغف الناس بها وصاروا يستعملونها، فلو هجرت ولم تستعمل ما وردت إلى البلاد. فإذا قيل: لا نجد في السوق ثيابًا جاهزة إلا وفيها هذه الصور؟ قلنا: لكن يوجد والحمد لله في السوق قطع من القماش لم تفصل بعد، فيشتري الإنسان قطعة ويفصلها عند الخياط على قدر الحجم الذي يريده. ***
ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل حقيقة في هذا السؤال، المسألة الأولى: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟ فهذه محل نظر: فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار- كما ورد أن عائشة ﵂ كانت تلعب بالبنات في عهد النبي ﷺ، وكانت صغيرة، والرسول ﵊ لم ينهها- قال: إن أخذها بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيرًا من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. أما المسألة الثانية فهي: تعليق هذه أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) . فعلى المرء أن يتقي ربه، وأن يبعد عن هذه السفاسف. ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء مَن نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان، حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الأرفف للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رؤوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها. أما المسألة الثالثة فهو: بيع هذه الصورة المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام، وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضيًا إلى محرم فإنه محرم، كما أنه هي- يعني: وجودها في المكان، ولو لعرضها للبيع والشراء- يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة. فضيلة الشيخ: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسمى بالعرائس مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يدخل في ذلك، كما ذكرت لك أن العلماء اختلفوا في جوازها نظرًا لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقال بعضهم: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية تمنع من إلحاقها بالبنات التي كانت تلعب بها عائشة، ومادامت المسألة في هذه الحال فإننا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع. ***
السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علمًا بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذه الصور لا تمنع دخول الملائكة، وذلك لأنها غير مقصودة ولا مأبوه بها، والإنسان لا يهتم بها ولا بالنظر إليها، ووجودها وعدمها عنده سواء. فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي هي فيه؛ لأن امتناع دخول الملائكة فيه نوع عقوبة على صاحب البيت، ولا عقوبة على شيء لا يحرم عليه. ومع ذلك فالتنزه عنها أولى والبعد عنها أولى، ولكننا لا نقول: إن ذلك حرام- أي: إن بقاءها في البيت حرام- لما أشرنا إليه آنفًا من أنها غير مقصودة، والتحرز منها فيه مشقة على الناس، ودخول الملائكة البيت إذا لم توجد فيه هذه الصور لا إشكال فيه، لكن إذا وجدت فيه هذه الصور ففيه إشكال، ولكن الظاهر والله أعلم أنها لا تمتنع من دخوله؛ لأن اقتناءها على هذا الوجه ليس مقصودًا به الصورة. ***
وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التقاط الصور التذكارية إذا كانت صور آدميين فإنه لا يجوز، أو حيوانات كالإبل مثلًا فإنه لا يجوز؛ لأن فيه اقتناءً للصور، والنبي ﷺ أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، إلا ما استثني من الصور، وهو: ما اتخذ فراشًا ومخدة وما أشبه ذلك مما يمتهن، وأما هذه الصور التذكارية للحيوانات والإنسان فإنها لا يجوز اقتناؤها في كل حال. وأما إذا كانت الصور التذكارية للكعبة مثلًا أو لجبال منى أو لجبل عرفة أو لمسجد نمرة أو لمسجد المزدلفة أو لمسجد الخيف في منى فإن هذا لا بأس به، ما لم يؤد ذلك إلى محظورٍ شرعي، فإن أدى ذلك إلى محظور شرعي فإنه لا يجوز، وإلا فالأصل الإباحة. فضيلة الشيخ: هل مثل الصور لهذه المساجد لابد أن يكون فيها رجال أو نساء أو مخلوقات؛ لأنها لا يتصور أن تخلو من الناس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من الممكن إذا ظهرت الصورة وفيها صور آدمي أن يطمس وجوهها، وحينئذ تبقى سليمة. ***
البدعة
المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة الشرعية- أعني: التي تكلم عنها الشرع- هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، هذه هي البدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب في الناس يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها)، فدل هذا على أن المحدثة كل ما خالف السنة وهدي النبي ﷺ، فإذًا البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. مثاله في العقيدة: ما ذهب إليه أهل التعطيل الذين أنكروا كثيرًا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، مثاله قول الله ﵎: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) قالوا: نحن لا نتعبد لله بأن الله يجيء بنفسه، ولا نعتقد بذلك، بل عقيدتنا أن الذي يجيء أمره، فيفسرون قول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) بأن المراد جاء أمر ربك، ويعتقدون أن الجائي هو أمر الله لا الله، هذه بدعة؛ لأن الله تعالى لما خاطبنا بقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وكان القرآن نزل بلسان عربي مبين فإن مقتضى هذه العبارة في اللسان العربي المبين أن يكون الجائي هو الله لا غيره، ويكون المشروع لنا أن نؤمن بأن الله يجيء هو بنفسه، فإذا اعتقدنا أن الذي يجيء أمره، وأن معنى (وَجَاءَ رَبُّكَ): وجاء أمر ربك، هذا بدعة بلا شك، وكل بدعة ضلالة. كذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) معناها: علا العرش كما يليق بعظمته وجلاله، وذلك أن هذا الفعل استوى إذا عدي بعلى صار معناه العلو على الشيء، كما قال الله تعالى لنوح: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ركبت عليه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنِ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي لتعلوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا علوتم عليه. وقال الله تعالى: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) يعني سفينة نوح، أي: استقرت عليه، على الجبل المعروف بالجودي. هذا معنى هذه الكلمة في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية بلسان عربي مبين: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي صيرناه باللغة العربية حتى تعقلوه، ولو تكلم الله به باللغة الفارسية وهو يخاطب العرب لكان هذا خلاف البيان، فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى) أي: على العرش علا، لكنه ليس كعلونا على ظهور بهيمة الأنعام أو على الفلك، أو كعلو السفينة على الجودي، لا؛ لأنه استواء مضاف إلى الله ﷿، فيكون استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل استواء المخلوق على المخلوق، يعني الله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . فيأتي الإنسان ويقول: أنا لا أعتقد أن الله استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولكني أقول: استوى على العرش أي استولى عليه، فأنا أومن بأنه مستولٍ على العرش لا مستوٍ عليه. فنقول: هذا بدعة؛ لأن الله تعالى لم يخاطبك لتؤمن بأنه مستولٍ على العرش، إنما خاطبك لتؤمن أنه مستوٍ عليه، فقد تعبدت لله بما لم يشرعه، واعتقدت في الله ما لم يرد بهذه الآية الكريمة. هذان مثالان من البدعة، والأمثلة عن هذا كثيرة: كل من خالف ظاهر الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله أو فيما يتعلق بأمور الغيب عامة بدون دليل شرعي فإنه مبتدع. وأما البدعة في الأقوال فحدث ولا حرج: كثير من الناس يبتدع أقوالًا لم تكن مشروعة، إما في القدر، أو في الجنس، أو في الوقت، أو في السبب. وذلك لأن العمل لا يكون عبادة حتى يوافق الشرع في أمور ستة: في جنس العمل، وفي قدره، وفي كيفيته، وفي سببه، وفي زمانه، وفي مكانه. حتى لو ذكرت الله ﷿ في غير موضع مشروع فيه الذكر لكنت مبتدعًا، لو كنت إذا أردت أن تأكل قلت: لا إله إلا الله، تتعبد لله بها كما يتعبد الآكل بقوله: باسم الله لقلنا لك: أنت مبتدع. قلت: كيف أكون مبتدعًا وأنا أذكر الله؟ لا إله إلا الله كلمة الإخلاص. نقول: نعم ليس هذا مكانها، فأنت لم توافق الشرع في مكان العبادة هذه فتكون مبتدعًا. لو أن الإنسان ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى قبل الصلاة متعبدًا لله بذلك، مع علمه بأن المشروع في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالعبادة في غير وقتها. ولو وقف بعرفة في غير يوم عرفة متعبدًا لله بهذا الوقوف لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالوقوف في غير زمنه. ولو حبس الإنسان نفسه على طاعة الله لكن في حجرة من بيته يريد بذلك الاعتكاف قلنا: هذا مبتدع؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في المساجد؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) . وكذلك الأفعال البدع فيها كثيرة حدث ولا حرج، لهذا نقول: القاعدة العامة في البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، فإذا قال قائل: هل كل البدع مذمومة؟ نقول: نعم كل البدع مذمومة؛ لقول أعلم الخلق وأصدق الخلق وأنصح الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعة ضلالة)، كل بدعة هذه جملة من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ، صادرة ممن هو أعلم الخلق بشرع الله وأصدق الخلق فيما يقول وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق في نطقه قال: (كل بدعة ضلالة)، ولم يقسمها إلى بدعة حسنة ولا بدعة سيئة، كل بدعة ضلالة، والضلالة سوء بلا شك، وأعتقد أنه لو كتبت هذه الجملة في كتاب وكتب في كتاب آخر: البدعة نوعان أو ثلاثة أنواع، لكان الذي يحكي الأقوال سيقول: قال فلان: كل بدعة ضلالة، وقسمها فلان إلى أقسام فجعل القول الأول مقابلًا للقول الثاني، ولم يجعل الثاني تقسيمًا للأول، بل جعله قسيمًا له. فإذا كان هذا يحصل في كلام العلماء بعضهم مع بعض أن من قال: كل بدعة ضلالة، فليس هو كقول من قال: إن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، بل هو قول مقابل له قسيم له، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- وهو الحاكم على كل قول من البشر- قال: (كل بدعة ضلالة) بدون تفصيل ولا تقسيم. ولهذا نقول فيمن قسم البدعة إلى قسمين: حسنة وسيئة، نقول: هذا التقسيم خطأ؛ لأنه مصادم للنص، وما صادم النص فهو فاسد مردود على صاحبه. ولهذا قال العلماء: إن القياس إذا خالف النص فهو فاسد الاعتبار. ثم نقول لهذا الذي قسم البدعة إلى قسمين أو أكثر: إما أن يكون ما ذكرته ليس ببدعة، فينتفي عنه وصف البدعة، ثم قد يكون حسنًا وقد يكون سيئًا؛ وإما أن يكون بدعة ولكنه ليس بحسن، وظنك أنه حسن ظن خاطئ؛ لأنه مصادم للنص. فإن قال قائل: أليس قد روي عن عمر ﵁ أنه حين وجد الناس في رمضان في القيام على إمام واحد خرج ذات ليلة فقال: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى صح ذلك عن عمر، ولكن عمر ﵁ سماها بدعة باعتبار ما سبقها من تفرق الناس، وإلا فهي سنة، فقد ثبت أن رسول الله ﷺ صلى بأصحابه جماعة في رمضان ثلاث ليال، ثم تركها وقال: خشيت أن تفرض عليكم. فلما زال هذا المحظور- وهو: أن تفرض علينا- صارت إعادتها سنة، فهو في الحقيقة تجديد سنة ليس إحداث سنة، فهي بدعة إذًا باعتبار ما سبق من كون الناس يصلون أوزاعًا. فإن قال قائل: لماذا غفل عنها أبو بكر وعمر في أول خلافته؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أبو بكر ﵁ مدة خلافته قصيرة، هي سنتان وأربعة أشهر وأيام، وكان ﵁ مشغولًا بشؤون المسلمين التي هي أكبر من هذا، أكبر من أن يجتمعوا في رمضان على إمام واحد؛ لأن أصل قيام رمضان سنة، ثم الاجتماع عليه سنة، فهو سنة في سنة، وأبو بكر مشغول بأمور المسلمين العامة داخل المدينة وخارج المدينة، فلا غرابة ألا تطرأ هذه على باله لا في خلافته ولا في خلافة عمر، وبهذا بطل تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول النبي ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)؟ فنقول: البدعة داخلة في قوله: ومن سن في الإسلام سنة سيئة، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) . إذًا فمن ابتدع في الدين شيئًا فقد أساء، فيدخل في الجملة الثانية: (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)،أما الجملة الأولى: (من سن في الإسلام سنة حسنة) فيراد بها أمران: الأمر الأول: أي من بادر إلى فعلها، فيكون السن هنا بمعنى الامتثال؛ لأن الإنسان إذا امتثل فتح الطريق للناس، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك حين حث المسلمين على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال ﵊: (من سن في الإسلام سنة حسنة) . وهذا واضح في أن المراد من ابتدأ العمل بأمر مشروع فإنه يعتبر سانًّا له، أي قد سن الطريق للناس أن يقتدوا به، وهذا معروف بالفطرة والعادة: أن الإنسان يتأسى بغيره، وإذا رأى فلانًا فعل فعل مثله، أي يحمل على أن المراد: من سن في الإسلام سنة حسنة أي: من سن شيئًا من الوسائل التي يكون فيها تحقيقٌ للمصالح الشرعية، فهذه سنة لا شك. مثلًا سن تأليف الكتب، وتأليف الكتب غير موجود في عهد الرسول ﵊، نفس القرآن ليس مكتوبًا على هيئته اليوم في عهد الرسول ﵊، أخذ من صدور الرجال ومما كتب في عسب النخل واللخاف- وهي: الحجارة الخفيفة- وما أشبه ذلك، لكن جمع في مصحف في عهد عثمان في مصحف واحد، هذه سنة حسنة؛ لأنها وسيلة لاجتماع الناس على أمر مشروع. بناء المدارس غير موجود في عهد الرسول ﵊، وإن كان فيه الصفة لفقراء المهاجرين، لكن على الشكل المعهود؟ لا، هذه من السنة الحسنة؛ لأنها وسيلة من باب الوسائل إلى تحصيل أمر مشروع، فهذا هو الذي يحمل عليه قول الرسول ﵊: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولا يمكن أن يراد بها: من شرع شريعة لم يشرعها الله ورسوله؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لكان يناقض قوله ﵊: (كل بدعة ضلالة)، وكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفسر بعضه بعضًا. وإنما أطلت في جواب هذا السؤال لأنه مهم، ولأن كثيرًا من الناس قد تشتبه عليه بعض النصوص وكيفية الجمع بينها، فكان لابد من الإيضاح. ثم إني في ختام هذا الجواب أقول لإخواني- وأخص بذلك طلبة العلم-: إذا جاءتهم نصوص مشتبهة تحتمل معانيَ متعددة، سواء كانت من القرآن أو من السنة فإن الواجب حملها على المحكم الواضح الذي لا اشتباه فيه، فتحمل على الاحتمال الذي يوافق ذلك المحكم وتلغى الاحتمالات الأخرى، حتى ولو كان احتمال هذا النص المشتبه لهذه الاحتمالات على حد سواء، فإن النصوص المحكمة ترجح أحد الاحتمالات وهو ما وافق النصوص المحكمة. وهذه الطريقة- أعني: رد المتشابه إلى المحكم- هي طريقة الراسخين في العلم المؤمنين بالله وكتبه، يقول الله ﷿: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) منه: أي بعضه، فمن هنا للتبعيض، آيات محكمات: أي لا اشتباه فيها، هن أم الكتاب: أي مرجع الكتاب الذي يجب أن يرد إليه ما تشابه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فيها احتمالات. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ويأتون بالمتشابه ليضربوا القرآن بعضه ببعض فيجعلوه متشابهًا. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يعني وأما (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكمًا (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعني: فلا تناقض فيه (ومَا يذكرُ إلا أولوا الألباب)، فهناك آيات مشتبهة تشتبه على القارىء، قد تشتبه على طالب العلم الذي لم يدرك، لكن الواجب رد هذه المتشابهات إلى المحكم لتكون محكمة. ولا حاجة أن أذكر شيئًا من الأمثلة على ذلك، أخشى أن يطول بنا الوقت أكثر مما ينبغي أن يستوعبه السامع، وأسأل الله أن يميتنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فضيلة الشيخ: متى ظهرت البدعة ومتى عرفت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة ﵃، لكنها تجدها بدعًا في مسائل معينة، ثم انتشرت حتى وصلت إلى العقيدة في الله ﷿. ظهر في عهد الصحابة ﵃ بدعة القدر، وهو: إنكار قدر الله ﷿ فيما يتعلق بأعمال المخلوق، وجاءت بدعة الإرجاء، ثم جاءت بدعة جهمية: إنكار الصفات أو بعضها. ومن أراد أن يستزيد من ذلك فليرجع إلى مظانه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم. ***
ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة: كل شيء يأتي به الإنسان لم يسبقه إليه أحد. هذه البدعة، هذا في اللغة، سواءٌ كان في العادات أو في المعاملات أو في العبادات. ولكن البدعة الشرعية المذمومة هي البدعة في العبادات، بأن يتعبد الإنسان لله ﷿ بما لم يشرعه، سواءٌ كانت هذه العبادة تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح. فالبدعة شرعًا هي التعبد لله بما لم يشرعه. هذه البدعة شرعًا. وبناءً على ذلك فنقول: إذا كان الشيء يفعل لا على سبيل التعبد، وإنما هو من العادات، ولم يرد نهيٌ عنه فالأصل فيه الإباحة، وأما ما قصد الإنسان به التعبد والتقرب إلى الله فإن هذا لا يجوز إلا إذا ثبت أنه مشروع. هذه هي القاعدة في البدعة. وأما تقسيم بعض العلماء ﵏ البدعة إلى أقسام فإن هذا التقسيم لا يرد على البدعة الشرعية؛ لأن البدعة الشرعية ليس فيها تقسيم إطلاقًا، بل هي قسمٌ واحد حدده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (كل بدعةٍ ضلالة) . وجميع من يعرف اللغة العربية وأساليبها يعلم أن هذه الجملة جملةٌ عامة شاملة لا يستثنى منها شيء، كل بدعةٍ ضلالة، والقائل هو رسول الله ﷺ، وهذه من قواعد الشريعة. ولكن إذا ظن ظانٌ أن هذه بدعة وأنها حسنة فهو مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنها ليست ببدعة وهو يظن أنها بدعة، كما لو قال: تصنيف السنة وتبويبها هذا بدعة لكنه بدعةٌ حسنة، أو قال: بناء المدارس بدعة لكنه بدعةٌ حسنة أو ما أشبه ذلك، نقول: أنت أخطأت في تسمية ذلك بدعة؛ لأن فاعل ذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بنفس الفعل، لكن يتقرب إلى الله بكونه وسيلةً إلى تحقيق أمرٍ مشروع. فتصنيف الكتب مثلًا وسيلة إلى تقريب السنة وتقريب العلم، فالمقصود أولًا وآخرًا هو السنة وتقريبها للناس، وهذا التصنيف وسيلة إلى قربها إلى الناس فلا يكون بدعةً شرعًا؛ لأنك لو سألت المصنف قلت: تصنف هذا الكتاب على أبواب وفصول تتعبد إلى الله بهذا التصنيف، بحيث ترى أن من خالفه خالف الشريعة؟ أو تتقرب إلى الله تعالى بكونه وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي، وهو: تقريب السنة للأمة؟ سيقول: إني أقصد الثاني لا أقصد الأول. وبناءً على هذا نقول: إن تصنيف الكتب ليس ببدعةٍ شرعية، كذلك أيضًا بناء المدارس للطلاب هذا أيضًا ليس موجودًا في عهد الرسول ﵊، لكنه وسيلةٌ إلى أمرٍ مقصودٍ للشرع، وهو: القيام بمعونة للطالب ليتفرغ للعلم، فهو ليس في ذاته عبادة ولكنه وسيلة. ولهذا تجد الناس يختلفون في بناء المدارس: بعضهم يبنيها على هذه الكيفية، وبعضهم يبنيها على هذه الكيفية، ولا يرى أحد الطرفين أن الآخر مبتدعٌ لكونه أتى بها على وجه مخالف للمدرسة الأخرى؛ لأن الكل يعتقد أن هذه وسيلة ليست مقصودةً لذاتها، إذًا هذا ليس ببدعة لكنه وسيلةٌ إلى عملٍ مشروع. ولو قال قائل: أنا أريد أن أحدث في الليلة التي يزعمون أنها الليلة التي ولد فيها رسول الله ﷺ أن أحدث صلوات على الرسول ﵊ وثناءً عليه وأحتفل بهذه الليلة؛ لأن الثناء على الرسول ﵊ والصلاة عليه عبادة لا شك، فأفعل هذا إحياءً لذكراه، وهذا حسن إحياء ذكرى الرسول في القلوب حسن، فتكون هذه بدعة حسنة. فنقول: هذه بدعة؛ لأنها نفسها قربة، فالصلاة على الرسول ﵊ قربة، والثناء عليه قربة، وإحياء ذكراه في القلوب قربة؛ لكن تخصيصها في هذا الوقت المعين بدعة؛ لأن الرسول ﵊ لم يفعله ولم يسنه لأمته، لا بقوله ولا بإقراره ولا بفعله، وكذلك الخلفاء الراشدون، ولم تحدث بدعة الاحتفال بالمولد إلا في القرن الرابع بعد مضي ثلاثمائة سنة من الهجرة، وعلى هذا فإذا قال لنا هذا الرجل: هذه بدعة حسنة. قلنا: صدقت في قولك: إنها بدعة، ولكنها ليست بحسنة؛ لأنها عبادةٌ على غير ما شرع الله ورسوله. وبهذا علمنا أن من قال: إن من البدع ما هو حسن فإنه مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنه ليس ببدعة وهو حسن كما مثلنا في تصنيف الكتب وبناء المدارس وما أشبه ذلك، هو حسن لكنه ليس ببدعة؛ لأن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بهذا الشيء. وإما أنه بدعة لكنه ليس بحسن، كالاحتفال بمولد الرسول ﵊، فإنه لا شك أن الصلاة على النبي ﷺ وذكره بالثناء الحسن بدون غلوٍ لا شك أنه قربى إلى الله ﷿، سواءٌ فعل في تلك الليلة أم في غيرها، فتخصيصه في تلك الليلة يكون بدعة، وهو غير حسن؛ لأنه لم يكن مشروعًا في عهد النبي ﷺ ولا عهد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين، مع أن الشريعة انقطعت بوفاة الرسول ﵊، أي انقطع التغيير والتجديد فيها والحذف بوفاة الرسول ﵊، إلا ما كان داخلًا تحت القواعد الشرعية فهذا يكون قد أتت به الشريعة من قبل وفاة الرسول ﵊. وعلى هذا فلا تقسيم للبدعة، كل بدعةٍ في الدين فإنها ضلالة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومن المعلوم لنا جميعًا أن رسول الله ﷺ أعلم الناس بشريعة الله، وأنه ﷺ أنصح الخلق لعباد الله، وأنه ﷺ أفصح الخلق في بيانه وبلاغته ﵊، إذا كان كلامه صادرًا عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول: إن من البدع ما هو حسن، وهو قد قال: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد، أولها: العلم، وثانيها: الصدق، وثالثها: الإرادة، ورابعها: البلاغة. هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم، وكلام الله وكلام رسوله ﷺ لا شك أنه عن إرادة خير، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) . وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) . وكلام الله ورسوله أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فأفصح الكلام وأبلغه كلام الله، وأفصح كلام الخلق وأبلغه كلام رسول الله ﷺ. ***
السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة: أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله ﷿ أو في صفاته وأفعاله، فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوته أو قدرته أو نعمته كان مبتدعًا، أي: قال قولًا بدعيًا، وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبدًا، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها. وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية، وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرؤون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه. وكذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فإن معناه إذا تعدت بعلى: العلو على الشيء علوًا خاصًا، فيكون استواء الله على عرشه علوه ﷿ عليه على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح، ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله ﷿ بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره، وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل القرآن بها، كما قال الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسانٍ عربي مبين) . فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون بدعة، سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضًا أفعال ابتدعها من؟ ابتدعها الناس، أحدثوا شيئًا لم يكن عليه النبي ﷺ ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذًا فضابط البدعة بالخط العريض هو: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله، إما بعقيدته أو قوله أو فعله، هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبدًا، لماذا؟ لأن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن النبي ﷺ أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه، ولا يمكن أن يقول لأمته: (كل بدعة ضلالة) وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة، أبدًا؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة وهو يريد أن البدع منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة كان ملبسًا على الناس غير مبين لهم، وقد قال الله لنبيه ﷺ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) . فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربعة ولا إلى خمسة، بل جعلها قسمًا واحدًا محاطًا بالكلية العامة: (كل بدعة ضلالة) . وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعًا، وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن، فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الْحُسْن، أَمَّا أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب ﵁ أثنى على البدعة في قوله- حين أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يصلىا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم، أي: الناس مجتمعون على إمامهم فقال-: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى، لكن هل عمر بن الخطاب ﵁ في فعله هذا خالف سنة الرسول ﵊؟ لا لم يخالف، بل أحياها بعد أن كانت متروكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربعًا، ثم تخلف وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول ﷺ؛ لأنه لا وحي بعد موته ﵊، لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق ﵁ يصلون أوزاعًا: الرجلان جميعًا، والثلاثة جميعًا، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر ﵁ كان مشتغلًا بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك، لكن عمر ﵁ طالت به المدة وتفرغ لصغار الأمور وكبارها ﵁، وأتى بكل ما يحمد عليه جزاه الله عن أمة محمد خيرًا، فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السُّنة التي كان النبي ﷺ شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفًا من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي: بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر ﵁. لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة، وهي: الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول ﵊ لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود والغاية ما كان مشروعًا، فما كان وسيلة للمشروع فهو منه، والمشروع قد أراد الله ورسوله مِنَّا أن نفعله بأي وسيلة كانت إذا لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها. فمثلًا تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام على تعريف الرجال، وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيرًا من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول ﵊، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به. فمثلًا استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به، حتى أن الرسول ﵊ قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، ومن قال له: أنصت فقد لغا) . فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟ لا نقول هذا، بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلًا؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، وإنَّ (كل بدعة ضلالة) كما قال النبي ﷺ، وإنَّ البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ، وإن الوسائل لأمور مشروعة ليست من البدع، وإنما هي وسائل يتوصل بها إلى أمر مشروع. ***
يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أعوذ بالله! أبدًا ما فيه بدعة حسنة، وقد قال أعلم الخلق بالشريعة وأفصح الخلق بالنطق وأنصح الخلق للخلق قال: (كل بدعة ضلالة) . و(كل) من ألفاظ صيغ العموم، بل هي أقوى صيغ العموم قال: (كل بدعة ضلالة) ولم يستثن شيئًا. وما فعله الإنسان وظنه بدعة حسنة: فإما ألا يكون بدعة لكن هو سماه بدعة، وإما ألا يكون حسنة وهو ظنها حسنة. أما أن يتفق أنها بدعة وحسنة فهذا مستحيل، ولذلك ننكر على أولئك القوم الذين رتبوا أذكارًا معينة يقولونها في الصباح أو المساء فرادى أو جماعة، ننكر عليهم حيث رتبوا أشياء لم ترد بها السنة، مع أنهم يستحسنونها ويرون أنها فاضلة. ***
يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ ومن المعلوم أن النبي ﷺ أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول: (كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر ﵁ أنه أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبيًا وتميمًا الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال: (نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذًا فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفًا من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر ﵁ يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر ﵁ رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال: (نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة ﵁ فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها. ***
يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنة أبدًا، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة) . فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة) - صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة: (كل بدعةٍ ضلالة) . فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئًا يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئًا وهو بدعة يظنه حسنًا وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسنًا فهذا لا يمكن أبدًا. فمثلًا قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي ﷺ، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصودًا في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين ﵁ عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفرادًا أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعًا، فجمعهم عمر ﵁ على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال: (نعمت البدعة هذه) . فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال: (خشيت أن تفرض عليكم) . فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفرادًا وأوزاعًا إلى عهد عمر ﵁، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديدًا. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر ﵁ أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول ﵊: (كل بدعةٍ ضلالة)، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسنًا وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ. ***
المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم ﷺ يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا قول لأحد بعد قول الرسول ﷺ، فإن النبي ﷺ أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول. وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو الحق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص يجب أن تكون مطرحة، وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن البدعة: إنها حسنة فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه لم يعلم أنها ليست بدعة، وإما أن لا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة، أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة فإن هذا لا يمكن أبدًا؛ لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي ﷺ حين قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيها حسن أبدًا بل كلها سوء وكلها جهل، فمن ظن أن بدعة من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالين اللتين ذكرناهما آنفًا، وهما: إما ألا تكون بدعة وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة. فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري، وأمرهما أن يصلىا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون فقال-: (نعمت البدعة هذه)، فسماها عمر بدعة وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة؟ فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي ﷺ، فإنه قد ثبت أن رسول الله ﷺ قام في الناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تأخر ﵊ في الليلة الرابعة وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم)، ومقتضى هذا أنها سنة، لكن تأخر النبي ﷺ عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها. وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعة في المساجد من هدي النبي ﷺ ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطاب. ***
هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة العربية فعلة من البدع، وهو اختراع الشيء على غير مثال سَبَقَ، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعهما؛ لأنه ﷾ خلقهما على غير مثال سَبَقَ. هذا معنى البدعة في اللغة العربية. أما البدعة في الشرع فإنها: كل عقيدة أو قول أو عمل يتعبد به الإنسان لله ﷿ وليس مما جاء في شريعة الله ﷾. أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد، بيَّنه رسول الله ﷺ في قوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة، لا تنقسم إلى أكثر من ذلك، وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل هي مردودة على صاحبها غير مقبولة منه؛ لقول النبي ﷺ فيما صح عنه من حديث عائشة: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . إذًا فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام ولا إلى أكثر ولا إلى أقل، إلا أنها قسم واحد بنص رسول الله ﷺ الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكلام رسول الله ﷺ غني عن التعقيد، وليس فيه شيء من التعقيد، وهو بيِّن واضح. وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كالعز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعًا، وهو في الحقيقة ليس من الشرع؛ لدخوله في عمومات أخرى، وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة وليس بدعة من حيث الشرع. وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل فهم منه بعض الناس فهمًا سيئًا، حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه، بحجة أن هذا من البدعة الحسنة، وحرفوا كلام رسول الله ﷺ حيث قالوا: إن معنى قوله: (كل بدعة ضلالة): أي كل بدعة سيئة فهي ضلالة، وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله ﷺ، ويستلزم نقصان كلام رسول الله ﷺ في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن للحديث فائدة إطلاقًا؛ لأن السيئة سيئة وضلالة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، كالزنى مثلًا معروف في الشرع أنه محرم، وتحريمه ليس ببدعة، ومع ذلك نقول: إنه من الضلال وإنه من العدوان. فالذين يقدرون في الحديث: كل بدعة سيئة ضلالة، هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله ﷺ وتنقصوا بيانه ﵊، ولا ريب أن الرسول ﵊ أعظم الناس بيانًا وأفصحهم مقالًا وأنصحهم قصدًا وإرادة، وليس في كلامه عي، وليس في كلامه خفاء، أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم أوجب إلى أن يفهم فهمًا سيئًا من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم، ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله ﷺ. وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة، ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام، بل كلها شر وضلالة، وقد قال النبي ﵊ في آخر الحديث فيما رواه النسائي: (وكل ضلالة في النار) . فعلى المرء أن يكون متأدبًا مع الله ورسوله، لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يشرع لنفسه مالا يرضاه؛ لأن الله يقول: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله فإنه ليس من دين الله، وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم، ولأن كثيرًا من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر- أعني: شر البدع- ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا- أعني: سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظورًا عظيمًا في دين الله، وهو: أن يكون الدين ناقصًا؛ لأن هذه البدع معناها أنها تكميل لدين الله ﷾، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولا شك أنها نقص في دين الإنسان، وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعدًا. والله الموفق. ***
ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام، أو تستلزم القدح في الإسلام فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة. فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة، ولكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة. وأما البدع المكفرة التي تسلتزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة ﵃ فإن هذه بدع مكفرة. والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير. ***
هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معاملة هذا المبتدع الذي يبتدع في الدين ما ليس منه ليرضي عباد الله: أن ينصحه عن هذا العمل؛ لأنه عمل محرم، والله ﷾ يقول: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) . ولا يمكن أن يداهن عباد الله في أمر لم يشرعه الله، فالواجب عليه التوبة إلى الله من هذا الأمر، وأن يسير على دين الله ﷾، وعلى الهدي الذي بعث به محمد ﷺ، سواء رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. لكن الأمور المجهولة لدى الناس من السنة ينبغي للإنسان أن يمهد لها تمهيدًا يتألف به الناس قبل أن يظهرها لهم ويفعلها ولا يدعها، ولكنه إذا خاف من نفور الناس فإنه يمهد لذلك ويدعوهم بالحكمة حتى يطمئنوا بها وتنشرح بها صدورهم. وأما ترك السنة مراعاة لهم فهذا لا ينبغي، أو ابتداع شيء في دين الله مراعاة لهم فهذا أمر لا يجوز. ***
هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجازى على حسن نيته، ولكن إن تبينت له السنة وجب عليه اتباعها. والدليل على أنه يجازى على حسن نيته قصة الرجلين اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحضرت الصلاة فلم يجدا الماء، فتيمما وصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة والثاني لم يتوضأ ولم يعد الصلاة. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبراه قال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فحكم للآخر بالأجر على فعل الأول والثاني مع أنه خلاف السنة، والله ﵎ يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني العدل، فيعطى الإنسان على حسب نيته وعمله، فإذا كان جاهلًا وفعل شيئًا يعتقده عبادة وليس بعبادة أثيب على نيته، لكن إذا بانت له السنة يجب عليه اتباعها. ***
عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة قال فيها رسول الله ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . وإذا كان كذلك فإن البدعة سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها؛ لأنه كما قال الرسول ﵊: (في النار)، أعني: أن الضلالة هذه تكون سببًا للتعذيب في النار، وإذا كان الرسول ﵊ حذر أمته من البدع فمعنى ذلك أنها مفسدة محضة؛ لأن الرسول ﷺ عمم ولم يخص، قال: (كل بدعة ضلالة) . ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم، وعليه فنقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والواجب الحذر من البدع كلها، وأن لا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه رسول الله ﷺ ليكون إمامه حقيقة، أي: ليكون الرسول ﷺ إمامه حقيقة؛ لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إمامًا له في هذه البدعة دون رسول الله ﷺ. ***
من الأردن إربد هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ حفظكم الله أطلب منكم أيها الشيخ أن تضربوا لنا أمثلة من واقع الحياة المعيشة على البدع والتي قد لا نتوقع أن تكون بدعة، مع التوضيح ما هي البدعة؟ وما أضرارها على الأمة الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه تفصيلًا؛ لأن الإنسان ليس محيطًا بكل شيء، لكن سأعطي السائل قاعدة: كل من تعبد لله بشيء عقيدة بالقلب أو نطقًا باللسان أو عملًا بالجوارح فإننا نقول له: إنك مبتدع حتى تأتي لنا بدليل على أن هذا مشروع. هذه القاعدة خذها معك أيها السائل: كل إنسان يتعبد لله بشيء عقيدة بقلبه أو نطقًا بلسانه أو عملًا بجوارحه ويقول: هذه شريعة، نقول: أنت مبتدع حتى تأتينا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال الصحابة أو إجماع الأمة على أن هذا مشروع؛ لأن الأصل في الدين هو الشرع، والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة. ولهذا أعطانا إمامنا وأسوتنا رسول الله ﷺ قاعدة في هذا، قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . وأعطانا قاعدة أخرى فقال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود على صاحبه لأنه بدعة. فإذا قال لك قائل: من صلى على النبي ﷺ في اليوم والليلة ألف صلاة كتب له كذا وكذا. قلنا: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة كتب له كذا وكذا. نقول: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. فإذا قال: الصلاة على الرسول مشروعة كل وقت. قلنا: صدقت، لكن لماذا تقيدها بألف، أين الدليل لك؟ وإذا قال: قل هو الله أحد ثلث القرآن قراءتها مشروعة. قلنا: صدقت، لكن من حددها بألف؟ وهلم جرًّا. هذه القاعدة والحمد لله مريحة وواضحة بينة. وما نجده في بعض الكتب التي تنشر أو في الملفات التي تنشر أو ما ينشر في بعض الأحيان في أوراق من ذكر أشياء لا حقيقة لها، مثل: من ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة خصلة، فهذا كذب موضوع على الرسول ﵊. ثم بقصة الفتاة التي كانت مريضة وترددت على كل المستشفيات، ورأت في المنام زينب وحصل ما حصل منها، هذه أيضًا كذب. أشياء كثيرة يروجها الجهال أو الضُّلال الذين يريدون أن يضلوا الناس، ولذلك أحذر إخواني أن يتلقوا كل منشور وكل مكتوب بالقبول، حتى يعرضوه على أهل العلم؛ لأن الدعاة إلى الضلال كثيرون الآن، إما لقصد الإفساد والإضلال وإما لحسن نية، فليحذر الإنسان من مثل هذا حتى يعرضه على أهل العلم. والخلاصة: أن القاعدة في البدعة أنها: كل ما يتعبد به الإنسان وليس بمشروع من عقيدة أو قول أو عمل، ولهذا باستطاعتك أن تقول لشخص يصلى ركعتين: تعال، من قال لك: إن هذا مشروع؟ هات الدليل. فإذا أتى بالدليل فعلى العين والرأس، وإذا لم يأت بالدليل قلنا: هذا مردود عليك. لو قال مثلًا: كلما برق البرق صلىت ركعتين. من قال لك هذا؟ قال: الركعتان سنة في كل وقت. قلنا: نعم الركعتان سنة في كل وقت إلا في أوقات النهي، لكن من قال لك: عند البرق يسن أن يصلى ركعتين؟ أو: عند نزول المطر يسن أن يصلى ركعتين مثلًا؟ ولهذا يدعي بعض الناس- الذين فتنوا بالاحتفال بما يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يدعون- أنهم لم يفعلوا شيئًا، إنما اجتمعوا يذكرون سيرة النبي ﷺ، تلك السيرة العطرة المحببة للنفوس التي تزيد الإنسان إيمانًا ومحبة للرسول ﷺ، ويقولون: هذا شيء مشروع. نقول: نعم، كل شيء يحبب الرسول إلى الناس أمر مشروع، ومحبة الرسول ﷺ فريضة، ويجب أن تقدم محبته على محبة النفس وعلى الولد والوالد، لكن من قال: إنه يشرع في هذه الليلة- التي لم يثبت أنها ليلة الميلاد- من قال: إنه يشرع فيها الاجتماع والصلاة على الرسول ﷺ وذكر سيرته؟ والأمر لم يقتصر على هذا: صاروا يأتون بالقصائد والمدائح النبوية التي كان الرسول ﵊ يحذر منها، وفيها من الغلو ما ينافي العبودية، كان بعضهم يردد قول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا أكرم الخلق- وصدق أنه أكرم الخلق- لكن يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم. إذا حدث الحادث العام المدلهم الذي يشمل الناس كلهم ما لي من ألوذ به إلا أنت يا رسول الله. أعوذ بالله! نسي الله، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره الله أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) . بل: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) . يعني: بل أمره أن يقول: إني لن يجيرني من الله أحد لو أراد بي شيئًا، فكيف يكون الرسول ﷺ هو الملاذ عند حلول الحادث العمم؟ ويقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم من جوده الدنيا وضرتها وليست كل جوده، من جوده، سبحان الله! ومن علومك علم اللوح والقلم، وليست كل علومك، عندك ما هو أبلغ من ذلك. هل رسول الله ﷺ يرضى أن يوصف بهذا؟ لا والذي فطر الخلق ما يرضى بهذا، بل لما قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا. قال: (قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان) . فالمهم أن العبادات المطلقة إذا قيدت بشيء معين زمانًا أو مكانًا أو عددًا أو هيئة صارت بدعة من هذا الوجه، فيجب اجتنابها وإن كانت في أصلها مشروعة. فانتبه أيها الأخ السائل، ولينتبه كل من يسمع كلامنا هذا لهذه النقطة التي يموه بها أهل البدع والحوادث، فيقولون: هذا شيء مشروع، هذا شيء لا نهي فيه، فيقال: إن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة) . ***
المستمع محمد محمد حسن سوداني مقيم بالباحة يقول: لقد سمعت كثيرًا أن الذكر الجماعي بدعة ولا يجوز، ولكن حسب علمي المتواضع اطلعت على بعض الأحاديث التي تفيد أنه لا حرج في ذلك، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم بما معناه: أنه ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. وأعتقد أن السيوطي أشار لهذا الحديث في كتابه الحاوي للفتاوي، وبناء عليه قال بجواز الذكر الجماعي. ثم الحديث الآخر والذي معناه أن الرسول ﷺ خرج على جماعة من أصحابه فقال لهم: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. فلم ينكر عليهم ذلك. وواضح بأن الذكر هنا مطلق، علمًا بأن كل ذلك يتعارض ويتناقض مع ما جاء في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) . نرجو أن توضحوا لنا الصواب في هذا الموضوع وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذا الموضوع أن الحديث الذي أشار إليه السائل بل الحديثين في الذين يتدارسون كتاب الله ويتلونه، وكذلك في القوم الذين يذكرون الله: أن هذا مطلق، فيحمل على المقيد المتعارف في عهد النبي ﷺ وأصحابه، ولم يكن من المتعارف بينهم أنهم يذكرون الله تعالى بلفظ جماعي، أو يقرؤون القرآن بلفظ جماعي. وفي قوله: ويتدارسونه بينهم يدل على أن هذه المدارسة تكون بالتناوب: إما أن يقرأ واحد فإذا أتم قراءته قرأ الثاني ما قرأ الأول وهكذا، وإما أن يكون كل واحد منهم يقرأ جزءًا ثم يقرأ الآخر مما وقف عليه، الأول هذا هو ظاهر الحديث. وأما الحديث الآخر الذي فيه أنهم يذكرون الله تعالى فإنا نقول: هذا مطلق، فيحمل على ما كان متعارفًا عليه في عهد النبي ﷺ وأصحابه، ولم يكن متعارفًا بينهم أن يجتمعوا وأن يذكروا بذكر واحد جماعة. ويدلك على هذا أن الصحابة رضوان الله عنهم مع النبي ﷺ في الحج كان منهم المكبر ومنهم المهلل ومنهم الملبي، فكل إنسان يذكر الله تعالى بنفسه. وأما قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) فهذا مراد به الذكر الخاص للمرء، وهو أيضًا مخصوص بما دلت عليه السنة من الجهر به، فإنه قد ثبت عن النبي ﵊ من حديث ابن عباس ﵄ أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي ﷺ، ولهذا يشرع الجهر بالذكر بعد الصلاة المكتوبة؛ لأن هذا هو المعروف في عهد النبي ﷺ. وأما قول بعض أهل العلم: إن الإسرار به أفضل، وإجابتهم عن حديث ابن عباس بأن ذلك للتعليم فإن فيه نظرًا، وذلك لأن التعليم يحصل بدون هذا، فإن الرسول ﵊ قد علم فقراء المهاجرين ماذا يقولونه دبر الصلاة، قال ﵊: (تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين) . ثم إن التعليم يحصل بالمرة الواحدة، لا بأن يحافظ عليه النبي ﵊ في كل صلاة، أو يحافظون عليه في عهد الرسول ﵊ في كل صلاة. ثم نقول: سلمنا أنه للتعليم، فهو في التعليم في أصل الذكر وفي صفته، بمعنى: أن الرسول يعلمهم ما هو الذكر الذي يقال في أدبار الصلوات، وما كيفية تلاوة هذا الذكر والإتيان به أنه يكون جهرًا، وهذا هو القول الذي يؤيده حديث ابن عباس المذكور، وهو في صحيح البخاري. ***
سائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئًا لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو: أن يتلو الإنسان قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: (اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي) . ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر وردًا آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مئة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيرًا في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور. فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول ﷺ، وليست بصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها، بل ولا أن يفعلها تعبدًا لله؛ لأنها بدعة، وقد قال النبي ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيرًا من الكتب، ولا سيما كتب الأذكار والأوراد. الذي أنصحها به أن تتحرز كثيرًا؛ لأنه كتب في الأذكار البدعية والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيرًا في المسلمين، ورواجها قد يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين من بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع، وفي الكتب الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، في الكتب الصحيحة ما يغني عن ذلك، فالرجوع إليها هو الواجب، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية، طرحها والتحذير منها هو الواجب على المسلمين، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات. واللهَ أسألُ أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، إنه جواد كريم. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل من السودان يقول: عندنا جماعة وفي الجامع الذي نصلى فيه عندما يصلون يأمرهم إمام المسجد بأن يقولوا جميعًا: يا لطيف مائة وتسعًا وعشرين مرة ويرددون ذلك، فهل يجب علينا أن نردد ذلك؟ أم نترك هذا الإمام وهذا المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا أنا أوجه نصيحتي إلى هذا الإمام أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي إخوانه المسلمين، فمن أين أتى بهذه البدعة؟ هل كان الرسول ﵊ يفعلها؟ أم كان أبو بكر أم عمر أم عثمان أم علي أم ابن مسعود أم غيرهم هل كانوا يأمرون الناس أن يقولوا هذا؟ فليتق الله تعالى في نفسه، وليعلم أنه مؤاخذ على ذلك ومعاقب عليه، وأنه بذلك ضال، وأمره الناس بذلك يكون به مضلًاّ، فهو ضال مضل، وعليه أن يتوب إلى الله قبل أن يفجأه الموت. أما أهل المسجد فإنهم ينصحونه، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإلا فليزيلوه بكل ما يستطيعون، ومعنى قولي: بكل ما يستطيعون أن يذهبوا إلى الجهات المسؤولة التي بيدها عزل الأئمة ونصبهم، ويطلبوا منها أن يعزلوه عن هذا المنصب العظيم منصب الإمامة، فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا يصلون معه؛ لأن هذا مبتدع مصر على بدعته. ***
السائلة ع. ع. ف. من السودان تقول: ورد عن الرسول ﷺ أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم. فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر؟ أو ماذا يقولون؟ والرسول ﷺ لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلًا على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول ﷺ في هذا الحديث إن كان صحيحًا لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته، ولا أظنه يصح عن النبي ﷺ. ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه. وأما الذكر فإن الاجتماع أيضًا على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية: يجتمعون جميعًا ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو يجتمعون على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا، مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه. ***
ما حكم الغلو في محبة الرسول الكريم ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغلو في محبة الرسول ﷺ بمعنى: أن يتجاوز الإنسان الحدود ويقول: إن ذلك من محبة الرسول- محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه. ثم إن الذي يغلو في الرسول ﵊ ويرفعه فوق منزلته التي أنزله الله ﷿ مدعيًا أنه يحبه قد كذب نفسه؛ لأن المحب يأخذ بنصائح حبيبه ويتبع حبيبه ولا يخالف حبيبه، والغالي في الرسول ﵊ مخالف للرسول ﷺ، فكيف يدعي حب الرسول؟ وهو يعصي الرسول ولهذا نقول: من كان للرسول أشد اتباعًا فهو أصدق محبة، ومن خالف الرسول ﵊ فقد نقص من محبته الرسول بقدر ما خالف فيه الرسول. ولا تغتر بهؤلاء الغلاة الذين يغلون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينتحلون أحاديث لا زمام لها، بل هي مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أنها موضوعة مكذوبة، لا تغتر بهؤلاء، وقل لهم كما قال الله ﷿: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وأما إنشاد القصائد الحزينة وهز الرؤوس عندها، والتصفيق والخفة بزعم أن هذا من تعظيم الرسول ﵊ فكل هذا مخالف للرسول ﵊، مخالف لهديه. فإن كنت صادقًا في محبته صلوات الله وسلامه عليه فعليك باتباعه، لا تتقاصر عنه ولا تتجاوزه، فكل خير في الاتباع، وكل شر في الابتداع. وإذا أردت أن تزن عملك بميزان قسط فانظر إلى الصحابة ﵃ الذين هم أقرب إلى الحق من غيرهم، وأقرب إلى رسول الله ﷺ من غيرهم، حيث عايشوه وناصروه وشرفهم الله تعالى بصحبته، هل عملوا هذا العمل؟ إذا كانوا عملوه فهم على حق، وإذا لم يعملوه فهو باطل؛ لأنه لا يمكن لخلف الأمة أن يكونوا خيرًا من سلف الأمة، وكيف يمكن ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)؟ وإياك وما أحدث في دين الله من البدع التي مضمونها الغلو في رسول الله ﷺ، ثم استحضر قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فرضا الله عن الأتباع لا يكون إلا إذا اتبعوا بإحسان والاتباع بإحسان، هو ألا يقصر الإنسان عن هديهم ولا يتجاوز هديهم. ***
المستمع ع. م. جمهورية مصر العربية يقول: فضيلة الشيخ هل ذكر الرسول ﷺ بشكلٍ جماعي في أيامٍ محددة جائز؟ أرجو منكم التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على ما سنذكره الآن إن شاء الله تعالى في هذا الموضوع، فنقول: إن العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه مبنيةٌ على أصلىن: الأصل الأول: الإخلاص لله ﷿، بأن يقصد الإنسان بتعبده لله التقرب إلى الله تعالى والوصول إلى باب كرامته، لا يقصد بذلك مالًا ولا جاهًا ولا رئاسةً ولا غير ذلك من أمور الدنيا، بل لا يقصد إلا التقرب إلى الله والوصول إلى دار كرامته، ودليل هذا من الكتاب والسنة قال الله ﵎: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) . وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقال الله ﵎: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) . والآيات في هذا كثيرة. وأما السنة ففيها أحاديث، منها: حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . فإن فقد الإخلاص من العبادة بأن شاركها الرياء، وهو: أن يعمل العمل الصالح لله لكن يظهره للناس ليمدحوه على ذلك، فإن العبادة تكون باطلةً مردودة؛ لأن الإنسان أشرك فيها مع الله ﷿ حيث راءى الناس بها، ومع كونها باطلة مردودة فهو آثم بذلك مشركٌ بالله، إلا أن هذا الشرك شركٌ أصغر ليس مخرجًا من الملة، والشرك وإن كان أصغر فإن الله تعالى لا يغفره؛ لعموم قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وقال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة، لكن الذي يظهر القول الأول، وأنه لا يغفر لكن صاحبه لا يخلد في النار؛ لأنه شركٌ أصغر. إذًا لا بد في كل عبادة من الإخلاص لله تعالى فيها، فمن أشرك مع الله فيها غيره فإنه يأثم بذلك وتبطل عبادته. الأصل الثاني الذي تنبني عليه العبادات: اتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدل لهذا الأصل قوله ﵎: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) . وقول الله ﵎: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وقول الله ﵎: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ولا يمكن أن تتم المتابعة والموافقة للرسول ﵊ إلا إذا وافقت العبادة أو وافق العمل الشرع في أمورٍ ستة: الأول: السبب، يعني: أن يكون سبب هذه العبادة ثابتًا بالشرع. والثاني: الجنس، بأن يكون جنس هذه العبادة ثابتًا بالشرع. والثالث: القدر، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على القدر الذي جاءت به الشريعة. والرابع: الكيفية، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على الوجه الذي جاءت به الشريعة. والخامس: الزمان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في الزمن الذي حدده الشرع لها. والسادس: المكان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في المكان الذي حدده الشارع لها. فإذا اختل واحدٌ من هذه الأمور الستة لم تتحقق المتابعة، وصار هذا من البدع. فأما الأول وهو السبب: فإنه لا بد أن يكون السبب الذي بنينا عليه هذه العبادة ثابتًا بالشرع، فإن لم يكن ثابتًا بالشرع فإن ما بني على ما ليس بثابتٍ شرعًا فإنه ليس بمشروع، ومن ذلك ما يحدثه الناس في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، حيث يحدثون احتفالًا زعمًا منهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به في هذه الليلة ليلة سبعٍ وعشرين، وهذا لا أصل له في التاريخ، وأيضًا لا أصل له في الشرع، فإن الذي يظهر من التاريخ أن الإسراء والمعراج كان في ربيعٍ الأول، وأما من الشرع فلا أصل له أيضًا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفاءه الراشدين والصحابة أجمعين لم يرد عنهم أنهم كانوا يحتفلون في الليلة التي عرج فيها برسول الله ﷺ، ومعلومٌ أن الشرع لا يأتي إلا من طريقهم. قال النبي ﵊: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . فمن أحدث احتفالًا ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لهذه المناسبة فإنه بناها على سببٍ لم يثبت شرعًا، بل ولم يثبت تاريخيًا كما ذكرنا. الأمر الثاني: أن تكون العبادة موافقة للشرع في الجنس، فإن أتى بعبادة من غير الجنس الذي وردت به الشريعة فإن عبادته مردودة عليه ولا تقبل منه، مثال ذلك: أن يضحي الإنسان بالخيل، بأن يذبح فرسًا يوم عيد الأضحى يتقرب به إلى الله ﷿، كما يتقرب بذبح البقرة، فإن هذه العبادة لا تقبل منه ولا تكون أضحية؛ لأنها من غير الجنس الذي وردت به الشريعة، فإن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم. الثالث: أن تكون العبادة موافقة للشرع في قدرها، فإن لم تكن موافقة للشرع في قدرها بأن نقصت أو زادت فإنها لا تقبل، وبهذا لو صلى الإنسان صلاة الظهر خمس ركعات لم تقبل منه؛ لأنه زاد على القدر الذي جاءت به الشريعة، ولو أنه صلاها ثلاث ركعات لم تقبل منه أيضًا؛ لأنه نقص عن القدر الذي جاءت به الشريعة. الرابع: أن تكون موافقة للشرع في كيفيتها، بأن يأتي بها على الكيفية التي أتت بها الشريعة، فلو صلى الإنسان أربع ركعات لكنه كان يأتي بالسجود قبل الركوع فإن الصلاة لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها على كيفيةٍ لم ترد بها الشريعة، فكانت مردودة عليه لعدم تحقق الاتباع في حقه. الخامس: أن تكون موافقةً للشرع في زمانها، فإن لم تكن موافقة الشرع في زمانها فإنها لا تقبل، فلو صام في شهر رجب بدلًا عن رمضان فإن ذلك لا يقبل منه ولا يجزئه عن رمضان، وذلك لأن رمضان خص الصيام فيه دون غيره من الشهور، فمن أتى به في زمن آخر لم يكن أتى بهذه العبادة في الوقت الذي حدده الشرع. وكذلك لو صلى الظهر قبل زوال الشمس فإنها لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها في غير الزمن الذي حدده الشارع لها. السادس: أن تكون موافقة للشرع في مكانها، فلو أن الإنسان اعتكف في بيته في العشر الأواخر من رمضان بدلًا من أن يعتكف في المساجد فإن هذا الاعتكاف لا يصح منه؛ لأنه في غير المكان الذي حدده الشارع للاعتكاف. وليعلم أن مخالفة الشريعة في هذه الأمور الستة أو في واحدٍ منها يترتب عليه أمران: الأمر الأول: الإثم إذا كان عامدًا، والأمر الثاني: البطلان. فإن كان جاهلًا فإنه يسقط عنه الإثم، ولكن العبادة تبقى باطلة، فإن كانت مما يقضى إذا بطل وجب عليه قضاؤها، وإن كانت مما لا يقضى سقطت عنه. بناءً على ذلك نقول في إجابة هذا السؤال: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير الأوقات التي ورد فيها ذكره ليس بمشروع، فلو أن الإنسان أراد أن يأتي بقول: أشهد أن محمدًا رسول الله التي تقال في الأذان وفي غير الأذان أيضًا، أتى بها في الضحى بناءً على أنه يريد بها الأذان فإنه لا يقبل منه ذلك؛ لأن الأذان له وقتٌ معين، وهو: ما إذا دخل وقت الصلاة وأراد أن يصلى. أما إن ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أنه من أجلِّ العبادات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفضل الأعمال، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، فالإكثار من الصلاة عليه بلا عدد وبدون زمنٍ معين وبدون مكانٍ معين هذا خيرٌ من أن يجعل الإنسان لهذه الصلاة وقتًا معينًا وعددًا معينًا وصفةً معينة؛ لأن كل شيء يسنه الإنسان لنفسه ولو كان أصله مشروعًا يكون من البدع ويكون من البدع، في كيفيته أو زمانه أو مكانه حسب ما فصلنا آنفًا. والإنسان إذا استغنى بالسنة عن غيرها كفت وحصل بها الخير الكثير، وإن كان الإنسان قد يتقال السنة بعض الأحيان ويقول: أنا أريد أن أعمل أكثر من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على الذين تقالوا سنته وهديه وأرادوا أن يزيدوا على ذلك، حيث اجتمع نفرٌ فقال بعضهم لبعض- حين سألوا عن عمل النبي ﷺ في السر، أي: فيما ما لا يبدو للناس، فكأنهم تقالوا هذا العمل وقالوا-: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني: ونحن لم يحصل لنا ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنكر عليهم وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) . فاتباع السنة خير حتى وإن كان الإنسان يظن أنه عملٌ قليل، فإن ما وافق السنة وإن كان أقل فهو خيرٌ مما لم يوافق السنة وإن كان أكثر. ولهذا لو أن الإنسان أراد أن يطيل ركعتي الفجر- أي: سنة الفجر، أراد أن يطيلها- وقال: أنا أحب أن أزداد من قراءة القرآن، أحب أن أزداد من التسبيح، أحب أن أزداد من الدعاء، فأحب أن أطيل ركعتي الفجر. فإننا نقول له: هذا ليس بصحيح، ومنهجك هذا غير صحيح؛ لأن السنة في سنة الفجر التخفيف، كما كان النبي ﵊ يخففها، حتى تقول عائشة: حتى إني أقول: أَقَرَأَ بأم القرآن؟ فلو كان عندنا رجلان أحدهما صلى سنة الفجر على وجهٍ خفيف لكنه محافظ على الطمأنينة، والثاني صلاها على وجهٍ أطول قلنا: إن الأول أفضل من الثاني من أجل موافقة السنة. ثم إنه يبين ذلك أيضًا أن الرسول ﵊ أرسل رجلين في حاجة فلم يجدا الماء، فتيمما فصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والآخر لم يعد الصلاة. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي لم يعد الصلاة قال له: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فصوب الأول ولم يصوب الثاني ولكنه جعل له الأجر مرتين؛ لأنه فعل ما يعتقده عبادة متأولًا، ظانًا أن هذا هو الذي يجب عليه، فأثيب على هذا الاجتهاد وإن كانت السنة في خلافه. كذلك أيضًا اجتماع الناس على الذكر جماعيًا بأن يقولوا بصوتٍ واحد: الله أكبر، أو: الحمد لله، أو: لا إله إلا الله، أو: اللهم صلِّ على محمد أو ما أشبه ذلك، هذا لا نعلم له أصلًا في سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل كان الصحابة يذكرون الله تعالى ويثنون عليه كلٌ على نفسه، وهاهم في حجة الوداع مع النبي ﵊ منهم المهل ومنهم المكبر، ولا أحدٌ يتبع أحدًا في ذلك ولم يجتمعوا على التلبية، وإنما كان كل إنسانٍ يلبي لنفسه، فهذا هو المشروع. أما ما وردت به السنة من الاجتماع على الدعاء أو على الذكر فهذا يتبع فيه السنة، فالاجتماع على دعاء القنوت في الوتر في صلاة التراويح وما أشبه ذلك فهذا يتبع فيه السنة. ***
هذه الرسالة وردتنا من إسحاق محمد نور حامد الحاج من جمهورية السودان يقول فيها: يستدل بعض الناس بالحديث الذي يقول فيه الرسول ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) إلى آخره، وكذلك بأن حسان بن ثابت كان يمدح الرسول ﷺ، فيستدلون بهذا على جواز المدح. نرجو أن تفتونا في ذلك وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: مدح الرسول ﷺ بما مدحه الله به من الصفات الكاملة والآداب العالية والأخلاق المثلى هذا أمر مشروع، وأما مدحه ﷺ بما يصل إلى الغلو فإنه أمر محرم، وذلك لأن رسول الله ﷺ نهى عن الغلو، فلا يجوز للمرء أن يمدح الرسول ﷺ بأمر يصل إلى الغلو، بحيث يجعله شريكًا مع الله ﵎ في الخلق والتدبير والقدرة وما أشبه ذلك، وقد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشيءت. فقال ﷺ: (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) . ولكن هذا المدح الذي ذكرنا أنه جائز لا يمكن أن يجعل حدثًا في دين الله، بحيث يكون مقيدًا بوقت أو مكان، يتكرر كلما ما تكرر ذلك الوقت وكلما جاء الإنسان إلى ذلك المكان، وذلك أن تقييد العبادات المطلقة بزمن أو مكان معين هو من البدع؛ لأن العبادات يجب أن تكون مفعولة على حسب ما جاءت عليه من هيئة وزمن ومكان، فالعبادات المطلقة لا يجوز للمرء أن يحددها بزمن أو مكان أو حال مادامت جاءت مطلقة؛ لأن هذا هو كمال التعبد. وأما استدلال بعض المبتدعين في هذه الأمور بقول الرسول ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فإن الرسول ﵊ قيد ذلك بقوله: (من سن في الإسلام)، وما كان من البدع فليس من الإسلام في شيء؛ لقول الرسول ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . وهذا عام لكل ما ابتدع في دين الله فإنه ضلال، وما كان ضلالًا فلا يمكن أن يكون دينًا وإسلامًا. فإذا قال قائل: إن قوله ﷺ: (كل بدعة ضلالة) أي كل بدعة سيئة ضلالة؟ قلنا: هذا مردود؛ لأن السيئة سيئة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، فالزنى مثلًا ضلالة وهو ليس ببدعة؛ لورود الشريعة به وبيان حكمه. ولو قلنا: إن معنى الحديث: كل بدعة سيئة لم يكن لوصف البدعة فائدة إطلاقًا؛ أو لم يكن لذكر البدعة فائدة إطلاقًا، لأن السيئة سيئة سواء ابتدع أم لم يبتدع، ولكن الرسول ﵊ يقول: (كل بدعة ضلالة)، فكل من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ضال بهذه البدعة. هذا حاصل الجواب. ***
ما حكم مدح الرسول ﷺ في ذكرى مولده؟ وهل في زمن النبي ﷺ كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه بصفاته الحميدة والأخلاق الفاضلة أمر مطلوب مشروع، وكثرة الصلاة على النبي ﷺ من أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله ﷿، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، ولكن اتخاذ ذلك في ليلة معينة أو يوم معين بلا دليل من الشرع يعتبر بدعة؛ لأن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة إذا لم يصل إلى حد الغلو، والعبادة لابد أن يكون فيها إذن من الشرع، وما علمنا أن الشرع خص يومًا أو ليلة معينة ليمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا يوم الجمعة، فإنه ﷺ قال: (أكثروا فيه من الصلاة علي، فإن صلاتكم معروضة) .والاحتفال بليلة مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية الشرعية: أما من الناحية التاريخية فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أو في ليلته، وقد حقق بعض الفلكيين العصريين أنه ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول. وأما من الناحية الشرعية فلو كان في الاحتفال بمولده أجر وثواب لكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يفعل ذلك؛ لأنه لن يفوت فرصة فيها أجر وثواب إلا قام بها صلوات الله وسلامه عليه، أو لأرشد أمته إلى ذلك بقوله، وعلى فرض أن الأمر لم يكن في عهده فلم يكن في عهد الخلفاء الراشدين- أعني: الاحتفال بمولده- ولا فيمن بعدهم. وأول ما حدث في القرن الرابع الهجري، أحدثه بعض ولاة إربل فتبعه الناس على ذلك، لكن لم يتبعه أحد ممن ينتمي إلى السلف الصالح فيما نعلم، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا الاحتفال قربة يتقرب بها إلى الله، أو بدعة لا تزيد العبد إلا ضلالة. فإن قلنا بالأول- بأنه قربة يتقرب بها إلى الله- فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها؟ وأين الخلفاء الراشدون؟ وأين الصحابة؟ فإما أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جهلها ولم يعلم شرع الله فيها، وإما أن يقال: إنه علمها ولكنه كتمها. وكلا الأمرين خطر عظيم، سواء قلنا: إنه جهلها ولم يعلم، أو قلنا: إنه علمها ولكن كتم. وكيف تكون من شريعة الله وقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)؟ أين الكمال إذا كانت مشروعة ولم تذكر في حياة الرسول ﵊؟ وإذا قلنا: إن الرسول ﷺ علمها ولكن كتمها عن الناس، فما أعظمها من فادحة؛ لأنه يكون الرسول ﵊ توفي ولم يبلغ شيئًا مما أنزل الله عليه من الحق. ولهذا لو تأمل الإنسان هذه البدعة وغيرها من البدع لوجد أن البدعة أمرها عظيم وخطرها جسيم، وأنه لولا حسن النية من بعض محدثيها لكان شأنهم شأنًا خطيرًا جدًا. لذلك ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يَدَعوا هذه البدعة، وأن يكتفوا بما شرع الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وما ادعاه محدثوها من أنها إحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: إنه إحياء حذر منه النبي ﵊ حيث قال: (إياكم ومحدثات الأمور) . ثم نقول أيضًا: في الشريعة الإسلامية غنى عن هذا الإحياء، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُذكر في الأذان، ويذكر في الصلاة، ففي الأذان: أشهد أن محمدًا رسول الله، وفي الصلاة في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، بل نقول: إن من كان حيًّا فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها؛ لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عابد فلابد أن يخلص لله ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه ذكرى، وفي هذه الذكريات العظيمة في هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها. ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة، ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد التي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم، الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم، تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به إن لم تكن آخذًا يوم الميعاد يدي فإن من جودك الدنيا وضرتها سواك عند حلول الحادث العمم عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم ومن علومك علم اللوح والقلم هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير، لكن الكلام على المضمون لا على الشكل، كالذي يقول للرسول ﵊ مخاطبًا له: إن من جودك الدنيا وضرتها، وضرة الدنيا هي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم، قد ألحقه- أي: ألحق النبي ﷺ بمقام الربوبية ولم يبق لله شيئًا، إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها فما الذي بقي لله؟ ثم نقول: هذا من أكبر الكذب أن تكون من جوده الدنيا وضرتها، لماذا؟ لأن الرسول خُلق في آخر الدنيا كيف تكون الدنيا من جوده؟ ثم إننا نسمع أنه يحصل في هذا الاحتفال من الاختلاط بين الرجال والنساء وبين الكبار والمراهقين والمردان، ويحصل في هذا شر كبير. ثم إنه يظهر في هذا الاحتفال من شعائر الأعياد كالفرح والسرور وتقديم الحلوى وما أشبه ذلك ما يجعله ابتداعًا في دين الله؛ لأن الأعياد الشرعية هي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الجمعة. ثم إنه يحصل في هذا الاحتفال بذل أموال كثيرة في غير فائدة بل في مضرة، وكل هذا يوجب للإنسان الناصح لنفسه أن يبتعد عنه. فهذه نصيحة من أخ مخلص لإخوانه، نسأل الله ﷾ أن يجعل لها آذانًا صاغية وقلوبًا واعية. ***
السؤال: ما هو رأي الدين في هذه الأشياء والدليل من الكتاب والسنة؟ -القصائد التي تمدح الرسول ﷺ وتمجده، وإلقائها في المناسبات الدينية وذلك بإحياء الليالي بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التعبير- وهو: ما رأي الدين؟ أو: ما هو رأي الإسلام؟ أو ما أشبه ذلك- لا أحب أن يعرض في سؤال، أولا: ً كلمة رأي الدين، الدين في الحقيقة ليس رأيًا، والدين ليس فكرًا، إنما الدين عقيدة وشريعة من الله ﷿ لا مجال للرأي فيه ولا مجال للفكر فيه، ولهذا نحن ننتقد هؤلاء الذين يقولون: هذا فكر إسلامي وما أشبه ذلك، الإسلام ليس فكرًا وليس رأيًا من الأفكار والآراء، إنما هو شريعة من لدن حكيم خبير ﷾. نعم لنا أن نقول: إن المفكر مسلم وما أشبه ذلك؛ لأن الرجل له فكر ويفكر كما أمر الله تعالى بالتفكير في خلق السماوات والأرض، لكن كوننا نعبر عن الدين بأنه فكر أو بأنه رأي وما أشبه ذلك هذا خطأ. هذا من جهة، من جهة أخرى لا أحب أن يوجه لشخص قابل للخطأ والصواب يوجه إليه سؤال عما هو حكم الإسلام ويقال: ما حكم الإسلام في كذا؟ وهو موجه إلى فرد يخطىء ويصيب؛ لأن الفرد إذا أجاب وكان خطأًلم يكن ذلك حكم الإسلام. فالذي ينبغي أن يقال مثلًا: ما هو الحكم؟ أو ما رأيك في كذا؟ وما أشبه ذلك، ثم يجيب على حسب ما يراه، معتمدًا في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. بالنسبة للقصائد التي يمدح فيها الرسول رسول الله ﷺ فإن رسول الله ﷺ بأبي هو وأمي- مستحق لكل مدحٍ وتعظيمٍ يليق به على أنه نبي مرسل من الله ﷾، وهو خاتم النبيين وآخر المرسلين وسيد الخلق أجمعين، فهو مستحق لكل ما يقال من وصف يليق به ﷺ، سواء قيل ذلك نظمًا أم نثرًا. ولكن القصائد التي تخرجه عما ينبغي أن يكون له من الغلو المفرط الزائد الذي نعلم أنه هو ﵊ يكرهه ولا يرضاه، كما نهى عن ذلك، فإننا نرى أنه لا يجوز لإنسان أن يتلوها أو يعتقد ما فيها من هذا الغلو. ومن ذلك على ضرب المثل ما جاء في قصيدة البوصيري البردة التي يقول فيها يخاطب النبي ﷺ: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم لا شك أن هذا شرك بل هو من أعظم الشرك، حيث إنه جعل ما يختص بالرب جعله للنبي ﷺ وسلب حق الله فيه، فإذا كان من جود الرسول ﵊ الدنيا وضرتها وهي الآخرة فما بقي لله تعالى من شيء، وإذا كان من علومه- أي: بعض العلوم التي يعلمها- علم اللوح والقلم فما بقي لله تعالى علم ومثل هذه المقالات التي تبلغ إلى هذا الحد أو إلى ما دونه مما لا يليق للمسلم أن يقوله في نبيه ﷺ فإنه لا يجوز لأحد أن يتكلم به لا نظمًا ولا نثرًا، أما القصائد التي تبين صفاته الحميدة وشريعته الكاملة وما أشبه ذلك فإنها لا بأس بها، بل إننا نقول: إن تلاوتها تكون من العبادة؛ لما في ذلك من كونها تغذي محبة النبي ﷺ في القلب وتعظيمه وتعزيره كما أمر الله به: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) إنْ جعلنا اللام للأمر وإلا فللتعليل، ومعنى ذلك: أن هذا أمر مقصود للشرع، ومعنى تعزروه: أي تعظموه لكن بما يليق به وأيضًا بشرط أن لا تجعل هذه القصائد في مناسبة خاصة تعود كل سنة، كما يفعله من يفعله في ليلة عيد المولد التي ابتدعوها في شريعة الله وفي دينه، وهي بدعة لا أصل لها في الشرع- أعني: ليلة عيد المولد واتخاذها عيدًا يتكرر كل عام، يذكر فيه مدائح النبي ﷺ، ويبتدع فيه صفات وصيغ من الصلوات عليه ما جاءت في هديه ولا شريعته ولا هدي أصحابه- ولهذا كانت هذه البدعة أعني: بدعة عيد الميلاد من المنكرات التي يجب على المسلمين أن يحذروا منها وأن يبتعدوا عنها، ولو كان فيها خيرٌ لسبق إليها من هو أحب ومن هو أولى منا كالصحابة ﵃ والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، فإنهم لم يفعلوا هذه الليلة أي ليلة عيد المولد، لم يفعلوها ولم يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد، ولاشك أن الذين يشرعونها والذين ابتدعوها هم في الحقيقة متنقصون لشريعة النبي ﵊ وللنبي ﷺ، ولا شك أنهم يريدون بها التقرب إلى الله ﷿، والتقرب إلى الله ﷿ عبادة، والدين كمل من جميع الوجوه في عباداته القولية والفعلية كما قال الله ﷿: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . فأي رجل يبتدع من العبادات ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أم في العمل لاشك أنه حقيقة أمره ولسان حاله يقول: إن الدين لم يكمل، وأنا كملته بما أحدثته من هذه العبادة التي أتقرب بها إلى الله ﷿. لهذا يجب على كل من ابتدع شيئًا يتقرب به إلى الله من ذكر قولي أو فعلي أو مدح للرسول ﵊ أو غيره، يجب عليه أن ينظر في الأمر مرة ثانية، وأن يعرف أنه بابتداعه هذا طعن في دين الله يراه ناقصًا ويحتاج إلى تكميل بما أحدثه فيه، وأسال الله أن يجعلنا وإخواننا المسلمين لله مخلصين ولنبيه ﷺ متبعين. ***
هل يجوز مدح النبي ﷺ بقصائد؟ وبتخصيص ليلة الجمعة وليلة الاثنين؟ وإن كان هذا يباح فما هو الثواب؟ وإن كان لا يجوز ما هو المدح الذي يجوز للنبي ﷺ أو لا يجوز إطلاقًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي ﷺ بما فيه من الخصال الحميدة والمناقب العظيمة والأخلاق الكاملة هذا أمر مشروع ومحمود؛ لما فيه من الدعوة إلى دين الرسول ﷺ وإلى تعظيم الرسول ﵊ ومحبته، وكل هذا من الأمور المقصودة شرعًا. وأما مدحه بالغلو الذي كان ينهى عنه ﷺ فهذا لا يجوز بكل حال، كما لو مدحه بقول القائل: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فإن مثل هذا الغلو لا يجوز وهو محرم. وعلى الوجه الجائز لا يتخذ ذلك في ليلة معينة أو في يوم معين، بحيث كلما أتت هذه الليلة وهذا اليوم قيلت هذه القصائد والمدائح، فإن تخصيص الشيء بزمن لم يخصصه به الشرع أو بمكان لم يخصصه به الشرع هذا من البدع التي نهى عنها رسول الله ﷺ. ***
ما حكم من جعل المديح بالنبي ﷺ أو الصالحين تجارة له يكتسب منها معيشته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا محرم. ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي ﷺ ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون مدحًا فيما يستحقه ﷺ بدون أن يصل إلى درجة الغلو، فهذا لا بأس به، أي: لا بأس أن يمدح رسول الله ﷺ بما هو أهله من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه ﷺ. والقسم الثاني من مديح رسول الله ﷺ قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي ﷺ وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) . فمن مدح النبي ﷺ بأنه غياث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين وأنه مالك الدنيا والآخرة وأنه يعلم الغيب، أو بمثل ما قال البوصيري: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة. فلا يجوز أن يمدح الرسول ﵊ بما يصل إلى درجة الغلو؛ لنهي النبي ﷺ عن ذلك. ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضًا: إن هذا حرام ولا يجوز؛ لأن مدح الرسول ﵊ بما يستحق وبما هو أهل له ﷺ من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة والهدي المستقيم، مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله، وما كان عبادة فإنه لا يجوز أن يتخذ وسيلة إلى الدنيا؛ لقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة وصلت من أخيكم في الله ص. من جمهورية مصر العربية محافظة شمال سيناء يقول: أرجو من فضيلة الشيخ أن يجيب على هذا السؤال: يوجد في بلدي أناس يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، ولكن في كل ليلة اثنين وليلة جمعة بعد صلاة العشاء يعملون دائرة وهم وقوف، وهي ما تسمى بالحضرة، ويعملون فيها أربعة أشواط، وبين كل شوطين يقوم رجل منهم يمدح الرسول. والشوط الأول يقولون فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الشوط الثاني يقولون فيه: الله دائم باقي حي. الثالث يقولون فيه: صل وسلم يا الله على النبي ومن والاه. والرابع يقولون فيه: يا لطيف الطف بنا. فما حكم الإسلام في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء مبتدعون ضالون فيما يحدثونه كل ليلة اثنين وجمعة؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به عمل منكر لم يكن عليه الصحابة ﵃ ولا التابعون لهم بإحسان، فإذا كانوا يعتقدون أن النبي ﷺ يأتي إليهم ويحضرهم كان هذا أشد ضلالًا، وإن اعتقدوا في طوافهم هذا أنهم يطوفون على كعبة فهذا أشد وأنكر؛ لأنه لا طواف إلا على بيت الله الحرام في مكة. والواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن يأخذوا بما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من محدثات الأمور، أي: ما يحدثه الإنسان يتعبد به لله، ومحدثات الأمور هي: كل عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله ﷿ لم يكن عليها رسول الله ﷺ، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أو في العمل. وقولي: كل عبادة هذا باعتبار المبتدع حيث يظنها عبادة، وإلا فإنها ليست بعبادة؛ لأن البدعة ضلالة ليست عبادة. ***
مستمع للبرنامج محروس إبراهيم من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرة يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في أناس يمدحون الرسول أقصد الشيوخ الذين يمدحون الرسول وهم يستعملون المزمار والعود والطبلة؟ وأيضًا ماحكم المقرئين الذين يشترطون على عائلة المتوفى من أجرهم؟ وهل هناك فصال في كتاب الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا السؤال تضمن مسألتين: المسألة الأولى: أولئك الشيوخ الذين يمدحون رسول الله ﷺ مدحًا مقرونًا بآلات اللهو، فنقول في الجواب على هذا: أولًا هذه المدائح هل هي مدائح حق لا تخرج إلى الغلو الذي نهى عنه النبي ﷺ؟ أو هي مدائح تتضمن الغلو في رسول الله ﷺ، وأن ينزل فوق منزلته التي أنزلها الله إياه، كالمدائح التي تجعل للنبي ﷺ حظًا من التصرف في الكون، بل ربما تجعل الكون كله عائدًا إلى رسول الله ﷺ، كقول بعضهم: فإن من جودك الدنيا- يخاطب النبي ﷺ: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فإن هذه المدائح وأمثالها كفر بالله ﷿، سواء اقترنت بآلة لهو أم لم تقترن، ولا يحل لمؤمن أن يقولها في رسول الله ﷺ؛ لأن النبي ﷺ إنما بعث لتطهير الناس من مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى شرك المخلوق بالخالق فيما يستحقه ﷾. ثانيًا إذا كانت هذه المدائح مدائح حق لا غلو فيها ولكنهم جعلوها مصحوبة بهذه المزامير وآلات اللهو فإن هذا محرم؛ لأنها اقترنت بما حرمه النبي ﷺ، إذ إن المعازف وآلات اللهو كلها حرام، إلا ما استثني منها من الدفوف في الأوقات التي أبيحت فيها، ويدل لتحريمها ما رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) . والمعازف هي آلات اللهو كما ذكر ذلك أهل العلم، وفي قرنها بالزنى وشرب الخمر دليل على قبحها وتأكد تحريمها، فهؤلاء الذين يمدحون رسول الله ﷺ بالمدائح المقرونة بآلات اللهو كأنما يسخرون به ﷺ، حيث مدحوه وعظموه بما حرمه على أمته ومنعهم منه. أما المسألة الثانية مما تضمنه هذا السؤال فهو قراءة القراء القرآن للأموات بعد موتهم، وأخذهم الأجرة على ذلك، فإن هذا أيضًا من الابتداع في دين الله ﷿، وقراءة القارىء الذي لا يقرأ إلا بأجرة ليس فيها ثواب؛ لأن قراءة القرآن عمل صالح، وإذا أريد بالعمل الصالح الدنيا حبط وبطل أجره كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . وإذا بطل أجره- أي: أجر هذا القارىء بالأجرة- لم يحصل للميت انتفاع من قراءته، وحينئذٍ يكون هؤلاء الذين استأجروا القارىء ليقرأ القرآن لميتهم قد خسروا في الدنيا والآخرة: أما خسارتهم في الدنيا فهي بذل المال في أمر لا ينفع الميت، وأما خسارتهم في الآخرة فلأنهم استأجروا هذا الرجل أن يقرأ كتاب الله بعوض من الدنيا فأعانوه على الإثم، ومن يعين على الإثم آثم؛ لأن الله ﷾ يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وإن نصيحتي لهذين الصنفين من الناس- الصنف الأول: أولئك المداحون الذين يمدحون رسول الله ﷺ بما نهاهم عنه من الغلو فيه، أو الذين يمدحونه مدحًا مقتصدين فيه ولكنهم يقرنونه بما نهى الله عنه. وكذلك الصنف الثاني: الذين يقرؤون القرآن في المآتم للأموات بالأجرة- أنصحهم جميعًا أن يتقوا الله ﷿، وأن يكونوا في عباداتهم القولية والفعلية والاعتقادية متمشين على سنة الرسول ﷺ التي التمسك بها خير وفلاح في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر وإن كان قد يشق عليهم، بل وإن كان الشيطان قد يريهم أن ذلك شاق عليهم، وأنهم يطلبون به بما يطلبونه من المال والجاه فليصبروا على ذلك وليحتسبوا ثواب الله ﷿ الذي لا حصر له ولا نهاية (إِنَما يُوفى الصَّابرون أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابْ) . وليصبروا على ترك هذه الأمور المحرمة حتى يكونوا أئمة يهدون بأمر الله وكانوا بآيات الله يوقنون. ***
بارك الله فيكم رسالة وصلت من مستمع إلى البرنامج يقول: يقام في بلدنا كل يوم خميس حلقات دينية في بيوت المشايخ: يقوم صاحب الزاوية أو الشيخ الذي تقام في داره الحلقة بتعليم الناس الذين يأتون لحضور هذه الحلقة، ويقومون بمدح الرسول والصحابة والشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي وغيرهم، كما يضربون على الدفوف، ويتحركون حركات هادئة تشبه الركوع ولكنها كثيرة وسريعة. ماذا تقولون في مثل هؤلاء بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في مثل هؤلاء: إن عملهم هذا بدعة، وربما يكون فيه مدائح تصل إلى الكفر، فإن أصحاب المدائح النبوية أحيانًا يصلون بمدائحهم إلى درجةٍ يجعلون فيها رسول الله ﷺ بمنزلة الله ﷾، بل ربما يرتقون فوق ذلك. منهم من يردد قول القائل يخاطب النبي ﷺ: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله ﷿، فهو الذي يدعى عند حلول الحادث العمم، ويلاذ به ﷿، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجيب دعوة المضطرين. أما الرسول ﵊ فإنه لا يملك مثل ذلك، بل هو ﵊ يسأل ربه ويستغيثه ويستعينه، وهو أعبد الناس لربه في هذا المقام. ولهذا لما دخل الرجل إليه والنبي ﷺ يخطب الناس شكا إليه قلة المطر، فرفع النبي ﷺ يديه إلى السماء يدعو الله يقول: (اللهم أغثنا) . فهو ﵊ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فكيف يملك ذلك لغيره؟ إنما هو ﵊ هادٍ يهدي إلى صراط الله ﷿، مثل هذه الأبيات التي أنشدتها لا شك أنها لم تجعل لله تعالى شيئًا؛ لأنه إذا كان من جود النبي ﷺ الدنيا وضرتها وهي الآخرة فإنه لم يبقَ لله شيء، فأقول: هذا العمل الذي يعمله هؤلاء القوم عند هذا الشيخ عملٌ بدعيٌ، وقد يتضمن أشياء منكرةً نكارةً عظيمة، وقد يشتمل على أشياء تكون كفرًا وشركًا أكبر. ولو أن هذا الشيخ جمعهم على العلم، على تعلم كتاب الله وما صح من سنة رسول الله ﷺ لكان هذا خيرًا وأفضل وأكمل، حتى ينتفع وينفع. كذلك ذكر السائل أنهم كانوا يركعون ويسجدون بصفةٍ ويضربون الدفوف بصفةٍ خفيفة سريعة، وهذا أيضًا منكر، لا يجوز لأحدٍ أن يتعبد به لله ﷿، فإن العبادة مبناها على التوقيف وليست على الذوق ولا على الهوى، ولم يرد عن رسول الله ﷺ ولا عن خلفائه ولا عن أحدٍ من سلف الأمة وأئمتها أن يتعبدوا لله تعالى بمثل هذه العبادة، بل هذا منكرٌ بنفسه فضلًا عن أن يكون عبادة. ***
هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يصاحبها النقر على الطبلة، مع القيام بحركات تشبه الرقص. هل هذا جائز شرعًا في نظركم يا فضيلة الشيخ؟ وما هي آداب الذكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أقدم مقدمة تلقي الضوء على جواب هذا السؤال، وذلك أن الله ﷿ خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، كما قال ﷿: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) . والعبادة التي خلقنا الله من أجلها لا تصح إلا بشرطين أساسين: أحدهما: الإخلاص لله ﷿، والثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ أما الإخلاص لله فمعناه: أن يكون العابد قاصدًا بعبادته وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بذلك عرضًا من الدنيا لا مالًا ولا جاهًا ولا تقربًا إلى أحد من المخلوقين، وإنما يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة، كما قال الله تعالى عن محمد رسول الله وأصحابه قال ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) . وقال ﷿: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) . وأما الأصل الثاني فهو المتابعة لرسول الله ﷺ، ودليل هذين الأمرين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقول النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . وقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة لرسول الله ﷺ إلا إذا كان العمل موافقًا للشرع في أمور ستة السبب والجنس والقدر والكيفية والزمان والمكان، فإذا لم يكن العمل موافقًا للشرع في هذه الأمور الستة فإن المتابعة فيه تتخلف. أما السبب: فلا بد أن يكون لهذا العمل سبب شرعي اقتضى أن يفعل، فلو تعبد الإنسان لله تعالى عبادة قرنها بسبب لم يرد به الشرع لم تقبل منه؛ لأنها غير موافقة للشرع، فلا تتحقق فيها المتابعة، ومثال ذلك أن يتعبد الإنسان لله ﷿ بالصلاة على نبيه ﷺ كلما دخل بيته، فإننا نقول: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يوافق الشرع في سببه، إذ لم يرد عن النبي ﷺ أن من أسباب الصلاة عليه ﷺ دخول البيت. ولو أن الإنسان ضحى بفرس لم تقبل أضحيته؛ لأنها لم توافق الشرع في جنسها، إذ إن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم. ولو أن الإنسان صلى الرباعية خمسًا أو الثلاثية أربعًا أو الثنائية ثلاثًا لم يقبل منه؛ لأن ذلك غير موافق للشرع في عدد العبادة. ولو أن الإنسان صلى فقدم السجود على الركوع لم تصح صلاته؛ لأنها غير موافقة للشرع في صفتها وهيئتها. ولو أن الإنسان ضحى قبل صلاة العيد عيد الأضحى لم تقبل أضحيته؛ لأنها غير موافقة للشرع في وقتها. ولو أن الإنسان اعتكف في بيته اعتكافًا يقصد به التقرب إلى الله ﷿ كما يعتكف الناس في المساجد لم يقبل اعتكافه؛ لأنه غير موافق للشرع في مكان العبادة. فإذا علمت هذه المقدمة النافعة، وهي: أن العبادة لا تصح إلا أن تبنى على هذين الأساسين العظيمين، وهما: الإخلاص لله ﷿ والمتابعة لرسوله ﷺ؛ تبين لك حكم هؤلاء الذين ذكرهم السائل، الذين يجتمعون على ذكر الله ﷿ ويجعلون عندهم طبولًا ينقرونها عند كل جملة يذكرون الله بها، ويعملون أعمالًا تشبه الرقص، فهؤلاء مردود عليهم ذكرهم، ويكون ذكرهم الذي تعبدوا به لله على هذا الوجه بدعة، وقد حذر النبي ﷺ من البدع، وأخبر أن كل بدعة ضلالة بدون استثناء، وأتى بـ (كل) الدالة على العموم، ومن المعلوم لنا جميعًا أن رسول الله ﷺ أعلم الخلق بشريعة الله، وأنه أنصح الخلق لعباد الله، وأنه أفصح الخلق في تعبيره وبلاغه، فإذا قال: (كل بدعة ضلالة) فإنه لا يمكن أن نقسم بعد ذلك البدع إلى أقسام، بل نقول: إن البدع كلها ضلالة مهما كانت. ومن ظن أن شيئًا من البدع يكون حسنًا فإنه قد توهم من أحد وجهين: إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة شرعًا، ولكن ظنه بدعة فسماه بدعة. وإما أن يكون الشيء بدعة لكنه ليس بحسن، بل توهم مبتدعه أنه أحسن في ذلك وهو لم يحسن. وأما أن تتحقق البدعة فإنه لا يمكن أن تتحقق أنها حسنة؛ لأن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة) . فهؤلاء المبتدعة الذين أحدثوا في ذكر الله ﷿ ما ليس منه عملهم مردود عليهم، ولا يزيدهم من الله إلا بعدًا، وهو خلاف طريق الذين أنعم الله عليهم والذين يقولون في كل صلواتهم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) . فإن كل مبتدع فهو ضال فيما ابتدع في دين الله، وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذا الذكر، بل أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذه الكيفية التي أحدثوها في ذكر الله، هذا إذا كان الذكر الذي يذكرون الله به موافقًا للشرع في صيغته، أما إذا كان مخالفًا للشرع في صيغته فإنه يكون قبحًا على قبح، كما لو جعلوا أذكارهم هو هو هو وما أشبه ذلك مما يتخذه الصوفية ونحوهم ذكرًا لله ﷿، والرب ﷾ قد بين لنا الطريق وأوضحه على لسان محمد ﷺ إما في كتاب الله وإما في سنة رسول الله ﷺ، قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) . وقال ﷾: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . وقال ﷾: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فإذا كان الله تعالى قد بين لنا البيان التام فإن كل عمل يقربنا إليه ويرضيه عنا فإنه قد بينه ووضحه، ولم يمت رسول الله ﷺ إلا والدين كامل من جميع الوجوه، واتل قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . وحقيقة حال المبتدع أنه يعترض على شريعة الله كأنما يقول: هذه من الشريعة ولكن لم تكن واردة، فالشرع إذًا ناقص؛ لأنه لابد أن يكون الأمر هكذا: إما أن يكون الشرع ناقصًا وهذه البدعة أكملته، وإما أن يكون الشرع تامًا فهذه البدعة زيادة ما أنزل الله بها من سلطان. ولا يحل لنا أن نتقرب إلى الله إلا بما شرع على لسان محمد ﷺ، فنصيحتي لهؤلاء القوم، نصيحتي لهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله ﷿ في عباد الله الذين يتبعونهم ويقتدون بهم، وليرجعوا إلى ما كان عليه نبينا محمد ﷺ وخلفاؤه الراشدون، فإنه الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. ***
أثابكم الله يا شيخ محمد رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين عطية من المدينة المنورة يقول: لقد سمعت حلقة من برنامج نور على الدرب يوم الخميس الموافق ١٤ / ٦ / ١٤٠٧ هـ وسمعت إجابة السؤال الأول من البرنامج والذي قال فيه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بأن كل بدعة ضلالة وذكر الحديث، وقال: ليس هناك بدعة غير ضلالة وليس هناك بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة. سؤالي: هل السَبْحَةْ تعتبر بدعة؟ وهل هي بدعة حسنة أم بدعة ضلالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السَبْحَةْ ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله أو التهليل أو التحميد أو التكبير، فهي وسيلة وليست مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله، أي: بأصابعه؛ لأنهنّ مستنطقات كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيرًا من أولئك الذين يستعملون المسبحة فنجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك؛ لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه أو تهليله وتحميده وتكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب يلتفت يمينًاَ وشمالًا، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحفظ لقلبه غالبًا. الشيء الثالث: أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيرًا من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات، وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا لكنه يخشى منه. فهذه ثلاثة أمور كلها تقضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمِسْبحة، وأن يسبح الله ﷾ بأنامله. ثم إن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ (لأن النبي ﷺ كان يعقد التسبيح بيمينه)، واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلًاَ على الأيسر، ونهى النبي ﵊ أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله، وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، قال النبي ﵊: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) . وقال: (لا يأكلنّ أحدكم بشماله ولا يشربنّ بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) . فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعًا للسنة وأخذًا باليمين، فقد (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) . وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدعة في الدين، والتسبيح بالمسبحة إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع. ***
المستمع عبد الرحمن إبراهيم أحمد من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: في يوم الجمعة عندنا يقوم بعض الناس بالتسبيح ويقولون: الصلاة وألف سلام يا سيدي يا رسول الله، ويستدلون لهذا بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا..) الخ الآية. فكيف نرد على مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لهؤلاء: ما ذكرتم من الآية (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ما ذكرتموه من الآية دليل عليكم وليس دليلًا؛ لكم لأن الله ﷿ أمر بالصلاة والسلام على نبيه كل وقت، ولم يخص ذلك بيوم الجمعة، وأنتم جعلتم هذا في يوم الجمعة فقط. ثم إن الله ﷿ لم يأمر بأن نصلى ونسلم عليه مجتمعين، وأنتم جعلتم الصلاة والسلام عليه مجتمعين، فخالفتم الآية حيث خصصتموها بيوم معين وبصفة معينة، والواجب علينا أن نطلق ما أطلقه الله وأن نقيد ما قيده الله، وأن لا نتجاوز ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة. ونصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يتقيدوا بما جاء به الشرع من العبادات كمية وكيفية ونوعًا ووقتًا ومكانًا؛ لأن من شرط صحة العبادة وقبولها أن تضمن أمرين: الأمر الأول: الإخلاص لله ﷿، والأمر الثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ. دليل الأمر الأول قوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقول النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) . ودليل الثاني قوله ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد)، أو: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة للرسول ﷺ إلا أن تكون العبادة موافقة للشرع في أمور ستة: في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها، فإذا خالفت الشرع في هذه الأمور الستة لم تتحقق فيها المتابعة وكانت باطلة. ***
أحد الإخوة المستمعين سليمان من قرية المقروبة بجمهورية مصر العربية يقول: في قريتنا البعض من الناس يذكرون الله بصوت مرتفع وهم وقوف، ويصلون على النبي ﷺ، ويفعلون ذلك في ليلة الاثنين والجمعة. نصحتهم بذلك وقلت لهم بأن ذلك بدعة في الدين، سخروا مني وقالوا لي: إننا على صواب وأنت الذي على خطأ. وإني رفضت هذا الكلام ولا أبالي، الرجاء من فضيلتكم النصح لمثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن نصيحتنا لمثل هؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم، وأن يعرفوا قدر أنفسهم، وأن يعلموا أنه لا يحل لهم أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وأنه ليس لهم الحق أن يشرعوا في دين الله ما ليس منه، فالدين دين الله ﷿، وهو الذي يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته مما فيه مصلحتهم في الحاضر والمستقبل، وهم يعلمون- شاؤوا أم أبوا- أن الدين دين الله وأن الشرع شرعه، ولكني أريد منهم أن يطبقوا هذا العلم، بحيث لا يتجاوزون شرع الله فيتعبدون له بما لم يشرعه. وليعلم هؤلاء أن كل عمل قولي أو فعلي أو عقدي يقومون به تقربًا إلى الله ﷿ فإنه لا يزيدهم من الله إلا بعدًا إذا لم يكن مشروعًا بكتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، ولهذا كان النبي ﷺ يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . فأخبرنا رسول الله ﷺ بهذا الحديث الذي يعلنه في خطبة الجمعة، أخبرنا بأن خير الهدي هدي محمد ﷺ، فما خالف هديه فهو شر، وأخبرنا أيضًا أن كل بدعة في دين الله، ضلالة وأن كل ضلالة في النار. فليعلم هؤلاء أن هذا العمل عناء وعقاب، عناء في الدنيا ومشقة وتعب ونصب، وعقاب يوم القيامة. ولا أخص هؤلاء بما ابتدعوه من الصلاة على النبي ﷺ على الكيفية التي ذكرها السائل، ولكني أتكلم على بدعتهم هذه وعلى جميع ما ابتدع في دين الله تعالى من عقيدة أو قول أو عمل، فعلى المرء أن يكون عبدًا لله ﷿ بمعنى هذه العبودية، فلا يتقدم بين يديه ولا يدخل في دينه ما لم يشرعه. ***
ما حكم سماع الموالدي الذي يمدح الرسول في الليالي ومعه طائفةٌ من الإخوان يرددون المدح والتهليل بمكبر الصوت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي ﷺ على هذا الوجه من البدع، فإنه لم يكن معروفًا عند الصحابة: أن يقوموا بمدح الرسول ﷺ في الأسواق جهرًا أو في المساجد جهرًا أو يعلنون ذلك على الملأ، وإنما كانوا يصلون على النبي ﷺ الصلاة الواردة عنه، ويصفونه ﷺ بما يستحقه من صفات بدون مغالاة؛ لأنهم يعلمون ﵃ أن النبي ﷺ نهى عن الغلو فيه، فهذه الصفة بمجردها بدعةٌ منهي عنها. ثم إن كان في تلك المدائح أوصاف لا تصح إلا لله ﵎ فإنها لا تجوز، وتكون أيضًا مذمومةً من ناحية أخرى وهي: الشرك، مثل قول القائل يخاطب النبي ﵊: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العممِ إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدمِ فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ فإن هذا لا يرضاه النبي ﷺ ولا يرضاه غيره من المؤمنين؛ لأن هذه الأوصاف لا تليق إلا لله ﷿، بل إن قوله إن من جودك الدنيا وضرتها جعل هذا أعظم من الله ﷿، ومن علومك علم اللوح والقلم هذا والعياذ بالله منكرٌ عظيم وشرك بالله ﵎. فالمهم أن هذه المدائح بمجرد صفتها التي ذكرها السائل هي بدعة، ثم إن كانت مشتملة على ما لا يليق بالنبي ﷺ بمعنى: على ما لا يرضاه النبي ﷺ من الغلو- فإنها تزداد قبحًا على قبحها.
يافضيلة الشيخ: هذا بالنسبة لمن يقوم بها ويتحلق عليها، لكن حكم من يسمعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاستماع إليها فهذا لا يجوز؛ لأن الاستماع إلى المنكر منكر. وأما سماعها والإنسان عابرٌ مار، أو سماعها والإنسان في بيته بدون قصد الاستماع فهذا لا يضر، ولكنه يجب عليه أن ينصحهم وينهاهم عن ذلك إن انتهوا، وإلا فلا شيء عليه منهم. ***
وصلتنا رسالة من المستمع م. ع. ص. من جمهورية مصر العربية يقول: ما حكم الشرع في نظركم في أعياد الميلاد والاحتفال بذكرى المولد للرسول ﷺ؟ لأنها تنتشر عندنا بكثرة، أفيدونا بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: نظرنا في هذه المسألة أن نقول: إن رسول الله ﷺ رسول إلى الخلق أجمعين، وإنه يجب على جميع الخلق أن يؤمنوا به ويتبعوه، وإنه يجب علينا مع ذلك أن نحبه أعظم من محبتنا لأنفسنا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه رسول الله ﷺ، ونرى أن من تعظيم النبي ﷺ وعلامة محبته أن لا نتقدم بين يديه بأمر لم يشرعه لنا؛ لأن ذلك من التقدم عليه وقد قال الله تعالى:؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ؟. وإقامة عيد لميلاد النبي ﷺ لا تخلو من أحوال ثلاث: إما أن يفعلها الإنسان حبًا وتعظيمًا للنبي ﷺ، وإما أن يفعلها لهوًا ولعبًا، وإما أن يفعلها مشابهةً للنصارى الذين يحتفلون بميلاد عيسى بن مريم ﵊. فعلى الأول: إذا كان يفعلها حبًا وتعظيمًا للرسول الله ﷺ فإنها في هذه الحال تكون دينًا وعبادة؛ لأن محبة النبي ﷺ وتعظيمه من الدين، قال الله تعالى:؟إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا؟ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا؟. وإذا كان ذلك من الدين فإنه لا يمكن لنا ولا يسوغ لنا أن نشرع في دين النبي ﷺ ما ليس منه، إذ إن ذلك- أي: شرعنا في دين النبي ﷺ ما ليس منه- يستلزم أحد أمرين باطلين: فإما أن يكون الرسول ﷺ لم يعلم بأن هذا من شريعته، وحينئذٍ يكون جاهلًا بالشرع الذي كلف بتبليغه، ويكون من بعده ممن أقاموا هذه الاحتفالات أعلم بدين الله من رسوله، وهذا أمر لا يمكن أن يتفوه به عاقل فضلًا عن مؤمن. وإما أن يكون النبي ﷺ قد علم، وأن هذا أمر مشروع، ولكنه كتم ذلك عن أمته، وهذا أقبح من الأول، إذ إنه يستلزم أن النبي ﷺ قد كتم بعض ما أنزل الله عليه وأخفاه على الأمة، وهذا من الخيانة العظيمة، وحاشا رسول الله ﷺ أن يكتم شيئًا مما أنزل الله عليه. قالت عائشة ﵂: لو كان النبي ﷺ كاتمًا شيئًا مما أنزل الله عليه لكتم قول الله تعالى (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . وبهذا بطلت إقامة الاحتفال بمولد النبي ﷺ من أجل محبته وتعظيمه. وأما الأمر الثاني، وهو: أن تكون إقامة هذه الاحتفالات على سبيل اللهو واللعب، فمن المعلوم أنه من أقبح الأشياء أن يفعل فعل يظهر منه إرادة تعظيم النبي ﷺ وهو للعب واللهو، فإن هذا نوع من السخرية والاستهزاء، وإذا كان لهوًا ولعبًا فكيف يتخذ دينًا يعظم به النبي ﷺ؟ وأما الأمر الثالث، وهو: أن يتخذ ذلك مضاهاة للنصارى في احتفالاتهم بميلاد عيسى بن مريم ﵊، فإن تشبهنا بالنصارى في أمر كهذا يكون حرامًا؛ لأن النبي ﷺ قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) . ثم نقول: إن هذا الاحتفال بمولد النبي ﷺ لم يفعله الصحابة ﵃، ولا التابعون لهم بإحسان، ولا تابعو التابعين، وإنما حدث في القرن الرابع الهجري، فأين سلف الأمة عن هذا الأمر الذي يراه فاعلوه من دين الله؟ هل هم أقل محبة وتعظيمًا منا لرسول الله؟ أم هل هم أجهل منا بما يجب للنبي ﷺ من التعظيم والحقوق؟ أم ماذا؟ إن أي إنسان يقيم هذا الاحتفال يزعم أنه معظم للنبي ﷺ فقد ادعى لنفسه أنه أشد تعظيمًا لرسول الله ﷺ وأقوى محبة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، ولا ريب أن محبة النبي ﷺ وتعظيمه إنما يكون باتباع سنته ﷺ؛ لأن اتباع سنته أقوى علامة تدل على أن الإنسان يحب النبي ﷺ ويعظمه، أما التقدم بين يديه وإحداث شيء في دينه لم يشرعه فإن هذا لا يدل على كمال محبة الرسول ﷺ وتعظيمه. قد يقول قائل: نحن لا نقيمه إلا من باب الذكرى فقط. فنقول: يا سبحان الله! تكون لكم الذكرى في شيء لم يشرعه النبي ﵊، ولم يفعله الصحابة ﵃؟ مع أن لديكم من الذكرى ما هو قائم ثابت بإجماع المسلمين، وأعظم من هذا وأدوم: فكل المسلمين يقولون في أذان الصلوات الخمس: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وكل المسلمين يقولون في صلاتهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وكل المسلمين يقولون عند الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. بل إن ذكرى النبي ﷺ تكون في كل عبادة يفعلها المرء؛ لأن العبادة من شرطها الإخلاص والمتابعة لرسول الله ﷺ، فإذا كان الإنسان مستحضرًا ذلك عند فعل العبادة فلا بد أن يستحضر أن النبي ﷺ إمامه في هذا الفعل، وهذا تذكر. وعلى كل حال فإن فيما شرعه الله ورسوله من علامات المحبة والتعظيم لرسول الله ﷺ كفاية عما أحدثه الناس في دينه مما لم يشرعه الله ولا رسوله، ونسأل الله ﷾ أن يوفق الجميع لما فيه الخير. على أن هذه الاحتفالات فيما نسمع يكون فيها من الغلو والإطراء ما قد يخرج الإنسان من الدين، ويكون فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء ما تخشى منه الفتنة والفساد، والله أسأل أن يهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشدًا، وأن يوفقها لما فيه صلاح دينها ودنياها وعزتها وكرامتها، إنه جواد كريم. ***
هذه رسالة وصلت من مكة المكرمة يقول فيها السائل: كثير من الناس يقول بأن المولد ليس ببدعة؛ لأن فيه ذكرًا للرسول ﷺ وتمجيدًا لذكره، وليس فيها لهو من غناء وغيره، بل هو ذكر فقط في سيرة المصطفى ﷺ. ما الحكم إذا كان المولد بهذه الصورة؟ أريد جوابًا شافيًا وواضحًا لهذا الموضوع؛ لأن الكثير من الناس يرون أنه ليس فيه شيء من البدع لأنه ذكر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن النبي ﷺ سيد ولد آدم، ولا شك أن له حقوقًا علينا أكثر من حقوق أمهاتنا وآبائنا، ولا شك أنه يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ولا شك أن له من المناقب والفضائل ما لم يكن لغيره، وهذا أمر مسلم. وإذا كان هذا يسأل عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نبحث في هذه المسألة من ناحيتين: أولًا: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت أن ولادته كانت في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، ولا كانت يوم الثاني عشر من ربيع الأول، بل حقق بعض المعاصرين من الفلكيين أن ولادته كانت في اليوم التاسع من ربيع الأول، وعلى هذا فلا صحة لكون المولد يوم الثاني عشر أو ليلة الثاني عشر من الناحية التاريخية. أما من الناحية التعبدية فإننا نقول: الاحتفال بالمولد ماذا يريد به المحتفلون؟ أيريدون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ إن كانوا يريدون هذا فإظهار محبته بإظهار شريعته ﵊ والالتزام بها، والذود عنها وحمايتها من كل بدعة. أم يريدون ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فذكرى رسول الله ﷺ حاصلة فيما هو مشروع كل يوم: فالمؤذنون يعلنون على المنائر أشهد أن محمدًا رسول الله، والمصلون في كل صلاة يقول المصلى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ويقول: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد بل كل عبادة فهي ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن العبادة مبنية على أمرين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، وبالمتابعة لرسول الله ﷺ تكون الذكرى في القلب. أم يريد هؤلاء أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإظهار مناقبه؟ فنقول: نعم هذه الإرادة ونحن معهم نحث على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحث على إظهار مناقبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمته؛ لأن ذلك يؤدي إلى كمال محبته وتعظيمه واتباع شريعته. ولكن هل ورد هذا مقيدًا بذلك اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم إنه عام في كل وقت وحين؟ فالجواب بالثاني. ثم نقول: اقرأ قول الله ﷿: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فهل نحن متبعون للمهاجرين والأنصار في إقامة هذا المولد، بل في إقامة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فالجواب: لا؛ لأن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم لم يقيموا هذا الاحتفال ولم يندبوا إليه أبدًا، أفنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم؟ أم هم غافلون مفرطون في إقامة هذا الحق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم هم جاهلون به لا يدرون عنه؟ كل هذا لم يكن؛ لأن وجود السبب مع عدم المانع لابد أن يحصل مقتضاه، والصحابة لا مانع لهم من أن يقيموا هذا الاحتفال، لكنهم يعلمون أنه بدعة، وأن صدق محبة الرسول ﵊ في كمال اتباعه، لا أن يبتدع الإنسان في دينه ما ليس منه، فإذا كان الإنسان صادقًا في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي اعتقاده أنه سيد البشر فليكن ملتزمًا بشريعته: ما وجد في شريعته قام به، وما لم يوجد أعرض عنه، هذا خالص المحبة وهذا كامل المحبة. ثم إن هذه الموالد يحصل فيها من الاختلاط والكلمات الزائدة في الغلو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى أنهم يترنمون بالبردة المضافة إلى البوصيري وفيها يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم كيف يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العظيم؟ هل هذا صحيح؟ هذا يعني أن هذا الذي أصيب بالحادث لا يرجع إلى الله ﷿ ولا يلوذ بالله ﷿، وهذا شرك، ثم يقول: إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فهل الرسول ﵊ ينقذ الناس يوم المعاد؟ إن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك اليوم: اللهم سلم اللهم سلم عند عبور الصراط. ويقول أيضًا في هذه القصيدة وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإن من جودك الدنيا وضرتها) الدنيا وضرتها هي الآخرة من جود الرسول ﷺ، وليس كل جوده، بل هي من جوده، وجوده أجود من هذا، فإذا جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊ ماذا بقي لله تعالى في الدنيا والآخرة؟ لن يبقى شيء، كل هاتين الدارين من جود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويقول أيضًا: (ومن علومك علم اللوح والقلم) - سبحان الله! - من علومه- وليست كل علومه- أن يعلم ما في اللوح المحفوظ، مع أن الله تعالى أمر نبيه أمرًا خاصًّا أن يقول: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) . فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم ما غاب عنه في الدنيا فكيف يقال: إنه يعلم علم اللوح والقلم؟ بل إن علم اللوح والقلم من علومه، وهذا غلو لا يرضاه الرسول ﵊، بل ينكره وينهى عنه. ثم إنه يحصل بهذا الاحتفال بالمولد أشياء تشبه حال المجانين: سمعنا أنهم بينما هم جلوس إذا بهم يفزون ويقومون قيام رجل واحد، ويدَّعون أن النبي ﷺ حضر في هذا المجلس وأنهم قاموا احترامًا له، وهذا لا يقع من عاقل فضلًا عن مؤمن، أشبه ما به جنون! فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره لا يخرج إلى يوم البعث، كما قال الله ﷿: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . والخلاصة أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح من الناحية التاريخية ولا يحل من الناحية الشرعية، وأنه بدعة، وقد قال أصدق الخلق وأعلم الخلق بشريعة الله: (كل بدعة ضلالة) . وإني أدعو إخواني المسلمين إلى تركه والإقبال على الله ﷿، وتعظيم سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشريعته، وألا يحدث الإنسان في دين الله ما ليس من شريعة الله. وأنصحهم أن يحفظوا أوقاتهم وعقولهم وأفكارهم وأجسامهم وأموالهم من إضاعتها في هذا الاحتفال البدعي، وأسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق وإصلاح الحال، إنه على كل شيء قدير. فضيلة الشيخ: متى ظهرت بدعة المولد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في القرن الرابع، يعني: مضت الثلاثة القرون المفضلة ولم يقمها أحد، في القرن الرابع وجدت، وفي القرن السابع كثرت وانتشرت وتوغلت. وقد أُلف في ذلك والحمد لله مؤلفات تبين أول هذه البدعة وأساسها ومكانتها من الشرع، وأنها لا أصل لها في شريعة الله. فضيلة الشيخ: يزعم أناس بأنهم يحبون الرسول فأتوا بالمولد فاحتفلوا بالمولد وأتوا بالمدائح، فما حكم الاحتفال بالمولد حيث يزعمون بأنه حب للرسول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على القاعدة التي ذكرت لك: من أحب الرسول فليتبع سنته، من أحب الرسول فلا يبتدع في دينه ما ليس منه، ولنا ولغيرنا كتابات في هذا الموضوع وبيانات، والذي نسأل الله تعالى إياه أن يهدي إخواننا للصراط المستقيم. ويا سبحان الله! أين أبو بكر؟ أين عمر؟ أين عثمان؟ أين علي؟ أين الصحابة؟ أين الأئمة عن هذا؟ أجهلوه أم فرطوا فيه؟ لا يخلو الأمر من أحد أمرين: إما أنهم جاهلون بحق الرسول ﵊ أن لا يقيموا الاحتفال لمولده، أو أنهم مفرطون تذهب القرون الثلاثة كلها لا تعلم بهذه البدعة، ونقول: إنها مشروعة، إنها محبوبة إلى الله ورسوله، إنها نافعة لمن قام بها؟ هذا لا يمكن. ثم إنه يحدث في هذه الموالد من المنكرات العظيمة والغلو بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيء كثير، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا الاتباع، نسأل الله تعالى إيمانًا لا كفر معه، ويقينًا لا شك معه، وإخلاصًا لا شرك معه، واتباعًا لا ابتداع معه. ***
هذا السائل طاهري محمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ هل احتفل الرسول ﷺ بميلاده كما يفعل البعض أم لا؟ أرجو منكم التوجيه والنصح في هذا الموضوع مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: لم يحتفل النبي ﷺ بذكرى ميلاده، ولم يحتفل بذلك أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة الكرام ﵃، ولم يحتفل بذلك التابعون لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولا تابعو التابعين ولا أئمة المسلمين، وإنما ابتدع هذا الاحتفال بذكرى مولد الرسول ﷺ في أثناء المائة الرابعة، أي: بعد ثلاثمائة سنة من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولا شك أن الحامل لهذا الاحتفال ممن أسسه، لا شك أنه إن شاء الله تعالى حب الرسول ﵊، لكن حب الرسول ﵊، إنما يتبين حقيقةً باتباع الرسول ﵊ فمن كان للرسول أحب كان له أتبع بلا شك، ومن كان للرسول أتبع كان ذلك أدل على محبته لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا يقول المبتدعون لأهل السنة المتمسكين بها يقولون: إن هؤلاء لا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونقول: سبحان الله! أيهما أقرب إلى حب الرسول ﵊: من شرع في دينه ما ليس منه، أو من تمسك بهديه وسنته؟ الجواب لا شك أنه الثاني: أن من تمسك بهديه وسنته فهو أشد حبًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن ابتدع في شريعته ما لم يشرعه ﵊، بل إن البدعة الشرعية في دين الله مضمونها القدح برسول الله ﷺ، كأن المبتدع يقول: إن رسول الله ﷺ جاهل بمشروعية هذه البدعة، أو: إن رسول الله ﷺ عالم بمشروعيتها لكن كتمها عن أمته. وكلا الأمرين قدحٌ واضح في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلو تأمل المبتدع ما تتضمنه بدعته من اللوازم الفاسدة لاستغفر الله منها، ولعاد إلى السنة فورًا بدون أي واعظ. وخلاصة القول في الجواب على هذا السؤال: أن النبي ﷺ لم يحتفل بذكرى ميلاده أبدًا، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابة ولا التابعون، ولا تابعو التابعين، ولا أئمة المسلمين، وإنما حدث ذلك من بعض الولاة واستمر الناس عليه إلى يومنا هذا، ولكني واثقٌ بإذن الله ﷿ أن هذه الصحوة المباركة التي في شباب الأمة الإسلامية سوف تقضي على هذه البدعة، وسوف تزول شيئًا فشيئًا كما تبين ذلك في بعض البلاد الإسلامية، ممن تذكروا حين ذكروا واتعظوا حين وعظوا ولم يعودوا إلى هذه البدعة. قد يقول المبتدع: أنا لم أحدث شيئًا: أنا أصلى على النبي ﷺ، وأذكره بالخير، وأثني عليه، وأحيي ذكراه في القلوب. نقول: هذا حسن: الصلاة على النبي ﷺ محمودة، والثناء عليه بما هو يستحق محمود، وكذلك إحياء ذكراه محمود، ولكن الله ﷿ ورسوله ﷺ شرع لأمته ما تحصل به الذكرى والمحبة على غير هذا الوجه: نحن نذكر الرسول ﵊ في كل عبادة، هذا هو الذي ينبغي لنا أن نفعله، أي: أن نذكر الرسول ﷺ في كل عبادة، وذلك لأن كل عبادة مبنية على أمرين: على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله ﷺ، وحينما تشعر بأنك في عبادتك متبعٌ لرسول الله سيكون هذا ذكرى لرسول الله ﷺ. كذلك أيضًا نحن نذكر النبي ﵊ ونرفع شأنه وذكراه في أعلى الأمكنة في كل يومٍ وليلة خمس مرات، في الأذان، نقول في كل أذان: أشهد أن محمدًا رسول الله، وهذا إحياءٌ لذكراه وإعلاءٌ لشأنه من على المنارات بالأصوات المرتفعة، ونقول أيضًا مرةً ثانية عند القيام للصلاة في الإقامة أشهد أن محمدًا رسول الله، أي ذكرى أعظم من هذه الذكرى؟ كذلك إذا فرغنا من الوضوء نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كذلك في الصلاة في التشهد نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. في كل أحوالنا، في كل عباداتنا نحن نذكر الرسول ﵊؛ لأن العبادة إخلاصٌ واتباع، إخلاصٌ لرب العالمين واتباعٌ لرسول رب العالمين، فهي إحياء الذكرى، فلا حاجة أن نبتدع في شريعة الله ما ليس منها من أجل إحياء الذكرى. ثم إنه- كما قال بعض أهل العلم- إحياء ذكرى الرسول ﵊ في هذه الليلة يوجب أن ينسى ذكر الرسول في غير هذه الليلة، وأن يترقب هؤلاء مجيء هذه الليلة ليحيوا ذكرى رسول الله ﷺ فيها. لهذا نوجه إخواننا المسلمين من على هذا المنبر- ألا وهو: منبر نورٌ على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية، نوجه جميع إخواننا المسلمين- إلى أن يتدبروا الأمر وينظروا فيه، ويحرصوا على اتباع الرسول ﷺ واتباع الخلفاء الراشدين حيث أمرنا باتباعهم، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) وانتبه لهذا القيد "اتبعوهم بإحسان" والإحسان اتباع آثارهم حقيقةً فعلًا وتركًا، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . وقال النبي ﵊: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فليتدبر إخواننا المسلين في بقاع الأرض، ليتدبروا هذه المسألة، وليقولوا في أنفسهم: أنحن خيرٌ أم أصحاب رسول الله ﷺ؟ ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. أنحن أشد حبًا لرسول الله ﷺ من أصحابه؟ أنحن أشد حرصًا على الطاعات من أصحابه؟ كل هذا الجواب فيه لا وإذا كان الجواب فيه: لا، فليكن أيضًا الجواب في الاحتفال بذكرى مولده: لا، وليعلموا أنهم إذا تركوا ذلك لله ﷿ وتحقيقًا لاتباع الرسول ﷺ فسيجعل الله في قلوبهم من الإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ما لم يكن فيها عند وجود هذه الاحتفالات التي يدَّعون أنها ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. *** ٥٧٩-بعث بهذه الرسالة إبراهيم محمد عبد الله قدس بالسودان مدينة السوكي يقول: الاحتفال في ليلة الإسراء والمعراج، وهنا في السودان نحتفل أو يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج في كل عام. هل هذا الاحتفال له أصل من كتاب الله ومن سنة رسوله الطاهرة، أو في عهد خلفائه الراشدين، أو في زمن التابعين؟ أفيدوني وأنا في حيرة وشكرًا لكم جزيلًا فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لهذا الاحتفال أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ ولا في عهد خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وإنما الأصل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يردُّ هذه البدعة؛ لأن الله ﵎ أنكر على الذين يتخذون من يشرعون لهم دينًا سوى دين الله ﷿ وجعل ذلك من الشرك، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) . ولأن رسول الله ﷺ يقول: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . والاحتفال بليلة المعراج ليس عليه أمر الله ولا رسوله ﷺ، ولقول النبي ﷺ محذرًا أمته، يقوله في كل خطبة جمعة على المنبر: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . وكلمة: (كل بدعة) هذه جملة عامة ظاهرة العموم؛ لأنها مصدَّرة بـ (كل) التي هي من صيغ العموم، التي هي من أقوى الصيغ: (كل بدعة)، ولم يستثن النبي ﷺ شيئًا من البدع، بل قال: (كل بدعة ضلالة) .والاحتفال بليلة المعراج من البدع التي لم تكن في عهد الرسول ﷺ ولا في عهد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عنها، وأن يعتنوا باللب دون القشور، إذا كانوا حقيقة معظمين لرسول ﷺ فإن تعظيمه بالتزام شرعه وبالأدب معه، حيث لا يتقربون إلى الله ﵎ من طريق غير طريقه ﷺ، فإن من كمال الأدب وكمال الاتباع لرسول الله ﷺ أن يلتزم المؤمن شريعته، وأن لا يتقرب إلى الله بشيء لم يثبت في شريعته ﷺ. وعلى هذا فنقول: إن الاحتفال بدعة يجب التحذير منها والابتعاد عنها، ثم إننا نقول أيضًا: إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي، بل إن أقرب الأقوال في ذلك- على ما في هذا من النظر- أنها في ربيع الأول، وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذًا لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لم تصح تاريخيًا كما أنها لم تصح شرعًا، والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام. فضيلة الشيخ: طيب ربما يقال: ما الذي ينبغي للمسلم أن يفعله إذا وافق هذه الليلة مثلًا في أول الربيع أو في رجب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يفعل شيئًا؛ لأن من هم أحرص منا على الخير وأشد منا تعظيمًا لرسول الله ﷺ وهم الصحابة ﵃ ما كانوا يفعلون شيئًا عند مرورها، ولهذا لو كانت هذه الليلة مشهورة عندهم ومعلومة لكانت مما ينقل نقلًا متواترًا لا يمتري فيه أحد، ولكانت لا يحصل فيها هذا الخلاف التاريخي الذي اختلف فيه الناس واضطربوا فيه، ومن المعلوم أن المحققين قالوا: إنه لا أصل لهذه الليلة التي يزعم أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين، ليس لها أصل شرعي ولا تاريخي. فضيلة الشيخ: إذًا الاختلاف في وقتها دليل على عدم الاحتفاء بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
المرسلة ل. م. ن. تقول في رسالتها: نحن كل سنة يقام عيد خاص يسمى عيد الأم، وهو في واحد وعشرين آذار يحتفل فيه جميع الناس، فهل هذا حرام أو حلال؟ وعلينا الاحتفال به أم لا وتقديم الهدايا؟ أفيدونا بذلك مشكورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ما كانت معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله ﷾. والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله ﷾؛ لقول النبي ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز العيد الذي ذكرته السائلة والذي سمته عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله ورسوله في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه. والذي ينبغي للمسلم أيضًا أن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن تكون شخصيته بمقتضى شريعة الله ﷾، حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه، كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . والأم أحق من أن يحتفل بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها وأن يعتنوا بها وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله ﷿ في كل زمان وفي كل مكان. ***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: ما حكم تبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء في مناسبات أعياد الميلاد وعيد الزواج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشطر الأول من السؤال فلا أدري هل يريد بذلك- في الأعياد- أعياد الميلاد النصرانية، أو أنه يريد بأعياد الميلاد أعياد الميلاد النبوية التي يفعلها من يفعلها في مناسبة مولد الرسول ﷺ؟ فإن كان يريد الأول: فالتهادي في هذه الأعياد والاحتفال بها واعتقاد أنها أيام فرح وسرور مشاركة للمشركين في أعيادهم، وهو محرمٌ بالاتفاق، كما نقله ابن القيم وغيره، ولا يجوز بذل الهدايا لا للمسلمين ولا للنصارى في أعياد ميلادهم؛ لأن بذل ذلك رضًا بما هم عليه من الملة الشركية الكفرية، والإنسان فيها على خطرٍ عظيم. وأما إذا كان المراد بالأعياد أعياد الميلاد أعياد ميلاد الرسول ﵊ التي ابتدعها من ابتدعها: فالتهادي فيها حكمه حكم اتخاذها عيدًا، واتخاذ أيام ميلاد الرسول ﵊ عيدًا الصحيح من الأقوال أنه غير مشروع؛ لأنه لم يحدث في عهد الرسول ﵊، ولا عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة بعدهم، ولا عهد التابعين ولا عهد تابعي التابعين، وأول ما حدث عام ثلاثمائةٍ وواحد وستين من الهجرة، فصار الناس فيه ثلاثة أقسام: قسمٌ مؤيد، وقسمٌ مفند، وقسمٌ مفصل. أما المؤيد فيقول: إن هذا من باب إظهار فرحنا برسول الله ﷺ وتعظيمنا له، حتى لا يقول النصارى: إن المسلمين لا يحتفلون بنبيهم ولا يهتمون به، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم"، فيكون استحسان ذلك من باب دفع اللوم عن الأمة الإسلامية. ومنهم من علل بأن هذا الاحتفال ليس إلا صلاةً على رسول الله ﷺ، وثناءً عليه، وإحياءً لذكره، وهذا أمرٌ مطلوب على وجه العموم، وما كان مطلوبًا على وجه العموم فلا مانع من أن نقوم به عند مناسبته. وأما المفندون له فقالوا: إنه ما من شك في أن محبتنا لرسول الله ﷺ واجبة، وأنه يجب علينا أن نقدم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وأنه يجب علينا أن نعظمه ما يستحق من التعظيم، ولكن المحبة تستلزم أن لا نتجاوز طريق المحبوب، والتعظيم يستلزم أن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نسيء الأدب معه، بل نلتزم بما شرع لنا من الشرائع، ولا نحدث في دينه ما ليس منه. ولا ريب أن الاحتفاء أو الاحتفال بمولد الرسول ﵊ لا ريب أن فاعله إنما يقصد من ذلك التقرب إلى الله ﷿، والتقرب إلى الله تعالى عبادة، والعبادة لا بد فيها من أن تثبت بدليلٍ شرعي؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا ما قام الدليل عليه، وادعاء أن هذا من باب إحياء ذكره وتعظيمه ودفع اللوم عن المسلمين منقوض ومدفوعٌ: بأن ذكر رسول الله ﷺ على قلب كل مؤمن في كل عبادةٍ يفعلها، فإن العبادة لا بد فيها من الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، وحينئذٍ فإن كل عابدٍ يريد أن يحقق العبادة فسيكون ذكر رسول الله ﷺ على قلبه عند فعل كل عبادة، من أجل أنه يشعر بأنه متبعٌ لرسول الله ﷺ فيها. وأيضًا فإن ذكرى رسول الله ﷺ بما لم يشرعه ليست بحميدة، وفي ذكراه بما شرعه ما يغني عن ذلك وأكثر، فالمسلمون يعلنون في كل يومٍ خمس مرات ذكر اسم الرسول ﷺ على الأماكن العالية، وفي كل صلاة وعند كل صلاة، فلم يغب ذكر رسول الله ﷺ ولله الحمد عن المسلمين في كل وقت لا في الليل ولا في النهار، وهم في غنىً عن هذا الأمر الذي أحدث ولم يكن في عهده ﷺ. وأما المفصلون فقالوا: إن اقتصر الاحتفال بالمولد على مجرد قراءة سيرة النبي ﷺ وذكر شمائله وصفاته والصلاة عليه ﷺ فهذا لا بأس به؛ لأنه عبادةٌ شرع جنسها، ولا مانع من أن تخصص بوقتٍ مناسب. أما إذا كان في هذا الاحتفال ما يناقض ذلك من الغلو برسول الله ﷺ وإنشاد القصائد التي قد تخرج الإنسان من الملة بالشرك الأكبر، أو بالخرافات التي يقوم بها من يحتفلون بهذا المولد من الصفق والصراخ والزعيق، واعتقاد أن الرسول ﷺ حضر ثم يقومون له- زعموا- تبجيلًا وتعظيمًا وما أشبه ذلك، فهذا حرام. ولكن على القول الراجح تفنيد هذا الاحتفال مطلقًا، سواءٌ اشتمل على ما فيه الغلو والخرافات أم لم يشتمل، وكفى بما شرعه النبي ﷺ، كفى به غنية عما سواه. ونحن نقول: إذا دار الأمر بين أن يكون فعلك هذا قربة أو بدعة فالسلامة أسلم، وما دام الله ﷿ لم يكلفك به ولم يأمرك به فاحمد الله على العافية، وجانب ما قد يكون ضررًا عليك، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. ***
السائل أبو معاذ من الرياض يقول: يحتفل الزوجان فيما بينهما بيوم زواجهما، ويجعلان لذلك اليوم خاصية عن الأيام الأخرى وذلك للذكرى، فيتبادلان الهدايا بينهما. فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن ذلك لا يجوز؛ لأنهم يتخذون هذا عيدًا: كلما جاء ذلك اليوم اتخذوه عيدًا يتبادلون فيه الهدايا والفرح وما أشبه ذلك، لكن لو فعلوا هذا عند الزواج ليلة الزفاف أو في أيام الزواج فلا بأس، أما أن يجعلوه كلما مر هذا اليوم من كل سنة فعلوا هذا الاحتفال فلا يجوز؛ لأن الأعياد الشرعية ثلاثة: عيد الفطر، وعيد النحر، وعيد الأسبوع. ***
هذه أختكم في الله م. م. أ. الدوحة قطر تقول: لقد اعتدنا في نصف شهر شعبان كل سنة توزيع بعض الأطعمة والمأكولات على الجيران تصدقًا، فهل هذا العمل بدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل بدعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد النبي ﷺ وأصحابه، وكل ما يتقرب به العبد مما ليس على عهد النبي ﷺ وأصحابه فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور) . حتى لو فرض أن الإنسان قال: أنا لا أقصد بذلك التقرب إلى الله، ولكنها عادة اعتدناها. نقول: تخصيص العادة بيوم معين يتكرر كل سنة يجعل هذا اليوم بمنزلة العيد، ومن المعلوم أنه ليس هناك عيد في الشريعة الإسلامية إلا ما ثبت في الشريعة، كعيد الفطر، وعيد الأضحى، وكذلك يوم الجمعة هو عيد للأسبوع، وأما النصف من شعبان فلم يثبت في الشريعة الإسلامية أنه عيد، فإذا اتخذ عيدًا توزع فيه الصدقات أو تهدى فيه الهدايا على الجيران كان هذا من اتخاذه عيدًا. ***
هذه مستمعة أم عبيد من جمهورية مصر العربية محافظة الشرقية تقول: في بلدنا بعض العادات التي وجدناها في بعض المناسبات، يعني: في عيد الفطر يعملون الكعك والبسكويت، وأيضًا في السابع والعشرين من رجب يحضرون اللحوم والفاكهة والخبز، كذلك في النصف من شعبان، وفي مولد النبي ﷺ يحضرون الحلوى والعرائس وغيرها، في شم النسيم يحضرون البيض والبرتقال والبلح، وكذلك في عاشوراء يحضرون اللحم والخبز والخضروات وغيرها. ما حكم الشرع يا شيخ محمد في هذا العمل في نظركم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ظهور الفرح والسرور في أيام العيد عيد الفطر أو عيد الأضحى فإنه لا بأس به إذا كانت بالحدود الشرعية، ومن ذلك أن يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ﷿، يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى. وكذلك في العيد أيضًا الناس يضحون ويأكلون من ضحاياهم ويتمتعون بنعم الله عليهم، وكذلك في عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور ما لم يتجاوز الحد الشرعي. أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب أو في ليلة النصف من شعبان أو في يوم عاشوراء فإنه لا أصل له، وينهى عنه ولا يحضر إذا دعي الإنسان إليه؛ لقول النبي ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول ﷺ فيها إلى الله ﷿، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل. ثم على تقدير ثبوت أن تلك الليلة ليلة السابع والعشرين فإنه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من شعائر الأعياد أو شيء من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي ﷺ، فإذا كان لم يثبت عن من عرج به، ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به وهم أشد الناس حرصًا على سنته واتباع شريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي ﷺ وأصحابه؟ وأما ليلة النصف من شعبان فإنه لم يثبت عن النبي ﷺ في تعظيمها شيء ولا في إحيائها، وإنما أحياها بعض التابعين بالصلاة والذكر، لا بالأكل والفرح وشعائر الأعياد. وأما يوم عاشوراء فإن النبي ﷺ سئل عن صومه فقال: (يكفر السنة الماضية التي قبله) . وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد، وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضًا، فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة، ولم يرد عن النبي ﷺ إلا صومه، مع أنه ﵊ أمر أن نصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده. ***
المستمع من جمهورية اليمن الشمالية يقول: عندنا في اليمن مسجد بني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند، يأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالًا ونساء، هل هذا مسنون؟ وما نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مسنون، أولًا: ً لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل ﵁ حين بعثه النبي ﷺ إلى اليمن اختط مسجدًا له هناك، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة وكل دعوى بغير بينة، فإنها غير مقبولة. ثانيًا: لو ثبت أن معاذ بن جبل ﵁ اختط مسجدًا هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه قال النبي ﷺ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة: مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) . ثالثًا: أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضًا؛ لأن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات، لا بصوم ولا بصلاة، وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى، والأشهر الحرم هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذه هي الأشهر الحرم التي قال الله عنها في كتابه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) . لم يثبت أن شهر رجب خص من بينها بشيء لا بصيام ولا بقيام، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي ﷺ كان مبتدعًا؛ لقول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . فنصيحتي لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل بالحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه مسجد معاذ في اليمن ألا يتعبوا أنفسهم، ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بعدًا، ونصيحتي لهم أن يصرفوا هممهم إلى ما ثبتت مشروعيته في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، وهذا كاف للمؤمن. ***
بارك الله فيكم المستمع من محافظة إبين اليمن يقول: هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن عند المقابر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن تجوز قراءته في كل وقت وفي كل مكان؛ لأنه من ذكر الله، وقد قالت عائشة ﵂: (قد كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) . إلا أن أهل العلم استثنوا ما إذا كان الإنسان قاعدًا على قضاء حاجته من بول أو غائط فإنه لا يقرأ القرآن؛ لأن هذه الحال غير مناسبة لقراءة القرآن. وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وهو في المقبرة، وهو في السوق يمشي، وهو في المسجد، ويجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وحوله امرأة حائض، بل قد (كان النبي ﷺ يتكئ في حجر أم المؤمنين عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض) . لكن تقصد الخروج إلى المقابر والقراءة هناك هذا هو البدعة، فإن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، ولا خصوصية لقراءة القرآن في المقبرة حتى يذهب الإنسان إلى المقبرة ليقرأ فيها، فقراءة القرآن في المقابر: إن كان الإنسان خرج إلى المقبرة من أجل أن يقرأ القرآن هناك فهو بدعة، وإن كان خرج إلى المقبرة للسلام على أهل القبور، أو في تشييع جنازة وهو يقرأ القرآن هناك فإنه لا بأس به. ***
تقول أم مصعب: هل يجوز التلفظ بالنية في صيام الفريضة أو صلاة التطوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التلفظ بالنية في جميع العبادات بدعة، فلا يقول الإنسان عند الوضوء: اللهم إني نويت أن أتوضأ، ولا عند الصلاة: نويت أن أصلى، ولا عند الصدقة: نويت أن أتصدق، ولا عند الصيام: نويت أن أصوم، ولا عند الحج: نويت أن أحج. فالتلفظ بالنية في جميع العبادات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولماذا تتلفظ بالنية؟ أليس النية محلها القلب؟ أليس الله ﷿ يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)؟ بلى يقول هذا، فالله عالم بالنية، كيف تعلم ربك بأنك ناوٍ قد يقول: أقول هذا لإظهار الإخلاص لله، فنقول: الإخلاص محله القلب أيضًا، محله القلب، يكفي النية في القلب. ***
السؤال بارك الله فيكم يقول السائل محمد صلاح مقيم بالكويت: هل الدعاء بعد صلاة الفرض بدعة أم مكروه؟ أفيدونا بذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء بعد صلاة الفريضة بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله، وكل من تعبد لله تعالى بشيء لم يفعله الرسول ﵊ ولا أمر به ولا ثبت أنه من شريعته فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل محدثة بدعة) . وقد أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى وقت الدعاء في الصلاة، فقال ﷺ: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) . وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن مسعود حين علمه التشهد، قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)، يعني: قبل أن ينصرف من صلاته، وكما أن هذا- أعني: كون الدعاء في الصلاة قبل السلام- هو ما دلت عليه النصوص الشرعية فهو أيضًا مقتضى النظر الصحيح؛ لأن الإنسان ما دام في صلاته فإنه يناجي ربه وهو بين يديه، فكيف يؤخر الدعاء حتى يُسلِّم وينصرف ويقطع الصلة بينه وبين الله تعالى في صلاته؟ هذا خلاف النظر الصحيح، وعلى هذا فنقول: صلاة الفريضة يسن بعدها الذكر، والدعاء قبل السلام؛ لقول الله ﵎: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء: من الآية١٠٣) . وأما الدعاء بعد النافلة فهو أيضًا خلاف السنة، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يدعو بعد صلاة النافلة. ونقول: إذا أحببت الدعاء فادع الله تعالى قبل أن تسلم من الصلاة، لما ذكرنا في صلاة الفريضة. فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل: (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك) وهذا دعاء؟ قلنا: هذا صحيح، هو دعاء وأوصى به النبي ﷺ معاذ بن جبل، ولكن ما هو دبر الصلاة؟ هل هو ما بعد السلام أو هو آخر الصلاة؟ يجيب على هذا السؤال مقتضى النصوص الشرعية، فالنبي ﷺ جعل ما بعد التشهد محلًّا للدعاء، وفي القرآن الكريم جعل الله تعالى ما بعد السلام ذكرًا فقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء: من الآية١٠٣) . وقال النبي ﷺ في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) . وفي هذا البيان يتبين أن الدعاء الذي أمر به رسول ﷺ معاذ بن جبل إنما هو بعد التشهد وقبل السلام، بناء على دلالة القرآن والسنة التي ذكرت آنفًا. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال: (إن دبر كل شيء منه كدبر الحيوان) . وعلى هذا فدبر الصلاة جزء منها ولكنه آخرها، فالدعاء بقول: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك يكون قبل السلام لا بعده. فإن قال: قائل أليس قد ثبت عن النبي ﷺ أنه إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام وهذا دعاء؟ فالجواب: أن هذا دعاء خاص متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان بعد سلامه من الصلاة من أجل أنه قد لا يكون أتم صلاته، بل أخل فيها إما بحركة أو انصراف قلب أو ما أشبه ذلك، فكان هذا الدعاء بالمغفرة لاصقًا بالصلاة متممًا، وليس دعاء مطلقًا مجردًا. ***
بارك الله فيكم المستمع فلاح من العراق يقول في سؤاله هذا: في يوم الخميس وقبل صلاة العشاء يقوم المؤذن في المسجد بعمل المديح للرسول والدعاء، وغالبًا ما يكون في هذا المديح من شعائر الصوفية كقولهم: يا حبيب الخلق ما لي سواك. ما التوجيه؟ جزاك الله خيرًا ونفع بعلمكم فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا شك أنه بدعة منكرة يجب النهي عنها والبعد عنها، وذلك لأنها لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ ولا سنة الخلفاء الراشدين، وما عدا ذلك فهو بدعة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ونحن نعلم ونشهد الله ﷿ أننا لسنا أشد حرصًا من الصحابة على عبادة الله ﷿، ولسنا أعلم بما يحبه الله من الصحابة ﵃، ولسنا أشد تعظيمًا لله من الصحابة ﵃، وهذه أمور مسلمة لا يمتري فيها أحد، وإذا كانت هذه الأمور مسلمة ولم يحصل من الصحابة عمل سوى ما سنه رسول الله ﷺ علمنا بأن الخير في اتباعهم، كما قال الله ﷿: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فالواجب على جميع المسلمين أن يتحروا سنة رسول الله ﷺ وخلفائه الراشدين فيتبعوها، وأن يبتعدوا عن البدع التي لا تزيدهم من الله إلا بعدًا، مع ما فيها من العناء والمشقة وإفساد القلوب. ثم إن في هذا القصيد الذي أشار إليه السائل ما هو شرك لله ﷿، بل نسيان لله ﷿، كما في قوله: يا حبيب الخلق ما لي سواك، فأين الله؟ إن هذا الرجل الذي يخاطب النبي ﵊ بأنه ليس له سواه يعني أنه نسي الله ﷿، وأن الله تعالى في نظره لم يكن شيئًا، وأن النبي ﷺ هو الذي ينفع ويضر وهو الذي يُدعى ويُستغاث به، وهذا بلا شك من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، فمن قاله معتقدًا مدلوله فإنه لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج وعمله مردود عليه حتى يتوب إلى الله، ويجب على المسلمين أن يعرفوا الأمر على حقيقته، وأن رسول الله ﷺ عبدٌ رسولٌ، وأشرف أوصافه أن يكون عبدًا رسولًا، وأنه لا حق له في شيء من خصائص الربوبية، بل قد قال الله آمرًا إياه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فأمره الله أن ينفي ذلك عن نفسه، وأن يبين أنه عبد مأمور مؤتمر: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال الله تعالى له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا؟ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا؟ إِلاَّ بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . فأمره الله أن يقول: إنه لا يملك لأحد ضرًّا ولارشدًا، بل هو نفسه لا يملك أن يدافع عن نفسه: (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدًا) . وأن يبين للناس أنه ليس إلا رسولًا يبلغ رسالة ربه: (إِلاَّ بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . والاستثناء هنا منقطع، فـ (إِلاَّ) فيه بمعنى لكن. وقال الله ﷿ آمرًا إياه أيضًا: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والحوادث الواقعة في عهد النبي ﷺ، التي تدل على أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا يعلم الغيب كثيرة أيضًا، فعلى المؤمن أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي رسوله وحبيبه ﷺ وأن يعلم أن هذا الغلو الذي يغلو فيه برسول الله ﷺ من الأمور التي يكرهها الرسول ﷺ ولا يقرها، بل ينهى عنها ﵊، وإذا كان صادقًا في محبة الله ورسوله فليتبع الرسول ﷺ على ما جاء من شرعه دون تجاوز أو تقصير، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وإن الإنسان ليأسف إذا سمع ما يحدث في كثير من البلاد الإسلامية من الغلو برسول الله ﷺ؛ لأن ذلك ينبئ عن أحد أمرين لا مناص منهما: إما قصور في علم من عندهم من أهل العلم، وإما تقصير من أهل العلم في إبلاغ الحق لهؤلاء العوام الذين يقعون في الشرك الأكبر وربما لا يشعرون. فالواجب على أهل العلم الذين حملَّهم الله إياه وأخذ عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وأن يدعوا الناس إلى الحق، وأن لا يداهنوا في دين الله، وأن لا يراعوا ضمائر الناس الجهال الذين لا يعلمون عن الحق شيئًا، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا مانع من أن يتبعوا الطريق التي يكون بها حصول المقصود ولو على الزمن الطويل، بل قد تتعين هذه إذا لم تكن وسيلة أقرب منها، وأما السكوت، وترك العامة على ما هم عليه بموافقتهم ومصاحبتهم في هذا الأمر فهو أمر يؤسف له. ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة حتى تعود- بل في الأصح: حتى تتقدم- إلى ما كان عليه السلف الصالح من تحقيق عبادة الله ﷿ والإخلاص له، وتحقيق متابعة النبي ﷺ وترك البدع، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الصلاح. ***
بارك الله فيكم من اليمن السائل أحمد يقول: فضيلة الشيخ أرجو منكم أن توضحوا لنا هذه المسألة وهي كالتالي: عندنا في بلادنا في معظم المساجد بعد الأذان يدعون بالدعاء الوارد عن النبي ﷺ، وبعد الانتهاء منه يقولون: الفاتحة على روح النبي ﷺ. هل هذا العمل صحيح أم بدعة؟ وجهونا للصواب وجزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يدعون الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان على رؤوس المنارات فهذا ليس بسنة إذا جهروا به، أما سرًّا فهو سنة، سواء كنت في المنارة أو في الأرض. وأما قولهم: اقرؤوا الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو بدعة منكرة، لا يقال بعد أذان الفجر ولا بعد الأذان الآخر ولا بعد الصلوات ولا في أي مكان. وقراءة الفاتحة على روح النبي ﷺ بدعة لوجهين: الوجه الأول: أنها سفه؛ لأن من قرأ الفاتحة على روحه أراد أن يثاب النبي ﷺ ثواب القراءة، ومعلوم أن قراءتنا للفاتحة يكتب لرسول الله ﷺ مثل ما نؤجر عليه، أي إنه يكتب له مثل أجورنا، وإذا كان يكتب له مثل أجورنا فلا حاجة أن نقول: إنها على روح النبي؛ لأنه قد حصل على الثواب، ويكون قولنا: على روحه أننا حرمنا أنفسنا من ثوابها فقط، هذا من وجه. الوجه الثاني: أن التصدق بالأعمال الصالحة الفاتحة وغيرها على النبي ﷺ لم يفعله الصحابة ﵃، الذين هم أشد حبًّا منا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أشد منا حبًّا لما فيه الخير له، وإذا كانوا لم يفعلوه فلنا فيهم أسوة. وعلى هذا فينهى أن يجعل الإنسان أي عمل صالح يعمله لروح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو يقول: اللهم اجعل ثوابه لنبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للوجهين الذين ذكرناهما. وإني أنصح هذا السائل بأن يتصل بإخوانه المؤذنين فيقول لهم: إن هذا أمر بدعة وسفه من القول. ***
بارك الله فيكم، المستمع عبد الله محمد من اليمن بعث برسالة يقول فيها: يوجد في قريتنا بعض العادات القديمة التي تحمل الكثير من البدع المدخلة في الشرك والعياذ بالله، مثل: عندما يذكر شخص ميتًا عزيزًا عليه يقوم على الفور بإيقاد النار ووضع البخور عند قبره وتعطيره وإضاءته بالسرج، وكذلك البعض يقوم بذبح الذبائح في القبور، وعندما يمرض مريض يحضر له تراب من قبور أحد الأولياء. وقد وجهت لهم البعض من النصائح وبينت لهم بأن هذا لا يجوز وبأن هذه أباطيل لا يقرها الدين، فلم يستجيبوا لنصحي. نرجو النصح يا فضيلة الشيخ والتوجيه جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إن فتنة القبور فتنة عظيمة كانت من قديم الزمان، وهذه الأفعال التي ذكرها السائل عن قومه منها ما يصل إلى حد الشرك الأكبر المخرج من الملة، كالذبح لأصحاب القبور؛ لأن الذبح عبادة من أجل العبادات، قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فصرفها لغير الله شرك أكبر؛ لأن كل من صرف شيئًا من العبادة لغير الله فهو مشرك، ولا يخفى على أكثر المسلمين أن المشرك مخلد في النار حابط عمله، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، وأما التبرك بترابهم واعتقاد أن الدعاء- أي: دعاء الله ﷿ عند قبورهم أفضل فهذا لا يصل إلى حد الشرك، إلا أن يصحبه عقيدة تؤدي إلى الشرك فهذا يكون شركًا، وكذلك إيقاد النار وصب الطيب على قبورهم، كل هذا من الأمور المنكرة التي يجب على كل مسلم أن يتجنبها. ثم يجب على هؤلاء أن يعلموا أن الميت هو الذي كان حيًا يعرفونه، ويعرفون أنه مثلهم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وهو في قبره لا يستطيع أن يدعو لأحد أيضًا، ولا أن يشفع لأحد؛ لقول النبي ﷺ: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ودعاؤه عمل، وبمقتضى هذا الحديث أنه انقطع بموته، ولا يمكن أن يشفع أيضًا؛ لأن الله يقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) . فتعلق الناس بأصحاب القبور لا شك أنه ضلال، وعلى المرء إذا أصابته المصائب أن يلجأ إلى الله ﷾، قال الله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) . فلا يلجأ المسلم عند المصائب إلا إلى الله ﷿، فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله ﷿، وأن يتوبوا مما وقع منهم، وأن يحذروا إخوانهم من الوقوع فيه، وأن يلجؤوا إلى ربهم ﷾ في جميع أحوالهم، فإن من يتوكل على الله فهو حسبه. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أنور مصري يقول في هذا السؤال: يا فضيلة الشيخ ما حكم وضع المصحف في السيارة من أجل التبرك والحفظ من العين، وأيضًا خشية أن تصدم؟ فأرجو من فضيلة الشيخ إجابة في ذلك مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع المصحف في السيارة دفعًا للعين أو توقيًا للخطر بدعة، فإن الصحابة ﵃ لم يكونوا يحملون المصاحف على إبلهم دفعًا للخطر أو للعين، وإذا كان بدعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار) . ***
بارك الله فيكم المستمع محمد أ. أيقول: فضيلة الشيخ ما حكم الهلال على المآذن، فقد سمعت بأن هذا أمر مبتدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أود أن أقرأ سؤالًا وجه إلي وأجبت عنه، يقول السائل: إننا تساءلنا مع بعض العمال القادمين إلى بلادنا في موضوع الأهلة التي توضع على المآذن كيف وضعها في بلادكم؟ فأجابونا قائلين: إنها توضع في بلادنا على معابد النصارى وقباب الأمور المعظمة، أفتونا جزاكم الله خيرًا والحالة هذه عن وضعها على مآذن مساجد المسلمين؟ فأجبته: أما وضع الهلال على القبور المعظمة فقد ذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ الجزء الأول ٢٤٣من الدرر السنية ما نصه: (وعمار مشاهد القبور يخشون غير الله ويرجون غير الله، حتى إن طائفة من أرباب الكبائر الذين لا يتحاشون في ما يفعلونه من القبائح إذا رأى أحدهم قبة الميت أو الهلال الذي على رأس القبة خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه: ويحك هذا هلال القبة، فيخشون المدفون ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض وجعل أهلة السماء مواقيت للناس والحج. قلت وأما وضع الهلال على معابد النصارى فليس ببعيد، لكن قد قيل: إنهم يضعون على معابدهم الصلبان والله أعلم. ووضع الأهلة على المنائر كان حادثًا في أكثر أنحاء المملكة، وقد قيل: إن بعض المسلمين الذين قلدوا غيرهم في ما يضعونه على معابدهم وضعوا الهلال بإزاء وضع النصارى الصلىب على معابدهم، كما سموا دور الإسعاف بالهلال الأحمر بإزاء تسمية النصارى لها بالصلىب الأحمر، وعلى هذا فلا ينبغي وضع الأهلة على رؤوس المنارات من أجل هذه الشبهة، ومن أجل ما فيها من إضاعة المال والوقت. صدرت هذه الفتوى في الرابع من رمضان عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف)، وأعتقد أنها كافية في جواب سؤال السائل. ***
هذه الرسالة وردت من العيون من الأحساء من المرسل سعد صالح الفجري يقول: مما لا شك فيه أن عدة من توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرآن الكريم، يفعلون أشياء تخالف الدين عندهم، يقول: وعند انتهاء العدة عندنا عادة، وهي في الليلة الحادية عشرة بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشرة الأيام تخرج هذه المرأة ومعها بعض النساء إلى أحد المساجد، ومعها مجمرة مدخنة أي بخور طيب، وبعد أن تؤدي ركعتين في المسجد تخرج وعندها عدة أحجار ترميها- أي: ترمي هذه الأحجار- في عدة طرق، ويقولون: إن الذي تصيبه هذه الحجارة يموت إلى آخره، هذا ما يحدث نرجو التوضيح أثابكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا شك أنه من البدع، وهو شبيه بما يصنعه النساء في الجاهلية: فإن المرأة كانت ترمي بالبعرة على رأس الحول، ولا يجوز للمرأة أن تفعل مثل هذا الفعل. وإذا انتهت عدة الوفاة- سواء كان بالأشهر الأربعة وعشرة أيام، أو كانت بوضع الحمل إن كانت حاملًا- فإن معنى ذلك أن حكم الإحداد انتهى فقط، وليست مأمورة أن تخرج أو تفعل مثل ما ذكر هذا السائل، أو أن تتصدق بطعام تحمله معها إذا خرجت أول مرة تعطيه أول من تصادفه، كل هذه من الأمور ليست من الشرع. وإنما معنى ذلك: إذا انتهت العدة جاز لها ما كانت ممنوعة منه قبل انتهاء العدة، فيجوز لها أن تخلع ثيابها تلبس الثياب التي تشاؤها، وأن تتطيب وتلبس الحلي، وتفعل ما كانت ممنوعة منه في حال الإحداد. وقولنا: تفعل ليس معناه مطلوب منها أن تفعل ذلك، ولكن نبيح لها أن تفعل ذلك. ***
يقول أيضًا: ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة، ومسح الخدود عليها، ولحسها باللسان، ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع التي لا تنبغي، وهي إلى التحريم أقرب؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، وغاية ما ورد في مثل هذا الأمر هو الالتزام، بحيث يضع الإنسان صدره وخده ويديه على الكعبة فيما بين الحجر الأسود والباب، لا في جميع جوانب الكعبة كما يفعله جهال الحجاج اليوم، وأما اللحس باللسان أو التمسح بالكعبة ثم مسح الصدر به أو الجسد فهذه بدعة بكل حال؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ. وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظر الحجاج إلى أن المقصود بمسح الحجر الأسود والركن اليماني هو التعبد لله تعالى بمسحهما، لا التبرك بمسحهما، خلافًا لما يظنه الجهلة، حيث يظنون أن المقصود هو التبرك، ولهذا ترى بعضهم يمسح الركن اليماني أو الحجر الأسود ثم يمسح بيده على صدره أو على وجهه أو على صدر طفله أو على وجهه، وهذا ليس بمشروع، وهو اعتقاد لا أصل له، ففرق بين التعبد والتبرك. ويدل على أن المقصود التعبد المحض دون التبرك أن عمر ﵁ قال وهو عند الحجر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك) . وبهذه المناسبة أيضًا أود أن أُبين أن ما يفعله كثير من الجهلة: يتمسحون بجميع جدران الكعبة وجميع أركانها فإن هذا لا أصل له، وهو بدعة ينهى عنها. ولما رأى عبد الله بن عباس ﵄ معاوية ﵁ يستلم الأركان كلها أنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا! فأجابه ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقد رأيت النبي ﷺ يمسح الركنين اليمانيين، فرجع معاوية إلى قول ابن عباس ﵄. فدل هذا على أن مسح الكعبة أو التعبد لله تعالى بمسحها أو مسح أركانها إنما هو عبادة يجب أن تُتبع فيها آثار النبي ﷺ فقط. ***
هل الأفضل تقبيل القرآن الكريم أم الحجر الأسود؟ مع العلم بأن الحجر لا ينفع ولا يضر والقرآن ينفع ويضر، وأنا أجد راحة نفسية في تقبيل القرآن الكريم، فهو كلام الله تعالى، علمًا بأن القرآن في زمن الرسول ﷺ لم يكن مجموعًا في مصحف واحد بل كان موزعًا، فماذا تقولون في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في هذا: إن تقبيل المصحف بدعة ليس بسنة، والفاعل لذلك إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة فضلًا عن الأجر، فمقبل المصحف لا أجر له، لكن هل عليه إثم أو لا؟ نقول: أما نيته تعظيم كلام الله فلاشك أنه مأجور عليها، لكن التقبيل بدعة، لم يكن في عهد الرسول ﵊ ولم يكن في عهد الصحابة ﵃. وأما قول السائل: إنه لم يجمع في مصحف، فنعم لكنه موجود مكتوبًا في اللخاف وعسب النخل وغيرها، ولم يرد أن الرسول كان يقبل ما كتبت فيه الآية، ولا أن الصحابة يفعلون ذلك في عهده، ولا فعلوه بعد جمع القرآن أيضًا، فدل ذلك على أنه من البدع، حتى لو استراحت نفسك إلى تقبيله فإن ذلك لا يعني أنه مشروع وسنة، ولو رجعنا إلى أذواق الناس وارتياحهم في مشروعية العبادة لكان الدين أوزاعًا وفرقًا، ولكن المرجع في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما المقارنة بينه وبين الحجر الأسود فهذه المقارنة بين سنة وبدعة، فالحجر الأسود قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه كان يقبله في طوافه، وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال حين قبل الحجر: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك) . إذًا فتقبيلنا للحجر الأسود ليس لأنه ينفعنا الحجر أو يضرنا، ولكن اتباعًا للسنة سنة الرسول ﷺ. ولو قبَّل النبي ﷺ الحجر وجميع الأركان لفعلنا، لكنه لم يقبل إلا الحجر، ولهذا لا يوجد شيء في الدنيا يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود فقط، كما جاء ذلك في الطواف عن النبي ﷺ. وأما قوله: إن الحجر لا يضر ولا ينفع والقرآن يضر وينفع، فهذا غلط أيضًا، نفسه- نفس الحروف، أو نفس المصحف الذي كتبت به الحروف- لا يضر ولا ينفع، الذي يضر وينفع هو العمل بالقرآن. تصديقًا للأخبار، وامتثالًا للأوامر، واجتنابًا للنواهي. كذلك الحجر هو نفسه لا ينفع ولا يضر، لكن تقبيلنا إياه عبادة يحصل لنا بها ثواب، وهذا انتفاع. ***
جزاكم الله خيرًا يقول السائل: أرى قلة من المصلىن بعد الانتهاء من الصلاة وعند الخروج يمسحون أيديهم بالجدار المحيط ببيت الرسول ﷺ، ويمسحون صدورهم ووجوههم. هل هذا من البدع؟ وإذا كان من البدع أرجو النصح لمثل هؤلاء، جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع بلا شك؛ لأنه لا يشرع مسح شيء في الدنيا من البنايات إلا مسح ركنين: الأول الحجر الأسود، والثاني: الركن اليماني، وكلاهما في الكعبة المشرفة، ولقد رأى ابن عباس ﵄ معاوية ﵁ وهو يمسح جميع الأركان فأنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا! فقال ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وما رأيت النبي ﷺ يمسح من الأركان إلا الركنين- يعني بذلك: الحجر الأسود والركن اليماني-، فكف معاوية ﵁ عن مسح جميع الأركان. فتجد ابن عباس ﵄ أنكر على معاوية ﵁ مسح جوانب الكعبة التي لم يرد عن النبي ﷺ أنه كان يمسحها، فما بالك بجدران أخرى؟ والحكمة من كون الركنين اليمانيين في الكعبة يمسحان دون الركنين الآخرين: أن الركنين الآخرين ليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن الكعبة كانت أكثر امتدادًا نحو الشمال مما كانت عليه الآن، ولكن قريشًا لما أرادوا أن يعمروها قصرت بهم النفقة، فرأوا أن يبنوا هذا الجزء وأن يدعوا الجزء الآخر، واختاروا أن يكون المتروك الجزء الشمالي لأنه ليس فيه الحجر. وبذلك نعرف أن الحِجر الموجود الآن ليس كما يزعم العامة حِجر إسماعيل، فإن هذا الحِجر إنما أحدث أخيرًا في عهد الجاهلية، فكيف يكون حِجرًا لإسماعيل؟ لكنه يسمى الحجر والحطيم، ولا يضاف إلى إسماعيل إطلاقًا. ونصيحتي لهؤلاء القوم الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي ﷺ أن يتقوا الله ﷿، وأن يعبدوا الله بما شرعه لا بأهوائهم، فإن الله تعالى يقول: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) . وكل إنسان يعبد على خلاف شريعته فإنه عمل مردود عليه، وهو آثم به إن كان عالمًا بأنه مخالف للشريعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما صح عنه: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه. ***
جزاكم الله خيرًا هذا السائل من الأردن يقول: فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكم في أن كثيرًا من الناس يعملون البدع، وعندما ننهاهم عن ذلك العمل ونرشدهم إلى الأدلة الصحيحة يقولون: يا أخي نحن نمقت هذا الكلام، وأنتم تريدون التضييق علينا، نحن راضون بعملنا هذا. وجهونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانوا يمقتون هذا الكلام لأنه صدر من المتكلم لا لأنه شريعة الله فالأمر في هذا هين، أما إذا كان يكرهون هذا الكلام لأنه من شريعة الله فهم على خطر عظيم، فإن الله تعالى قال في كتابه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . ثم على الاحتمال الأول أنهم كرهوا قول هذا القائل نقول لهم: لماذا تكرهونه؟ أليس عنده دليل؟ ويجب على المؤمن إذا بان له الدليل أن يترك ما كان عليه إذا ما دل عليه الدليل؛ لقول الله ﵎: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) . فلا يجوز لأحد أن يعارض شريعة الله بعادات قومه؛ لأن من عارض شريعة الله بعادات قومه صار مشابهًا لقول أولئك القوم الذين دعتهم الرسل إلى التوحيد فقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . ***
هذه الرسالة وردتنا من جدة من المستمع أحمد قايد يقول في رسالته: بعد السلام نرجو التكرم بإفادتنا من الناحية الإسلامية والشريعة حول ما هو وارد في الخطاب المرفق، حيث إنها أصبحت ظاهرة غريبة في جميع أنحاء جدة، والجميع يروون هذا الكلام ويعملون هذه الأوراد، ونريد أن نعرف رأي الإسلام في هذا الشأن مع الإسراع لنا بالإجابة وفقكم الله. الورقة التي أرسلها ذكر فيها بعض آيات يقول فيها: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) وآيات بعدها يقول: ثم ترسل هذه الآيات الكريمة لتكون مجذبة خير وحسن طالع وفلاح.. الخ. ويقول فيها أيضًا: فعليك أن ترسل نسخًا من هذه الرسالة لمن هو في حاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل معتذرًا، وإياك أن تحتفظ بهذه الرسالة، يجب أن ترسلها وتتخلى عنها بعد ست وتسعين ساعة بعد قراءتك لها، سبق وأن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوفق إلى كذا وكذا الخ. يقول: ما حكم هذه الرسالة؟ أو كيف نعمل بهذه الرسالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الرسالة كذب محض، فإن كون هذه الآيات التي ساقها سبب للسعادة والفلاح، وعدم تداولها سبب للشقاء والهلاك هذا أمر يتوقف على وحي، ولم يكن في ذلك وحي لا في القرآن ولا في السنة، فهي كذب محض. ثانيًا: اعتقاد أن ذلك صحيح طعن في الدين؛ لأن هذا لو كان صحيحًا لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، وكان مما يجب على النبي ﷺ تبليغه، ولم يُنقل عن الرسول ﵊، فدل هذا على أنه لم يبلغه، وإذا لم يبلغه فادعى إنسان أنه سبب لكذا وكذا من الأمور التي يذكرها فإن ذلك طعن في الإسلام، حيث كان الإسلام ناقصًا وجاء هذا الرجل فأكمله. الأمر الثالث أن نقول: إن كان هذا الذي قاله هذا القائل في هذه الآيات حقًا فأين رسول الله ﷺ وأصحابه عنه؟ وإن كان باطلًا فإنه لا يجوز نشره ولا العمل به ولا تصديقه، بل يجب رده. الأمر الرابع: أن الواقع يكذب ما جاء في هذه الرسالة والآيات، فهو عندكم فيما أظن له أكثر من أربعة، أيام وقد ذكر فيه- لأني قرأته قبل أن تقرأه أنت- أن الإنسان إذا لم يعمل به خلال أربعة أيام فإنه يصاب بكوارث، والحمد لله أنك لم تصب بكوارث، وهو أيضًا قد جاءنا في القصيم قبل نحو خمس سنوات وشاع بين الناس، وأخذناه نحن ومزقناه على المنبر في الجمعة، تكلمنا عنه في الجمعة على المنبر، وأخذت منه كمية بيدي ومزقتها أمام المصلىن، ولم أصب ولله الحمد بكوارث. فإذًا هذه الأدلة كلها تدل على أن هذا كذب، وأنه خزعبلات ممن تكلم به وأشاعه بين الناس. والذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يلتفتوا إلى مثل ما يروجه هؤلاء الكذابون، بل يرجعوا إلى كتاب الله وإلى صحيح السنة الوارد عن رسول الله ﷺ وفيهما الكفاية، أما مثل هذه الأمور وما يوجد في كتب الوعظ من الأمور المخالفة للشريعة فإنه لا يجوز الاعتماد عليها، بل ولا يجوز لأئمة المساجد أن يقرؤوا بمثل هذه الكتب أو يروجوا مثل هذه المنشورات؛ لما في ذلك من الضلال، وفي كتاب الله تعالى وفيما صح عن رسوله ﷺ كفاية. وأنا أقول للأخ السائل: جزاه الله خيرًا على إرسال هذه إلى هذا البرنامج، لعله يكون فيه بيان للناس ونور يهتدون به في مثل هذه الأمور. كما أنه قبل سنوات أيضًا وردت رسالة من رجل يسمي نفسه أحمد خادم المسجد النبوي، ذكر فيها أنه رأى الرسول ﷺ، وأنه أوصاه بوصايا لا تحضرني الآن، وهذه الرسالة المكذوبة أو الرؤيا المكذوبة تكلم عنها الشيخ محمد رشيد رضا منذ نحو ثمانين سنة، وبين أنها قد شاعت وذاعت، وأنها كذب لا أصل لها، وهو صادق فإنها كذب لا أصل لها. فعلى كل حال مثل هذه المنشورات التي يروجها هؤلاء الكذابون الوضاعون الذين لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله ولا يدينون لله تعالى دين الحق؛ لأنهم لو دانوا لله دين الحق لتأدبوا بين يدي الله ورسوله، ولم يتخذوا وسيلة لهداية الناس إلا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فهؤلاء المروجون نرجو من الله تعالى أن يهديهم بسلطان الوحي حتى يتعظوا ويتذكروا ويرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، أو أن يهديهم بسلطان الولاية والأخذ على أيديهم بالتتبع لهولاء حتى يرجعوا، وحتى يكون الناس في أمن من شرهم ومنشوراتهم. ***
سمعت أو قرأت عن تلك الوصية التي تلقاها الشيخ أحمد حارس الحرم النبوي الشريف وهو نائم من رسول الله ﷺ يريد بها تنبيه المسلمين في تقليل الفساد واتباع الطريق القويم إلى آخره، ثم قرأت كتابًا صادرًا عن مؤسسة في المملكة العربية يُكذِّب تلك الوصية، فما هي الحقيقة أصلًا؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أصلًا أن هذه الرؤيا المنامية كانت تُشاع وتُذاع من قبل أكثر من مائة سنة، وقد تكلم عليها الشيخ محمد رشيد ﵀، وبين أنها مكذوبة وباطلة، وكذلك أيضًا في المملكة العربية السعودية تكلم علماؤها على هذه الوصية، وبينوا أنها باطلة ومكذوبة، وهذا هو الحق. وإذا كان لابد لقبول الخبر من معرفة المُخْبر به وكونه عدلًا غير متهم فكذلك هذه المسألة، فمن هو الشيخ أحمد خادم الحرم؟ وما هو حاله؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟ ثم إن هذه الوصية تقتضي أن يكون الدين غير كامل، والنبي ﵊ ما توفاه الله حتى أتم به الدين، وحتى كانت المواعظ الموجودة في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله ﷺ كافية للأمة، مقوِّمة لعقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم ومناهجهم في حياتهم، فليسوا بحاجةٍ إلى مثل هذه الرؤيا المنامية المجهول صاحبها عينًا وحالًا. ولهذا لا يجوز للمسلم أن يعتبرها صحيحةً، ولا أن يُشيعها بين الناس، بل عليه أن يمزقها ويحرقها، سواء أتت إليه أو رآها عند غيره إذا تمكن من ذلك، وإلا فلينصحه بإحراقها وإتلافها. فضيلة الشيخ: هل ما جاء فيها حصل فعلًا أم لا؟ لأنه ذكر أنها ستقوم الساعة وكذا وكذا إلى آخره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا ما يحضرني ما الذي جاء فيها، لكن نتكلم عنها أصلًا لم تصح، فإذا كانت لم تصح أصلًا لم تصح جملة وتفصيلًا. ***
المستمع من حضرموت اليمن الجنوبي م. س. ع. يقول عندنا رجل رأى النبي ﷺ في المنام وهو يعلمه كلمات ويدعو بها، فلما أصبح قام بطبع هذا الدعاء ووزعه على الناس ما الحكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا يؤخذ منه حكم شرعي، وسنة الرسول ﵊ بل شريعة الرسول ﷺ كملت قبل موته صلوات الله وسلامه عليه، فلا تشريع بعد موت الرسول ﵊ أبدًا، والإنسان إذا رأى شخصًا ووقع في نفسه أنه الرسول ﷺ فإنه لا يكون الرسول، بل لا بد أن يكون هذا الشخص الذي رآه الإنسان مطابقًا لما نقله أهل العلم في صفة رسول الله ﷺ، وأما مجرد أن يقع في نفس النائم أن هذا رسول الله فهذا ليس دليلًا على أنه رسول الله حقًا. ثم إن هذا الدعاء الذي ادعاه هذا المدعي إن كانت قد جاءت به السنة فهو سنةٌ من قبل، وإن كانت السنة لم تأتِ به من قبل فإنه لا يجوز أن يطبعه ويوزعه؛ لأنه لا تشريع بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. ***
التوسل
جزاكم الله خيرًا هل هناك توسل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنواع التوسل الجائزة كثيرة شرعية، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه على سبيل العموم، ومنه حديث عبد الله بن مسعود ﵁ في دعاء الهم والغم: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أوعلمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهذا توسل إلى الله تعالى بأسمائه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم. والثاني: التوسل إلى الله تعالى باسم خاص يكون مناسبًا للمطلوب، كقول القائل: اللهم يا غفور يا رحيم يا كريم اغفر لي وارحمني وتكرم علي، وما أشبه ذلك، وهذا مما جاء في السنة، فإن أبا بكر ﵁ قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، فهنا دعاء وتوسل: (اغفر لي مغفرة من عندك وارحمني) دعاء و(إنك أنت الغفور الرحيم) توسل إلى الله تعالى بهذين الاسمين المناسبين لما دعا به الداعي، وهو أيضًا توسل إلى الله تعالى بصفته، أي بصفة من صفاته في قوله: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) . الثالث: التوسل إلى الله ﵎ بصفة من صفاته، كما في حديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخره، وكما في القراءة على المريض: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، وكما في قوله: (اللهم برحمتك أستغيث) وما أشبه ذلك. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، أن يتوسل إلى الله تعالى في طلب حاجة من الحاجات بفعلٍ فعله ﷾ نظير ما طلب، ومنه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الخامس: التوسل إلى الله ﵎ بذكر حال الداعي، وأنه محتاج ومضطر إلى الله، كما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، فهنا سأل الله ﵎ بوصف حاله، وأنه محتاج مفتقر إلى الله ﵎. السادس: التوسل إلى الله ﵎ بدعاء من ترجى إجابته، أي: أن يدعو لك من ترجى إجابته، ومنه توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ذكرناه آنفًا، ومنه قول عمر ﵁ حين استسقى: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيقوم العباس فيدعو فيسقون) . هذه أنواع كلها جائزة. ***
مصري يعمل بالدمام يقول: ما هي أنواع التوسل؟ وهل يجوز التوسل بالرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل نوعان: نوع جائز ونوع ممنوع، بل نوع مشروع ونوع ممنوع. فمن التوسل المشروع: أن يتوسل الإنسان بأسماء الله وصفاته، فيقول: يا غفور يا رحيم اغفر لي وارحمني، أو يقول: اللهم اغفرلي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، أو ما أشبه ذلك. والتوسل الممنوع: أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي: بجاهه أو بذاته فإن هذا ممنوع، وبدعة لم يكن الصحابة ﵃ يفعلون ذلك، ثم إنه توسل بوسيلة لا تنفعك؛ لأن جاه النبي ﵊ أو ذات النبي لا تتعدى إلى غيره، ولكن لو توسل بالإيمان بالرسول أو بمحبة الرسول كان ذلك جائزًا. ***
صلاح عبد الله من السودان بعث برسالة يقول فيها: كيف أدعو بالأسماء الحسنى؟ هل أدعو بالتسعة والتسعين؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وليس المعنى أن ندعوه بجميع هذه الأسماء؛ لأن النبي ﷺ كان يدعو الله بأسمائه من غير أن يجمعها كلها. وكيفية الدعاء بالأسماء: أن تقدمها بين يدي دعائك متوسلًا بها إلى الله، أو أن تختم بها دعاءك، مثال الأول أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك، ومثال الثاني أن تقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وقد طلب أبو بكر الصديق من النبي ﷺ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال له النبي ﷺ: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) . وكما يجوز التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عند الدعاء فإنه يجوز أن يتوسل الإنسان بصفات الله عند الدعاء، كما في الحديث الصحيح: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بعلمه وقدرته. وكذلك قول القائل في دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) . فالتوسل إلى الله تعالى في الدعاء بأسمائه أو بصفاته- سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص- هو من الأمور المطلوبة، وقد عرفت الأمثلة في ذلك، ومن التوسل بأسماء الله على سبيل العموم ما جاء في حديث ابن مسعود ﵁ في دعاء الهم والغم: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي. فإنه ما دعا به داعٍ مهموم أو مغموم إلا فرج الله به عنه) . ففيه التوسل بأسماء الله عامة: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، لكنه لم يعددها. ***
السائل سيد محمد من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز؟ نرجو أن توضحوا لنا ذلك يا فضيلة الشيخ مع الدليل الواضح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل إلى الله ﷾ هو أن يذكر ما يوصله إلى مقصوده، فإن ذكر ما لا أثر له في ذلك متوسلًا به إلى الله فإن هذا التوسل بدعة. وبناءً على هذا نقول: التوسل بالأنبياء إن كان المراد التوسل باتباعهم ومحبتهم والإيمان بهم فهذا لا بأس به وهو أمر مشروع، ولكنه لا ينبغي للمتوسل أن يقول: أتوسل إليك بنبيك أو بأنبيائك أو ما أشبه ذلك، بل يقول: أتوسل إليك بمحبة أنبيائك واتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحذف المضاف بل يذكره؛ لأنه إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك فقد يظن الظان أنه توسل بدعي، والتوسل البدعي هو يتوسل بذوات الأنبياء فيقول: أسألك بنبيك أسألك بأنبيائك أسألك بجاه نبيك أسألك بجاه أنبيائك وما أشبه ذلك، فإن هذا التوسل بدعي، وذلك لأن هذا التوسل لا يوصل إلى المقصود، إذ إن جاه النبي لا ينفعك فلا يصح أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك، وجاه الأنبياء إنما يختص بهم فقط. وعلى هذا فمن سمعته يقول: أتوسل إليك بالأنبياء فلا تحكم عليه ببدعة ولا سنة، قل: ماذا تريد؟ إذا قال: أنا أريد أن أتوسل بذات الأنبياء وأشخاصهم فقل: هذا بدعة، وإذا قال: أريد أن أتوسل إليه بجاه الأنبياء؛ لأن لهم جاهًا عند الله قل: هذا بدعة أيضًا؛ لأن هذا ليس بوسيلة ولا ينفعك. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بحبي لهم فهذا حق؛ لأن محبة الأنبياء عبادة توصل إلى المقصود وتؤثر في إجابة الدعوة. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بالإيمان بهم فهذا حقيقة؛ لأنه عبادة، كما قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ...) إلى آخره. إذا قال: أتوسل إليك باتباع الأنبياء نقول: هنا يجب التوقف؛ لأن الأنبياء السابقين لا يلزم اتباعهم فيما يخالف شرعنا، ولكن قل: أتوسل إليك باتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذٍ يكون صحيحًا وإني بهذه المناسبة أود أن أبين أن التوسل منه ممنوع ومنه جائز. فالممنوع: أن يتوسل بما ليس بوسيلة؛ لأن التوسل بما ليس بوسيلة إما بدعة وإما شرك، والتوسل الجائز: أن يتوسل بما هو وسيلة، وهو أنواع: النوع الأول: أن يتوسل إلى الله بأسمائه فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، فهذا جائز؛ لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ولحديث ابن مسعود ﵁ في دعاء الهم والحزن أن يقول: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك......) إلى آخره. الثاني: هو التوسل إلى الله بصفاته، فهذا أيضًا جائز مشروع مثل: (اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أن تحييني ما علمت الحياة خيرًا لي، وأن تتوفاني ما علمت أن الوفاة خير لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قول القائل: يا رحمان برحمتك أستغيث. الثالث: أن يتوسل إلى الله بأفعاله بأفعال الله فتقول: اللهم كما أنعمت علي بالمال فأنعم علي بالعلم، أو تقول: اللهم كما أنعمت علي بالعلم فأنعم علي بالمال الذي يكفيني عن خلقك، ومنه قول النبي ﷺ: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) فإنه هنا توسل إلى الله بفعله السابق الذي أنعم به على إبراهيم وآل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: أن يتوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قول أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به. الخامس: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح، ومنه قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) . ومنه حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين أووا إليه، فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عن دفعها، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم بالبر التام، وتوسل الثاني بالعفة التامة، وتوسل الثالث بالأمانة، ففرج الله عنهم. السادس: أن يتوسل إلى الله ﷾ بذكر حاله، وأنه فقير ظالم لنفسه محتاج لربه، ومنه قول موسى عليه الصلاة السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومنه قول الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بحال الداعي. السابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، مثل قول الرجل الذي دخل على النبي ﷺ وهو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه ودعا، وهذا الرجل سأل النبي ﷺ أن يدعو لنفع عام للمسلمين. وأما سؤال الرجل من يعتقد فيه صلاحًا أن يدعو له هو بنفسه فالأفضل تركه؛ لأن هذا فيه نوع من السؤال الذي يوجب ذل السائل أمام المسؤول، وربما يكون فيه اغترار للمسؤول، حيث يرى نفسه أنه رجل صالح يسأل الدعاء، وفيه أيضًا أن الإنسان قد يتكل على طلبه من هذا الرجل الصالح أن يدعو له فلا يدعو هو لنفسه. وأما ما يذكر من أن النبي ﷺ قال لعمر بن الخطاب: (لا تنسنا يا أخي من دعائك) فهذا ضعيف، لا يصح عن النبي ﷺ. وأما ما جاء في الحديث من وصية الرسول ﷺ -من أدرك أويسًا القرني أن يطلب منه الدعاء- فهذا خاص به، ولهذا لم يأمر النبي ﷺ أحدًا أن يطلب من صالح من الصحابة أن يدعو له، والصحابة أفضل من أويس القرني كأبي بكر، عمر، عثمان، علي، ابن مسعود، ابن عباس وغيرهم من الصحابة أفضل من أويس بلا شك، ومع ذلك لم يقل النبي ﵊ لأحد من الناس: من لقي أبا بكر فليطلب منه الدعاء أو نحو ذلك، فهذه أنواع التوسل الجائزة، وينبغي للإنسان إذا توسل بأسماء الله أن يتوسل بها عمومًا مثل: أسألك بكل اسمٍ هو لك، فأما إذا أراد أن يتوسل باسم خاص فليكن هذا الاسم مطابقًا للسؤال، فإذا كان يريد المغفرة فيقول: اللهم يا غفور اغفر لي، أو يقول: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، حتى تكون الوسيلة مطابقة للمطلوب. ولا يليق إطلاقًا أن يقول قائل: اللهم يا شديد العقاب اغفر لي واعف عني وما أشبه ذلك؛ لما في ذلك من التضاد بين الوسيلة والمطلوب. وقد قال أبو بكر ﵁ للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، وهذا جمع بين وسائل متعددة: منها ذكر حال الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا)، ومنها: الثناء على الله ﷿ بصفة من صفاته: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت)، ومنها: التوسل بالأسماء في قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم) . ***
الله يحييك يا فضيلة الشيخ هذه رسالة وصلت من المستمع أبي حمزة من المدينة المنورة يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بجاه النبي ﷺ، وكذلك التوسل بالأنبياء والصالحين، وأسأل عن الفرق بين التوسل بالأحياء وبين التوسل بالأموات، وما هو التوسل الجائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا السؤال كما ذكرت سؤال مهم ينبغي البسط في الإجابة عليه. فأقول: التوسل هو: اتخاذ وسيلة لبلوغ الغاية المقصودة، وهو قريب من معنى التوصل، يعني: أن الوسيلة للشيء الذي يوصل إلى المقصود، ولا بد أن تكون الوسيلة موصلة إلى المقصود حسًا أو شرعًا، فإن لم تكن كذلك كان التشاغل بها من العبث. ثم إن كانت في مقام التعبد كانت بدعة، وإلا كانت لغوًا وعبثًا، والتوسل إلى الله ﷿ كله من باب العبادة؛ لأن المقصود الوصول إلى الله ﷿ وإلى مرضاته، وما كان وسيلة لهذا فهو عبادة، وإذا كان عبادة فإنه يتوقف على ما جاءت به الشريعة، ولا يجوز أن نحدث وسيلة لم تأت بها الشريعة- أي: لا يجوز أن نحدث وسيلة إلى الله عز جل لم تأت بها الشريعة- وعلى هذا نقول: التوسل نوعان: توسل ممنوع، وتوسل جائز مشروع. فأما التوسل الممنوع فضابطه: أن يتوسل الإنسان إلى الله بما لم يثبت شرعًا أنه وسيلة، فمن ذلك التوسل بالأموات، فإنه محرم، وربما يكون شركًا أكبر مخرجًا عن الملة، ومن ذلك أيضًا أن يتوسل الإنسان بجاه النبي ﷺ على القول الراجح، وذلك لأن جاه النبي ﷺ من أعظم الجاهات عند الله ﷿، فإذا كان موسى وعيسى من الوجهاء عند الله فمحمد ﷺ أفضل وأولى بالجاه من غيره، ولكن الجاه لا ينتفع به إلا من استحقه، وأما الداعي فلا ينتفع به لأنه لا يستفيد منه شيئًا، والنبي ﵊ منزلته عند الله إنما تكون نافعة له وحده، أما غيره فلا ينفعه عند الله إلا الإيمان بالرسول ﵊ وبما جاء به وما كان وسيلة شرعية. وأما النوع الثاني وهو التوسل الجائز فإنه أقسام: الأول: التوسل إلى الله بأسمائه، مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي مثلًا، فهذا جائز، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وفي حديث ابن مسعود المشهور في دفع الهم والغم: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) إلى آخره، فهنا قال: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث. فالتوسل إلى الله بأسمائه توسل صحيح مشروع، سواء توسلت بأسمائه عمومًا مثل أن تقول: أسألك بأسمائك الحسنى، أسألك بكل اسم هو لك، أو باسم معين من أسمائه كما لو قلت: اللهم أنت الغفور الرحيم فاغفر لي وارحمني. الثاني: التوسل إلى الله بصفاته، كما جاء في الحديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . فهنا سأل الله بصفة من صفاته: بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق. ومنه توسل الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) . الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، بأن تتوسل بفعل من أفعال الله تعالى فعله في غيرك ليجعل لك مثل ما فعل في غيرك، ومن ذلك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فهنا توسلنا إلى الله بفعل من أفعاله، وهو: صلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . فتقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك أن تغفر لي، وأن تؤمنني من الفزع الأكبر يوم الدين، وما أشبه ذلك. الخامس: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، بأن يتوسل الإنسان بعمله الصالح إلى الله ﷿ ليعطيه ما أراد، ومن ذلك قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة وهم في الغار ولم يستطيعوا زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم ببر والديه، وتوسل الثاني بعفته عن الزنى، وتوسل الثالث بوفائه بأجر صاحبه أي بأجرة صاحبه، فقبل الله منهم وانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. السادس: التوسل إلى الله ﷿ بدعاء الصالحين، ومن ذلك طلب الصحابة ﵃ من النبي ﷺ أن يدعو لهم، مثل طلب الرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي ﷺ، فأغاثهم الله. وكذلك قول عكاشة بن محصن- حين تحدث النبي ﷺ عن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال:- يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (أنت منهم) . هذا هو التوسل المشروع بالنسبة للصالحين: أن تتوسل إلى الله بدعائهم، أما أن تتوسل إلى الله بذواتهم فهذا من التوسل غير المشروع، بل من التوسل الممنوع. والسابع: أن يتوسل إلى الله ﷿ بذكر حاله، وهذا هو التعطف والتحنن- أي: طلب العطف وطلب الحنان- ومن ذلك قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . فتقول: اللهم إني فقير عاجز معدم ضعيف وما أشبه ذلك، فتشكو حالك إلى الله، فهذه الشكاية تعتبر وسيلة إلى رحمة الله ومغفرته ومنته. هذه هي الأقسام المشروعة في التوسل، وأما التوسل بغير ما ورد فإنه من التوسل الممنوع. والله أعلم. ***
السائل ع م ك تركونه ليبيا يقول: ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند الدعاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل بالنبي ﷺ بالدعاء: إذا كان المتوسل قصده التوسل بالإيمان بالرسول ﷺ، أو التوسل بمحبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا لا بأس به. أما إذا كان قصده التوسل بذاته فلا يجوز؛ لأن التوسل بذاته لا ينفع المتوسل، فيكون قد دعا الله تعالى بما ليس سببًا للإجابة، وهذا نوع من الاستهزاء. واعلم أن التوسل أنواع، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، فهذا مشروع، مثل أن تقول: أسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي، فهذا مشروع؛ لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، فهذا أيضًا مشروع، كما جاء في الحديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، كما يقول المصلى: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فإن قوله: كما صلىت للتعليل، يعني: كما مننت بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصلِّ على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، كما في قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران: ٥٣)، وكما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا) (آل عمران: من الآية١٦)، وكما في قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) (آل عمران: ١٩٣) . الخامس: التوسل بالعمل الصالح، كما في قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فأنجاهم الله وانفرجت الصخرة. السادس: التوسل إلى الله بحال الداعي، كأن يقول: اللهم إني فقير فأغنني، أو يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا فاغفر لي، وكما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . السابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، كما كان الصحابة يتوسلون بدعاء النبي ﷺ لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب على المنبر يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستجاب الله له، هذه سبعة أنواع من التوسل الجائز. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن طلب الدعاء من الشخص الصالح إذا كان يخشى منه أن يغتر هذا الرجل بنفسه وأن يقول: إنه من أولياء الله فهنا تحصل مفسدة فلا يسأل، كما أن الأولى بالإنسان مطلقًا أن لا يطلب من أحد أن يدعو الله له، بل يدعو هو نفسه، يدعو الله تعالى مباشرة. أما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات، وقد يصل إلى حد الشرك الأكبر، وكذلك التوسل بجاه النبي محمد ﷺ أو غيره من الأنبياء، أو التوسل بجاه الصالحين، كل هذا ممنوع لا ينفع. ***
بارك الله فيكم المستمع حميد السمرائي أيضًا يا شيخ محمد يقول: ماحكم الدعاء بجاه الرسول ﷺ والقرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذتان مسألتان. المسألة الأولى: الدعاء بالقرآن الكريم، فالدعاء بالقرآن الكريم- يعني: أن يسأل الإنسان ربه بكلامه- وهذا على القاعدة المعروفة عند أهل العلم جائز؛ لأن هذا من باب التوسل بصفات الله ﷿، والتوسل بصفات الله ﷿ جائز جاءت به الشريعة، والقرآن صفة من صفات الله ﷿، فإنه كلام الله تكلم به حقيقة لفظًا وأراده معنى، فهو كلامه ﷿ لفظًا ومعنىً، ليس كلام الله ألفاظًا دون المعاني ولا المعاني دون الألفاظ، وإذا كان صفة من صفاته فالتوسل به جائز. وأما التوسل بجاه النبي ﷺ وهي المسألة الثانية فالراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بجائز، وأنه يحرم التوسل بجاه النبي ﷺ، فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم أسألك بجاه نبيك كذا وكذا، ذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود، وجاه النبي ﷺ بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود، وإذا لم يكن له أثر لم يكن سببًا صحيحًا، والله ﷿ لا يدعى إلا بما يكون سببًا صحيحًا له أثرٌ في حصول المطلوب، فجاه النبي ﷺ هو مما يختص به النبي ﷺ وحده، وهو مما يكون منقبة له وحده، أما نحن فلسنا ننتفع بذلك، وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول ﷺ، وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال: اللهم إني أسالك بإيماني بك وبرسولك كذا وكذا، بدلًا من أن يقول: أسألك بجاه نبيك. ومن نعمة الله ﷿ علينا ورحمته بنا أنه لا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة، ولهذا ينبغي للداعي إلى الله ﷿ إذا ذكر للناس بابًا مسدودًا في الشرع أن يبين لهم الباب المفتوح الذي أتت به الشريعة، حتى لا يسد على الناس الطرق ويبقيهم في عمه وحيرة، وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك في كتابه، وأرشد إليه النبي ﷺ في سنته. فقال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا) فنهاهم عن قول وفتح لهم باب قول آخر: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا. وقال النبي ﵊ للرجل الذي جاءه بتمر طيب، وأخبره بأنه يشتري هذا الطيب الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال له النبي ﵊: (لا تفعل) فنهاه أن يشتري صاعًا من التمر الطيب بصاعين من التمر الرديء، نهاه عن ذلك لأن هذا ربًا وقال له: (بع الجمع- يعني: الرديء- بالدراهم، ثم اشترِ به- يعني: ثم اشترِ بالدراهم- تمرًا طيبًا) فلما نهاه النبي ﷺ عن محرم بين له الحلال، وهكذا ينبغي لكل داعية يدعو الناس إلى شيء فيحذرهم من فعل أو قول أن يذكر لهم بدلًا منه من الأقوال والأفعال المباحة. وخلاصة القول: أن سؤال الله تعالى بكلامه كالقرآن مثلًا جائز، وأن سؤال الله بجاه النبي ﷺ ليس بجائز، على ما بينا من الحكمة والتعليل. ***
هذه رسالة من السائل يوسف سيد أحمد من ليبيا يقول: هل يجوز ذكر السيادة للرسول ﷺ في الصلاة عليه سواء في التشهد أو خلافه؟ وما هو الأفضل ذكرها أم تركها؟ وهل يجوز التوسل به ﷺ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن السؤال الذي عرض علينا في هذه الحلقة، وهو: تسويد الرسول ﷺ عند الصلاة عليه، فإننا نقول: لا ريب أن رسول الله ﷺ سيد ولد الخلق، سيد ولد آدم، وأنه له السيادة المطلقة عليهم، لكنها السيادة البشرية، سيادة بشر على بشر، أما السيادة المطلقة فإنها لله ﷿، فالرسول ﵊ سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وهو إمامهم ﵊، ويجب على المؤمن أن يعتقد ذلك في رسوله ﷺ. أما زيادة سيدنا في الصلاة على رسوله ﷺ فإنها إن أردنا الألفاظ التي ورد بها النص لا ينبغي ذكرها إذا كانت لم تذكر؛ لأن الصيغة التي وردت عن النبي ﷺ في صفة الصلاة عليه هي أحسن الصيغ وأولاها بالاتباع، أما إذا كان يصلى على النبي ﷺ صلاة مطلقة فإنه لا بأس أن يقول: صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مثلًا، لا بأس أن يقولها لأن النبي ﷺ له السيادة على البشر، ولكننا في الصلاة على النبي ﷺ في التشهد لا نزيدها؛ لأنها لم ترد عن رسول الله ﷺ، فنقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا نقول: السلام عليك سيدنا أيها النبي، ونقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ولا نقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، بل ولا نقول: اللهم صلِّ على نبينا محمد، بل نقول: اللهم صلِّ على محمد كما جاء به النص، هذا هو الأولى والأفضل. أما التوسل بالنبي ﷺ فإن التوسل به أقسام: أحدها: أن يتوسل بالإيمان به، وهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، هذا لا بأس به وهو صحيح، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) . ولأن الإيمان بالرسول ﷺ وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعًا. ثانيًا: أن يتوسل بدعائه ﷺ، أي: بأن يدعو للمشفوع له، وهذا أيضًا جائز وثابت، لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول ﷺ، وقد ثبت عن عمر ﵁ أنه قال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله ﷾ بالسقيا، فالتوسل في حياة النبي ﷺ بدعائه هذا جائز ولا بأس به. القسم الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول ﷺ سواء في حياته أو بعد مماته، فهذا توسل بدعي لا يجوز، وذلك لأن جاه الرسول ﵊ لا ينتفع به إلا الرسول ﷺ، أما أنت بالنسبة إليك فإنك لا تنتفع به؛ لأنه ليس من عملك، وشيء ليس من عملك لا ينفعك، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو أن ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء، فلابد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء، وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع. وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول ﵊ ثلاثة أقسام: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته. أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول ﷺ أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر. القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز، لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله. فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول ﵊ عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟ قلنا: لا يجوز. فإذا قال: أليس الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)؟ قلنا: بلى إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفًا للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إذ ظلموا، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول ﵊، وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)، واستغفار الرسول ﷺ بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله، كما قال الرسول ﷺ (إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) . فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضًا؛ لأن العمل انقطع. فضيلة الشيخ: أثابكم الله إذًا على هذا لا يكون التوسل إلا مثلًا بالإيمان بالرسول ﷺ لكن هل نقيس عليه التوسل بأي عبادة من العبادات، كالتوسل مثلًا بصلاة الإنسان أو بصومه أو بعمل من أعماله الصالحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يتوسل به نعم لا بأس به، يقول مثلًا: ً اللهم لك صلىت لك صمت لك حججت وما أشبه ذلك فاغفر لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه الأعمال من أسباب المغفرة. ***
هذا السائل محمد الشتيلي المملكة العربية السعودية الزلفي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بالصالحين مع التفصيل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل معناه اتخاذ الوسيلة الموصلة إلى المقصود، ومن المعلوم أن الوسيلة لابد أن تكون صحيحة في إيصالها إلى المقصود، وأما ما لم يكن صحيحًا في إيصاله إلى المقصود فإنه باطل لا يجوز فعله؛ لأن ما بني على الباطل باطل. وبناء على هذه القاعدة نعرف حكم التوسل بالصالحين، فالتوسل بالصالحين بعد موتهم لا يجوز؛ لأنهم لن ينفعوا من يتوسل بهم، ولن يستطيعوا أن يدعوا له ولا أن يشفعوا له عند الله إلا بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . أما التوسل بالصالحين الأحياء فهذا على نوعين: النوع الأول: أن يتوسل بأعمالهم الصالحة، أو بجاههم عند الله أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام، مثال هذا أن يقول: أسألك اللهم بصلاة فلان لك أن تغفر لي، فإن هذا التوسل الممنوع محرم؛ لأن صلاة فلان لا تنفع إلا فلانًا ولا مصلحة لك منها، وليس منك عمل حتى تقول: إنه ينفعني عند الله، وكذلك التوسل بذات الرجل الصالح أو بجاهه فإنه ممنوع ومحرم؛ لأن ذاته لا تفيدك شيئًا وجاهه لا يفيدك شيئًا؛ فلو قلت: أسألك اللهم بفلان وهو حي أو ميت أيضًا فإنه لا ينفعك، ولا يحل لك التوسل به، وكذلك لو قلت: أسألك بجاه فلان حيًّا كان أم ميتًا فإنه لا يحل لك أن تتوسل بجاهه؛ لأن جاهه ليس وسيلة يوصلك إلى مقصودك،جاهه ينتفع به هو ولا تنتفع به أنت. النوع الثاني: أن يتوسل بالصالحين الأحياء بدعائهم، فهذا لا بأس به، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بدعاء فلان لي أن تقبل دعوته، يعني: أن تقبل دعاءه، ثم يطلب منه أن يدعو له، فهذا لا بأس به، وقد كان الصحابة ﵃ يتوسلون إلى الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي بدعائه، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك ﵁: (أن رجلًا دخل والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. فأنشأ الله السحاب، ورعد وبرق وأمطر، فما نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته. وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا. فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانجلت الغيوم عن المدينة وصار ما حولها ممطرًا) . فهذا التوسل من التوسل الجائز. ولكن هل ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له؟ الجواب على هذا أن نقول: لا ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له لأمرين: الأمر الأول: أن في ذلك نوعًا من التذلل للمطلوب منه الدعاء. والأمر الثاني: أن المطلوب منه الدعاء قد يلحقه الغرور والإعجاب بالنفس ويقول: أنا من أنا؟ أنا الذي يتوسل الناس إلى ربهم بدعائي لهم فيهلك، ولا شك أن كون الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه خير من كونه يطلب من غيره أن يدعو الله له، أولًا: لأن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه فقد امتثل أمر الله تعالى في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . ثانيًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه استفاد من ذلك قربة إلى الله تعالى؛ لأن الدعاء من العبادة، والعبادة تقرب إلى الله. ثالثًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه أحس بالضرورة إلى الله تعالى والافتقار إليه، وأنه ﷾ ملجؤه دون خلقه. رابعًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه فإنه يدعو الله تعالى بما يشاء جملة وتفصيلًا، فيحصل بذلك الانبساط في الدعاء والتوسع فيه والإلحاح فيه على الله. خامسًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه صار معتمدًا على الله متوكلًا عليه، لا يلجأ إلا لله تعالى، وهذا لا شك أن له تأثيرًا في إصلاح القلب وصلاحه. سادسًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه سلم من أن يمن عليه مَنْ طلب منه أن يدعو له. والمهم أن الذي ينبغي للإنسان أن يدعو ربه بنفسه في قضاء حاجاته للأسباب التي ذكرناها، وربما يكون هناك أسباب أخرى عزبت عنا في هذا المكان، هذا هو حكم التوسل بالصالحين. وأما ما يظنه بعض الناس توسلًا بالصالحين وهو عبادة لهم في الحقيقة فإنه لا يسمى توسلًا، بل هو شرك، مثل أن يقول عند صاحب القبر: يا فلان أغثني من الشدة، يا فلان يسر لي الأمر، وما أشبه ذلك مما يصنعه الجاهلون ويظنون أنه من باب التوسل، وهو حقيقة شرك يشبه قول المشركين الذين قال الله عنهم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) . فعلى المؤمن أن يكون دائمًا متعلقًا بربه، سائلًا ربه بنفسه، لا يفتقر إلى أحد ولا يلجأ إلى أحد. والله الموفق. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ما ضابط التوسل المشروع يا شيخ محمد؟ وما حكم من يتبركون بالصالحين بحجة أن الصحابة يتبركون بشعر الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل المشروع أنواع منها أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: يا غفور اغفر لي، أو يقول: يا ذا المغفرة والرحمة اغفر لي، أو يقول: اللهم برحمتك أستغيث أو ما أشبه ذلك. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بأفعاله، مثل ما جاء في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فهذا توسل إلى الله تعالى بأفعاله التي منّ بها على من شاء من عباده فيما سبق. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح، كقول أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله بذكر حاجته وافتقاره إلى ربه، كقول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، كما فعل الصحابة ﵃ حين يأتون إلى الرسول ﵊ يسألونه أن يدعو الله لهم، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك ﵁ أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . فأمطرت السماء، وبقي المطر ينزل أسبوعًا كاملا، ً ثم دخل الرجل أو رجلٌ آخر وقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) . وليس من التوسل أن يتبرك بالإنسان بلباسه أو شعره أو عرقه أو ما أشبه ذلك، إلا النبي ﷺ، فإن الصحابة كانوا يتبركون بآثاره ﵊، لكن لم يتبرك أحد منهم بالآخر، فما تبركوا نحو هذا التبرك بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي. ***
إيمان من بغداد تقول هل عند قيام المسلم بالدعاء والسؤال من الله ﷿ وقوله مثلًا: اللهم اغفر لي بجاه سيدنا محمد ﷺ، هل هذا حرام ويعاقب الله المؤمن عليه؟ مع شكري لأسرة البرنامج وللشيخ المجيب فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن الدعاء من عبادة الله ﷿، وإذا كان الدعاء من العبادة فإنه ليس لنا أن نحدث من وسائل الدعاء ما لم ترد به الشريعة، والتوسل إلى الله ﵎ حال الدعاء يكون بأمور: أولًا: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ لقوله: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، مثل أن يقول الإنسان: اللهم يا رزاق ارزقني، ويا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ومثل أن يقول: أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، فيتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا مما جاءت به الشريعة. الوسيلة الثانية: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، كما ذكر الله تعالى عن أولي الألباب الذين يقولون: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)، فإن الفاء هنا للسببية، تدل أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي: بسبب إيماننا بهذا المنادي فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. والوسيلة الثالثة: أن يتوسل الإنسان بحاجته إلى الله ﷿، أي: بذكر حاله وفقره، كما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، فهذا خبر لكنه يتضمن الدعاء والتوسل إلى الله ﵎ بذكر حال الداعي، وتارة يكون التوسل إلى الله تعالى بكل هذه الأسباب، كما في الدعاء الذي علمه النبي ﷺ أبا بكر يدعو به في صلاته: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، فإن هذا توسل إلى الله تعالى بذكر حال العبد: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا)، وبالثناء على الله تعالى بصفاته في قوله: (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا من الإيمان بالله: (فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم) . هذه هي الوسائل الشرعية الصحيحة التي يتوسل بها المرء إلى الله تعالى لإجابة دعائه. أما التوسل بالنبي ﷺ نفسه: فإن كان توسلًا بدعاء النبي ﷺ للمتوسل فهذا لا بأس به، ولكن هذا لا يكون إلا في حياة الرسول ﷺ، كما في قول عمر ﵁: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، ثم يأمر العباس بن عبد المطلب فيدعو الله ﷿، كما دخل الأعرابي والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه ورفع الناس أيديهم وقال: (اللهم أغثنا) ثلاث مرات، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، فهذا توسل بنفس الرسول ﵊ أن يدعو للمرء الذي توسل به إلى الله ﷿. وأما التوسل بالنبي ﷺ بعد وفاته فهذا لا يجوز، ومنه أن يتوسل بجاه الرسول ﵊ فإن هذا من البدع، لم يرد عن الصحابة أنهم توسلوا بجاه النبي ﷺ، وكما أن هذا مقتضى الأثر: ألا نتوسل بجاه الرسول ﵊ لعدم وروده، فكذلك أيضًا هو مقتضى النظر، فإن جاه الرسول ﵊ ليس من فعلنا حتى نتوسل به إلى الله، كالتوسل بإيماننا وعملنا، وليس هو أيضًا نافعًا لنا حتى نتوسل إلى الله تعالى به، فإن جاه الرسول ﵊ إنما ينتفع به الرسول ﷺ وحده، فليس وسيلة لإجابة الدعاء. وإذا كان مقتضى الأثر والنظر ألا نتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول ﵊ فلنتوسل إلى الله تعالى بما هو أحسن منه، وهو: الإيمان بالرسول ﷺ، كما حكى الله ﷾ عن أولي الألباب، فهذه الطريق الواردة الحسنة القيمة- وهي: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان برسوله ﷺ ما لنا لا نسلكها؟ ما لنا نسلك طريقًا وهي محرمة وبدعة، وَنَدَعُ هذا الطريق؟ فمادام الله تعالى قد فتح لنا طرقًا مشروعة سليمة فلنكن من الذين يسلكونها، حتى نكون ممن قال الله تعالى عنهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) . ***
جزاكم الله خيرًا هذا السائل يقول: ما الحكم في أشخاص يتوسلون بجاه النبي ﷺ؟ بعد دعاء الرجل يقول: بجاه سيدنا محمد، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نوجهكم إلى أن تَدَعُوا التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك من البدع، ولأن جاه النبي ﷺ لا ينفعك، والله ﵎ إنما يتوسل إليه بما يكون سببًا ووسيلة لحصول المقصود، وجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار الداعي لا يفيده، ونحن لا نشك أن رسول الله ﷺ سيد ولد آدم، وأن له جاهًا عظيمًا عند الله ﷿ كسائر إخوانه من المرسلين، ولكن جاهه عند الله إنما ينتفع به هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما نحن فلا، وقد أبدلنا الله تعالى عن التوسل المحرم بتوسل مباح، فلماذا نعدل عن التوسل المباح المشروع إلى توسل لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، وليس أيضًا هو سببًا لحصول المقصود؟ فمن التوسل في الدعاء: التوسل إلى الله ﵎ بأسمائه عمومًا مثل قوله ﷺ في الدعاء المشهور: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري.. الخ)، أو يتوسل باسم خاص من أسماء الله مناسب لما يدعو به، مثل أن يقول: اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي، أو: يا رحيم ارحمني، أو يقول: اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وما أشبه ذلك، ومنه حديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . أو يتوسل إلى الله تعالى بصفاته، أي بصفة من صفاته، مثل: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخر دعاء الاستخارة المشروع. أو يتوسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله، مثل قوله: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أو يقول: اللهم كما مننت على فلان بالعلم والعمل أنعم علي بمثل ذلك. أو يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، مثل قوله تعالى (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ومثل قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)، ومن ذلك توسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة عجزوا عن إزالتها عن باب الغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، والحديث في ذلك مشهور معلوم. أو يتوسل إلى الله ﷿ بحاله، أي: بحال الداعي، مثل أن يقول: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، أو يقول: اللهم إني فقير فأغنني، وكقول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . أو يتوسل إلى الله تبارك تعالى بدعاء العبد الصالح الذي ترجى إجابته، مثل قول عكاشة بن محصن- لما ذكر النبي ﷺ السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب- قال: ادع الله أن يجعلني منهم. فهذه الأنواع من التوسل أنواع مشروعة، وفيها الكفاية عن التوسل إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، فالتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول ﷺ توسل بدعي ممنوع، وفي التوسل المشروع المباح غُنية عنه. ***
خديجة صالح من العراق تقول قسم من الناس عندما يدعون الله يقولون ربنا بجاههم عندك، أي جاه الأولياء والصالحين هل يعتبر واسطة هذا الدعاء بين العبد وربه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن نعرف أن الوسيلة إنما تتخذ وسيلة إذا كانت وسيلة حقيقية سواء ثبت كونها حقيقية بالشرع أو بالواقع، أما اتخاذ وسيلة لم يثبت أنها وسيلة في الشرع ولا في الواقع فإن هذا من اللغو بل نوع من الشرك لأن إثبات أن هذا الشيء سبب والله تعالى لم يجعله سببًا معناه، تشريك مع الله تعالى في قضائه أو شرعه فكل من أثبت سببًا لم يثبت كونه سببًا لا باعتبار الواقع ولا باعتبار الشرع فقد أشرك بالله ﷾ حيث جعل ما ليس سببًا جعله سببًا، ننظر الوسيلة أو التوسل إلى الله ﷾ بجاه الأولياء والأنبياء والصالحين هل جاء في الشرع أنها وسيلة؟ الجواب لا، ونحن نقول لكل من يسمع إذا كان لديه دليل من الشرع من النبي ﵊ أو من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان على أن التوسل بالجاه مشروع فليأت به على هذا العنوان نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية، ونحن نعاهد الله ﷾ ونسأله العون على أنه متى جاءنا دليل شرعي ثابت فإننا سنتبعه، لأن ذلك هو الفرض علينا فإذا كان عند أحد من الناس أن التوسل بالجاه مشروع فليتفضل به فإننا به آخذون ولما أسداه إلينا شاكرون، وإذا لم يكن دليل من الشرع والأمر كذلك فإنني لا أعلم أبدًا أن التوسل بالجاه أمر مشروع، فهل يكون الجاه وسيلة بحسب الواقع؟ الجواب لا، لأن الجاه عند الله إنما ينتفع به من له جاه فقط، أما غيره فأي نفع له، فإذا كان هذا الرجل له جاه عند الله ﷾ فالذي ينتفع بهذا الجاه هو نفس الرجل، أما أنا فأي نفع لي بجاهه هو، لذلك ليس الجاه وسيلة بحسب الواقع أيضًا، فإذا لم يكن الجاه وسيلة لا بحسب الشرع ولا بحسب الواقع لم يجز أن يتخذ وسيلة، وعلى هذا فيحرم على الإنسان أن يقول اللهم إني أسألك بجاه النبي ﷺ أو بجاه فلان أو فلان ممن يزعمونهم أولياء لأن ذلك ليس سببًا شرعيًا ولا سببًا واقعيًا وإذا كان غير سبب شرعي ولا واقعي فإن إثبات كونه سببًا نوع من الإشراك بالله ﷿، ولكن بدلًا من أن يقول أسألك بجاه النبي أو بجاه الولي يقول اللهم إني أسألك برحمتك، أسألك بفضلك، أسألك بإحسانك، هذا أفضل لأن فضل الله وإحسانه ورحمته أشمل وأعم وأنفع للإنسان من جاه رجل عند الله ﷿، فكونك تسأل بفضل الله ورحمته وما أشبه ذلك من صفات الله ﷾ التي تتوسل بها إليه هذا أفضل بلا شك وأنفع للنفس وأقرب إلى الإجابة. ***
فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة الأولى التي بين أيدينا وردتنا من الأخ في الله عماد إبراهيم أبو الدهب من جمهورية مصر العربية المستمع قد استمع إلى حلقةٍ كما أشار إليها في يوم السبت الموافق ٢٢/١٠/١٤٠١هـ ويسأل عن ردكم على إحدى المستمعات التي تقول هل يجوز الدعاء لله ﷿ والتوسل إليه بجاه الأنبياء أو بجاه عباده الصالحين بمعنى أن نقول اللهم إنا نسألك بجاه نبيك ﷺ أن تغفر لنا ذنوبنا وخلاف ذلك من الدعاء ويقول إنكم قد أشرتم في إجابتكم أنه إذا وجد حديث يخالف عدم الجواز فيرسل إلينا وإنه وجد حديثًا في بلوغ المرام يقول فيه الحديث عن أنسٍ ﵁ عن عمر ﵁ كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا محمد ﷺ فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون رواه البخاري يقول فما رأي فضيلة أستاذنا الجليل في ذلك هل له من صحة أم من الأحاديث الضعيفة الزائدة والله الموفق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أولًا أشكر الأخ على تعاونه مع إخوانه لأن هذا من التعاون على البر والتقوى فإن الإنسان بشر يخطئ ويصيب ويذهل عن الشيء ويغيب والشريعة ليست محصورةً على أحدٍ معينٍ من الناس بل كل من آتاه الله تعالى علمًا وفهمًا وإخلاصًا فإن له الحق في أن يتكلم بما آتاه الله تعالى من علمٍ وفهمٍ وإخلاص وهذا هو واجب كل مسلم في هذا الباب وغيره أن يكون ناصحًا لإخوانه حريصًا على حفظ شريعة الله إذا تكلم أحدٌ فيها بخطأ حاول إصلاح الخطأ على وجه الحكمة والصواب وأما بالنسبة لسؤاله هذا الحديث الذي أشار إليه هو حديثٌ صحيح رواه البخاري ولكن من تأمله وجد أنه دليلٌ على عدم التوسل بجاه النبي ﷺ أو غيره وذلك أن التوسل هو اتخاذ الوسيلة والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المطلوب والوسيلة المذكورة في هذا الحديث نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعائه لأن عمر قال للعباس قم يا عباس فادع الله فدعا ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر ﵁ يتوسل بجاه النبي ﷺ قبل أن يتوسل العباس لأنه بلا شك جاه النبي ﷺ عند الله أعظم من جاه العباس وغيره فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر أن يتوسل بجاه النبي ﷺ دون جاه العباس بن عبد المطلب والحاصل أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به فقد كان الصحابة ﵃ يتوسلون إلى الله بدعاء النبي ﷺ لهم وكذلك أيضًا عمر توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب ﵁ فلا بأس إذا رأيت رجلًا صالحًا حريٌ بالإجابة بكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالًا وكونه حريًا معروفًاُ بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب بشرط أن لا يحصل في ذلك غرورٌ لهذا الشخص الذي طلب منه ذلك الدعاء فإن حصل منه غرورٌ بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه لأن ذلك يضره كما أنني أيضًا أقول إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله لأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية كما أنني أيضًا أرغب في أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه أي إلى هذا الداعي دون دفع حاجة هذا المدعو له لا لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم وأما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء مثل ما هو معروف صار هذا أولى وأحسن. ***
بارك الله فيكم السائل يقول من السودان هل يجوز التوسل إلى الله بهذه الصيغة اللهم صل على محمد وبارك على نبينا محمد صلاة تفرج بها همي وتنفس بها كربتي وتوسع بها رزقي إلى آخره نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنصح هذا السائل وغيره من الإخوان أن يحافظوا على الصيغ الواردة في القرآن والسنة في الدعاء وذلك لأن الدعاء عبادة يتقرب به الإنسان إلى ربه وليس مجرد طلب يحصل به الإنسان على ما يريد بل هو نفسه عبادة لقول الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فأنصح هذا السائل وغيره من إخواننا المسلمين أن يحافظوا على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية ثم أقول إن هذه الصيغ التي ذكرها السائل لا يرغب فيها ولا ينبغي أن تكون وسيلة بل توسل إلى الله ﷾ بأسمائه وصفاته المناسبة لمطلوبك فقل يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، يا عزيز أعزني بطاعتك وما أشبه ذلك حتى تكون متوسلًا بوسيلة ليس فيها شبهة. ***
هل يجوز أن نقول في دعائنا اللهمَ شفِّع فينا محمدًا ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول القائل اللهم شفع في رسولك محمدًا ﷺ فإن ذلك لا بأس به ولهذا أمرنا أن نقول خلف الأذان إذا تابعنا المؤذن أمرنا أن نقول اللهم صلِّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد أمرنا أن نقول ذلك لأن من قاله حلت له شفاعة الرسول ﷺ فنحن مأمورون أن نفعل جميع الأسباب التي تكون بها شفاعة رسول الله ﷺ ومن ذلك الدعاء فإن الدعاء من أكبر الأسباب لحصول المقصود كما قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فإذا سألت الله ﷿ أن يجعل نبيه محمدًا ﷺ شافعًا لك فإنه لا حرج في هذا. ***
هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد يقول لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي كان من الصالحين الأموات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن سؤال الله ﷾ ودعاءه بوسيلة من الوسائل لا يجوز إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعًا أنها وسيلة وذلك لأن الدعاء عبادة والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع فسؤال الله ﵎ بالوسيلة ينقسم إلى قسمين أحدهما أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع كالتوسل إلى الله ﵎ بأسمائه وصفاته مثل أن تقول اللهم يا غفور اغفر لي ويا رزاق ارزقني ويا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك أو يتوسل إلى الله ﵎ بإيمانه به وبرسله مثل أن يقول اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي كما حكى الله ﵎ عن أولي الألباب الذين يقولون (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) أو يتوسل إلى الله ﵎ بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة كما في قول موسى ﵊ (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة لورود الشرع بها وكذلك أيضًا من هذا القسم إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه كما فعل عمر ﵁ حين استسقى فقال (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي إليك بعم نبينا) يعني العباس فقال للعباس ادع الله فقام فدعا القسم الثاني من الوسائل أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع فهذه لا يجوز أن يُدعى اللهُ بها لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله ﵎ ما لم يكن سببًا للوصول إليه وهذا يشبه الاستهزاء ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه مثل أن تأتي برجل من سوقة الناس وتقول اشفع لي عند الملك فإن هذا يعتبر كالاستهزاء به والسخرية كذلك إذا توسلت إلى الله ﵎ بما لم يكن سببًا فإنه كالاستهزاء به وبآياته ﵎ ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاهًا النبي ﷺ وحرمته وما أشبه ذلك فإن جاه النبي ﷺ لا ينتفع به إلا رسول الله ﷺ فقط أما غيره فإنه لا ينتفع به بمجرد أن للرسول ﷺ جاه عند الله وحرمة هذا لا ينفعه ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلًا للرحمة والمغفرة بجاه النبي ﷺ عند الله وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة ما ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول ﷺ وجاهه لم يجعله الله ﵎ وسيلة لإجابة الداعي وكذلك أيضًا هو في الحقيقة ليس وسيلة لأنه كما أسلفنا آنفًا لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه فحرمة الرسول عند الله ليست سببًا لقضاء حاجتك أنت، وما وجه السبب؟ السبب إما فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته والنبي ﵊ ليس هو الذي يجيب حتى نقول إن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك فالرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول إن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة. ***
بارك الله فيكم هذه أختكم أم عبادة من الأردن أختكم في الله تقول في هذا السؤال ورد عن النبي ﷺ والراوي عثمان بن حميد أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلِق فتوضأ ثم صلِّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ ما صحة هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من أنكره وقال إنه لا يصح عن النبي ﷺ ومنهم من قال إنه صحيح وعلى تقدير صحته فإنه ليس من باب التوسل بذات النبي ﷺ ولكنه من باب التوسل بدعائه بدعاء النبي ﷺ كما هو ظاهر ولكن أمره النبي ﷺ أن يصلى ركعتين تمهيدًا وتوطئة لاستجابة الله ﷾ لشفاعة النبي ﷺ فيه لأنه كلما تحقق الإيمان في الشخص كان أقرب إلى نيل شفاعة الرسول ﷺ ولهذا في هذا الحديث يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فإن قوله يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي يخاطب النبي ﷺ وهذا يدل على أن رسول الله ﷺ كان حاضرًا وأن هذا طلب من النبي ﷺ أن يشفع فيه إلى الله ﷿ ثم سأل الله ﷿ أن يقبل هذه الشفاعة وقال اللهم شفعه فيَّ وهذا لا يكون دليلًا على التوسل بذات الرسول ﷺ وإني بهذه المناسبة أقول إن التوسل إلى الله ﷾ بالدعاء على نوعين نوع جائز ونوع ممنوع والجائز على عدة وجوه الوجه الأول أن نتوجه إلى الله تعالى بأسمائه والثاني أن نتوجه إلى الله تعالى بصفاته والثالث أن نتوجه إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله والرابع أن يتوجه إلى الله تعالى بالعمل الصالح والخامس أن يتوجه إلى الله تعالى بذكر حاله وفقره إلى ربه والسادس أن يتوجه إلى الله ﷿ بدعاء من ترجى إجابته أما الأول وهو التوجه إلى الله تعالى بأسمائه فقد يكون باسمٍ خاص وقد يكون بالأسماء عمومًا ففي حديث ابن مسعود ﵁ الحديث المشهور (أسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا من التوسل بالأسماء على سبيل العموم وقول السائل اللهم إني أسألك أن تغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم هذا من التوسل بالاسم الخاص المناسب لما تدعو الله به وهو داخلٌ في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأما التوسل بالصفات بصفات الله فقد يكون بصفاتٍ معينة وقد يكون بالصفات عمومًا فتقول اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن تغفر لي وقد يكون بصفةٍ خاصة مثل قولك (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي) فتوسلت إلى الله بعلمه وقدرته وهما صفتان خاصتان والتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ومثال التوسل بالعمل الصالح توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا أن يزحزحوا الصخرة التي سدت عليهم الباب فتوسل أحدهم إلى الله تعالى بكمال بره والثاني بكمال عفته والثالث بكمال وفائه بالعقد والقصة مشهورة ومثال التوسل بحال الداعي مثل أن تقول اللهم إني فقير إليك ذليل بين يديك وما أشبه ذلك ومنه قول موسى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ومثال التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته توسل الصحابة ﵃ بدعاء النبي ﷺ كما في حديث أنس أن رجلًا دخل يوم جمعة والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس ﵁ فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزع يعني ما في السماء سحابٌ واسع ولا قزع من الغيم وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار فخرجت من ورائه سحابةٌ مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي ﷺ من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه ثم بقي المطر أسبوعًا كاملًا فدخل الرجل أو رجلٌ آخر في الجمعة الأخرى والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير إلى النواحي ﵊ وما يشير إلى ناحيةٍ إلا انفرج السحاب عنها وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا من التوسل بدعاء من ترجى إجابته وفي الصحيح أيضًا من حديث عمر ﵁ أنه استسقى فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا، قم ياعباس ادع الله) فيدعو الله فيسقون هذه أصناف التوسل الجائز أما التوسل الممنوع فأن نتوسل بشيء ليس وسيلةً وليس سببًا في حصول المقصود مثل أن يتوسل بذات النبي ﷺ أو بجاه النبي ﷺ فإن التوسل بذاته أو بجاهه ليس سببًا في حصول المقصود لأنك إذا لم يكن لديك سببٌ يوصل إلى حصول المقصود لم ينفعك جاه رسول الله ﷺ عند ربه لأن جاهه إنما ينفعه هو صلوات الله وسلامه عليه ولهذا لم ينتفع أبو لهب بجاه النبي ﷺ ولا بذاته لأنه ليس لديه وسيلة تمنعه من عذاب الله وكذلك توسل أصحاب الأوثان بأوثانهم الذين قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) فإن هذا التوسل لا ينفعهم بشيء لأنهم مشركون وإنني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على اتباع الآثار فيما يتوسلون به إلى الله وما أحسن الامتثال لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا خير ما يتوسل به المرء أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الدالة على صفاته العظيمة وعلى ذاته فهذا خير متوسَّل به. ***
الولاء والبراء
بارك الله فيكم هذا السائل ف. م. ع. ش. يقول فضيلة الشيخ كيف تكون المحبة في الله أرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكون المحبة في الله بأن تحب الرجل لكونه عابدًا صالحًا لا لأنه قريبك ولا لأن عنده مالًا ولا لأنه يعجبك فيه خلقه ومنظره وما أشبه ذلك لا تحبه إلا لدينه وتقواه هذه المحبة في الله وفي هذه الحال تجد أن كل واحدٍ منكما يعين الآخر على طاعة الله وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ﵁ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) والشاهد هنا قوله (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ولكني أحذر غاية التحذير ولا سيما النساء من أن تكون هذه المحبة في الله محبةً مع الله لأن بعض الناس يغرم بمحبة أخيه في الله أو تغرم المرأة بمحبة أختها في الله حتى تكون محبة هذا الإنسان في قلبها أو في قلب الرجل أشد من محبة الله لأنه يكون دائمًا هو الذي في قلبه وهو الذي على ذكره إن نام نام على ذكره وإن استيقظ استيقظ على ذكره وإن ذهب أو رجع فهو على ذكره فينسيه ذكره ذكر الله ﷿ وهذا شركٌ في المحبة قال الله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وفعلًا تحصل الشكوى من هذا الأمر أن تحب المرأة زميلتها أو معلمتها محبةً شديدةً تستولي على قلبها وفكرها وعقلها حتى تكون هي التي على بالها دائمًا وتنسى بذكرها ذكر الله وهذا خطأ وخطر والواجب على المرء إذا وقع في هذا الداء أن يحاول الدواء ما استطاع ولكن كيف الدواء وقد وصلت الحال إلى هذه المنزلة الدواء أن يذكر أولًا أن محبة الله تعالى فوق كل شيء ويصرف قلبه لمحبة الله ومما يقوي محبة الله في قلب العبد دوام ذكر الله وكثرة قراءة القرآن وكثرة الأعمال الصالحة والإعراض عن شهوات النفس وهوى النفس ثانيًا أن يبتعد بعض الشيء عن هذا الذي وقع في قلبه محبته إلى هذه المنزلة يبتعد عنه بعض الشيء ويتلهى بأمرٍ آخر فإن لم ينفع فليجتنبه نهائيًا يقطع الصلة بينه وبينه حتى يهدأ هذا الحب وتزول هذه الحرارة وتسكن ثم يعود إلى محبته المحبة العادية ومن أجل كثرة الشكوى من هذا أحببت أن أنبه عليه أن لا تكون المحبة في الله ترتقي إلى أن تكون محبةً مع الله لأن هذا نوعٌ من الشرك في المحبة. ***
بارك الله فيكم السائل من تونس يقول كيف يكون الحب في الله والبغض في الله أرجو منكم الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الحب في الله أن ترى شخصا صاحب دين وعلم صاحب عبادة صاحب خلق صاحب حسن معاملة فتحبه لما في قلبه لما قام به من طاعة الله والإيمان به فهذه هي المحبة في الله والبغض في الله أن ترى شخصا عاصيا متهاونا بدينه لا يبالي فتكرهه وتبغضه لما هو عليه من التهاون بدين الله ﷿ والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرا الإيمان ولهذا يجب علينا أن يكون حبنا وبغضنا لله ﷿ لا نحب إلا من أحبه الله ولا نبغض إلا من أبغضه الله نحب من أحبه الله وإن كنا لا نميل إليه ميلا طبيعيا ونكره من يكرهه الله وإن كنا نميل إليه ميلًا طبيعيًا حتى يحصل لنا التمسك بأوثق عرا الإيمان. ***
الحب في الله والبغض في الله كيف يكون فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحب في الله يعني أنك لا تحب الرجل إلا لله بأن تراه كثير العبادة كثير الصدقة يحب الخير يكره الشر فتحبه لذلك لا لكونه قريبا لك أو صديقا لك أو غنيا أو فقيرا أو ما أشبه ذلك وكذلك البغض لله أن تبغضه لكونه عاصيًا لله ﷿ غير مستقيم على أمر الله لا لعداوة شخصية بينك وبينه ولكن لأنه قد فرط في حق الله. ***
بارك الله فيكم أيضًا من أسئلة المستمعة تقول هل تعد زيارة المسلمة لأهلها الكفار موالاةً لمن حاد الله ورسوله وهل يعتبر الأب أجنبيًا يجب عدم الكشف له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلة الرحم لا تعتبر موالاةً بل الموالاة شيء والصلة شيء آخر ولهذا جمع الله تعالى بين الصلة وبين النهي عن اتخاذ الولاية في سورةٍ واحدة فقال تعالى في سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال في نفس السورة (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) فصلة الرحم أمرٌ منفصل عن الولاية فعلى هذا يجب على الإنسان أن يصل رحمه ولو كانوا كفارًا لكن بدون موالاةٍ ومناصرة ومعاضدة على ما هم عليه من الكفر وكذلك يجوز أن يدعوهم إلى بيته مثلًا ولكن مع ذلك ينبغي أن يحرص على عرض الإسلام عليهم ونصحهم وإرشادهم لعل الله أن يهديهم بسببه. ***
أحسن الله إليك يا شيخ هل يأثم الإنسان إذا عاش مع أناس لا يصلون ولكنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لكنه لا يستطيع أن يهجرهم لأنهم إخوان وأقارب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا كانوا لا يصلون فالواجب عليه نصيحتهم حينًا بعد حين فإن أصروا على ترك الصلاة فهم كفرة مرتدون عن دين الإسلام مستوجبون للخلود في النار والعياذ بالله وعليه أن يهجرهم فلا يجيب دعوتهم ولا يسلم عليهم ولا يدعوهم إلا إذا رجا ولو رجاءً بعيدًا أن يهديهم الله ﷿ بالمناصحة فلا ييأس من رحمة الله. ***
هل يجوز مؤاكلة المشركين من طبق واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى للمسلم أن يتجنب مجالس السوء ومنها مجالس المشركين واليهود والنصارى فليبتعد عنهم بقدر الإمكان لكن إذا ألجأته الحاجة أو الضرورة لمؤاكلتهم فإنه يعذر في ذلك كما يوجد اليوم في كثير من المؤسسات تجمع بين عمال كفار وعمال مسلمين ولا يستطيع المسلم أن يتخلص من الاجتماع بهؤلاء ولكني أقول إن من الخير أن يعرض المسلم على هؤلاء الكفار محاسن الإسلام وأن يدعوهم إلى الإسلام فلعل الله ﷾ أن يهديهم به فينال هذا الأجر الذي قاله رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب حين وجهه إلى خيبر قال له (ادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم) وحمر النعم هي الإبل الحمراء وكانت من أنفس الأموال وأغلاها عند العرب. ***
هذا السائل مصري ومقيم بالطائف علي بن كمال يقول في هذا السؤال أسأل عن حكم زيارة النصراني إذا كان مريضًا وعن اتباع جنازته فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة النصراني أو غيره من الكفار إذا كان مريضًا وتسمى في الحقيقة عيادة لا زيارة لأن المريض يعاد مرة بعد أخرى فإذا كان في ذلك مصلحة كدعوته إلى الإسلام فهذا خير ويطلب من الإنسان أن يعوده وإن لم يكن فيها مصلحة فإن كان هناك سبب يقتضي ذلك مثل كونه قريبا أو جارا أو ما أشبه ذلك فلا بأس أيضا وإلا فالخير في ترك عيادته وأما اتباع جنازته فإن كان فيها شيء محرم كالناقوس وإشعال النيران والصلبان فإنه لا يجوز وإن لم يكن فيها شيء محرم فينظر إلى المصلحة في ذلك والله أعلم. ***
هل يجوز السفر للبلاد الكافرة والعمل بها في الأعمال المباحة مع المحافظة على العقيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يسافر إلى هذه البلاد مخاطر بدينه لأنها بلاد كفر والمرء إذا عاش في بيئة فإنه يتأثر بها إلا من عصم الله قال النبي ﷺ (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وكيف تطيب نفس مؤمن أن يعيش في بلاد لا يسمع إلا أجراس النواقيس وأصوات الأبواق ولا يسمع فيها قول الله أكبر حي على الصلاة المؤمن ينبغي له أن يبتعد مهما أمكن عن بلاد الكفر ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكان عنده علم يدفع به شبهات المنصرين وكان عنده عبادة تمنعه من الزيغ والميل بهذه الشروط الثلاثة نرى أنه لا بأس أن يسافر إلى الخارج بالشروط الثلاثة أعيدها أولًا الحاجة إلى ذلك بأن يكون مسافرًا لتخصصات لا توجد في بلاده وثانيًا أن يكون لديه علم يدفع به شبهات المضللين المنصرين وغير المنصرين الشرط الثالث أن يكون عنده عبادة قوية تمنعه من الزيغ والانحلال فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس أن يسافر وإذا تخلف واحد منها فنرى أنه لا يجوز السفر لا سيما لصغار السن والنشء فإنهم على خطر وقد حذر رسول الله ﷺ من سمع بالدجال أن يقرب منه وأمره بأن يبعد عنه وأخبر بأن الرجل يأتي إليه وهو يرى أنه لا يصده ثم لا يزال به حتى يصده عن دينه وهذا أمر واقع فإن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر غالبهم يرجع بغير ما سافر به من دين وخلق نسأل الله السلامة والعافية. ***
أيضًا يقول ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للترفيه مع العلم أن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته والله الموفق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن السفر إلى بلاد الكفار خطر على الإنسان مهما كان في التقوى والالتزام والمحافظة فهو إما مكروه أو محرم إلا لحاجة والنزهة ليست بحاجة ففي بلاد الإسلام ولله الحمد من المنتزهات الكثيرة ما هو كفيل بإشباع رغبة الإنسان على الوجه المباح ولا حاجة به إلى بلاد الكفر ثم إن النفس أمارة بالسوء قد تسول له نفسه أن يفعل ما لا يحل له شرعًا في تلك البلاد التي لا تحل حلالًا ولا تحرم حرامًا ثم إنه قد يألف ذلك سنة بعد سنة حتى يرغب في أولئك القوم وَيحلُو له ما يفعلون من عادات وغيرها مخالفة للشرع وحينئذٍ يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه. ***
المستمعة تغريد تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا كان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلًا إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلًا وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضًا هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي ﷺ لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير مسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير مسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير مسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس ﵄ (طعامهم: ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية وأجاب يهوديًا على إهالة سنخة وخبز شعير وأقر عبد الله بن مغفل على أخذ الجراب من الشحم الذي رمي به في فتح خيبر فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة ﵂ أن قومًا قالوا يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال النبي ﷺ (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر يعني أنهم جديدو الإسلام ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي ﷺ هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم فقال (سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعابًا كثيرًا لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوبًاَ أو مسروقًا ومن الجائز أن يكون ثمنه حرامًا ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فعل على وجه تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال من المسألة الثانية أو السؤال الثاني وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد الله ﷿ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله ﷾ قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ من الحق) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر فهو عدو الله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله ﷿ وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه. ***
بارك الله فيكم يقول أنا مقيم في الأردن في منزل معظم سكانه من الإخوة المسيحيين نأكل ونشرب مع بعضهم فهل صلاتي وعيشي معهم باطل أرجو من الشيخ إفادة حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أود أن أذكر له ملاحظة أرجو أن تكون جرت على لسانه بلا قصد وهي قوله أعيش مع الإخوة المسيحيين فإنه لا أُخوة بين المسلمين وبين النصارى أبدًا الأُخوة هي الأُخوة الإيمانية كما قال الله ﷿ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإذا كانت قرابة النسب تنفى مع اختلاف الدين فكيف تثبت الأُخوة مع اختلاف الدين وعدم القرابة قال الله ﷿ عن نوح وابنه لما قال نوح ﵊ (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فلا أخوة بين المؤمن والكافر أبدًا بل الواجب على المؤمن أن لا يتخذ الكافر وليًا كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) فمن هم أعداء الله أعداء الله هم الكافرون قال الله (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) وقال ﷾ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فلا يحل للمسلم أن يصف الكافر أيًا كان نوع كفره سواء كان نصرانيًا أم يهوديًا أم مجوسيًا أم ملحدًا دهريًا لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبدًا فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير ولا يعني ذلك حينما نقول هذا أنه لو كان أخًا لك في النسب حقيقة أن أخوته تنتفي أعني أخوته النسبية بل إن أخوته النسبية ثابتة إذا كان أخًا لك مثل أن يكون من أولاد أمك أو أولاد أبيك لكن أخوة تكون أخوة ربط بينك وبينه هذه لا تجوز أبدًا وأما الجواب على سؤاله فإن الذي ينبغي للإنسان أن يبتعد عن مخالطة غير المسلمين يبتعد عنهم لأن مخالطتهم تزيل الغيرة الدينية من قلبه وربما تؤدي إلى مودتهم ومحبتهم وقد قال الله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . ***
المستمع ع ن من السودان يقول ظروف العمل قد تجمعنا مع هؤلاء الآتية صفاتهم أولهم رجلٌ يدين بدين المجوسية مطلقًا لا علاقة له بالإسلام وثانيهم يدين بأحد الأديان السماوية المنسوخة بالإسلام وثالثهم ناكرٌ للأديان ورابعهم يدين بالإسلام ويؤمن به ولكنه في نفس الوقت لا يطبق قواعد الإسلام الخمسة عمليًا مع القدرة على العمل ويترك ذلك تلقائيًا بغير عذرٍ شرعي زد على ذلك أنه يستغيث ويستعين بغير الله وسؤالي هو أننا بحكم ظروف العمل الموحد في مصلحةٍ واحدة يبادروننا بالسلام مرةً وتارةً نبادرهم نحن وأيضًا قد يموت واحدٌ من هؤلاء ويلزمنا من ناحيةٍ إنسانية بحكم الزمالة أن نحضر مراسم العزاء من صلاةٍ ودفن وتعزية فما حكم الإسلام في كل هذا أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن ننصح هذا الأخ ونقول له ينبغي لك أن تطلب عملًا ليس فيه أحدٌ من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام فإذا تيسر فهذا هو الواجب وهذا هو الذي ينبغي وإن لم يتيسر فلا حرج عليك لأنك أنت في عملك وهم في عملهم ولكن بشرط أن لا يكون في قلبك مودةٌ لهم ومحبة وموالاة وأن تلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا كذلك أيضًا لا تشيع جنائزهم ولا تحضرها إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما لو لم يوجد أحد يقوم بدفنهم فلا حرج عليك في هذه الحال أن تقوم بدفنهم وأما مع وجود أحد من أوليائهم يقوم بذلك فإنك لا تشهد جنائزهم لأن المؤمن يجب أن يراعي ما يرضي الله ورسوله (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) . ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل لدي أخٌ لا يصلى إلا قليلًا وهو عاقٌ لوالديه كما أنه يشرب الدخان وهو بذيء اللسان بالإضافة إلى أعمال أخرى يقوم بها فما الحكم في هذا الشخص هل لنا أن نجلس معه في المجلس الذي يكون فيه وهل نأكل معه من طبقٍ واحد أم يأخذ حكم تارك الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأخذ حكم تارك الصلاة لأن بينه وبين تارك الصلاة فرقًا فتارك الصلاة كافرٌ مرتد وليس من المسلمين وهذا مسلم لكنه ناقص الإيمان فأرى أن تنظروا للمصلحة إن كانت مشاركتكم إياه في الأكل والشرب والجلوس تؤدي إلى رقة قلبه وميوله إليكم فافعلوا، وهذا وإن كان لا يحصل في أول مرة أو ثاني مرة لكن ما دمنا نعرف أن الرجل له نوع من الميل إلى الاستقامة فلنجلس معه ونتحدث إليه ولنباسطه، أما إذا عرفتم أن الرجل معاندٌ مكابر وأن هجره في هذه الأحوال يؤدي إلى خفة استكباره وإلى رجوعه إلى الحق فافعلوا أي جانبوه في الأكل والشرب والجلوس والتحدث. ***
العريان الباجي أحمد من جمهورية مصر العربية يقول أنا مقيم بالعراق يقول في رسالته أصلى وأصوم شهر رمضان وكان معي جماعة من المسيحيين وسكنت معهم في المسكن وكنت آكل وأشرب معهم هل صلاتي صحيحة وأكلي وشربي معهم صحيح أم لا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل يقول إن معه جماعة من النصارى وإنه يأكل معهم ويشرب معهم ويصلى فهل هذا الفعل صحيح أم لا فنقول له في الجواب على ذلك أما صلاتك فصحيحة لأنه لم يكن فيها شيء يوجب بطلانها وربما تكون صلاتك داعية لهم إلى الإسلام مرغبة لهم فيها إذا رأوا أنك تذهب وتدع العمل لتقوم بما أوجب الله عليك من الصلاة وتقوم في آخر الليل تتوضأ ولا سيما في الليالي الباردة لتؤدي ما فرض الله عليك فربما يكون ذلك سببًا لرغبتهم في الإسلام ودخولهم فيه وأما معاشرتك إياهم وأكلك وشربك معهم فإن هذا لا ينبغي بل الذي ينبغي لك أن تختار أصحابًا من المسلمين ليكونوا لك عونًا على طاعة الله ﷾ وتبتعد عن قوم ليسوا بمسلمين لأن ذلك أعني مخالطتك غير المسلمين قد يؤدي إلى محبتك إياهم ومودتك لهم وقد يكون لك معهم مجاملة ومصانعة لاتحل لك وقد قال الله ﷾ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) ***
يقول لي أخ في بلاد كفار مثل الاتحاد السوفيتي وغيرها من البلاد الكافرة الذين يُعدون دار حرب فما هو الجواب حيال هذا الأخ في معاملته ومراسلاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ الذي يكون في بلاد الكفار سواء كانت حربية أم ذات عهد يجب على المرء أن يراسله ليناصحه ويدعوه إلى القدوم إلى بلاد الإسلام لأن ذلك أسلم لدينه وأبرأ من براثن الشرك والكفر وأما تركه وهجره فهذا قد لا يزيده إلا شرًا وسوءًا وتمسكًا بما هو عليه فالذي ينبغي لهذا أن يراسل أخاه ويدعوه إلى الدين ويرغبه فيه ثم إلى الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام إلا إذا كانت إقامته هناك لمصلحة تعود إلى الإسلام مثل أن يكون داعية هنالك موفقًا في دعوته فهنا الإقامة من أجل هذا الغرض لا بأس بها بل قد تكون واجبة عليه. ***
يقول لي صديق لا يصلى ولا يصوم وهو في العشرين من العمر وأنا أحبه وأقدره لأنه زميل مخلص لي وأنا أحافظ على الصلوات والحمد لله فما حكم زمالتي له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولا ما دام صديقًا لك فله حق عليك أن تناصحه وأن تؤكد عليه أن يصلى وأن تخوفه من عقوبة الله ﷿ إذا لم يصلِّ وأن تصطحبه معك إلى المسجد وإلى مجالس الذكر ومجالس الإيمان من الأصحاب والخلان لعل الله يهديه على يدك فتكون أهديت له أهم هدية فإن حصل هذا المطلوب فهو المطلوب وإن لم يحصل فلا أرى أن تصاحبه ولا أن تماشيه لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة هو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ***
الأخت مليحة صالح عَبَد من العراق بغداد حي الفردوس تقول إنني أعمل في دائرة وهذه يكثر فيها النصارى جدًا ونحن نتعامل معهم ونودهم أحيانًا أكثر من المسلمين وأنا سمعت وقرأت أن هذا لا يجوز على الرغم من أنني أصوم وأصلى وأرتدي الحجاب الشرعي وأخاف الله وأحيانًا أجادلهم إلى درجة الخصومة ولكن دون جدوى وأحيانًا أو كثيرًا ما يكذبون ما أقول ولكن بعد يوم أعود وأتكلم معهم طمعًا في إسلامهم لأنهم يودونني كثيرًا وأنا أظل في حيرة من هذه الصداقة وخصوصًا مع إحداهن فهي لا تؤذيني ولا تسيء إلي ولكني أخاف الله تعالى وأخشى أن يكون علي إثم في صداقتي لها وإخلاصي لها ولكن يعلم الله أنني أطمع كثيرًا في دخولها ورفاقها في الإسلام ولذلك حافظت على علاقتي بها فهل علي شيء في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله وأن يتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وعلى هذا فلا يحل لك أن يقع في قلبك محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء لك في الواقع قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) أما كونك تعاملينهم باللين والرفق طمعًا في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا أيست منهم فعامليهم بما يستحقون أن تعامليهم به. فضيلة الشيخ: ماذا عن مودتهم أكثر من المسلمين أو عن مدحهم أو ربما يكون مدحهم بصفة عامة كمن يقول مثلًا إن المسيحيين يعني غير المسلمين قد يكونون أفضل من المسلمين في بعض المعاملات أو في شيء بصفة عامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يوادهم أكثر من المسلمين أن هذا فَعَل محرمًا عظيمًا فإنه يجب عليه أن يحب المؤمنين وأن يحب لهم ما يحب لنفسه أما أن يواد أعداء الله أكثر من المسلمين فهذا خطر عليه عظيم وحرام عليه بل لا يجوز أن يودهم ولو أقل من المسلمين كما سمعت من الآية (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وكذلك أيضًا من أثنى عليهم ومدحهم وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد فعل إثمًا وأساء الظن بإخوانه المسلمين وأحسن الظن بمن ليس أهلًا لإحسان الظن والواجب على المؤمن أن يقدم المسلمين على غيرهم في جميع الشؤون في الأعمال وفي غيرها وإذا حصل من المسلمين تقصير فالواجب عليه أن ينصحهم وأن يحذرهم وأن يبين لهم مغبة الظلم لعل الله أنْ يهديهم على يده. ***
بارك الله فيكم من الجزائر السائل محمد أ. أ. يقول فضيلة الشيخ أنا مسلم وأحمد الله على ذلك متبع لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولكن لي زملاء عندهم بعض البدع فهل لي أن أتركهم وأهجرهم أفيدوني وانصحوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من كان له قرناء فيهم بدعة أن ينصحهم ويبين لهم أن ما هم عليه بدعة لعل الله أن يهديهم على يديه حتى ينال أجرهم فقد قال النبي ﵊ لعلي بن أبي طالب (لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم) فإن أصروا على ما هم عليه من البدعة فإن كانت البدعة مكفرة وجب عليه هجرهم والبعد عنهم وإن لم تكن مكفرة فلينظر هل في هجرهم مصلحة إن كان في هجرهم مصلحة هجرهم وإن لم يكن في هجرهم مصلحة فلا يهجرهم وذلك لأن الهجر دواء إن كان يرجى نفعه فليفعل وإن لم يرجَ نفعه فلا يفعل لأن الأصل أن هجر المؤمن محرم والعاصي من المؤمنين لا يرتفع عنه اسم الإيمان فيكون هجره في الأصل محرما لكن إذا كان في هجره مصلحة لكونه يستقيم ويدع ما يوجب فسقه فإنه يهجر وإلا فلا هذا هو الضابط في الهجر الذي تجتمع فيه الأدلة وخلاصته أن هجر الكافر المرتد واجب إذا لم يفد فيه النصيحة هجر الفاسق ليس بجائز إلا إذا كان في هجره مصلحة ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إلا إذا كان في هجره مصلحة فيهجر كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك. ***
فضيلة الشيخ نحن نعلم والحمد لله بأن زيارة القبور بهدف الاستعانة والاستغاثة بها محرم وشرك ولكن ماذا أفعل وأهلي ينذرون الذبائح كل عام لأصحاب القبور بهدف التقرب إليهم ونصحناهم كثيرًا لكن دون فائدة قائلين بأنهم أولياء لله وصالحون فقلت لهم إذا كانوا صالحين فهم صالحون لأنفسهم وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم وسؤالي هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنهم يصلون وهل صلاتهم هذه مقبولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نحن معك في نصيحة أهلك عن هذا العمل المشين الذي هو من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي قال الله تعالى عنه (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وإني أقول لأهلك اتقوا الله في أنفسكم فإنكم إن متم على ذلك صرتم من أصحاب النار وأنتم خالدون فيها مخلدون وحرم الله عليكم الجنة والعياذ بالله وهم مشركون مخلدون في النار ولو كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وصلاتهم غير مقبولة وحجهم غير مقبول وصدقاتهم غير مقبولة لأنهم كفار والعياذ بالله فنصيحتي لهؤلاء الأهل أن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان أن يتوبوا إلى الله ﷿ قبل حلول الأجل فإن التوبة بعد حلول الأجل لا تقبل قال الله ﵎ (وليست التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) إذًا قولي لأهلك أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار وهؤلاء الموتى الذين تزورونهم أولًا هل تشهدون عليهم بأنهم أولياءٌ لله قد يكونون أولياء لله بحسب الظاهر وباطنهم خراب لا ندري وإذا أحسنا الظن إلى أبعد الحدود فليكونوا من أولياء الله ولكن إذا كانوا من أولياء الله فإنهم جثث هامدة لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا يملكون لغيرهم نفعًا ولا ضرًا قال الله تعالى (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقال الله ﵎ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وقال الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وليعلم أهلك وغيرهم ممن يدعون الأموات أن هؤلاء الأموات لا يستجيبون ولا ينفعون ولا يضرون وأنهم هم بأنفسهم محتاجون لمن يدعو لهم أسأل الله أن ينير قلوبنا بالتوحيد والإخلاص والإيمان إنه على كل شيء قدير. ***
تذكر أنها فتاة وبحكم علا قتها بالأسرة والعائلة والأقارب العديد منهم لا يصلى فكيف يكون التعامل معهم علما بأنهم يعلمون أن الصلاة واجبة إنما هو تكاسل فكيف تكون العلاقة معهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاقة مع هؤلاء الذين لا يصلون بتاتًا المناصحة قبل كل شيء بالكلام وبالرسائل وبالأشرطة الدينية فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وإن أبوا إلا أن يكونوا على ما هم عليه وجب هجرهم والبعد عنهم لأنهم في هذه الحال لا حق لهم إذ أن تارك الصلاة مرتد خارج عن الإسلام ليس له حق كما قال الله ﷿ لنوح ﵊ لما قال (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وكان ابن نوح كافرا قال (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) فهذه الحال هي التي يجب أن تعاملي بها هؤلاء الأقربين. ***
يا فضيلة الشيخ ليس في مقدور العائلة ولو كانوا يعرفون أن ابنهم هذا لا يصلى أو لا يأتي بشيء من شعائر الدين لا يستطيعون أن يرموه مثلًا في حفرة أو يذهبوا به من دون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه لأن هذا يحرجهم جدًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبحان الله وما الذي يمنع ما السبب؟ لأن الواجب على العائلة إذا كان من أبنائهم من هو بهذه الصفة، الواجب عليهم أن لا يحبوه، لأنهم إذا أحبوه فقد أحبوا أعداء الله لأن الكافر عدو لله فقد قال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فأصلًا يعني العطف أو المودة أو المحبة لمثل هذا الذي هو عدو لله هذا لا يجوز، وهو ينافي الإيمان، وكيف يدعي محبة الله من يحب أعداء الله، هذا لا يمكن. ***
ألفاظ وعبارات
ما هي العبارة الصحيحة فيما يأتي اللهم أعوذ بك من علمٍ لا ينفع والثاني يقول ناقل الكفر ليس بكافر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع علم مقيد بهذا أن لا يكون نافعًا وذلك لأن العلم إما نافعٌ وإما ضار لقول رسول الله ﷺ (القرآن حجةٌ لك أو عليك) فالعلم بالشريعة لا يمكن أن يخرج عن أحد هذين الأمرين إما نافعٌ لصاحبه إذا عمل به عملًا وتعليمًا ودعوة وإما ضارٌ له إذا لم يقم بواحدٍ من هذه الأمور الثلاثة فقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع كقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ يضر. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول ناقل الكفر ليس بكافر هل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هو إن قصد أنه حديث فليس بحديث وإن قصد أنه كلام لأهل العلم فهذا صحيح أن ناقل الكفر ليس بكافر بمعنى أن الإنسان الذي يحكي قول الكفار لا يكفر وهذا أمرٌ معلوم لأهل العلم وحسب النظر أيضًا فإنك إذا قلت قال فلانٌ إن الله ثالث ثلاثة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يعد ذلك كفرًا منك لأنك إنما تحكي قول غيرك. ***
بارك الله فيكم ما حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به أيضًا لا بأس به، أي لا بأس به أن يقول فلان غفر الله له إن شاء الله وذلك لأن هذه الجملة تفيد الرجاء وليست خبرًا إذ أن الخبر بهذه الصيغة لا يجوز لأنه خبر عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله فلا يجوز الإخبار بأن الله غفر لفلان أو رحم فلانًا أو ما أشبه ذلك لأن هذا لا يعلم إلا بطريق الوحي ولا وحي بعد موت رسول الله ﷺ ولكن هذه الجملة يقصد بها الرجاء أي أرجو إن شاء الله أن يغفر الله لفلان هذا هو معناها عند كل من يتكلم بها. ***
بارك الله فيكم من المنطقة الشرقية السائل عبد الرحمن الرويلي يقول كثير من الناس يقولون اللهم إننا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه فما الحكم في ذلك جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نرى الدعاء هذا بل نرى أنه محرم وأنه أعظم من قول الرسول ﵊ (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت) وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء كما جاء في الحديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله ﷿ يقضي الشيء ثم يجعل له موانع فيكون قاضيا بالشيء وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء والذي يرد القضاء هو الله ﷿ فمثلا الإنسان المريض هل يقول اللهم إني لا أسألك الشفاء ولكني أسألك أن تهون المرض لا بل يقول اللهم إنا نسألك الشفاء فيجزم بطلب المحبوب إليه دون أن يقول يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي فيه خطأ هل الله ﷿ إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة وأن الواجب أن نقول اللهم إني أسألك أن تعافيني أن تشفيني أن ترد علي غائبي وما أشبه ذلك. ***
بارك الله فيكم يقول المستمع هذا السؤال ما رأيكم فضيلة الشيخ بقول الداعي في دعائه اللهم لا تعاملنا بعدلك بل عاملنا بعفوك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقول اللهم عاملنا بعفوك وفضلك وأن يدع قوله اللهم لا تعاملنا بعدلك لأنه لا داعي لها وإلا فمن المعلوم لو أن الله عامل الناس بعدله لأهلكهم جميعًا قال الله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) ثم إن الله تعالى لو عامل الإنسان بعدله لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع أعماله التي عملها بل لكانت أعماله الصالحة التي عملها نعمة من الله تستحق المكافأة والشكر كما قيل: إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واختصر العمر فلا داعي أن يقول الداعي اللهم لا تعاملنا بعدلك ولكن عاملنا بفضلك بل نقول قل اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بسوء أفعالنا فإنك ذو الفضل العظيم ونحن ذوو الإساءة ونستغفرك اللهم ونتوب إليك. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل يقول ن. س القحطاني هل من سأل الله ﷿ بقوله اللهم إني أسألك بحق نبيك الذي أرسلت وبحق كتابك الذي أنزلت هل هذا الدعاء صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء غير صحيح لأن حق النبي ﵊ هل المراد حق النبي عليَّ أو حق النبي على الله أم ماذا لا ندري فهو مبهم فحق النبي على الله ﷿ بل حق كل مسلم موحد أن لا يعذب من لا يشرك بالله شيئا كما قال النبي ﷺ في حديث معاذ (حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) وحق النبي علينا هو توقيره واحترامه وتصديق أخباره وامتثال أمره واجتناب نهيه وكل هذا لا يصح أن يكون وسيلة للعبد لكن يقول اللهم إني أسألك بأني آمنت برسولك واتبعته أن تغفر لي أو ما أشبه ذلك كقول المؤمنين (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) وبهذه المناسبة أود من إخواني المسلمين عموما أن يحرصوا على الأدعية الواردة في القرآن والسنة فإنها خير وهي جامعة ولا يعتري الإنسان فيها شك ولا شك أنها خير من جميع الأدعية التي صنفت بعد والتي تعتمد على السجع وما يثير النفس من البكاء وغيره ويكون بها الإعراض عن الأدعية المشروعة التي جاءت في الكتاب والسنة. ***
بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج أختكم ن. ع. الأردن عمان تقول دعاء بعض العامة بقولهم الله لا يمتحنا أو الله لا يبتلينا وضحوا لنا ذلك في حكمه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المحنة والابتلاء معناهما متقارب وتكون في الخير وتكون في الشر قال الله تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ولكن دعاء الناس بقولهم اللهم لا تمتحنا أو لا تبلنا إنما يريدون بذلك الامتحان في الشر والابتلاء في الشر، ولا حرج أن يقول الإنسان اللهم لا تمتحنا بهذا المعنى أو اللهم لا تبلنا بهذا المعنى لأن الإنسان يسأل الله أن لا يبتليه بالشر خوفًا مما إذا وقع الشر لم يستطع الخلاص منه. ***
بعض الناس يقولون يا شيخ فلان يا شيخ فلان والشيخ هذا ميت وحينما نقول لهم بأن هذا لا يجوز يقولون نحن لا نقصد دعاء ذلك فما حكم هذا القول مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما معنى يا شيخ فلان إلا أقول ليس معناه إلا النداء فلا يحل لأحد أن يقول يا شيخ فلان نعم لو أن أحدًا أثنى عليه بشيء وقال القائل رحمك الله يا شيخ مثلًا هذا لا بأس به وأما أن يدعوه ويقول يا شيخ أنجني من كذا يا شيخ أعطني كذا فهذا شركٌ أكبر والعياذ بالله. ***
أحسن الله إليكم في الآية يقول (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يقول هذا بعض الناس عند سماع خبر أو حادث محزن أو شيء مستغرب هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مناسب لأن هذا مما يقال لأهل الجنة لكن إذا سمع حادثًا أو شيئًا مفزعًا فليقل اللهم اجعله سلامًا اللهم الطف بنا في قضائك أو كلمات نحوها. ***
فضيلة الشيخ هل تصح كلمة المرحوم للأموات مثلًا أن نقول المرحوم فلان أرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال قائل وهو يتحدث عن الميت المرحوم أو المغفور له أو ما أشبه ذلك إذا قالها خبرًا فإنه لا يجوز لأنه لا يدري هل حصلت له الرحمة أم لم تحصل له والشيء المجهول لا يجوز للإنسان الجزم به ولأن هذا شهادةٌ له بالرحمة أو المغفرة من غير علم والشهادة من غير علم محرمة وأما إذا قال ذلك على وجه الدعاء والرجاء بأن الله تعالى يغفر له ويرحمه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه ولا فرق بين أن تقول المرحوم أو فلانٌ ﵀ لأن كلتا الكلمتين صالحتان للخبر وصالحتان للدعاء فهو على حسب نية القائل ولا شك أن الذين يقولون فلانٌ مرحوم أو فلانٌ مغفور له لا يريدون بذلك الخبر والشهادة بأن فلانٌ مرحوم ومغفور له وإنما يريدون بذلك الرجاء والتفاؤل والدعاء ولهذا تكون هذه الكلمة ليس فيها حرجٌ ولا بأس. ***
بارك الله فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ حكم الشرع في نظركم في عبارة بالرفاء والبنين للعروسين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا عدول عما جاءت به السنة في التهنئة بالزواج فإن النبي ﷺ كان إذا رق إنسانًا تزوج قال له (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) فلا ينبغي للإنسان العدول عما جاءت به السنة إلى ما كان الناس عليه في الجاهلية وعلى هذا فنقول لمن رق متزوجًا بهذه العبارة بالرفاء والبنين لقد أخطأت حين عدلت عما جاءت به السنة إلى ما كان عليه أهل الجاهلية. ***
هل يجوز أن يسمى الإنسان بالعزيز والحكيم والعادل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يسمى الإنسان بهذه الأسماء بشرط أن لا يلاحظ فيها المعنى الذي اشتقت منه بأن تكون مجرد علم فقط ومن أسماء الصحابة الحكم وحكيم بن حزام وكذلك اشتهر بين الناس اسم عادل وليس بمنكر أما إذا لوحظ فيه المعنى الذي اشتقت منه هذه الأسماء فإن الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي ﷺ غير اسم أبي الحكم الذي تكنى به لكون قومه يتحاكمون إليه وقال ﷺ إن الله هو الحكم وإليه الحكم ثم كناه بأكبر أولاده شريح وقال له أنت أبو شريح وذلك أن هذه الكنية التي تكنى بها هذا الرجل لوحظ فيها معنى الاسم فكان هذا مماثلًا لأسماء الله ﷾ لأن أسماء الله ﷿ ليست مجرد أعلام بل هي أعلام من حيث دلالاتها على ذات الله ﷾ وأوصاف من حيث دلالاتها على المعنى الذي تتضمنه وأما أسماء غيره فإنها مجرد أعلام إلا أسماء النبي ﷺ فإنها أعلام وأوصاف وكذلك أسماء كتب الله ﷿ فهي أعلام وأوصاف أيضًا. ***
المستمع أيضًا من جمهورية مصر العربية يقول أرى بعضًا من الناس يكتب في خطاباته لأخيه مثلًا أو لوالده فيقول مثلًا والدي العزيز أو أخي القدير أو أختي الكريمة وغير ذلك من أسماء الله الحسنى هل هذا العمل فيه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا ليس فيه شيء ليس فيه شيء بل هو من الجائز قال الله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وقال النبي ﷺ (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف) فهذا دليل على أن مثل هذه الأوصاف تصح لله ولغيره لكن اتصاف الله بها لا يماثله شيء من اتصاف المخلوق بها فإن صفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به وقول القائل لأبيه أو أمه أو صديقه العزيز يعني أنك عزيز عليّ غال عندي وما أشبه ذلك ولا يقصد بها أبدًا الصفة التي تكون لله وهي العزة التي لا يقر بها أحد وإنما يريد أنك عزيز عليّ وغالٍ عليّ وما أشبه هذا. ***
يقول اسمي محسن وهو من أسماء الله الحسنى وكل من يعرفني يناديني يا محسن ولم أستطع تغييره لأنه مسجل بأوراق رسمية فهل هذا حرام أم مكروه وعلى من يقع الذنب في هذا على من سماني بهذا الاسم أم علي أفيدوني أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المحسن من صفات الله ﷾ ولا أعلم أنه ورد من أسمائه فالإحسان صفة فعل الله سبحانه وبحمده ولا يحرم التسمي به ما دام الإنسان قصد مجرد العلمية فإن من أصحاب النبي ﷺ من يعرف بحكيم،وحكيم من أسماء الله ومع ذلك ما غيرها النبي ﷺ فإذا كان هذا الاسم الذي تسميت به أو سميت به مجرد علم فلا حرج عليك في الاستمرار في التسمية به. ***
يقول في أحد أسئلته قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك مع أن الله هو الحارث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن التسمي بعبد الحارث فيه نسبة العبودية إلى غير الله ﷿ فإن الحارث هو الإنسان كما قال النبي ﷺ (كلكم حارث وكلكم همام) فإذا أضاف الإنسان العبودية إلى المخلوق كان هذا نوعًا من الشرك لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر ولهذا لو سمي رجل بهذا الاسم لوجب أن يغير فيضاف إلى اسم الله ﷾ أو يسمى باسم آخر غير مضاف وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن واشتهر عند العامة قولهم (خير الأسماء ما حمد وعبد) ونسبتهم ذلك إلى رسول الله ﷺ فليس ذلك بصحيح أي ليست نسبته إلى النبي ﷺ صحيحة فإنه لم يرد عن النبي ﷺ بهذا اللفظ وإنما ورد (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وأما قول السائل في سؤاله مع أن الله هو الحارث فلا أعلم اسمًا لله تعالى بهذا اللفظ وإنما يوصف ﷿ بأنه زارع كما في قوله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) . ***
المستمعة من السودان تقول قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بعبد الحارث من باب إضافة العبودية للمخلوق لأن الحارث من أوصاف المخلوق قال الله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) وقال النبي ﷺ (أصدق الأسماء حارث وهمام) والتعبيد لغير الله تعالى شرك لأن العبودية لا تكون إلا لله وحده فلا يجوز للإنسان أن يسمي ولده معبدًا لغير الله قال ابن حزم ﵀ أجمعوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب يعني فإنهم مختلفون فيه والصحيح أنه لا يجوز التعبيد ولا لعبد المطلب وأما قول النبي ﷺ (أنا بن عبد المطلب أنا النبي لا كذب) هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية ولهذا لو قدر أن أحدًا له والد معبد لغير الله وكان هذا الوالد لا يمكن تغيير اسمه فإنه يصح أن يقال هو فلان بن عبد فلان أو بن عبد الشيء الفلاني لأن هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية والمعروف عند أهل العلم أن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء. ***
هناك أناس يسمون الممرضات ملائكة الرحمة ما حكم هذه التسمية يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه التسمية حرام لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أكرم من أن تطلق أسماؤهم على أسماء نساء ممرضات ثم إن هذا الوصف لا ينطبق على كل ممرضة كم من ممرضة سيئة التمريض لا ترحم مريضا ولا تخاف الخالق ﷿ فالمهم أن إطلاق ملائكة الرحمة على الممرضات محرم لا يجوز بل ولا على الممرضين أيضا أن يطلق عليهم ملائكة الرحمة. ***
بارك الله فيكم يقول في هذا السؤال هل قول العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية فيه شيء فقد ذكر لي أحد الزملاء بأن ذلك لا يجوز لأنه يخالف السنة والتوحيد ولماذا لا يقال عقيدة المسلمين أو عقيدة أهل السنة مثلا أرجو توضيح ذلك بالتفصيل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج أن يقال العقيدة الواسطية أو العقيدة الطحاوية لأنها من باب نسبة المصنف إلى مصنفه وليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي أو عقيدة ابن تيمية ﵀ المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي والعقيدة التي كتبها شيخ الإسلام ﵀ إجابة لأحد قضاة واسط ولا حرج في ذلك ونظيرها سورة البقرة مثلا ما هي سورة البقرة هي سورة ذكرت فيها البقرة ولهذا لما كان الحجاج يقول السورة التي يقال فيها التي تذكر فيها البقرة السورة التي تذكر فيها النساء بدلا عن سورة البقرة والنساء ردوا عليه فقالوا إن النبي ﷺ سماها سورة البقرة وكذلك سماها الصحابة وسموها سورة النساء وما أشبه ذلك المهم أنه ليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي وهي عقيدة المسلمين وكذلك العقيدة الواسطية. ***
هذه رسالة وردتنا من صلاح عبد الرحمن آل عبد الله من الرياض يقول كلمة الأديان السماوية هل يجوز إطلاق هذه الكلمة علمًا أننا إذا أطلقناها فقد أقررنا بأن هناك أديان أرضية وهل تدخل هذه الكلمة في باب البدع لأنها لم تؤثر عن المصطفى ﵊؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول الأديان السماوية لأن هناك أديانًا أرضية لأن الدين مادان به العبد ربه سواء كان من شريعة الله ﷾ أم من شرائع البشر ومن المعلوم أن هناك أناسا يدينون بغير دين شرعي يعتقدون ديانة أن يسجدوا للبقر وأن يسجدوا للصنم وغير ذلك والله تعالى لم يشرع هذا في أي كتاب كان ولا على لسان أي رسول كان وعلى هذا فهذه الديانة التي يدينون بها ليست من شريعة الله فليست سماوية وأما الأديان السماوية فهي التي شرعها الله ﷿ لأنها نزلت من السماء إلا أنه يجب أن يعلم السائل وغيره أن جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي وأنها الآن ليست مما يدان به لله ﷿ لأن الذي شرعها ووضعها دينًا هو الذي نسخها بدين محمد ﷺ وكما أن النصارى مُقرُّون بأن دين المسيح قد نَسَخَ شيئًا كثيرًا من دين موسى ﵊ وأنه يجب على أتباع موسى ﵊ أن يتبعوا عيسى فإننا كذلك أيضًا نقول إن الإسلام ملزم للنصارى أن يدينوا به ولجميع الأمم أن يدينوا بالإسلام لأن العبرة للمتأخر فالمتأخر من شريعة الله وقد قال الله تعالى عن عيسى إنه قال لقومه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وهذه البشارة من عيسى ﵊ لمحمد ﷺ تدل على أنه يجب على بني إسرائيل من النصارى واليهود وغيرهم أن يتبعوه إذ أنه لو لم تكن الرسالة التي جاء بها محمد ﷺ شاملة لهم لم يكن لبشراهم بها فائدة فلولا أنهم ينتفعون من هذه الرسالة باتباعها ما كان لهم فيها فائدة إطلاقًا والمهم أنني أقول يجب أن يعلم السائل وغيره أننا وإن عَبَّرنا بالأديان السماوية فليس معنى ذلك أننا نقر بأنها باقية بل نقول إنها منسوخة بدين واحد فقط هو دين الإسلام وأن الدين القائم الذي يرضى الله تعالى أن يدين به العباد له إنما هو دين الإسلام وحده فقط قال الله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) والله الموفق. فضيلة الشيخ: على هذه يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية ولكن ليس على أنها الآن ثابتة، إطلاق هذه الكلمة يجوز لكن إذا كان يفهم منها أن هذه الأديان باقية وأنها مرضية عند الله فإنه لا يجوز إطلاقها إلا مقرونة ببيان الحال بأن يقال معنى أنها سماوية يعني أنها مما أنزله الله تعالى على الرسل لكنه نسخ - ماعدا الإسلام - بالإسلام. فضيلة الشيخ: ولكن هذه الأرضية على غير حق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وحتى الأديان السماوية التي كانت في وقتها حقًا هي الآن منسوخة بالإسلام. ***
بعض الناس يسمي مكة المكرمة ببلد الديانات السماوية هل هذا التعبير صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعبير باطل لأن أنبياء بني إسرائيل الذين من جملتهم موسى وعيسى إنما كانوا في الشام وليسوا في مكة لكن مكة بلد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمدينة مهجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيها أسست الدولة الإسلامية وفيها أقيم علم الجهاد وفيها توطد الدين الإسلامي فمكة مبتدأ البعث والمدينة منتهى البعث يعني منتهى الدين الذي بعث به النبي ﷺ في مكة. ***
بارك الله فيكم هذا السائل يقول فضيلة الشيخ من الواجب علينا بأنه إذا مر ذكر الصحابي أثناء قراءتنا أننا نقول ﵁ ولكن إذا مر تابعي أو من السلف وقلنا أيضًا ﵁ هل في ذلك حرج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من الواجب علينا أن نقول كلما مر بنا ذكر صحابيٍ ﵁ هذا ليس من الواجب لكن من حق الصحابة علينا أن ندعو الله لهم كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) أما أن نترضى عنهم كلما ذكر اسم واحدٍ منهم فهذا ليس بواجب والترضي يكون عن الصحابة ويكون عن التابعين ويكون عن تابعي التابعين ويكون عمن كان عابدًا لله على الوجه الذي يرضاه إلى يوم القيامة ودليل ذلك قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله ﵎ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ذلك لمن خشي ربه إلى يوم القيامة لكن جرت عادة المحدثين ﵏ أن يخصوا الصحابة بالترضي عنهم ومن بعدهم بالترحم عليهم فيقولوا في الصحابي ﵁ ويقولون فيمن بعد الصحابة ﵀ ولكن لو أنك قلت للصحابي ﵀ وفي غيره ﵁ فلا حرج عليك إلا إذا خشيت أن يتوهم السامع بأن التابعي صحابيٌ والصحابي تابعي فهنا لا بد أن تبين فتقول قال عبد الله بن مسعودٍ وهو من الصحابة ﵀ أو قال مجاهد وهو من التابعين ﵁ حتى لا يتوهم أحدٌ أن ابن مسعودٍ من التابعين ومجاهدًا من الصحابة. ***
علي إبراهيم يقول نحن نقول للصحابة ﵃ لكن التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم هل نقول ﵃ أو ﵏؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نقول رضي الله عن كل مؤمن كما قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن المعروف عند أهل العلم تخصيص الصحابة ﵃ بقولهم فيهم ﵃ وأما من بعد الصحابة من التابعين إلى زمننا هذا يقولون فيهم ﵀ وإن كان بعض العلماء قد يقول ﵁ في الأئمة الكبار كالإمام أحمد قال الإمام أحمد ﵁ قال الإمام الشافعي ﵁ قال الإمام أبو حنيفة ﵁ قال الإمام مالك ﵁ لكن عامة المعروف بين أهل العلم أن الترضي يكون للصحابة والترحم يكون لمن بعدهم وإذا كان هذا هو المعروف المصطلح عليه عند عامة العلماء فإن الإنسان إذا ترضى عن شخص من غير الصحابة أوهم السامع بأن هذا الشخص من الصحابة فينبغي أن نتجنب ذلك أو أن يقول قال فلان وهو من التابعين ﵁ قال فلان وهو من تابعي التابعين ﵁ حتى لا يظن أحد أن هذا من الصحابة. ***
يقول هذا السائل هل يجوز أن نقول ﵁ لأي مسلمٍ أم هي خاصة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هي عامة لكل أحد نسأل الله له الرضا قال الله ﷿ (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن جرى الاصطلاح العرفي بين العلماء أن الترضي يكون على الصحابة فقط والترحم على من بعدهم فيقال عن عمر ﵁ ويقال لعمر بن عبد العزيز ﵀ ولا يقال ﵁ هذا في الاصطلاح عند العلماء وهو اصطلاحٌ عرفي ليس اصطلاحًا شرعيًا بمعنى أنه ليس من إرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقول للصحابة ﵃ ولغيرهم ﵏ بل هذا شيء جرى عليه الناس فلا ينبغي أن يخرج الإنسان عن المألوف لأنه لو قال مثلًا عمر بن عبد العزيز ﵁ لفهم السامع أنه صحابي بناءً على العرف المطرد. ***
جزاكم الله خيرًا السائلة ف. ق. القحطاني المنطقة الجنوبية تسأل عن بعض العبارات العامية التي تتردد على بعض الألسنة وهل يجوز التلفظ بها مثل (عليك وجه الله أن تعطيني هذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز أن تقول عليك وجه الله لأنها تستشفع بالله على خلق الله والله تعالى أعظم وأجل من أن يستشفع به على خلقه فلا يحل لها هذا اللفظ. فضيلة الشيخ: قول (الله لا يستحي منك) . فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أيضًا فإنه قد جاء في الحديث عن النبي ﷺ (إن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا) نعم إذا قالت إن الله لا يستحي من الحق فهذا حق ولا بأس به. فضيلة الشيخ: قول (يا وجه الله) عند التعب والنصب والغضب. فأجاب رحمه الله تعالى: ما يجوز يجب أن تقول يا ألله لا يا وجه الله يعني إذا قال يا وجه الله فمعنى هذا أنها دعت الصفة منفردةً عن موصوفها وهذا حرام. فضيلة الشيخ: تقول السائلة وكذلك أقول عند الغضب من والدي (حسبي الله) . فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان إذا ظلم أن يقول حسبي الله كما قال الله ﷿ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ***
بارك الله فيكم يردد بعض العامة (يا هادي) (يا دليل) (لا سمح الله) (لا قدر الله) فما الحكم أيضًا في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما (يا هادي يا دليل) فهذه من أوصاف الله ﷿ فهو يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم وهداية الله تعالى نوعان هداية دلالة وهداية توفيق فإذا قال يا هادي يا دليل فالمعنى متقارب أو واحد وهو ينادي الله تعالى بوصفه لا باسمه وأما (لا سمح الله) فهي كلمةٌ لا ينبغي أن تقال لأن ظاهرها يقتضي أن الله ﷾ له مكره على أن يسمح أو لا يسمح وأما قوله (لا قدر الله) فهي عبارةٌ صحيحة ومعناها الدعاء يعني أن الإنسان يسأل أن لا يقدر الله ذلك ولو أن الذين يستعملون لا سمح الله يجعلون بدلها لا قدر الله لكان ذلك جائزًا ولا شبهة فيه ولا كراهة فيه لكن لا سمح الله ينبغي أن يعدل عنها لأنها توهم معنىً لا يليق بالله ﷾ فيعدل عنها إلى قوله لا قدر الله. ***
يقول بأنه يسمع من الإخوة في الندوات الطيبة الدينية قولهم الحمد لله وكفى فأرجو التكرم بتوضيح هذه العبارة عن كلمة (وكفى) مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قولهم الحمد لله وكفى يعني أن الله تعالى كافٍ عبده كما قال الله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه شؤونه وأموره فالفاعل في قوله وكفى هو الله ﷿ وليس معنى قوله وكفى أي كفى قولي بل المعنى الحمد لله وكفى الله أي إن الله تعالى كافٍ عبده كما في الآيات التي قال الله فيها (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) . ***
بارك الله فيكم يقول عبارة (حمل إلى مثواه الأخير) هل في هذه العبارة شيء يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه فيها الشيء الكثير لو كان الناس يفهمون معناها وأرادوها، لأن قول القائل إنه حمل إلى مثواه الأخير يفيد أن القبر هو آخر مرحلة وآخر منزلةٍ للإنسان وليس الأمر كذلك بل إن القبر يعتبر ممرًا ومزارًا والمثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار وهذه العبارة لو أخذنا بظاهرها لكانت تتضمن إنكار البعث وإنكار البعث كفر لأن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره لكن غالب الناس يطلقها وهو لا يدري ما معناها أو يريد ما يفهمه المسلمون كلهم من أن هذه القبور ممرٌ وزيارة وليست مثوىً أخيرا ولذلك نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يطلقها حتى وإن كان يريد بها ما يعلمه المؤمنون بالضرورة من الدين وهو أنه لا بد من البعث ولا بد من الخروج من هذه المقابر وأنا قلت إن المقابر مزار لقول الله ﵎ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يذكر أن أعرابيا سمع قارئًا يقرأ بهذه الآية يقول (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فقال الأعرابي والله ما الزائر بمقيم والله إن هناك شيئًا وراء هذه المقابر. ***
هذه الرسالة وردتنا من الجمهورية العراقية محافظة التأميم بعث بها أحد السادة من هناك يقول إنني عسكري وموجود عندنا كلمة سيدي للعسكري الضابط تتكرر في اليوم عدة مرات فهل يوجد سيد عدا سيدنا محمدًا ﷺ وهل يمُّسنا ذنب أم لا نرجو التوضيح وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السيد على سبيل الإطلاق هو الله ﷿ وأما السيد مضافًا فإنه يصح لأنه يكون سيادة خاصة بشرط أن يكون المقول له ذلك أهلًا للسيادة فيجوز مثلًا أن يقول الإنسان لأبيه هذا سيدي ولأخيه الكبير هذا سيدي ويقول العبد لمالكه هذا سيدي كما قال النبي ﷺ (وليقل سيدي ومولاي) وكذلك قال النبي ﵊ للأوس حين أقبل سعد بن معاذ ﵁ (قوموا إلى سيدكم) فالمهم أن الإنسان يجوز له أن يصف من هو أهل للسيادة بأنه سيده أما إذا كان هذا المقول له ليس أهلًا للسيادة لكونه فاسقًا أو كافرًا فإنه لا يستحق ولا ينبغي للمسلم أن يقول له سيدي لأن هذا إذلال للمسلم والمسلم يعلو بإسلامه على غيره من بني البشر. ***
هذا مستمع للبرنامج سعيد صالح يقول في هذا السؤال درج على كثير من ألسنة الناس عبارة (شورك وهداية الله) تقال هذه العبارة عندما يتشاور بعض الناس في شيء ماذا تقولون في هذا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أقول في هذا إن مقصود السائل أنه يستشير هذا الرجل ويسأل الله الهداية فكأنه قال أنا أنتظر مشورتك وآمل هداية الله ﷿ وهذا المعنى لا بأس فيه ولا حرج فيه فالإنسان يستهدي ربه ويسأله الهداية ويشاور إخوانه بما يشكل عليه ولكن الذي ينبغي أن يبدأ بهداية الله أولًا فيقول هداية الله وشورك أي مشورتك وإن فصل بثم فهو أولى وأحسن فيقول هُدى الله ثم مشورتك. ***
حفظكم الله هذه السائلة جواهر س. م. م. من الأفلاج تقول هل يجوز أن نقول كلمة شكرًا لمن عمل لصاحبه معروفًا أم أنها من خصائص الله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن نقول لمن أسدى إلينا معروفًا شكرًا أو شكر الله إليك أو ما أشبه ذلك قال الله تعالى (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فأثبت الله الشكر له وللوالدين لكن خيرٌ منها أن تقول له جزاك الله خيرًا لأن هذا الذي وردت به السنة وشكرًا ماذا يستفيد منها الذي أسدى المعروف لا يستفيد شيئًا إلا أن الذي حصل له المعروف يتشكر من هذا فقط لكن إذا قال جزاك الله خيرًا أو جزاك عني خيرًا صارت في هذا فائدة للطرفين للمسدي المعروف وللمسدى إليه. ***
يقول بعض العامة عساك تبارك ما حكم هذه العبارة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما يريدون بها والعامة إذا قالوا عساك تبارك معناه أنهم يسألون الله تعالى أن ينزل فيه البركة وليسوا يقصدون بها المعنى الذي اختص الله به في قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) وما أشبهها إنما يريدون بذلك سؤال الله أن ينزل في هذا البركة. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع محمد أ. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذه العبارات (من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا) ثانيًا (رب صدفة خير من ميعاد) وثالثًا (هذا اليوم نحس) نرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما العبارة الأولى وهي قول القائل من حسن الطالع كذا وكذا فإن هذا يعبر به أصحاب النجوم الذين يعتمدون في تقدير النحس والخير للمرء على طوالع النجوم وهي عبارة لا ينبغي للإنسان أن يقولها بل هي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة وأما قول القائل ورب صدفة خير من ميعاد فلا بأس بها لأن وصف الشيء بالصدفة إذا كان من فعل الإنسان لا بأس به لأن الإنسان تأتيه الأمور بالمصادفة لا يقدر لها تقديرًا ولا يحسب لها حسبانًا وأما بالنسبة لفعل الله فإنه لا يجوز إضافة الصدفة إلى فعل الله لأن الله تعالى يعلم ما يفعله جل وعلا من قبل أن يفعله وهو على صراط مستقيم في كل ما يفعله ﷾ فصارت الصدفة إن أضيفت إلى فعل العبد وحال العبد فلا بأس بها وإن أضيفت إلى الله ﷿ فإنها لا تجوز وأما العبارة الثالثة وهي هذا يوم النحس فلا بأس به إذا لم يقصد السب والعيب وإنما قصد الإخبار لقول لوط ﵊ لما جاءته الملائكة (وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) فوصف الأيام بما تستحقه من وصف إذا لم يكن على سبيل الذم والتقبيح لا بأس به لأن هذا خبر والخبر عن الواقع حق، لعل الاقرب منه الاستشهاد بقوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر)] القمر:١٩ [ ***
فضيلة الشيخ هذا المستمع فهد بن علي الصعب يقول في هذا السؤال يوجد أناس يقولون بعض الكلمات ولا نعلم عن جوازها وحرمتها مثلًا شخص يبحث عن زميل له فلما وجده قال له (ما صدقت على الله إني أجدك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكلمة لا بأس بها لأن معناها ما ظننت أنني أجدك ولم يقل إني ما صدقت الله بل يقول ما صدقت على الله أي إنني ما ظننت أن هذا يقع ومادام هذا هو المراد فإن التعبير إذا لم يكن فيه محذور شرعي بنفسه يكون جائزًا فالذي نرى أن هذه العبارة لا بأس بها ولا حرج فيها لأن المقصود منها واضح وهي في تركيبها لا تدل على معنى فاسد ***
ما هي صلاة الإشراق وما حكم قول البعض (ما صدقت على الله إني حصلت كذا وكذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإشراق هي التي يصلىها الإنسان إذا أشرقت الشمس يعني ارتفعت وبرزت وظهرت وهي ما يعرف بصلاة الضحى ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح ويساوي اثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة بعد طلوع الشمس إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق كل هذا وقت صلاة الاشراق أو صلاة الضحى وأما قول القائل ما صدقت على الله كذا وكذا فالمعنى ما ظننت أن الله تعالى يقدره وهي كلمة لا بأس بها لأن المقصود باللفظ هو المعنى وهذا اللفظ نعلم من استعمال الناس له أنهم لا يريدون أنهم لم يصدقوا الله أبدًا والله تعالى لم يخبر بشيء حتى يقولوا صدقوه أو لم يصدقوه ولكن يظن أن الله لا يقدر هذا الشيء فيقول ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا أي ما ظننت أن الله يقدر هذا الشيء والعبرة في الألفاظ بمعانيها ومقاصدها. ***
بارك الله فيكم يسأل عن عبارة (أنا على باب الله) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العبارة يطلقها بعض الناس يريد أن يبين أنه ليس عنده شيء من هذا الذي سئل عنه مثل أن يقال له هل عندك مال فيقول أنا على باب الله أو هل تعرف كذا أو هل أنت طالب علم فيقول أنا على باب الله هل أنت متزوج فيقول أنا على باب الله يعني ليس عندي شيء ولكني أسأل الله ﷾ أن ييسر لي هذا، هذا هو معنى العبارة عند الناس وليس فيها شيء. ***
مستمع للبرنامج يقول بعض الناس فضيلة الشيخ يلزمون الضيف لوجه الله مثل (عليك وجه الله أن تأخذ واجبك عندي) إلى غير ذلك ما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه الأقوال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان في معاملته إخوانه أن لا يحرجهم فيما يريد أن يكرمهم به فإن إكرام المرء حقيقة أن تيسِّر له الأمر وأن تمهله وألا تثقل عليه بالتلزيم أو بالإلزام والمبالغة في الإكرام إهانة وكم من إنسان حصل له مثل هذه الحال أي أنه ألزم أو لزم عليه بالشيء يفعله أو يدعه فيقع في حرج وربما تضرر بموافقة صاحبه الذي ألزمه أو لزم عليه ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يحرج أخاه فيوقعه في الحرج بمثل هذه الأمور بل يعرض عليه الأمر عرضًا فإن وافق فذاك وإن لم يوافق فهو أدرى بنفسه وأعلم،وقد ذكر أهل العلم ﵏ أن الرجل إذا علم أن المهدي أو الواهب له قد أهداه أو وهبه شيئًاَ حياء وخجلًا لا مروءة وطوعًا فإنه يحرم عليه قبول هديته أو هبته فكذلك هذا الرجل الذي ألزم صاحبه أو لزم عليه قد يكون أثم بإحراج أخيه وشر من ذلك بما يقع من بعض الناس بطريقة التلزيم أو الإلزام حيث يحلف بالطلاق فيقول علي الطلاق أن تفعل كذا أو أن لا تفعل كذا أو ما أشبه ذلك وحينئذ يقع في حرج في نفسه وإحراج لغيره فقد يمتنع صاحبه عن موافقته فيقع هذا الذي حلف بالطلاق في حرج وربما يفتى بما عليه جمهور أهل العلم من أن زوجته تطلق إذا تخلف الشرط وربما تكون هذه الطلقة هي آخر ثلاث تطليقات فتبين بها المرأة والمهم أن الذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يشقوا على غيرهم ويوقعوهم في الحرج بل يعرضوا الإكرام عرضًا فإن وفقوا فذاك وإلا فليدعوا الإنسان في سعة أما بالنسبة للسؤال بوجه الله ﷿ فإن وجه الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئًا من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله ﷿ كوسيلة يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال أي لا يقول وجه الله عليك أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك. ***
أنا أحب مشاهدة المصارعة الحرة لأنها ترفه عني وتذهب الملل عن نفسي وكنا سابقًا نقضي بعض الوقت في السباق والرحلات والصيد وقد تعقدت الآن أمور المعيشة فأصبحنا لا نملك الوقت الكافي للعمل واللهو المباح ونظرًا إلى أني لا أملك جهاز تلفاز فإني أذهب في وقت المصارعة إلى أحد المنتزهات أو المقاهي لمشاهدتها وذات مرة جاء أحد المصارعين بحركات مثيرة لجمهور المشاهدين فأخذوا يتصايحون تشجيعًا لهم فإذا بأحدهم يقول يا حبيب النبي استر عليه يا رب يا رب خليه وسؤالي هو هل يجوز إطلاق كلمة يا حبيب النبي لشخص غير مسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة قبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن ننصح الأخ وغيره من المستمعين إلى أن يعرفوا أن الوقت ثمين وأن الإنسان إنما خلق لعبادة الله ﷿ ولا ينبغي أن يضيع وقته في مثل هذه المشاهدات التي لا تعينه على طاعة الله ولا تكسبه مصلحةً في دنياه وإنما هي مضيعة وقت لا سيما إذا كانت في منتزهاتٍ عامة فإن الغالب أن هذه المنتزهات العامة لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم هذا حسب ما نظن أنها لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم من أغاني وكلامٍ فاحش بذيء ومن شرب دخانٍ أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يجوز للإنسان الجلوس للمتلبسين بها فننصحه أن يراجع الكتب النافعة القيمة ما دام إنسانا صاحب جدٍ وعمل وكذلك يراجع بعض الصحف التي تبحث في أمورٍ نافعة أو التي فيها أخبار يطلع الإنسان فيها على أحوال المسلمين وما أشبه ذلك وأما إطلاق حبيب النبي على رجلٍ لا يعرف أهو مسلمٌ أو كافر فإنه لا ينبغي إذا علم أنه كافر لا يجوز إطلاقًا وإذا عرف أنه مسلم فهذا يجوز إذا كان هذا المسلم ملتزمًا بإسلامه حقيقةً وإذا كان مشكوكًا فيه والغالب أن الذين يتصارعون هذه المصارعة الحرة الغالب أنهم يكونون غير مسلمين فلا ينبغي إطلاق هذا في قومٍ تجهل حالهم لأن حبيب النبي من كان حبيبًا لله ﷿ والله تعالى إنما يحب المؤمنين والمتقين والمحسنين وغيرهم ممن علق الله محبته بما يتصفون به من صفاتٍ يحبها الله.
فرق وملل
هذا السائل أبو عبد الله يقول نعرف أن هناك بدعًا منحرفة مثل الخوارج والمعتزلة فما هو الضابط الذي نعرف به الفرقة الخارجة عن الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدع أنواع منها ما يخرج من الإسلام ومنها مالا يخرج والضابط الرجوع إلى الكتاب والسنة فما دل القرآن والسنة على أنه بدعة مكفرة كالذي يعتقد أن من أوليائه من يدبر الكون وينزل المطر ويدخل الجنة وينجي من النار وما أشبه ذلك هذا بدعته مكفرة ولا ينفعه إلا أن يتوب منها قبل أن يموت وبعض البدع لا تصل إلى حد الكفر بل تكون شركًا أصغرًا أو كبيرة من كبائر الذنوب أو معصية من المعاصي لكن البدع خطيرة كلها. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ من هم المعتزلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعتزلة هم طائفة مبتدعة يقولون في الله وفي كلام الله وفي أفعال الله ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة ورئيسهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وسموا معتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري حيث كان يقرر أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فاعتزلوا هذا المجلس مجلس الحسن البصري وقالوا بقولتهم المشهورة إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين فليس مؤمنا وليس كافرا لكنه مع ذلك مخلد في النار فهم يلتقون بالخوارج في القول بأن فاعل الكبيرة مخلد في النار لكن الخوارج يصرحون بأنه كافر خارج عن الإسلام وهؤلاء يصرحون بأنه خارج عن الإسلام لكنهم لا يجرؤون أن يقولوا إنه كافر بل يقولون إنه في منزلة بين منزلتين فأثبتوا هذه المنزلة المخالفة لكلام الله ﷿ حيث قال ﵎ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وليس هناك قسم ثالث ليس بكافر ولا مؤمن إلا على قول هؤلاء المعتزلة الذين ابتدعوا في دين الله وشريعته ما ليس منها. ***
أسعد أ. أسوريا يقول من هم الصابئة هل هم الذين خرجوا عن دين الله أو من دين الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف فيهم العلماء ﵏ قيل إن الصابئة على دين خرجوا عن دين قومهم وقيل إن الصابئة من لا دين لهم ولم يتحرَ عندي أي القولين أصح فالله أعلم. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائل م. ح. ج. يقول فضيلة الشيخ نقرأ ونسمع عن أهل الكلام والمتفلسفة عن كثيرٍ من العلماء فمن هم هؤلاء وما هو الكلام المنسوب إليهم أرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرا فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في هذا أن أهل الكلام هم الذين اعتمدوا في إثبات العقيدة على العقل وقالوا إن ما اقتضى العقل إثباته من صفات الله ﷿ والعقيدة فهو ثابت وما لم يقتضِ العقل إثباته فإنه لا يثبت ويسلكون في ذلك إحدى طريقين فإن كان يمكنهم الطعن في هذا الدليل أي في ثبوت هذا الدليل طعنوا فيه فلو كان هناك حديث يدل على صفةٍ من صفات الله وهم لا يثبتونها حاولوا أن يطعنوا في الحديث حتى يقولوا إنه غير صحيح ولا يعتمد على غير الصحيح والطريق الثاني إذا صح الدليل من حيث الثبوت حاولوا إنكاره من حيث التأويل فأولوه بأنواعٍ من التأويلات الباردة التي لا تغني من الحق شيئًا فمثلًا هناك مبتدعة لا يثبتون أن الله تعالى موصوفٌ بالرحمة ومعلومٌ أن القرآن مملوءٌ من هذه الصفة لله ﷿ مثل قوله تعالى (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) ومثل قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) والآيات في هذا كثيرة فيقولون أن الله تعالى ليس له رحمة ولا يجوز أن يوصف بالرحمة والمراد برحمة الله تعالى إحسانه إلى الخلق فقط فيفسرون هذه الصفة بآثارها دون اتصاف الله تعالى بها أو يقولون المراد بالرحمة إرادة الإحسان إلى الخلق ومعلومٌ أن إرادة الإحسان ثمرةٌ من ثمرات الرحمة فهؤلاء لا يمكنهم إنكار رحمته من حيث الثبوت لكن انكروها من حيث التأويل وقالوا المراد بها كذا وكذا وكذلك قالوا في قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ) أن المراد جاء أمر الله لأن الله تعالى لا يمكن أن يأتي فلا يمكنهم أن يردوا هذا الدليل من حيث الثبوت لأنه في القرآن لكنهم حاولوا رده من حيث التأويل وقالوا (وَجَاءَ رَبُّكَ) أي جاء أمر ربك ولا شك أن التأويل الذي لا دليل عليه يسمى تحريفًا هذا هو الأحق به لأنه صرف كلام الله ورسوله إلى غير ما أراد الله ورسوله فيكون ذلك تحريفًا للكلم عن مواضعه فالمتكلمون هم الذي أثبتوا عقائدهم فيما يتعلق بالله تعالى وفي أمور الغيب بالعقول لا بالمنقول أما المتفلسفة فهم الذين انتحلوا ملة الفلسفة الموروثة عن اليونان والفرس ونحوهم وهي أيضًا بعيدةً من الحق لكن ما وافق الحق منها فهو حق ولا ينبغي أن ينسب إلى آراء هؤلاء المتفلسفة بل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وما كان منها باطلًا فلا خير فيه. ***
المستمع أحمد محمد حسن مصري أرسل برسالة يقول فيها نسأل عن الناس الذين يعطون الناس العهود مثل الطرق الشاذلية والصوفية والرفاعية والبيومية ويقيمون الأذكار في موالد أولياء الله الصالحين مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي والكثير من أولياء الله الصالحين فما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه الطرق وغيرها من الطرق والنحل والمذاهب أنه يجب تعرض على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ فما كان منها حقًا قبل وما كان منها باطلًا وجب رده وعدم الاعتماد عليه والتمسك به وهذه الطرق التي عددها السائل تنبني على ما أشرنا إليه من وجوب عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وإذا اشتملت هذه الطرق على دعاء الأولياء وتقديم محبتهم على محبة الله ورسوله والتعلق بهم ودعائهم كان ذلك داخلًا في الشرك وقد يكون شركًاَ أكبر مخرجًا عن الملة فلا ينتفعون بهذه الطرق وإن نصيحتي لهم ولغيرهم أن يرجعوا في أمرهم وشؤون دينهم إلى ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه فإن ذلك هو الخير وهو الذي ينفعهم عند الله وأما هذه الأمور التي يتعلقون بها فإنها لا أصل لها. ***
ماهو موقف الإسلام من الصوفية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصوفية كلمة قيل إنها مشتقة من الصفا وقيل إنها مشتقة من الصفوة وقيل إنها مشتقة من الصوف وهو الأقرب لأنهم كانوا إبان ظهورهم يرتدون الألبسة من الصوف تقشفًا وتزهدًا والصوفية لها طرق متعددة تصل بهم أحيانًا إلى الكفر الصريح حيث إنهم يصلون إلى القول بوحدة الوجود وأنهم لا يشاهدون إلا الرب ويعتقدون أن كل شيء مشاهد من آيات الله ﵎ فإنه هو الله ولا شك أن هذا كفر صريح ومنهم من يشذ عن الإسلام دون ذلك وهم على درجات متفاوتة وأنا أنصح السائل أن يقرأ كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل ﵀ لأنه بين في هذا الكتاب ما كان عليه الصوفية الذين يدَّعون أنهم أهل الصفاء والمعرفة بالله ﷿ وهم في الحقيقة أجهل الناس بالله لأن أعلم الناس بالله رسولُ الله ﷺ ثم خلفاؤه الراشدون في هذه الأمة ثم التابعون لهم بإحسان هؤلاء هم أعرف الناس وكل من سلك سبيلًا غير سبيلهم فإن فيه من الجهل بالله بمقدار ما نأى به عن طريق النبي ﷺ وخلفائه الراشدين. ***
بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها عندنا الكثير من كتب التصوف فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في التصوف كغيره مما ابتدع في الإسلام ما بينه رسول الله ﷺ لأمته حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فالتصوف المخالف لهدي الرسول ﷺ بدعة وضلالة يجب على المسلم أن يبتعد عنها وأن يأخذ طريق سيره إلى الله من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها، ومن المعلوم أن النظر في كتب الصوفية وغيرها من البدع من أجل أن يعرف الإنسان ما عندهم حتى يرد عليهم، من المعلوم أن هذا أمر مرغوب فيه إذا أمن الإنسان على نفسه من أن ينحرف من هذه الكتب. ***
المستمع نظام الدين باكستاني يقول ما قولكم فضيلة الشيخ في التصوف والصوفية مع العلم أن التاريخ الإسلامي قد حفظ لنا من خريجي التصوف من غير حصرٍ رجالًا لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وهذه حقيقة لا تحتاج إلى مزيدٍ من البحث فنرجو منكم الإجابة حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار) لعل هذه الخطبة كافيةٌ في الجواب عن هذا السؤال وذلك أن الطريق الصوفي طريقٌ مبتدع ما أنزل الله به من سلطان فليس عليه رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة المهديون وهو أي الطريق الصوفي على درجاتٍ متفاوتة منها ما يوصل إلى الكفر الصريح ومنها ما يوصل إلى الفسق ومع ذلك فهو يتفاوت تفاوتًا كبيرًا ولا يمكن أن نحكم عليه حكمًا عامًا يشمل جميع درجاته ولكني أقول بدلًا من أن يتعب الإنسان نفسه في هذا الطريق الصوفي وتصوره والعمل بمصطلحاته ليتعب نفسه في طريق النبي ﷺ وخلفائه الراشدين والأئمة المهديين حتى يتبين له الحق ويتبعه ويعبد الله على علم وبصيرة لأن الطريقة الصوفية مبنية إما على جهل بالشريعة فتكون عمًا وضلالًا وإما على إصرارٍ وعناد فتكون استكبارًا واستنكافًا فكل ذلك لا يرضاه المسلم في دينه وإنني أشير بل أنصح أخي السائل أن يتجنب هذا الطريق وأن ينظر إلى الطريق السليم المبني على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وفيه كفاية وهداية وما سواه من الطرق فإنه ضلالٌ وعماية نسأل الله السلامة. ***
يا شيخنا الفاضل كثرت الفرق الضالة في زماننا هذا ومن هذه الفرق الضالة الصوفية والتجانية حيث أن لها أنصارًا يدعون أنهم على طريقة صحيحة وأنهم على حق نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة هذه الطرق الباطلة وإبانة الحق لأولئك المنخدعين والمغرورين بهذه الطرق الضالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن الجواب على هذا السؤال مأخوذ مما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر ﵁ أن النبي ﷺ كان يقول في خطبته أعني خطبة الجمعةكان يقول في خطبته (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وللنسائي (وكل ضلالة في النار) . فهذه الطرق التي أشار إليها السائل وغيرها من الطرق الأخرى هل تنطبق على هدي النبي ﷺ أو لا تنطبق فإن كانت منطبقة فهي صحيحة وهي خير الهدي وهي الطريق الموصل إلى الله ﷿ وهي الهدى والشفاء والصلاح والإصلاح والاستقامة وإن كانت مخالفة لهدي النبي ﷺ فهي ضلال وشقاء على أصحابها وعذاب عليهم لا يستفيدون منها إلا التعب في الدنيا والعذاب في الآخرة وكلما كانت أشد مخالفة لهدي النبي ﷺ كانت أكثر ضلالًا وقد تصل بعض هذه الطرق إلى الكفر البواح مثل أولئك الذين يقولون إنهم:وصلوا إلى حد يعلمون به الغيب أو أن أولياءهم يعلمون الغيب أو أن فلانا ينجي من الشدائد أو يجلب الخير أو ينزل الغيث أو ما أشبه ذلك ما يدعى لهؤلاء الذين يزعمون أنهم أولياؤهم وأئمتهم فإن الله ﷿ يقول في كتابه (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) فمن ادعى أن أحدًا يعلم الغيب فقد كذب هذه الآية الكريمة فمن ادعى أنه يعلم الغيب أو أن أحدًا من الناس يعلم الغيب فقد كذب بهذه الآية الكريمة ويقول الله تعالى آمرًا نبيه أن يعلن للملأ أن يقول (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وفي قوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) دليل على أنه ﷺ عبد مأمور وقد كان ﷺ كذلك أنه أعظم الناس عبودية لله وأتقاهم له وأقومهم بدين الله صلوات الله وسلامه عليه ويقول الله تعالى لنبيه محمدٍ ﷺ آمرًا إياه (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) فإذا كان هذا في حق النبي ﷺ فما بالك بمن دونه من الخلق بل ما بالك بمن ادعى أنهم أولياء وأنهم هداة وهم في الحقيقة أعداء وضلال وطغاة وبغاة فنصيحتي لهؤلاء ولغيرهم ممن خرجوا ببدعهم من هدي النبي ﷺ أن يتوبوا إلى الله ﷿ وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ التي هي تفسير للقرآن وبيان له وليرجعوا إلى هديه صلوات الله وسلامه عليه الذي هو تطبيق لشريعة الله تمامًا وإلى هدي الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ أما هذه الطرق وهذه البدع المخالفة لدين الله فإنها ضلال مهما اطمأن إليها قلب الإنسان ومهما انشرح صدره بها ومهما زينت له فإن العمل السيئ قد يزين للإنسان كما قال الله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وقد ينشرح الصدر للكفر كما قال الله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فلا يقولن أصحاب هذه البدع إن صدورنا تنشرح بهذه البدع وإن قلوبنا تطمئن لأن هذا ليس بمقياس ولكن المقياس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما كان عليه النبي ﵊ وخلفاؤه الراشدون من الحق والهدى ولهذا أمرنا النبي ﷺ أن نتبعه وأن نتبع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فقال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) وهم أعني أصحاب هذه البدع سواء كانت في الطرق والمنهاج أم في العقيدة هم إذا رجعوا إلى الحق سيجدون سرورًا للنفس ونعيمًا للقلب وسلوكًا جامعًا بين القيام بحق الله وحق النفس وحق العباد أفضل مما هم عليه بكثير وسيتبين لهم أن ما كانوا عليه من قبل شر وضلال ومحنة وعذاب. ***
لقد زعم بعض الصوفية أن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ) الآية وقالوا أيضًا لولا أن أباهما كان صالحًا ما خرج الكنز وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته فضيلة الشيخ أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ونرجو الرد ورد دعوى الصوفية الباطلة التي أضلت العباد شيخ محمد أيضًا في ملحوظة في نهاية رسالته يقول نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ وبرنامجكم هذا له الدور العظيم في الإنقاذ وكثيرًا من الأسر اتجهت إليه نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله ﷿ فنقول إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيرًا فهذا يرجى له الخير ولكنه مفتقر لإخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو بنفسه لا ينفع أحدًا إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم والقسم الثاني من أصحاب القبور من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدَّعون أنهم أولياء ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حسًا ولا شرعًا فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وهم لا ينفعون أحدًا ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم وإن قدر أن أحدًا رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نورًا أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك ومعروفون أنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء العباد بأصحاب هذه القبور وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله ﷿ فإنه ﷾ هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ولا يكشف السوء إلا الله قال الله (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ونصيحتي لهم أيضًا ألا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحدًا إلا رسول الله ﷺ لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله تعالى في كتابه ميزانًا قسطًا عدلًا في معرفة أولياء الله حيث قال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا لقول الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليعلم أن الله ﷿ قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور قد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله ﷿ لهذا الرجل لأننا نعلم بأن هذا القبر لا يجيب الدعاء وإن هذا التراب لا يكون سببًا لزوال ضرر أو جلب نفع، نعلم ذلك لقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحانًا ونقول إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء وبين حصول الشيء عند الشيء لأننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سببًا في جلب النفع أو دفع الضرر في الآيات الكثيرة التي ذكرها الله ﷿ في كتابه ولكن قد يحصل هذا الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحانًا والله تعالى قد يبتلي إنسانًا بأسباب المعصية ليعلم ﷾ من كان عبدًا لله ومن كان عبدًا لهواه ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله ﷿ فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا نجعل شبكة نضعها في يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله تعالى قردة خاسئين قال الله تعالى (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وقال ﷿ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الأسباب أو كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها ولكنهم والعياذ بالله لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله فلننظر لما حصل لأصحاب النبي ﷺ حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم ﵃ لم يجرؤوا على شيء منها فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كانت الصيود العادية الطائرة في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جدًا ولكنهم ﵃ خافوا الله ﷿ فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود وهكذا يجب على المرء إذا هيأ الله له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله ﷿ وألا يقدم على هذا الفعل المحرم وأن يعلم أن تيسير الله له أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين. ***
يقول الصوفية في زعمهم أن الأولياء تنكشف عنهم الحجب ويتلقون علمًا مباشرًا من الله يسمونه العلم اللدني وعندما عارضناهم استشهدوا بما رآه عمر بن الخطاب وهو على المنبر من بعض سراياه وهو في ميدان القتال وحذرهم من الجبل الذي كان خلفهم وأن العلم الإلهي الذي يأتيهم هو مما يختص الله بعض عباده به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول كل إنسانٍ يدعي علم الغيب فإنه كافر وكل إنسان يصدقه في ذلك فإنه كافر لأن الله تعالى يقول (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وغيب الله ﵎ لم يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى من رسول كما قال الله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) وهؤلاء الأولياء الذين يزعمون ليسوا برسل وليسوا أيضًا بأولياء لله ما داموا يَّدعون ما يكون فيه تكذيبٌ للقرآن لأن ولي الله هو من جمع الوصفين اللذين ذكرهما الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء الذين يسمونهم أولياء إذا ادعوا علم الغيب فليسوا بأولياء بل هم أعداءٌ لله لأنهم مكذبون له ولما ثبت من شريعة رسوله محمدٍ ﷺ وأما احتجاجهم بما أكرم الله به أمير المؤمنين ﵁ فهذه ليست من أمور الغيب لأن هذا أمرٌ محسوس مشاهد لكنه بعيدٌ عن مكان عمر فكشفه الله له فليس هذا من باب علم الغيب لكنه من باب الأمور التي يُطلْع الله عليها من يشاء وهي أمورٌ واقعة ثم إن أمير المؤمنين ﵁ لا شك أنه من أولياء الله لاجتماع الوصفين فيه الإيمان والتقوى لكن هؤلاء الأولياء الذين يدعون الولاية وهم منها براء هؤلاء لا يُصّدقون ثم إن قُدّر أنهم أخبروا بخبر ووقع الأمر كما أخبروا به فإنما هم من أخوان الكهان إن لم يكونوا كهانًا تنزل عليهم الشياطين فيخبرونهم بالخبر ويكذبون معه ما شاؤوا من الكذبات. ***
فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة وردتنا من السودان من المرسل عمر عثمان بود مدني تاجر بالسوق يقول أولًا مسألة الطرق وكثرة مشايخها مما تجعل الإنسان يعيش في حيرةٍ من أمره فهل لهذه الطرق داع أو أن الإنسان إذا كان على مذهبٍ من المذاهب الأربعة لا يلزمه الاهتمام بهذه الطرق أفتونا جزاكم الله عنا خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نحمد الله تعالى أننا لا نعيش مع هذه الطرق ومشايخها ونسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين الثبات على الحق أما فيما يتعلق بسؤال الأخ فإني أتلو عليه آية من القرآن تبين صحة هذه الطرق أو بطلانها يقول الله ﵎ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) صراطٌ واحد؛ (صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) والسبل جمع سبيل بمعنى طريق والمراد بها كل ما خالف طريق الله ﷿ فإنه طريقٌ منهيٌ عنه داخلٌ في عموم قوله السبل ثم قال (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه الطرق التي يشير إليها السائل يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وهدي خلفائه الراشدين فإن وافقتها فهي حق وإن خالفتها فهي باطلٌ يجب ردها مهما كان الشيخ الذي يقول بها ومهما كانت شعبيته ومهما كان أتباعه ولا تغتر أيها السائل بكثرة التابعين لهؤلاء المشايخ لأن الله يقول (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ) وقولك إنه يلزم واحدًا من المذاهب الأربعة الحقيقة أن الإسلام مذهبٌ واحد وأن هذه المذاهب الأربعة التي إئتم بها من إئتم من الناس هي عبارة عن أقوال مجتهدين يتحرّون بذلك كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وليست طرقًا مستقلةً عن الدين الإسلامي إذ لو كانت كذلك لم يكن بينها وبين أصحاب الطرق الذين ذكرت عنهم فَرْق ولكنهم يتحرون موافقة الكتاب والسنة ويدعون إلى اتباع الكتاب والسنة وإن خالف ذلك أقوالهم فأنت يجب عليك إذا أردت النصح لنفسك وإستقامة دينك أن تبحث عن سنة النبي ﷺ وخلفائه الراشدين الذين أمر النبي ﷺ باتباعهم حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وأن تقيس ما عليه هؤلاء المشايخ وما عليه غيرهم أيضًا تقيسه بكتاب الله وسنة الرسول ﷺ وخلفائه الراشدين. ***
أنا أسلك طريقة صوفية ولا أعتقد في الشيخ أي اعتقاد يخالف الشريعة وكل الأمر أنني أرى في الشيخ أستاذًا يهدي لطريق الشرع اتفاقًا مع الشريعة الغراء فقط ولكنه ينظم أذكارا شرعية فيها الخير ولا يقول بغير ما جاءت به السنة أو جاء به الكتاب فما رأيكم في إتباعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن المؤمن يجب عليه أن يجعل متبوعه رسول الله ﷺ قبل كل شيء لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإذا كان هذا هو الهدف وهو الأصل عند هذا الرجل وكان لا يستطيع أن يصل إلى الحق بنفسه لقصور علمه أو فهمه واعتمد على شخص يدله على الشرع وعلى الخير فإن ذلك لا بأس به ولكن من غير أن يكون هذا الشخص منتميا إلى طريقة معينة من الطرق بل يكون منتميا إلى مذهب السلف وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والأذكار المنظمة التي ينظمها بعض العباد هذه الأذكار إن كانت مما ورد على هذا الوجه الذي يفعلونه المنظم لها رسول الله ﷺ وليس هؤلاء وإن كانت على خلاف ما ورد فإنها بدعة وإن كان أصل الذكر مشروعا لكن تنظيمه على وجه معين يعتبر من البدع ولذلك نقول إن العبادة تفتقر إلى دليل في سببها وفي جنسها وفي نوعها وفي قدرها وفي وقتها وفي مكانها فلابد من أن تكون العبادة التي يفعلها العبد مطابقة للشرع في هذه الأمور أن يكون سببها معلومًا بالشرع وأن يكون جنسها معلومًا بالشرع وأن يكون نوعها معلومًا بالشرع وأن يكون قدرها معلومًا بالشرع وأن يكون زمانها معلومًا بالشرع وأن يكون مكانها معلومًا بالشرع فإذا اختلفت هذه الأمور الستة فإن العبادة يكون فيها بدعة حسب ما خرجت به عن السنة فعليك يا أخي باتباع السلف الصالح والحرص على منهاجهم ودع الطرق التي أحدثت فإن رسول الله ﷺ يقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) . ***
هذه الرسالة بعث بها المستمع يقول من العراق محافظة الأنبار نايف عبيد سابر يقول في رسالته أهدي أجمل تحياتي واحترامي إلى برنامجكم الموقر والذي أفادنا وأفاد المسلمين كافة من إفتاء المعلومات الدينية والاجتماعية وعلى هذا الأساس أرسلت رسالتي هذه وفيها بعض الأسئلة أرجو عرضها على أصحاب الفضيلة والعلماء لديكم وأرجو الإجابة منهم مع الشكر أنا شخصٌ أنعم الله عليه بالهداية وسلكت الطريق الصحيح للإسلام وطبقت جميع الشروط من صلاةٍ وصوم ... الخ والتزمت أكثر من اللازم حيث التجأت إلى أحد الشيوخ الصوفية وأصبحت تلميذًا من تلاميذه حيث أمرني بالحضور لحلقة الذكر يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وأن أصلى وأسلم على الرسول ﷺ ألف مرة يوميًا وتسابيح أخرى فأرجو إرشادي على أن طريقة الصوفية هل صحيحة في الشريعة الإسلامية وتعاليمها أم غير صحيحة أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول اعلم أن الطرق صوفيةً كانت أم غير صوفية يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فما كان موافقًا لهما فهو حق وما كان مخالفًا فهو باطل والغالب في الطرق الصوفية أنها طرقٌ مبتدعة وربما يصل بعضها إلى الكفر وبعضها دون ذلك ومن هذا الابتداع ما ذكرت عن شيخك أنه كان يأمرك بأن تصلى على النبي ﷺ كل يومٍ ألف صلاة وبتسابيح أخرى فهذه التسابيح الأخرى التي ذكرت لا ندري ما هي حتى نحكم بأنها حقٌ أم باطل وأما الأمر بأن يصلى على النبي ﷺ كل يومٍ ألف صلاة فهذا بلا شكٍ بدعة لا أصل له في سنة النبي ﷺ والذي أنصحك به أن تتطلب عالمًا من علماء السنة المعروفين باتباع السلف الصالح وتأخذ دينك منه وتدع الطرق التي تشير إليها من صوفيةٍ أو غيرها. ***
المستمع أبو حذيفة من مكة المكرمة بعث بهذا السؤال يقول فيه نرى كثيرًا من علماء السوء والضلال الذين لا همَّ لهم سوى أكل أموال الناس بالباطل وهم الذين أوقعوا الناس في شرك يلبسون العمائم الخضر ويتسمون بسمات أهل الصلاح ولكنهم لا يصلون وإذا سئلوا لماذا لا تصلون يقولون نحن نصلى في المسجد الحرام بمكة ويأتي من المريدين من أتباعهم فيزكونهم ويقولون إنكم لا ترونه عندما يذهب إلى مكة لأنه من أهل الخطوة ولأن بينكم وبينه حجابًا فلا ترونه وإذا سئلوا عن الصيام قالوا هذا من فضل الله علينا فنحن لسنا بحاجة إلى الصيام لأننا من أصحاب الأموال والصيام هو للفقراء الذين لا يملكون المال وإذا سئلوا عن الحج قالوا هذا أيضًا من فضل الله ويعتذرون ويقولون إن مكة بلد حارة وكلها جبال ولا يوجد أشجار أو ظلال وفي المقابل نرى البعض من الناس ممن يتبعون لهم عندما يؤدون العمرة أو الحج نراهم يطوفون لهم ويدعون لهم ويودون الصلاة لهم في كل جزء من المسجد الحرام فما حكم فعل هؤلاء وما حكم تصديقهم فيما يقولون وهل أعمالهم مقبولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أوجه نصيحة إلى أولئك الشيوخ الذين وصفهم هذا السائل بما وصفهم به أقول أيها الشيوخ إن الواجب عليكم التوبة إلى الله ﷿ والرجوع عما أنتم عليه مما وصف فيكم وأن تلتزموا طريق النبي ﷺ وأصحابه وأن تقوموا بما أمركم الله به من العبادات الظاهرة والباطنة حتى تكونوا أئمة هدى وصلاح وإصلاح وأما بقاؤكم على ما أنتم عليه مما وصف السائل فهو خسارة لكم في دينكم ودنياكم وهو ضلال وكفر بالله ﷿ ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور لا يغركم أن السُّذَّج من الخلق يأتون إليكم يقبلون أيديكم وأرجلكم ويتمسحون بثيابكم وعمائمكم إن هذا غرور من الشيطان يبعث إليكم هؤلاء السذج من أجل أن تستمرئوا ما أنتم عليه وتستمروا على هذه الطريقة الباطلة فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في عباد الله واخشوا يومًا لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا واعلموا أن من دعا إلى ضلالة كان عليه إثم هذه الدعوة وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة وباب التوبة مفتوح إن عليكم أن ترجعوا إلى الله وأن تبينوا أن طريقتكم الأولى التي أنتم عليها طريقة ضلال وأنكم خاطئون فيها ولكنكم تتوبون إلى الله تعالى منها أما بالنسبة لما ذكره السائل من أحوالهم فإن إنكارهم الصوم وقولهم إن الصوم إنما يجب على الفقراء هذا كفر وردة،كفر وردة عن الإسلام لأن الصوم واجب على كل مكلف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فمن أنكر وجوب الصيام على الأغنياء وقال إنه واجب على الفقراء فقط فقد كفر بالقرآن وكفر بالسنة وكذب إجماع المسلمين وهو كافر بلا شك وكذلك من استكبر عن الحج وقال إن مكة حارة وفيها جبال وليس فيها أشجار فإنه كافر مستكبر عن عبادة الله ﷿ لأنه كره ما أنزل الله بهذا من فريضة الحج على عباده وتعليله هذا كالمستهزئ بشريعة الله ﷾ والله ﷿ فرض الحج على عباده على المستطيع منهم وهو يعلم حال هذه البلاد التي فرض الحج إليها كما قال الله عن إبراهيم خليله (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) والمغرور بهؤلاء الشيوخ الذين هذه صفتهم والذين هم يصدون عن الإسلام المغرور بهم مخدوع فلا يجوز لأحد أن يدعوا الله لهم إلا بالهداية وأما أن يحج لهم أو يعتمر لهم أو يأخذ بقولهم ويصدقهم فيما يقولون ويتبعهم فيما إليه يذهبون فإنه كافر لأن كل من صدق أن الصوم لا يجب إلا على الفقراء فقط أو أن تكليف الناس الحج تكليف لهم بما لا يطاق لأن مكة جبال وحارة فإنه يعتبر كافرًا لاعتراضه على حكم الله وحكمته وإنكاره ما فرض الله تعالى على عباده من الصوم إلا أن يكون جاهلًا لا يعرف وإنما سقط في أحضان هؤلاء وضللوه ولم يهيأ له من يقول له إن هذا كذب وباطل فهذا ينظر في أمره وأما من صدقهم وهو يعرف ما المسلمون عليه فإنه يكون كافرًاَ بتصديقهم لأنه صدقهم في إنكارهم فرض الصيام كذلك زعمهم أي زعم هؤلاء الشيوخ إذا أمروا بالصلاة أنهم يصلون في المسجد الحرام زعم كاذب باطل فكيف يصلى في المسجد الحرام من كان في إفريقيا أو شرق آسيا أو ما أشبه ذلك هذا أمر لا يمكن ولكنهم يغرون العامة بمثل هذه الكلمات فهم لا يصلون في المسجد الحرام وإنما يريدون التملص والتخلص من الاعتراض عليهم وعلى كل حال فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بأمثال هؤلاء وأدعوهم إلى نبذ هؤلاء وإلى البعد عنهم ولكن لا يمنع ذلك من مناصحتهم والكتابة إليهم لعلهم يرجعون إلى الحق. ***
رسالة من المستمع صالح الحموي من دمشق سوريا بعث برسالةٍ يقول فيها إنني أقوم بتدريس مجموعةٍ من الناس الفقه الحنفي والتصوف ونقوم بممارسة الذكر الحضرة ودليلنا على هذا هو أن النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما هاجر إلى المدينة المنورة استقبله الناس بالإنشاد وضرب الدفوف فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم وكذلك ورد في القرآن قوله تعالى (قُلْ اللَّهُ) وكذلك فإنني أعلم تلامذتي ضرورة طاعة الشيخ ومحبته وعدم الاتجاه إلى شيخٍ غيره عملًا بقول النبي ﷺ (من لا شيخ له فشيخه الشيطان) ولكن أحد تلامذتي قد أخذ يجادلني مؤخرًا في هذه الأمور وينكر علي ذلك بحجة أنها بدع وأنها تخالف هدي النبي ﵊ فقد أصبحت في حيرةٍ من أمري ولما سألت عن تصرفاته تلك قيل لي إن الشاب الذي يجادلني متأثرٌ بالوهابية وقالوا بأن هذه الفكرة الوهابية بدعةٌ تدعو إلى التطرف وتحرم المدائح النبوية والمولد وتقول عن كثيرٍ من الأمور المستحسنة إنها من البدع فقد أشكل عليّ الأمر أرجو إرشادكم وتوضيح هذه الحقيقة لي وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن هذا السؤال سؤالٌ عظيم اشتمل على مسائل في أصول الدين ومسائل تأريخية ومسائل عملية أما المسائل العملية فإنه ذكر أنه يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ﵀ أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها فإن إجماعهم على حكم مسألةٍ من المسائل ليس إجماعًا للأمة والأئمة أنفسهم ﵏ ما جعلهم الله تعالى أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلًا للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقًا لطاعة النبي ﷺ وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة سنة رسول الله ﷺ ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلةٌ لأن تكون خطأ أو صوابًا فإن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ وعلى هذا فإنه لا حرج عليه أن يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة بشرط إذا تبين له الدليل في خلافه تبع الدليل وتركه ووضح لطلبته أن هذا هو الحق وأن هذا هو الواجب عليهم أما ما يتعلق بمسألة الصوفية وغنائهم ومديحهم وضربهم بالدف والغبيراء وما أشبهها، الغبيراء التي يضربون الفراش ونحوه بالسوط فما كان أكثر غبارًا فهو أشد صدقًا في الطلب وما أشبه ذلك مما يفعلونه فإن هذا من البدع المحرمة التي يجب عليه أن يقلع عنها وينهى أصحابه عنها وذلك لأن خير القرون وهم القرن الذين بعث فيهم الرسول ﵊ لم يتعبدوا لله بهذا التعبد ولأن هذا التعبد لا يورث القلب إنابةً إلى الله ولا انكسارًا لديه ولا خشوعًا لديه وإنما يورثه انفعالاتٍ نفسية يتأثر بها الإنسان من مثل هذا العمل كالصراخ وعدم الانضباط والحركة الثائرة وما أشبه ذلك وكل هذا يدل على أن هذا التعبد باطل وأنه ليس بنافعٍ للعبد وهو دليلٌ واقعي غير الدليل الأثري الذي قال فيه الرسول ﵊ (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة) فهذا من الضلال المبين الذي يجب على المرء أن يقلع عنه وأن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى ما كان عليه النبي ﵊ وخلفاؤه الراشدون فإن هديهم أكمل هدي وطريقهم أحسن طريق قال الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ولا يكون العمل صالحًا إلا بأمرين الإخلاص لله والموافقة لرسوله ﷺ وأما استدلاله باستقبال أهل المدينة رسول الله ﷺ بالدف والأناشيد فهذا إن صح فإنهم ما اتخذوا ذلك عبادة وإنما اتخذوا ذلك فرحًا بمقدم الرسول ﷺ وليس من هذا الباب في شيء وأما ما ذكره من مجادلة الطالب له وقول بعضهم إنه رجلٌ وهابي وأن الوهابية لا يقرون المدائح النبوية وما إلى ذلك فإننا نخبره وغيره بأن الوهابية ولله الحمد كانوا من أشد الناس تمسكًا بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ومن أشد الناس تعظيمًا لرسول الله ﷺ واتباعًا لسنته ويدلك على هذا أنهم كانوا حريصين دائمًا على اتباع سنة الرسول ﵊ والتقيد بها وإنكار ما خالفها من عقيدةٍ أو عمل قوليٍ أو فعلي ويدلك على هذا أنهم جعلوا الصلاة على النبي ﷺ ركنًا من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها فهل بعد هذا من شكٍ لتعظيمهم رسول الله ﷺ وهم أيضًا إنما قالوا بأنها ركن من أركان الصلاة لأن ذلك هو مقتضى الدليل عندهم فهم متبعون للدليل لا يغلون بالنبي ﵊ في أمرٍ لم يشرعه الله ورسوله ثم إن حقيقة الأمر أن إنكارهم للمدائح النبوية المشتملة على الغلو في رسول الله ﷺ حقيقة الأمر أن هذا هو التعظيم لرسول الله ﵊ وهو سلوك الأدب بين يدي الله ورسوله حيث لم يقدموا بين يدي الله ورسوله فلم يغلوا لأن الله نهاهم عن ذلك فقال النبي ﵊ (أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يغرنكم الشيطان) وهو ﵊ نهى عن الغلو فيه كما غلت النصارى في المسيح بن مريم نعم قال (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) والمهم أن طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ وأتباعه وهو الإمام المجدد طريقته هي ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه لمن تتبعها بعلمٍ وإنصاف وأما من قال بجهل أو بظلمٍ وجور فإنه لا يمكن أن يكون لأقواله منتهى فإن الجائر أو الجاهل يقول كل ما يمكنه أن يقول من حقٍ وباطل ولا انضباط لقوله وإذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليقرأ ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ وأحفاده والعلماء حتى يتبين له الحق إذا كان منصفًا ومريدًا للحق ثم إن المدائح النبوية التي يشير إليها الأخ مدائح لا شك أن رسول الله ﵊ لا يرضى بها بل إنما جاء بالنهي عنها والتحذير منها فمن المدائح التي يحرصون عليها ويتغنون بها ما قاله الشاعر يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وأشباه ذلك مما هو معلوم ومثل هذا بلا شك كفرٌ بالرسول ﷺ وإشراكٌ بالله ﷿ فإن رسول الله ﷺ بشر لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله ﷿ والدنيا وضرتها وهي الآخرة ليست من جود رسول الله ﷺ بل هي من خلق الله ﷿ هو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو الذي جاد فيهما بما جاد على عباده ﷾ وكذلك علم اللوح والقلم ليس من علوم الرسول ﵊ بل إن علم اللوح والقلم إلى الله ﷿ ولا يعلم منه رسول الله ﵊ إلا ما أطلعه الله عليه هذا هو حقيقة الأمر وهذا وأمثاله هي المدائح التي يتغنى بها هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله ﷺ ومن العجائب أن هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله ﵊ تجدهم معظمين له كما زعموا في مثل هذه الأمور وهم في كثيرٍ من سنته فاترون معرضون والعياذ بالله فأنصح هذا الأخ الذي يسأل هذا السؤال أنصحه بأن يعود إلى الله ﷿ وأن لا يطري رسول الله ﷺ كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وأن يعلم أن رسول الله ﷺ بشر يمتاز عن غيره بالوحي الذي أوحاه الله إليه وبما خصه الله به من المناقب الحميدة والأخلاق العالية ولكنه ليس له من المتصرف في الكون شيء وإنما التصرف في الكون والذي يدعى ويرجى ويُؤَلَّه هو الله ﷿ وحده لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون. ***
المستمع عبد الحكيم علي محمد مصري يعمل بالعراق يقول ومن خلال متابعتي الدائمة لبرنامجكم الكريم وخلال إجابة الأسئلة الخاصة بالتصوف سمعت إجابات مختلفة من أساتذة أفاضل وقد أجمعوا تقريبًا على ذم هذا الأمر بدون استثناء وإني لأعجب أشد العجب من ذلك لأن في اعتقادي والله أعلم أن الأحكام في ديننا العظيم لا تأتي على التعميم في أمور الدين فمثلًا إذا كان هناك شخص سوء في مكان مّا، لا يمكن أن أحكم على جميع من فيه بأنهم أشرار فعندما نحكم على التصوف بأنه سيئ هل معنى ذلك أن التصوف كمبدأ سيئ أم هناك من يدعي الصوفية وهو ليس من أهلها وإذا كان التصوف كذلك فماذا نقول عن أئمة التصوف والذين أفادونا في الدين أعظم إفادة من خلال علمهم وعملهم أمثال الإمام الغزالي وكذلك ابن عطاء الله وعبد القادر الجيلاني والشيخ السنوسي وزواياهم معروفة وفي العصر الحديث الدكتور عبد الحليم محمود ﵀ وماذا يقول الدين عن التصوف في أبسط معانيه والتي نفهمها وهو يتمثل في الزهد في الدنيا مع عدم ترك ما أحل الله لعباده وإخلاص العمل والنية لله تعالى وذكره كثيرًا واستغفاره وحمده مع نبذ كل ما يلتصق بالدين والتصوف من خرافات وبدع وأشياء تؤدي إلى الكفر أعوذ بالله من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول متداخل وفيه شيء يحتاج إلى تصنيف فالذين سمعهم يذمون التصوف ويطلقون إنما يريدون أن إثبات طريقة على نحو معين تنفرد عن طريقة أهل السنة والجماعة هذا من حيث هو مذموم بلا شك فالذي ينبغي لجميع المسلمين أن يكونوا طائفة واحدة ألا وهي طائفة السلف الصالح أهل السنة والجماعة سواء كان ذلك في العقيدة أو كان ذلك في الأعمال الظاهرة أعمال الجوارح فالذي يذم مطلقًا أن تحدث طريقة معينة يقال لها هذه طريقة القوم إذ أن كل طريق أو كل طريقة تخالف ما كان عليه النبي ﷺ فإنها مذمومة مهما كانت أما بالنسبة للأعمال التي تحدثها هذه الطائفة فإنه ينظر إن وافقت ما جاء به النبي ﵊ فهي حق لكن لا ينبغي أن يقال إنها من طريق الصوفية أو من صنع الصوفية أو من تنظيم الصوفية أو ما أشبه ذلك بل يقال هذه سنة الرسول ﷺ ولا تنسب إلى هذه الطائفة بعينها وحينئذ يخرج من اللقب الذي قد يوجب الذم وأما ما يتعلق بالزهد في الدنيا فلا ريب أن الزهد بالدنيا الذي لا يتضمن ترك ما أحل الله ﷿ أو لا يتضمن ترك ما ينفع في الآخرة لا ريب أنه محمود وأن الإنسان ينبغي له أن تكون الدنيا وسيلة إلى الآخرة لا يكون كل همه وقصده بالدنيا والإنسان إذا أراد الدنيا فقط فإنه قد يضيع الدنيا والآخرة لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) وأما الأذكار والأوراد التي أحدثها أهل التصوف فإنه لاشك أن ما خالف الشرع منها بكيفيته أو وقته أو عدده أو سببه فإنه بدعة ينكر على صاحبه لأنه لا تكون العبادة عبادة حتى يقوم دليل شرعي على الأمور التالية على سببها وجنسها ونوعها وهيئتها وزمانها ومكانها وقدرها فإذا لم يكن دليل على هذه الأمور فإنها تكون بدعة ويكون فيها من البدع أو من البدعية بحسب ما فارقت السنة فيه. ***
هذه الرسالة وردت من الخليفة مهدي عبد الستار من العراق محافظة صلاح الدين يقول فيها إني مهدي عبد الستار أحد خلفاء الطريقة الرفاعية سؤالي حول موضوع الطرائق الصوفية إني سمعت من فضيلة العلماء أنهم يشكون في الطرائق في برنامجكم هذا ويقول بعض العلماء إن الطريقة بدعة حيث أنها لم ترد عن رسول الله ﷺ حيث أني أخذت الطريقة عن شيخي وأن شيخي أخذ الطريقة عن أبيه وأبوه عن جده وهكذا إلى سيدنا الكبير سيد أحمد الرفاعي أما السيد أحمد الرفاعي فهو ابن السيد سلطان بن علي وستة أظهر ينتسب إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الذي له الطريقة الرفاعية وتنسب إليه وهو الذي أسس ضرب الحراب والسيوف والدخول في النار وعمل الرفاعي كيف تنكرون هذا وقال الله ﷾ (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقد خص الله سيد أحمد الرفاعي بالكرامات والشواهد التي جاءت بها الكتب الصوفية مثل قوله أمام حضرة الرسول ﷺ يا مصطفى أنت من أسرار منزلها إلى أخره فمد يدك أو فمد يمينك لأقبلها لكي تحظى بها شفتي وظهرت يد الرسول فقبلها سيد أحمد الرفاعي هل هذا حق أفتونا فيها وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة عظيمة وهي مسألة الطرق التي ابتدعها من ابتدعها بواسطة الدعاية له إما من جهة النسب ودعواه أنه يتصل بنسب شريف وإما من جهة ما يدعيه من الكرامات التي اختصه الله بها فيلبس بذلك على عامة الناس ويبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه ونحن نذكر جملة عامة أمام الطريقة الرفاعية وغيرها فنقول إن الله ﵎ جعل المشرعين في دين الله تعالى ما ليس منه جعلهم بمنزلة الأصنام اللاتي تتخذ من دون الله تعالى شركاء فقال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) واليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله لأنهم تابعوهم في تشريع ما يخالف شريعة الله ﷾ ورسول الله ﷺ حذر من البدع تحذيرًا بالغًا حتى إنه في خطبة الجمعة يحذر منها ويقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وهذه الطرق التي يبتدعها أهلها ليتقربوا بها إلى الله ولم تكن في سنة النبي ﷺ نقول عنها إنها بدع محرمة وإنها لا تزيدهم من الله إلا بعدًا وأن ما يدعّونه من نسب شريف أو من كرامات يختصهم الله بها فإنه لا أساس لها من الصحة ماداموا مخالفين في ذلك لشريعة النبي ﷺ فإن الكرامات لا تكون إلا لأولياء الله ﷾ وأولياء الله ﵎ بينهم الله سبحانه في كتابه في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فنحن نعرض حال هذا الرجل الذي يدعي الكرامات نعرضها على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا ومن أعظم التقوى أن يتقي الإنسان البدعة في دين الله أن يشرع في دين الله ما ليس منه فإذا علم أن الرفاعي أو غيرهم من زعماء البدع ابتدعوا طريقة ليس عليها رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون عُلم أنها طريقة بدعية ضالة وأنه لا يجوز التمسك بها وأن ما يدّعون من كرامات فليست كرامات في الحقيقة وإنما هي أشياء يموهون بها على العامة يتخذونها بطرق حسية لا بطرق إلهية غيبية ويدّعون أنها الكرامات فالدخول في النار مثلًا هناك أشياء يستعملها الإنسان فيدهن بها ويدخل بها النار ولا يحترق فيأتي هذا الرجل الذي يدعي أنه ولي وأنه يدخل في النار ولا تضره كما دخل إبراهيم ﵊ النار ألقى فيها ولم تضره يدهن بهذه الأشياء المضادة للاحتراق لكنه لا يدهن بها أمام هذه العوام بل يدهن بها خفية ثم يأتي أمام الناس ويدخل في النار ويزعم أنه ولي لم يحترق بالنار إلى غير ذلك مما يفعله المشعوذون فإذا قال هذا الرجل إن ما حصل من كرامة من الله ﷿ فإنما يجب أن ننظر حاله إن كان مؤمنًا تقيًا فإن ما ادعاه من الكرامات قد يكون حقًا وإن كان ليس بمؤمن تقي بل هو صاحب بدعة وخرافة وتشريعات لم يأذن به الله ﷿ علمنا أنه كاذب وأنه ليس من أولياء الله بل هو من أبعد الناس عن ولاية الله ﷾ هذه جملة عامة أزفها للرفاعية ولغيرهم من أهل البدع وإنني أناشدهم الله ﷿ أن يرجعوا إلى دين النبي ﷺ وإلى شريعته وأن يعلموا أن دين الله تعالى كامل وأن الله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وليعلم كل مبتدع أنه مع تحريم سلوكه وابتداعه هو متنقص لدين الله ﷿ حيث زعم أن ما ابتدعه مما تدعوا الحاجة إليه في دين الله ﷿ وهذا معناه أن دين الله تعالى ناقص ويكون بهذا مكذبًا لقول الله ﷿ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) فكل ما خالف هذا الدين الذي أكمله الله على يدي رسوله ﷺ فإن الله لا يرضاه فإن الله يقول (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) فقط وقال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) فكل بدعة فإنها ليست من الإسلام بشيء فأناشد هؤلاء الذين يسلكون هذه الطرق من الرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرهم أناشدهم الله ﷿ أن يرجعوا إلى دين الله وإلى سنة رسول الله ﷺ وأن يعلموا أنهم ملاقو الله ﷿ ومحاسبهم على ذلك (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) وليتأملوا كثيرًا قول الله ﷿ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) إلى أن قال (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولو أن المسلمين اجتمعوا على السنة ولم يتفرقوا شيعًا في عقائدهم ومناهجهم وسلوكهم لو أنهم اجتمعوا على ذلك لحصل للأمة الإسلامية من النصر والتأييد والعز والتمكين ما لم يكن كما هم عليه اليوم من الوضع المشين وذلك بسبب بعدهم عن دينهم وتمسكهم به والله أسأل أن يصلح المسلمين وولاة أمورهم وبطانتهم إنه جواد كريم. فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة لرؤية يد الرسول ﷺ كما ذكر هذا الشخص وتُرى مثلًا واضحة أيضًا أمام الحضور هذا أيضًا نريد التعليق عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا نقول إن هذه القصة بل وكل قصة وكل خبر فإنه لا يغني ثبوته إلا إذا وصل إلينا من طريق العدول ثم إذا وصل إلى غاية السند فإننا ننظر أيضًا من هو هذا الرجل الذي تحدث بأنه رأى الرسول ﷺ هل هو مقبول الخبر أو غير مقبول الخبر ثم كذلك أيضا ننظر كيف رأى النبي ﷺ أو شيئًا من جسمه ﵊ هل هو على الوصف المعروف الذي ثبت من أوصاف الرسول ﷺ أو لا لأن من رأى النبي ﷺ في المنام فقد رآه حقًا ومن رآه حقًا فإنما يكون على حسب ما هو عليه في الحياة الدنيا ﷺ ثم إن من رأى يدًا قيل له أو وقع في نفسه أنها يد الرسول ﵊ فليس بِمُسلِّم أن تكون هي يد الرسول ﷺ لأن النبي ﵊ إذا رئي فإنما يرى على الوصف الذي هو عليه وهذه القصة كما قلت أولًا يشك في خبرها ويشك في المَخْبِر بها ويشك أيضًا فيما رآه فليست بمُسلّمة إطلاقًا. ***
الأولياء
السائلة أم مصعب تقول ما هي صفات الأولياء أولياء الله وكيف يكون المسلم وليًا لله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولياء الله ﵎ هم الذين تولوا أمره وقاموا بشريعته وآمنوا به جل وعلا وكانوا من أنصار دينه وقد بين الله ذلك في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: ٦٢) فهؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره آمنوا إيمانًا تامًا ويقينًا صادقًا وكانوا يتقون يتقون معاصي الله فيقومون بالواجب ويَدَعون المحرم فهم صالحون ظاهرًا وباطنًا وما أجمل العبارة التي قالها شيخ الإسلام ﵀ (من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا) ومن ولاية الله الحب في الله والبغض في الله بأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ويبغض المرء لا يبغضه إلا لله وأما ما يذكره بعض الناس الذين يدّعون أنهم أولياء وهم فسقة فجرة فهذا كذب وخداع وقد يُجري الله على أيدي هؤلاء من خوارق العادات ما يكون به فتنة والخوارق هذه التي تأتي لغير الأولياء إنما هي من الشياطين تأتي للمرء بأخبار الناس أو تحمله في الهواء أو ما أشبه ذلك ويقول هذا من ولاية الله وكل من ادعى ولاية الله ودعا الناس إلى تعظيمه وتبجيله فليس من أولياء الله لأن هذا تزكية للنفس وإعجاب بها وتزكية النفس من المحرمات قال الله ﵎ (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) (النجم: من الآية٣٢) أي لا تدّعوا زكاءها قد يدعي الإنسان أنه زكي أو يتصور أنه زكي وهو ليس كذلك وأما قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فليس المراد من زكاها بلسانه وقال إنه زكي أو اعتقد زكاءه بقلبه وإنما المراد بقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) أي فعل ما به تزكو نفسه وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني الذين عندهم من يدعي الولاية وهو أبعد الناس عنها لمحادته الله ورسوله فليحذر إخواني من هؤلاء وأمثالهم أهل الشعبذة واللعب بعقول الناس فإنهم لا ولاية لهم عند الله ﷿. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ في هذا الزمن كثر من يدعي أنه من أولياء الله بحقٍ أو بغير حق فهل هناك تحديدٌ أو صفاتٌ معينة بأولياء الله لكي نفرق بين الولي والدجال نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك تحديدٌ لا تحديد أوضح منه ولا أبين منه وهو ما ذكره الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء هم أولياء الله الذين جمعوا بين الإيمان الحقيقي في قلوبهم والتقوى الحقيقية في ظواهرهم فهم أصلحوا البواطن والظواهر فإذا رأيت الإنسان مؤمنًا بالله والإيمان له علامات ظاهرة متقيًا الله فهذا هو الولي وإذا رأيته دجالًا كذابًا فهذا ليس بولي وإن ادعى الولاية. ***
بارك الله فيكم السائل من المغرب فضيلة الشيخ يقول أسمع عن الأولياء وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم من هم أولياء الله فنقول أولياء الله تعالى من ذكرهم الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا سواءٌ أشهره العامة وزعموه وليًا أم كان خفيًا على الناس لا يحب أن يظهر فالولي هو المؤمن التقي هذه واحدة ثانيًا هل لكل وليٍ كرامة والجواب لا ليس لكل وليٍ كرامة بل من الأولياء من يعطيه الله تعالى كرامة محسوسة يشهدها بنفسه ويشهدها الناس ومن الناس من يجعل الله كرامته زيادة إيمانه وتقواه وهذه الكرامة أعظم من الكرامة الأولى الحسية لأن هذه الكرامة أنفع للعبد من الكرامة الأولى إذ أن الكرامة الأولى سببٌ لزيادة الإيمان والتقوى وأما زيادة الإيمان والتقوى فهي الغاية ولهذا نجد أن الصحابة ﵃ تقل فيهم الكرامات بالنسبة للتابعين لأن كرامات الصحابة في زيادة إيمانهم وتقواهم والتابعون ليسوا مثل الصحابة في ذلك ولهذا كثرت الكرامات في عهدهم أكثر من الكرامات في عهد الصحابة ﵃ والكرامات إما أن تكون في العلوم والمكاشفات وإما أن تكون في ظهور التأثيرات والقدرات فأما الأول فكأن يكشف للإنسان عن شيء لا يعلمه غيره كما ذكر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمعه الناس يقول الجبل يا سارية الجبل يا سارية فتعجبوا من ذلك فكان الأمر أن أحد القواد حوصر في مواجهةٍ بينه وبين أعدائه فكشف لعمر ﵁، عنه وهو على المنبر فخاطبه يقول الجبل يا سارية فسمعه القائد فانحاز إلى الجبل فهذا توجيه من القائد الأعلى عمر بن الخطاب ﵁ إلى قائد السرية أو الجيش من مكانٍ بعيد وسمعه وليس في ذلك الوقت تلفونات هوائية ولاسلكية ولكنها قدرة الله ﷿ هذه كرامة في المكاشفات كشف الله له ما لم يكن لغيره ومن ذلك أيضًا الكرامة في القدرة بأن يجعل الله تعالى للإنسان قدرةً لم تكن لغيره ومن ذلك ما يذكر في غزوات سعد بن أبي وقاص ﵁ أنه كان يغزو الفرس فيفتح الله عليه بلادهم بلدًا بعد بلد حتى وصل إلى نهر دجلة فلما وصل إلى النهر وجد أن الفرس قد أغرقوا السفن وكسروا الجسور وهربوا إلى الجانب الشرقي من النهر فتوقف سعد ﵁ ماذا يصنع فدعا سلمان الفارسي ﵁ وكان ذا خبرة في أحوال الفرس وما يصنعونه عند القتال فاستشاره أي أن سعدًا استشار سلمان الفارسي ماذا يصنع فقال له يا سعد ليس هناك شيء يمكن أن نصنعه إلا أن ننظر في الجيش هل عندهم من الإيمان والتقوى ما يؤهلهم للنصر أو لا، فدعني أسبر القوم وأنظر حالهم فأمهله سعد فجعل يذهب إلى الجيش ويتفقد أحوالهم وينظر أعمالهم فوجدهم ﵃ بالليل يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا وفي النهار يصلحون أحوالهم ويستعدون للقتال فرجع بعد ثلاثٍ إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره الخبر وقال إن قوم موسى ليسوا أحق بالنصر منا فقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من فرعون وقومه ونحن سوف نعبر هذا النهر بإذن الله فأذّن سعدٌ ﵁ بالرحيل والتقدم إلى النهر وقال إني مكبرٌ ثلاثًا فإذا كبرت الثالثة فسموا واعبروا ففعلوا فجعلوا يدخلون الماء كأنما يمشون على الصفا خيلهم ورجلهم وإبلهم حتى عبروا النهر وهو يجري يقذف بزبده فلما رآهم الفرس قال بعضهم لبعض إنكم لا تقاتلون إنسًا وإنما تقاتلون جنًا فهربوا من المدائن وهي عاصمتهم حتى دخلها المسلمون وفتح الله عليهم هذه كرامة قدروا على أمرٍ لا يقدر عليه البشر بمقتضى قدراتهم حيث خاضوا الماء والنهر يمشي هكذا ذكر المؤرخون هذه القصة هذه كرامة في القدرة وقصة عمر كرامة في المكاشفات أن الله يكشف له ما لا يدركه غيره، وتكون الكرامة في العلم بأن يفتح الله على الإنسان من العلم ما لا يفتحه على غيره ومن هؤلاء فيما نظن ما فتح الله به على شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من العلم العظيم العلم بالنقل والعلم بالعقل حتى إنك لتكاد أن تشك في هذه القدرة العظيمة التي أقدره الله عليها وفتح الله عليه من العلم،ومن الكرامات ما حصل لمريم ﵍ حين حملت بعيسى بن مريم ﷺ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجلست إلى هذا الجذع وقالت (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) قال هزي إليك وهي امرأة ماخض تهز بجذع النخلة فيهتز فرعها ومن المعلوم أن الهز بجذع النخلة حسب العادة لا يمكن أن يهتز به فرع النخلة لكن اهتز فرع النخلة وتساقط منه الرطب والنخلة لا شك أنها فوق قامة الإنسان لأنها لو كانت بقدر القامة لتناولت الرطب بيدها هذا من آيات الله وهو من كرامة مريم ﵍. ***
بارك الله فيكم يسري حامد من جمهورية مصر العربية طنطا يقول فضيلة الشيخ نسمع عن الكرامات لبعض الناس ونسمع كثيرا في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين فما حكم ذلك أيضا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكرامات خوارق للعادة يجريها الله ﷿ على يد الرجل الصالح تكريما له أو إقامة دليل على أن ما عليه فهو حق فالكرامات إما لمصلحة الشخص نفسه أو لمصلحة الدين ولكنها لا تكون إلا للأولياء المتقين قال الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهذا هو الولي الذي قد يظهر الله على يديه من الكرامات ما يدل على صدقه وصحة منهجه وهذه الكرامات موجودة في الأمم السابقة وموجودة في هذه الأمة ولاتزال موجودة فيها إلى يوم القيامة فمن الكرامات للأمم السابقة ما جرى لمريم بنت عمران حينما حملت بعيسى بن مريم ﵊ (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) فأنت ترى هذه الكرامة امرأة في فلاة من الأرض حامل أتاها المخاض يسر الله لها هذا الطعام والشراب (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) وفي الطعام قال (هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) امرأة نفساء والمرأة ضعيفة تؤمر بأن تهز بجذع النخلة لا في رأسها والهز بالجذع لا يحرك النخلة لكن كرامة لها تحركت النخلة ثم لما تحركت تساقط الرطب رطبا جنيا لم يتأثر بسقوطه على الأرض مع أن الغالب أن الرطب إذا سقط من أعلى فإنه يفسد يتمزق بسقوطه على الأرض لكن هذا الرطب الذي تساقط على مريم تساقط عليها رطبا جنيا لم يتأثر بالأرض ولم يتمزق بها (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) يعني كلي واشربي قريرة العين من غير خوف ولا حزن هذا من الكرامة، ومن الكرامات في الأمم السابقة ما جرى لأصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم كرهوا ما عليه قومهم من الشرك بالله ﷿ خرجوا عن البلد فآووا إلى غار وناموا به أتدري كم ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم نيام لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب ولا إلى بول ولا إلى غائط ولم تتمزق ثيابهم ولم تنم شعورهم ولا أظفارهم بل بقوا على ما هم عليه كل هذه المدة يقلبهم الله تعالى ذات اليمين وذات الشمال لئلا يتحجر الدم على اليمين إن بقوا على اليمين دائما أو على اليسار إن بقوا على اليسار دائما ثم إنهم في كهف (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فلا تدخل عليهم الشمس فلا يسخنون لا يفسدون من الحر ولا البرد وهذه آية من آيات الله ﷿ كرامة من كرامات الله ومن الكرامة كرامات هذه الأمة ما يذكر عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه أرسل سرية إلى العراق وعليها رجل يقال له سارية بن الجمير فحصره العدو فكشف لعمر بن الخطاب وهو يخطب الناس يوم الجمعة عن حال هذا القائد فسمعه الناس يقولون الجبل يا سارية الجبل يا سارية فسمع ذلك سارية فانحاز بالناس إلى الجبل فسلم وصارت العاقبة للمسلمين يقول: فأنت ترى الآن كرامة واضحة بالنسبة لعمر وبالنسبة لسارية، عمر ﵁ كلم الرجل سارية وسارية سمع كلامه وليس هناك هاتف ولا برقية ولكنها قدرة الله ﷿ وإذا أردت أن تعرف هذه الكرامات فراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ الكتاب المسمى الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وليعلم أن كثيرا ممن يدعي الولاية اليوم تكون دعواه كذبًا لأنك إذا فتشت عن حاله وجدته من أعداء الله لا من أولياء الله فكيف يدعي أنه وليٌ لله ونراه يجري على يديه الكرامات فإن قال قائل نعم إنه تجري على أيديهم خوارق قلنا هذا من أعمال الشياطين تعمل لهم الخوارق من أجل أن يضل الناس بغير علم بل من أجل أن يضل الناس عن علم ولهذا نقول إن الكرامة لا تكون إلا لولي والولي بينه الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فأنت إذا أردت أن تزن الرجل وهل هو ولي أو عدو فعليك بهذه الآية (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فإذا كان مؤمنا تقيا فهو ولي وإلا فهو دعي وليس بولي. ***
رسالة وردت من أحد الاخوة المستمعين يقول سؤالي عن الكرامات والولاية أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الولاية لا يصح إطلاقها إلا على حسب الوصف الذي جاء في كتاب الله ﷿ وقد بين الله تعالى في كتابه حيث يقول (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فبين الله ﷾ أن ولايته لا تنال إلا بهذين الوصفين أولهما الإيمان بما يجب الإيمان به وثانيهما التقوى ففي الوصف الأول صلاح القلب وفي الوصف الثاني صلاح الجسد فمن ادعى ولاية الله ﷿ وقد فاته الوصفان أو أحدهما فإنه كاذب فلو وجدنا شخصا يجيز لنفسه أن يركع الناس له وأن يسجد الناس له أو يجيز لنفسه أن يستخدم الشياطين بأنواع من الشرك ثم يدعي بعد هذا أنه ولي لله فإننا نقول له إنك كاذب لأن أعمالك هذه تنافي الإيمان والتقوى وما يحصل على يديه من خوارق العادات فإن ذلك لخدمة الشياطين له لأن الشياطين تقوى على ما لا يقوى عليه البشر فيستخدم الشياطين لينال مأربه في إضلال عباد الله عن سبيل الله وعلى هذا فمن ادعى الولاية ولم يكن متصفا بالوصفين اللذين ذكرهما الله ﷿ وهما الإيمان والتقوى فإنه كاذب في دعواه. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم النقطة الثانية في رسالة المستمع يقول يا فضيلة الشيخ من يطلق عليهم الأولياء اليوم عند الصوفية وما ينسب إليهم من الكرامات الباطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه فقرة بينها جواب الفقرة التي قبلها فما ينسب إليهم من الكرامات وهم على ضلال فإنها إهانات في الحقيقة وليست بكرامات لأنها استدراج من الله ﷿ لهم وهي في الحقيقة ليست كرامة بل هي مما يخدمهم بها الشياطين من أجل إضلال عباد الله. ***
بارك الله فيكم المستمع ع. أ. أ. سوداني مقيم بالرياض يقول يوجد لدينا في السودان فئة من الناس تسمي نفسها أهل بيت النبي ﷺ وهذه الفئة تقوم بأعمال لا أصل لها في الشرع حيث أنهم يزعمون أنهم أولياء صالحون ومن وقت لآخر يطوفون في ربوع أرجاء الوطن ويستقبلون من العامة بالهتافات والترحيب فيقدمون لهم الهدايا والقرابين مع العلم أنهم في أشد الحاجة إليها معتقدين أنها تعود عليهم بالبركة والخير من هذه الفئة فهل يوجد في زماننا هذا بقية لأهل بيت النبي ﷺ وهل هذه الأعمال التي يقومون بها جائزة وكذلك المظاهر التي يقابلون بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بكل بساطة أن نقول لهؤلاء المدعين أنهم من نسل رسول الله ﷺ أكدوا لنا ذلك ببرهان قاطع من الناحية التاريخية ومن المعلوم أن رسول الله ﷺ لم يبق له أولاد بلغوا وتزوجوا وأنجبوا وإنما أولاده الذين ينسبون إليه ليسوا من أولاده لصلبه وعلى هذا فنقول لكل من ادعى أنه من آل البيت من هؤلاء أكدوا لنا ذلك من الناحية التاريخية فإن عجزوا عن الإثبات تبين بطلان قولهم وكذبهم وإن ثبت ذلك من الناحية التاريخية فإننا نقول ليس كونكم من الذرية أو من آل النبي ﷺ بِمُجدٍ عنكم شيئًا إذا لم تكونوا على شريعته فإن المهم أن تكونوا على شريعة النبي ﷺ وإذا كنتم على شريعته حقًا فإن لكم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول ﷺ ومجرد القرابة من رسول الله ﷺ لا تغني شيئًا فهذا أبو لهب عم النبي ﷺ أخو أبيه لم يغن عنه قربه من النبي ﷺ شيئًا بل أنزل الله تعالى سورة كاملة من القرآن في فضيحته إلى يوم القيامة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) والحاصل أننا نحتاج في هذه الدعوى إلى إثباتها من الناحية التاريخية ثم إذا ثبتت ننظر إلى حال هؤلاء فإن كانوا صالحين حقًا يتمشون على شريعة النبي ﷺ ظاهرًا وباطنًا فإن لهم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول ﷺ وإن لم يكونوا كذلك فإنهم دجالون ولا يستحقون شيئا ولا بركة في أعمالهم ولا في أحوالهم والظاهر مادام هؤلاء الجماعة يمشون على القرى وعلى السُّذَّج من الناس ويدعون ما يدعون الظاهر أنهم كاذبون فيما ادعوا لأنهم غير مستقيمين أيضًا على ما ينبغي منهم في شريعة الله ﷾ وحينئذ فلا يستحقون شيئًا من التعظيم أو الإكبار أو إتحافهم بالهدايا وغيرها. ***
هذا السائل أبو أحمد يقول هل صحيح أن الصالحين والأولياء تنكشف لهم من أسرار القرآن ما لا ينكشف لغيرهم وما ليس بموجود في كتب التفاسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك أحد مخصوص في فهم القرآن بل فهم القرآن يكون لكل أحد لكن كل من كان بالله أعلم وله أتقى كان أقرب إلى فهم القرآن لقول الله ﵎ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) ولما قيل لعلي بن أبي طالب ﵁ هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء يعني من جهة الخلافة قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهمًا يؤتيه الله تعالى أحدًا من عباده في كتاب الله وما في هذه الصحيفة قالوا وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل المسلم بالكافر لكن هناك أناس يدعون أنهم أولياء وأنه يفتح لهم في القرآن معانٍ باطنة لا يعرفها أحد ويجعلون ألفاظ القرآن رموزًا وإشارات لمعانٍ لا تفهم من ألفاظ القرآن بمقتضى اللغة العربية ولا بمقتضى الحقيقة الشرعية وهم الذين يسمون أنفسهم أهل العلم بالباطن فهؤلاء لا يقبل قولهم في تفسير القرآن لأنه كذب على الله ﵎ هل فسروا كلامه بما لا يدل عليه باللسان الذي نزل به وهو اللغة العربية قال الله ﵎ (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال الله ﵎ في القرآن الكريم (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسان عربي مبين) أي بلغة عربية فصيحة وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني ولا سيما طلبة العلم على الحرص على فهم معاني القرآن الكريم لأن القرآن الكريم نزل للتعبد بتلاوته ولتدبر معناه والعمل به قال الله ﵎ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وكثير من طلاب العلم حريصون على فهم السنة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحثًا وتدقيقًا ومراجعة لكلام العلماء ولكنهم مقصرون في تفسير القرآن وفهمه وكان الصحابة ﵃ إذا قرؤوا عشر آيات من كتاب الله لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا إني أكرر الوصية لإخواني طلاب العلم أن يعتنوا بفهم القرآن الكريم وأن يراجعوا عليه كلام العلماء في تفاسيرهم وأعني بالعلماء العلماء الموثوق بهم كتفسير ابن جرير وابن كثير والقرطبي والشوكاني وما أشبههم وكذلك تفسير شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ﵀ وإن كان يوجد في مثل تفسير القرطبي بعض الشيء الذي ليس على ما ينبغي وكذلك يوجد في تفسير ابن جرير آثار ضعيفة لكن البصير يعرف كيف يتصرف. ***
هل إذا مات شخص صالح ولي هل ينفع أو يضر بعد موته يعني موت هذا الشخص الولي إذا توفي هل ينفع الناس أو يضرهم أو ماذا يكون بعد وفاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن أحق الناس بالولاية وأعظمهم ولاية هو النبي ﷺ وقد قال الله له آمرًا إياه أن يبلغ الأمة بأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله وقد قال ﵎ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) وأمره كذلك أن يقول للناس بأنه لا يملك لهم مثل ذلك فقال (قل إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) فإذا كان هذا في أعظم الناس ولاية وأقربهم من الله ﵎ وهو محمد ﷺ فما بالك بمن دونه من الأولياء فكل ولي أو نبي أو ملك فإنه لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله والذي يملك ذلك ويدبر الخلق هو الله ﷿ فإذا كان الولي لا يملك الضرر ولا النفع في حياته فكذلك أيضًا لا يملك النفع ولا الضرر بعد موته من باب أولى، لهذا الأولياء ليس لهم حق في تدبير الكون ولا في نفع الخلق ولا في ضرر الخلق والواجب على الإنسان أن يعلق ذلك بالله ﷿ وحده لأنه هو المالك له ثم إنني أقول لهذا الأخ ولغيره أنه يجب التحقق من انطباق وصف الولاية على من يوصف بها فقد يقال هذا ولي لله وهو عدو لله ﷿ لأنه يضل الناس ويصدهم عن دين الله الحق ويغريهم بما يكون على يديه من الخرافات والخزعبلات وغيرها وميزان الولاية هو ما ذكره الله تعالى بقوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًّا فإذا قيل عن شخص ما إنه ولي نظرنا في إيمانه وفي تقواه لله ﷿ وهل هو مستقيم على شريعة الله ﷿ حريص على اتباع النبي ﷺ منفذ لشرع الله تعالى في قوله وفعله وإلا فإنه ليس لله بولي وإن زعم أنه ولي فإذا كان يأتي بأمور محدثه في العبادة أوفي العقيدة ويزعم أنه ولي فهو كاذب في زعمه هذا لأنه ليس بتقي والولي هو المؤمن التقي. ***
بارك الله فيكم ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الإعتقاد باطل لأن الذي بيده النفع والضرر وكشف الكربات هو الله ﷿ وليس الأولياء فالأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فضلا عن غيرهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا وإنما الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء هو الله ﷿ فإذا كان الأنبياء وهم سادات الأولياء وفوق مرتبة الأولياء إذا كانوا هم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فما بالك بغيرهم قال الله تعالى عن نوح (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وقال له (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) وقال تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالأولياء لا يملكون لأحد شيئا لا نفعا ولا ضرا سواء كانوا أحياء أو أمواتا فلا يملكون أن يهدوا ضالا ولا أن يغنوا فقيرا ولا أن يشفوا مريضا وإنما ذلك إلى الله ﷿ هم بأنفسهم إذا أصابهم الضرر لا يملكون دفعه ولا يملكون رفعه بل هم عاجزون عن ذلك فكيف يملكون لغيرهم ذلك. ***
ماحكم الشرع في نظركم في زيارة قبور الأولياء والصالحين هل هو محرم وهل يجوز لنا أن نزورهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعرف من هو الولي الولي بينه الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا وليس كل من ادعى الولاية يكون وليًا وهذه نقطة يجب أن يعرفها كل أحد وذلك لأن بعض الناس يستغفلون العامة ويدعون أنهم أولياء وربما يؤيدون دعواهم بخدمة الشياطين لهم فيظن العامة أن هذا من باب الكرامات وهو في الحقيقة من باب الإهانات ثانيًا بالنسبة لزيارة القبور زيارة القبور عمومًا مستحبة فعلها النبي ﵊ وأمر بها وأخبر عن فائدتها فقال (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة) والإنسان إذا زار القبر بل إذا زار القبور تذكر الآخرة حيث يتذكر أن هذا هو مثواه وأنه لا بد أن يحله كما حله من قبله ويتذكر أن هؤلاء الذين صاروا مرتهنين في قبورهم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يمشون عليها ويتمتعون بما فيها من نعم الله كما يمشي عليها هو الآن ويتمتع بما فيها من نعم الله فيتذكر ويخاف ويعمل لهذا اليوم المحتوم الذي لا بد منه ولهذا كانت زيارة القبور سنة مستحبة ولكن يجب أن نعلم أن زيارة القبور ليس من أجل أن ننتفع بزيارتهم انتفاعًا ماديًا من كشف الكربات وإغاثة اللهفات وانتفاء المضرات ولكن من أجل أن ندعو الله لهم لأننا نقول عند زيارة القبور السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم وأما دعاء أصحاب القبور فهو شرك أكبر مخرج عن الملة لأن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا لغيرهم وأما التبرك بترابهم أو التمسح بقبورهم فإنه بدعة منكرة وقد تصل إلى حد الكفر بحسب اعتقاد الفاعل وزيارة القبور سنة بالنسبة للرجال فقط أما النساء فلا يسن لهن زيارة القبور بل إن النبي ﷺ (لعن زائرات القبور) ولا يرد على هذا ما أخرجه مسلم من حديث عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ أمرها أن تقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلى آخره) فإن المراد بذلك من مرت بمقبرة بدون قصد الزيارة فإنه لا حرج عليها أن تسلم على أهل القبور وتدعو لهم والشأن فيمن خرجت من بيتها إلى زيارة المقبرة فإن هذا حرام عليها بل من كبائر الذنوب (لأن النبي ﷺ لعن زائرات القبور) . ***
هذا مستمع من المملكة المغربية يقول في هذا السؤال هل زيارة الأولياء تجوز أم لا وإذا كانت تجوز كيف الزيارة وكيف يكون لنا أن نترحم عليهم؟ فأجاب ﵀: نعم أولًا لا بد أن نعلم من هم الأولياء هل الولي من أطال الشعر وكبَّر العمامة وزاد في حبات المسبحة أو ما أشبه ذلك مما يصطنعه من يدعون أنهم أولياء أم ماذا؟ الجواب على هذا أن نقول إن الولي قد بينه الله ﷿ في كتابه فقال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فالولي حقيقةً هو المؤمن بالله ﷿ المؤمن بكل ما يجب الإيمان به المتقي لله والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فإذا علمنا أن رجلًا بهذا الوصف فهو متق وزيارته إن كان حيًا لا بأس بها بل قد تكون مطلوبة لما في الجلوس معه من الخير فإن الولي المؤمن التقي جليسٌ صالح وقد حث النبي ﵊ على الجلوس معه فقال ﵊ (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحةً طيبة) وأما زيارة قبورهم فإن كان الإنسان يزورها على سبيل التبرك بها فإن ذلك بدعة وذريعةٌ إلى الشرك وإن كان يزورها ليدعو لهم فهذا لا بأس به فإن زيارة القبور للدعاء لأهل القبور جائزة وهي من الإحسان إليهم وإن كان يزورها أي يزور قبور الأولياء ليدعو الأولياء ويستغيث بهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لا يقبل من صاحبه صيامٌ ولا صلاةٌ ولا صدقة ولا حج لأنه مشركٌ شركًا أكبر فإن الله ﷿ يقول (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ويقول ﷾ (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) ويقول ﷿ (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على التحذير من دعاء غير الله وعلى أنه كفرٌ وشرك مخرجٌ من الملة فصارت زيارة هؤلاء الأولياء على ثلاثة وجوه زيارة للدعاء لهم والاتعاظ بأحوالهم وهذه جائزة بل مطلوبة،زيارة للتبرك بهم وهذه وسيلة إلى الشرك، زيارة لدعائهم والاستغاثة بهم وهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة ثم إن القسم الثاني وهو التبرك بهم إن كان يعتقد أن هؤلاء يجعلون البركة في سعيه وفي أهله وفي ماله من أجل زيارتهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لأن هؤلاء لا يقدرون على هذا، أمواتٌ غير أحياء فلا يقدرون على أن ينفعوا أحدًا في دنياه بكشف الضر أو جلب النفع. ***
بارك الله فيكم في سؤال المستمع محمد الطيب يقول ما حكم زيارة الأولياء سواءٌ كانوا أحياء أم أمواتًا نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الأولياء لا ينبغي أن نطلقها إلا على من تحققت فيه الولاية التي بينها الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليست الولاية بالدعاية أو بملابس معينة أو بهيئةٍ معينة ولكنها بالإيمان والتقوى وكثيرٌ ممن يدعي الولاية يكون دجالًا كذابًا يدعو إلى تعظيم نفسه وإلى سيطرته على عقول الخلق بغير الحق فمثل هذا لا يستحق أن يزار ولا أن تلبى دعوته حتى يستقيم على أمر الله ويرجع إلى دين الله ويسلم الناس من شره ودجله وإذا عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذي لا يزكي نفسه ولا يدعي الولاية كان له حق على إخوانه المسلمين أن يحبوه في الله وأن يحترموه الاحترام اللائق به حتى يكون ذلك تشجيعًا له على مضيه فيما هو عليه من الإيمان والتقوى وحثًا لغيره أن يكون مثله في إيمانه وتقواه وأما زيارة الأولياء بعد الموت كما قال السائل فإن الأولياء الصادقين المتصفين بالإيمان والتقوى إذا ماتوا كانت زيارتهم كغيرهم لا تختلف عن غيرهم لأنهم هم محتاجون إلى الدعاء لهم كما أن غيرهم من المسلمين محتاجٌ إلى الدعاء له وليس في زيارة قبورهم مزيةٌ على زيارة غيرهم من حيث النفع أو الضرر لأنهم هم بأنفسهم محتاجون إلى عفو الله ومغفرته وليس لهم من الأمر شيء وما يفعله بعض العامة الجهلة من التردد على قبور من يسمونهم أولياء أو يعتقدونهم أولياء للاستشفاء بتراب القبر أو التبرك بالدعوة عنده أو ما أشبه ذلك فكل هذا من البدع بل قد تكون وسيلةً إلى الشرك بهم ودعائهم مع الله ﷿. ***
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلا وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت وهذا يحدث لي كثيرا ولا أقول بأني أعلم الغيب حاشا فلا يعلم الغيب إلا الله ﷿ ولكن هل تعتبر هذه مكرمة لي من الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ليست مكرمة وليست علم غيب ولكنها ظن يقع في قلب الإنسان أن يكون كذا وكذا فيكون ولا سيما إذا كان هذا الإمام قد اعتاد أنه إذا قرأ خواتيم سورة البقرة قرأ خواتيم سورة التوبة فإن سامعه يتوقع أنه بعد قراءته لخواتيم سورة البقرة أن يقرأ خواتيم سورة التوبة وليس كل ظن يقع كما ظنه الظان يكون كرامة للإنسان أو علم غيب لأن الكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله ﵎ على يد ولي من أوليائه وهذا الظن الذي يستفاد من القرائن ليس بأمر خارق للعادة. ***
الصحابة
جزاكم الله خيرًا يقول هذا السائل في سؤاله يا فضيلة الشيخ ما الواجب علينا نحو الصحابة الكرام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب علينا محبتهم واحترامهم والذود عن أعراضهم والسكوت عمّا جرى بينهم من القتال واتهام من سبهم بالنفاق وذلك بأنه لا أحد يجرؤ على سب الصحابة ﵃ إلا من غمسه النفاق والعياذ بالله وإلا فكيف يسب الصحابة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقال (لا تسبوا أصحابي) ثم إن سب الصحابة قدح في الصحابة وقدح في الشريعة وقدح في الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقدح في حكمة الله ﷿ أما كونه قدحًا للصحابة فواضح وأما كونه قدحًا في الشريعة فلأن الذين نقلوا إلينا الشريعة هم الصحابة وإذا كان ناقلو الشريعة على الوصف الذي يسبهم به من سبهم لم يبق للناس ثقة بشريعة الله لأن بعضهم والعياذ بالله يصفهم بالفجور والكفر والفسوق ولا يبالي أن يسب هذا السب على أشرف الصحابة أبي بكر وعمر ﵄ وأما كونه قدح برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن الصاحب على حسب حال صاحبه بالنسبة لاعتباره ومعرفة قدره ولذلك تجد الناس إذا رأوا هذا الشخص صاحبا لفاسق نقص اعتباره عندهم وفي الحكمة المشهورة بل وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وفي الحكمة المشهورة المنظومة: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي وأما كونه طعنًا في حكمة الله فهل من الحكمة أن يختار الله لأشرف خلقه محمد ﷺ هؤلاء الأصحاب الفجرة الكفرة الفسقة والله ليس من الحكمة. ***
مجدي عبد الغني محاسب بالعراق محافظة صلاح الدين يقول: إلى فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين نرى في الآونة الأخيرة ما شاع عن حقيقة تحديد نوع المولود ذكر أم أنثى، وبهذا نسأل توصل علماء الطب في أمريكا واليابان إلى ذلك، فهل هذا حرام؟ وما علاقة الآية الكريمة التي يقول الله فيها ﷿ أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (أَيَحْسَبُ الإِنْسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً * ألم يك نطفة من مني يمنى * ثم كان علقة فخلق فسوى * فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى * أَلَيْسَ ذَلِكَ بِقَادِرٍ عَلَى أَنْ يُحْيِيَ الْمَوْتَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي ذكره السائل يحتمل أن يريد بقوله: نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر أو أنثى. ويحتمل أن يكون مراده تحديد نوع الذكورة والأنوثة، أي: العلم بأن هذا ذكر وأنثى، أن يجعلوا هذه الأنثى ذكرًا، أو أن يجعلوا الذكر أنثى. أما الأول- وهو: العلم بأن الجنين ذكر أو أنثى- فهذا كما قاله السائل، قد اشتهر أنهم يعلمون ذلك، وهذا العلم لا ينافي ما جاءت به النصوص من كون الله ﷾ يعلم ما في الأرحام، فإن الله تعالى يعلم ما في الأرحام بلا شك، ولا ينافي علمه بذلك أن يكون أحدٌ من خلقه يعلمه، فالله يعلم وكذلك غيره يعلم. لكن المعلوم الذي يتعلق بالجنين ينقسم إلى قسمين: قسم محسوس يمكن للخلق أن يعلموا به، كالذكورة والأنوثة، والكبر والصغر، واللون، وما أشبه ذلك، فهذا يكون معلومًا عند الله ﷿، ويكون معلومًا عند من يتوصل إلى علمه بالوسائل الحديثة، ولا منافاة بين الأمرين. وأما المعلوم الثاني للجنين فهو المعلوم الذي ليس بمحسوس يدرك، وهو علم ماذا سيكون مآل هذا الجنين: هل يخرج حيًا أو ميتًا؟ وإذا خرج حيًا هل يبقى طويلًا في الدنيا أو لا؟ وإذا بقي فهل يكون عمله صالحًا أم سيئا؟ ً وإذا بقي أيضًا فهل يكون رزقه واسعًا أو ضيقًا؟ وما أشبه ذلك من المعلومات الخفية التي ليست بحسية، فهذا النوع من العلوم المتعلقة بالجنين هذا لا يعلمه إلا الله، ولا يستطيع أحد أن يعلمه، ومن ادعى علمه فهو كاذب، ومن صدقه في ذلك فقد كذب قول الله ﷿: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . أما الاحتمال الثاني ما يحمله سؤال السائل أنهم توصلوا إلى أن يجعلوا الذكر أنثى أو الأنثى ذكرًا، فهذا لا يمكن؛ لأن هذا يتعلق بخلق الله ﷿، وهو الذي بيده التذكير والتأنيث، فلا يمكن لأحد من المخلوقين أن يجعل ما قدره الله ذكرًا أنثى، ولا يمكن أن يجعل ما قدره الله أنثى ذكرًا، يقول الله ﷿: (لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ) . وكذلك الآية التي ساقها السائل: (أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِنْ مَنِيٍّ يُمْنَى (٣٧) ثُمَّ كَانَ عَلَقَةً فَخَلَقَ فَسَوَّى (٣٨) فَجَعَلَ مِنْهُ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالأُنثَى) . فالذي أقوله الآن: إن هذا أمر غير ممكن، وكما أنهم لا يستطيعون أن يجعلوا الذكر المولود أنثى والأنثى المولودة ذكرًا، فكذلك لا يمكنهم أن يجعلوا الجنين الذي قدره الله ذكرًا أن يجعلوه أنثى أو العكس، هذا ما أعتقده في هذه المسألة. ***
أبو صالح يقول: هل صحيح أن للأرض حركتين أم لا؟ وهل في ذلك آيات تدل على ذلك أم العكس؟ ثم أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ وهل هناك آيات دالة على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن البحث في هذا من فضول العلم، وليس من الأمور العقدية التي يجب على الإنسان أن يحققها ويعمل بما تقتضيه الأدلة، ولهذا لم يبين هذا الأمر في القرآن الكريم على وجهٍ صريح لا يحتمل الجدل، فمن الناس من يقول: إن للأرض حركتين: حركة تختلف بها الفصول، وحركة أخرى يختلف بها الليل والنهار، ويقول: إن قول الله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ) يدل على ذلك، ووجه الدلالة عنده أن نفي المَيَدان دليلٌ على أصل الحركة، إذ لو لم يكن أصل الحركة موجودًا لكان نفي الميدان لغوًا من القول لا فائدة منه، ويقول: إن هذا دالٌ على كمال قدرة الله، أن تكون هذه الأرض- وهي هذا الجرم الكبير- تتحرك بدون أن تميد بالناس وتضطرب، مع أن الله ﷿ إذا شاء حركها فحصلت الزلازل والخسوفات. ومن العلماء من يقول: الأرض لا تتحرك، بل هي ثابتة؛ لقوله ﵎: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ) أي: تضطرب. ولقوله تعالى: (الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً) . ولأن الله تعالى جعل الأرض قرارًا يقر الناس عليه، وهذا ينافي أن تكون لها حركة. وأيًا كان هذا أو هذا فإن إشغال النفس بمثل ذلك ليس فيه كبير فائدة، فيقال: إن كانت تتحرك وهي في هذا القرار التام فهذا دليلٌ على تمام قدرة الله ﷿، وإن كانت لا تتحرك فالله تعالى هو الذي خلقها وجعلها ساكنةً لا تتحرك، لكن الشيء الذي أرى أنه لا بد منه هو أن نعتقد أن الشمس هي التي تدور على الأرض، وهي التي يكون بها اختلاف الليل والنهار؛ لأن الله تعالى أضاف الطلوع والغروب إلى الشمس، فقال ﷿: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) . فهذه أربعة أفعال أضيفت كلها إلى الشمس: إذا طلعت، وإذا غربت، تزاور، تقرض، كلها أفعال أضيفت إلى الشمس، والأصل أن الفعل لا يضاف إلا إلى فاعله أو من قام به، أي: من قام به هذا الفعل، فلا يقال: مات زيدٌ ويراد مات عمرو، ولا يقال: قام زيدٌ ويراد قام عمرو، فإذا قال الله: (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ) فليس المعنى أن الأرض دارت حتى رأينا الشمس؛ لأنه لو كانت الأرض هي التي تدور وطلوع الشمس يختلف باختلاف الدوران ما قيل: إن الشمس طلعت، بل يقال: نحن طلعنا على الشمس، أو: الأرض طلعت على الشمس. وكذلك قال الله ﵎ في قصة سليمان: (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ) أي: الشمس (بالْحِجَابِ) ولم يقل: حتى توارى عنها بالحجاب. وقال النبي ﵊ لأبي ذر عند غروب الشمس: (أتدري أين تذهب)؟ قال: الله ورسوله أعلم. قال: (فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) . فأضاف الذهاب إلى الشمس. فظاهر القرآن والسنة أن اختلاف الليل والنهار يكون بدوران الشمس على الأرض، وهذا هو الذي يجب أن نعتقده، ما لم يوجد دليلٌ حسيٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرف النصوص عن ظواهرها إلى ما يوافق هذا النص القاطع، وذلك لأن الأصل في أخبار الله ورسوله أن تكون على ظاهرها، حتى يقوم دليل قاطع على صرفها عن ظاهرها؛ لأننا يوم القيامة سنسأل عما تقتضيه هذه النصوص بحسب الظاهر، والواجب علينا أن نعتقد ظاهرها، إلا إذا وجد دليلٌ قاطع يسوغ لنا أن نصرفها عن هذا الظاهر، هذا هو الجواب عن السؤال الأول. وأما قوله: أفيدوني أين توجد الجنة والنار؟ فالجواب عليه أن نقول: الجنة في أعلى عليين، والنار في سجين، وسجين في الأرض السفلى، كما جاء في الحديث: (الميت إذا احتضر يقول الله تعالى: اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السفلى) . وأما الجنة فإنها فوق في أعلى عليين، وقد ثبت عن النبي ﵊ (أن عرش الرب جل وعلا هو سقف جنة الفردوس) . جعلنا الله تعالى من أهلها. ***
يا فضيلة الشيخ تعلمون وفقكم الله أن الملاحدة منذ زمن قديم يبثون شبهاتهم حول الإسلام، ويدعون لأفكارهم الفاسدة، ومن تلك الأفكار أن الكون أوجد نفسه، ثم ما زال يتطور حتى كان كما هو عليه الآن، واستدلوا على هذا بالميكروبات والطفيليات التي تتكون في الأشياء المتعفنة من غير أصل لها، فبماذا نرد على هذه الطائفة لدحض حجتهم الزائفة وشبهاتهم الباطلة؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هؤلاء بما ذكره الله تعالى في سورة الطور: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُون َ* أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَلْ لا يُوقِنُونَ) . فنسألهم أولًا: هل هم موجودون بعد العدم، أو موجودون في الأزل وإلى الأبد؟ والجواب بلا شك أن يقولوا: نحن موجودون بعد العدم، كما قال الله تعالى: (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا) . فإذا قالوا: نحن موجودون بعد العدم، قلنا: من أوجدكم؟ أوجدكم أبوكم أو أمكم أو وجدتم هكذا بلا موجد؟ سيقولون: لم يوجدنا أبونا ولا أمنا؛ لأن الله تعالى يقول: (أَفَرَأَيْتُمْ مَا تُمْنُونَ * أَأَنْتُمْ تَخْلُقُونَهُ أَمْ نَحْنُ الْخَالِقُون * نَحْنُ قَدَّرْنَا بَيْنَكُمُ الْمَوْتَ وَمَا نَحْنُ بِمَسْبُوقِينَ * عَلَى أَنْ نُبَدِّلَ أَمْثَالَكُمْ وَنُنْشيءكُمْ فِي مَا لا تَعْلَمُونَ) . إذا قالوا: وجدنا من غير موجد، نقول: هذا مستحيل في العقل؛ لأنه ما من حادث إلا وله محدث، وحينئذٍ يتعين أن يكون حدوثهم بمحدث، وهو الله ﷿ الواجب الوجود. وكذلك يقال في السماوات والأرض: نقول: من أوجد السماوات والأرض؟ هو الله ﷿، لكن السماوات والأرض كانت ماءً تحت العرش، كما قال الله ﵎: (وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ وَكَانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمَاءِ) . فخلق الله ﷿ السماوات والأرض من هذا الماء، قال الله تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا) أي: فصلنا ما بينهما (وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ) . فهذا جواب على هؤلاء الملاحدة، فإن أَبَوا إلا ما كانوا عليه فهم مكابرون، ويحق عليهم قول الله تعالى في آل فرعون: (وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَا أَنْفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا) . ***
الخير أحمد سوداني مقيم بالعراق يقول في رسالته: عرفنا من القرآن الكريم أن الله ﷾ (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . ولكن أريد أن أعرف منكم ما البعد بين كل سماء؟ وهل هناك سمك لكل سماء؟ أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن السماوات كما ذكر السائل سبع، جعلهنّ الله تعالى طباقًا، وجعل بينهن مسافات، ويدل لذلك حديث المعراج الثابت في الصحيحين وغيرهما: (أن جبريل ﵊ جعل يعرج بالنبي ﷺ من سماء إلى سماء، ويستفتح عند دخول كل سماء، حتى انتهى به إلى السماء السابعة، وبلغ ﷺ موضعًا سمع فيه صريف الأقلام، ووصل إلى سدرة المنتهى) . وكذلك الأَرَاضون هي سبع، كما يشير إلى ذلك قوله تعالى: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الأَرْضِ مِثْلَهُنَّ) . والمثلية هنا ليست في الصفة؛ لأن ذلك من المعلوم بالضرورة، ولكنها مثلية في العدد، ويؤيد ذلك ما ثبت في الصحيحين في قول الرسول ﵊: (من اقتطع شبرًاَ من الأرض طوقه يوم القيامة من سبع أرضين) . وهذا يدل على أن الأرضين متطابقة أيضًا، وأن بعضها تحت بعض.وأما بُعْد ما بين كل سماء والأخرى: فقد ورد في ذلك حديث عن رسول الله ﷺ: (أن بعد ما بين سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وأن كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام) . والعلم عند الله ﵎. ***
الشهادتان
السائلة من الأردن تقول يا فضيلة الشيخ محمد ما هي شروط لا إله إلا الله وضحها لنا يا شيخ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تحتاج إلى شروط توضح واضحة بنفسها لا إله إلا الله يعني لا معبود حق إلا الله يجب أن يشهد الإنسان بذلك بقلبه ولسانه وجوارحه. فبقلبه يعتقد اعتقادًا جازمًا أنه لا معبود حق إلا الله، وأن جميع ما يعبد من دون الله فهو باطل، كما قال تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) (الحج: ٦٢) . ثانيًا: أن يقول ذلك بلسانه ما دام قادرًا على النطق؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (حتى يشهدوا ألا إله إلا الله) . فلابد من النطق لمن كان قادرًا عليه، أما الأخرس فيكتفى باعتقاد قلبه. ثالثا: ً لابد من تحقيق هذه الكلمة، وذلك بالعمل بمقتضاها، بأن لا يعبد إلا الله، وأن لا يصرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله، فمن أشرك بالله ولو شركًا أصغر فإنه لم يحقق معنى قول: لا إله إلا الله، ومن تابع غير الرسول ﵊ مع مخالفته للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لم يحقق معنى لا إله إلا الله، ولهذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يكتفي بقول: لا إله إلا الله، حتى فيما يظن الإنسان أنه قالها غير مخلص بها، لحق أسامة بن زيد بن حارثة رجلًا مشركًا، فلما أدركه قال الرجل: لا إله إلا الله، فظن أسامة أنه قال ذلك خوفًا من القتل، فقتله، فبلغ ذلك النبي ﷺ فقال لأسامة: (أقتلته بعد أن قال: لا إله إلا الله)؟ قال يا رسول الله إنما قالها تعوذًا! فجعل يكرر الرسول ﷺ ويقول: (ما تفعل بلا إله إلا الله إذا جاءت يوم القيامة)؟ يقول: حتى تمنيت أنني لم أكن أسلمت من قبل. فلهذا نقول: لابد من النطق بها باللسان، والعمل بمقتضاها بالأركان، والاعتقاد بمعناها ومدلولها في الجنان، أي: في القلب. ***
السائل من السودان ع. أحمد يقول في هذا السؤال: ما هي شروط كلمة التوحيد لا إله إلا الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة التوحيد لا إله إلا الله أولًا لا بد أن نعرف ما معناها؟ معناها: لا معبود حقٌ إلا الله، هذا معناها، فكل ما عبد من دون الله من ملكٍ ونبيٍ ووليٍ وشجرٍ وحجر وشمسٍ وقمر فهو باطل؛ لقوله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . هذا معنى هذه الكلمة العظيمة، وهي مبنية على ركنين: نفي وإثبات، نفي الألوهية عما سوى الله، وإثباتها لله، وبهذا يتحقق التوحيد، أي: باجتماع النفي والإثبات يتحقق التوحيد، ووجه ذلك أن النفي المحض الذي لا يقترن بإثبات نفيٌ محض فهو عدم وأن الإثبات المحض الذي لا يقترن بالنفي إثباتٌ لا يمنع المشاركة، فلا يتحقق التوحيد إلا بإثبات ونفي: نفي الحكم عما سوى من أثبت له، وإثباته لمن أثبت له، وهذان الركنان هما الأصل. أما شروطها: فلا بد أن تكون صادرةً عن يقين وعلم، يقين لا شك معه، وعلمٍ لا جهل معه، ولا بد لها من شروطٍ لاستمرارها: كالعمل بمقتضاها حسب ما تقتضيه الشريعة، وأما مجرد القول باللسان بدون اعتقادٍ وإيقان فإن ذلك لا ينفع، فنشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ***
كيف يكون المسلم محققًا لشهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله قولًا وعملًا واعتقادًا بحيث يضمن لنفسه النجاة من الخلود في النار؟ وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله: أن يفهم الإنسان معناها أولًا ثم يعمل بمقتضى هذا العلم، فمعنى لا إله إلا الله: لا معبود حق إلا الله، وليس معناها لا إله موجود إلا الله، بل المعنى: لا إله حق إلا الله؛ لأن من المخلوق ما عبد من دون الله وسمي إلهًا، كما قال تعالى: (فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ لَمَّا جَاءَ أَمْرُ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (وَلا تَجْعَلْ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ) . وقال المشركون: (أَجَعَلَ الآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا) . لكن هذه الآلهة ليست حقًّا، بل هي باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ) . وإذا كان لا معبود حق إلا الله وجب على الإنسان أن يجعل العبادة كلها عقيدة وقولًا وعملًا لله تعالى وحده، وإذا كان هذا معنى لا إله إلا الله فلا يمكن أن يحققها الإنسان حتى يعمل بمقتضاها، بمعنى: أن لا يعبد إلا الله، فلا يتذلل ولا يخضع لأحد على وجه التعبد والتقرب والإنابة إلا لله ﷿، ومقتضى هذا أيضًا أن لا يعبد الله إلا بما شرع؛ لأن الله هو الإله الحق، وما سواه فهو الباطل، وعلى هذا فلا يعبد الله إلا بما شرع على أيدي الرسل عليهم الصلاة والسلام. ولا بد أيضًا لتحقيق شهادة أن لا اله إلا الله من أن يكفر بما سوى الله ﷿ من الآلهة، حتى يتحقق له الاستمساك بالعروة الوثقى قال الله تعالى: (فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى) . وقال الله تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ) . فلابد لتحقيق شهادة أن لا إله إلا الله من اجتناب الطاغوت، وهو: كل ما عبد من دون الله ﷿، أو تحكم إليه من دون الله. ***
أحسن الله إليكم هناك من يقول بأن شروط لا إله إلا الله السبعة أو الثمانية التي وضعت لا يصح أن نسميها شروطًا؛ لأن التعريف ما يلزم من عدمه العدم ولا يلزم من وجوده وجود. يقول: فبهذه الشروط تلزم كل إنسان، ومتى اختل واحد من هذه الشروط اختلت هذه الشروط وقيل بأن الأصح أن يقال: من لوازم لا إله إلا الله؛ لأن اللازم ليس مثل الشروط، فما رأيكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بين أعظم بيان ﷺ، سأله أبو هريرة ﵁: من أسعد الناس بشفاعتك يا رسول الله؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه) . فإذا قال الإنسان: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه، وقام بلوازم هذه الشهادة العظيمة فإنه مسلم، وأما من قالها غير مخلص في قلبه،كالمنافقين الذين يقولونها اتقاءً ورياءً فإنها لا تنفعه، ومن قالها ولم يلتزم ببعض الشرائع فإن قوله إياها ناقص بلا شك؛ لأن تركه بعض شرائع الإسلام يضعف توحيده، وربما ينتفي عنه التوحيد كله، حسب ما تقتضيه الأدلة الشرعية. ***
المستمع سيد عباس مصري يقول: فضيلة الشيخ هل الكبار الذين يجهلون معنى كلمة التوحيد لا إله إلا الله مسلمون؟ وماهي شروط كلمة التوحيد وواجباتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذين يقولون: لا إله إلا الله يجب أن يعرفوا معناها، وأنه لا معبود حق إلا الله، وأن كل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . وشروط قول: لا إله إلا الله: أن يقولها الإنسان بلسانه نطقًا لا بقلبه، وأن يقولها طائعًا مختارًا. ويشترط أيضًا أن يقوم بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة ومن أهم ما يقوم به الصلاة لأن من ترك الصلاة فهو كافر ولو قال لا إله إلا الله ثم إن هذة الكلمة إذا قالها الإنسان وهو يفهم معناها فإنها تستلزم أن يقوم بطاعة الله ﷿؛ لأن معنى لا إله إلا الله: لا معبود بحق إلا الله، وهذا يقتضي أن يعبد هذا الإله الحق على الوجه الذي أمر به: مخلصًا له الدين، متبعًا لخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هذه رسالة وصلت من عبد الله أحمد يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملًا فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإخلاص هي قول لا إله إلا الله. ولا يكفي أن يقولها الإنسان بلسانه؛ لأن المنافقين يقولون ذلك بألسنتهم كما قال الله تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) . ولكن لا بد من أن يكون الإنسان معتقدًا لمعناها في قلبه، مؤمنًا بها، قائمًاَ بما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة، وهو: التعبد لله وحده لا شريك له، بحيث لا يشرك معه في عبادته ملكًا مقربًا، ولا نبيًا مرسلًا، ولا سلطانًا حاكمًا، ولا غير ذلك من مخلوقات الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ولهذا جاءت الشريعة الإسلامية بالتكفير في أمور تقع ممن قال: لا إله إلا الله، مثل كفر تارك الصلاة، فإن من ترك الصلاة كسلًا وتهاونًا يكفر، كما دل على ذلك الكتاب والسنة وكلام الصحابة ﵃، والمعنى الصحيح بل والنظر الصحيح. وهذه مناسبة لما وعدنا به سابقًا من أننا سنتكلم بإسهاب عن حكم تارك الصلاة، حيث بينا فيما سبق أن كفر تارك الصلاة تهاونًا وكسلًا هومقتضى دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح، وأن ما خالف ذلك لا يخلو من واحد من أمور خمسة: إما ألا يكون فيه دلالة أصلًا، وإما أن يكون وقع من قوم معذورين بجهلهم، وإما أن يكون مقيدًا بقيد يمتنع معه أن يترك الصلاة، وإما أن يكون ضعيفًا، وإما أن يكون عامًا لكنه مخصوص بأدلة تكفير تارك الصلاة. وبينا أيضًا فيما سبق بأن المراد بترك الصلاة تركها بالكلية، وأما من كان يصلى ويخلي، أي: إنه يصلى أحيانًا ويدع أحيانًا فإنه لا يكفر. نحن الآن نسوق ما تيسر لنا من الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة: فمن ذلك قوله ﵎ عن المشركين: (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ) . فإن هذه الآية الكريمة شرطت لثبوت الأخوة في الدين من المشركين ثلاثة شروط: الشرط الأول: أن يتوبوا من الشرك، والشرط الثاني: أن يقيموا الصلاة، والشرط الثالث: أن يؤتوا الزكاة. ومن المعلوم أن ما رُتب على شرط فإنه يتخلف بتخلف هذا الشرط، فإذا لم يتوبوا ولم يقيموا الصلاة ولم يؤتوا الزكاة فليسوا إخوانًا لنا في الدين، ولا تنتفي الأخوة الدينية إلا بكفر مخرج عن الإيمان، أما مجرد المعاصي- وإن عظمت، إذا لم تصل إلى حد الكفر- فإنها لا تخرج الإنسان من الإيمان، ودليل ذلك- أي: دليل أن المعاصي لا تخرج من الإيمان وإن عظمت- قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ) . فجعل الله القاتل والمقتول أخوين، مع أن القاتل أتى ذنبًا عظيمًا، توعد الله عليه بوعيد شديد في قوله: (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) . وقال الله ﷿: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فأثبت الله الأخوة بين الطائفتين المقتتلتين وبين الطائفة المصلحة بينهما، مع أن قتال المؤمن من أعظم الذنوب. فإذا تبين أن الأخوة الإيمانية لا تنتفي بكبائر الذنوب التي دون الكفر، فإن انتفاءها يدل على أن من حصل منه ما يوجب هذا الانتفاء، دليل على أنه كافر. فإن قال قائل: ما تقولون فيمن تاب من الشرك وأقام الصلاة ولم يؤت الزكاة؟ أتكفرونه كما تقتضيه الآية أم لا تكفرونه؟ قلنا لا نكفره؛ لأن لدينا منطوقًا يدل على أنه ليس بكافر، والمنطوق عند العلماء مقدم على المفهوم، هذا المنطوق ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، فأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله: إما إلى الجنة، وإما إلى النار) . فإن هذا الحديث يدل على أن من لم يؤد الزكاة لا يكفر؛ لأن قوله: (ثم يرى سبيله: إما إلى النار أو الجنة) دليل على أنه قد يدخل الجنة، ولا يمكن أن يدخل الجنة مع كفره، وعلى هذا فيبقى القيد في التوبة من الشرك وإقام الصلاة قيدًا معتبرًا لا معارض له، بخلاف قوله: (وآتوا الزكاة)، فإن مفهومه عورض بمنطوق الحديث الذي ذكرت، فحينئذٍ لا يكون ترك الزكاة والبخل بها مكفرًا مخرجًا عن الإسلام، على أن من العلماء من قال: إن تارك الزكاة الذي لا يؤديها كافر، وهو رواية عن الإمام أحمد بن حنبل، ولكن الذي تقتضيه الأدلة أنه لا يكفر، ونحن بحول الله لا نعدو ما دلت الأدلة عليه سلبًا ولا إيجابا. ً وأما دلالة السنة على كفر تارك الصلاة: ففيما رواه مسلم عن جابر ﵁ أن النبي ﷺ قال: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فجعل ترك الصلاة هو الحد الفاصل بين الكفر وبين الإيمان، أو بين الشرك وبين الإيمان ومن المعلوم أن الحد فاصل بين محدودين لا يدخل أحدهما في الآخر، ويدل لهذا أن لفظ الحديث: (بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة) . فقال: (والكفر) . ولم يقل ﷺ: ترك الصلاة كفر، حتى يمكن أن يحمل على كفر دون كفر، ولكنه عرفه بأل، الدالة على حقيقة الكفر، وقد أشار إلى هذا الفرق شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ في كتابه اقتضاء الصراط المستقيم. أما الحديث الثاني فهو ما رواه أهل السنن عن بريدة بن الحصيب ﵁ أن النبي ﷺ قال: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر) . فجعل النبي ﷺ الحد الفاصل بين المسلمين والكفار هو الصلاة، ومن المعلوم أن الحد يخرج كل محدود عن دخوله في الآخر. أما كلام الصحابة ﵃: فقد حكى إجماعهم على كفر تارك الصلاة عبد الله بن شقيق ﵀، وهو تابعي مشهور قال: (كان أصحاب رسول الله ﷺ لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . وقد حكى إجماع الصحابة على كفر تارك الصلاة إسحاق بن راهويه الإمام المشهور، وحكاه غيره أيضًا. وأما النظر الصحيح الذي يقتضي أن تارك الصلاة كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة: فإنه لا يمكن لمؤمن- بل لا يمكن لمن في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل من إيمان- أن يعلم شأن الصلاة وعظمها ومنزلتها عند الله ﷿ ثم يحافظ على تركها، هذا من المحال أن يكون في قلبه شيء من الإيمان، وعلى هذا نقول: إن من كان في قلبه أدنى مثقال حبة من خردل إيمان لا يمكن أن يترك الصلاة تركًا مطلقًا وهو يعلم ما لها من المنزلة العظيمة في دين الإسلام. وأما الأدلة التي استدل بها من قال: إنه لا يكفر، فقد أشرنا إلى أنها لا تخلو من واحد من خمسة أمور، كما صدرنا ذلك في كلامنا هذا. وإذا تبين قيام الدليل السالم عن المعارض المقاوم فإنه يجب الأخذ بمقتضاه، وإننا حين نحكم بالكفر على من دلت الأدلة على كفره لم نتجاوز ولم نتعد؛ لأن الحكم بالتكفير أو عدم التكفير إلى الله ﷿، كما أن الحكم بالتحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب إلى الله ﷿، ولا لوم على الإنسان إذا أخذ بما تقتضيه الأدلة من أي حكم من الأحكام، وعلى كل مؤمن أن يأخذ بما تقتضيه الأدلة من أي وصف كان، ولأي موصوف كان، وألا يجعل النزاع سببًا موجبًا للتخلي عن مدلول الكتاب والسنة وغيرهما من الأدلة؛ لقول الله تعالى: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) . وقال تعالى: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فإن قال قائل: إذا قلت بتكفير تارك الصلاة حصل في ذلك ارتباك وتشويش وتكفير لكثير من الناس؟ فالجواب عن ذلك أن نقول: إننا إذا قلنا بمقتضى الأدلة الشرعية فإنه لن يكون من جراء ذلك إلا ما فيه الخير والصلاح؛ لأن الناس إذا علموا أن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة وردَّة كبرى، فإنهم لن يتجرؤوا على ترك الصلاة، بل سيكون ذلك حافزًا لهم على القيام بها على الوجه المطلوب منهم، ولكننا إذا قلنا: إنه ليس بكفر وإنما هو فسق، فإنهم يتهاونون بها أكثر مما قلنا لهم ذلك: إنه كفر، ونحن لا نقول: إنه كفر، من أجل أن نحث الناس على فعل الصلاة، ولكننا نقول: إنه كفر، من أجل دلالة الكتاب والسنة وأقوال الصحابة على ذلك. وأما قول هذا القائل الذي يقول: إنك إذا حكمت بكفر تارك الصلاة فإنك بهذا توقع الإرباك والتذبذب، وتخرج كثيرًا من الناس عن الملة الإسلامية، أقول: ما قول هذا القائل إلا كقول من قال: إنك إذا قطعت يد السارق أصبح نصف الشعب مقطوعًا؛ لأننا نقول لهذا: إنك إذا قطعت يد السارق فسيقل السراق قلة كبيرة؛ لأن السارق إذا علم أن يده ستقطع فإنه لن يقدم على السرقة، وما مثل هذا وهذا إلا كمثل من يقول: إنك إذا قتلت القاتل المستحق للقتل قصاصًا فإنك تضيف إلى قتل الأول قتل رجل آخر، وهذا يضاعف عدد المقتولين، فإننا نقول: إن هذه القولة قولة باطلة، أبطلها الله في قوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) . فإن القاتل إذا علم أنه إذا قتل عمدًا سيقتل لن يقدم على القتل، فحينئذٍ يقل القتل عمدًا وعدوانًا. والمهم كل المهم أنه يجب على الإنسان العالم المتقي لله ﷿ أن يكون متمشيًا مع الدليل حيث ما كان إيجابًا وسلبًا، وإصلاح الحال على الرب ﷿ الذي شرع هذا الذي أقدم عليه المفتي والحاكم، والله ﷿ لم يشرع لعباده إلا ما فيه صلاحهم وسعادتهم وفلاحهم في الدنيا والآخرة، لا يمكن أبدًا أن يشرع لعباده ما فيه مفسدة راجحة على مصلحة، كما قال الله تعالى: (يَسْأَلونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) . وأنت إذا حكمت الناس بمقتضى شريعة الله لا بمقتضى واقعهم فإن الواقع سوف يتغير، حتى يتحول إلى مراد الله ﷿ في عباده فيما شرعه لهم. فضيلة الشيخ: يقول: في كلمة الإخلاص شروط وأركان، فإذا لم يأت بها المسلم كاملةً فهل يكون قد أدى حقيقتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قلنا: إنه لا يؤدي حقيقتها إذا لم يأت بشروطها ومقتضياتها اللازمة، فإنه ليس المراد من كلمة الإخلاص وهي لا إله إلا الله أن يقولها بلسانه، بل لا بد أن يقولها بلسانه معتقدًا مدلولها بقلبه، قائمًا بما تقتضيه من واجبات وشروط وأركان. ***
السائل أحمد صالح يقول: هل من قال: لا إله إلا الله، بدون أن يعمل أي عمل يدخل الجنة؟ أي: قالها بلسانه؛ لأنه يوجد حديث فيما معناه يقول: (وعزتي وجلالي لأُخْرِجَنَّ من النار كل من قال: لا إله إلا الله) . والله أعلم، ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة لا إله إلا الله كلمة عظيمة، لو وزنت بها السماوات والأرض لرجحت بهن. ومعناها: لا معبود حق إلا الله، فكل ما يعبد من دون الله فهو باطل؛ لقول الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ) . والعبادة لا تختص بالركوع أو السجود، يعني: أن الإنسان قد يعبد غير الله دون أن يركع له ويسجد، ولكن يقدم محبته على محبة الله، وتعظيمه على تعظيم الله، ويكون قوله أعظم في قلبه من قول الله، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميلة، تعس عبد الخميصة، إن أعطي رضي وإن لم يعطَ سخط، تعس وانتكس، وإذا شيك فلا انتقش) . فَجَعَلَ للدينار عبدًا، وللدرهم عبدًا، وللخميلة عبدًا، وللخميصة عبدًا، الخميلة: الفراش، والخميصة: الكساء، مع أن هؤلاء لا يعبدون الدرهم والدينار، لا يركعون له ولا يسجدون له، لكنهم يعظمونه أكثر من تعظيم الله ﷿، وإلى هذا يشير قوله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَنْدَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) . فهذه الكلمة كلمة عظيمة، فيها البراءة من كل شرك، وإخلاص الألوهية والعبادة لله ﷿، فلو قالها بلسانه وقلبه فهو الذي قالها حقًا، ولهذا قال أبو هريرة: يا رسول الله من أسعد الناس بشفاعتك؟ قال: (من قال: لا إله إلا الله خالصًا من قلبه) . وقال في حديث عتبان بن مالك- أعني: النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، قال-: (إن الله حرم على النار من قال: لا إله إلا الله، يبتغي بذلك وجه الله)، فلا بد من الإخلاص. وأمَّا مَنْ قالها بلسانه دون أن يوقن بها قلبه فإنها لا تنفعه؛ لأن المنافقين يذكرون الله ويقولون: لا إله إلا الله، كما قال تعالى: (وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاؤُونَ النَّاسَ وَلا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا) . ويشهدون للنبي ﷺ بالرسالة، كما قال تعالى: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ) . فلن تنفعهم شهادة أن لا إله إلا الله ولا شهادة أن محمدًا رسول الله؛ لأنهم لم يقولوا ذلك عن قلب وإخلاص. فمن قال هذه الكلمة دون إخلاص فإنها لا تنفعه، ولا تزيده من الله تعالى إلا بعدًا. فنسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين الإيقان بها والعمل بمقتضاها، إنه على كل شيء قدير. ***
هذا المستمع سيد محمد من جمهورية مصر العربية يقول: يوجد بعض الرجال يقولون لنا: قولوا: لا إله إلا الله تدخل الجنة، فإن رسول الله ﷺ يقول: من قال: لا إله إلا الله دخل الجنة، قولًا بلا عمل فقط، فهل هم على صواب؟ أفيدونا وانصحونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليسوا على صواب، فإن المراد بقول: لا إله إلا الله، أن يقولها الإنسان بلسانه، معتقدًا مدلولها بقلبه، عاملًا بمقتضاها. ولهذا لو قال الإنسان: لا إله إلا الله، وجحد ولو حرفًا واحدًا من القرآن كان كافرًا، ولم تنفعه لا إله إلا الله. ومن قال: لا إله إلا الله، وترك الصلاة مثلًا كان كافرًا، ولم تنفعه لا إله إلا الله، لكن من قال: لا إله إلا الله، وكانت آخر كلامه، فإنه سيقولها مخلصًا لله بها وهو في هذه الحال، لا يستطيع أن يعمل أكثر من ذلك فتكون مدخلة له الجنة. ***
الذي ينطق بالشهادة قبل موته هل يدخل في قول الرسول ﷺ: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال: لا إله إلا الله، عند موته موقنًا بها قلبه فإنه يدخل في الحديث، ولكن ليعلم أن النصوص العامة فيما يدخل الجنة أو يدخل النار لا تطبق على شخصٍ بعينه إلا بدليل، فمثلًا: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . إذا علمنا أن هذا الرجل كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله فنحن نقول: يرجى أن يكون من أهل الجنة، فالمعين لا تجزم له وإنما قل: يرجى إذا كان في خير، أو يخشى إذا كان في شر؛ لأنه يفرق بين العموم والخصوص، نحن نشهد ونعلم ونوقن بأن كل مؤمنٍ في الجنة، فهل نشهد لكل مؤمن بعينه أنه في الجنة؟ فالجواب: لا، لكننا إذا علمنا أنه مؤمن نرجو له أن يكون داخلًا في الجنة، نؤمن بأن الله تعالى يحب المؤمنين ويحب المحسنين، فلو رأينا رجلًا يحسن ورأينا رجلًا مؤمنًا يقوم بالواجبات ويترك المحرمات فهل نشهد أن الله يحبه؟ فالجواب: لا؛ لأن التعيين غير التعميم، ولكن نقول: نشهد لكل مؤمن أن الله يحبه، ونرجو أن يكون هذا الرجل بعينه ممن يحبه الله ﷿. وقد أشار البخاري ﵀ في صحيحه إلى نحو هذا فقال: (بابٌ: لا يقال فلان شهيد) . وإن كان قتل في سبيل الله فلا تقل: إنه شهيد، واستدل لذلك بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من مكلومٍ يكلم في سبيل الله- والله أعلم بمن يكلم في سبيله- إلا إذا كان يوم القيامة جاء وجرحه يثعب دمًا، اللون لون الدم، والريح ريح المسك) . فقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله أعلم بمن يكلم في سبيله) إشارة إلى أنك لا تشهد للشخص المعين، بل قل: الله أعلم. وخطب أمير المؤمنين عمر ﵁ فقال: إنكم تقولون: فلان شهيد فلان شهيد، وما أدراك لعله فعل كذا وكذا؟ ولكن قولوا: من مات في سبيل الله أو قتل فهو شهيد، ففرق ﵁ بين التعيين والتعميم. ***
ع. أ. ك.، يقول: أخبركم أني قرأت في كتاب رياض الصالحين عن الإمام المحدث الحافظ محيي الدين أبي زكريا بن شرف النووي أحاديث كثيرة، ومنها يقول: قال رسول الله ﷺ: (من قال في آخر حياته- يعني: عند موته، من قال-: لا إله إلا الله دخل الجنة) . (ومن مات له ثلاثة أولاد أو أقل قبل البلوغ دخل الجنة) . (ومن كان له أربع بنات ورباهن على تربية الإسلام دخل الجنة) . (ومن مات له ولد في السن الصغير وقال: الحمد لله عند موته بني له بيت في الجنة) . وقال رسول الله ﷺ: (من صام يومًا في سبيل الله إلا أبعد الله وجهه عن النار سبعين خريفًا)، وقال رسول الله ﷺ في باب يقال له: باب الريان: (يدخل منه الصائمون) . فإذا كان ذلك من الأحاديث الصحيحة، فما بال آكل الربا والزاني والقاتل والسارق والكذاب؟ أفتوني بهذه المسألة؛ لأنني في حيرة جزاكم الله عني خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم، وهو موضع إشكال كما ذكره الأخ الكاتب؛ لأن ما ذكره من الأحاديث التي ترتب دخول الجنة على هذه الأعمال يعارضها أحاديث كثيرة تدل على دخول النار لمن عمل أعمالًا أخرى، مع قيام صاحبها بهذه الأعمال الموجبة لدخول الجنة، فجوابنا على هذا وأمثاله من الأحاديث، بل من النصوص، سواء من القرآن أو من السنة أن يقال: إن ذكر بعض الأعمال التي تكون سببًا لدخول الجنة ما هو إلا ذكر للسبب، وكذلك ذكر بعض الأحاديث التي ذكر فيها أن بعض الأعمال سبب لدخول النار ما هو إلا ذكر للسبب فقط، ومن المعلوم أن الأحكام لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها وانتفاء موانعها، فهذه الأعمال المذكورة هي سبب لدخول الجنة، لكن هذا السبب قد يكون له موانع، فمثلًا: (من كان آخر كلامه من الدنيا لا إله إلا الله دخل الجنة) . هذا إذا قالها على سبيل اليقين والصدق، فإذا قالها على سبيل النفاق- وهو بعيد أن يقولها على سبيل النفاق في هذه الحال- فإنها لا تنفعه،وهكذا: (من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم كانوا سترًا له من النار) . هذا سبب من الأسباب، من أسباب وقاية النار، لكن قد يكون هناك موانع تمنع نفوذ هذا السبب، وهي الأعمال التي تكون سببًا لدخول النار، وإن هذه الموانع وتلك الأسباب تتعارضان، ويكون الحكم لأقواهما، فالقاعدة إذًا أن ما ذكر من الأعمال مرتبًا عليه دخول الجنة ليس على إطلاقه، بل هو مقيد بالنصوص الأخرى التي تفيد أن هذا لابد له من انتفاء الموانع، فلنضرب مثلًا أن رجلًا من الناس كافر ومات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحلم وصبر، فهل نقول: إن هذا الكافر يدخل الجنة ولا يدخل النار؟ فالجواب لا، كذلك أيضًا في آكل الربا، وكذلك في آكل مال اليتيم، وكذلك في قتل النفس وغيرها، مما وردت فيه العقوبة بالنار، هذا أيضًا مقيد بما إذا لم يوجد أسباب أو موانع قوية تمنع من نفوذ هذا الوعيد، فإذا وجدت موانع تمنع من نفوذ هذا الوعيد فإنها تمنع منه؛ لأن القاعدة كما أسلفنا هي: أن الأمور لا تتم إلا بتوفر أسبابها وشروطها، وانتفاء موانعها. ***
العبادة
السائلة ن ع من جمهورية مصر العربية وتقيم الآن في المملكة تقول هذه السائلة بأنه كانت لي أمنية أرجو أن تتحقق من الله ﷿، وقد نذرت لها العديد من النذور لتتحقق، وكنت أذهب إلى مساجد أولياء الله الصالحين وأنذر هناك، كذلك وبعد تحقق هذه الأمنية قمت بالوفاء بما أتذكر من هذه النذور، ولكن كان هناك العديد من النذور نسيتها نظرًا لطول المدة على هذه النذور، فأرجو من فضيلتكم توضيح هل تسقط هذه النذور التي نسيتها أم ماذا أفعل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في الجواب على هذا السؤال المهم: أولا: ً كونها تنذر لله ﷿ ليحصل مقصودها هذا خطأ عظيم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . فليس النذر هو الذي يجلب الخير للإنسان، ولا النذر هو الذي يدفع الشر، إذا قضى الله قضاءً فلا مرد له لا بالنذر ولا غيره، ولهذا جاء في حديث آخر: (أن النذر لا يرد القضاء) . فإن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، فلا يظن الظان إذا نذر شيئًا وحصل مقصوده أن هذا من أجل النذر؛ لأن النذر مكروه منهي عنه، والمكروه لا يكون وسيلة إلى الله ﷿، وكيف تتوسل إلى الله بما نهى عنه رسول الله؟ هذا فيه مضادة؟ إنما يتوسل الإنسان إلى الله بما يحب- أي: بما يحبه الله ﷿ حتى يحصل للمتوسل ما يحب. ثانيًا: كونها تذهب إلى مساجد الأولياء والصالحين، أفهم من هذا أن هناك مساجد مبنية على قبور الأولياء والصالحين، وهذه المساجد التي تبنى على قبور الأولياء والصالحين ليست مكان عبادة ولا قربة، والصلاة فيها لا تصح، ويجب أن تهدم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن البناء على القبور وقال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . والواجب على ولاة الأمور في البلاد التي فيها مساجد مبنية على القبور، الواجب أن يهدموها إذا كانوا ناصحين لله ورسوله وكتابه والمسلمين، أما إذا كانت المساجد سابقة على القبور ودفن الميت في المسجد؛ فإن الواجب نبشه؛ لأن المسجد لم يبنَ على أنه مقبرة، بني للصلاة والذكر وقراءة القرآن، فالواجب نبش هذا القبر، وإخراج الميت منه، ودفنه مع الناس، ولا يجوز إقرار القبر في المسجد. فإن قال قائل: كيف تقول هذا وقبر النبي ﷺ في مسجده؟ الآن المسجد محيط به من كل جانب ومازال المسلمون يشاهدون هذا؟ فالجواب: أن هذه الأمة لا تجتمع على ضلالة، وقبر النبي ﵊ لم يبن عليه المسجد، ولم يدفن الرسول في المسجد، فالنبي ﷺ لم يدفن في المسجد، والمسجد لم يبن على قبره، المسجد كان قديمًا بناه الرسول ﵊ من حين قدم المدينة مهاجرًا، والنبي ﷺ لم يقبر فيه، وإنما قبر في بيته في حجرة عائشة ﵂، ثم لما احتاج المسلمون إلى توسعة المسجد وسعوه، فدخلت فيه بيوت أزواج النبي ﷺ، وكان من جملتها بيت عائشة، لكنه بيت مستقل، لم ينو المسلمون حين وسعوا المسجد أن يكون من المسجد، فهو حجرة في مسجد، قائمة قبل بناء المسجد-أعني: الزيادة في المسجد-ثم إنه زيد فيه أن طوق بثلاثة جدران، فهو بناء مستقل سابق على هذه الزيادة، وحين زادوها كانوا يعتقدون أن هذا بناء منفصل عن المسجد متميز بجدرانه، فليس مثل الذي يؤتى بالميت ويدفن في جانب المسجد، أو يبنى المسجد على القبر، وحينئذٍ لا حجة فيه لأصحاب المساجد التي بنيت على القبور أو التي قبر فيها الأموات إطلاقًا، وما الاحتجاج بهذا إلا شبهة يلقيها أهل الأهواء على البسطاء من الناس؛ ليتخذوا منها وسيلة إلى تبرير مواقفهم في المساجد المبنية على قبورهم، وما أكثر الأمور المتشابهات-بل التي يجعلها ملبسوها متشابهات-من أجل أن يضلوا بها عباد الله، هاتان مسألتان مهمتان في الجواب على هذا السؤال. أما المسألة الثالثة، وهي: أنها لا تعلم أن النذور التي نذرت قد وفت بها جميعا، فلا يجب عليها إلا ما علمته؛ لأن الأصل براءة الذمة، فما علمته من النذور وجب عليها الوفاء به، وما لم تعلمه فإنه لا يجب عليها؛ لأن الأصل براءة الذمة إلا بيقين. ولكنني أكرر النهي عن النذر، سواء كان نذرًا مطلقًا أو معلقًا بشرط، أكرر ذلك لأن النبي ﷺ نهى عن النذر وقال: (إنه لا يأتي بخير) . هكذا كلام الرسول ﵊: لا يأتي بخير، لا يرد قضاءً، ولا يرفع بلاءً، وإنما يكلف الإنسان، ويلزمه ما ليس بلازم له، وما هو بعافية منه، سواء كان هذا النذر معلقًا بشرط، مثل أن يقول: إن شفى الله مريضي فلله علي كذا وكذا، أو غير معلق مثل أن يقول: لله علي نذر أن أصوم من كل شهر عشرة أيام مثلًا، فالبعد البعد عن النذر، نسأل الله السلامة. ***
هذه سائلة من الدمام تقول: فضيلة الشيخ كيف يكون المؤمن بين الرجاء والخوف؟ وإذا كان عند الإنسان خوف كثير، وأنا أعلم بأن فضل الله ﷿ على عباده كبير، وأن رحمته سبقت غضبه، فأنا دائمًا خائفة جدًّا لتقصيري، وأسأل الله ﷿ أن يمن علينا وعليكم بعفوه وفضله، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يجب أن يسير إلى الله ﵎ بين الخوف والرجاء كجناحي طائر، قال الإمام أحمد ﵀: ينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا، فأيهما غلب هلك صاحبه. فالإنسان إذا رأى ذنوبه وما حصل منه من التقصير في حقوق الله ﷿ وحقوق العباد خاف، وإذا تأمل فضل الله تعالى وسعة رحمته وعفوه طمع ورجع، وعليه فينبغي أن يكون خوفه ورجاؤه واحدًا؛ لأنه إن غلب عليه الرجاء يخشى عليه من الأمن من مكر الله، وإن غلب عليه الخوف خشي عليه أن يقنط من رحمة الله، وكلاهما محظور، وقد قال الله تعالى عن أوليائه وأنبيائه: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ) . ومن العلماء من قال: إن فعل الطاعات فليغلب جانب الرجاء والقبول، وأن الله تعالى لا يضيع أجر من أحسن عملًا؛ وإن فعل المحرمات غلب الخوف، وخاف أن تناله سيئاته بعقوبات حاضرة ومستقبلة. وقال آخرون من أهل العلم: ينبغي في حال الصحة أن يغلب جانب الخوف؛ ليحمله ذلك على فعل الواجبات وترك المحرمات، وفي حال المرض المدنف الذي يخشى أن يلاقي ربه به يغلب جانب الرجاء، من أجل أن يموت وهو يحسن الظن بالله ﷿. وعلى كل حال يجب على الإنسان أن لا يستولي عليه الخوف حتى يقنط من رحمة الله، أو الرجاء حتى يأمن من مكر الله، وليكن سائرًا إلى ربه بين هذا وهذا. ***
السائلة ن ع غ تقول: اشرحوا لنا حسن الظن بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسن الظن بالله أن الإنسان إذا عمل عملًا صالحًا يحسن الظن بربه أنه سيقبل منه، إذا دعا الله ﷿ يحسن الظن بالله أنه سيقبل منه دعاءه ويستجيب له إذا أذنب ذنبًا ثم تاب إلى الله ورجع من ذلك الذنب يحسن الظن بالله أنه سيقبل توبته، إذا أجرى الله تعالى في الكون مصائب يحسن الظن بالله، وأنه جل وعلا إنما أحدث هذه المصائب لحكم عظيمة بالغة، يحسن الظن بالله في كل ما يقدره الله ﷿ في هذا الكون، وفي كل ما شرعه الله تعالى على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه خير ومصلحة للخلق، وإن كان بعض الناس لا يدرك هذه المصلحة، ولا يدرك تلك الحكمة مما شرع، ولكن علينا جميعًا التسليم بقضاء الله تعالى شرعًا وقدرًا، وأن نحسن به الظن؛ لأنه ﷾ أهل الثناء والمجد. ***
بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما حقيقة التوكل على الله؟ أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة التوكل على الله ﷿ تفويض أمرك إلى الله، كما قال الله تعالى عن مؤمن آل فرعون: (فَسَتَذْكُرُونَ مَا أَقُولُ لَكُمْ وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) . أن يفوض الإنسان أمره إلى الله، ويصدق في الاعتماد عليه في جلب المنافع ودفع المضار، ويثق في الله ﷿ وبوعده، ويفعل الأسباب الشرعية والحسية التي أمر الله بها، هذا هو التوكل. وأنت إذا اعتمدت على ربك على هذا الوصف فإن الله تعالى حسبك وكافيك؛ لقول الله تعالى: (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) . ونحن نقر بذلك-أي: بالتوكل على الله، أو بما يتضمنه- في كل صلاة، نحن نقول في كل صلاة: (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) . والاستعانة تستلزم تفويض الأمر إلى الله ﷿، وأنه ليس لنا حول ولا قوة ولا قدرة على العبادة إلا بمعونة الله، ولكن لا بد من فعل الأسباب الموصلة إلى المقصود، شرعيةً كانت أم حسية. فمن قال: أنا أعتمد على الله وأتوكل عليه في حصول الولد، ولم يتزوج كان كاذبًا في توكله، لا بد أن يتزوج، والزواج هو الوسيلة الشرعية لحصول الولد. ومن قال: أنا أعتمد على الله، وألقى نفسه في النار، أو ألقى نفسه في اليم وهو لا يعرف السباحة، نقول: أنت كاذب، لا بد أن تفعل الأسباب الواقية من النار أو من الغرق. ولهذا كان سيد المتوكلين محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كان يأخذ بالأسباب الحسية مع صدق توكله على الله، فكان ﵊ في الحرب يلبس الدرع، والدرع عبارة عن درع من حديد يقي السهام والحراب، وربما لبس درعين زيادةً في الوقاية، كما فعل ذلك يوم أحد. فلا بد من فعل الأسباب النافعة، شرعية كانت أم قدرية حسية، من أجل أن يحصل لك المقصود في اعتمادك على الله ﷿. ***
كيف يكون الإنسان متوكلًا على الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الإنسان متوكلًا على الله بأن يصدق الاعتماد على ربه ﷿، حيث يعلم أنه ﷾ هو الذي بيده الخير، وهو الذي يدبر الأمور، ولقد قال النبي ﷺ لعبد الله بن عباس: (يا غلام! إني أعلمك كلمات: احفظ الله يحفظك، احفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله. واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . فبهذه العقيدة يكون الإنسان معتمدًا على ربه جل وعلا، لا يلتفت إلى من سواه. ولكن حقيقة التوكل لا تنافي فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا، بل إن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى سببًا، هو من تمام التوكل، سواء كانت شرعية أم حسية ومن تمام الإيمان بحكمة الله ﷿؛ لأن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا. وهذا النبي ﷺ وهو سيد المتوكلين- كان يلبس الدروع في الحرب، ويتوقى البرد، ويأكل ويشرب لإبقاء حياته ونمو جسمه، وفي أحد ظاهر بين درعين- أي: لبس درعين- فهؤلاء الذين يزعمون أن حقيقة التوكل بترك الأسباب والاعتماد على الله ﷿ هم في الواقع مخطئون، فإن الذي أمر بالتوكل عليه له الحكمة البالغة في تقديره وفي شرعه، قد جعل للأمور سببًا تحصل به، ولهذا لو قال قائل: أنا سأتوكل على الله تعالى في حصول الرزق، وسأبقى في بيتي لا أبحث عن الرزق. قلنا إن هذا ليس بصحيح، وليس توكلًا حقيقيًّا، فإن الذي أمرك بالتوكل عليه هو الذي قال: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ولو قال قائل: أنا سأتوكل في حصول الولد أو في حصول الزوجة، ولم يشرع في طلب الزوجة وخطبتها، لعده الناس سفيهًا، ولكان فعله هذا منافيًا لما تقتضيه حكمة الله ﷿. ولو أن أحدًا أكل السم وقال: إني أتوكل على الله تعالى في أن لا يضرني هذا السم، لكان هذا غير متوكل حقيقة؛ لأن الذي أمرنا بالتوكل عليه ﷾ هو الذي قال لنا: (وَلا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) . والمهم أن فعل الأسباب التي جعلها الله تعالى أسبابًا لا ينافي كمال التوكل، بل هو من كماله، وأن التعرض للمهلكات لا يعد هذا من توكل الإنسان على الله، بل هو خلاف ما أمر الله ﷿ به. ***
هذا سؤال بعث به كل من الأخ سليمان ومحمد من حضرموت قال أهل العلم: إن الدعاء ينقسم إلى قسمين: دعاء عبادة ودعاء مسألة، ماذا يقصد بكل منهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد العلماء ﵏ بتقسيم الدعاء إلى قسمين: دعاء مسألة ودعاء عبادة، ما ذكره الله تعالى في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فدعاء المسألة: أن تسأل الله تعالى حاجاتك، بأن تقول: رب اغفر لي وارحمني وارزقني وعافني واجبرني وما أشبه ذلك. ودعاء العبادة: أن تتعبد لله ﵎ بما شرع، تصلى وتزكي وتصوم وتحج وتفعل الخير؛ لأن هذا الذي يتعبد لله ما قصد إلا رضوان الله وثوابه، فهو داع لله تعالى بلسان الحال له لا بلسان المقال. على أن بعض هذه العبادات التي يتعبد بها تتضمن دعاء المسألة، كالصلاة مثلًا، ففي الصلاة يقول المصلى: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) وهذا دعاء مسألة. ويقول: رب اغفر لي وهذا دعاء مسألة، ويقول: السلام عليك أيها النبي، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، أعوذ بالله من عذاب جهنم، وهذا كله دعاء مسألة. فالفرق بينهما إذًا: أن دعاء المسألة أن يسأل الله تعالى شيئًا مباشرة، سواء سأله حصول مطلوب أو سأله النجاة من مرهوب. ودعاء العبادة أن يتعبد لله تعالى بما شرع، رجاء ثوابه جل وعلا، وخوفًا من عقابه، هذا هو معنى تقسيم أهل العلم ﵏. وقد علمنا أن الدعاء نفسه عبادة، كما تدل عليه الآية التي تلوتها، وهي قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولم يقل: عن دعائي، وهذا يدل على أن الدعاء عبادة. وقال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . ودعاء الله تعالى بأسمائه الحسنى يتضمن سؤاله بها، مثل: يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، ويتضمن التعبد لله تعالى بمقتضاه: فإذا علمنا أنه غفور عملنا ما يكون سببًا للمغفرة، علمنا أنه رحيم عملنا ما يكون سببًا للرحمة، وإذا علمنا أنه رزاق عملنا ما يكون سببًا للرزق، وهلم جرًّا. ***
هل من دعوة الأمة إلى سؤال الله ﷿ والتعلق به دون التعلق بغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وسنقول لإخواننا: إن الذي يجب أن يوجه إليه الدعاء وأن توجه إليه الاستعاذة هو الله ﷿، وهو المعين، وهو المجيب، وهو الذي بيده ملكوت كل شيء، قال الله ﵎: (قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. سَيَقُولُونَ لِلَّهِ) وفي قراءة: (سَيَقُولُونَ اللهُ) . وقال تبارك تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالدعاء لله وحده، والاستعاذة بالله وحده، والملك لله وحده، فهو أهل الدعاء، وأهل الاستعاذة، وهو أهل الفضل والإحسان. ***
يقول: مجموعة من الناس طلبوا مني أن أشتري لهم من الأماكن المقدسة حاجات، مثل سجادة وكفن وحناء ومصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما السجادات: فإن كانوا أوصوك بها لأن السجادات تتوفر في ذلك المكان أكثر من غيره، وقد تكون أرخص، فلا حرج؛ وأما إذا كان الاعتقاد أن السجادات التي تُشترى من هناك لها مزية على غيرها في الفضل، فليس بصحيح، ولا تشترِيها لهم بناءً على هذا الاعتقاد. وأما الكفن أيضًا: فإنه ليس بمشروع أن يشتري الإنسان كفنه من تلك المواضع، ولا أن يغسله بماء زمزم؛ لأن ذلك ليس واردًا عن النبي ﵊ ولا عن أصحابه، وإنما يتبرك بالكفن فيما ورد به النص، وهو ما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ أنه أهديت إليه جبة، فسأله إياها رجل من الصحابة، فلاذ الناس به وقالوا: كيف تسأل النبي ﷺ ذلك، وقد علمت أنه لا يرد سائلًا؟ فقال: إني أريد أن تكون كفني، فصارت كفنه، وكذلك أيضًا طلب عبد الله بن عبد الله بن أبي من النبي ﷺ أن يكفن أباه عبد الله بن أبي بقميص الرسول ﵊ ففعل، فهذه الأكفان التي كانت من لباس الرسول ﵊ لا بأس أن يتبرك بها الإنسان، وأما كونها من مكة أو من المدينة فهذا لا أصل للتبرك به. ***
بعض المشايخ يعالجون المرضى بالآيات القرآنية، ما مدى صحة هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الله تعالى جعل هذا القرآن شفاءً لما في الصدور، وشفاء لما في الأجسام أيضًا: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدىً وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وقد قال الرسول ﵊ كما في حديث أبي سعيد: أنهم قرؤوا على لديغ سورة الفاتحة، قرؤوها عليه سبع مرات، فقام كأنما نشط من عقال، فقال النبي ﵊ لما رجعوا إليه وأخبروه، قال-: (ما يدريك أنها رقية)؟ فأثبت النبي ﵊ أن الفاتحة رقية؛ لأنه يرقي بها المريض، أي يقرأ عليه. فالقرآن كله خير وكله بركة، ولا شك أنه مؤثر، ولكن يجب أن نعرف كما يقال: السيف بضاربه، لا بد لتأثير القرآن من ثلاثة أمور: أولًا: إيمان القارىء بتأثيره، وثانيًا: إيمان المقروء عليه بتأثيره، وثالثًا: أن يكون ما قرأ به مما تشهد الأدلة له بالتأثير. فإذا كان كذلك فإنه مؤثر بإذن الله، أما إذا نقص واحد من هذه الأمور الثلاثة، مثل: أن يقرأ على سبيل التجربة، يقول: أجرب أشوف ينفع أم لا؟ فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الواجب على المؤمن أن يؤمن بتأثيره، وكذلك أيضًا لو كان المريض عنده شك في ذلك، وليس عنده إيمان بتأثير القرآن، فإن ذلك لا ينفعه أيضًا؛ لأن المحل غير قابل حينئذ، وكذلك أيضًا لو قرأ آيات لم تشهد الأدلة لها بالتأثير، فهذا أيضًا قد لا يؤثر، وليس معنى ذلك أنه نقص في القرآن الكريم، ولكنه خطأ في استعمال أو قراءة ما تبقى قراءته من الآيات أو السور. ***
بارك الله فيكم من السودان سائل يقول أسأل عن الرقية الشرعية وغير الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرقية الشرعية ما جاءت به السنة مثل (اللهم رب الناس اذهب البأس واشف أنت الشافي لا شفاء إلا شفاؤك شفاءً لا يغادر سقمًا) وغير الشرعية هي البدعية أو الشركية فما كان بدعة أو شركًا فإن الرقية به محرمة ولا تزيد الإنسان إلا ضررا ومرضًا وإن قدر أنه شفي بها فهو لم يشفَ بها في الواقع وإنما كان الشفاء عندها لا بها امتحانًا من الله ﷾ لهذا الرجل الذي رقى بالشرك أو بالبدع وأما الأدعية المباحة التي ليست ببدعة فالرقية بها جائزة فتبين بهذا أن الرقى أربعة أقسام ما جاءت به السنة فالرقية به مشروعة مستحبة وما كان شركًا أو كان بدعة فالرقية به محرمة وما كان دعاءً مباحًا لا شرك فيه ولا بدعة لكنه ليس مما ورد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فالرقية به جائزة ولهذا قال النبي ﵊ في الرقى (لابأس بها ما لم تكن شركًا) . ***
ماحكم القراءة في الماء ثم الوضوء بهذا الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يقرأ في الماء ويتوضأ به المريض ليستشفي به وهذا وإن كنت لا أعلم أنه واردٌ عن السلف لكن قد يقول قائل إنه يدخل في عموم الآية الكريمة (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) وخيرٌ من ذلك أن يقرأ المريض على نفسه بآيات من القرآن أو يقرأ عليه أحدٌ من أهله أو من أصحابه بما يراه مناسبًا. ***
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: ي وس م سوريا درعاء الحائرة يقول في رسالته فضيلة الشيخ هل يجوز التداوي ببعض آيات القرآن الكريم؟ وإن كان كذلك فكيف تتم هذه المداواة؟ وما هي الطريقة؟ وهل التداوي بالقرآن لكافة أنواع الأمراض، أم لمرض معين؟ وإن كان كذلك فما هو؟ أرشدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التداوي بالقرآن العظيم؛ لأن الله ﷿ يقول: (وَنُنَزِّلُ مِن الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وكان النبي ﷺ يقرأ المعوذتين يتعوذ بهما، وقال: (ما تعوذ متعوذ بمثلهما) . فيقرأ على المريض الآيات المناسبة لمرضه، مثل أن يقرأ لتسكين المرض والألم: (وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . ويقرأ: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)، أو نحو ذلك من الآيات المناسبة. وكذلك يقرأ الفاتحة، فإن النبي ﷺ ذكر أنها رقية يرقى بها المريض واللديغ، وينتفع بها بإذن الله، لكن يجب أن نعلم أن القرآن نفسه شفاء ودواء، ولكنه بحسب القارىء وبحسب المقروء عليه؛ لأنه لا بد من أهلية الفاعل وقابلية المحل، وإلا لم تتم المسألة: فالفاعل لا بد أن يكون أهلًا للفعل، والمحل لابد أن يكون قابلًا له، فلو أن أحدًا من الناس قرأ بالقرآن وهو غافل أو شاك في منفعته فإن المريض لا ينتفع بذلك، وكذلك لو قرأ القرآن على المريض والمريض شاك في منفعته فإنه لا ينتفع به، فلا بد من الإيمان من القارىء والمقروء عليه بأن ذلك نافع، فإذا فعل هذا مع الإيمان من كلٍ من القارىء والمقروء عليه انتفع به. ***
بارك الله فيكم ما هي الأدعية التي تقال في الرقية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأدعية التي تقال في الرقية أهمها وأعظمها قراءة سورة الفاتحة، فإن قراءة سورة الفاتحة على المريض من أسباب شفائه، كما قال النبي ﷺ: (وما يدريك أنها رقية)؟ ومن ذلك ما جاءت به السنة، مثل قوله: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين حاسد الله يشفيك) . ومثل قوله: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، اغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجَع أو على هذا الوجِع) . ومثل قوله: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، اشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا) . والأحاديث في هذا معروفة، يمكن للسائل أن يرجع إليها في كتاب الوابل الصيب من الكلم الطيب لابن القيم، أو في كتاب الأذكار للنووي، أو غيرهما مما كتبه أهل العلم في هذا الباب. ***
بينما كنت جالسًا في مصلى المسجد أقرأ القرآن دخلت علي امرأة ومعها فتاة بالغة، وطلبت مني أن أقرأ على الفتاة آيات من القرآن؛ لأنها كانت تعاني من حالة نفسية، فقرأت قدر خمسين آية من سورة البقرة، وبعد أن انتهيت من القراءة قمت بمسح رأس ووجه الفتاة، وطلبت منها أن تنظر في المصحف. فهل أنا آثم على ما فعلت؟ علمًا بأني ما أردت من ذلك إلا الخير والثواب وقصد الشفاء إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءتك على الفتاة فإن هذا لا بأس به، ولكن في هذه الحال يجب أن تكون ساترة لما يجب ستره من الوجه وغيره، وأما مسحك رأسها ووجهها بعد قراءتك فلا أرى له وجهًا، ولا ينبغي ذلك منك، بل يحرم عليك أن تمس بشرة امرأة أجنبية منك، ليست زوجة وليس بينك وبينها محرمية، فعليك أن تتوب إلى الله من هذا الأمر، وأن لا تعود إليه. أما القراءة على النساء والرجال مع مراعاة التحفظ الواجب فإن هذا لا بأس به، وهو من الإحسان، بشرط أن لا يكون هناك فتنة. ***
المستمع يحيى أبو خالد يقول: ما صحة هذا الحديث المروي عن الرسول ﷺ أنه (إذا أوى إلى فراشه كل ليلة جمع كفيه، ثم نفث فيهما فقرأ: قل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الناس، وقل أعوذ برب الفلق، ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده، يبدأ بهما على رأسه ووجهه وما أقبل من جسده) ويفعل ذلك ثلاث مرات، وما كيفية النفث؟ أرجو الإفادة والتوضيح بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أنه كان ﵊ إذا أوى إلى فراشه فعل ما ذكره السائل، لكن السائل بدأ بقل أعوذ برب الناس قبل قل أعوذ برب الفلق، والترتيب الصحيح أن نقول: قل أعوذ برب الفلق قبل قل أعوذ برب الناس، نفث: نفخ مع ريق خفيف، والحكمة من ذلك أن هذا الريق تأثر بقراءة هذه السورالكريمة، فإذا كان متأثرًا به ومسحه على وجهه ورأسه وبسط عن جسده كان في ذلك خيرٌ وبركة وحماية ووقاية للإنسان في منامه. ***
السائلة مريم تقول: فضيلة الشيخ هل هناك آيات واردة تقرأ بغرض تسهيل الولادة بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك شيئًا عن السنة، لكن إذا قرأ الإنسان على الحامل التي أخذها الطلق ما يدل على التيسير، مثل: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) . ويتحدث عن الحمل والوضع، كقوله تعالى: (وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِه) . ومثل قوله تعالى: (إِذَا زُلْزِلَتِ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتِ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا) . فإن هذا نافع ومجرب بإذن الله، والقرآن كله شفاء، إذا كان القارىء والمقروء عليه مؤمنَين بأثره وتأثيره فإنه لابد أن يكون له أثر، فإن الله ﷾ يقول: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . وهذه الآية عامة: شفاء ورحمة يشمل شفاء القلوب من أمراض الشبهات وأمراض الشهوات، وشفاء الأجسام من الأمراض المستصعبات. ***
بارك الله فيكم المستمع أبو عبد الله يقول: طلبت مني زوجتي أن أذهب بها إلى أحد الأشخاص الذين يرقون المرضى، إلا أني لم أتشجع لذلك مع علمي بجواز الرقية بشروطها، والسبب في ذلك هو أن كثيرًا من هؤلاء الذين يقرؤون جعلوا من عملهم وسيلة للتكسب، فينظرون ماذا يدفع لهم، وقد يطلبون مبلغًا معينا، ً فهل عملي في محله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن تأثير الإنسان في قراءته على حسب إخلاصه ونيته، والذي ينبغي للقراء الذين ينفع الله بهم أن يخلصوا النية لله ﷿، وأن ينووا بذلك- أي: بقراءتهم على المرضى- التقرب إلى الله، والإحسان إلى عباد الله، حتى ينفع الله بهم، ويجعل في قراءتهم خيرًا وبركة. ***
هذه رسالة وصلت من السائل أحمد بن صالح الطليان يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، ما حكم التفرغ للقراءة واتخاذها حرفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته. التفرغ للقراءة على المرضى من الخير والإحسان، إذا قصد الإنسان بذلك وجه الله ﷿، ونفع عباد الله، وتوجيههم إلى الرقى الشرعية التي جاءت في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وأما اتخاذ ذلك لجمع الأموال فإن هذه النية تنزع البركة من القراءة، وتوجب أن يكون القارىء عبدًا للدنيا: إن أعطي رضي، وإن لم يعط سخط. لذلك أنصح إخواني الذين يتفرغون للقراءة على المرضى أن يخلصوا النية لله ﷿، وألا يكون همهم المال، بل إن أعطوا أخذوا، وإن لم يعطوا لم يطلبوا، وبذلك تحصل البركة في قراءتهم على إخوانهم، هذا ما أقوله لإخواني القراء. ***
هل تجوز القراءة في الماء والنفث فيه؟ الشيخ: القراءة على المريض فعلها السلف ﵏، ولعل لها أصلًا من كون الرسول ﵊ عند النوم ينفث في يديه ويقرأ: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) ثلاث مرات. ***
كيف يفعل الإنسان بالماء المقروء فيه بالقرآن إذا أراد أن يغتسل به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف أن قراءة القرآن في الماء إنما يشربها المريض ولا يغتسل بها، وإذا كان المرض في الجلد- يعني: لا في داخل الجسم- فإنه يؤخذ من هذا الماء ويدهن به الجلد، يؤخذ بقطنة أو بمنديل ويدهن به الجلد المصاب، هذا المعروف، أما أن يغتسل به الإنسان غسلًا كاملًا فلا أصل له. ***
هل يجوز أن أستعمل الماء أو الزيت المقروء فيه أثناء العذر الشهري؟ وهل تجوز القراءة على الكريمات مثل الفازلين وغيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة الحائض أن تستعمل ما قرىء به من زيت أو ماء أو تمر أو خبز أو غيره، وتجوز القراءة في الأدهان جميعها، وفي الأطعمة التي يأكلها المريض، وفي الأشربة التي يشربها؛ لأن الله تعالى قال: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإذا استعمل القرآن على وجه ظهرت فيه الفائدة والمصلحة وليس فيه إهانة للقرآن الكريم فلا بأس، وقولنا: ليس فيه إهانة للقرآن الكريم، احترازٌ من ما يوجد في بعض الأواني: يكتب في بعض الأواني آية الكرسي أو غيرها من القرآن، منقورًا نقرًا لا يزول بالغسل، وهذا لا شك أنه إهانة للقرآن، وأنه لا يجوز؛ لأن هذا الإناء مبتذل، وربما يلقى في الأرض، وربما يداس بالقدم خطأً أو عمدًا نسأل الله العافية، فلذلك لا يحل للإنسان أن يكتب شيئًا من القرآن على وجه محفور يبقى في الإناء؛ لما في ذلك من امتهان القرآن الكريم. ***
بارك الله فيكم ما حكم القراءة في الماء ثم يقوم الإنسان بشربه أو إعطائه للمريض ليشربه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد عن السلف الصالح ﵏ أنهم يقرؤون القرآن ويلفظون بريقهم ليشربه المريض، وقد جرب هذا ونفع، لكن إذا علم القارىء أن في فمه داء يمكن أن تنتقل الجراثيم بواسطة الريق إلى هذا الماء فيصاب به المريض فإنه لا يجوز له ذلك، خوفًا من وقوع الضرر على المريض، وفي هذه الحال يمكن أن يذهب الرجل بنفسه إلى المريض فيقرأ عليه. ***
هل ورد في سنة النبي الكريم ﷺ قراءة القرآن للمريض في الماء ثم شربه؟ أو قراءة القرآن في الزيت ثم الادهان به؟ أو قراءة القرآن في كأس مكتوبٍ فيه آية الكرسي ووضع ماء فيه ثم شرب الماء؟ لأن كثيرًا من الناس يفعلون ذلك، هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﷿: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . وهذا الشفاء الذي أنزله الله ﷿ في هذا القرآن الكريم يشمل شفاء القلوب من أمراضها، وشفاء الأبدان من أمراضها أيضًا. ولهذا لما أخبر النبي ﷺ أبو سعيد أو غيره ممن معه في السرية التي بعثها رسول الله ﷺ، فاستضافوا قومًا من العرب فلم يضيفوهم، ثم إن سيد هؤلاء القوم لدغ، فطلبوا له قارئًا يقرأ من السرية التي بعثها رسول الله ﷺ، فجاؤوا إليهم وقالوا: هل منكم من راق؟ يعني: من قارئ قالوا: نعم ولكنكم لم تضيفونا، فلا نرقي لكم إلا بِجُعل. فجعلوا لهم شيئًا من الغنم، ثم ذهب قارئٌ منهم يقرأ على هذا اللديغ، فقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام كأنما نشط من عقال، يعني: قام بسرعة طيبًا بريئًا، ثم أعطوهم الجُعل، ولكنهم توقفوا حتى يسألوا رسول الله ﷺ، فلما سألوا رسول الله ﷺ عن هذا قال: (خذوا، واضربوا لي معكم بسهم) . وقال للقارىء (وما يدريك أنها رقية)؟ يعني ما يعلمك أنها- أي: الفاتحة- رقية؟ وهكذا بعض الآيات الأخرى التي يسترقي بها الناس التي يقرأ بها الناس، على المرضى، كثير فيه فائدةٌ مجربة معروفة، فإذا قرأ القارىء على المريض بفاتحة الكتاب وبغيرها من الآيات المناسبة فإن هذا لا بأس به ولا حرج، وهو من الأمور المشروعة. وأما كتابة القرآن بالأوراق ثم توضع في الماء ويشرب الماء، أو على إناء ثم يوضع فيه الماء ويرج فيه ثم يشرب، أو النفث في الماء بالقرآن ثم يشرب، فهذا لا أعلم فيه سنة عن رسول الله ﷺ، ولكنه كان من عمل السلف، وهو أمرٌ مجرب، وحينئذٍ نقول: لا بأس به- أي: لا بأس أن يصنع هذا للمرضى لينتفعوا به- ولكن الذي يقرأ في الماء بالنفث أو التفل ينبغي له أن لا يفعل ذلك إذا كان يعلم أن به مرضًا يخشى منه على هذا المريض الذي قرىء له. ***
هل يمكن علاج الأمراض بالرقية؟ وهل هناك أحاديث واردة عن الرسول ﷺ في ذلك؟ وهل كتابة آية الكرسي وسورة يس أو الفاتحة في ورقة، ثم نقوم بوضعها في ماء ونشرب ذلك الماء، هل هذا من السنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الأمراض قد تشفى بقراءة القرآن، وهذا أمرٌ واقع شهدت به السنة، وجرت عليه التجارب، فإن النبي ﷺ بعث رهطًا في سرية، فنزلوا على قوم، ولكن القوم الذين نزلوا عليهم لم يضيفوهم، فقعدوا ناحية، ثم إن الله ﷾ سلط على سيدهم حيةً فلدغته، فجاؤوا إلى هؤلاء الرهط وقالوا: هل معكم من يرقي؟ قالوا: نعم. تقدم إليه رجل فقرأ عليه الفاتحة، فقام كأنما نشط من عقال، فلما وصلوا إلى رسول الله ﷺ وأخبروه قال له ﵊: (وما يدريك أنها رقية)؟ وقد قال الله ﷿: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . وأما ما ذكره السائل من كتابة بعض الآيات التي فيها الاستعاذة والاستجارة بالله ﷿، بأن توضع في ماء ويشرب، فهذا أيضًا قد جاء عن السلف الصالح، وهو مجربٌ ونافع. لكن ورد في سؤاله ذكر سورة يس، وهذا لا أعلم أن يس مما يرقى به، لكن يرقى بالفاتحة، بآية الكرسي، بالآيتين الأخيرتين في سورة البقرة، بقل هو الله أحد، بقل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس. ***
أسأل عن المحاية التي تكتب على اللوح من القرآن وتشرب من أجل الشفاء، أفيدوني في هذا السؤال جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كان بعض السلف يكتب بالزعفران في الإناء أو نحوه، ثم يخض بالماء ويشربه المريض، ويحصل به الشفاء إن شاء الله، وهذا يدخل في عموم قول الله تبارك تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . فإن قوله تعالى: (مَا هُوَ شِفَاءٌ) يعم الشفاء القلبي والبدني، أي: يعم الشفاء من الأمراض القلبية كالشك والشرك والعداوة للمؤمنين والبغضاء لهم وما أشبه ذلك، وكذلك من الأمراض الجسدية كالصداع والألم وما أشبه ذلك، فالقرآن كله خير، كله شفاء، فإذا استشفى به الإنسان على وجهٍ من الوجوه وانتفع به فهذا محل الغرض ***
هذه رسالة وصلتنا من حسين إسماعيل يعقوب من السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان بعض من الناس يعرفون بالمشايخ، يكتبون المحايا للناس: إذا مرض الشخص أو أصابه سحر أو غير ذلك من الأمور الخرافية، ما حكم من يتعامل معهم وما حكم عملهم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك هو أن الرقية على المريض المصاب بسحر أو بغيره من مرض لا بأس بها إذا كانت من القرآن أو من الأدعية المباحة، فقد ثبت أن النبي ﷺ كان يرقي أصحابه، ومن جملة ما يرقيهم به: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، أنت رب الطيبين، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنزل رحمة من رحمتك وشفاء من شفائك على هذا الوجع فيبرأ) . ومن الأدعية المشروعة: (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل عين أو حاسد الله يشفيك، باسم الله أرقيك) . ومنها: (أن يضع الإنسان يده على الألم الذي يؤلمه من بدنه فيقول: أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر) . إلى غير ذلك مما ذكره أهل العلم من الأحاديث الواردة عن النبي ﷺ. وأما كتابة الآيات أو الأذكار وتعليقها، فقد اختلف أهل العلم في ذلك، فمنهم من أجازه ومنهم من منعه، والأقرب المنع من ذلك؛ لأن هذا لم يرد عن النبي ﷺ، وإنما الوارد أن يقرأ على المريض، أما أن تعلق الآيات أو الأدعية على المريض في عنقه أو في يده، أو تحت وسادته وما أشبه ذلك، فإن ذلك من الأمور الممنوعة على القول الراجح؛ لعدم ورودها، وكل إنسان يجعل شيئًا من الأمور سببًا لأمر آخر بغير إذن من الشرع فإن عمله هذا يعد نوعًا من الشرك؛ لأنه إثبات سبب لم يجعله الله سببًا، هذا بقطع النظر عن حال هؤلاء المشايخ، فلا ندري لعل هؤلاء المشايخ من المشعوذين الذين يكتبون أشياء منكرة وأشياء محرمة، فإن ذلك لا شك في تحريمه، ولهذا قال أهل العلم: لا بأس بالرقى بشرط أن تكون معلومة مفهومة خالية من الشرك. ***
من السودان ومن مدينة أبو زيد وردتنا هذه الرسالة من مختار التجاني مهدي يقول في سؤاله: ما هو رأي الدين في كتابة آيات من القرآن في لوح من الخشب، ومحو هذه الآيات وتقديمها إلى المريض؟ وهل كان الرسول ﷺ يعمل ذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نحفظ عن النبي ﷺ أنه عمل مثل هذا، ولكن بعض السلف كانوا يفعلون ذلك، فإذا فعله الإنسان فلا حرج عليه، ولكن الأفضل من هذا والأولى أن يقرأ هو بنفسه على المريض ما وردت السنة به من الآيات والأحاديث، ومن ذلك مثلًا قراءة الفاتحة على المريض، فإنها من أبلغ الأدوية، وقد قال النبي ﵊: (وما يدريك أنها رقية)؟ وكذلك القراءة على المريض بقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وكذلك ما جاءت به الأحاديث مثل: (اللهم رب الناس، أذهب البأس، واشفِ أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك، شفاء لا يغادر سقمًا) . ومثل: (ربنا الله الذي في السماء تقدس اسمك، أمرك في السماء والأرض، كما رحمتك في السماء فاجعل رحمتك في الأرض، أنت رب الطيبين، واغفر لنا حوبنا وخطايانا، أنزل رحمة من رحمتك وشفاءً من شفائك على هذا الوجع) فيبرأ. (باسم الله أرقيك، من كل داء يؤذيك، من شر كل نفس أوعين حاسد الله يشفيك) . وغير ذلك مما جاءت به السنة، فإذا قرأ الإنسان هذه على المريض فهو أولى من كتابة آيات من القرآن تجعل في ماء يستشفي بها المريض. ***
أحمد ن. ن من الرياض: يعمل بعض الناس عملًا وهو: أنهم يكتبون بالقلم الحبر أو السائل البعض من الآيات القرآنية أو البعض من الأحاديث أو الأدعية على ورقة، ثم يضعونها بداخل كأس في إناء، ويعطون هذا الماء لأي شخص مريض أو تعبان لكي يشربه، الرجاء منكم توضيح هذا العمل هل هو جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا: يجب أن نعرف أن تلك الكتابة بهذا الحبر أو بالأقلام الناشفة على ورقة ثم توضع في إناء ويشربها المريض قد يكون في ذلك ضرر على المريض؛ لان تركيب هذا الحبر وهذه المادة الناشفة قد يكون فيه أشياء سامة تضر البدن، لكن العلماء ﵏ قالوا: إنه يكتب بالزعفران إما على ورقة ثم تلقى في الماء حتى يظهر أثر الزعفران على الماء، وإما في إناء نظيف يكتب فيه آيات من القرآن، ثم يصب فيه الماء ويمزج، ثم يشربه المريض، هذا الذي كان يفعله السلف الصالح، ولا بأس باستعماله، وقد جربه بعض الناس فانتفعوا به. وأما بالنسبة للأقلام وبالنسبة للحبر فلا ينبغي أبدًا أن يستعملها الإنسان في هذه المسألة؛ لأننا لا ندري ما هي مركبات هذا الحبر، سواء ناشفًا أو سائلًا. ***
هل تجوز الرقية بالنفث بالقرآن والأحاديث؟ حيث يرقي هذا الشخص الماء ثم يشربه المريض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فعل بعض السلف مثل هذا، أي إنه ينفث في الماء ثم يشربه المريض، وقد جرب ونفع، لكن كون القارىء يقرأ على المريض مباشرة أحسن وأفيد وأرجى للانتفاع، والمسلم إذا أتى إلى أخيه ورقاه فإنه على خير، قد يجعل الله الشفاء على يده فيكون محسنًا إلى هذا المريض إحسانًا بالغًا، ولكن ليعلم أن الراقي على المرضى لابد أن يعتقد أن هذه الرقية نافعة في حد ذاتها، بأنه لو قرأ وهو متشكك متردد فإنها لا تنفع، لابد أن يعتقد بأنها نافعة، ولابد للمرقي أن يعتقد أيضًا انتفاعه بها، فإن كان مترددًا شاكًّا فلا تنفعه؛ لأن كل سبب شرعي لابد أن يكون الفاعل له مؤمنًا بأنه سبب يؤدي إلى المقصود حتى ينفع الله به، وإنما أحث إخواني الذين نفع الله بقراءتهم على المرضى أن يبتعدوا عن الكلمات التي لا تعرف، والتي ليس فيها إلا أسجاع سمجة باردة، وأن يقتصروا على ما جاءت به السنة من الرقى، وأعظمه الرقية بالفاتحة، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- في الذي رقى المريض بها فقام كأنما نشط من عقال، قال النبي ﷺ: (وما يدريك أنها رقية)؟ وهذا حث له ولغيره على أن يرقي بها المرضى. ***
ما الحكم في تعليق التمائم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم لا يخلو إما أن تكون من القرآن أو من غيره، فإن كانت من القرآن ففيها خلافٌ بين أهل العلم من السلف والخلف، فمن العلماء من يقول: إن تعليقها جائز ولا بأس به، وربما يستدل بقوله تعالى: (وَهَذَا كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ مُبَارَكٌ) ويجعل هذا من بركة القرآن أن الله تعالى يرفع به العين والشر ممن علقه. وقال بعض أهل العلم من السلف والخلف: إن تعليقه محرم، وذلك لأن مثل هذه الأمور لا يجوز إثباتها إلا بدليلٍ من الكتاب والسنة، وليس في الكتاب والسنة دليلٌ على أن تعليق القرآن يكون نافعًا لصاحبه، وإنما ينفع من يقرؤه، وقد قال الله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُوا الأَلْبَابِ) . فنيل البركة من القرآن إنما يكون على حسب ما جاءت به الشريعة، وهذا القول هو القول الراجح أنه لا يجوز أن تعلق التمائم من القرآن على الصدر، ولا أن تجعل تحت الوسادة وما أشبه ذلك، ومن أراد أن يستشفي بالقرآن فليستشفِ به على حسب ما جاءت به السنة وأما إذا كانت التمائم من غير القرآن من طلاسم لا يدرى ما معناه، أو كتابة كالنقوش لا تقرأ وما أشبهها فإنها محرمة، محرمة بلا شك، ولا يجوز للمرء أن يعلقها بأي وجهٍ من الوجوه؛ لأنها قد تكون أسماء شياطين، أو أسماء عفاريت من الجن أو ما أشبه ذلك، والشيء الذي لا تدري معناه لا يجوز لك أن تتناوله وتستعمله في مثل هذا الأمور. ***
حكم من يلبس الحجاب الذي يكتب فيه كلام الله،هل هذا حرام أم حلال؟ أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب يعني التميمة التي تعلق على الإنسان، أو يجعلها بعض الناس تحت الوسادة، أو يعلقها على الجدار، وقد اختلف العلماء ﵏ في تعليق التمائم إذا كانت من القرآن أو من الأذكار النبوية أو الأدعية المباحة، اختلفوا في هذا على قولين، فمنهم من منع ذلك؛ لعموم التحذير من التمائم، ومنهم من أجاز ذلك وأدخلها في عموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) . والاحتياط ألا يعلق هذا ولو كان من القرآن أو من الأدعية أو الأذكار الواردة. فأما إذا كانت التميمة لا يقرأ ما فيها فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان الذي فيها كتابة لا يعرف ما هي فإن تعليقها حرام ولا يجوز، أو كان ما فيها من أسماء الشياطين أو الجن أو ما أشبه ذلك فإن هذا حرام ولا يجوز. المهم أن التمائم تنقسم إلى قسمين: القسم الأول: ما علم أنه من القرآن أو من الأذكار النبوية أو من الأدعية المباحة، فهذا محل خلاف بين العلماء، والاحتياط ألا يعلقها. والثاني: ما سوى ذلك، فتعليقه حرام على كل حال. ***
من مصر أأ يقول: في الحديث: (إن الرقى والتمائم والتولة شرك) . ما هي التولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التولة شيء يصنعونه يزعمون أنه يحبب المرأة إلى زوجها والزوج إلى امرأته، وقريب من ذلك ما يسمى عندنا بالدبلة، يقال: إن الزوج يكتب اسم امرأته في خاتمه، والزوجة تكتب اسم زوجها في خاتمها، ويدعون أنهما- أي: الزوجين- يحصل بفعلهما هذا الألفة بينهما، وأنه لو خلع هذه الدبلة أو خلعتها معناه الفراق. فإذا قال قائل: ما هي الوسيلة إلى أن يحب الرجل زوجته والمرأة زوجها؟ فنقول: الوسيلة إلى ذلك بينها الله بقوله: (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) . عاشروهن بالمعروف، فإذا عاشر كل إنسان زوجته بالمعروف، وهي كذلك، حصلت المحبة والألفة والحياة الزوجية السعيدة. ***
ما حكم تعليق الأحجبة على أعضاء الجسد، وخاصة تلك الحجب التي بها آيات قرآنية أو أحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- أعني: تعليق الحجب أو التمائم- تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون المعلق من القرآن، والثاني: أن يكون من غير القرآن مما لا يعرف معناه. وأما الأول، وهو: تعليقها من القرآن، فقد اختلف في ذلك أهل العلم سلفًا وخلفًا، فمنهم من أجاز ذلك، ورأى أنه داخلٌ في قوله تعالى: (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ)، وأن من بركته أن يعلق ليدفع السوء. ومنهم من حرَّم فعل هذا وقال: إن تعليقها لم يثبت عن النبي ﵊ أنه سببٌ شرعيٌ يدفع به السوء أو يرفع به، والأصل في مثل هذه الأشياء التوقيف. وهذا هو القول الراجح، وأنه لا يجوز تعليق التمائم ولو من القرآن، ولا يجوز أن تجعل تحت وسادة المريض، أو تعلق في الجدران أو ما أشبه ذلك، وإنما يوضع المريض ويقرأ عليه مباشرةً، كما كان النبي ﵊ يفعل. وأما إذا كان المعلق من غير القرآن- وهو القسم الثاني مما لا يعرف معناه- فإنه لا يجوز بكل حال؛ لأنه لا يدرى ماذا يكتب، فإن بعض الناس يكتبون طلاسم وأشياء معقدة، حروفًا متداخلة ما تكاد تعرفها ولا تقرؤها، فهذا من البدع، وهو محرم لا يجوز بكل حال. ***
ماحكم وضع القرآن في السيارة حفظًا من العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لايجوز هذا ولا ينفع؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنه يتحصن بالقرآن على هذا الوجه، وما يتوهمه بعض الناس فهو لأنه تخيّل أنّ هذا نافع، فظن أنّ انتفاء الشر والعين عن سيارته بواسطة وضع المصحف فيها. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ، امرأة كلما حملت تسقط، وذكر لها أحد الناس بعمل تمائم من القرآن وقد نفعت، وهي مترددة، فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التمائم من القرآن- يعني: التي تعلق على العنق- اختلف فيها السلف والخلف، فمنهم من قال بجوازها، واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، وقالوا: إن أي تجربة يكون فيها الشفاء وهي من القرآن الكريم فإنها داخلة في هذا العموم. ومنهم من قال: إن التمائم ممنوعة، سواء كانت من القرآن أو من غير القرآن، فهذا موضع خلاف بين أهل العلم ﵏. ***
السائلة من الأردن تقول: والدي يعلم بأن والدتي تستعمل أحجبة العرافين، لكنه لا يهتم بذلك بحجة أنه يقرأ المعوذات وآية الكرسي، وأنها لن تستطيع أن تؤثر عليه، علمًا بأن والدتي تستخدم هذه الأحجبة نظرًا للمشكلات بينها وبين أبي، فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الحجاب الذي يعلقه المريض من القرآن والأدعية المباحة فقد اختلف العلماء ﵏ في جواز تعليقه، فمنهم من منعه ومنهم من أجازه، أما إذا كان الحجاب قد كتب فيه ما لا يدرى عنه ولا عن معناه فإنه لا يجوز لبسه؛ لاحتمال أن يكون به أشياء شركية لا نعلم بها. ***
هذه رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين من العراق رمز لاسمه بـ ن م ع يقول في رسالته: في بلدنا دارج وضع الحجاب، إما لغرض الحفظ من العين، أو للحماية من إطلاق الرصاص، أي: لا يصيب الشخص أيُّ أذى من إطلاق النار عليه بحمد الله ولبسه للحجاب، أو يوضع في غرض تهدئة الطفل الذي يبكي كثيرًا. ولكن رأيي- والله أعلم- هو أنه خرافة أو بدعة، وأستند على قوله تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) . ولكن في بعض الأحيان بعض الناس يقولون: إن الحجاب الذي يحتوي على بعض آيات من القرآن أو أدعية من أدعية الرسول الكريم ﷺ عبارة عن رقية مكتوبة؛ لأن الرقى هي تؤدي إلى شفائها، فما رأي الشرع في نظركم في هذه المسألة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يريد السائل بالحجاب التميمة التي تعلق على الإنسان في عنقه، أو يجعلونها في جيبه، أو يجعلونها تحت وسادته إذا نام. وهذه التمائم تكون على وجهين: الوجه الأول: أن يكتب فيها ما لا يعلم ولا يدرى معناه، فإن هذه لا تحل ولا تجوز؛ لأنه لا يدرى ما الذي تشتمل عليه: أهو شرك، أم أسماء للشياطين، أو لمردة الجن، أو ما أشبه ذلك من الأشياء المحرمة؟ فهذه لا تجوز قطعًا. وأما الوجه الثاني: فهو التمائم التي يكتب فيها شيء من القرآن على وجه واضح بيِّن يقرأ، أو شيء من الأدعية الواردة عن النبي ﷺ، وهذه فيها خلاف بين العلماء، فمنهم من أجازها ومنهم من منعها، والصواب مع من منعها وأنها لا تجوز؛ لأن الاستشفاء بالقرآن إنما يجوز على الوجه الوارد عن النبي ﷺ، وذلك بقراءته على المريض مباشرة، وبعض السلف يجوِّز أن يكتب القرآن في إناء بزعفران أو نحوه، ويصب عليه الماء ويحرك حتى يصطبغ الماء بهذا اللون المكتوب به القرآن، ثم يشرب. وعلى هذا فنقول: إن تعليق التمائم واصطحابها في الجيب ووضعها تحت الوسادة لا يجوز مطلقًا، سواء كانت من القرآن أو غيره، ولكن يقرأ على المريض بالآيات التي يرقى بها للمرضى. وأما قول السائل: أرى أن هذا لا يفيد؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) . فإن الآية لا تدل على منع هذا الحجاب أو هذه التميمة إذا صح أنها سبب شرعي؛ لأن قوله تعالى: (فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلاَّ هُوَ) يشمل ما كشفه الله ﷾ بسبب غير معلوم لنا، وما كشفه بسبب معلوم، لكن لا بد أن يكون هذا السبب معلومًا عن طريق الشرع، أو عن طريق الحس والتجربة. ***
من سوريا تقول: فضيلة الشيخ انتشرت عندنا ظاهرة الأحراز التي يعلقها الشباب والشابات على صدورهم، وهذه الأحراز مكتوبة من مشايخ يقولون بأنها تحفظ من العين. فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أنه يجب أن نعلم أن الأسباب التي تجلب الخير أو تدفع الشر لابد أن تكون متلقاة من الشرع؛ لأن مثل هذا الأمر- أعني: جلب الخير أو دفع الشر- لا يكون إلا بتقدير الله ﷿، فلابد أن نسلك الطريق الذي جعله الله ﷾ طريقًا يوصل إلى ذلك، أما مجرد الأوهام التي لا تبنى على أصل شرعي فإنها أوهام لا حقيقة، لها قد يتأثر الإنسان منها نفسيًا لاعتقاده فيها ما يعتقد، وإن كان في الحقيقة خلاف ذلك. وتعليق الأحراز على الصدور لا يخلو من حالين: الحال الأولى: أن تكون طلاسم أوحروف مقطعة لا يعلم لها معنى، فهذه محرمة بلا شك، وربما يكتب عليها أسماء الشياطين من الجن ولا يعلم حاملها ذلك، وعلى هذا فيكون تعليقها نوعًا من الشرك، وإذا اعتقد معلقها أنها تنفع أو تضر بدون قدر الله ﷿ كان مشركًا شركًا أكبر، وأما إذا كان يعتقد أن النافع والضار هو الله ولكن هي وسيلة، فهي شرك أصغر؛ لأن الله تعالى لم يجعل هذا سببًا يندفع به الشر أو يحصل به الخير. أما الثاني: فأن تكون هذه الأحراز مكتوبة بحروف معلومة من القرآن أو من صحيح السنة، فهذه موضع خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها لا بأس بها، مستدلًا بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا) . ومنهم من يرى منعها وأنها من الشرك الأصغر، مستدلًا بعموم الأحاديث الدالة على أن التمائم شرك. والذي ينبغي للمؤمن أن يتجنبه، وذلك لأن أقل ما فيها أنه لم يرد فيها عن النبي ﵌ ما يدل على الجواز، والأصل في مثل هذه الأمور المنع حتى يقوم دليل على الجواز. ثم إن الإنسان إذا تعلق بها أعرض عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد القولية التي جاءت بها الشريعة، مثل قوله ﵌ في آية الكرسي: (إن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . وقوله في الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة: (من قرأهما في ليلة كفتاه) . وكذلك قوله في المعوذتين. المهم أن هذه الأحراز توجب غفلة الإنسان عن ما ينبغي أن يقوم به من الأوراد الشرعية القولية، وعلى هذا فإن نصيحتي لهؤلاء وأمثالهم أن يَدَعوا هذه الأحراز، وأن يقوموا بما جاءت به السنة من الأوراد القولية، إما من الكتاب وإما من السنة. ***
المستمع عودة بن مرعي من قباء شمال يقول: البعض من الناس يكتب سور القرآن الكريم ويعلق ذلك على الأطفال، مثل المعوذتين وسورة الإخلاص، يقصد بأنها تحميه من العين، وتجلب له النفع والهداية. فهل هذا عمل صحيح؟ أرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على صدور الصبيان منهيٌ عنه؛ لأنه داخلٌ في التمائم في عمومها، إذ إن الأحاديث الواردة في ذلك لم تستثن شيئًا مما يعلق، ثم إن فيه عرضة بامتهانه؛ لأن الصبي لا يحترز من وقوع الأذى على هذا الذي علق عليه من القرآن، وربما يتلطخ بشيء نجس، وربما يدخل به بيت الخلاء وما أشبه ذلك، فلهذا ينهى عن هذا العمل، ويقال: إذا أردت أن تعوذ أبناءك بشيء فعوذهم بالقراءة عليهم. ومن العلماء من رخص في تعليق المكتوب من القرآن على المريض للاستشفاء به. واستدل بعموم قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . والاحتياط أن لا يفعل ذلك، لا لدفع البلاء كما ذكره السائل، ولا لرفعه كما أشرنا إليه، وليكن مستعملًا لما جاءت به السنة من تعويذ الإنسان بالقراءة، والقراءة على المريض كذلك بما جاءت به السنة. ***
من العراق محافظة ديالي رمز لاسمه ب ي ي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم من يقوم بالقراءة على الأطفال، وكتابة بعض الكلمات أو العبارات في أوراق وتسخيرها لهم، زعمًا منه أن في هذا شفاء لهم من الخوف أو غير ذلك مما يسمونه بهذه الأسماء؟ مع العلم بأن هذه العبارات قد تكون غير مفهومة، وأن هذا الرجل يأتيه الناس ويقولون: إن الله هو الشافي، وإن هذا سبب في الشفاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق التمائم، أو وضعها تحت وسادة الفراش، أو تعليقها في جدران الحجرة، أو ما أشبه ذلك، كله من البدع، بل مما نهي عنه: (فمن تعلق تميمة فلا أتم الله له) . والشفاء الذي يحصل بهذا ليس منها، بل هو فتنة حصل عندها لا بها. لكن اختلف السلف ﵏ فيما إذا كان المعلق من القرآن هل هو جائز أم لا؟ فكرهه ابن مسعود وجماعة، وهذا أقرب إلى الإخلاص والتوكل على الله ﷿، وأجازه آخرون. وأما ما ليس من القرآن فلا يجوز، لا سيما إذا كان فيه حروف لا يعرف معناها، فإنها قد تكون أسماء للشياطين وطلاسم سحرية، فلا يجوز اعتمادها، حتى لو حصل الشفاء عند استعمالها فإنه لم يحصل بها؛ لأنه لم يقم دليل على أنها سبب شرعي، ولا هي سبب حسي، لكن قد يبتلي الله ﷾ العبد ويفتنه، فيحصل مطلوبه بوسيلة محرمة. فليحذر العاقل اللبيب من هذه الأمور، وليستعن بالله ﷿، وليتوكل عليه. نعم لو وجدنا رجلًا صالحًا يقرأ على المريض بالقرآن الكريم وبالأحاديث النبوية فهذا لا بأس به، وهو من السنة أن يرقي الإنسان أخاه بالرقى المشروعة. ***
من الأردن تقول في هذا السؤال: أود أن أسأل عن الحجب، وهل يجوز إخراجها من مكانها؟ علمًا بأن أهلي قاموا في العام الماضي بالذهاب إلى إحدى النساء التي تعمل ذلك، وتقول بأنها أخرجته من مكانه، وتقوم هذه المرأة بإحضار ماء ويوضع في وسط هذه الحجب، ولكن المرأة تأخذ مبالغ كبيرة مقابل ذلك العمل، هل ينالنا العقاب جراء ذهابنا إلى هذه المرأة وتعاملنا معها؟ وما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أنني ما عرفت معنى الحجب بالضبط؛ لأن المعروف أن الحجب هي عبارة عن أوراق يكتب فيها أدعية وتعوذات وآيات قرآنية، يحملها الإنسان على صدره مربوطة في عنقه، يرى أنها تحجبه من الشر ومن الشياطين، وبعضهم يفعل ذلك إذا مرض، يرى أن الله يشفيه بها، هذا معنى الحجب التي نعرف، وأما ما يفيده ظاهر كلامها فكأنها تريد بذلك نقض السحر، ونقض السحر بالسحر ممنوع؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: هي من عمل الشيطان. لكن قد يكون هناك حالات خاصة ينظر فيها بعينها. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الله يقول في هذا السؤال: مرض أحد أقربائي، فطلبت مني والدتي أن أحضر لها عزائم من أحد الناس الذين يقرؤون على الناس، فطلب مني ذلك الرجل مبلغ ألف ريال مقابل هذه العزائم التي توضع عند رأس المريض، فما حكم هذه العزائم؟ وما حكم أخذ هذا الرجل هذا المبلغ الباهظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لهذه العزائم فإنه لا يجوز للإنسان أن يستعمل عزائم لا يدري ما هي حتى يعرف أنها من القرآن أو من السنة الصحيحة أو من الأدعية المباحة، فأما أن يأتي لأي شخص يجده يقرأ على الناس ويكتب لهم العزائم فيطلب منه ذلك فإن هذا لا يجوز. وأما وضعها عند الرأس فلا أصل له، ولم يفعله أحد من السلف، لكن رخص بعض السلف في العزائم إن كانت من القرآن أن يتقلدها الإنسان، أو أن يضعها في ماء ويشرب أثر المداد الذي يتحلل في هذا الماء، وأما وضعها عند الرأس أو تحت الوسادة فلا أصل له. وأما أخذ الأجرة والعوض على هذه العزائم: فالذي ينبغي للإنسان أن لا يفعل، وإن فعل فلا حرج؛ لأن النبي ﷺ، أجاز أخذ الأجرة على الرقية في قصة الصحابة الذين بعثهم النبي ﷺ، فاستضافوا قومًا فلم يضيفوهم، فسلط الله على حية فلدغ، ثم جاؤوا إلى الصحابة يطلبون منهم قارئًا، قالوا لا نقرأ عليكم إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم من الغنم، وبلغ ذلك النبي ﷺ فأقره. وأما كون القارىء يأخذ أجرًا كثيرًا على عمل يسير: فإني أنصحه أن يتقي الله ﷿ في إخوانه، وألا يستغل ضرورتهم في ابتزاز أموالهم فليأخذ ما يرى أنه حق له، وأما ما زاد فليتورع عنه. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمعة فتاة من الأردن الزرقاء تقول: عمرها خمسة وعشرون عاما، ً فمنذ صغرها وهي تطلب للزواج ولا يحصل نصيب، لا يكون ذلك برفض منها ولكنها لا تدري ما هو السبب، فهي إنسانة طبيعية متوسطة الجمال، فقال الناس لأمها: إن ابنتك لها حجاب عن الزواج، ولكن أمها رفضت هذه الفكرة من الأصل؛ لأنها تخاف الله ولا تصدق بهذه الأشياء. وفي يوم من الأيام ذهبت الفتاة وحدها إلى امرأة يقال لها: شيخة، فقالت لها: إن لك عدة أعمال محجوبة، من ضمنها الزواج والوظيفة والقلق والكراهية وما إلى ذلك، وعملت لها عدة أشياء، منها ما يعلق على الصدر وعلى الكتف اليمين، ومنها ما يشرب ويرش، فبقيت تستعمل هذه الأشياء بالسر عن والدتها، ومضى شهر وشهران وأكثر ولم يطرق بابها أي خاطب. أما ما قالته لها بخصوص العمل فهي موظفة، أما ما تعانيه فهو صحيح: فهي تكره أن ترى الناس، بعد ذلك تغيرت وأصبحت حالتها أحسن، وذات مرة خطر ببالها أن تمزق هذا الحجاب الذي أعطته لها تلك المرأة، وعندما فتحته وجدت بداخله تكرارًا لأسماء الرسول والخلفاء وبعض الرسل وبعض الأسماء الغريبة، فحرقتها جميعا. ً فتسأل: هل صحيح أن الحجاب الذي يعمله المشعوذون يمنع الفتاة عن الزواج؟ وهل ما قامت به من تمزيقه حرام؟ مع العلم أن بعض ما أخبرتها به صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال يتلخص جوابه في شيئين: الشيء الأول: تعليق هذه الحجب، سواء كان لطالب الزواج، أم للبراءة من المرض الجسمي أو النفسي، هل هو جائز أو ليس بجائز؟ في هذا خلاف بين أهل العلم، فمنهم من يرى أنه ليس بجائز على كل حال، وذلك لأنه لم يرد في كتاب الله ولا سنة رسول الله ﷺ أن تعليق مثل هذا يكون سببًا في إزالة ما يكره أو حصول ما هو محبوب، وإذا لم يثبت شرعًا فإنه لا يجوز إثبات كونه سببًا. ومن العلماء من يقول: إنه لا بأس به- أي: بتعليق الحجاب- لدفع ضرر أو حصول منفعة، لكن بشرط أن يكون من إنسان موثوق به، وأن يعلم ما كُتب فيه، وأن لا يكون هذا المكتوب مخالفًا لما جاء به الشرع، فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فهو جائز، وبعضهم يشترطون شرطًا رابعًا، وهو: أن يكون من القرآن خاصة. وعلى هذا القول الثاني يجوز التعليق بالشروط الأربعة، ولكن الذي أرى أنه لا يجوز مطلقًا؛ لأن تعليل من قال بعدم الجواز قوي، حيث إنه لم يثبت في كتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ أن هذا من الأسباب النافعة، وكل شيء يثبت سببًا لشيء ولم يكن معلومًا بالشرع أو معلومًا بالحس فإنه لا يجوز إثباته. أما المسألة الثانية أو الشيء الثاني مما يتضمنه جوابنا هذا على سؤال المرأة: فإن هذا الذي عملته في هذا الحجاب تمزيقه من المعروف، وهو عمل طيب، بل يجب عليها إذا كانت لا تدري ما الذي فيه أن تكشف عنه، فإذا رأت فيه مثلما ذكرت أسماء الرسول ﷺ وأسماء الخلفاء وبعض الرسل فإنه لا يجوز تعليقه؛ لأن هذا شيء غير مؤكد، وإذا رأت فيه قرآنًا فإنه ينبني على الخلاف الذي ذكرناه قبل قليل والذي نرى أيضًا أنه لا يجوز تعليقه. فإذا كان قرآنًا فهناك طريقان: إما أن تدفنه في محل نظيف، وإما أن تحرقه وتدقه بعد إحراقه حتى يتلاشى نهائيًا. وبهذه المناسبة أود أن أحذر إخواننا من التردد على أولئك الناس الذين يكتبون هذه الأحراز وهذه الحجب، وحالهم لا تعلم لا من جهة الديانة ولا من جهة العلم؛ لأن هذه من الأمور الخطيرة، وكون الإنسان إذا فعلها يتأثر ويجد خفة قد لا يكون ذلك من جراء هذا العمل، قد يكون الله تعالى قد أذن ببرئه أو شفائه وصادف أن يكون عند هذا الشيء لا به، وأيضًا فإنه من المعلوم نفسيًا أن الإنسان إذا شعر بشيء منه نفسيًا فإنه يتأثر به جسمه، حتى إن الإنسان -كما هو مشاهد- إذا كان غافلًا عما به من مرض فإنه لا يحس به، فإذا التفت بفكره إليه أحس به هذا الرجل، يكون مشتغلًا بتحميل عفشه مثلًا فيجرحه مسمار أو زجاجة، تجده لا يحس بها حين اشتغاله بالعمل، فإذا تفرغ فإنه يحس به؛ لأنه جعل فكره إليه. والمهم أننا ننصح إخواننا عن هذه الطرق التي لا يعلم من سلكها، ولا يعلم ما فيها من مكتوب، والإنسان ينبغي له أن يعلق قلبه بالله ﷿، ويتبع ما جاء عن النبي ﷺ في الاستشفاء بالقرآن والدعاء. ***
من السودان المستمع إدريس يقول: يوجد في قريتنا مسجد، ولكن إمام المسجد يستعمل التراب من القبور، ويكتب التمائم والحروز، ويدعي بأنها تعالج المرضى وتفك من السحر والعين. هل تصح الصلاة خلف هذا الإمام المذكور؟ نرجو إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا شك أن خير الهدي هدي محمد ﷺ، وأن شر الأمور محدثاتها، كما كان النبي ﷺ يعلن ذلك في خطب الجمع. وأخذ التراب من القبور للاستشفاء به بدعة، وهو ضلال في دين الله وسفهٌ في العقل، فإن هذا التراب لم يحدث له أي شيء يجعله سببًا في شفاء المرضى من أجل دفن الميت في القبر، بل هذه التربة كسائر تراب الأرض، وليس لها مزيةٌ على غيرها، ومن تبرك بها أو استشفى بها فقد ابتدع وضل وسفه في عقله، وعليه أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا العمل، وأن يعلم أن الشفاء من الله ﷿، وأنه لا شفاء بأي سببٍ من الأسباب إلا ما جعله الله سببًا، ولم يجعل الله تعالى أخذ التراب من القبور سببًا في شفاء المرضى. وأما القراءة على المرضى بآياتٍ من القرآن، أو بما جاءت به السنة عن رسول الله ﷺ: فإن هذا سببٌ شرعي يحصل به الشفاء بإذن الله، وقد صح أن سريةً في عهد النبي ﵊ نزلوا على قومٍ فاستضافوهم، فأبى القوم أن يضيفوهم، فقدر الله تعالى على سيدهم- أي: سيد القوم- أن لدغته حية، فأتوا إلى أصحاب رسول الله ﷺ وقالوا: هل عندكم من راقٍ؟ قالوا: نعم. قالوا إنه لدغ سيدهم، فيريدون أن يرقى عليه. فقالوا لا نرقي عليه إلا بكذا وكذا من الغنم. فأعطوهم إياها، فذهب أحد القوم من السرية إلى اللديغ، فجعل يقرأ عليه بفاتحة الكتاب، فقام هذا الملدوغ كأنما نشط من عقال، وبرأ بإذن الله بقراءة الرجل عليه سورة الفاتحة. وتأثير قراءة القرآن في المرضى أمرٌ لا ينكر، قال الله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلاَّ خَسَارًا) . والشفاء هنا شامل الشفاء من أمراض القلوب وأمراض الأجسام، وهذا الإمام الذي ذكرت أنه يتبرك بتراب القبور ويستشفي بها يجب عليكم أن تنصحوه، وتبينوا له أن ذلك بدعةٌ وضلالٌ في دين الله وسفهٌ في العقول، وأن عليه أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا العمل الذي كان يقوم به. وأما قراءته على المرضى بآياتٍ من القرآن وبما جاءت به السنة فإن هذا لا بأس به، بل هو أمرٌ مطلوب. وأما الصلاة خلفه: فالقول الراجح من أقوال أهل العلم أن الإنسان إذا لم يصل بعمله وبدعته إلى الكفر المخرج من الإسلام فإنه يصلى خلفه، وتصح الصلاة خلفه، إلا إذا كان في الصلاة خلفه فتنة، بحيث يفتتن به الناس ويتابعونه على بدعته، فحينئذٍ يحسن أن لا يصلى خلفه؛ لئلا يفتتن به الناس ويظنوا أنه على حق، حيث كان الناس يصلون وراءه، لا سيما إذا كان الذي يصلى وراءه ممن يشار إليهم بالفقه والعلم. ***
يقول الله تعالى في سورة البقرة: (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) . ما معنى هذه الآية؟ وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ توعد أولئك الذين يفترون عليه كذبًا فيكتبون بأيديهم كلامًا ثم يقولون للناس: هذا من عند الله، من أجل أن ينالوا به حظًا من الدنيا، إما جاهًا أو رئاسة أو مالًا أو غير ذلك، ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعًا: على كتابتهم الباطلة، وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة. أما الذين يكتبون الحجب- وهي: ما يعلق على المريض لشفائه من المرض، أو على الصحيح لوقايته من المرض -فإنه ينظر: هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا؟ إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها، أو كتب فيها أشياء محرمة، كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك، فإن تعليقها لا يحل بكل حال. وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم، والراجح أنه لا يحل تعليقها، وذلك لأن التعبد لله ﷾ بما لم يشرعه الله بدعة، ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سببًا لم يجعله الله سببًا نوع من الشرك. وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء، لا من القرآن ولا من غيره، ولا أن يعلق على الصحيح شيء، لا من القرآن ولا من غيره، وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك، فإنه لا يجوز. ***
المستمع سعيد عبد اللطيف صالح من اليمن لواء تعز يقول: نعلم أنه روي عن النبي ﷺ أنه صلى بأصحابه صلاة الصبح في الحديبية على إثر سماء نزلت في الليل، فلما سلم أقبل على أصحابه وقال لهم: أتدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (إنه قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فمن قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فقد أصبح وهو مؤمن بي وكافر بالكوكب، ومن قال: مطرنا بنوء كذا، فهو مؤمن بالكوكب وكافر بي) . وفي هذا الزمن يقولون: إن الأمطار تتبخر، أو هي نتيجة تبخر البحار والمحيطات إلى غير ذلك، فمن اطلع على حقيقة ذلك؟ وهل هذا الاعتقاد جائز؟ وما الدليل من الكتاب والسنة على هذا القول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل: نعلم أنه روي عن النبي ﷺ، الصواب أن يقال: إنه ثبت عن النبي ﷺ؛ لأن قول: روي عن الرسول معناه تضعيف الحديث، والحديث ثابت، وهو أن الرسول ﵊ صلى بأصحابه صلاة الصبح على إثر مطر نزل، فلما أنهى صلاته أقبل عليهم وقال: (هل تدرون ماذا قال ربكم)؟ قالوا: الله ورسوله أعلم. قال: (قال: أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فذلك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . من قال: مطرنا بفضل الله ورحمته، فهو مؤمن بالله؛ لأنه اعترف لله بالفضل، وأن هذا المطر من آثار فضله ورحمته ﵎، وهذا هو الواجب على كل مسلم أن يضيف النعم إلى بارئها ومسديها وهو الله ﵎، ولا حرج أن يضيفها إلى سببها الثابت شرعًا أو حسًا إلا أنه إذا أضافها إلى سببها الثابت حسًا أو شرعًا، فإنه لا يضيفها إلى السبب مقرونًا مع الله ﷿ بالواو، وإنما يضيفها إلى سببها مقرونًا مع الله تعالى بثم، أو إلى سببها وحده. فلو أن شخصًا أنقذ غريقًا من غرق فهنا لا يخلو من حالات: الأولى: أن يقول: أنقذني الله تعالى على يد فلان، وهذا أفضل الأحوال. الثانية: أن يقول: أنقذني الله ثم فلان، وهذه جائزة، وهي دون الأولى. الثالثة: أن يقول: أنقذني فلان، ويعتقد أنه سبب محض، وأن الأمر كله إلى الله ﷿، وهذه جائزة، ويدل لجوازها أن النبي ﷺ لما أخبر عن عمه أبي طالب أنه كان في ضحضاح من نار، وعليه نعلان يغلي منهما دماغه- والعياذ بالله- قال النبي ﵊: (ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل من النار) . الرابعة: أن يقول: أنقذني الله وفلان، وهذا لا يجوز؛ لأنه أشرك سببًا مع الله بحرف يقتضي التسوية وهو الواو، ودليل ذلك أن النبي ﷺ قال له رجل: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي ﷺ: (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) . فالمطر النازل لاشك أنه بفضل الله ورحمته وبتقديره ﷿ وقضائه، ولكن الله تعالى جعل له أسبابًا، كما أشار الله إليه بقوله: (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا) . قال: (يُرْسِلُ) (فَتُثِيرُ) أضاف الإثارة إلى السحاب؛ لأنها سبب هذه الإثارة، فتثير سحابًا فيبسطه في السماء كيف يشاء، فلا بأس بإضافة الشيء إلى سببه مع اعتقاد أنه سبب محض، وأن خالق السبب هو الله ﷿. وأما قول الرسول ﵊ عن الله ﵎: (أن من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فهوكافر بي مؤمن بالكوكب، فهذا لأنهم أضافوا الشيء إلى سبب غير صحيح؛ لأن النوء ليس سببًا للمطر، فالنوء الذي هو الكوكب ليس هو الذي يجلب المطر، ولا علاقة له به، ولذلك أحيانًا تكثر الأمطار في نوء من الأنواء في سنة وتقل في سنة أخرى وتعدم في سنة ثالثة، وربما يكون العكس فالأنواء ليس لها تأثير في نزول المطر ولهذا كانت إضافة المطر إليها نوعًا من الشرك فإن اعتقد أن النوء يحدث المطر بنفسه بدون الله فذلك شرك في الربوبية، شرك أكبر مخرج عن الملة، فهذا وجه قوله ﵎ فيما رواه عنه نبيه محمد ﷺ: (من قال: مطرنا بنوء كذا وكذا، فذلك كافر بي مؤمن بالكوكب) . وأما ما اشتهر من أن الأمطار تكون بسبب تبخر البحار ونحو ذلك: فهذا إن صح فإنه لا ينافي ما ذكره الله تعالى في القرآن، إذ من الجائز أن يكون هذا البخار تثيره الريح حتى يصعد في جو السماء، ثم يبسطه الله تعالى في السماء كيف يشاء، ثم ينزل به المطر، وهذه مسألة ترجع إلى أهل العلم بهذا الشأن، فإذا ثبت ذلك فإنا نقول: هذا البخار الذي تصاعد من البحار الذي خلقه هو الله، والذي جعله يتصاعد في الجو حتى يمطر هو الله ﷿، ولا ينافي ذلك ما جاء في القرآن إذا صح علميًا. والله أعلم. ***
وردتنا رسالة حول بعض الآبار يقول: إن بعض الناس يقومون بالذهاب إلى البئر التي تقع على طريق المدينة المنورة، ومثلها العين التي تقع في تهامة، لقصد طلب الشفاء من بعض الأمراض، والشافي هو الله ﷾، وأنه عند العودة من هناك يخبروننا بأنهم قد شُفي البعض منهم من بعض الأمراض التي بهم، مثل أمراض كثيرة والأمراض الصعبة، فما رأيكم في صحة ما يذكرون عند اعتقادهم بأن الاغتسال من ذلك الماء يشفي المرضى والله يحفظكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذا أنه إذا ثبت أن لهذا الماء تأثيرًا حسيًا في إزالة الأمراض فإنه لا بأس من قصده والاستشفاء به، وذلك لأن الطب على نوعين: أحدهما: ما ثبت به الشرع، فهذا مقبول بكل حال ولا يسأل عنه، إنَّما يسأل عن هل هذا الذي ثبت بالشرع أنه دواء هل يكون دواء لهذا المرض المعين؟ لأنه ليس كل ما كان دواء لمرض يكون دواء لكل مرض. القسم الثاني من أقسام الطب: شيء لم يثبت به الشرع لكنه ثبت بالتجارب، وهذا كثير جدًا من الأدوية المستعملة قديمًا وحديثًا، فإذا ثبت بالاستعمال والتجارب أن هذا له تأثير حسي في إزالة المرض فإنه لا بأس باستعماله، وكثير من الأدوية التي يتداوى بها الناس اليوم إنما عُلمت منافعها بالتجارب؛ لأنه لم ينزل فيها شرع. فالمهم أن ما أشار إليه السائل من هذه المياه، إذا ثبت بالتجارب أن لها تأثيرًا في بعض الأمراض، فإنه لا بأس بالاستشفاء بها والذهاب إليها. ***
الأخت سعدية كنجاري من الأفلاج تقول: أرى بعض الناس عندنا عندما يريدون الاحتفاظ بطعام إلى وقت آخر يضعون تمرة على غطاء الإناء الذي فيه الطعام، يزعمون أنها تحفظه من كل سوء كالحشرات ونحوها. فهل في فعلهم هذا ما يناقض التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الفعل- وهو: وضع التمر على الطعام لئلا تصيبه الحشرات، هذا- لا أصل له، ولا أعلم له أصلًا من الشرع، ولا أصلًا من الواقع، فإن الحشرات تأتي إلى ما يلائمها، فمنها ما يلائمها التمر وتأتي حوله، بل تأكل منه أيضًا، ومنها ما يلائمها الدسم فتأتي إليه وتطعم منه، ولا أصل لهذا الذي يفعل. وإذا لم يكن له أصل من الشرع ولا من الواقع فإنه لا ينبغي للإنسان أن يفعله؛ لأنه مبني على مجرد أوهام وخيالات لا حقيقة لها. ***
هذه رسالة وردتنا من المرسل م. ن. العتيبي من نجد: في أيام التشريق ونحن نذهب من منى إلى الجمرات ونعود إليها نجد بعض الأفريقيين يجلسون على الطرقات، ويبيعون أكياسًا مثل الحبال، وهي من الجلد الملون، ومختومة من جميع أطرافها، وفيها شيء لا نعلمه، ويقولون: فيها شفاء من أمراض عدة وتقي الإنسان: فاللون الأسود عن الجان مثلًا، واللون الأحمر عن الجلجان، واللون الأصفر عن ذات الصفراء، واللون كذا يشفي من المرض كذا، ويقول: ضع هذا في حقيبتك أو في منزلك فيفيدك. فما حكم شراء مثل هذه الأمور؟ وما حكم بيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم شرائها لا يجوز، واعتقاد أن فيها هذا النفع الذي يقال لا يجوز أيضًا؛ لأن هذا لا دليل عليه، وأما بيعها فلا يجوز أيضًا، وينبغي لكم- بل يجب عليكم- إذا رأيتم مثل هذا أن تخبروا السلطات عن هذا الأمر، حتى يمنعوهم من أكل أموال الناس بالباطل؛ لأن التكسب بمثل هذه الأمور من أكل أموال الناس بالباطل، والواجب منعه وتأديب فاعله. ***
بارك الله فيكم من ينبع المستمع رمز لاسمه بـ ف ج يقول في رسالته: نرى كثيرًا ما توضع لافتات ولوحات، سواء كانت من الورق أو القماش أو اللوحات الخشبية، ومكتوب عليها جميعًا آيات قرآنية، وتوضع على أبواب المساجد والعمائر والشوارع العامة، مما يعرض كلام الله ﷾ للإهانة لا سمح الله، بسبب سقوط هذه اللوحات على الطرق والمحلات القذرة. نرجو التوجيه من فضيلتكم بشأن هذا الموضوع المهم لحماية كلام الله من التعرض للخطأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر الذي أشار إليه السائل- وهو: تعليق الآيات القرآنية على الجدران وأبواب المساجد وما أشبهها- هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح الذين هم خير القرون، كما ثبت عن النبي ﵊ أنه قال: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) . ولو كان هذا من الأمور المحبوبة لله ﷿ لشرعه الله تعالى على لسان رسوله ﷺ؛ لأن كل ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم فهو مشروع على لسان الرسول ﷺ، ولو كان هذا من الخير لكان أولئك السلف الصالح أسبق إليه منا ومع هذا فإننا نقول لهؤلاء الذين يعلقون هذه الآيات: ماذا تقصدون من هذا التعليق؟ أتقصدون بذلك احترام كلام الله ﷿؟ فإن قالوا: نعم. قلنا: لسنا والله أشد احترامًا لكتاب الله ﷾ من أصحاب النبي ﷺ، ومع ذلك لم يعلقوا شيئًا من آيات الله على جدرانهم أو جدران مساجدهم. وإن قالوا: نريد بذلك التذكير والموعظة. قلنا: لننظر إلى الواقع، فهل أحد من الناس الذين يشاهدون هذه الآيات المعلقة يتعظ بما فيها؟ قد يكون ذلك ولكنه نادر جدًا، وأكثر ما يلفت النظر في هذه الآيات المكتوبة حسن الخط، أو ما يحيط بها من البراويز والزخارف، أو ما أشبه ذلك وهو نادر جدًا أن يرفع الإنسان رأسه إليها ليقرأها فيتعظ بما فيها. وإن قالوا: نريد التبرك بها. فيقال: ليس هذا طريق التبرك، والقرآن كله مبارك، لكنه بتلاوته وتفقد معانيه والعمل به، لا بأن يعلق على الجدران ويكون كالمتاحف. وإن قالوا: أردنا بذلك الحماية والوِرد. قلنا: ليس هذا طريق الحماية والوِرد، فإن الأوراد التي تكون من القرآن إنما تنفع صاحبها إذا قرأها، كما في قوله ﷺ فيمن قرأ آية الكرسي في ليلة: (لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومع هذا فإن بعض المجالس- أو كثيرًا من المجالس- التي تكتب فيها الآيات قد يكون فيها اللغو، بل قد يكون فيها الكلام المحرم، أو الأغاني المحرمة، وفي ذلك من امتهان القرآن المعنوي ما هو ظاهر. ثم إن الامتهان الحسي الذي أشار إليه السائل- بأن هذه الأوراق قد تتساقط في الأسواق وعلى القاذورات، وتوطأ بالأقدام- هو أمر آخر أيضًا مما ينبغي أن ينزه عنه، بل مما يجب أن ينزه عنه كلام الله ﷿. والخلاصة: أن تعليق هذه الآيات إلى الإثم أقرب منه إلى الأجر، وسلوك طريق السلامة أولى بالمؤمن وأجدر. على أنني أيضًا رأيت بعض الناس يكتب هذه الآيات بحروف أشبه ما تكون مزخرفة، حتى إني رأيت من كتب بعض الآيات على صورة طائر أو حيوان، أو رَجُلٍ جالسٍ جلوس التشهد في الصلاة أو ما أشبه ذلك، فيكتبون هذه الآيات على وجه محرم، على وجه التصوير الذي لعن النبي ﷺ فاعله. ثم إن العلماء ﵏ اختلفوا هل يجوز أن ترسم الآيات برسم على غير الرسم العثماني أو لا يجوز؟ اختلفوا في ذلك على ثلاثة أقوال: منهم من قال: يجوز مطلقًا أن ترسم على القاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه، ما دامت بالحروف العربية. ومنهم من يقول: إنه لا يجوز مطلقًا، بل الواجب أن ترسم الآيات القرآنية بالرسم العثماني فقط. ومنهم من يقول: إنه يجوز أن ترسم بالقاعدة المعروفة في كل زمان ومكان بحسبه للصبيان؛ لتمرينهم على أن ينطقوا بالقرآن على الوجه السليم، بخلاف رسمه للعقلاء الكبار فيكون بالرسم العثماني. وأما أن يرسم على وجه الزركشة والنقوش، أو صور الحيوان، فلا شك في تحريمه، فعلى المؤمن أن يكون معظمًا لكتاب الله ﷿ محترمًا له، وإذا أراد أن يأتي بشيء على صورة زركشة ونقوش فليأتِ بألفاظ ُأخر من الحِكم المشهورة بين الناس وما أشبه ذلك، وأما أن يجعل ذلك في كتاب الله ﷿، فيتخذ الحروف القرآنية صورًا للنقوش والزخارف، أو ما هو أقبح من ذلك بأن يتخذها صورًا للحيوان أو للإنسان، فإن هذا قبيح محرم. والله المستعان. ***
هل يجوز تعليق بعضٍ من الآيات من القرآن الكريم في المنازل أو المكاتب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعليق الآيات على الجدر ونحوها في المساجد والمساكن، والجواب على هذه الفقرة أنني لا أرى ذلك، أي: لا أرى أن الإنسان يعلق آيات من القرآن على الجدر، سواء في المساجد أو في البيوت؛ لأن هذا التعليق لا بد أن نسأل: ما الحامل على ذلك؟ إن قال: الحامل على ذلك التبرك بكلام الله ﷿. قلنا: إن التبرك بالقرآن الكريم على هذا الوجه ليس بصحيح؛ لأن هذا لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا يتبركون بالقرآن على هذا الوجه، وإذا لم يرد عنهم ذلك عُلِم أنه ليس من الشرع، وإذا لم يكن من الشرع فإنه لا يجوز للإنسان أن يتعبد به لله ﷿، أو أن يتبرك بالقرآن على هذا الوجه بدون مستندٍ شرعي. قد يقول: إنني أريد بذلك تذكير الجالسين بما تتضمنه هذه الآية من ترغيب أو ترهيب. فنقول: هذا التفكير وإن كان مقصودًا للواضع، لكنه في الحقيقة غير واقع وغير عملي، فما أكثر الآيات التي فيها ترغيب وترهيب، إذا وضعت فإن أكثر الحاضرين- إن لم يكن كلهم- لا ينتفع بذلك ولا يتعظ، قد يكون من المعلق قوله تعالى: (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا)، ويكون المجلس الذي فيه هذه الآية كله غيبة وكلام في أعراض الناس، فيكون هذا من باب المضادة لكلام الله ﷿. قد يقول: إني علقتها حماية لبيتي، فأنا أعلق آية الكرسي لتحفظ البيت من الشياطين؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فنقول: هذا أيضًا من البدع، فإن السلف لم يكونوا يحفظون بيوتهم بتعليق الآيات عليها، والنبي ﵊ يقول: (من قرأ آية الكرسي في ليلة)، والقراءة غير التعليق كما هو ظاهر، وبناء على هذه العلة التي يتعلل بها من يعلق الآية تجد كثيرًا من الناس يعتمد على هذا التعليق ولا يقرؤها بنفسه؛ لأنه يقول: قد كفيت بتعليق هذه الآية، فيفوت الإنسان خير كثير بناء على هذا العمل المبني على هذا الاعتقاد الذي لا أصل له. ونحن نقول: إن بعض الناس قد يعلقها- أي: الآيات- من باب التجميل، ولهذا تجدهم أحيانًا يعلقون آيات كتبت على غير الرسم العثماني، بل هي مخالفة له، وربما يكتبونها على الشكل الذي يوحي به معناها، وربما يكتبونها على صورة بيت أو قصر أو أعمدة وما أشبه ذلك، مما يدل على أنهم جعلوا كلام الله ﷿ مجرد نقوش وزخرفة، وهذا رأيته كثيرًا. فالذي أرى أنه لا ينبغي للإنسان أن يعلق شيئًا من كلام الله ﷿ على الجدر، فإن كلام الله أعلى وأسمى وأجل من أن يجعل وشيًا تحلى به الجدران، ولا يمكن أن يقاس هذا على شخص علق المصحف بوتد أو شبهه في الجدار، فإن هذا قياس مع الفارق العظيم: فالمصحف مغلف في جيبه أو بظرفه، ولم تبدُ حروفه ولا أسطره، ولا أحد يقول: إني علقت المصحف هنا لأتبرك به أو لأتعظ به، وإنما يقول: علقته هنا لرفعه عن الأرض، وحفظه عن الصبيان ونحو ذلك، وفرق بين البارز الظاهر المعلق أو المشمع على الجدار، وبين مصحف معلق مغلف جعل في فرجة أو علق بوتد أو شبهه، ولا ينطلي هذا القياس على أحد تأمل المسألة وتدبرها. ***
هذا السائل جاد الكريم محمد عبد المنان من السودان يقول: اعتاد بعض المزارعين عندنا حينما تثمر مزارعهم ويكثر ورود الطير عليها مما يتلف المحصول عليهم، اعتادوا أن يذهبوا إلى أحد أهل القرية ليعمل لهم ويكتب ورقة تحمي زراعتهم من الطير، بشرط أن يأخذ منهم ربع جوال من المحصول. فهل هذا العمل جائز شرعًا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز شرعًا، وذلك لأنه لا يمكن أن تكون هذه الورقة تطرد الطيور عن المزارع، فإن هذا ليس معلومًا بالحس، وليس هو أيضًا معلومًا بالشرع، وكل سبب ليس معلومًا بالحس ولا بالشرع فإن اتخاذه محرم، فلا يجوز أن يعملوا هذا العمل، وإنما عليهم أن يكافحوا هذه الطيور التي تنقص محاصيلهم، يكافحوها بالوسائل المعتادة التي يعرفها الناس، دون هذه الأمور التي لا يعلم لها سبب حسي ولا شرعي. ***
السائل محمود يوسف يقول: ما المقصود بالتطير؟ وما حكمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التطير هو التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان، وأصله من الطير، وكانت العرب في الجاهلية تتشاءم: يزجرون الطير، فإذا طار واتجه إلى جهةٍ ما، تطيروا، حتى إنه ربما كان إنسان قد ربط متاعه وأناخ راحلته يريد السفر، فيتطير، فإذا جنح الطير إلى جهةٍ ما ترك السفر وقال: هذا سفر شر. هذا هو الأصل في معنى التطير، ولهذا يجب على الإنسان إذا حدث في قلبه التشاؤم أن يتوكل على الله وأن يعتمد عليه، وأن لا يبالي بهذه الأوهام التي يجرها الشيطان إلى العبد ليكدر عليه صفوه، فقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وقال: (ليس منا من تطير أو تطير له، أو سحر أو سحر له) . ***
كيف نوفق بين قوله ﷺ: (لا عدوى، ولا طيرة، ولا هامة، ولا صفر) . وبين قوله: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما أن قوله ﷺ: (لا عدوى،ولا طيرة) نفي لما كان يعتقده أهل الجاهلية بأن الأمراض تعدي بنفسها، بحيث ينتقل المرض من المريض إلى السليم بنفسه حتمًا، فنفى رسول الله ﷺ ذلك، وبين أن العدوى لا تكون إلاباذن الله ﷾، أي: إن هذا النفي يتضمن أن العدوى لا تكون إلا من الله ﷿، ولهذا أورد على النبي ﷺ لما حدث بهذا الحديث أن الرجل يأتي إبله السليمة بعير أجرب فتجرب الإبل، فقال النبي ﷺ ردًا على هذا الإيراد: (فمن أعدى الأول)؟ أي: من جعل في الأول المرض؟ هل هناك مريض أعداه؟ والجواب: لا، ولكن الذي جعل فيه المرض هو الله، فالذي جعل المرض ابتداءً في المريض الأول هو الذي يجعل المرض ثانية في المريض الثاني بواسطة العدوى. وعلى هذا فيكون معنى الحديث (لا عدوى) أي: بنفسها، ولكن ذلك بتقدير الله ﷿ الذي جعل لكل شيء سببًا، ومن أسباب المرض اختلاط المريض بالسليم، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد)؛ لأن اختلاطك به قد يكون سببًا للعدوى، فينتقل المرض من المجذوم إليك إذا اختلطت به، ولهذا قال: (فر من المجذوم فرارك من الأسد) . فيكون الحديث الثاني فيه الأمر بتجنب أسباب المرض وهي مخالطة المريض، ولهذا جاء في الحديث: (لا يورد ممرض على مصح) . ***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ يقول: بعض الشباب يسكنون معي، ودائمًا يمزحون ببعض الكلمات العفوية بالنسبة لهم، فيقول أحدهم للآخر مثلًا: إن المصالح اليوم كلها تعطلت في المكان الفلاني لأنك كنت متواجدًا فيه، وهذا لشؤم وجهك. ويضحكون لمثل هذا الأمر، حتى صار هذا ديدنهم في كل كلامهم، بل ويقولون: إن فلانًا مات لأنك ذهبت تزوره، فمات من شؤم وجهك، وهذه هي الكلمات التي يقولونها، فأرجو من فضيلة الشيخ الإجابة عن حكم هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام محرم؛ لأنه كذب ورجم بالغيب، ثم إنه قد يوجد عقيدة فاسدة بالتشاؤم من هذا الرجل، ثم إنه قد يوجد عداوة مستقبلًا؛ لأن كثرة المزاح في مثل هذه الأمور تؤثر على القلب وعلى النفس حتى يكون فيه عداوة وبغضاء، فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا مثل هذه الكلمات المبنية على الكذب، والتي تسبب ما لا ينبغي أن يكون. ***
هذه رسالة من الأخت. ع. م. ق. من السودان تقول: نحن نسكن في منزل منذ أربع سنوات، ومنذ نزلنا هذا المنزل ونحن نمر بحالات سيئة جدًّا: من مرض لأفراد الأسرة، ولما نملكه من بهائم، فلم تعد تتكاثر، فلا نسل منها ولا لبن فيها ولا فائدة، مما جعلنا نتشاءم من هذا المنزل، فهل يجوز لنا ذلك؟ وهل لو خرجنا منه وانتقلنا إلى منزل آخر لهذا السبب، هل نأثم بذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ربما يكون بعض المنازل، أو بعض المركبات، أو بعض الزوجات مشؤومًا، يجعل الله ﷾ بحكمته- مع مصاحبته إما ضررًا، أو فوات منفعة، أو نحو ذلك. وعلى هذا فلا بأس أن تبيعوا هذا البيت وتنتقلوا إلى بيت غيره، ولعل الله ﷾ أن يجعل لكم الخير فيما تنتقلون إليه. وقد ورد عن النبي صلى الله وسلم أنه قال: (الشؤم في ثلاث، وذكر منها الدار) . فضيلة الشيخ: ما هي الثلاث التي فيها الشؤم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هي الدار والمرأة والفرس، يعني: بعض المركبات قد يكون فيه شؤم، بعض الزوجات يكون فيه شؤم، بعض البيوت يكون فيه شؤم، فإذا رأيت ذلك فاعلم أنه بتقدير الله ﷿، وأن الله ﷾ بحكمته قدر ذلك لتنتقل إلى محل آخر. ***
بعض الناس إذا اشترى سيارة ثم حصل لها عدة صدمات قال: هذه السيارة منحوسة، فيقوم ببيعها فهل هذا من التشاؤم في محله؟ أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن بعض الناس يجد في بعض ماله من بركة فينتفع به كثيرًا ويوقى الآفات، سواء كان في السيارة أو في البيت أو في غير ذلك، وربما يجد منه خلاف هذا، ربما يكون هذا الشيء كثير الآفات مقلقًا له لا ينشرح صدره له، فإذا وجد ذلك في بعض ماله فلا حرج عليه أن يبيعه ليتخلص من آفاته، وكم من إنسان حصل له مثل هذا، أي: اشترى سيارة فصارت كثيرة الآفات من صدمات أو غيرها، فيبيعها ثم يشتري أخرى، فيجد منها الراحة والبركة وقلة الآفات، ولا يعد هذا من باب التشاؤم، بل هو من باب التخلص من آفات هذا الشيء وخسارته التي يخسرها عليه، ولا يعد هذا من باب التطير. ***
هذه الرسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين من بلاد بني عمرو من قرية بران ع خ م يقول في رسالته: يوجد أناس في بلد غير بلدنا وقريتنا يتشاءمون برجل منهم، إذا قَبّلهم يقولون: يصيبهم مصيبة. فما حكم هؤلاء وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء لا يجوز لهم هذا التشاؤم؛ لأن النبي ﷺ نهى عن الطيرة وقال: (ليس منا من تطير أو تُطِير له، أو سَحَر أو سُحِر له) . فلا يجوز لأحد أن يتشاءم بشخص، وهذا على عكس التفاؤل، فإن التفاؤل مطلوب، كون الإنسان يتفاءل يكون مطلوبًا في حقه، وأما التشاؤم الذي يُدخِل على الإنسان الحزن والهم والغم فإن ذلك ليس من أعمال المسلمين، فلا يجوز للمرء أن يتطير بأحد. *** الأسماء والصفات
أحسن الله إليكم يسأل عن مذهب أهل السنة والجماعة في إثبات الصفات لله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أهل السنة والجماعة- جعلنا الله منهم- أشد الناس تعظيمًا لله ﷿، وأشد الناس احترامًا لنصوص الكتاب والسنة، فلا يتجاوزون ما جاء به القرآن والحديث من صفات الله ﷿، فيثبتون لله تعالى ما أثبته الله لنفسه وإن حارت العقول فيه، وينفون ما نفى الله عن نفسه وإن توهمت العقول ثبوته. مثال ذلك: أن الله ﷿ فوق كل شيء أزلًا وأبدًا، وهو ﷾ له العلو المطلق في كل وقت وحين، فوق سماواته، فوق مخلوقاته، مستوٍ على عرشه، ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه ينزل إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر)، فيأتي الشيطان للإنسان ويقول: كيف ينزل وعلوه لازم له؟ كيف ينزل؟ فنقول: هذا يحار فيه العقل، لكن يجب علينا أن نصدق ونقول: الله أعلم بكيفية هذا، نؤمن بأنه ينزل ولكن لا نعلم بالكيفية، عقولنا تحار ولكن يجب أن نقبل؛ لأن الله ليس كمثله شيء في جميع صفاته. ولهذا قال بعضهم: إن القرآن والسنة أتى بما تحار فيه العقول، لا بما تحيله العقول، فالواجب علينا في أسماء الله وصفاته تصديقها والإيمان بها، وأنها حق وإن حارت عقولنا في كيفيتها، فالجادة لأهل السنة والجماعة أن كل ما سمى الله به نفسه أو وصف به نفسه، سواء في القرآن أو في السنة، فإنه يجب الإيمان به وتصديقه. قوله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) . يأتي الإنسانَ الشيطانُ فيقول: كيف يجيء؟ فنقول: يجيء على الكيفية التي أراد الله، الكيف مجهول، يجب عليك أن تؤمن بهذا حتى لو حار عقلك به، مأمور بأن تصدق على كل حال. ولذلك ضل قوم حكموا عقولهم في أسماء الله وصفاته، فأنكروا ما أثبته الله لنفسه، وحرفوا به نصوص الكتاب والسنة، فقالوا: إن معنى قوله تعالى: (استوى على العرش) أي: استولى على العرش. فسبحان الله! كيف يقول ﷿: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) . أفيمكن أن نقول: إنه قبل ذلك ليس مستوليًا عليه؟ هذا أمر ينكره العامي فضلًا عن طالب العلم، لكن إذا حكم الإنسان عقله في الأمور التي تتوقف على الخبر المحض ضل وزل. ولهذا ننصح إخواننا الذين يقولون: استوى بمعنى استولى، أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يؤمنوا بأنه استوى على العرش، أي: علا عليه علوًّا خاصًّا يليق بجلاله وعظمته، وليعلموا أن الله سائلهم يوم القيامة عما اعتقدوا في ربهم ﷿، وهل اعتقدوا ذلك بناء على كتاب الله وسنة رسوله، أو بناء على ما تقتضيه أهواؤهم وعقولهم؟ إن نصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله، وأسأل الله أن يتوب عليهم ويوفقهم للحق، فليؤمنوا بما جاء في كتاب الله على مراد الله ﷿، وكذلك أيضًا من قالوا: إن الله ليس عاليًا بذاته فوق المخلوقات، وقالوا: لا يجوز أن نقول: إن الله فوق، فنقول: توبوا إلى ربكم، أنتم الآن تدعون الله وتجدون قلوبكم مرتفعة إلى فوق، وتمدون أيديكم أيضًا إلى فوق، دعوكم وفطرتكم فقط، واتركوا عنكم الأوهام والأشياء التي تضلكم، وإذا أنكرتم علو الله وقلتم: إنه بذاته في كل مكان، فكيف يليق هذا؟ أيليق أن يكون الله تعالى في حجرة ضيقة؟ ألا فليتق الله هؤلاء، وليتوبوا إلى الله من هذه العقيدة الفاسدة الباطلة، أخشى أن يموتوا فيلقوا ربهم على هذه العقيدة فيخسروا. ***
بارك الله فيكم من موريتانيا المستمع سعدي. أ. ن يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف الفرق بين أسماء الله وصفاته مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بين الاسم والصفة ظاهر، فإذا قلت مثلًا السميع، فالسميع اسم والصفة السمع، وإذا قلت: البصير فالبصير اسم والصفة البصر، وإذا قلت: العلي فالعلي اسم والعلو صفة، وإذا قلت: الحكيم فالحكيم اسم والحكمة صفة، وهلم جّرًا. فهذا هو الفرق: فالاسم ما تسمى الله به، والصفة ما اتصف الله به، وهي المعنى القائم بالله ﷿. وهناك صفات ليست صفات معانٍ مثل اليد، فلله تعالى يدان اثنتان، قال الله تعالى: (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ) . والعين، فلله تعالى عينان، كما قال النبي ﵊: (إن الدجال أعور، وإن ربكم ليس بأعور) . وما أشبه ذلك مما جاء في الكتاب والسنة، فهذه الصفات وأمثالها ليست صفات معانٍ ولكنها صفات مسماها بالنسبة لنا أبعاض وأجزاء. ***
هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول: ما هو مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو بهذا الإفادة جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في أسماء الله وصفاته أنهم يثبتون لله تعالى كل ما أثبته لنفسه من الأسماء، وكل ما أثبته لنفسه من الصفات، على وجه ليس فيه تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. ولنضرب لهذا مثلًا: قال الله ﵎: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . فيقول أهل السنة والجماعة: إن معنى الآية الكريمة أن الله استوى على العرش، أي: علا عليه، لكن كيف علا؟ الله أعلم، لا نكيف صفاته لكن نؤمن بمعناها، فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: علا عليه علوًّا يليق بجلاله وعظمته، ويجتنبون طريق أهل البدع الذين يحرفون الكلم عن مواضعه فيقولون: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى. ولا شك أن هذا صرف للكلام عن ظاهره بلا دليل، ولا شك أيضًا أنه يستلزم لوازم باطلة؛ لأننا إذا قلنا: استوى بمعنى استولى، لزم أن يكون العرش قبل خلق السماوات والأرض ملكًا لغير الله، وأن الله استولى عليه بعد ذلك، ولزم أيضًا أن يقال: إنه يصح أن تقول: إن الله استوى على الأرض؛ لأنه مستولٍ عليها، وهذا أمر باطل. ومثال ثانٍ: قول الله ﵎: (وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَالْإِكْرَامِ) . قال أهل التعطيل الذين يحرفون الكلم عن مواضعه: المراد بوجه الله ثوابه، وليس المراد به وجهه الذي هو صفة من صفاته ﷿، من صفاته الخبرية التي لا مدخل للعقل فيها وليست معنوية، بل هي صفة خبرية، نظيرها بالنسبة لنا بعض منا وجزء منا، فيقال: هذا خلاف ظاهر الآية الكريمة، وخلاف ما كان عليه السلف الصالح من الصحابة والتابعين وأئمة الهدى من بعدهم، فوجهه الله تعالى هو وجهه، والثواب شيء آخر، ثم أين المقارنة: (كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ (٢٦) وَيَبْقَى وَجْهُ) أين المقارنة بكون المراد العمل؟ فالآيات هذه لا تناسب ما قبلها حتى يقال: إنها من العمل، أي لا تناسب ما قبلها من حيث تفسيرها بالثواب. ومن ذلك أيضًا قول الله ﵎ لإبليس: (مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ)؟ قالوا: المراد باليد هنا القدرة. فيقال: سبحان الله! كل البشر خلقهم الله بقدرته، ثم هل القدرة تتبعض وتتعدد؟ القدرة صفة واحدة، يستطيع بها القادر أن يفعل بلا عجز. وقس على هذا كثيرًا، فأهل السنة والجماعة يقولون: كل ما سمى الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، وكل ما وصف الله به نفسه فالواجب علينا إثباته، لكن يجب أن يكون إثباتنا هذا منزهًا عن التمثيل وعن التكييف، بمعنى: أن نثبت لله هذه الصفة وننفي أن يكون مماثلًا للعباد في هذه الصفة، وكذلك نثبت هذه الصفة ولا نكيفها، لا نقول: كيفيتها كذا وكذا. ولهذا لما سأل الإمام مالكًا رجل فقال: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى علاه الرحضاء، ثم قال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . فقال ﵀: الكيف غير معقول، يعني: لا يمكن أن ندركه بعقولنا، وإذا كنا لا ندركه بعقولنا لزم أن نعتمد في ذلك على النقل، ولم ينقل لا في القرآن ولا في السنة كيفية استواء الله ﵎ على عرشه، وعلى هذا فتكون كيفية الاستواء مجهولة، وليست معلومة لنا. ***
بارك الله فيكم من المغرب رسالة وصلت من المستمع أحمد يقول: ما هو منهج أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ نرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم، ومنهج أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات منهج وسط بين أهل التعطيل وأهل التثميل: فأهل التمثيل قوم أكدوا لله الصفات، لكن بالغوا في إثباتها وغلوا في ذلك، وجعلوها من جنس صفات المخلوقين، فانحرفوا بذلك عن الصراط المستقيم؛ لأن الله ﷾ يقول في كتابه: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . ويقول جل ذكره: (رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . ويقول ﷾: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ. اللَّهُ الصَّمَدُ. لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ. وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) . ويقول ﷿: (فَلا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) . والقسم الثاني معطلة: عطلوا الله ﷾ من صفاته التي أثبتها لنفسه، ونفوها عنه، وحرفوا من أجل ذلك نصوص الكتاب والسنة، وعطلوها من المراد بها بحجج هي شُبَه في الحقيقة وليست بحجج، حكموا في ذلك عقولهم، وجعلوا يثبتون لله ما اقتضت عقولهم إثباته، وينكرون ما لم تقضِ عقولهم إثباته، فظلموا في ذلك وصاروا هم الحاكمين على الله، وليس كتاب الله هو الحاكم بينهم، فأنكروا ما وصف الله به نفسه وقالوا: ليس لله وجه، ليس لله عين، وليس لله يد. وقالوا أيضًا. ليس لله فرح، وليس لله غضب، وليس لله عجب. وقالوا أيضًا: ليس لله فعل: لا استواء على العرش، ولا نزول إلى السماء الدنيا. بل بالغوا حتى قالوا: إن الله ليس عاليًا فوق خلقه، وإنما علوه علوُّ صفة وعلو معنوي، وليس علوًّا ذاتيًّا. وبالغ بعضهم فقالوا: إن الله ﷾ لا يقال: إنه فوق العالم، ولا تحت العالم، ولا يمين ولا شمال، ولا متصل ولا منفصل، وأتوا بأقوال يعجب منها المرء ويقول: كيف يكون هذا مقتضى العقول؟ أما أهل السنة والجماعة فإنهم يثبتون لله تعالى ما أثبته من الأسماء والصفات إثباتًا حقيقيًا، مع نفي المماثلة- أي: مماثلة المخلوقين- فيقولون: نثبت لله كل ما أثبته لنفسه من الأسماء والصفات، أي: فيثبتون لله الحياة والعلم والقدرة والسمع والبصر، ويثبتون لله الأفعال المتعلقة بمشيئته: كالاستواء على العرش، والنزول إلى السماء الدنيا، والإتيان للفصل بين العباد،؟ ويثبتون لله الفرح والضحك والعجب، ويثبتون لله الحكمة والرحمة، وغير ذلك مما أثبته الله لنفسه، أو أثبته له رسوله ﵌، لكن من غير تحريف ولا تعطيل. ويقولون لهؤلاء الذين أنكروا ما أثبته لله لنفسه، وحكموا على الله بعقولهم، يقولون: إننا إذا سلمنا جدلًا أن ما نفيتموه لا يدل عليه العقل، فإنه قد دل عليه السمع، والسمع دليل شرعي نتفق وإياكم عليه، على أن الكتاب والسنة هما الدليلان بإثبات ما أثبته لنفسه، ونفي ما نفاه عن نفسه، وكونكم تقولون: إن إثبات شيء ما من هذه الصفات يقتضي التمثيل والتشبيه، نقول لكم: وأنتم حين أكدتموه يقتضي على قاعدتكم أنكم مشبهة ممثلة. فأي فرق بين من يقول: إن لله سمعًا وبصرًا، ومن يقول: إن لله رحمة وإن لله وجهًا، وإن الله استوى على العرش؟ إن كان ما أكدتموه لا يدخل في التمثيل فما أكدناه نحن لا يدخل في التمثيل، وإن كان ما أثبتناه يقتضي التمثيل فما أثبتموه يقتضي التمثيل، والتفريق بين هذا وهذا تحكُّم وتناقض، والواجب على المرء أن لا يتقدم بين يدي الله ورسوله لنفي ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله، أو إثبات مالم يثبته الله لنفسه ولا أثبته له رسوله، الواجب في هذا الأمر- يعني: في باب الأسماء والصفات- أن يتلقى من الكتاب والسنة؛ لأنه من الأمور التي لا مجال للعقل فيها، والعقل لا يدرك ما يجب لله من الأسماء والصفات أو يجوز أو يمتنع، وإن كان العقل قد يدرك من حيث الإجمال أن الله موصوف بصفات الكمال ولا بد، ولكن تفاصيل ذلك لا تعلم إلا عن طريق السمع. وخلاصة القول: أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إثبات ما أثبته الله لنفسه من الأسماء والصفات، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل، ونفي ما نفى الله عن نفسه من الصفات، والسكوت عما لم يرد به نفيٌ ولا إثبات؛ لأن هذا هو مقتضى السمع ومقتضى العقل، فنسأل الله تعالى أن يتوفانا على عقيدة أهل السنة والجماعة. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من سوداني يعمل بالرياض يقول: فضيلة الشيخ أريد أن أعرف مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسول الله ﷺ قبول هذا الوصف، والإيمان به، واعتقاد أنه حق على حقيقته، إلا أنهم ينزهون الله تعالى عن أي نقص في هذه الصفة، أو عن مشابهة المخلوقين فيها. فيؤمنون مثلًا بقوة الله، ويؤمنون بأن هذه القوة لن يلحقها ضعف، ويؤمنون بأن هذه القوة لا تشبه قوى المخلوقين، مهما اجتمعوا وكثروا فإن قوتهم لن تكون مثل قوة الله ﷿. إن لله تعالى يدًا حقيقية، ويؤمنون بأن هذه اليد قوية عظيمة، قال الله تعالى: (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . وقال تعالى: (يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) . ويؤمنون بأن هذه اليد لا تماثل أيدي المخلوقين؛ لقوله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) . فالقاعدة إذًا فيما جاء من صفات الله ﷿ في القرآن أو السنة: الإيمان بذلك، وقبوله، وتنزيه الله ﷾ عن أي نقص فيه، وتنزيه الله تعالى أن يكون مماثلًا للمخلوقين فيه، هذه هي السبيل التي درج عليها أهل السنة والجماعة من سلف هذه الأمة وأئمتها، ولهذا كانوا يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت دون كيف. وسئل الإمام مالك ﵀ عن الاستواء فقيل له: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق رأسه حتى تصبب منه العرق، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . قال الاستواء غير مجهول؛ لأنه معلوم في اللغة العربية أن معنى استوى على كذا أي علا. والكيف غير معقول، أي: غير مدرك بالعقل؛ لأنه فوق ما تتصوره عقولنا. والإيمان به واجب؛ لأن النص ورد به، فقد ذكر الله استواءه على عرشه في سبعة مواضع من كتابه. والسؤال عنه بدعة، أي: السؤال عن كيفيته بدعة لا عن معناه، فإنه لا حرج على الإنسان أن يسأل عن معنى آيات الصفات وأحاديثها؛ لأن هذا من الأمورالتي يمكن الوصول إليها، أما الكيفية فلا يجوز السؤال عنها؛ لأنها من الأمور التي لا يمكن الوصول إليها. ولم تكن من عادة السلف، ولهذا قال ﵀: السؤال عنه بدعة. وهكذا نقول في سائر الصفات: إنها معلومة المعنى مجهولة الكيفية، وإن الإيمان بها واجب، والسؤال عنها بدعة. فنقول مثلًا في العين: إن معناها معلوم، وكيفيتها مجهولة، والإيمان بها واجب، والسؤال عن كيفيتها بدعة. وهكذا نقول في الوجه، وغير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من صفات الله: إنه معلوم المعنى، مجهول الكيفية. ***
السائل من السودان يقول في هذا السؤال: حدثونا عن مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات التي ذكرت في الكتاب والسنة هو الكلمة المشهورة: أمروها كما جاءت بلا كيف، وأنه يجب الإيمان بها والتصديق، واعتقاد مقتضاها من غير تحريف ولا تعطيل، ولاتكييف ولا تمثيل، فلا يجوز أن يحرف الكلم عن مواضعه، فيقال مثلًا: المراد باليدين القوة أو القدرة أو النعمة، ولا يجوز أيضًا أن يحرف الوجه عن معناه فيقال: المراد بالوجه الثواب أو ما أشبه ذلك، ولا يجوز أيضًا أن يحرف استواء الله على العرش إلى استيلائه عليه فيقال: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: استولى، ولا يجوز أن يحرف نزول الله إلى السماء الدنيا بنزول أمره أو نزول رحمته، أونزول ملك من ملائكته، ولا يجوز أن يحرف قوله تعالى: (هَلْ يَنظُرُونَ إِلاَّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ رَبُّكَ) إلى أن المراد إتيان شيء من آياته، ولا يجوزأن يحرف قول الله ﵎: (تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا) إلى أن المراد بذلك علمنا أو ما أشبه ذلك. المهم أن مذهب أهل السنة والجماعة هو إبقاء النصوص على ظاهرها اللائق بالله ﷿، كما أنه لا يجوز عندهم التمثيل، أي: أن تمثل هذه الصفات بصفات المخلوقين، فيقال مثلًا: إن وجه الله تعالى كوجوهنا، أو يده كأيدينا، أو عينه كأعيننا، أو نزوله كنزولنا، أو استواءه كاستوائنا، كل هذا محرم. فطريقتهم ما دل الكتاب والسنة والعقل على أنها حق، وذلك بإثباتها على ظاهرها، من غير تمثيل ولا تحريف. ***
يقول هذا السائل: يا فضيلة الشيخ ما مذهب أهل السنة والجماعة في الأسماء والصفات؟ وما معنى أمروها كما جاءت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم مذهب أهل السنة والجماعة في باب الأسماء والصفات إثبات ما أثبته الله لنفسه في القرآن الكريم، أو صح عن النبي ﷺ في سنته المطهرة، فكل ما جاء في القرآن من أسماء الله وصفاته فهو حق، وكل ما جاء في السنة مما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حق، ويتبرؤون من أمورٍ أربعة: التمثيل، والتحريف، والتعطيل، والتكييف. فلا يمثلون صفات الله بصفات خلقه، ولا يحرفون القرآن والسنة عن ظاهرهما بتأويلٍ ليس بسائغ، ولا يعطلون الله تعالى من صفاته التي أثبتها لنفسه، ولا يعطلون النصوص من دلالتها التي أراد الله بها، ولا يكيفون صفات الله بصفات خلقه، بل يؤمنون بأن الله ليس كمثله شيء وهو السميع البصير، ولا يتعمقون في البحث عن أسماء الله وصفاته، بل يسكتون عما سكت الله عنه ورسوله، وعما سكت عنه الصحابة ﵃. ومعنى قولهم: أمروها كما جاءت بلا كيف، يعني أبقوا جلالتها على ما هي عليه، وأثبتوا ما دلت عليه من الإثبات، ولا تكيفوا صفات الله بصفات الخلق، أو تكيفوا صفات الله بصفةٍ تتخيلونها وإن خالفت صفة الخلق؛ لأن الله تعالى أخبرنا عن صفاته ولم يخبرنا عن كيفيتها. ***
جزاكم الله خيرًا أبو إبراهيم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال: سئل أحد السلف ﵃ عن الأسماء والصفات فقال: أمرُّوها كما جاءت. ما معنى ذلك؟ وهل هذا القول منسوب إلى أحد السلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول منسوب إلى عموم السلف، يقولون في آيات الصفات وأحاديثها: أمروها كما جاءت بلا كيف، فقولهم: أمروها كما جاءت يعني: لا تتعرضوا لها بتحريف، أي بتأويل يخرجها عن ظاهرها، ويتضمن هذا القول أيضًا إثبات معانيها، وأنه ليس المراد مجرد إثبات اللفظ؛ لأن نصوص الصفات في كتاب الله وسنة رسوله ألفاظ جاءت لإثبات معناها، لا أن نمرها على ألسنتنا دون أن نفهم المعنى، فكأنهم يقولون: أمروها على معناها المراد بها لا تغيروها. وقولهم: بلا كيف، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى بلا اعتقاد كيفية لها؛ لأن لها كيفية ضرورة إثباتها، إذ لا يمكن إثبات شيء لا كيفية له، فيكون المعنى: بلا كيف، أي: بلا تكييف لها، لا تكيفوها، لا تقولوا: كيفية وجه الله كذا وكذا، ولا كيفية يديه كذا وكذا، ولا كيفية عينيه كذا وكذا، لأن الله تعالى أجل وأعظم من أن يدرك العباد كيفية صفاته. وفي هذا القول المشهور عن السلف رد على طائفتين منحرفتين: إحداهما: طائفة التعطيل، التي سلبت عن الله تعالى جميع معاني صفاته، وجعلتها ألفاظًا لا معنى لها، أو جعلت لها معاني مخالفة لظاهر اللفظ؛ لأن الذين لم يمروها على ما جاءت انقسموا إلى قسمين: قسم قالوا: لا معنى لها إطلاقًا، وليس علينا إلا إمرار لفظها دون التعرض لمعناها. وقسم آخر قالوا: نتعرض للمعنى، لكن حملوا المعنى على خلاف ظاهرها، وأثبتوا لها معاني من عند أنفسهم لا دليل عليها من كتاب الله ولا من سنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا من أقوال الخلفاء والصحابة. فالأول طائفة المعتزلة والجهمية ومن سلك سبيلهم من معطلي الصفات، والثانية طريقة الأشاعرة ومن سلك سبيلهم ممن حرفوا نصوص الصفات إلى معانٍ ابتكروها من عقولهم، ولم ينزل الله بها سلطانًا، ولم يثبتوا إلا ما زعموا أن العقل يدل عليه، كالصفات السبع التي أثبتتها طائفة الأشعرية، وأنكروا من الصفات ما العقل أدل عليه من دلالة العقل على هذه الصفات التي أثبتوها. على كل حال الجملة الأولى فيها رد على طائفتين: الأولى من عطلت المعاني مطلقًا، والثانية من أثبتت معاني لا دليل عليها، وربما تكون الطائفة الثانية أشد مخالفة من الطائفة الأولى؛ لأن الطائفة الأولى أمسكت وقالت: لا نثبت معنى، فنفت المعنى، وهذا نفي بلا علم بلا شك. والثانية نفت المعنى المراد وأثبتت معنى آخر لا يدل عليه اللفظ، فصار في ذلك جنايتان: الجناية الأولى: نفي المعنى الذي هو ظاهر اللفظ، والثانية: إثبات معنى لا يدل عليه اللفظ، نسأل الله الهداية للجميع. أما قولهم: بلا كيف، فهو رد على طائفة منحرفة على ضد الطائفتين المعطلتين، وهي طائفة الممثلة الذين قالوا: نثبت لله الصفات، ولكنها على مثل ما كان من صفات المخلوقين: فوجه الله تعالى- على زعمهم، تعالى الله عن قولهم- يكون على مثل أجمل وجه بشري، وهكذا بقية صفاته ﷿. وهؤلاء أيضًا خالفوا قول الله تعالى خبرًا: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . وعصوا أمر الله تعالى نهيًا في قوله: (فَلا تَضْرِبُوا لِلَّهِ الأَمْثَالَ إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وخلاصة الجواب أن معنى قول السلف: أمروها كما جاءت: أثبتوا هذه الألفاظ مع معانيها التي دلت عليها، وهو ما يفهم من ظاهرها، على الوجه اللائق بالله ﷿. وقولهم: بلا كيف، رد على الممثلة، أي: لا تكيفوها، وليس المعنى لا تعتقدوا لها كيفية؛ لأن لها كيفية، مجرد القول بإثباتها يستلزم أن يكون لها كيفية، لكنها غير معلومة، ولهذا قال الإمام مالك ﵀ في استواء الله على عرشه: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . ***
هذا السائل يقول: يا فضيلة الشيخ البعض من الدعاة يقولون بأنه لا ينبغي أن نعلِّم الناس مسائل توحيد الأسماء والصفات؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا حصل إشكال لهم في أي شيء منها- أي: من الصفات- بينا لهم ذلك، فما رأي فضيلتكم بارك الله فيكم وفي علمكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن الناس في هذا الباب- أي: في باب أسماء الله وصفاته- ينقسمون إلى ثلاثة أقسام: طرفان ووسط. فطرفٌ يقول مثلما قال هذا السائل عن شخصٍ آخر أنه يقول: لا تبينوا أسماء الله وصفاته؛ لأنها من المتشابه، ولكن إذا سألوا فأجيبوهم. وقسمٌ آخر طرفٌ آخر يقول: بينوا للناس أسماء الله وصفاته، ثم ما يتفرع على هذه الأسماء والصفات من الإشكالات أوردوه عليهم، أو تعمقوا في جانب الإثبات واذكروا كل شيء، حتى إن بعضهم يقول مثلًا: كم أصابع الله؟ كيف استوى على العرش؟ هل لله أذن؟ وما أشبه ذلك من الأمور التي يجب الإعراض عنها؛ لأنها لم تذكر في الكتاب ولا في السنة، ولو كان ذكرها مما تتوقف عليه العقيدة الصحيحة لكان الله يبينها لعباده: إما في كتابه، أو على لسان رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. والقسم الثالث وسط يقول: علموا الناس ما يحتاجون إليه في هذا الباب، دون أن تتعمقوا وتتكلفوا ما لستم مكلفين به. وهذا القول هو الصحيح، هو الراجح، أن نعلم الناس ما يحتاجون إليه، إلى معرفته في هذا الباب، وأن لا نتكلف علم، ما ليس لنا به علم، بل نعرض عنه. فمثلًا: إذا شاع في الناس مذهبٌ يخالف مذهب السلف، فلا بد أن نبين للناس مذهب السلف في هذا الباب، لو شاع في الناس أن اليدين اللتين أثبتهما الله لنفسه هما النعم، يجب علينا أن نبين أن هذا خطأ، وأن اليدين صفتان لله ﷿، أثبتهما الله لنفسه، وبين جل وعلا أن يديه مبسوطتان ينفق كيف يشاء، وأخبر النبي ﷺ (أن الله يبسط يده بالليل ليتوب المسيء بالنهار، ويبسط يده بالنهار ليتوب المسيء بالليل) . وأخبر أن يد الله ملأى سحاء الليل والنهار، وقال: أرأيتم ما أنفق منذ خلق السماوات والأرض؟ فإنه لم يغض ما في يمينه، وأجمع سلف الأمة على أنهما يدان حقيقيتان ثابتتان لله على وجهٍ يليق به، لكن لا تماثلان أيدي المخلوقين، حتى يزول عن الناس الاعتقاد الذي ليس بصحيح، وهو أنهما النعمتان، هذا لا بد منه. لكن إذا كنا في قومٍ لم يطرأ على بالهم هذا الشيء، ولو دخلنا معهم في مسائل تفصيلية لحصل لهم ارتداد، أو لدخلوا في أمورٍ يتنطعون فيها، فهنا نأخذ بما جاء عن السلف، وخاصةً عن ابن مسعود ﵁ أنه قال: (إنك لن تحدث حديثًا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة) . وقال عليٌ ﵁: (حدث الناس بما يعرفون، أتريدون أن يكذب الله ورسوله)؟ أما التعمق في الصفات، وطلب ما لا يمكن العلم به، فإن هذا من التكلف والبدعة، ولهذا لما قال رجلٌ للإمام مالك: يا أبا عبد الله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ وكان هذا سؤالًا عظيمًا وقع موقعه في الإمام مالك ﵀، فأطرق برأسه وجعل يتصبب عرقًا، ثم رفع رأسه وقال: (يا هذا! الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يريد بذلك ﵀ أن الاستواء غير مجهول، معروف استوى على كذا يعني: علا عليه، قال الله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) يعني: علوت عليه وركبت فيه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) يعني: إذا علوتم عليه راكبين. فاستوى على العرش يعني: علا عليه علوًا يليق بجلاله وعظمته، هذا معنى قوله: الاستواء غير مجهول. والكيف غير معقول، لم يقل ﵀: الكيف غير موجود، بل قال: الكيف غير معقول، يعني: هناك كيفية استوى الله عليها لكن لا ندري، عقولنا لا تدرك ذلك، وشرعنا لم يأتِ بها، الكتاب والسنة ليس فيهما كيفية استواء الله على العرش، وعقولنا لا تدرك هذا، فانتفى عنها الدليلان العقلي والسمعي، فوجب السكوت، فإذا سئلنا: كيف استوى؟ قلنا: الله أعلم الإيمان به واجب أي بالاستواء واجبٌ على ما أراده الله ﷿ والسؤال عنه بدعة هذا محل الشاهد من كلامنا، هذا السؤال عن الكيفية بدعة، لماذا؟ لأن الصحابة- وهم أحرص منا على معرفة الله، وأحرص منا على العلم، وإذا سألوا سألوا من هو أعلم منا بالإجابة- لم يسألوا النبي ﷺ، لم يقولوا: يا رسول الله كيف استوى؟ مع أنهم يسألون عن أشياء أدق من هذا، لكنهم يعرفون ﵃ أن مثل هذه الأمور لا يمكن العلم بها، لذلك لم يسألوا، وإلا فهم يسألون عما هو أدق، كما سنبين إن شاء. الله أيضًا السؤال عنه بدعة: من سمات أهل البدع؛ لأن أهل البدع هم الذين يحرجون أهل السنة في ذكر الكيفية، يقولون: كيف استوى؟ كيف ينزل إلى السماء الدنيا؟ يحرجونهم ليقولوا: استوى على الكيفية الفلانية، أو ينكروا الاستواء، أو يقولوا: نزل على الكيفية الفلانية، أو ينكروا النزول، فهو من سمات أهل البدع، السؤال عن كيفية الصفات من سمات أهل البدع، ثم إن السؤال عن الكيفية- كيفية الصفات- من التنطع في دين الله، وقد قال النبي ﵊: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . أو بما جاءت به النصوص من أمور الغيب، ولا تسأل عما وراء ما ذكر لك؛ لأنك لن تصل إلى شيء، وإذا سألت عما لم يذكر لك من أمور الغيب ربما تكون من الذين يسألون عن أشياء لا حاجة لهم بها، بل أنت منهم، وربما تقع في متاهات تعجز عن التخلص منها. وقولنا: إن الصحابة ﵃ يسألون عما دون ذلك، أستدل له بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن الدجال يخرج ويمكث في الأرض أربعين يومًا: اليوم الأول كسنة كاملة، يعني: اثني عشر شهرًا، واليوم الثاني كشهر، واليوم الثالث كأسبوع، وبقية أيامه كأيامنا. فالصحابة ﵃ لما قال: يوم كسنة، قالوا: يا رسول الله! هذا اليوم الذي كسنة تكفينا فيه صلاةُ يوم واحد؟ قال: (لا، اقدروا له قدره) . فتجدهم أنهم سألوا عن هذا لأنهم مكلفون بالصلوات الخمس في أوقاتها المعلومة، وهذا اليوم سيكون طويلًا، سيكون اثني عشر شهرًا، هل تكفي فيه خمس صلوات؟ لذلك سألوا، فإذا كانوا لم يسألوا الرسول ﵊ فيما يتعلق بصفات الله فإنهم خير سلفٍ لنا نقتدي بهم، ولا نسأل عن كيفية صفات الله، ولا نسأل أيضًا عما لم يبلغنا علمه من هذه الصفات ولا من غيرها من أمور الغيب، كل أمور الغيب الأدب فيها أن يقتصر الإنسان فيها على ما بلغه، وأن يسكت عما لم يبلغه لأنه لو كان في بيانه خيرٌ لبينه الله ورسوله. وأما قول السائل: لا تخبروا العوام بها؛ لأنها من المتشابه. فنقول له: يا أخي ماذا تريد بالمتشابه؟ إذا كانت صفات الله ﷿ وكانت نصوصه الواردة فيها من المتشابه فماذا يبقى بيانًا؟ آيات الصفات من أبين الآيات، أحاديث الصفات من أبين الأحاديث، وليس فيها ولله الحمد شك، كلها معناها معلوم، كلها معناها مفهوم بمقتضى اللسان العربي المبين الذي نزل به القرآن، وكيف ينزل الله علينا شيئًا يتعلق بأسمائه وصفاته ونحن نجهله ولا يمكننا الوصول إليه؟ هذا مستحيل فنقول: إن آيات الصفات وأحاديثها من المعلوم، وليست من المتشابه، فهل يشتبه على أحد قول الله ﵎: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ) فلا يدري ما معنى خلق؟ هل يشتبه على أحد قول الله تعالى: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) أن معناها نفي المماثلة وإثبات السمع والبصر؟ آيات الصفات وأحاديثها ليست من المتشابه، نعم إن أراد القائل بقوله: من المتشابه، يعني: من الذي يشتبه علينا إدراك كيفيته وحقيقته فهذا صحيح، نحن لا نعلم كيفية ما وصف الله به نفسه وكنهه، لكن معناه واضح، ولولا أن معناه واضح ما استطعنا أن ندعو الله بأسمائه، وقد قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . فالمهم أن هذه الكلمة التي أطلقها بعض العلماء على آيات الصفات وأحاديثه وقال: إنها من المتشابه، نقول له: إن أردت أنها من المتشابه معنىً فلا، وإن أردت أنها من المتشابه حقيقةً وكنهًا، وأننا لا ندرك كيفيتها ولا حقيقة كنهها فهذا حق، وليس بغريبٍ أن نعلم معنى الشيء ولا ندرك حقيقته وكيفيته، نحن نعلم معنى الروح التي بين جنبينا، والتي إذا انسلت من الجسد مات الإنسان، نعم نعلم هذا، لكن هل ندرك حقيقتها وكيفيتها؟ لا أبدًا، نحن نعلم ما ذكر الله عن الجنة بأن فيها من كل فاكهةٍ زوجين ونخلًا ورمانًا وما أشبه ذلك، ولكن هل نحن ندرك حقيقة ذلك وكنهه؟ لا؛ لأن الله يقول: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ويقول الله ﷿ في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . والمهم التنبيه على هذه العبارة المتداولة في كلمة المتشابه بالنسبة لأسماء الله وصفاته، حيث يتوصل بها أهل التعطيل إلى أن نسلك مسلكًا سيئًا في ذلك، بحيث نفوض العلم بمعنى أسماء الله وصفاته، كما زعم بعض المتأخرين أن مذهب السلف هو التفويض، أي: تفويض القول بأسماء الله وصفاته إلى الله، وألا نتكلم بشيءٍ من معناها، وهذا القول بالتفويض على هذا الوجه قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: (إنه من شر أقوال أهل البدع والإلحاد) . أما تفويض الحقيقة والكنه فهذا شيء لا بد منه، ولا يضرنا إذا كنا نعلم المعنى، ولكن لا نعلم الكنه والحقيقة التي عليها هذا المسمى والموصوف. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع أبو محمد يقول: هل من أسماء الله (الحق) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من أسماء الله تعالى الحق، قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ)، (وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ) . ولكن نسمع كثيرًا من الناس إذا أراد أن يستشهد بآية قال: قال الحق كذا وكذا، والأولى أن يعبر بما كان السلف يعبرون به فيقول: قال الله كذا، حتى كان النبي ﵊ إذا حدث عن الله ﷿ بحديث قال: قال الله تعالى. فالذي ينبغي لنا أن نتبع ما كان عليه سلفنا في مثل هذه الأمور، وإذا أردنا أن نستشهد بآية قلنا: قال الله تعالى كذا وكذا. ***
يقول السائل: هل الحنَّان، المنان،المحسن، من أسماء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحنان لم يثبت أنها من أسماء الله، وأما المنان فثابت أنها من أسماء الله، والمحسن أيضًا من أسماء الله ﵎. ولهذا ما زال الناس يسمون عبد المحسن، عبد المنان، والعلماء يعلمون بذلك ولا ينكرونها. ***
أحسن الله إليكم هل الحفي من أسماء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هو في القرآن الكريم: (إِنَّهُ كَانَ بِي حَفِيًّا) . ولا أعلمها وردت مطلقة في أسماء الله ﷿، بل هي مقيدة، وبدلًا من أن يدعو الإنسان بقوله: يا حفي احتفِ بي، يقول: يا رحيم ارحمني، وإذا كان عن ذنب يقول: يا غفور اغفر لي، وما أشبه ذلك. ***
تقول السائلة: إن أسماء الله وصفاته على وزن فعيل من صيغ المبالغة، فهل هذا صحيح؟ وهل يصح القول بأن أسماء الله وصفاته من صيغ المبالغة؟ نرجو النصح والتوجيه في هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أسماء الله تعالى وصفاته التي جاءت في القرآن وغير القرآن منها ما هو صفةٌ مشبهة- ويعني العلماء بالصفة المشبهة: الصفة اللازمة للموصوف التي لا ينفك عنها- وذلك مثل: العزيز، الحكيم، السميع، البصير، وما أشبهها، هذه صفةٌ مشبهة، بمعنى: أنها صفةٌ لازمة لا تنفك عن الله ﷿. ومن أسماء الله ما يكون صيغة مبالغة، ومعنى صيغة مبالغة أنها دالةٌ على الكثرة، وليس المعنى أنه مبالغٌ فيها دون إرادة الحقيقة، مثل: الرزاق، فإن الرزاق من أسماء الله ﷾، وجاء بهذه الصيغة للدلالة على كثرة من يرزقه الله ﷿، فإنه ما من دابةٍ في الأرض إلا على الله رزقها، ولكثرة رزقه الذي يعطيه ﷾ لمن يشاء، كما قال الله ﷾: (اللَّهُ يَبْسُطُ الرِّزْقَ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَقْدِرُ) . ولعل الطالبة فهمت من قول المدرسة: صيغة مبالغة، أنها صيغةٌ مبالغٌ فيها ولا تعني الحقيقة، وليس هذا هو المراد، بل مراد العلماء من قولهم: صيغة مبالغة، أنها دالة على الكثرة، وبهذا التفصيل وبهذا الشرح لمعنى المبالغة يزول الإشكال. فإذا قلنا مثلًا: إن الرزاق من أسماء الله وهو صيغة مبالغة، فليس معناه أن الله ﷾ لا يرزق، بل معناه أنه كثير الرزق. ***
أبو منار يقول: فضيلة الشيخ ما المقصود من كلام الرسول ﷺ عندما قال: (إنما بعثت رحمة للعالمين)؟ وهل يجوز استنادًا لهذا القول أن نقول بأن محمدًا ﷺ رحيم أو كريم أو عليم أو حكيم، أو إلى ما هنالك من صفات الله عز جل؟ أفيدونا بما علمكم الله وجزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما وصف النبي ﷺ بأنه رؤوف رحيم فهذا قد جاء في القرآن الكريم، لكنه مقيد بالمؤمنين، فقال الله ﷿: (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ) . وأما كونه رحمة فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) . لكن ليس معنى الآية أنه هو الرحمة، بل معناه أن الله رحم به الخلق، يعني: ما أرسلناك إلا لنرحم الخلق بك، فإن النبي ﷺ هو الدال على الله ﷿، المبين شريعته، الداعي إليها، فكان بعثه وإرساله رحمة للعالمين في الدنيا والآخرة. وأما قول السائل: وغير ذلك من أوصاف الله وأسماء الله، فلا نقول به؛ لأن من أسماء الله وأوصافه ما يختص به ﷿: فالله هو الجبار، والمتكبر، والقدوس وما أشبه ذلك مما لا يصح أن يوصف به أحد سوى الله ﷿. ***
رسالة بعث بها المستمع محمد صالح عبد الله من حائل يقول: ما حكم التسمية بأسماء هي من أسماء الله أو صفاته، كمثل: رؤوف، وعزيز، وجبار، ونحو ذلك؟ هل تجوز مثل هذه التسمية، أم يجب تغييرها فيمن تسمى بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بأسماء الله ﷿ يكون على وجهين: الوجه الأول: أن يحلى بأل، أو يقصد بالاسم ما دل عليه من صفة، ففي هذه الحال لا يسمى به غير الله، كما لو سميت أحدًا بالعزيز والسيد والحكيم وما أشبه ذلك، فإن هذا لا يسمى به غير الله؛ لأن أل هذه تدل على لمح الأصل، وهو المعنى الذي تضمنه هذا الاسم، وكذلك إذا قصد بالاسم وإن لم يكن محلًّى بأل، إذا قصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا يسمى به، ولهذا غير النبي صلى الله وسلم كنية أبي الحكم التي تكنى بها؛ لأن أصحابه يتحاكمون إليه، فقال النبي ﵊: إن الله هو الحكم وإليه الحكم، ثم كناه بأكبر أبنائه شريح، كناه بأبي شريح، فدل ذلك على أنه إذا تسمى أحد باسم من أسماء الله ملاحظًا بذلك معنى الصفة التي تضمنها هذا الاسم فإنه يمنع؛ لأن هذه التسمية تكون مطابقة تمامًا لأسماء الله ﷾. أما الوجه الثاني: فهو أن يتسمى باسم غير محلًّى بأل، ولا مقصود به معنى الصفة، فهذا لا بأس به، مثل حكم وحكيم، ومن أسماء بعض الصحابة حكيم بن حزام الذي قال له النبي ﵊: (لا تبع ما ليس عندك) . وهذا دليل على أنه إذا لم يقصد بالاسم معنى الصفة فإنه لا بأس به، لكن في مثل جبار لا ينبغي أن يتسمى به وإن كان لم يلاحظ الصفة، وذلك لأنه قد يؤثر في نفس المسمى فيكون معه جبروت وعلو واستكبار على الخلق، فمثل هذه الأسماء التي قد تؤثر على صاحبها ينبغي للإنسان أن يتجنبها. والله أعلم. ***
بارك الله فيكم من الجزائر أبو بسام يقول: فضيلة الشيخ ما قول أهل السنة والجماعة في رؤية المسلم لربه ﷿ يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول أهل السنة والجماعة في رؤية الله ﷾ يوم القيامة ما قاله الله عن نفسه، وقاله عنه رسوله ﵌ فالله تعالى قال في كتابه: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذ) يعني: يوم القيامة (نَاضِرَةٌ. إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة الأولى بمعنى حسنة، الثانية من النظر بالعين؛ لأنه أضاف النظر إلى الوجوه، فالوجوه محل العينين التين يكون بهما النظر، وهذا يدل على أن المراد نظر العين، ولو كان المراد نظر القلب وقوة اليقين لقال: قلوب يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة، ولكنه قال: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) . ومن ذلك قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالزيادة فسرها أعلم الخلق بمراد الله، رسول الله ﵌ بأنها النظر إلى وجه الله ﷿. ومن ذلك قوله تعالى في الفجار: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فحجب هؤلاء الفجار عن الله يومئذ- يعني: يوم القيامة- يدل على أن غيرهم ينظرون إلى الله ﷿، ولو كان غيرهم لا ينظر إلى الله لم يكن بينهم وبين الفجار فرق. ومن ذلك قوله ﵎: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ) . فإن هذه الآية تدل على أن الله تعالى يرى بالأبصار، ودليل ذلك أنه نفى الإدراك، وهذا يدل على وجود أصل الرؤية، ولو كان أصل الرؤية غير ثابت ما صح أن ينفى الإدراك. ولا يصح أن يستدل بهذه الآية على امتناع رؤية الله ﷿؛ لأن الآية إنما نفت ما هو أخص من الرؤية، وهو الإدراك، ونفي الأخص يستلزم وجوب الأعم، وهو الرؤية، والله ﷿ يرى يوم القيامة ولكن الأبصار لا تدركه، هذا بالنسبة لما جاء في القرآن. أما السنة: فقد ثبت عن النبي ﷺ ثبوتًا متواترًا لا شك فيه إثبات رؤية الله ﷿ يوم القيامة، أي: إنه يرى ﷾. فمن ذلك قوله ﵌: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والأحاديث في هذا متواترة، كما قال بعض العلماء في نظم شيء من المتواتر: مما تواتر حديث من كذب ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض ومسح خفين وهذي بعض هذا هو قول أهل السنة والجماعة: أن الله ﷾ يرى يوم القيامة بالبصر رؤية حقيقية، لكنه مع هذه الرؤية لا يمكن إدراكه ﷿؛ لأنه أعظم من أن تدركه الحواس أو الأفهام أو الخواطر. ولكن يبقى النظر: متى تكون هذه الرؤية؟ نقول: هذه الرؤية تكون في عرصات القيامة- أي: قبل دخول الجنة- وتكون كذلك بعد دخول الجنة. يبقى نظرٌ آخر: هل يراه كل الناس في عرصات القيامة أم ماذا؟ نقول: أما الكفار الخلص فإنهم لا يرون الله ﷿؛ لقول الله تعالى: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . وأما المنافقون فإنهم يرون الله في عرصات القيامة، ثم لا يرونه بعد ذلك، وهذا أعظم وأشد حسرة عليهم. وأما المؤمنون فإنهم يرون الله تعالى في عرصات القيامة، كما يرونه بعد دخول الجنة. أسأل الله تعالى أن يجعلني وإخواني السامعين ممن ينظر إلى الله ﷿، إنه على كل شيء قدير. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل يقول: اختلاف السلف في العقيدة في مسألة رؤية النبي ﷺ لربه أم لا؟ نريد توجيهًا سديدًا في هذه المسألة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح في هذه المسألة أن النبي ﷺ لم ير ربه؛ لأنه نفسه صلوات الله وسلامه عليه سئل: هل رأيت ربك؟ فقال: (نور أنَّى أراه)؟ وفي رواية: (رأيت نورًا) والله ﷿ قد احتجب عن عباده بحجب النور لا يمكن اختراقها، فإذا كان النبي ﷺ نفسه نفى أن يكون رأى الله، فلا يمكن بعد ذلك أن يدعي مدع أن النبي ﷺ رأى ربه. وما ذكر عن عبد الله بن عباس ﵄ أن النبي ﷺ رأى ربه، فقد قال عنه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀: إن ابن عباس لم يصرح أن النبي ﷺ رأى ربه بعينه يقظة، وإن قوله- أي: ابن عباس- يعني: أنه رآه بفؤاده، وهو كناية عن العلم اليقيني الذي يكون في القلب حتى كأنه رآه بالعين. وما قاله شيخ الإسلام ﵀ هو الحق، ولن يتمكن أحد في الدنيا أن يرى ربه يقظة أبدًا. ولهذا لما قال موسى ﵊: (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) شوقًا إلى الله ﷿، قال الله له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . فعلق الرب عزوجل على أمر مستحيل؛ لأنه يستحيل على الجبل أن يصمد على رؤية الله ﷿، وهو جبل أصم، حجر غليظ قاسٍ قال الله تعالى: (فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا) . اندك الجبل أمام موسى يشاهده بعينه، فصعق ﵊ من هول ما رأى. (فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) فشكر الله له وقال: (إِنِّي اصْطَفَيْتُكَ عَلَى النَّاسِ بِرِسَالاتِي وَبِكَلامِي فَخُذْ مَا آتَيْتُكَ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ) . فالمهم أنه لا يمكن لأحد أن يرى الله ﵎ يقظة في الدنيا، ولن يستطيع أحد أن يَثْبُتَ لذلك. أما في الآخرة: فقد دل القرآن والسنة المتواترة وإجماع الصحابة ﵃ أن الله تعالى يرى في الآخرة رؤية حقيقة بالعين، قال الله ﵎: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ. إلى ربها ناظرة) . وهذا صريح بأن الإنسان يرى ربه بعينه، إذ إن ما تحصل به الرؤية هو العين، وهي موجودة في الوجه، لكن أضاف الله تعالى النظر إلى الوجه: لأن هذه النظرة إلى الرب ﷿ يحصل بها سرور في القلب ونورفي الوجه، حتى كأن الوجه كله ينظر إلى الله ﷿؛ لتأثره بهذه النظرة التي أسأل الله تعالى أن لا يحرمني وإخواني منها. ومن الأدلة على ذلك- على أن الله تعالى يرى في الآخرة- قول الله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) . فالحسنى هي الجنة، والزيادة هي النظر إلى وجه الله، كما فسرها بذلك أعلم الخلق بالله وآياته محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. واستدل العلماء بقوله تعالى في أهل الجنة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) . وقالوا: إن هذا المزيد هو الزيادة التي ذكرت في الآية التي سقناها الآن، وهو النظر إلى وجه الله ﷿، واستدلوا أيضًا بقول الله ﵎ في الأبرار: (عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) قالوا: إنهم ينظرون الله ﷿، وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم؛ لقوله في الفجار: (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) . فلما حجب الفجار في حال الغضب جعل النظر للأبرار في حال الرضا، فهذه أربع آيات من كتاب الله. أما السنة عن رسول الله ﷺ الذي هو أعلم الخلق بالله، وأشدهم تنزيهًا لله- فقد تواترت السنة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بثبوت رؤية الله تعالى في الجنة، حتى إن الرسول ﵊ قال ذلك بوجه صريح أصرح من الشمس في رابعة النهار، حيث قال: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته) . وقال: (إنكم سترون ربكم عيانًا، كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب) . وأما أقوال الصحابة: فقد أجمع الصحابة ﵃ على ثبوت رؤية الله تعالى في الآخرة، فما منهم أحد قال ولا بحرف واحد: إن الله تعالى لا يرى في الآخرة، وهذه أقوالهم مأثورة في كتب السنة، ما منهم أحد نفى أن يرى الله تعالى في الآخرة، بل كلهم مجمعون على هذا، حتى إن بعض أهل العلم قال: من أنكر رؤية الله تعالى في الآخرة فهو كافر؛ لوضوح الأدلة فيها وصراحتها، وإجماع الصحابة عليها، وإجماع الأئمة المتبوعين عليها، ولم يرد عن أحد منهم إنكارها. أسأل الله ﵎ لي ولإخواني النظر إلى وجه الله الكريم، وأسأل الله الهداية لمن أنكروا هذه الرؤية العظيمة التي هي ألذ ما يجده أهل الجنة في الجنة، والله على كل شيء قدير. ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من المستمع محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول: ما هي أنواع الاستواء في لغة العرب؟ وكيف نثبت لله ﷾ صفة الاستواء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستواء في اللغة العربية يأتي لازمًا، ويأتي متعديًا إلى المعمول بحرف الجر، ويأتي مقرونًا بواو المعية، فهذه ثلاثة وجوه للاستواء. أما الأول- وهو أن يأتي مطلقًا غير مقيد بالمعمول، ولا واو المعية-: فإنه يكون بمعنى الكمال، ومنه قوله تعالى: (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى) أي: كمل، ومنه قول الناس في لغتهم العامية: استوى الطعام، أي كمل نضجه. والقسم الثاني أو الوجه الثاني: أن يأتي مقرونًا بواو المعية، فيكون بمعنى التساوي، كقولهم: استوى الماء والخشبة، أي: تساويا. والثالث يأتي معدًّى بحرف الجر، فإن عدي بعلى صار معناه العلو والاستقرار، وإن عدي بإلى فقد اختلف المفسرون فيه، فمنهم من يقول: إنه بمعنى الارتفاع والعلو، ومنهم من يقول: إنه بمعنى القصد والإرادة. مثال ماعُدِّيَ بعلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، وقوله: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)، وقوله ذلك في سبعة مواضع في القرآن الكريم. ومثال المعدى بإلى قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ)، وقوله: (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ) . ولذلك اختلف المفسرون في الاستواء، استوى هنا، فبعضهم قال: معناها علا إلى السماء، ومنهم من قال: معناها قصد وأراد، وعلى كل فاستواء الله على العرش من الصفات الثابتة التي يجب على المؤمن أن يؤمن بها، وهو أن الله تعالى استوى على عرشه، أي: علا عليه علوًّا خاصًّا ليس كعلوه على سائر المخلوقات، بل هو علو خاص بالعرش، كما قال تعالى: (رَفِيعُ الدَّرَجَاتِ ذُو الْعَرْشِ) . ولكن هذا الاستواء ليس معلومًا لنا في كيفيته؛ لأن كيفيته لا يمكن الإحاطة بها، ولم يخبرنا الله عنها ولا رسوله، ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق برأسه حتى علاه العرق، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . ونحن نعلم معنى الاستواء ونؤمن به ونقره، وهو أنه ﷾ علا على عرشه واستوى عليه، علوًّا واستقرارًا يليق به ﷾، ولكننا لا نعلم كيفية هذا الاستواء، فالواجب علينا أن نمسك عن الكيفية، وأن نؤمن بالمعنى. وأما قول من قال: إن معنى استوى على العرش أي: استولى عليه، فهذا قول لا يصح، وهو مخالف لما كان عليه السلف، ولما تدل عليه هذه الكلمة في اللغة العربية، فلا يعوَّل عليه، بل هو باطل، ولو كان معنى استوى استولى للزم أن يكون الله تعالى مستوليًا على شيء دون شيء، وهوسبحانه وتعالى مستولٍ على كل شيء، وللزم أن يكون العرش قبل هذا ليس ملكًا لله بل ملكًا لغيره، ثم استولى عليه من غيره، وهذه معان باطلة لا تليق بالله ﷾. ***
هذا مستمع من السودان يقول: هذا سؤالٌ يحيرني وأرجو الإفادة عليه، وهو: أن بعض الناس يقولون بأن الله فوق في السماء، وعندنا في السودان علماء التوحيد يقولون بأن الله كان ولا مكان، وهو منزهٌ عن الجهات الست، طبعًا شرق وغرب وشمال وجنوب فوق تحت، نرجو منكم التوجيه حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: علو الله ﷿ على خلقه ثابت بالكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، فأدلته متنوعة، كل الأدلة الممكنة في إثبات الشيء تدل على أن الله تعالى فوق عباده. أما من القرآن فأدلة ثبوت علو الله على خلقه كثيرةٌ جدًا متنوعة، مثل قوله تعالى: (سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى)، (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ)، (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ)، (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرةً. وكذلك الآيات الدالة على أن الأشياء تصعد إليه، كما في قوله: (إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ)، (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) . وكذلك الآيات الدالة على أن الشيء ينزل من عنده، كما قال الله تعالى: (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ)، والآيات في هذا كثيرة جدًا. وأما السنة فقد دلت بجميع أنواعها على علو الله، دلت بالقول والفعل والإقرار. فالنبي ﵊ يقول في سجوده: (سبحان ربي الأعلى)، وخطب الناس في يوم عرفة وقال: (هل بلغت؟ قالوا: نعم. فأشار إلى السماء يقول: اللهم اشهد)، وسأل جاريةً قال: (أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . فاجتمع من السنة القول والفعل والإقرار على علو الله ﷿، وأنه فوق كل شيء. وأما الإجماع: فقد أجمع الصحابة، وأئمة الهدى من بعدهم، على أن الله تعالى فوق كل شيء، ولم يرد عنهم حرفٌ واحد في نفي علو الله ﷿، بل كانوا مجمعين على أن الله تعالى فوق كل شيء. وأما العقل: فإن كل إنسان يعلم بعقله أن العلو صفة كمال، وأن الرب ﷿ له صفة الكمال المطلق، فإذا كان العلو صفة كمال فإن فوات العلو صفة نقص، والله ﷿ منزهٌ عن النقص، فوجب أن يثبت له العلو؛ لأنه صفة كمال. وأما الفطرة: فما من أحدٍ يقول: يا رب، إلا وجد من قلبه ضرورةً بطلب العلو، ولهذا يرفع يديه إلى السماء، واسألوا الذين يسألونه ويدعونه: أين يوجهون أيديهم؟ هل يوجهونها إلى الأرض أو إلى السماء؟ أو إلى اليمين أو إلى الشمال؟ إنهم يوجهونها جميعًا إلى السماء، وهذا أمرٌ فطري لا يختلف فيه اثنان، إلا من اجتالته الشياطين عن الفطرة، وأنكر هذا الأمر الذي فطر عليه الخلق. وإذا كان كذلك فإننا نقول: إن الله كان ﷿ كان ولم يكن شيء قبله، فهو الأول الذي ليس قبله شيء، وكان عاليًا ﷿ قبل أن يخلق العرش، ولما خلق السماوات والأرض استوى على العرش، كما قال تعالى: (إِنَّ رَبَّكُمُ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ)، فكان استواء الله على عرشه بعد خلقه. وهنا نقول: استواء الله على عرشه حين خلق السماوات والأرض تدل الآية الكريمة أنه لم يكن، أما قبل ذلك فالله أعلم، وأما بعد ذلك- أي: بعد خلق السماوات والأرض- فإن الآية تدل على أن الله استوى على عرشه. وأما قولهم: إن الله تعالى منزه عن الجهات الست، فهذا غاية التعطيل والعياذ بالله؛ لأنهم إذا قالوا: إن الله ليس فوق ولا تحت ولا يمين ولا شمال ولا أمام ولا خلف، فإن هذا هو العدم المحض والتعطيل المحض، أين يكون؟ وإذا قلنا: إن الله تعالى في جهة العلو، العلو الذي ليس فوقه شيء، فليس في هذا من نقصٍ في حق الله ﷿؛ لأن العلو على جميع المخلوقات ليس فيه شيء من المخلوقات يمكن أن نقول إنه محاذٍ لله ﷿، بل كل شيء من المخلوقات فإن الله ﷿ فوقه، ولا يحاذي الله ﷿ شيئًا من مخلوقاته، وعين النقص في إثبات مثل ذلك. وأين الوجود إذا قلنا: إن الله تعالى خالٍ من الجهات الست؟ نعم نقول: إنه لا يمكن لجهة أن تحيط بالله؛ لأن الله تعالى محيطٌ بكل شيء، ولا يحيط به شيء من مخلوقاته، فإذا كان فوق كل شيء فإن ما فوق الأشياء ليس أمرًا وجوديًا حتى نقول: إن هذا يقتضي أن يشارك المخلوق الخالق في علوه ﷿، والواجب على الإنسان أن يؤمن إيمانًا قطعيًا بأن الله تعالى فوق كل شيء، وأنه العلي الأعلى، وأنه ﷾ له العلو المطلق: علو الذات، وعلو الصفات، بدلالة الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على ذلك. ***
بارك الله فيكم هذا السائل تجاني إسماعيل سوداني ومقيم بالمملكة يقول: أستفسر عن الآيات الكريمة التالية، يقول تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) . والآية الأخرى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . يقول: على حُسْنِ قول الناس منهم مَنْ يقول بأن الله موجود في السماء، والبعض يقول بأن الله موجود في كل مكان. اشرحوا لنا ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة عظيمة مهمة، وذلك أن الله ﷾ وصف نفسه بأنه العلي، وأنه الأعلى، وأنه القاهر فوق عباده، وأن الأمور تتنزل من عنده وتعرج إليه، وأنه في السماء، وكل هذا يدل على علوه جل وعلا، وأنه فوق كل شيء. فأما قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك الألوهية، لا ذات الرب ﷿، فقوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الْأَرْضِ إِلَهٌ) فالمراد بذلك أن ألوهيته ثابتة في السماء وفي الأرض، فقول القائل: فلان أمير في المدينة وفي مكة، مع أنه في إحداهما وليس فيهما جميعًا وإنما إمرته ثابتة في المدينة وفي مكة، فالله تعالى إله مَنْ في السماء وإله مَنْ في الأرض، وأما هو نفسه جل وعلا ففوق سماواته على عرشه، وعلى هذا فلا منافاة بين هذه الآية وبين قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ومعنى قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أي: إنه علا على العرش؛ لأن استوى في اللغة العربية إذا عديت بعلى صار معناها العلو، كقوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت، وقوله تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ. لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ) - أي: تعلوا على ظهوره- (ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي: علوتم عليه، فهو سبحانه تعالى مستوٍ على العرش أي: عال عليه، وهذا العلو ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات، بل هو علو خاص مختص بالعرش، ولهذا يقال: استوى على العرش، ولا يقال: استوى على السماء، ويقال: علا على العرش وعلا على السماء، فالاستواء على العرش علو خاص ليس هو العلو العام لجميع المخلوقات. وقد أخطأ وضل من فسر الاستواء هنا بالاستيلاء والملك، أخطأ من عدة أوجه: الوجه الأول: أنه مخالف لمقتضى اللغة العربية، فلم تأتِ استوى على كذا بمعنى استولى عليه في اللغة العربية، وها هو كلام العرب بين أيدينا لا نعلم أنَّ منهم من عبر عن الاستيلاء بالاستواء أبدًا، فأما ما قيل: قد استوى بِشرٌ على العراق من غير سيف أو دم مهراق فإننا نطالب أولًا بصحة النقل عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص، ولا يمكن لأحد أن يثبت ذلك، ثم على فرض أنه ثبت عن شاعر عربي من العرب الخُلَّص فإنَّ هنا قرينةً تمنع أن يكون المراد بذلك العلو على العراق؛ لأن الرجل لا يمكن أن يعلو على العراق علوًا ذاتيًا، وحينئذ يكون المراد به العلو المعنوي وهو الاستيلاء، أما علو الله تعالى نفسه على عرشه فلا مانع منه لا عقلًا ولا سمعًا. ثانيًا: أن نقول: إن تفسير الاستواء بالاستيلاء مخالف لما كان عليه السلف الصالح وأئمة الخلف، فإنهم مجمعون على أن استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولم يأت عن أحد منهم حرف واحد يدل على أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء، ومعلوم أن مخالفة السلف ضلال وخروج عن جماعة الحق. ثالثًا: أنه يلزم على تفسير (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) استولى عليه أن يكون العرش قبل هذا ملكًا لغير الله، وأن الله تعالى بالمعالجة حصل عليه من غيره، وهذا لازم باطل جد البطلان. رابعًا: أننا إذا فسرنا استوى باستولى لجاز أن نقول: إن الله استوى على الأرض، وعلى الإنسان، وعلى الجمل، وعلى السفينة، وعلى كل شيء؛ لأنَّ الله تعالى مستولٍ على كل شيء ومالكٌ له، ومعلوم أنه لا أحد يُسَوِّغ أن يقول القائل إن الله استوى على الإنسان، أو على الأرض، أو ما أشبه ذلك. خامسًا: أنَّ الذين فسروه بالاستيلاء مضطربون ومختلفون، واضطراب أهل القول فيه يدل على عدم رسوخه وعدم صحته، وعلى هذا فلا يحل لأحدٍ أن يفسر قول الله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) أو قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأن المعنى استولى عليه من أجل هذه الوجوه التي ذكرناها، فالاستواء على العرش يلزم منه العلو المطلق على جميع المخلوقات، وأن الله تعالى عال بنفسه على جميع المخلوقات، ولا يعارضه ما ذكره السائل من قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ)؛ لما ذكرنا في صدر الجواب. ونظير هذه الآية- أعني قوله تعالى: (وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ) - قوله تعالى: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ) فقال: (وَهُوَ اللَّهُ فِي السَّمَاوَاتِ وَفِي الأَرْضِ) وليس المعنى أنه نفسه في السماوات وفي الأرض، ولكن المعنى: أن ألوهيته ثابتة في السماوات وفي الأرض. وليعلم أن اعتقاد أن الله تعالى نفسه في كل مكان اعتقاد باطل، لو شعر الإنسان بلوازمه الباطلة ما تفوه به؛ لأنه يلزم من هذا القول أن يكون الله تعالى في كل مكان من الأماكن الطيبة والأماكن الخبيثة، بل لَلَزِمَ منه أن يكون الله تعالى في أجواف الحيوانات وأجواف الناس وما أشبه ذلك، ثم يلزم من هذا أحد أمرين: إما أن يتعدد بتعدد الأمكنة، وإما أن يكون متجزئًا بعضه هنا وبعضه هناك، وكل هذه لوازم فاسدة، تصورها كاف في ردها وإفسادها. ومَنْ قال: إن الله تعالى نفسه في كل مكان، فهو ضال مبتدع ما قَدَر الله حق قدره، ولا عرف عظمته جل وعلا، وكيف يكون في كل مكان وهو الذي قد وسع كرسيه السماوات والأرض؟ (وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّمَاوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) . فليتق الله قائل هذا، وليتب إلى ربه قبل أن يدركه الموت على هذه العقيدة الفاسدة، ويلقى ربه على خبث العقيدة وفساد الطوية، نسأل الله السلامة. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة من المستمع عبد الله الفؤاد من بيروت لبنان قال: سمع إجابة عن سؤال في برنامجنا هذا: أين الله؟ فأجيب: بأنه في السماء، واستشهد المجيب على ذلك بآيات من القرآن الكريم، منها قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) . ولكن يبدو أن هذا الأخ قد استشكل هذه الإجابة، ولم تطابق مفهومه الذي كان يعتقده، فأرسل يستفسر حول ذلك، أليس توضحون له الحقيقة حول هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة حول هذا الموضوع أنه يجب على المؤمن أن يعتقد أن الله تعالى في السماء، كما ذكر الله ذلك عن نفسه في كتابه، حيث قال ﷾: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) . وكما شهد بذلك رسول الله ﷺ، حين أقر الجارية التي سألها: (أين الله؟ قالت: في السماء قال: أعتقها فإنها مؤمنة) . وكما أشار إلى ذلك ﷺ في أعظم مجمع من أمته يوم عرفة، حين خطب الناس خطبته الشهيرة فقال: (ألا هل بلغت؟ قالوا: نعم. قال: اللهم اشهد)، وجعل يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس، فهذا دليل من القرآن ومن السنة على أن الله في السماء. وكذلك دليل العقل أن الله في السماء، فإن السماء علو، والعلو صفة كمال، والرب ﷾ قد ثبت له صفة الكمال، فكان العلو من كماله ﵎، فثبت له ذلك عقلًا. كذلك في الفطرة: فإن الناس مفطورون على أن الله تعالى في السماء، ولهذا يجد الإنسان من قلبه ضرورة لطلب العلو حينما يسأل الله شيئًا، حينما يقول: يا رب، لا يجد في قلبه التفاتًا يمينًا ولا يسارًا ولا أسفل، وإنما يتجه قلبه إلى العلو، بمقتضى الفطرة التي سلمت من اجتيال الشياطين، وما من أحد يصلى فيقول في سجوده: سبحان ربي الأعلى، إلا وهو يشعر بأن الله تعالى في السماء. وقد انعقد إجماع السلف على ذلك، كما ذكر ذلك الأوزاعي وغيره. وعلى هذا فيكون الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة، كل هذه الأدلة قد تطابقت على أن الله تعالى في السماء، وأنه جل وعلا عالٍ بذاته كما أنه عالٍ بصفاته. ولكن يجب أن يعلم أن كونه في السماء لا يعني أن السماء تظله وأنها محيطة به، فإن الله تعالى أعظم من أن يظله شيء من خلقه، وهو ﷾ غني عما سواه، وكل شيء مفتقر إليه ﷾، وهو الذي يمسك السماوات والأرض أن تزولا، ويمسك السماء أن تقع على الأرض إلا بإذنه، فلا يمكن أن تظله السماء، وعلى هذا فيزول المحظور الذي أظن أنه قد شبه على هذا السائل، بأنه إذا قلنا بأن الله في السماء لزم أن تكون السماء مظلة له ﷿، وليس الأمر كذلك. فإن قال قائل: قوله: في السماء، قد يفهم أن السماء تحيط به؛ لأن (في) للظرفية، والمظروف يكون الظرف محيطًا به. فالجواب: أن ذلك ليس بصحيح؛ لأن السماء بمعنى العلو، وأن السماء بمعنى العلو قد ورد في القرآن، كما في قوله تعالى: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً) . والماء ينزل من السحاب، والسحاب مسخر بين السماء والأرض، فيكون معنى قوله: (أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ) أي: أنزل من العلو، ويكون معنى قوله: (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من في العلو. وهناك وجه آخر بأن نجعل (في) بمعنى (على)، ونجعل السماء هي السماء السقف المحفوظ، ويكون معنى (مَنْ فِي السَّمَاءِ) أي: من على السماء، وإذا كان عاليًا عليها فلا يلزمها أن تكون محيطة به. ولا يمكن أن تكون محيطة به. (وفي) تأتي بمعنى (على)،كما في قوله تعالى: (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ) أي: على الأرض، وكما في قوله تعالى عن فرعون: (وَلأصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ) أي: على جذوع النخل، بكل هذا يزول الإشكال والوهم الذي قد يعتري من لم يتدبر دلالة الكتاب والسنة في هذه المسألة العظيمة. ولا ريب أن من أنكر أن الله في السماء فهو مكذب بالقرآن والسنة وإجماع السلف، فعليه أن يتوب إلى الله ﷿، وأن يتدبر دلالة الكتاب والسنة على وجه مجرد عن الهوى، ومجرد عن التقليد، حتى يتبين له الحق، ويعرف أن الله ﷿ أعظم وأجل من أن يحيط به شيء من مخلوقاته. أما قوله تعالى: (ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فإن الاستواء بمعنى العلو، كما في قوله تعالى: (لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ) أي: تعلو عليها. وكما في قوله تعالى: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ) أي: علوت. فالاستواء في اللغة العربية بمعنى العلو، ولا يرد بمعنى الاستيلاء والملك أبدًا، ولو كان هذا صحيحًا لبينه الله ﷿ في القرآن ولو في موضع واحد، والاستواء على العرش ذكر في القرآن في سبعة مواضع، ما فيها موضع واحد عبر عنه بالاستيلاء أبدًا، ولو كان بمعنى الاستيلاء لعبر عنه في بعض المواضع حتى يحمل الباقي عليه. وليس في سنة رسول الله ﷺ حرف واحد يدل على أن الاستواء- أي: إن استواء الله على عرشه- بمعنى استيلائه عليه، وليس في كلام السلف الصالح والأئمة أن استواء الله على العرش بمعنى استيلائه عليه، والمعروف عنهم أنه بمعنى العلو والاستقرار والارتفاع والصعود، هكذا نقل عن السلف، وعلى هذا فيكون المعنى الصحيح لقوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) وما أشبهها من الآيات، أي: الرحمن على العرش علا علوًا خاصًا يليق بجلاله ﵎، ولا يستلزم ذلك أن يكون الله تعالى محتاجًا إلى العرش، بل إنه لا يقتضي ذلك أبدًا، فإنه قد علم أن الله تعالى غنيٌّ عما سواه، وأن كل ما سواه محتاج إليه. فنرجو من الأخ السامع للجواب، الأول أن يرد إليه هذا الجواب حتى يتبين له الحق، بأن يجرد نفسه قبل كل شيء من التقليد، حتى يكون قلبه سليمًا على الفطرة التي فطر الله الناس عليها. ***
يقول السائل: ما حكم الخوض في ذات الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الخوض في ذات الله ﷿؛ لأن الوصول إلى معرفة حقيقة ذات الله ﷿ مستحيلة، ومن رام ذلك فقد يقع في هلاك وشقاء. نعم يفكر ويتأمل في أسماء الله وصفاته، كما قال ﷿: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ***
يقول السائل: لقد سمعت بيتًا لأحد السلف الصالح، ولكنه التبس عليَّ الشطر الأخير وشككت فيه من الناحية العقائدية، فأرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي معنى هذا البيت، وهل هو صحيح من ناحية الاعتقاد أم لا؟ البيت هو: إذا ما خلوت الدهر يومًا فلا تقل خلوتُ ولكن قل علي رقيب إلى أن قال: ولا تحسبن الله يغفل طرفةً ولا أن ما يخفى عليه يغيب فأجاب رحمه الله تعالى: هذان البيتان صحيحان، فإذا خلا الإنسان يومًا من الدهر فلا يقل: إني خلوت؛ لأن عليه رقيبًا من الله ﷿، كما قال الله ﷿: (مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . فالإنسان مهما اختفى عن الناس فإنه لن يخفى على الله، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الأَرْضِ وَلا فِي السَّمَاءِ) . ولا تظن أنك إذا اختفيت فإن الله ﷾ يغفل عنك أو لا يعلم بك، فإن الله تعالى يقول: (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، (وَلا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غَافِلًا عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ) . فهو ﷾ محيطٌ بكل شيء علمًا، يعلم ما كان وما يكون، وما لم يكن لو كان كيف كان يكون، ويعلم ما ظهر وما بطن. ***
هذه رسالة من المخلصين عبد الله محمد أحمد الرياض منظور أحمد قريشي أحمد حسين، يقول الإخوة: الموضوع يوجد بطاقات مكتوب عليها أسماء الله ﷻ، مثل هذه الصورة التي بجانب الرسالة- وقد ضمنوا هذه الرسالة صورة لكسوة الكعبة، وعليها آيات من كتاب الله المبين- يقول: ترمى في الأرض من قبل ناس لا يعرفون الإسلام، يقول هذه فقط إشارة، وما تنصحون الباعة بذلك، أو من يهمه الأمر بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة كثرت في الناس على أوجه متعددة، منها بطاقات تحمل لفظ الجلالة الله وأخرى إلى جانبها تحمل محمد، ثم توضع البطاقاتان متوازنتين على الجدار أو على لوحة أو ما أشبه ذلك، ونحن نتكلم على هذه الصورة. أولًا: ما فائدة تعليق كلمة الله فقط ومحمد فقط؟ إذا كان الإنسان يظن أنه يستفيد من ذلك بركة فإن البركة لا تحصل بمثل هذا العمل؛ لأن هذا ليس بجملة مفيدة تكسب معنى يمكن أن يحمل على أنه للتبرك، ثم إن التبرك بمثل هذا لا يسوغ؛ لأن التبرك بالله وأسمائه لا يمكن أن يستعمل إلا على الوجه الذي ورد؛ لأنه عبادة، والعبادة مبناها على التوقيف. ثم إن هذا الوضع الذي أشرنا إليه سابقًا: أن توضع كلمة الله وبجانبها موازيةً لها كلمة محمد، هذا نوع من التشريك والموازنة بين الله وبين الرسول ﷺ، وهذا أمر لا يجوز، وقد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشيءت. فقال النبي ﷺ: (أجعلتني لله ندا؟ ً بل ما شاء الله وحده) . ثم إن التبرك بمجرد وضع اسم النبي ﷺ أيضًا لا يجوز، التبرك إنما يكون بالتزام شريعة النبي ﷺ والعمل بها. هذه صورة مما يستعمله الناس في هذه البطاقات، وقد تبين ما فيها من مخالفة للشرع. أما بالنسبة للصورة الثانية التي أشار إليها الأخ السائل، فهي أيضًا جوازها محل نظر، وذلك لأن الأصل في كتابة القرآن على الأوراق والألواح، الأصل فيه الجواز، لكن تعليقه أيضًا على الجدران في المنازل لم يرد ذلك عن السلف الصالح ﵏، لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ولا عن التابعين، ولا أدري بالتحديد متى حصلت هذه البدعة، هذا في الحقيقة بدعة؛ لأن القرآن إنما نزل ليتلى لا ليعلق على الجدران وغيرها، ثم إن في تعليقه على الجدران، فيه مفسدة، زائدًا على أن ذلك لم يرد عن السلف، تلك المفسدة هي أن يعتمد الإنسان على هذا المعلق، ويعتقد أنه حرز له، فيستغني به عن الحرز الصحيح، وهو التلاوة باللسان، فإنها هي الحرز النافع، كما قال النبي ﷺ في آية الكرسي: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . فالإنسان إذا شعر أن تعليق هذه الآيات على الجدران مما يحفظه، فإنه سيشعر باستغنائه بها عن تلاوة القرآن، ثم إن فيها نوعًا من اتخاذ آيات الله هزوًا، لأن المجالس لا تخلو غالبًا من أقوال محرمة من غيبة أو سباب وشتم، أو أفعال محرمة، وربما يكون في هذه المجالس شيء من آلات اللهو التي حرمها الشرع، فتوجد هذه الأشياء والقرآن معلق فوق رؤوس الناس، فكأنهم في الحقيقة يسخرون به؛ لأن هذا القرآن يحرم هذه الأشياء، سواء كانت الآية المكتوبة هي الآية التي تحرم هذه الأشياء أو آية غيرها من القرآن، فإن هذا بلا شك نوع من الاستهزاء بآيات الله. لذلك ننصح إخواننا المسلمين عن استعمال مثل هذه التعليقات، لا بالنسبة لاسم من أسماء الله أو أسماء الرسول ﷺ، أو آيات من القرآن، ويستعملوا ما استعمله سلفهم الصالح، فإن في ذلك الخير والبركة. بالنسبة لما أشار إليه الأخ من أن هذه البطاقات التي يكتب عليها القرآن ترمى في الأسواق، وفي الزبل وفي مواطئ الأقدام، فهذا أيضًا لا يجوز؛ لما فيه من امتهان القرآن الكريم، لكن المخاطب بذلك من هي في يده، إلا أن الباعة الذين يبيعونها إذا علموا أن هذا يفعل بها غالبًا يكون ذلك موجبًا لتحريم بيعها والاتجار بها؛ لأن القاعدة الشرعية: أنه إذا كان العقد وسيلة لازمة أو غالبةً إلى شيء محرم فإن ذلك العقد يكون حرامًا؛ لأنه من باب التعاون على الإثم والعدوان، وأظن أن الإجابة على السؤال انتهت. أما بالنسبة لتعليق القرآن على المرضى، سواء كانت أمراضهم جسدية أو نفسية للاستشفاء بها، فإن هذه موضع خلاف بين السلف والخلف، فمن العلماء من يجيز ذلك؛ لما يشعر به المريض من راحة نفسية، حيث إنه يحمل كلام الله ﷿، وشعور المريض بالشيء له تأثير على المرض زيادةً ونقصًا وزوالًاَ كما هو معلوم. ومن العلماء من قال: إنه لا يجوز، وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أن يستعمل مثل ذلك للاستشفاء، وإنما الاستشفاء بقراءة ما ورد على المريض، وإذا كان لم يرد عن الشارع أن هذا سببٌ فإن إثباته سببًا نوع من الشرك، ذلك لأنه لا يجوز أن نثبت أن هذا الشيء سبب إلا بدليل من الشرع، فإذا أثبتنا سببيته فمعنى ذلك أننا أحدثنا أمرًا لم يكن في الشرع، وهذا نوع من الشرك. ***
بارك الله فيكم المستمع م. أ. أ. من القصيم يقول: أسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . لأنني قرأت بعض التفاسير، وخشيت أن يكون في بعضها ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة، وكذلك في قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) . نريد الجواب الشافي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحب أن أنبه على قول السائل: إنه يسأل عن قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . فإن ظاهر لفظه أن أعوذ بالله من الشيطان الرجيم من مقول الله، والذي ينبغي إذا أراد أن يستعيذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم أن يقدمها على قول الله، فيقول مثلًا: أسأل عن هذه الآية ثم يذكرها، أو يقول: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم ما معنى قوله تعالى كذا وكذا. وأما بالنسبة لسؤاله: فإن مذهب أهل السنة والجماعة أن يوصف الله تعالى بما وصف به نفسه، وبما وصفه به رسوله ﷺ، بدون تحريف، بل يجرى الكلام على ظاهره؛ لأن المتكلم به- وهو الله ﷿ أعلم بنفسه من غيره، ولأنه ﵎ أصدق القائلين، وكلامه أفصح الكلام وأبينه، ومراده ﷿ من عباده أن يهتدوا ولا يضلوا، وكذلك رسول الله ﷺ هو أعلم الناس بربه، وكلامه أصدق كلام الخلق وأفصحه، ومراده ﷺ هداية الخلق دون ضلالهم، وهذه الصفات الأربع: العلم والصدق والفصاحة وإرادة الخير، إذا توافرت في كلام فقد بلغ الغاية في وجوب الأخذ بمدلوله على ظاهره، ولا يجوز أن يحرف إلى غير الظاهر. وبناء على هذه القاعدة العظيمة نقول: إن كل ما وصف الله به نفسه من الصفات فهو حق على ظاهرها، ففي الآية الأولى التي ذكرها قال الله ﵎ عن المنافقين: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . قال ذلك ﷿ ليبين أن خداعهم ومكرهم دون خداع الله تعالى لهم ومكره بهم، فهو كقوله: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) . والخداع ليس وصفًا مطلقًا بالنسبة لله، ولكنه وصف في مقابلة من يخادعونه؛ ليبين أنه ﷿ أقدر منهم على الخداع والمكر، وهذا لا شك يدل على القوة وعلى ضعف المقابل، وليس به أي نقص يتوجه إلى الله ﷿، ولهذا نرى الناس إذا أرادوا أن يخدعوا شخصًا فعرف خداعهم وخادعهم علموا أنه أقوى منهم وأشد، فالخداع في مقابلة المخادع صفة كمال وليس صفة نقص. ويذكر أن علي بن أبي طالب ﵁ لما بارز عمرو بن ود وخرج إليه عمرو قال علي: إني لم أخرج لأبارز رجلين فالتفت عمرو يظن أنه قد لحقه آخر، فلما التفت ضربه علي حتى أهلكه، فهذا من الخداع الجائز، لأن عمرو بن ود إنما خرج من أجل أن يقتل عليًا ﵁، والحرب خدعة، فخدعه علي ﵁ بهذه الكلمة حتى قضى عليه، ويعد هذا من قدرة علي ﵁ وقوته في خداع خصمه. ولهذا نقول: إن الخداع والاستهزاء والمكر والكيد الذي وصف الله به نفسه إنما يوصف الله به في مقابل من فعل ذلك، لا على سبيل الإطلاق. ولهذا ننبه على مسألة يقولها بعض العامة، يقولون: خان الله من يخون، فيظنون أن الخيانة مثل الخداع، وهذا ليس بصحيح، لأن الخيانة خداع في غير موضعه، ومكر في غير موضعه، فلا يجوز أن يوصف الله بها، ولهذا قال الله تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُم) ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة وصف لا يليق بالله تعالى مطلقًا؛ لأنه مذموم على كل حال. فضيلة الشيخ: قوله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ)؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية كما قلنا في الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) . وكما أشرنا إلى آية ثالثة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ)، وإلى آية رابعة: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدا. ً وَأَكِيدُ كَيْدًا) . ***
يقول السائل: مذهب أهل السنة والجماعة هو بأن كل صفة من صفات الله التي أثبتها لنفسه نثبتها له من غير تأويل ولا تعطيل، ولا تشبيه ولا تمثيل، فكيف نفسر الآيات الكريمات، الآية الأولى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا)، (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب السلف الصالح الذي عليه الصحابة والتابعون وأئمة المسلمين من بعدهم هو: أن الله تعالى يوصف بما وصف به نفسه في كتابه، أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. وهذا هو المذهب الحق الذي دل عليه السمع والعقل، أي: دل عليه الشرع والعقل، وذلك لأن صفات الله ﷾ مجهولة لنا، لا نعلم منها إلا ما أخبرنا الله به عن نفسه، وما أخبرنا به عن نفسه فهو حق؛ لأنه خبر صادق ممن هو أعلم بنفسه من غيره، ولأننا لا ندرك ما يجب لله تعالى وما يجوز وما يستحيل عليه على وجه التفصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة، وعلى هذا فما وصف الله به نفسه وجب علينا قبوله والإيمان به، لكننا لا نحيط به على وجه الحقيقة، بمعنى: أننا لا ندرك كيفيته، فمثلًا استواء الله على عرشه أثبته الله تعالى لنفسه في سبعة مواضع من كتابه العزيز، فنحن نعلم عن الاستواء على الشيء أنه العلو عليه، كما قال الله ﵎: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) . ولكننا لا نعلم كيفية استواء الله تعالى على عرشه، يعني: لا نعلم على أي صفةٍ هو، ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عليه عن ذلك، فقال له رجل: يا أبا عبد الله (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ فأطرق مالك برأسه حتى جعل يتصبب عرقًا من شدة ما سمع من السؤال وهيبته وتعظيمه لله ﷿، ثم قال: (الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة) . يعني: أن الاستواء غير مجهول في اللغة العربية، بل هو معلوم، فإن اللغة العربية تدل على أن استوى على الشيء بمعنى علا عليه، والقرآن نزل باللغة العربية، كما قال الله ﵎: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . وقال تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي: صيرناه باللسان العربي من أجل أن تعقلوه وتفهموه. فقوله ﵀: الاستواء غير مجهول، أي: معلوم المعنى واضح المعنى. والكيف غير معقول، أي: إن عقولنا أقصر وأحقر من أن تدرك كيفية استواء الله على عرشه، وهكذا بقية الصفات لا يمكن لعقولنا القاصرة أن تدرك كيفيتها. والإيمان به واجب، أي: الإيمان بالاستواء على ما تقتضيه اللغة العربية واجب؛ لأن الله أخبر به عن نفسه، فوجب علينا قبوله والإيمان به. والسؤال عنه- أي: عن الاستواء، أي: عن كيفيته- بدعة، أي: إنه من ديدن أهل البدع، وهو أيضًا بدعة لكون الصحابة لم يسألوا عنه رسول صلى الله عليه وعلى آله سلم. فالقاعدة العريضة للسلف الصالح وأئمة المسلمين هي: الإيمان بكل ما وصف الله به نفسه، أو وصفه به رسوله ﷺ، من غير تحريف ولا تعطيل، ولا تكييف ولا تمثيل. واعلم أن صفات الله تعالى تنقسم إلى قسمين: قسم كمال مطلق بكل حال، فهو يوصف الله به وصفًا مطلقًا على كل حال، كالسمع والبصر والعلم والقدرة والكلام وما أشبهها. وقسم آخر لا يكون كمالًا على كل حال، لكنه كمال في موضعه، كالآيات التي ذكرها السائل، فإن الله لا يوصف بها مطلقًا، أي: على سبيل الإطلاق، وإنما يوصف بها حيث تكون كمالًا، كما سيتبين إن شاء الله من الكلام على كل آية وحدها. فقوله تعالى في الآية الأولى: (الله يستهزئ بهم) أي: المنافقين؛ لأن المنافقين (وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ) أي: مستهزئون بالمؤمنين حيث نقول لهم: إننا آمنا، وهم لم يؤمنوا، فقال الله تعالى: (اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ) . فقابل استهزاءهم بالمؤمنين باستهزائه ﵎ بهم، وذلك حيث مكن لهم وأمهلهم واستدرجهم من حيث لا يعلمون، فهذا استهزاء في مقابلة استهزاء، واستهزاء الله تعالى أعظم وأكبر من استهزائهم بالمؤمنين. والآية الثانية: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ) وهذه أيضًا في المنافقين: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ)، وفي آية أخرى: (يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ) . والمخادعة وصف محمود إذا وقع في محله، ولهذا قيل: الحرب خدعة، فهؤلاء المنافقون يخادعون الله والذين آمنوا ويغرونهم ويرونهم أنهم مؤمنون- وهم غير مؤمنين- خداعًا ومكرًا وكيدًا، فيقول الله ﷿: إن الله خادعهم، وذلك بإمهاله لهم واستدراجه لهم وحقن دمائهم ومعاملتهم معاملة المسلمين، لكنه ﷿ سيريهم العذاب الأليم حين ينتقلون من الدنيا إلى الآخرة، وهذا لا شك خداع بهم، حيث يعاملهم ﷾ معاملة الرضا وهم على العكس من ذلك. الآية الثالثة: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْدًا (١٥) وَأَكِيدُ كَيْدًا) . إنهم يعني: المكذبين للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يكيدون للنبي صلى الله عليه كيدًا عظيمًا، ولكن الله تعالى يكيد بهم كيدًا أعظم. وتأمل قوله: (يَكِيدُونَ) حيث أتى بصيغة الجمع (وَأَكِيدُ) حيث أتى بصيغة الإفراد، فإن كيد الله تعالى أعظم من كيد جميع كيودهم مهما بلغت والكيد والمكر متقاربان، ومعناهما: الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، يعني: أن يوقع الإنسان بخصمه من حيث لا يشعر به، وقد كاد الله تعالى لنبيه ﷺ مع هؤلاء المشركين المكذبين به كيدًا عظيمًا، كما هو معلوم من قراءة سيرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم. وفي الآية الأخيرة: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) هذه أيضًا كقوله: (إنهم يكيدون كيدًا. وأكيد كيدًا) يعني: أن الكفار يمكرون بأولياء الله ﷿، ولكن الله تعالى يمكر بهم، فيقابلهم بما هو أعظم وأشد من مكرهم، ولهذا قال: (وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) أي: أعظمهم وأشدهم. والمكر- كما قلت آنفًا- هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر، فهو دليل على القوة والعلم والقدرة، فيكون في مقابلة الفاعل صفة مدح وكمال، لكن لا يوصف الله تعالى بأنه ماكر على سبيل الإطلاق، أو بأنه خادع، أو بأنه كائد، أو بأنه مستهزئ على وجه الإطلاق، بل يقال: إنه ﷾ ماكر بمن يمكر به، ومستهزئ بمن يستهزئ به، وهكذا. ***
الإيمان بالملائكة
جزاكم الله خيرًا يقول هذا السائل إبراهيم من الرياض: ما هي أهمية الإيمان بالملائكة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالملائكة أهميته عظيمة؛ لأن الإيمان بهم أحد أركان الإيمان الستة، كما قال جبريل للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره) . أما كيف نؤمن بهم؟ فنؤمن بأنهم عالم غيبي خلقوا من نور، وجعل الله منهم رسلًا ومنهم عبادًا، وهم على قوة عظيمة، ولا سيما جبريل ﵇، فقد وصفه الله بأنه ذو قوة فقال: (إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ * ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِين ٍ* مُطَاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ) . وهم في وظائفهم أقسام: منهم ملائكة مع الإنسان عن اليمين وعن الشمال يكتبون أعماله الحسنة والسيئة، ومنهم ملائكة يحفظون الإنسان من أمر الله ﷿ يتعاقبون بالليل والنهار، هؤلاء في الليل وهؤلاء في النهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ومنهم ملائكة موكلون بقبض الأرواح، ومنهم ملائكة موكلون بسؤال الأموات بعد الدفن. المهم أنهم عالم غيبي عظيم، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (أطت السماء وحق لها أن تئط) - والأطيط هو صرير الرحل، رحل البعير، إذا حمِّل وصار البعير يمشي، يكون له أطيط، أي: صرير- يقول: (أطت السماء وحق لها أن تئط، ليس فيها موضع أربع أصابع إلا وفيه ملك قائم لله أو راكع أو ساجد) . (وأخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن البيت المعمور الذي في السماء السابعة: أنه يدخله كل يوم سبعون ألف ملك، لا يعودون إليه في اليوم الثاني، بل يأتي غيرهم، إلى يوم القيامة) أو إلى ما بعد ذلك الله أعلم. المهم أنهم جنود لا يعلمهم إلا الله ﷿، فنؤمن بما عرفنا من أسمائهم، ونؤمن بما عرفنا من أوصافهم، ونؤمن بما عرفنا من وظائفهم، وما عدا ذلك فالله أعلم. ***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية والذي رمز لاسمه بـ م ل م يقول: فضيلة الشيخ نود أن تعطونا نبذة عن خلق الملائكة، وهل تأتي على صورة حيوان؟ ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الملائكة عالم غيبي خلقهم الله ﷾ من نور، وكلفهم بما شاء من العبادات والأوامر، واصطفى منهم رسلًا، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ) . فمنهم الرسل الموكلون بالوحي، كجبريل ﵊. ومنهم الرسل الموكلون بقبض أراوح بني آدم، كما قال الله تعالى: (حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . ومنهم الكتبة الذين يكتبون أعمال بني آدم، ومنهم الحفظة الذين يحفظونهم من أمر الله، ومنهم السياحون الذين يسيحون في الأرض يتلمسون حلق الذكر، إلى غير ذلك مما جاء في الكتاب والسنة من أعمالهم ووظائفهم. وأما أوصافهم: فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه رأى جبريل وله ستمائة جناح قد سد الأفق، ولكن مع هذا له قدرة بإذن الله ﷿ أن يكون على صورة إنسان، كما جاء جبريل إلى النبي ﵊ على صورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحد من الصحابة، فجلس إلى النبي ﷺ، وأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه، وسأل النبي ﷺ عن الإسلام والإيمان والإحسان، وعن الساعة وأشراطها، وكما جاء إليه بصورة دحية الكلبي، وكما أخبرنا النبي ﵊ في قصة الثلاثة من بني إسرائيل: الأبرص والأقرع والأعمى، وأن الملك جاء إلى كل واحد منهم وسأله عن أحب ما يكون إليه، ثم بعد أن أنعم الله عليهم بإزالة العيوب وبالمال عاد إليهم الملك بصورة كل واحد منهم قبل أن يزول عنه العيب ويحصل له الغنى، والقصة معروفة مشهورة. ثم إن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قدرة عظيمة، وسرعة عظيمة في الطيران والوصول إلى الغايات، ألم تر إلى قول سليمان ﵊: (يَا أَيُّهَا المَلأ أَيُّكُمْ يَأْتِينِي بِعَرْشِهَا قَبْلَ أَنْ يَأْتُونِي مسلمين) أي: عرش بلقيس، وهو السرير الذي تجلس عليه، وهو عرش عظيم. (قَالَ عِفْريتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقَامِكَ وَإِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ (٣٩) قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ مِنَ الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ) . قال أهل العلم: إن هذا الرجل دعا الله ﷿، فحملت الملائكة العرش حتى وضعته عند سليمان ﵊. ثم ألم تر إلى الإنسان يموت فتقبض الملائكة روحه، وتصعد بها إلى الله ﷿ إذا كان مؤمنًا إلى ما فوق السماوات، وتعاد إليه روحه إذا دفن في قبره؟ وكل هذا يدل على أن الملائكة عليهم الصلاة والسلام لهم قوة عظيمة وسرعة عظيمة. ومن أراد أن يقف على شيء من أوصافهم وأحوالهم فليرجع إلى الكتب المصنفة في ذلك، منها كتاب البداية والنهاية لابن كثير ﵀. ***
المستمعة أشواق تقول: إن الله ﷾ قد خلق لنا كرامًا كاتبين، يكتبون كل ما نقول ونفعل. السؤال: ما الحكمة من خلقهم؟ مع العلم بأن الله ﷾ يعلم ولا يخفى عليه ما نسر وما نعلن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال أن نقول: أولا: ً مثل هذه الأمور قد ندرك حكمتها وقد لا ندرك، فإن كثيرًا من الأشياء لا نعرف حكمتها، كما قال الله تعالى: (وَيَسْأَلونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا) . فإن هذه المخلوقات لو سألنا سائل: ما الحكمة أن الله جعل الإبل على هذا الوجه؟ وجعل الخيل على هذا الوجه؟ وجعل الحمير على هذا الوجه؟ وجعل الآدمي على هذا الوجه؟ وما أشبه ذلك، لو سُئلنا عن الحكمة في هذه الأمور ما علمناها، ولو سُئلنا: ما الحكمة في أن الله ﷿ جعل صلاة الظهر أربعًا، وصلاة العصر أربعًا، وصلاة العشاء أربعًا؟ وما أشبه ذلك ما استطعنا أن نعرف الحكمة في ذلك، إذ قد يقول قائل: لماذا لم تجعل ثماني أو ستًا؟ ولهذا علمنا أن كثيرًا من الأمور الكونية وكثيرًا من الأمور الشرعية تخفى علينا حكمتها، وإذا كان كذلك فإنا نقول: إن التماسنا للحكمة في بعض الأشياء المخلوقة أو الأشياء المشروعة إن منّ الله علينا بالوصول إليها فذاك زيادة فضل وخير وعلم، وإن لم نصل إليها فإن ذلك لم ينقصنا شيئًا. ثم نعود إلى جواب السؤال، وهو: ما الحكمة في أن الله وكل بنا كرامًا كاتبين يعلمون ما نفعل؟ فالحكمة من ذلك بيان أن الله ﷾ نظم الأشياء وقدرها، وأحكمها إحكامًا متقنًا، حتى أنه ﷾ جعل على أفعال بني آدم وأقوالهم كرامًا كاتبين يكتبون ما يفعلون، مع أنه ﷾ عالم بما يفعلون قبل أن يفعلوه، ولكن كل هذا من أجل بيان كمال عناية الله ﷿ بالإنسان، وكمال حفظه ﵎، وأن هذا الكون منظم أحسن نظام، ومحكم أحسن إحكام. ***
بارك الله فيكم المستمعة من المدينة المنورة أم عبد الله تقول: فضيلة الشيخ بعض الناس يقومون بوضع البخور في بيوتٍ قديمة، يدعون أنهم يبخرونها للملائكة، ويضعون قطعًا من القماش ويبخرونها. فما حكم الشرع في نظركم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هؤلاء جماعة من الخرافيين السفهاء في عقولهم، الضالين في عملهم؛ لأن الملائكة لا يمكن أن تكون أماكنها الأماكن الخربة، الأماكن الخربة يمكن أن تكون مأوى الجن أو الشياطين، أما الملائكة فإن مأواها في الأرض هي بيوت الله ﷿، كما جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيمن أكل بصلًا أو ثومًا قال: (فلا يقربن مسجدنا، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم)، فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات. وأضل من ذلك أن يبخروا هذه الأماكن، وكذلك يجعلون قطعًا من القماش ويبخرونها، وكل هذا ضلال في الدين وسفه في العقل. والواجب على من علم بذلك أن ينكر على من فعلها، ويبين له أن هذا خطأ عظيم، وأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أجل وأكرم عند الله من أن يجعل مأواهم هذه البيوت الخربة. ***
يقول السائل: هل هناك أدلة تدل على أفضلية الملائكة على الصالحين من بني البشر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة- وهي: المفاضلة بين الملائكة وبين الصالحين من البشر- محل خلاف بين أهل العلم، وكل منهم أدلى بدلوه فيما يحتج به من النصوص، ولكن القول الراجح أن يقال: إن الصالحين من البشر أفضل من الملائكة باعتبار النهاية، فإن الله ﷾ يؤدي لهم من الثواب ما لا يحصل مثله للملائكة فيما نعلم، بل إن الملائكة في مقرهم- أي: في مقر الصالحين، وهو الجنة- يدخلون عليهم من كل باب يهنئونهم: سلام عليكم بما صبرتم فنعم عقبى الدار. أما باعتبار البداية فإن الملائكة أفضل؛ لأنهم خلقوا من نور، وجبلوا على طاعة الله ﷿ والقوة عليها، كما قال الله تعالى في الملائكة ملائكة النار: (عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ) . وقال ﷿: (وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ * يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ) هذا هو القول الفصل في هذه المسألة. وبعد فإن الخوض فيها، وطلب المفاضلة بين صالح البشر والملائكة، من فضول العلم الذي لا يضطر الإنسان إلى فهمه والعلم به. والله المستعان. ***
الجن والشياطين
جزاكم الله خيرًا عبد المجيد محمد له هذا السؤال يقول: ما الفرق بين الجن والشياطين؟ وهل هم من فصيلة واحدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشياطين يكونون من الجن والإنس، كما قال الله تعالى: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَيَاطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُورًا) . بل يكون الشيطان من غير العقلاء، كما قال النبي ﷺ: (الكلب الأسود شيطان) . وأما الجن فإنه من ذرية إبليس، كما قال الله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا) . ***
هذه رسالة وردتنا من أحد السادة المستمعين يقول: أخوكم في الله ريكان غيلان الضامن من الجمهورية العراقية يقول: نحن نعرف أن إبليس هو أبو الشياطين، فكيف تتكاثر الشياطين وكيف تتناقص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: لا شك أن إبليس هو أبو الجن؛ لقوله تعالى: (وَخَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مَارِجٍ مِنْ نَارٍ) . وقوله عن إبليس وهو يخاطب رب العزة ﷾: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ) . وقوله تعالى: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُو) . فهذه الأمور أدلتها واضحة أن الشيطان له ذرية، وأن الجن ذريته، ولكن كيف يكون ذلك؟ هذا ما لا علم لنا به، وهو من الأمور التي لا يضر الجهل بها، ولا ينفع العلم بها. والله أعلم. ***
السائل أنور محمد إبراهيم من العراق محافظة ذي قار يقول: كيف هي حقيقة حياة الجن؟ وهل بينهم تزاوج شرعي؟ وهل هم يعيشون ويموتون مثلنا نحن الإنس؟ وهل لهم تأثير على الإنس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة حياة الجن الله أعلم بها، ولكننا نعلم أن الجن أجسام لها حقيقة، وأنهم خلقوا من النار، وأنهم يأكلون ويشربون ويتزاوجون أيضًا، ولهم ذرية، كما قال الله تعالى في الشيطان: (أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ) . وأنهم مكلفون بالعبادات، فقد أرسل إليهم النبي ﵊، وحضروا واستمعوا القرآن، كما قال الله تعالى: (قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآنًا عَجَبًا (١) يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَدًا) . وكما قال تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ) إلى آخر الآيات. وثبت عن النبي ﵊ أنه قال للجن الذين وفدوا إليه وسألوه الزاد، قال: (لكم كل عظم ذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحمًا) . وهم- يعني: الجن- يشاركون الإنسان إذا أكل ولم يذكر اسم الله على أكله، ولهذا كانت التسمية على الأكل واجبة، وكذلك على الشرب، كما أمر بذلك النبي ﷺ وعليه. فإن الجن حقيقة واقعة، وإنكارهم تكذيب للقرآن، وكفر بالله ﷿، وهم يؤمَرون وينهون، ويدخل كافرهم النار، كما قال الله تعالى: (قَالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنَ قَبْلِكُمْ مِنْ الْجِنِّ وَالإِنسِ فِي النَّارِ كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا) . ومؤمنهم يدخل الجنة أيضًا لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . والخطاب للجن والإنس، ولقوله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنفُسِنَا) . إلى غير ذلك من الآيات والنصوص الدالة على أنهم مكلفون، يدخلون الجنة إذا آمنوا، ويدخلون النار إذا لم يؤمنوا. فضيلة الشيخ: تأثيرهم على الإنس. فأجاب رحمه الله تعالى: أما تأثيرهم على الإنس فإنه واقع أيضًا، فإنهم يؤثرون على الإنس: إما أن يدخلوا في جسد الإنسان فيصرع ويتألم، وإما أن يؤثروا عليه بالإيحاش والترويع وما أشبه ذلك. فضيلة الشيخ: كيف العلاج من تأثيرهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج من تأثيرهم بالأوراد الشرعية، مثل: قراءة آية الكرسي، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ***
بارك الله فيكم، المستمعة هناء محمد تقول: سمعت بأنه يوجد جن صالحون وجن شياطين، هل يظهرون للإنسان؟ وكيف نتجنب ظهورهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجن كالإنس فيهم الصالحون، فيهم المسلمون، فيهم الكافرون، فيهم الأولياء الذين آمنوا بالله وكانوا يتقون. ذكر الله ﵎ في سورة الجن عن الجن أنهم قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . وقالوا أيضًا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . وفيهم- أي: في الجن- من يحب الصالحين من الإنس، وربما يخاطبهم وينتفع بهم بالنصيحة والتعليم، وفيهم- أي: في الجن- فساق وكفار يحبون الفاسقين والكافرين ويبغضون المؤمنين وأهل الاستقامة، وفي الجن من يحب العدوان على الإنس والأذية، وهم في الأصل عالم غيبي لا يظهرون للإنس، لكن ربما يظهرون أحيانًا ويراهم الإنس وربما يتشكلون بأشكال مؤذية مزعجة لأجل أن يروعوا الإنس، ولكن الإنسان إذا تحصن بالأوراد الثابتة عن رسول الله ﷺ كفاه الله شرهم، ومن ذلك قراءة آية الكرسي، وهي قوله تعالى: (اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ وَلا يَؤودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) . فإن هذه الآية العظيمة من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ولكن لابد أن يكون القارئ مؤمنًا بها، مؤمنًا بأثرها، مؤمنًا بأن الله تعالى يحفظه بها من كل شيطان، أما من قرأها وهو غافل، أو من قرأها مجربًا غير موقن بأثرها فإنه لا ينتفع بها. ***
هل الجن قد أسلموا برسالة محمد ﷺ، وآمنوا بالرسل من قبل؟ وأيضًا هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن الجن مكلفون بلا شك، مكلفون بطاعة الله ﷾، وأن منهم المسلم والكافر، ومنهم الصالح ومنهم دون ذلك، كما ذكر الله تعالى في سورة الجن عنهم حيث قالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ كُنَّا طَرَائِقَ قِدَدًا) . وقالوا: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا * وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . وقد صرف الله نفرًا من الجن إلى رسول الله ﷺ، فاستمعوا القرآن وآمنوا به، وذهبوا دعاة إلى قومهم، كما قال الله تعالى: (وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩) قَالُوا يَا قَوْمَنَا إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ (٣٠) يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَيُجِرْكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ (٣١) وَمَنْ لا يُجِبْ دَاعِيَ اللَّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الأَرْضِ وَلَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَولِيَاءُ أُولَئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . وهذا يدل على أن الجن كانوا يؤمنون بالرسل السابقين، وأنهم يعلمون كتبهم؛ لقولهم: (إِنَّا سَمِعْنَا كِتَابًا أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَإِلَى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ) . وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه أكرم الوفد، وفد الجن الذين وفدوا إليه بأن قال لهم: (لكم كل عظم يذكر اسم الله عليه، تجدونه أوفر ما يكون لحمًا، وكل بعرة فهي علف لدوابكم) .ولهذا (نهى النبي ﷺ عن الاستجمار بالعظام، وعن الاستجمار بالروث، وقال: إن العظام زاد إخوانكم من الجن) . فضيلة الشيخ: يقول: هل مفروض عليهم الحج؟ وإن كان كذلك فأين يحجون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنهم مكلفون بما يكلف به الإنس من العبادات، ولاسيما أصولها كالأركان الخمسة، وحجهم يكون كحج الإنس زمنًا ومكانًا، وإن كانوا قد يختلفون عن الإنس في جنس العبادات التي لا تناسب حالهم، فتكون مختلفة عن التكليف الذي يكلف به الإنس. ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة من السائلة الزهراء ع. م. ن. من البيضاء من الجماهيرية العربية الليبية تقول: هل للجن تأثيرٌ حقيقة على الإنسان؟ كما نسمع من تسلط بعض ذكور الجن على إناث الإنس، وتسلط بعض إناث الجن على رجال من الإنس؟ وكيف التخلص من هذا إن كان هذا واردًا؟ وبأي الطرق يمكن معالجة من به مثل هذه الحالة، دون الرجوع إلى وسائل محرمة ومخالفة للتوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لاشك أن الجن لهم تأثير على الإنس، بالأذية التي قد تصل إلى القتل، وربما يؤذونه برمي الحجارة، وربما يؤذونه بالإيحاش، أي: يروعونه، إلى غير ذلك من الأشياء التي ثبتت بها السنة ودل عليها الواقع. وقد ثبت أن الرسول ﵊ أذن لبعض أصحابه أن يذهب إلى أهله في إحدى الغزوات- وأظنها غزوة الخندق- وكان شابًا حديث عهد بعرس، فلما وصل إلى بيته وإذا امرأته على الباب، فأنكر عليها ذلك فقالت له: ادخل، فدخل فإذا حية ملتوية على الفراش، فكان معه رمح فوخزها بالرمح حتى ماتت، وفي الحال وفي الزمن أو في اللحظة التي ماتت فيها الحية مات الرجل، فلا يدرى أيهما أسبق موتًا: الحية أم الرجل؟ فلما بلغ ذلك النبي ﷺ (نهى عن قتل الجان التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين) . وهذا دليل على أن الجن قد يعتدون على الإنس، وأنهم يؤذونهم. كما أن الواقع شاهد بذلك، فإنه قد تواترت الأخبار واستفاضت الأخبار بأن الإنسان قد يأتي إلى خربة فينال الحجارة، وهو لا يرى أحدًا من الإنس في الخربة، وقد يسمع أصواتًا، وقد يسمع حفيفًا كحفيف الأشجار، وما أشبه ذلك مما يستوحش به ويتأذى به. وكذلك أيضًا قد يدخل الجني إلى جسد الآدمي: إما لعشق، أو لقصد الإيذاء، أو لسبب آخر من الأسباب. ويشير إلى هذا قوله تعالى: (الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لا يَقُومُونَ إِلاَّ كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ) . وفي هذا النوع قد يتحدث الجني من باطن نفس الإنسي ويخاطب من يقرأ عليه آيات من القرآن، وربما يأخذ القارئ عليه عهدًا ألا يعود، إلى غير ذلك من الأمور الكثيرة التي استفاضت بها الأخبار وانتشرت بين الناس. وعلى هذا فإن الوقاية المانعة من شره- من شر الجن- أن يستعيذ الإنسان، أو أن يقرأ الإنسان ما جاءت به السنة مما يتحصن به منهم، مثل: آية الكرسي، فإنها آية إذا قرأها الإنسان في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح. ***
يقول السائل: من المعلوم أن من الجن من هم صالحون، كما يثبت ذلك ويؤكده القرآن الكريم في قوله تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وَمِنَّا دُونَ ذَلِكَ) . فهل يجوز الاستعانة بهم في الأشياء التي هي فوق طاقة الإنسان وقدرته؟ أم أن ذلك يؤثر على عقيدة المسلم وتوحيده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الجن كما ذكر السائل وعلى ما استدل به من أن فيهم الصالح وفيهم دون ذلك، كما في الآية الكريمة التي ذكرها السائل، وفيهم أيضًا المسلم والكافر، كما قال تعالى: (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَمِنَّا الْقَاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُوْلَئِكَ تَحَرَّوْا رَشَدًا (١٤) وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . ومن المعلوم أن الصالح منهم لا يرضى بالفسق ولا يعين عليه، وكذلك المسلم لا يرضى بالكفر ولا يعين عليه، ولهذا قال الله تعالى: (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا شَهِدْنَا عَلَى أَنْفُسِنَا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَشَهِدُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَنَّهُمْ كَانُوا كَافِرِينَ) . فكافرهم يدخل النار، كما تفيده هذه الآية والآية التي في سورة الجن: (وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا) . ومؤمنهم يدخل الجنة على القول الراجح من أقوال أهل العلم؛ لقوله تعالى: (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . فأخبر أن لمن خاف مقام ربه جنتين، وخاطب بذلك الجن والإنس في قوله: (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) . وقد سمى النبي ﵊ المؤمنين منهم إخوة لنا، حين نهى عن الاستنجاء بالعظام وقال: (إنها طعام إخوانكم أو زاد إخوانكم) يعني: من الجن. وأما الاستعانة بهم: فإني أحيل السائل على ما ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية في الفتاوي جمع ابن القاسم صفحة ثلاثمائة وسبع مجلد أحد عشر، وما ذكره ﵀ في كتابه النبوات صفحة مائتين وستين إلى مائتين وسبع وستين، ففيه كفاية. ***
أسمع دائمًا من الناس أن الجن يتصورون في صورة طيور وقطط وأغنام، وأنا أنكر ذلك ولم أصدق به؛ لأن الجن مخلوق مثلنا، ولن يستطيع تغيير الخلق إلا الله ﷾. فهل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكرته أمرٌ مشهور بين الناس أن الجن قد يتشكلون بشكل شيء مشاهد ومرئي، وربما يشهد له الحديث الثابت في الصحيح أن رجلًا شابًا من الأنصار كان حديث عهدٍ بعرس، فجاء ذات يومٍ أو ليلة فوجد أهله على الباب، فسألهم: ما هو السبب؟ فذكرت له ما في الفراش، فذهب إلى فراشه فوجد فيه حيةً، فأخذ رمحًا فطعنها فماتت هذه الحية، ثم مات الرجل فورًا، فلا يدرى أيهما أسرع موتًا: الرجل أم الحية؟ ثم إن النبي ﷺ نهى عن قتل الحيات التي تكون في البيوت، إلا الأبتر وذا الطفيتين. وهذا يدل على أن هذا كان جنًا، وأنه وقد تصور بصورة الحية، والحكايات في ذلك كثيرةٌ ومشهورة، ولكن هذا الحديث الصحيح قد يشهد لصحتها. وكما أنه يتصور الملائكة عليهم الصلاة والسلام بأشكالٍ ليست على هيئتهم التي خلقوا عليها، فإن جبريل ﷺ كان يأتي إلى النبي ﷺ أحيانًا بصورة دحية الكلبي، وجاء إليه مرة بصورة رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر ولا يعرفه أحدٌ من الصحابة، وجلس إلى النبي ﷺ، فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه جلسة المتأدب، ثم سأل النبي ﷺ الأسئلة المشهورة في الإسلام والإيمان والإحسان، والساعة وأشراطها، ثم قال النبي ﷺ: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) . ومن المعلوم أن قدرتهم على التشكل بهذا الشكل إنما هي من الله ﷾، فهو الذي أقدرهم على ذلك، فلا يبعد أن يكون الجن هكذا يستطيعون أن يتصوروا أو يتشكلوا للناس بأشكالٍ متعددة، هذا الذي ظهر لي في هذه المسألة. ***
الإيمان بالكتب
التوراة والإنجيل والكتب المتقدمة هل هي منسوخة بالقرآن؟ وما هو الدليل من القرآن إن وجد؟ والسنة المطهرة؟ وما حكم قراءتها بالنسبة للعالم للاطلاع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب السابقة منسوخة بالقرآن الكريم؛ لقول الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) . فكلمة: (وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ) تقتضي أن القرآن الكريم حاكم على جميع الكتب السابقة، وأن السلطة له، فهو ناسخ لجميع ما سبقه من الكتب. وأما قراءة الكتب السابقة: فإن كان للاهتداء بها والاسترشاد فهو حرام ولا يجوز؛ لأن ذلك طعن في القرآن والسنة، حيث يعتقد هذا المسترشد أنها- أي: الكتب السابقة- أكمل مما في القرآن والسنة، وإن كان للاطلاع عليها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من خالفوا الإسلام فهذا لا بأس به، وقد يكون واجبًا؛ لأن معرفة الداء هي التي يمكن بها تشخيص المرض ومحاولة شفائه، أما من ليس عالمًا ولا يريد أن يطلع ليرد فهذا لا يطالعها. إذًا فأقسام الناس فيها ثلاثة: من طالعها للاسترشاد بها فهذا حرام ولا يجوز؛ لأنه طعن في كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ، ومن طالعها ليعرف ما فيها من حق فيرد به على من تمسكوا بها وتركوا الإسلام فهذا جائز، بل قد يكون واجبًا، ومن طالعها لمجرد المطالعة فقط، لا ليهتدي بها ولا ليرد بها، فهذا جائز، لكن الأولى التباعد عن ذلك؛ لئلا يخادعه الشيطان بها. ***
تقول السائلة: ماحكم قراءة الكتب السماوية مع علمنا بتحريفها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم أنه ليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد لله بقراءته، وليس هناك كتابٌ سماوي يتعبد الإنسان لله تعالى بما شرع فيه، إلا كتابًا واحدًا وهو القرآن، ولا يحل لأحد أن يطالع في كتب الإنجيل ولا في كتب التوراة، وقد روي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى مع عمر بن الخطاب ﵁ صحيفة من التوراة، فغضب وقال: (أفي شكٍ أنت يا ابن الخطاب)؟ والحديث وإن كان في صحته نظر لكن صحيح أنه لا اهتداء إلا بالقرآن. ثم هذه الكتب التي بأيدي النصارى الآن أو بأيدي اليهود هل هي المنزلة من السماء؟ إنهم قد حرفوا وبدلوا وغيروا، فلا يوثق أن ما في أيديهم هي الكتب التي نزلها الله ﷿، ثم إن جميع الكتب السابقة منسوخة بالقرآن، فلا حاجة لها إطلاقًا. نعم لو فرض أن هناك طالب علم ذا غيرةٍ في دينه وبصيرةٍ في علمه طالع كتب اليهود والنصارى من أجل أن يرد عليهم منها فهذا لا بأس أن يطالعها لهذه المصلحة، وأما عامة الناس فلا، وأرى من الواجب على كل من رأى من هذه الكتب شيئًا أن يحرقه، النصارى عليهم لعنة الله إلى يوم القيامة صاروا يبثون في الناس الآن ما يدعونه إنجيلًا على شكل المصحف تمامًا، مشكل على وجهٍ صحيح، وفيه فواصل كفواصل السور، والذي لا يعرف المصحف- كرجلٍ مسلم ولكنه لا يقرأ- إذا رأى هذا ظن أنه القرآن، كل هذا من خبثهم ودسهم على الإسلام، فإذا رأيت أخي المسلم مثل هذا فبادر بإحراقه يكن لك أجر؛ لأن هذا من باب الدفاع عن الإسلام. ***
عثمان محمد علي سوداني يقول في رسالته: عثرت على بعض الكتب المسيحية، فهل يصح إحراقها أم يجب عليّ أن أدفعها للمسيحيين لأنها تخصهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يريد أنه وجد نسخًا من الإنجيل، وأشكل عليه: هل يحرقها، أو يدفعها للنصارى الذين يدعون أنهم متبعون لعيسى بن مريم ﵊؟ والذي أرى أنه يجب عليه إحراقها، وأنه لا يحل له أن يعطيها النصارى. ***
هذه الرسالة وردتنا من الأخ صلاح ساري أبو الخير من جمهورية مصر العربية من دقهلية يقول في رسالته: ما هو الحكم في الذي يقرأ بالإنجيل؟ فهل هو حلال أم حرام، مع العلم أنه يتلو القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة غير القرآن الكريم من الكتب السابقة تقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون التالي عالمًا بالشريعة، ويتلوها ليقيم الحجة على معتنقيها بصدق ما جاء به الإسلام، فالتلاوة هنا وسيلة إلى أمر محمود فتكون محمودة. والقسم الثاني: أن تكون التلاوة من عامي لا يعرف الشريعة، ويقصد الاهتداء بهذه الكتب، فهذه حرام عليه، أي: هذه التلاوة حرام عليه؛ لأنه لا يجوز أن يسترشد بالكتب السابقة وعنده هذا القرآن الكريم الذي كان مصدقًا لما بين يديه من الكتب ومهيمنًا عليها، ولا يجوز الاهتداء بغير ما جاء به النبي ﷺ، هذا هو خلاصة الجواب في مسألة مطالعة كتب غير المسلمين. ***
هذه يا شيخ رسالة وردت من محمد العيسى الحمود الجارياوي يقول في رسالته: إنني قرأت في كتاب وهو كتاب مسيحي، وفيه مكتوب أن المسيح ابن الله تعالى، وأنا أعرف أنه خطأ وكفر بالله، هل يلحقني ذنب في هذه القراءة؟ أرشدوني جزاكم الله خيرًا، رغم أن الكتاب فيه عدة أخطاء وكفر بالله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكتاب الذي قرأت للمسيحي لم تبين أنه الإنجيل أو غيره، وعلى كل حال فإن الكتب السابقة كالتوراة والإنجيل قراءتها على ثلاثة أوجه: أحدها: أن يقرأها للاسترشاد بها والاستفادة منها، فهذا لا يجوز، وذلك لأن في القرآن والسنة ما يغني عنها. ثانيًا: أن يقرأها ليعرف ما فيها من حق فيلزم به متبعيها، ويبين خطأهم في مخالفة ما جاء به محمد ﷺ، فهذا لا بأس به، بل هو مطلوب إما وجوبًا وإما استحبابًا. الثالث: أن يقرأها لمجرد المطالعة فقط ليعرف ما عندهم، وليس يريد أن يسترشد بها أو يهتدي بها عن القرآن والسنة، ولا أن يرد على متبعيها باطلهم، فالأولى هنا أن لا يفعل؛ لأنه يخشى أن يتأثر بها ويجعلها مصدرًا لرشاده وهدايته. ***
حنان وسامية من بابلة الأردن المستمعتان تسألان: نحن نعلم بأن القرآن الكريم نزل مفرقًا، وورد بالقرآن أنه نزل في ليلة القدر، هل معنى ذلك بأنه نزل في كل سنة من ليلة القدر؟ نرجو بهذا إفادة يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه لا يخفى علينا جميعًا أن القرآن كلام الله ﷿؛ لقوله تعالى: (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ) أي: حتى يسمع القرآن. وليس المعنى أن هذا المستجير يسمع كلام الله نفسه من الله، بل إنما يسمع القرآن الذي هو كلام الله ﷿، وأن هذا القرآن نزل من عند الله تعالى، كما قال الله تعالى: (تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) . وكما قال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ * عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ * بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فالقرآن نزل من عند الله ﷿، ونزوله كان مفرقًا، كما قال تعالى: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلًا) . وقال تعالى: (وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنْزِيلًا) . ولنزوله مفرقًا فوائد كثيرة، ذكرها أهل العلم في التفسير في أصول التفسير. فأما قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ) . فقد اختلف المفسرون فيها، فقال بعضهم: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، فيكون القرآن أول ما نزل في ليلة القدر، ثم نزل متتابعًا حسب ما تقتضيه حكمة الله ﷿. وقال بعض العلماء: إنه نزل إلى بيت العزة جميعًا في ليلة القدر، ثم نزل إلى النبي ﷺ مفرقًا بعد ذلك. لكن الأول أقرب إلى الصواب؛ لأن قوله: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) يقتضي إنزاله إلى منتهى إنزاله، وهو قلب النبي ﷺ، ومعلوم أنه لم ينزل على قلب النبي ﷺ جميعًا في ليلة واحدة، بل نزل مفرقًا، فيكون المعنى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ) أي: إنا ابتدأنا إنزاله في ليلة القدر، ثم صار ينزل مفرقًا حسب ما تقتضيه حكمة الله ﵎. ***
بارك الله فيكم السائلة أع ن تقول: هل نزول القرآن باللغة العربية يجعل الأعجميين لديهم عذر أو حجة لأن القرآن ليس بلغتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس للأعجميين حجة أو عذر لكون القرآن ليس بلغتهم، بل عليهم أن يتعلموا لغة القرآن؛ لأنه إذا توقف فهم كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على تعلم العربية كان تعلم العربية واجبًا، فإن ما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، ولهذا كان من أئمة اللغة العربية قوم من العجم من فارس وغيرها، وصاروا أئمة في العربية لأنهم عرفوا قدر تعلم اللغة العربية، فتعلموها فصاروا أئمة فيها. وأما تعصب بعض الناس للغتهم، وعدم تحولهم إلى اللغة العربية مع قدرتهم على ذلك، فهذا من حمية الجاهلية، والقرآن ولله الحمد الآن انتشر بين العالم، وترجم معناه إلى لغات متعددة، لغات عالمية حية، ولغات في مناطق معينة، فلا حجة لأحد اليوم في قوله: إن لساني ليس عربيًّا فلا أفهم القرآن. ***
جزاكم الله خيرًا هذه السائلة دعاء م. ع من جمهورية مصر العربية البحيرة تقول في هذا السؤال: قرأت في كتاب بأن أهل السنة والجماعة قالوا بأن من قال: إن القرآن محدث فهو كافر، وإن القرآن ليس مخلوقًا. فما معنى أن القرآن ليس محدثًا وليس مخلوقًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من قال: إن القرآن مخلوق، فهو مبتدع ضال؛ لأن القرآن كلام الله ﷿، وكلام الله من صفاته، وصفات الخالق غير مخلوقة، وقد أنكر أئمة أهل السنة على من قال ذلك- أي: على من قال: إن القرآن مخلوق- إنكارًا شديدًا، وحصلت بذلك الفتنة المشهورة التي جرت في زمن إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ﵀، حتى إن بعضهم- أي: بعض الأئمة- أطلق الكفر على من قال: إن القرآن مخلوق، ولا شك أن من قال: إن القرآن مخلوق، فقد أبطل الأمر والنهي؛ لأنه إذا كان مخلوقًا فمعناه أنه شيء خلق على هذه الصورة المعينة، فهو كالنقوش في الجدران والورق وشبهها لا يفيد شيئًا، إذ ليس أمرًا ولا نهيًا ولا خبرًا ولا استخبارًا. وأما من قال: إن القرآن محدث، فليس بمبتدع وليس بضال، بل قد قال الله تعالى: (مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ) . نعم لو كان المخاطب لا يفهم من كلمة محدث إلا أنه مخلوق فهنا لا نخاطبه بذلك، ولا نقول: إنه محدث، خشية أن يتوهم ما ليس بجائز. فضيلة الشيخ: لماذا اعتبرت الفرق الضالة بأن القرآن مخلوق وأنه محدث؟ وما هو الغرض من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أولًا: كما سمعت كلمة محدث لا بأس بها، ما لم نكن نخاطب من يفهم منها الخلق، وأن "محدث" في إزاء مخلوق. وأما المخلوق فإنهم إنما ذهبوا هذا المذهب لشبهات كانت عليهم، مثل قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ) . ومثل قوله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) وما أشبه ذلك، فظنوا أن هذا هو الحق، لكنهم بُيِّنَ لهم هذا، وبُيِّنَ لهم الغلط، إلا أنهم أصروا وعاندوا، وصاروا يدعون إلى بدعتهم هذه، وهي بدعة ضلالة. ***
ناصر دوارة من الجمهورية العربية السورية يقول: ما الفرق بين النبي والرسول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المشهور عند أهل العلم أن الفرق بينهما: أن النبي أوحي إليه بشرع ولم يؤمر بتبليغه، والرسول أوحي إليه بشرع وأمر بتبليغه، هذا هو الفرق عند جمهور أهل العلم. وقيل: إن الفرق أن النبي لم يأت بشرع جديد، وإنما يكون مبلغًا بشرع من قبله، أي: إنه يحكم بشريعة من قبله بدون وحي جديد يوحى به إليه، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . يحكم بها النبيون الذين أسلموا، وهم يحكمون بما في التوراة. فأما إذا أتى بشرع فحينئذٍ- ولو كان تكميلًا لشرع من قبله- يكون رسولًا، ولا يرد على هذا التعريف إلا آدم، فإن آدم كان نبيًا وليس برسول؛ لأن أول رسول نوح، وآدم نبي أوحي اليه بشرع، فعمل به، فأخذت به ذريته الذين كانوا في عهده. ***
فضيلة الشيخ ما الفرق بين الأنبياء والرسل؟ وهل توجد كتب غير الكتب الأربعة التي نزلت أو أنزلت على الأنبياء؟ وما هي الصحف التي أنزلت على إبراهيم؟ نرجو منكم الإجابة فأجاب رحمه الله تعالى: جميع من ذكروا في القرآن من النبيين رسل، حتى وإن ذكروا بوصف النبوة؛ لقول الله تعالى: (وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلًا مِنْ قَبْلِكَ مِنْهُمْ مَنْ قَصَصْنَا عَلَيْكَ وَمِنْهُمْ مَنْ لَمْ نَقْصُصْ عَلَيْكَ) . وقوله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ) إلى أن قال: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . فكل نبيٌ ذكر في القرآن فإنه رسول، لكن ذكر العلماء ﵏ أن النبي هو الذي أوحى الله إليه بالشرع ولم يلزمه بتبليغه، وإنما أوحى الله إليه بالشرع لأجل أن يتعبد به، فيحيي شريعةً قبله أو يجدد شريعةً إذا لم يكن مسبوقًا بشريعةٍ من قبل. فمن الأول قوله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ) . ومن الثاني- وهو: أن يكون الوحي الذي أوحي إلى النبي نبوة بلا رسالة- آدم ﵊، فإنه كان نبيًا ولم يكن رسولًا، ومع ذلك فهو لم يجدد شريعةً قبله، وإنما تعبد لله تعالى بما أوحى إليه من الشرع، فتبعه على ذلك أولاده، فلما كثر الناس واختلفوا بعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب، وأول رسولٍ بعثه الله ﷿ هو نوح ﵊، ومعه كتابٌ بلا شك، وآخر الرسل والأنبياء محمدٌ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل رسول معه كتاب، ولكننا لا نعلم من الكتب السابقة إلا التوراة والإنجيل والزبور وصحف إبراهيم وصحف موسى، وقد اختلف العلماء في صحف موسى هل هي التوراة أم غيرها؟ والله أعلم. هذا هو جواب السؤال. ***
الإيمان بالرسل
السائل ب م حجازي الخبر المملكة العربية السعودية يقول: أرجو أن تبينوا لنا مشكورين حقيقة الأمر في مسألة عصمة الرسول الكريم ﷺ، حيث يلتبس الأمر على كثير من الناس في هذا الشأن، كثيرًا ما نسمع ما يمكن أن يفهم منه أن الرسول ﷺ كان معصومًا من الخطأ، كما يفهم من عموم قوله تعالى: (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى) . ولكن نرى في بعض ما ورد عنه ﷺ أنه كان يصيب ويخطئ في بعض الأمور، كالسهو في الصلاة مثلًا. فما حقيقة أمر العصمة للرسول ﷺ؟ وما هي الجوانب التي عصم منها من الخطأ تحديدًا والجوانب التي لم يعصم من الخطأ مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإني أسأل هذا السائل: هل يؤمن بأن محمدًا رسول الله على كل حال؟ هو يؤمن بهذا لا شك إن شاء الله، إذا كان يؤمن بمحمد رسول الله ﷺ أنه رسول الله فكفى، وما وقع منه فإنه لا ينافي الرسالة، فالسهو وقع منه في الصلاة، ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) .وعدم العلم وقع منه ﵊، فقد (صلى ذات يوم بأصحابه وعليه نعلاه، وفي أثناء الصلاة خلع النعلين، فخلع المسلمون نعالهم، فلما سلم سألهم: لماذا؟ قالوا: يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني أن فيهما قذرًا فخلعتهما) . فهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى في نعليه ولم يعلم أن فيهما قذرًا، وهذا أيضًا من طبيعة البشر أن الإنسان جاهل، هذا الأصل في الإنسان، كما قال الله ﷿: (وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يجتهد في أفعاله ولا يكون اجتهاده مصيبًا، لكنه حين فعله للشيء الذي صدر منه عن اجتهاد هو مصيب، كما في قول الله تعالى: (عَبَسَ وَتَوَلَّى. أَنْ جَاءَهُ الْأَعْمَى. وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى. أَوْ يَذَّكَّرُ فَتَنْفَعَهُ الذِّكْرَى. أَمَّا مَنِ اسْتَغْنَى. فَأَنْتَ لَهُ تَصَدَّى. وَمَا عَلَيْكَ أَلَّا يَزَّكَّى. وَأَمَّا مَنْ جَاءَكَ يَسْعَى. وَهُوَ يَخْشَى. فَأَنْتَ عَنْهُ تَلَهَّى. كَلَّا إِنَّهَا تَذْكِرَةٌ) . فهذا وقع اجتهادًا من النبي ﷺ أن ينصرف إلى هؤلاء الكبراء الذين جاؤوا إليه من قريش، يرجو إسلامهم وينتفع بإسلامهم قومهم والمسلمون جميعًا. ومثل قول الله تعالى: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . فاجتهد صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعفا عنهم؛ لمحبته ﷺ للعفو، وأخذ الناس بظواهرهم، وهو حين عفا عنهم مصيب، لكن بين الله ﷿ له أن الحكمة هي الانتظار، وهذا لا يخدش بالرسالة، النسيان من طبيعة الإنسان، وعدم العلم هو أصل الإنسان أنه لا يعلم حين وقع من الرسول ﷺ مثل هذا فإنه والله لا يخدش بالرسالة وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى) فالمعنى: أنه ﷺ لا ينطق نطقًا صادرًا عن هوى، وإنما نطقه إما عن وحي من الله وإما عن اجتهاد، فليس كغيره ممن ينطق عن الهوى ويتكلم بما يهوى، سواء كان الحق أو غير الحق. وإني أنصح هذا السائل وغيره ألا يتعمقوا في مثل هذه الأمور فيلقي الشيطان في قلوبهم شرًّا، فالإنسان غير آمن من الشيطان، أليس النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات ليلة وهو معتكف قام يقلب صفية ﵂، حين جلست عنده ساعة من الليل في معتكفه، فقام يقلبها ﵊ أي: يمشي معها- فأبصر به رجلان من الأنصار فأسرعا، أسرعا خوفًا وخجلًا من النبي ﷺ وحياء، فقال: (علىرسلكما إنها صفية) . فقالا: سبحان الله! قال: (نعم، إني خشيت أن يقذف الشيطان في قلوبكما شيئًا- أو قال: شرًا-) . فانظر إلى هذا: خاف أن يلقي الشيطان في قلوبهما ما لا يليق بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهما من الصحابة، فالبحث في هذه الأمور والتعمق فيها قد يكون خطرًا على الإنسان وهو لا يشعر، وأنا أشكر السائل حيث سأل ليتبين له الأمر، لكني أقول: إن الأولى بالإنسان أن يدع البحث في هذه الأمور، وأن يقول: محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهو أبعد الناس أن يقول عن هوى أو أن يحكم بالهوى، بل هو الصادق الأمين ﵊. ثم إن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام معصومون من كل ما يخل بالإخلاص لله ﷿، فلم يقع منهم الشرك، معصومون عن كل ما يخل بالمروءة والخلق، فلم يقع منهم ما ينافي ذلك، وأما بعض الذنوب فيقع منهم، لكن من خصائصهم أنهم معصومون من الاستمرار فيها وعدم التوبة، وإذا تاب الإنسان من الذنب فكمن لا ذنب له، بل قد تكون حاله بعد التوبة من الذنب أكمل من حاله قبل أن يفعل الذنب. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن ما ذكر في الإسرائيليات عن داود ﵊ في قصة الخصمين اللذين اختصما عنده وقال أحدهما: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ) . في بعض الإسرائيليات أن داود ﵊ كان له أحد الجنود، وكان عند هذا الجندي امرأة أعجبت داود وأرادها، فطلب من هذا الجندي أن يذهب للجهاد لعله يقتل فيأخذ زوجته، هذه قصة كذب ولا يجوز لأحد أن ينقلها إلا إذا بين أنها كذب، ولا يجوز اعتقادها في نبي من أنبياء الله، هذه لا تليق ولا من عامي من الناس فكيف بنبي؟ ولا أستبعد أن هذه من دسائس اليهود التي دسوها على المسلمين ليفسدوا بذلك دينهم. والقضية هي أن هذا الرجل مع خصمه عنده نعجة واحدة، أي: أنثى من الضأن، وكان أخوه- أي: خصمه- عنده تسع وتسعون، فقال له: أنت ليس عندك إلا واحدة لا تغني شيئًا، وأنا عندي تسع وتسعون، باقٍ واحدة وتكتمل المائة، والإنسان ينظر إلى تكميل العدد، فطلب منه هذه الواحدة، وجعل يورد عليه الحجج حتى غلبه في الحجج، فاختصما إلى داود. فإذا قال قائل: ما تقول في قوله تعالى: (وَظَنَّ دَاوُدُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ)؟ فالجواب سهل: داود ﵇ جعله الله خليفة في الأرض يحكم بين الناس، وكونه يدخل محرابه- أي: متعبده- ثم يغلق الباب خلاف لما كلف به، وهو مجتهد في ذلك لا شك، ثم إنه حكم على الخصم قبل أن يسمع حجة الآخر المحكوم عليه، فلما قال الخصم: (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ * قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ الْخُلَطَاءِ) الخ. فحكم قبل أن يسمع حجة الخصم، ولعله من أجل أن يسرع التفرغ للعبادة، فلما جاءت هذه القصة وأخذ بقول الخصم وكان قد أغلق الباب ظن داود ﵊ أن الله تعالى أرسل هذين الخصمين اختبارًا له (فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ) . فإن قال قائل: ما تقولون في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لهند حين شكت زوجها أبا سفيان أنه رجل شحيح لا يعطيها وولدها ما يكفيهم، فقال: (خذي من ماله ما يكفيك وولدك بالمعروف) فحكم لها؟ فالجواب: أن حكم النبي ﷺ فتيا وليست قضاء بين خصمين؛ لأن خصمها لم يحضر، فهو أفتاها على صورة القضية بدون محاكمة ومخاصمة. ***
هذا السائل يا فضيلة الشيخ من السودان يقول: يا فضيلة الشيخ نعلم أن الرسل معصومون من الخطأ، هل هم معصومون من الخطأ في التشريع فقط، أم في كل الأمور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام يتكلمون بوحي الله ﷾، وهم معصومون من كل خطأ يخل بصدقهم وأمانتهم، وهذا هو محل الثقة فيهم. وأما ما نتج عن اجتهادٍ منهم فإنهم قد يخطئون فيه، فإن نوحًا ﵊ سأل ربه أن ينجي ابنه، فقال الله له: (إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ) . ورسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حرم ما أحل الله له اجتهادًا منه، فقال الله له: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١) قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) . وعفا عن قومٍ استأذنوه في الجهاد فقال الله له: (عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الْكَاذِبِينَ) . لكنهم معصومون من الإقرار على الخطأ، يعني لو حصل منهم خطأ في اجتهادٍ اجتهدوه فإن الله تعالى لا بد أن يعصمهم من الاستمرار فيه، بخلاف غيرهم فإنهم لا يعصمون من ذلك. ***
يوجد في مدينة الكوفة مسجد يقال: إن جميع الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام قد زاروا هذا المسجد، ولكل نبي فيه محراب ودعاء مكتوب على المحراب، والناس يزورون هذا المسجد بكثرة ويتنقلون بين محاريبه، ويدعون عند كل محراب بما كتب عليه من الدعاء بعدد الركعات التي يريد الزائر أن يصلىها. فهل هذا صحيح؟ وهل زيارة هذا المسجد لهذا الغرض جائزة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا باطل قطعًا، فإن سيد الأنبياء والمرسلين محمدًا ﷺ لم يزره بلا ريب، وكذلك الأنبياء قبله لا يمكن أن يكونوا قد زاروه؛ لأنه لو قصد بالأنبياء الأنبياء الذين لم يرسلوا فإنهم أربعة وعشرون ألفًا، وإن قصد الرسل فهم ثلاثمائة وبضعة عشر رسولًا، وهؤلاء لا يمكن أن يكونوا قد زاروا هذا المسجد، وإنما هذا من التزوير الذي يقصد به أكل المال بالباطل وصد الناس عن سبيل الله. والذهاب إلى هذا المسجد بهذه النية محرم ولا يجوز، والواجب على المسلمين أن يتحققوا في هذه الأمور، وأن ينصحوا من مارس القيام بتعظيمها واحترامها، وليس هناك مساجد تشد الرحال إليها إلا ثلاثة: المسجد الحرام، ومسجد النبي ﷺ، والمسجد الأقصى. وماعدا ذلك من المشاهد أو المساجد فإنه لا يجوز أن تشد إليها الرحال مطلقًا في أي حال من الأحوال، ثم إن غالب هذه الأمور تكون كذبًا مزوّرة، والمؤمن العاقل يعرف أن هذا من التزوير بأول نظرة. فضيلة الشيخ: لكن ما حكم الصلاة فيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قلت في الجواب: إنه لا يجوز قصده للصلاة فيه، وإنه حرام وأما الصلاة فيه كبقعة، مثل: أن يمر به الإنسان مرورًا عابرًا فيصلى فيه، فإنه لا بأس به. فضيلة الشيخ: يعني: دون أن يعتقد فيه شيئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: دون أن يعتقد ما ذكره السائل؛ لعموم قول النبي ﷺ: (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) . إلا أن يخشى أن يفتتن أحد بصلاته فيه، فإنه يتجنبه ويتقدم عنه، ويصلى في مكان آخر. ***
يقول السائل محمد عمر أحمد من السودان: قيل: إن سيدنا محمدًا ﷺ جاءه ملك وفتح صدره وملأه نورًا، فما مدى صحة هذا الكلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام صحيح، فإن الرسول ﵊ حين عرج به جاءه جبريل فشق ما بين نحره إلى أسفل بطنه، واستخرج قلبه فملأه حكمة وإيمانًا وليس نورًا، ولكن ملأه حكمة وإيمانًا، والإيمان والحكمة من النور المعنوي. ***
السائلة أم أسامة من مصر أسوان تقول: سمعت من بعض الإخوة يقول بأن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور، وأن آدم خلق من نور محمد، فهل هذا القول صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول من أبطل الباطل، وهو كذب مخالف لقول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا) .ولقوله تعالى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ) . والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وهو سيد ولد آدم، وهو مخلوق من نطفة أبيه، وأبوه مخلوق من نطفة جده، وهكذا إلى أن يصل الخلق إلى آدم الذي خلقه الله من سلالة من طين. والعجب أن هؤلاء الذين يأتون بهذه الأكاذيب تعظيمًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضهم عنده تهاون في دينه، واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولعلهم يجهلون أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه وحذر منه. وإن نصيحتي لهؤلاء أن يتلقوا معتقدهم من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأن يعلموا أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشر مثلنا، كما أمره الله أن يقول ذلك ويعلنه على الملأ: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) . فقد تميز صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالوحي، وبما جبله الله عليه من مكارم الأخلاق، وبأنه أتقى الناس لله وأعبد الناس لله، لكنه بشر، وهو صلى الله عليه وعلى آله وسلم أعلم أنه بشر مثلنا ينسى كما ننسى فقال: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون، فإذا نسيت فذكروني) . انظر التواضع العظيم: أخبر أنه بشر ينسى، ومع ذلك قال: (إذا نسيت فذكروني) . ولن ينقص ذلك من قدره شيئًا، بل هو أكمل الخلق إيمانًا وتقوى وزهدًا وخلقًا ﵊، ومن أراد أن يحشر تحت لوائه يوم القيامة فليكن تحت لواء سنته في الدنيا، ولا يتعدَّ حدود الله ولا يقصر عنها، فلا غلو ولا تحريف، هذا الواجب علينا. ولقد قال الله ﵎ لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (قلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . فمن كان صادقًا في دعوى المحبة لله أو المحبة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فليتبع الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وبذلك يقيم بينة على صدق دعواه، وأما أن يدعي أنه متبع للرسول محب للرسول، وهو يقول في الرسول ما ليس حقيقة، ويبتدع في دينه ما لم يشرع، فإن البينة تخالف دعواه. ***
يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان، فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه، وتلك الوصايا التي ذكرها له، والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحيانًا، كما يقال: سورة البقرة، سورة آل عمران، سورة الإسراء، وما أشبه ذلك. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول: من هذا الشخص الذي يدعى لقمان؟ وهل أوتي النبوة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه ليس بنبي، وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم، وقولنا: مع العلم، للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم، والصواب أنه ليس من الأنبياء، وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة، ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. ***
أحسن الله إليكم هل الخضر ﵇ حي إلى يومنا هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه حيًّا فلا، ليس بحي؛ لأنه لو كان حيًّا لوجب عليه أن يؤمن بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأن يجاهد معه، ولم يكن شيء من ذلك، فالخضر كغيره من البشر مات في وقته فيما يظهر لنا، وكذلك ليس الخضر بنبي، وإنما هو رجل آتاه الله تعالى علمًا لا يعلمه موسى ﵊؛ لأن موسى ﵊ قال: إنه لا أحد في الأرض أعلم منه، فأراه الله ﷿ هذه الآية: أن موسى ﵊ وإن كان لديه علم كثير من شريعة الله فإنه قد يفوته شيء من المعلومات الأخرى. ***
يزعم بعض الناس من المسلمين أن نبي الله الخضر ﵇ لا يزال حيًا يطوف على الأرض، وأنه إذا مر على إنسان وطلب منه الإحسان فقدمه له، إن كان ذلك الإنسان فقيرًا صار غنيا، ً ويأتي إلى الناس بهيئة المجانين كي لا يعرفوه، وصار كثير من الناس يقدمون الإحسان لكل من يأتيهم بمثل تلك الهيئة، ظنًا منهم أن يكون هو الخضر ﵇، فهل هذا الزعم الأسطوري وارد في الحديث الشريف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام على هذا السؤال من وجهين: أولًا: قول السائل: إن نبي الله الخضر، وجزمه بأنه نبي: هذا محل خلاف بين أهل العلم، هل كان الخضر نبيًا، أو كان وليًا أعطاه الله ﷾ من الكرامات ما علم به مآل ما جرى بينه وبين موسى ﵊؟ والراجح أنه ليس بنبي، وأنه ولي من أولياء الله؛ لأدلة ليس هذا موضع بسطها. الوجه الثاني: من حيث بقاء هذا الرجل- أعني: الخضر- إلى الآن: فإن هذا لا يصح إطلاقًا؛ لأنه لو كان الخضر حيًا لكان يجب عليه أن يأتي إلى النبي ﷺ ويؤمن به ويتبعه لو كان حيًا، على فرض أن يكون حيًا لكان قد مات أيضًا؛ لأن النبي ﷺ حدث أصحابه في آخر حياته أنه على رأس مائة سنة لا يبقى على وجه الأرض ممن هو عليها ذلك اليوم أحد، فلو فرض أن الخضر قد بقي إلى الرسول ﵊ لكان لا يمكن أن يبقى بعد مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله ﷺ، وعليه فإن الخضر لا وجود له وليس بموجود. ثم إن هذا الزعم الباطل الذي يقتضي السخرية والاستهزاء به، حيث يقول: إنه يأتي إلى الناس بصورة المجنون لئلا يعرف، وإن من أتاه شيئًا وأهدى إليه شيئًا فإنه يصبح غنيًا، فإن هذا باطل من أبطل الباطل. أيضًا والمهم أنه يجب على المؤمن أن يعتقد بأن الخضر ليس بموجود؛ للدليلين اللذين أشرنا إليهما فيما سبق: أنه لو كان موجودًا لم يسعه إلا أن يأتي للنبي ﵊ ويؤمن به ويتبعه، وأنه لو كان موجودًا لكان يموت قبل أن تأتي مائة السنة التي أخبر عنها رسول الله ﷺ. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل: هل هناك خصائص اختصها الله ﷿ للرسول ﷺ، ولم تكن لغيره من أفراد أمته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الخصائص التي اختص بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وليست لأمته كثيرة جدًّا، وقد ذكر العلماء ﵏ أعني بهم: الفقهاء، ذكروا- في كتاب النكاح خصائص كثيرة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فمن أحب أن يرجع إليها فليفعل. ومن ذلك ما ذكره الله تعالى في القرآن حيث قال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللَّاتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ) إلى قوله: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) . فهنا بين الله ﷿ أن النكاح بالهبة لا يحل إلا للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. كما أن هذه الأمة خصها الله تعالى بخصائص لم تكن لغيرها من الأمم، كما في حديث جابر بن عبد الله ﵄ الثابت في الصحيحين عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (أعطيت خمسًا لم يعطهن أحد من الأنبياء قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا، فأيما رجل أدركته الصلاة فليصلِّ، وأحلت لي الغنائم ولم تحل لأحد قبلي) وذكر تمام الحديث. فالحاصل أن الله ﷾ يختص من شاء من عباده بأحكام شرعية وغيرها مما لا يكون لغيره. ***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يسأل عن الصلاة على الأنبياء يقول: هل يجوز الصلاة على الأنبياء الآخرين غير محمد ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: نعم تجوز الصلاة على الأنبياء السابقين عليهم الصلاة والسلام، بل تجوز الصلاة أيضًا على غير الأنبياء من المؤمنين: إن كانت تبعًا فبالنص والإجماع، كما في قوله ﷺ حين سئل: كيف نصلى عليك؟ قال: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمدٍِ، كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) . وآل النبي ﷺ في هذه الجملة هم المتبعون لشريعته من قرابته وغيرهم، هذا هو القول الراجح، وإن كان أول وأولى من يدخل في هذه- أي: في آل محمد- هم المؤمنون من قرابة النبي ﷺ، لكن مع ذلك هي شاملة لكل من تبعه وآمن به؛ لأنه من آله وشيعته. والصلاة على غير الأنبياء تبعًا جائزة بالنص والإجماع، لكن الصلاة على غير الأنبياء استقلالًا لا تبعًا هذه موضع خلاف بين أهل العلم هل تجوز أو لا؟ فالصحيح جوازها، أنه يجوزأن يقال لشخص مؤمن: صلى الله عليه، وقد قال الله ﵎ للنبي ﷺ: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عليهم) فكان النبي ﷺ يصلى على من أتى إليه بزكاته وقال: (اللهم صلِّ على آل أبي أوفى، حينما جاؤوا إليه بصدقاتهم) . إلا إذا اتخذت شعارًا لشخص معين كلما ذكر قيل: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز لغير الأنبياء، مثل: لو كنا كلما ذكرنا أبا بكر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عمر قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عثمان قلنا: صلى الله عليه، أو كلما ذكرنا عليًا قلنا: صلى الله عليه، فهذا لا يجوز أن نتخذ شعارًا لشخص معين. ***
كنت في سنوات بعيدة مضت أظن أن الصلاة على الرسول الكريم ﷺ هي ركعات، وقد صلىت عددًا من الركعات ظنًّا مني أن هذه هي الصلاة عليه، وبدون شك لم أقصد أن أشرك بالله في العبادة- والعياذ بالله من الشرك، لا إله إلا الله فما رأيكم جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أنبه أنه يجب على الإنسان ألا يعمل عملًا يتقرب به إلى الله ويتعبد به لله ﷿ حتى يكون على علم بأن هذا من شريعة الله؛ ليعبد الله تعالى على بصيرة، دليل ذلك قوله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) . فهذا الذي فهم من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها الركوع والسجود له قد فهم فهمًا مخطئًا باطلًا، لكن لكونه مستندًا على أصل يظنه صحيحًا أرجو أن الله تعالى لا يؤاخذه بما فعل، وعليه أن يستغفر الله تعالى ويتوب إليه مما قصر فيه من طلب العلم، ومادام علم الآن أن هذا ليس المقصود بالأمر بالصلاة عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنه تبين له أن معنى الصلاة عليه أن تقول: اللهم صل على محمد أو ما يؤدي هذا المعنى، فأرجو الله أن يتجاوز عنه وأن يغفر له. ***
السائل حمودة يقول: فضيلة الشيخ منذ سنوات فهمت عن جهلٍ مني بأن الصلاة على النبي ﷺ هي مثل الصلاة العادية: ركوع وسجود وخلاف ذلك، وصلىت عدة ركعات ظنًا مني بأن الله ﷿ أمرنا بذلك، فهل علي إثمٌ في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا إثم عليك في ذلك لأنك جاهل، ولكن الواجب على المرء أن يسأل أهل العلم إذا كان لا يعلم؛ لقول الله ﵎: (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . فعملك الذي كنت عملته سابقًا عملٌ مردودٌ باطل؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . لكنك مثابٌ إن شاء الله على نيتك، وقد يكون هناك تقصيرٌ منك بعدم سؤال أهل العلم عن كيفية الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
المستمع الذي رمز لاسمه بـ: أ. ح. الأردن يقول في رسالته: هل محمد ﷺ أفضل الخلق قاطبة، أم أفضل البشر فقط؟ وما الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب الذي أعلمه من ذلك أنه ﷺ سيد ولد آدم كما ثبت ذلك عنه، وأما أنه أفضل الخلق على الإطلاق فلا يحضرني الآن دليل في ذلك، لكن بعض أهل العلم صرح بأنه أفضل الخلق على الإطلاق، كما في قول صاحب الأرجوزة: وأفضل الخلق على الإطلاق نبينا فمل عن الشقاق والمهم أن محمدًا عبد الله ورسوله، أرسله الله تعالى إلى الثقلين الإنس والجن هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، فعلينا أن نؤمن به تصديقًا لأخباره، وامتثالًا لأوامره، واجتنابًا لنواهيه، هذا هو الذي ينفع الإنسان في دينه ودنياه ومعاشه ومعاده. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ وبارك فيكم هذا سائل سوداني يقول: فضيلة الشيخ يقولون بأن الرسول مخلوق من نور، هل هذا كلام صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الكلام باطل، فإن محمدًا صلى الله عليه وعلى آله وسلم من بني آدم، وسلسلة آبائه وأجداده معلومة، وهو نفسه ﵊ قد صرح بما أمر الله به، فقد قال الله تعالى له: (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ) . وقال ﷺ هو عن نفسه: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فقد خلق ﵊ من طين، كما هو شأن بني آدم كلهم، والذين خلقوا من نور هم الملائكة، فإن المخلوقات ثلاثة أقسام: قسم خلقوا من نار وهو إبليس وذريته، وقسم خلقوا من النور وهم الملائكة، وقسم خلقوا من طين وهم آدم وبنوه، وليس هناك قسم رابع، فهذا الحديث أو الأثر أو القولة المشهورة أن نبينا صلى الله عليه وعلى آله وسلم خلق من نور كذب لا أصل له. ***
جزاكم الله خيرًا يا فضيلة الشيخ، هناك أناس غلوا في الرسول وتجاوزوا الحد في محبته، وهناك أناس فرطوا وتساهلوا في محبته، كيف نوجه مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلهم أخطؤوا: الذين فرطوا والذين أفرطوا، والخطر عظيم على الجميع. أما الذين غلوا فيخشى عليهم من الإشراك به، ولهذا ادعى بعضهم أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يعلم الغيب، وأنه يشفي المريض، وأنه يزيل الكربات، فصاروا يدعونه، فالتحقوا بذلك بالمشركين وهم لا يشعرون. وأما الطرف الثاني فيخشى عليهم من التهاون في الشريعة شيئًا فشيئًا حتى يقضى عليها، ولهذا المحب له حقيقة هو المتبع لسنته بدون غلو ولا تفريط. ***
يقول: كيف تحقق محبة الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحقق محبة الرسول ومحبة الله ﷿ باتباع الرسول ﷺ، فكل من كان أتبع لرسول الله كان أحرى بمحبة الله تعالى ومحبة رسوله، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وعلامة محبة الرسول أن يتحرى الإنسان سنته فيتبعها، ولا يزيد في ذلك ولا ينقص. وعلى هذا فالذين يبتدعون بدعًا تتعلق بالنبي ﷺ، يدَّعون أن ذلك من محبته وتعظيمه، هم في الحقيقة لم يحبوه ولم يعظموه، وذلك لأن حقيقة المحبة والتعظيم أن تتبع آثاره، وأن لا تزيد في شرعه ولا تنقص منه، وأما من أراد أن يحدث في شرع الله ما ليس منه فإن محبته لله ورسوله قاصرة بلا شك؛ لأن كمال الأدب والتعظيم أن لا تتقدم بين يدي الله ورسوله، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (١) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ) . ***
يقولون: إن الرسول ﷺ وهو في قبره يسمع ويرد، وضحوا لنا كيف يكون ذلك في حياته؟ والذين يقولون هذا الكلام يستندون للآية الكريمة: (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ) . وإذا كان الشهداء أحياء فكيف لا يكون الرسول ﷺ؟ هذا في قولهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: أما كونه ﷺ يسمع ويرد فليس به غرابة، فقد روى أبو داود في سننه: (أنه ما من رجل يسلِّم على رجل في قبره وهو يعرفه في الدنيا، إلا رد الله عليه روحه فرد ﵇ . فلا غرابة أن النبي ﷺ إذا سلم عليه المسلم يرد الله عليه روحه فيرد السلام. وأما كونه حيًّا في قبره: فالشهداء أحياء عند الله، والله ﵎ لم يقل: ولا تحسبن الذين قتلوا في سبيل الله أمواتًا، بل أحياء في قبورهم، بل قال: بل أحياء عند ربهم يرزقون. ولا شك أن النبي ﷺ دفن وصلى عليه صلاة الجنازة وخلفه من خلفه من أصحابه، وليسوا يقدمون له الأكل والشرب، وهم يعلمون أنه مات، كما قال الله ﵎: (إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ) . وكما قال تعالى: (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) . وهذا أمر معلوم بالضرورة من الدين، ولا يماري فيه أحد، وحياة الشهداء عند الله ﷿ ليست كحياة الدنيا، أي: ليست حياة يحتاج فيها الإنسان إلى أكل وشرب أو هواء ويعبد ويدعو، هي حياة برزخية،الله تعالى أعلم بكيفيتها. وعلى هذا فلا يحل لأحد أن يقف على قبر النبي ﷺ فيقول: يا رسول الله اشفع لي، يا رسول الله استغفر لي؛ لأن هذا غير ممكن، فالنبي ﷺ لا يمكن أن يستغفر لأحد بعد موته، ولا يمكن أن يشفع لأحد إلا بإذن الله، وإذا أردت أن تسأل سؤالًا صحيحًا فقل: اللهم ارزقني شفاعة نبيك، اللهم شفعه فيَّ، وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل: يقول الرسول ﷺ: إن أعمال العباد تعرض عليه وهو في قبره. هل هذا حديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، فإن الرسول ﵊ تعرض عليه، الصلاة عليه، يعني: إذا صلىنا على النبي ﷺ فإنها تعرض عليه وتبلغه أينما كنا، أما سائر أعمالنا فلا يحضرني الآن هل هو صحيح أو غير صحيح. ***
يقول السائل: إذا قام شخص بقراءة القرآن، أو وضع قدميه وهو متجه إلى بيت الرسول ﷺ، هل عليه إثم في ذلك؟ الشيخ: ليس عليه إثم في ذلك، فإن مد الرجلين إلى اتجاه قبر النبي ﷺ لا حرج فيه، ولا يحتاج أن أقول: بشرط أن لا يكون مستهينًا برسول الله ﷺ أو محتقرًا له؛ لأن هذا لا يمكن أن يقع من مسلم، فمد الرجلين إلى نحو قبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا بأس به، وهذا يقع كثيرًا، كالذين يكونون في الصف الأول في المسجد النبوي فإنهم يستندون إلى الجدار القبلي، وحينئذ تكون أرجلهم إن مدوها ممدودة نحو القبر. ***
هذه رسالة من إبراهيم بن عبد الله من بني مالك يقول: أسأل عن النبي ﷺ هل كان يقرأ أم كان أميًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النبي ﷺ كان أميًا؛ لقول الله تعالى: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ) . ولقوله تعالى: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ) . فهو ﵊ كان أميًا لا يقرأ ولا يكتب، فلما نزل عليه القرآن صار يقرأ، ولكن هل كان يكتب؟ هذا موضع خلاف بين أهل العلم، فمنهم من قال: إن النبي ﷺ بعد أن أنزل عليه الوحي صار يقرأ ويكتب؛ لأن الله إنما قيد انتفاء الكتابة قبل نزول القرآن: (وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ) . وأما بعد ذلك فقد كان يكتب، ومن العلماء من قال: إنه لم يزل ﵊ غير كاتب حتى توفاه الله. ***
هل هناك فرق بين المعجزات وآيات الأنبياء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: آيات الأنبياء هي المعجزات، وسماها بعض المتأخرين معجزات، والصواب أنها آيات؛ لأنها جمعت بين أمرين: بين كون البشر لا يستطيعون مثلها وهذا إعجاز؛ وكونها دليلًا على نبوة هذا النبي ورسالته، وهذه آية علامة، ولهذا ينبغي أن نسمي ما تأتي به الأنبياء من المعجزات نسميها آيات كما سماها الله تعالى في كتابه. هناك معجزات وليست بآيات، لكنها من الشياطين: فالساحر ربما يُرى طائرًا في الجو، وهذا معجز لا يستطيع البشر أن يفعلوه، لكنه من فعل الشياطين. وهناك كرامات يكرم الله بها من شاء من عباده الأولياء والصالحين، تكون معجزة لكنها آية على صحة ما كان عليه هذا الولي، وعلى صحة الشريعة التي كان يعمل بها، ولهذا نقول: كل كرامة لولي فهي آية للنبي الذي يتبعه هذا الولي؛ لأنها شاهد من الله على صدقه. وكرامات الأولياء موجودة في الأمم السابقة وفي هذه الأمة، ولا تزال فيها إلى يوم القيامة: في الأمم السابقة أصحاب الكهف، اعتزلوا قومهم المشركين وأووا إلى الغار، فهيأ الله لهم غارًا، وألقى عليهم النوم ثلاثمائة سنة وازدادوا تسعًا، وفي هذه المدة لم يتغير منهم شيء، لم يحتاجوا لطعام ولا لشراب ولا لبول ولا لغائط، ولم تَنمُ أظفارهم ولا شعورهم، كأنما ناموا يومًا واحدًا، ولهذا لما بعثهم الله ﷿ وأيقظهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) . مما يدل على أنهم لم يصبهم شيء من العوارض البشرية، لا جوع ولا عطش ولا بول ولا غائط، ولا نمو شعور ولا أظفار، حتى صلحت أحوال القرية وماتت سلاطينهم التي تعينهم على الشرك. مريم ﵂ أجاءها المخاض إلى جذع النخلة فقيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) . امرأة لتوها ولدت، وما أعلمك بالتعب عند الولادة، أمرت أن تهز جذع النخلة جذع النخلة، لو هزه أي إنسان ما يهز علوه، لكن هي قيل لها: (وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ) ففعلت (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) تسقط الرطب من فوق إلى الأرض ولا تفسد، مع أنها رطب لينة اصطدامها على الأرض يوجب أن تتقطع، لكن تبقى كأنها مجنية، كأن رجلًا خرقها (تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا (٢٥) فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) . هذه من الكرامات التي أكرم الله بها من شاء من عباده، في هذه الأمة موجودة: كان سارية بن زنيد أميرًا على سرية في العراق، وكان عمر ﵁ يخطب الناس يوم الجمعة، فسمعوه يقول: يا سارية الجبل! يا سارية الجبل! أمير المؤمنين يخطب ثم يقول هذا الكلام، ما هذا؟ فأخبرهم أنه كشف له عن هذا في سريته والعدو محيط به، فناداه عمر: يا سارية الجبل! يعني: ارجع إلى الجبل، فسمع سارية، فهذه ثلاثة أشياء: كشف لعمر فشاهدهم، ناداهم فسمعوه، لجؤوا إلى الجبل بقيادة السلطان وهو على منبر، سبحان الله! كرامة من الله ﷿. ولهذا كان من مذهب أهل السنة والجماعة التصديق بكرامات الأولياء، ولكن الولي من هو؟ هل كل من ادعى الولاية هو ولي؟ ليس كل من ادعى الولاية هو وليًا، قال الله ﷿: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس:٦٢- ٦٣) . اللهم اجعلنا منهم يا رب العالمين. ***
ع م م س يقول: هل لكم فضيلة الشيخ أن تذكروا لنا- ولو بشيء من الإيجاز- معجزات الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معجزات النبي ﷺ وهي الآيات الدالة على رسالته ﷺ، وأنه رسول الله حقًا- كثيرة جدًا، وأعظم آية جاء بها هذا القرآن الكريم، كما قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ. أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . فالقرآن الكريم أعظم آية جاء بها رسول الله ﷺ، وأنفع آية لمن تدبرها واهتدى بها، فإنها آية باقية إلى يوم القيامة، أما الآيات الأخرى الحسية التي مضت وانقضت فهي كثيرة، وقد ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ جملة صالحة منها في آخر كتابه الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، هذا الكتاب الذي ينبغي لكل طالب علم أن يقرأه؛ لأنه بين فيه عوار النصارى الذين بدلوا دين المسيح ﵊ وخطأهم، أي: بين خطأهم وخطلهم وضلالهم، وأنهم ليسوا على شيء مما كانوا عليه فيما حرفوه وبدلوه وغيروه، والكتاب مطبوع وبإمكان كل إنسان أن يحصل عليه، وفيه فوائد عظيمة، منها ما أشرت إليه: بيان شيء كثير من آيات النبي ﷺ. وكذلك ابن كثير ﵀ في البداية والنهاية، ذكر كثيرًا من آيات النبي ﷺ، فمن أحب فليرجع إليه. ***
إبراهيم محمد من السودان الفاشر يقول: أحاط المسلمون بسيرة المصطفى ﷺ في بعض الخوارق والمعجزات، أسأل وأقول: ما مدى صحة هذه المعجزات؟ وهل وردت في أحاديث كثيرة؟ ثم ألا ترون أن هذه المعجزات تنزهه عن آدميته؟ نرجو منكم إفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعجزة عند أهل العلم هي أمر خارق للعادة، يظهره الله ﷾ على يد الرسول تأييدًا له، وقد سماها أكثر أهل العلم بالمعجزات، والأولى أن تسمى بالآيات التي هي العلامات على صدق الرسول وصحة ما جاء به، كما سماها الله ﷿ بذلك، وهي أبين وأظهر من المعجزات، أي: من هذا اللفظ، فالأولى أن تسمى معجزات الأنبياء بآيات الأنبياء. والآيات التي جاء بها النبي ﷺ آيات كثيرة: حسية ومعنوية، أرضية وأفقية، أخلاقية وعملية، فهي متنوعة، وأعظمها وأبينها كتاب الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَقَالُوا لَوْلا أُنْزِلَ عَلَيْهِ آيَاتٌ مِنْ رَبِّهِ قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللَّهِ وَإِنَّمَا أَنَا نَذِيرٌ مُبِينٌ * أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . ومن آيات الرسول ﵊ الأفقية أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب، فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال، وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . قال أنس وهو راوي الحديث: وما والله في السماء من سحاب ولا قزعة- أي: قطعة غيم- وما بيننا وبين سلع من بيت ولا دار، وسلع جبل معروف في المدينة تخرج من نحوه السحب. قال أنس: فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس، فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت ثم أمطرت، فما نزل النبي ﷺ من منبره إلا والمطر يتحادر من لحيته، وبقي المطر ينزل أسبوعًا كاملًا. َ وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول فقال: يا رسول الله! غرق المال، وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. (فرفع النبي ﷺ يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر) . وجعل يشير ﷺ إلى النواحي، فما أشار إلى ناحية إلا انفرجت، فخرج الناس يمشون في الشمس. ومن أراد المزيد من ذلك فليرجع إلى ما كتبه الحافظ ابن كثير ﵀ في كتاب البداية والنهاية، وإلى ما ذكره من قبله شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب الجواب الصحيح لمن بدل دين المسيح، وكتب غيرهما كثير من أهل العلم في هذه الناحية. وآيات الأنبياء فيها ثلاث فوائد: الأولى: الدلالة على ما تقتضيه صفات الله ﷿ من القدرة والحكمة والرحمة وغير ذلك. الثانية: تأييد الرسل عليهم الصلاة والسلام، وبيان أنهم صادقون فيما جاؤوا به. والثالثة: رحمة الخلق، فإن الخلق لو لم يشاهدوا هذه الآيات من الأنبياء لأنكروا وكذبوا، فتأتي هذه الآيات ليزدادوا طمأنينة، ويقبلوا ما جاءت به الرسل، ويذعنوا وينقادوا له، والله عليم حكيم. وأما قول السائل: أفلا تكون هذه الآيات مجردة له عن الأحوال البشرية؟ فإننا نقول له: لا، هذه الآيات لا تخرجه عن كونه بشرًا، ولهذا لما سها النبي ﷺ في صلاته قال لهم: (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) . فبين النبي ﷺ أنه بشر، وأنه يلحقه ما يلحق البشر من النسيان وغير النسيان أيضًا، إلا أنه ﷺ تميز عن البشر بالوحي الذي أوحاه الله إليه، وبما جبله عليه الله تعالى من مكارم الأخلاق ومحاسن الأعمال، من الصبر والكرم والجود والشجاعة وغير ذلك مما كان به أهلًا للرسالة، والله أعلم حيث يجعل رسالته. وليُعلم أن الرسول ﷺ لا يعلم الغيب، ولايملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، ولا يملك ذلك لغيره أيضًا، فقد قال الله له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إليَّ) . وقال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا * قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا * إِلَّا بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . وبهذا يتبين أن من دعا الرسول ﷺ واستنجد به بعد وفاته واستغاث به فإنه على ضلال مبين، قد صرف الأمر إلى غير أهله، فإن الأهل بذلك- أي: بالدعاء والاستغاثة- هو رب العالمين ﷿، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فيا أخي المسلم لا تدع غير الله، فما بك من نعمة فمن الله ﷿، وإذا مسك الضر فلا تلجأ إلا الله ﷿: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَإِلهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . لا والله، لا إله إلا الله الذي يكشف السوء ويجيب المضطر إذا دعاه ويجعل من شاء من عباده خلفاء الأرض، فاتق الله في نفسك، وضع الحق في نصابه، ولا تغل في دينك غير الحق فتكون مشابهًا لأهل الكتاب من اليهود والنصارى. ***
ما الرد على من قال: هل كان سلام الرسول ﷺ ليلة المعراج على الأنبياء وردهم عليه كان بالروح، أم بالجسد، أم بهما معًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال لا ينبغي أن يصاغ على هذه الصفة، بل يقال: هل العروج بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والإسراء به إلى بيت المقدس، هل هو بروحه، أو بروحه وجسده؟ والجواب: أنه بروحه وجسده، أسري به ﵊ يقظة لا منامًا بروحه وجسده؛ لأن الله تعالى قال: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا) ولم يقل: بروح عبده وقال الله ﷾ في سورة النجم: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) إلى آخر الآيات، كلها تدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به ببدنه يقظان وليس بنائم. ويدل لذلك من الواقع أن قريشًا لما أخبرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما رأى في تلك الليلة صاحوا عليه وكذبوه، وأنكروا ذلك غاية الإنكار، ولو كانت بروحه أو رؤيا رآها لما أنكروا هذا عليه؛ لأن العرب لا ينكرون المرائي، والإنسان يرى في منامه أنه سافر إلى أبعد مكان، وأنه فعل وفعل وفعل، مع أنه لو كان يقظان ما حصل له ذلك. فالحاصل أن القول الراجح بل المتعين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسري به بروحه وجسده، يقظان وليس بنائم. ***
أسأل عن الإسراء والمعراج بمحمد ﷺ، هل صعد إلى سدرة المنتهى بروحه وجسده أم روحه فقط؟ أفتونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعراج الذي حصل للرسول ﷺ كان بجسده وروحه، قال الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقال تعالى: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) . والعبد- وكذلك الصاحب- لا يكون إلا في الروح والجسد، فالنبي ﷺ أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات حتى بلغ مستوى بجسده وروحه ﷺ، ولو كان ذلك بروحه فقط ما أنكرت قريش ذلك، إذ إن المنامات يقع منها شيء كثير من جنس هذا، ولكنه كان ﷺ قد أسري به بجسده وروحه، وعرج به إلى السماوات كذلك. ***
السائل ع م د ومقيم بالمملكة يقول: نرجو من فضيلة الشيخ إلقاء الضوء على العبر والمواعظ من الإسراء والمعراج والمشاهد التي رآها الرسول ﷺ التي تؤثر في القلوب الغافلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحيل السائل إلى ما كتبه أهل العلم في ذلك؛ لأن حديث المعراج حديث طويل يحتاج إلى مجالس، ولكن ليرجع إلى ما كتبه ابن كثير ﵀ في كتاب البداية والنهاية في قصة المعراج، وما كتبه العلماء في الحديث على ذلك: كفتح الباري، وشرح النووي على صحيح مسلم، وغيرهما من الكتب، إنما نشير إشارة موجزة لقصة المعراج: فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أسرى به الله تعالى ليلة من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، كان نائمًا في الحجر فأسري به من هناك، والحجر هو الجزء المقتطع من الكعبة والمقوس عليه بالجدار المعروف، أسري به من هناك ﵊ إلى بيت المقدس، وجمع له الأنبياء، وصلى بهم إمامًا، ثم عرج به جبريل إلى السماء الدنيا فاستفتح ففتح له، ثم الثانية، ثم الثالثة، ثم الرابعة، ثم الخامسة، ثم السادسة، ثم السابعة. وجد في الأولى آدم، ووجد في السابعة إبراهيم ﵊، ووصل إلى موضع لم يصله أحد من البشر، وصل إلى موضع سمع فيه صريف الأقلام التي يكتب بها القدر اليومي، إلى سدرة المنتهى، ورأى من آيات الله ﷾ ما لو رآه أحد سواه لزاغ بصره ولخبل عقله، لكن الله ﷾ ثبت هذا النبي الكريم ﵊ حتى رأى من آيات ربه الكبرى. وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة في كل يوم وليلة، وقيض الله موسى ﵊ حين مر به رسول الله ﷺ أن يسأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: ماذا فرض الله عليه وعلى أمته؟ فأخبره بأن الله تعالى فرض عليه خمسين صلاة في كل يوم. وليلة فقال له: إن أمتك لا تطيق ذلك، ارجع إلى ربك فاسأله التخفيف. فما زال نبينا صلوات الله وسلامه عليه يراجع الله، حتى استقرت الفريضة خمس صلوات في كل يوم وليلة بدل خمسين صلاة، لكنها بنعمة الله وفضله كانت خمس صلوات بالفعل وخمسين في الميزان، أي: إذا صلىنا خمس صلوات فكأننا صلىنا خمسين صلاة، والحمد لله رب العالمين وفي قصة فرض الصلوات في هذه الليلة التي هي أعظم ليلة في حق الرسول ﵊، وأنها خمسون صلاة، وأنها فرضت من الله إلى رسوله بدون واسطة، في هذا دليل على عناية الله تعالى بهذه الصلوات ومحبته لها، وأنها أعظم الأعمال البدنية في الإسلام، ولهذا كان تاركها كافرًا مرتدًّا خارجًا عن الإسلام. وقد اختلف الناس في ليلة المعراج والإسراء: هل هما في ليلة واحدة، أو في ليلتين؟ وهل كان الإسراء بروحه، أو بدنه وروحه؟ والصواب أنهما في ليلة واحدة، وأنه أسري بالرسول ﷺ بروحه. وبدنه ثم انقسم الناس في ليلة المعراج: في أي ليلة هي؟ وفي أي شهر هي؟ وأقرب الأقوال أنها كانت قبل الهجرة بثلاث سنوات، وأنها كانت في ربيع الأول، وليست في رجب. ثم ابتدع الناس في هذه الليلة بدعًا لم تكن معروفة عند السلف، فصاروا يقيمون ليلة السابع والعشرين من رجب احتفالًا بهذه المناسبة، ولكن لم يصح أنها- أعني: ليلة الإسراء والمعراج- كانت في رجب، ولا أنها في ليلة سبع وعشرين منه، فهذه البدعة صارت خطأً على خطأ: خطأً من الناحية التاريخية؛ لأنها لم تصح أنها في سبع وعشرين من رجب، وخطأ من الناحية الدينية؛ لأنها بدعة، فإن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يحتفل بها، ولا الخلفاء الراشدون، ولا الصحابة، ولا أئمة المسلمين من بعدهم. ***
الأيمان باليوم الآخر
هذا المستمع يقول: ما هو أثر الإيمان باليوم الآخر على عقيدة المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان باليوم الآخر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، واليوم الآخر) . وأثر الإيمان على قلب المؤمن وعمله كبير: فإن الإنسان إذا آمن باليوم الآخر عمل له، والعمل لليوم الآخر هو فعل ما أمر الله به ورسوله وترك ما نهى الله عنه ورسوله، وإذا فقد الإيمان باليوم الآخر فلا إيمان؛ لأنه أحد أركان الإيمان، ففي فقده فقد ركن من أركان الإيمان، والإيمان لا يتبعض في أركانه، لا بد أن يؤمن الإنسان بجميع أركان الإيمان، وإلا فلا إيمان له. فأثر الإيمان باليوم الآخر عظيمٌ جدًا، ولهذا يقرنه الله ﵎ بالإيمان به في مواضع كثيرة من القرآن؛ لأن الإيمان به هو الذي يحمل الإنسان على العمل، وقد قال الله تعالى مبينًا أن جحده كفر: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ) . فأمر الله نبيه أن يقسم على البعث، وبين ﵎ أن ذلك يسيرٌ عليه فقال: (وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقال ﷿: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ وَلَهُ الْمَثَلُ الأَعْلَى فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . ***
المستمع من مصر سيد عباس يقول: ما هي العلامات الصغرى المتبقية فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه يريد علامات الساعة، وفيها ما وقع وفيها ما هو مستقبل. ومن علامات الساعة التي وقعت بعثة النبي ﷺ، وكونه خاتم النبيين؛ لأن كونه خاتم النبيين يؤذن بقرب انتهاء الدنيا، والأمر كذلك، فإن الرسول ﷺ خطب الناس ذات يوم في آخر النهار وقال: (إنه لم يبق من الدنيا إلا مثل ما بقي من يومكم هذا) وكانت الشمس على رؤوس النخل، أي: قريبة من الغروب. ومنها ما أشار إليه النبي عليه الصلاة السلام حين سأله جبريل قال له: متى الساعة؟ قال: (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) . قال له جبريل: أخبرني عن أماراتها؟ قال النبي ﷺ: (أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان) . ومنها انتشار الربا، وقد وقع وانتشر الربا كثيرًا بين الأمة الإسلامية. ومنها فساد أحوال الناس، فإن كثيرًا من بلاد المسلمين فيها شر كثير ومعاص معلنة، نسأل الله العافية والسلامة. وقد صنف العلماء ﵏ في ذلك كتبًا مستقلة أحيانًا، وفي ضمن كتاب يشتمل عليها وعلى غيرها أحيانًا أخرى، فنرشد السائل إلى مراجعتها. ***
تقول السائلة: ما صحة القول بأن أول علامات الساعة الكبرى هي طلوع الشمس من مغربها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح، طلوع الشمس من مغربها متأخر؛ لأن الدجال ويأجوج ومأجوج ونزول عيسى كلها قبل طلوع الشمس من مغربها. ***
يقول السائل: أقرأ هذا الدعاء في كل صلاةٍ قبل السلام، وهو: اللهم إنا نعوذ بك من عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. أريد أن أعرف: من هو المسيح الدجال؟ وما هي فتنته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي أنت تدعو به في صلاتك بقي عليك شيء، وهو أنك تستعيذ من أربع، كما أمر بذلك النبي ﷺ: (إذا تشهد أحدكم فليستعذ بالله من أربع: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . هذه الأربع أمر النبي ﷺ بالاستعاذة منها بعد التشهد وقبل السلام. أما المسيح الدجال: فإنه رجل يخرج في آخر الزمان يَدَّعي الربوبية، ويعطيه الله ﵎ من الآيات ما يكون سببًا للفتنة؛ امتحانًا من الله تعالى واختبارًا،هذا الرجل رجلٌ أعور، ولهذا سُمي المسيح لمسح إحدى عينيه، وهو معه جنةٌ ونار، فمن أطاعه أدخله الجنة، ولكنه لا يجد جنةً وإنما يجد نارًا، ومن عصاه أدخله النار التي معه، ولكنه لا يجدها نارًا وإنما يجدها ماءً عذبًا طيبًا، أو جنة كما ورد في بعض ألفاظ الحديث. ويمكث في الأرض أربعين يومًا: اليوم الأول بمقدار سنة، والثاني بمقدار شهر، والثالث بمقدار أسبوع، وبقية الأيام كأيامنا، وقد سأل الصحابة ﵃ رسول الله ﷺ عن هذا اليوم الذي كسنة: هل تكفي فيه صلاة يوم واحد؟ فقال رسول الله ﷺ: (لا اقدروا له قدره) . أي: إن هذا اليوم الأول من أيام الدجال يُصلى فيه صلاة سنةٍ كاملة؛ لأنه عن سنةٍ كاملة، واليوم الثاني يصلى فيه صلاة شهر، واليوم الثالث يُصلى فيه صلاة أسبوع، وبقية الأيام تصلى في كل يوم خمس صلوات. ثم إن هذا الدجال مع ما يحصل من فتنته العظيمة يوفق الله ﷾ المؤمنين فيعرفونه بعلامته، فإنه مكتوبٌ بين عينيه: كافر، كاف وفاء وراء يقرؤها كل مؤمن الكاتب وغير الكاتب، ويعمى عنها من ليس بمؤمن ولو كان قارئًا. ثم إنه أيضًا يُؤتى إليه برجل ليفتتن به، فيقول هذا الرجل: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ، فيقطعه الدجال قطعتين ثم يمشي بينهما، ثم يقف فيدعوه، يدعو هذا الرجل المقتول المفرق قطعتين، فيقوم هذا الرجل حيًا والناس ينظرون إليه، فيقول له: أتشهد أني الله؟ فيقول: أشهد أنك الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ. فيقطعه مرةً أخرى ثم يعود فيدعوه، فيقوم ويقول: أشهد أنك أنت الدجال الذي أخبرنا عنه رسول الله ﷺ. فيريد أن يقتله كما قتله المرتين الأوليين، ولكنه يعجز عنه، فيأخذ به ويلقيه في النار، ولكنه كما أسلفنا النار التي معه جنةٌ وماءٌ عذب، كما جاء به الحديث عن رسول الله ﷺ. ونهاية هذا الدجال أن عيسى بن مريم ﵊ ينزل من السماء؛ لأن عيسى بن مريم قد رفعه الله تعالى إلى السماء حيًا لم يمت، ثم ينزل في آخر الزمان فيقتل هذا المسيح الدجال وتنتهي فتنته. ***
يقول السائل: قرأت في بعض الكتب عن الدجال، هل هو ابن صياد أم لا؟ فما هو الحق في ذلك؟ وكذلك في صحيح مسلم أن الرسول ﷺ رأى رجلًا يطوف بالبيت وفيه صفات الدجال، فلما سأل عنه قيل: هذا هو الدجال، مع أن الدجال لا يدخل مكة والمدينة. نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن ابن صياد ليس هو الدجال الذي يبعث في آخر الزمان، وإنما هو دجال من الدجاجلة، يشبه الكهان في تخرصه وتخمينه، ولكنه ليس هو الدجال الذي يبعث يوم تقوم الساعة، فيقتله عيسى بن مريم ﵊. وأما رؤية النبي صلى عليه وسلم من قيل له: إنه هو الدجال يطوف بالبيت، فإن الممتنع إنما هو دخوله في اليقظة، فإنه لا يدخل- أعني: الدجال الذي سيبعث في آخر الزمان، لا يدخل- مكة ولا المدينة وهذا في اليقظة، والأحكام الشرعية تختلف في اليقظة وفي المنام. ***
يقول السائل: من هم يأجوج ومأجوج الذين ذكروا في القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج قبيلتان عظيمتان كبيرتان من بني آدم؛ لقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الحديث الصحيح: (إنه إذا كان يوم القيامة ينادي الله ﷾: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك! فيقول الله تعالى: أخرج من ذريتك بعثًا إلى النار. فيقول: يا رب وما بعث النار؟ قال: من كل ألفٍ تسعمائة وتسعةٌ وتسعون. يعني: هؤلاء كلهم في النار من بني آدم، وواحد في الجنة. فعظم ذلك على الصحابة فقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ فقال ﷺ: أبشروا! فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج، منكم واحد ومنهم تسعمائة وتسعةٌ وتسعون) . فهما قبيلتان عظيمتان، لكنهما من أهل الشر والفساد، والدليل على ذلك أمران: أمرٌ سابق، وأمرٌ منتظر. فأما الأمر السابق: فما حكاه الله ﷾ عن ذي القرنين أنه لما بلغ السدين (وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا (٩٣) قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا (٩٤» إلى آخر ما ذكر الله ﷿. والشاهد من هذا قولهم: (إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ)، وطلبوا من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدًّا. وأما الشر والفساد المنتظر: فهو ما جاء في حديث النواس بن سمعان الطويل (أن الله ﷾ يوحي إلى عيسى أنه أخرج عبادًا لله لا يدان لأحدٍ بقتالهم، وأنهم يعيثون في الأرض فسادًا، وأنهم يحصرون عيسى ومن معه في الطور) . وهذا هو الفساد المرتقب منهم، فسيخرجون في آخر الزمان من كل حدبٍ ينسلون، ويعيثون في الأرض فسادًا، حتى يدعو عيسى بن مريم ربه عليهم، فيصبحون موتى كنفسٍ واحدة. هؤلاء هم يأجوج ومأجوج، وأما ما يذكر في الإسرائيليات من أن بعضهم طويلٌ طولًا مفرطًا، وأن بعضهم قصيرٌ قصرًا مفرطًا، وأن بعضهم لديه آذانٌ يفترش إحدى الأذنين ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فإن كل هذا لا صحة له، بل الصحيح الذي لا شك فيه أنهم كغيرهم من بني آدم، أجسادهم وما يحسون به وما يشعرون به، فهم بشر كسائر البشر، لكنهم أهل شرٍ وفساد. ***
ما المقصود بيأجوج ومأجوج؟ وماذا تعرفون عنهم، كما ورد ذكرهما في القرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بيأجوج ومأجوج أنهما قبيلتان من بني آدم، كما جاء في ذلك الحديث عن النبي ﷺ. وما ورد في بعض الكتب من أن منهم القصير جدًا والصغير، ومنهم الكبير، ومنهم الذي يفترش أذنًا من أذنيه ويلتحف بالأخرى، وما أشبه ذلك: فكل هذه لا أصل لها، وإنما هم من بني آدم وعلى طبيعة بني آدم، لكنهم كانوا في وقت ذي القرنين، كانوا قومًا مفسدين في الأرض، فطلب جيرانهم من ذي القرنين أن يجعل بينهم وبينهم سدًا، حتى يمنعهم من الوصول إليهم وإفسادهم في أرضهم، وفعل ذلك وقال: (آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا) (الكهف:٩٦) ففعلوا، فما استطاعوا أن يظهرو وما استطاعوا له نقبًا، فكفى الله جيرانهم شرهم. ثم إنهم في آخر الزمان، وبعد نزول عيسى ﵊ يخرجون على الناس ويبعثون؛يبعثون بمعنى أنهم يخرجون وينتشرون في الأرض، ويحصرون عيسى بن مريم والمؤمنين معه في جبل الطور، ثم يلقي الله ﵎ في رقابهم دودةً تأكل رقابهم، فيصبحون فرسى- يعني: جمع فريسة، يعني: موتى- كلهم ميتة رجلٍ واحد، ويقي الله ﷾ عيسى وأصحابه شرهم. ***
السائل ش م م من العراق محافظة صلاح الدين يقول: يقول الله ﷿ في سورة الكهف: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ) . فمن هم يأجوج ومأجوج؟ وأين يوجدون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يأجوج ومأجوج ذكرهم الله ﷾ في القرآن الكريم في قوله: (حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ) . وفي قوله تعالى: (قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) (الكهف:٩٤) . وهاتان قبيلتان من بني آدم، كما ثبت به الحديث الصحيح عن النبي ﷺ: (أن الله يقول يوم القيامة: يا آدم! فيقول لبيك وسعديك! فينادي بصوت: إن الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثًا إلى النار. فقال: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون. فشق ذلك على الصحابة وقالوا: يا رسول الله! أينا ذلك الواحد؟ يعنون: الذي ينجو من النار. فقال رسول الله ﷺ: أبشروا! فإنكم في أمتين- أو قال: بين أمتين- ما كانتا في شيء إلا كثرتاه: يأجوج ومأجوج) . وهذا دليل واضح على أنهما قبيلتان من بني آدم، وهو كذلك، وهم موجودون الآن، وظاهر الآية الكريمة أنهم في شرق آسيا؛ لأن الله قال: (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا * كَذَلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا * ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا * حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا * قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا) . فظاهر سياق الآيات الكريمات أنهم كانوا في الشرق، ولكن هاتان الأمتان سيكون آخر الزمان لهم دور كبير في الخروج عن الناس؛ لما جاء في حديث النواس بن سمعان الذي رواه مسلم في صحيحه: (أن الله تعالى يوحي إلى عيسى أني قد أخرجت عبادًا لي لا يدان لأحد بقتالهم: يأجوج ومأجوج، فحرِّر عبادي إلى الطور) . فخروجهم الكبير المنتشر الذي يظهر به فسادهم أكثر مما هم عليه الآن سيكون في آخر الزمان، وذلك في وقت نزول عيسى بن مريم ﵊. ***
يقول السائل: كثيرًا ما نسمع أن الساعة لا تقوم حتى يعم الإسلام الأرض، ونسمع من جهةٍ ثانية أنها لا تقوم ويبقى من يقول: لا إله إلا الله في الأرض، فكيف نوفق بين هذين القولين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوفيق بينهما سهل، وهو: أن كل واحدٍ منهما في زمنٍ غير زمن الآخر، فالإسلام يعم الأرض كلها، ثم بعد ذلك يندثر هذا الإسلام ويموت المؤمنون، ولا يبقى إلا شرار الخلق، وعليهم تقوم الساعة. ***
ما مدى صحة ما يقال بأن من يموت في رمضان أو يوم الجمعة لا يعذب عذاب القبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت لكل من يستحقه، سواء مات في يوم الجمعة أو في رمضان أو في أي وقت آخر، ولهذا كان المسلمون يقولون في صلاتهم، في كل صلاة من صلواتهم في التشهد الأخير: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. إلا أن من مات مجاهدًا في سبيل الله فإنه لا يأتيه الملكان اللذان يسألانه عن دينه وربه ونبيه؛ لأن بارقة السيوف على رأسه أكبر امتحان له واختبار، وأكبر دليل على أنه مؤمن، وإلا لما عرض رقبته لأعداء الله. ***
المستمع عدنان من المملكة الأردنية الهاشمية يقول: هل الميت يبصر؟ وما مدى بصيرته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الميت لا يبصر البصر المعروف في الدنيا؛ لأنه قد فقد الإحساس بموته، لكنه يبصر ما يراه في قبره من عالم الآخرة، ويفسح له في قبره مد البصر إن كان مؤمنًا، ويرى الملكين يسألانه عن ربه ودينه ونبيه. وأما ما يتعلق بأمور الدنيا فإنه لا يبصره؛ لأنه قد حجب عن أمور الدنيا بموته. ***
إذا توفي الإنسان هل يذهب إلى الجنة أو إلى النار بعد وفاته، أو يبقى في القبر إلى يوم القيامة؟ نرجو توضيح ذلك مع إضافة بعض المعلومات عن ذلك وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما جسم الميت فإنه يبقى في الأرض في المكان الذي دفن فيه إلى يوم القيامة، قال الله تعالى: (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذَا هُمْ مِنَ الأَجْدَاثِ إِلَى رَبِّهِمْ يَنسِلُونَ) . وقال تعالى: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . فهو باقٍ في الأرض. وأما روحه فإنها تكون في الجنة أو تكون في النار، قال الله ﵎: (الَّذِينَ تَتَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمُ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) . فبين أن هذا القول يكون عند الوفاة، فمعنى ذلك أنهم يدخلون الجنة يوم وفاتهم، وهذا لا يكون إلا للروح، لا يكون للبدن. وقد ثبت عن النبي ﷺ (أن الميت في قبره إذا كان مؤمنًا يفتح له بابٌ إلى الجنة، ويأتيه من روحها ونعيمها) . وأما الكافر فإن روحه أيضًا يذهب بها إلى العذاب، قال الله تعالى عن آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وفيها قراءة (وَيَوْمَ تَقُومُ الساعة ادخُلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وقال تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظَالِمِي أَنفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٥٠) ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) . فهذا دليل على أن الميت المؤمن يلقى جزاءه في الجنة من يوم موته، والكافر يلقى عذابه في النار من يوم موته، وهذا بالنسبة للروح، أما البدن فإنه يبقى في الأرض إلى يوم القيامة، وقد تتصل الروح به معذبةً أو منعمة، كما تدل على ذلك الأحاديث. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هل الميت يسمع السلام والكلام ويشعر بما يفعل لديه أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه مسألة اختلف فيها أهل العلم، والسنة فيها قد بينت بعض الأشياء: فقد صح عن النبي ﵊ (أن الرجل إذا دفن في قبره وانصرف الناس عنه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان) فامتحناه. فأثبت النبي ﵊ أنه يسمع قرع النعال، وأخبر النبي ﷺ أنه (ما من رجلٍ مسلم يمر بقبر رجلٍ مسلم فيسلم عليه وهو يعرفه في الدنيا إلا رد الله عليه روحه فرد ﵇ . وهذا الحديث صححه ابن عبد البر، وذكره ابن القيم في كتاب الروح ولم يعقب عليه. وربما يؤيد هذا أن الرسول ﵊ كان إذا خرج إلى المقابر قال: (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين) . فإنه قد يشعر بأنهم يسمعون ذلك ويردون، من أجل أنه وجه هذا الدعاء إليهم بالخطاب. وعلى كل تقدير مهما قلنا بأن الميت يسمع فإن الميت لا يسمع غيره ولو سمعه، يعني: أنه لا يمكن أن ينفعك الميت إذا دعوت الله عند قبره، كما لا ينفعك إذا دعوته نفسه، ودعاؤك الله عند قبره معتقدًا أن في ذلك مزية بدعةٌ من البدع، ودعاؤك إياه شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة. فإن قال قائل: إن بعض الذين يدعون الأموات قد ينتفعون بدعائهم؟ فالجواب على ذلك: أن هذا الانتفاع لم يكن بدعائهم الميت، لكن كان عند دعائهم الميت، وفرق بين حصول الانتفاع بدعاء الميت وحصول الانتفاع عند دعاء الميت؛ لأنك إذا قلت: حصل الانتفاع بدعاء الميت كان دعاء الميت هو السبب في ذلك الانتفاع، وإذا قلت: عنده لم يكن هو السبب ولكن كان قريبًا منه في الوقت. فنحن نقول: إن الله قد يبتلي الإنسان الذي يدعو أصحاب القبور بحصول ما يدعو به عند دعائه امتحانًا له واختبارًا له، وإلا فنحن نعلم أن كل من دعا غير الله فإنه من أضل الناس، بل قد قال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . ولا عجب أن يبتلي الله الإنسان بمثل هذه البلوى، فهاهم أصحاب السبت، قومٌ من بني إسرائيل من اليهود كانوا في قريةٍ على شاطئ البحر، وكان عمل صيد الحوت محرمًا عليهم يوم السبت، فابتلاهم الله ﷿، فكانت الحيتان تأتي يوم السبت شرعًا على سطح الماء كثيرة، وفي غير يوم السبت لا تأتي الحيتان، فطال عليهم الأمد وقالوا: كيف نحرم من هذه الحيتان؟ وما الحيلة في الحصول عليها؟ فزين لهم الشيطان حيلةً بأن يضعوا شبكًا يوم الجمعة في الماء، فإذا أتت الحيتان يوم السبت وقعت في هذا الشبك ولم تستطع الخروج منه، فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها، تحيلوا على محارم الله بأدنى الحيل، فماذا كانت النتيجة؟ قال الله تعالى: (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٣) وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ (١٦٤) فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ (١٦٥) فَلَمَّا عَتَوْا عَنْ مَا نُهُوا عَنْهُ قُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) فقلب الله هؤلاء القوم قردةً خاسئة ذليلة. والمهم من سياق هذه القصة أن الإنسان قد يبتلى بما يكون فتنةً له في دينه إن اتبعه، فهؤلاء الذين يدعون الأموات ربما يفتنون فيحصل لهم المطلوب عند دعائهم الأموات فتنةً لهم، وإلا فنحن نعلم علم اليقين أن الأموات لا ينفعون أحدًا مهما كان الأمر، لو دعاهم بالليل والنهار ما نفعوه، كيف وهم أمواتٌ جثث هامدة؟ ولكن من لم يجعل الله له نورًا فما له من نور. ***
مستمعة من العراق محافظة التأمين أشواق إلياس سليمان تقول: لقد ذكر الله جل شأنه في كتابه العزيز أن أصحاب الكهف ناموا أكثر من ثلاثمائة سنة، وأن العزير أماته الله ﷾ مائة، ثم بعثهم وبعثه، وقد علمنا من شأنهم بقية القصة. السؤال: هل الموتى لا يحسون بمدة موتهم إلى أن يحييهم الله يوم القيامة؟ وضحوا لنا ذلك جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا هي ذكرت قصتين قصة أصحاب الكهف، وقصة الرجل الذي أماته الله مائة عام ثم بعثه، ولم يثبت عن النبي ﷺ أنه كان عزيرًا، فهو رجلٌ حصلت له هذه القصة. والعبرة لما في القصة من آيات الله ﷿: أما أصحاب الكهف فإنهم لم يموتوا ولكنهم ناموا، ألقى الله عليهم النوم هذه المدة الطويلة التي قال الله عنها: (وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا) . ولما استيقظوا تساءلوا: (كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ)؛ لأن النائم- كما هو مشاهد ومحسوس- لا يحس بالوقت، قد ينام الإنسان يومًا أو يومين وكأنه لم ينم إلا ساعة أو ساعتين، وهذا شيء مشاهد، والظاهر أن الموتى كالنُّوَّم، وهي التي صارت فيها القصة الثانية: فإن هذا الرجل الذي مر على قرية وهي خاوية على عروشها، فاستبعد أو استفهم: كيف يحيي الله الأرض هذه القرية بعد موتها؟ فأراه الله ﷿ هذه الآية العظيمة، أماته الله مائة سنة ثم بعثه من موته، وسأله: (كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ) . ثم أمره ﷿ أن ينظر إلى طعامه وشرابه لم يتغير، مع أنه بقي مائة سنة، فلم ييبس من شمس ولا رياح، والطعام لم ينتن، بل هو باق كما، كان أما الحمار فإنه قد مات وذهب جلده ولحمه ولم يبق إلا عظامه، فقال الله تعالى: (وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا) . فشاهد العظام ينشز الله بعضها ببعض بواسطة العصب، فلما تكاملت كساها الله لحمًا فكان حمارًا كاملًا، وهذا من آيات الله العظيمة الدالة على قدرته، وأنه على كل شيء قدير. والخلاصة أن في هاتين القصتين من آيات الله العظيمة ما هو ظاهر للمعتبر، وأن الجواب على سؤال السائلة- وهو: أن الميت لا يدري عن المدة التي تمر عليه-: أن الظاهر أن الميت كالنائم، ينطوي عليه الوقت ولا يدري عن سرعته. ***
يقول: فضيلة الشيخ إمام وخطيب المسجد الجامع الكبير بعنيزة السلام عليكم، سؤالي ما يلي: كيف يتأذى الميت بدخول إنسان لا يصلى معه في القبر؟ ألم يكن كل واحد ذهب إلى مقعده: إن كان في الجنة فهو في الجنة، والثاني في النار فهو في النار؟ أم كيف يكون التأذي؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإجابة على هذا السؤال أن نقول: إنه لا يحل أن يدفن شخص لا يصلى مع شخص مسلم، بل ولا يحل أن يدفن وحده في مقابر المسلمين، والواجب أن يدفن من مات لا يصلى في مكان غير مقابر المسلمين؛ لأنه ليس منهم. هذا القول الراجح الذي رجحناه بأدلة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقوال الصحابة ﵃، وقد سبق لنا مرارًا من هذا البرنامج ذكر الأدلة الدالة على كفر تارك الصلاة كفرًاَ مخرجًا عن الملة، سواء كان مقرًا بفرضيتها أم كان جاحدًا بل إذا كان جاحدًا، كفر وإن صلى، إلا أن يكون جاهلًا بأحكام الإسلام، كحديث عهد بالإسلام، فإنه يعرف ويبين له، فإن أقر بالوجوب وإلا كان كافرًا. المهم أنه لا يجوز أن يدفن من لا يصلى مع شخص مسلم، ولا في مقابر المسلمين، بل إن المشروع ألا يدفن مسلم مع آخر في قبر واحد، وإنما يدفن كل واحد وحده في قبره. واختلف العلماء ﵏: هل دفن الميت مع ميت آخر محرم لا يجوز إلا للضرورة، أو مكروه يجوز عند الحاجة إليه ولو بدون الضرورة، مع اتفاقهم على أن المشروع أن يدفن كل ميت وحده؟ وأما قول السائل: إنه يتأذى به، فهذا الأمر يحتاج إلى توقيف وإلى نص من الشرع أن الميت يتأذى بمن دفن معه إذا كان ممن يعذب في قبره، وهذا أمر لا أعلم عنه شيئًا من السنة، وإن كان بعض العلماء ﵏ يقولون: إن الميت قد يتأذى بجاره إذا كان يعذب، وقد يتأذى بفعل منكر عنده، ولكن لم أجد دليلًا من السنة يؤيد هذا. والله أعلم. ***
المستمع عبد السلام محمود الطقش مصري يسأل ويقول: هل عذاب القبر يختص بالروح أم بالبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عذاب القبر ثابت بكتاب الله وسنة رسوله. أما في كتاب الله فقد قال الله تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وفي قوله تعالى في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) . وأما الأحاديث التي فيها عذاب القبر فهي كثيرة، ومنها الحديث الذي يعرفه الخاص والعام من المسلمين، وهو قول المصلى: (أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . وعذاب القبر في الأصل على الروح، وربما يتصل بالبدن أحيانًا، ولا سيما حين سؤال الإنسان عن ربه ودينه ونبيه حين دفنه، فإن روحه تعاد إلى جسده، لكنها إعادة برزخية لا تتعلق بالبدن تعلقها به في الدنيا، ويسأل الميت عن ربه ونبيه ودينه، فإذا كان كافرًا أو منافقًا قال: هاه هاه لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الإنسان، ولو سمعها الإنسان لصعق. ***
يقول: إن موت الإنسان يعني خروج الروح من الجسد، وعندما يدفن في القبر هل ترد الروح إلى جسده أم أين تذهب؟ وإذا كانت ترد الروح إلى الجسد في القبر فكيف يكون ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن رسول الله ﷺ أن الميت إذا مات فإنها تعاد روحه إليه في قبره، ويسأل عن ربه ودينه ونبيه، فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما الكافر أو المنافق فإنه إذا سئل يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. وهذه الإعادة- أعني إعادة الروح إلى البدن في القبر- ليست كحصول روح الإنسان في بدنه في الدنيا؛ لأنها حياة برزخية ولا نعلم كنهها، إذ إننا لم نخبر عن كنه هذه الحياة، وكل الأمور الغيبية التي لم نخبر عنها فإن واجبنا نحوها التوقف؛ لقول الله تعالى: (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) (الإسراء:٣٦) ***
يقول: تنقسم حياة الإنسان إلى ثلاث: حياة الدنيا وهي التي نعيشها، ثانيا: ً حياة الآخرة معروفة، ثالثا: ً بين الحياة الدنيا وبين الآخرة حياة البرزخ، فما هي حياة البرزخ؟ وهل الإنسان يكون بجسده وروحه فيها؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حياة البرزخ حياةٌ بين حياتين، وهذه الأنواع الثلاثة للحياة تكون من أدنى إلى أعلى: فحياة البرزخ أكمل من الحياة الدنيا بالنسبة للمتقين؛ لأن الإنسان ينعم في قبره، ويفتح له بابٌ إلى الجنة، ويوسع له مد البصر. وحياة الآخرة- وهي الجنة التي هي مأوى المتقين- أكمل وأكمل بكثيرٍ من حياة البرزخ. وكذلك يقال بالنسبة للكافر، يقال: إن حياته في قبره أشد عذابًا مما يحصل له من عذاب الدنيا، وعذابه في النار التي هي مأوى الكافرين أشد وأشد، فحياة البرزخ في الواقع حياةٌ بين حياتين في الزمن وفي الحال، فحال الإنسان فيها بين حالين: دنيا وعليا، وكذلك الزمن كما هو معروف. أما سؤاله: هل تكون الحياة البرزخية بالروح والبدن؟ فهي قطعًا بالروح بلا شك، ثم قد تتصل بالبدن أحيانًا إن بقي ولم تأكله الأرض، ولم يحترق ويتطاير في الهواء، وقد لا تتصل. هذا هو القول الراجح في نعيم القبر أو عذابه: أنه في الأصل على الروح، وقد تتصل بالبدن، لكن ما يكون عند الدفن فالظاهر أنه يكون على الروح والبدن جميعًا؛ لأنه جاء في الأحاديث ما يدل على ذلك، من أن الميت يجلس في قبره ويسأل، ويوسع له في قبره، ويضيق عليه حتى تختلف أضلاعه، وكل هذا يدل على أن النعيم أو العذاب عند الدفن يكون على البدن والروح. ***
ما هو اعتقاد أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مذهب أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان فأجلساه، وسألاه عن ثلاثة أشياء: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة- جعلنا الله وإخواننا المسلمين منهم- فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المنافق فإنه يقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. ثم يبقى المؤمن منعمًا في قبره، والمنافق معذبًا في قبره. والعذاب يكون في الأصل على الروح، ولهذا يحس بالعذاب ولو تمزق بدنه وأكلته السباع، وربما تتصل الروح بالبدن ويكون العذاب على الروح والبدن جميعًا. ومسائل الآخرة كلها أمور غيب لا نطلع على شيء منها إلا عن طريق الوحي، ولهذا لا ينبغي لنا أن نتعمق في السؤال عنها؛ لأننا سنصل إلى باب مسدود، ولن نصل إلى شيء من التفاصيل إلا عن طريق الكتاب والسنة. وقد ثبت في الصحيحين عن عبد الله بن عباس ﵄ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مر بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير) . يعني: أنهما لا يعذبان في أمر شاق عليهما، بل هو أمر سهل. (أما أحدهما فكان لا يستبرىء من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) . يعني: بنقل الكلام كلام الناس بعضهم ببعض؛ ليفسد بينهم ويفرق بينهم. فأمر بجريدة رطبة فشقها نصفين، فجعل على كل قبر واحدة، فقالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول؟ الله قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . ففي هذا دليل واضح على ثبوت عذاب القبر، وأنه قد ينقطع وقد يخفف. أخذ بعض أهل العلم ﵏ من هذا أنه ينبغي أن يوضع على القبر جريدة رطبة، كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بهذين القبرين، لكن هذا مأخذ ضعيف جدًّا؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ما كان يضع الجريدتين أو الجريدة الواحدة في كل من قُبر، لكن وَضَعها على هذين القبرين اللذين يعذبان، فوضع شيء من هذا على القبر يبرهن على إساءة الظن بصاحب القبر، وأنه الآن يعذب. وثُم هو بدعة؛ لأن النبي ﷺ إذا فعل شيئًا لسبب فإنه لا يقتضي أن يكون عامًّا في كل شيء، بل فيما ثبت في هذا السبب. ثم هذا السبب ليس أمرًا معلومًا، بحيث نعلم أن هذا الرجل يعذب في قبره فنضع له الجريدة، بل هو مجهول، وهو عذاب القبر، فلهذا ينهى أن يوضع على القبر شيء من الزهور أو شيء من الأغصان أو شيء من الجريد؛ لأن ذلك كله من البدع، ومتى قصد به التخفيف من العذاب عن هذا القبر صار إساءة ظن بصاحبه. ***
السائل إبراهيم من الرياض يقول: ما هي عقيدة أهل السنة والجماعة في الحياة البرزخية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عقيدتهم في الحياة البرزخية ما جاء في الكتاب والسنة من الأدلة على أن الإنسان يعذب في قبره وينعم بحسب حاله، قال الله ﵎ في آل فرعون: (النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ) (غافر:٤٦) . وقال تعالى: (وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ) . وقال الله تبارك تعالى: (فَلَوْلا إِذَا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ (٨٣) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنظُرُونَ (٨٤) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لا تُبْصِرُونَ (٨٥) فَلَوْلا إِنْ كُنتُمْ غَيْرَ مَدِينِينَ (٨٦) تَرْجِعُونَهَا إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ (٨٧) فَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ الْمُقَرَّبِينَ (٨٨) فَرَوْحٌ وَرَيْحَانٌ وَجَنَّةُ نَعِيمٍ (٨٩) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩٠) فَسَلامٌ لَكَ مِنْ أَصْحَابِ الْيَمِينِ (٩١) وَأَمَّا إِنْ كَانَ مِنَ الْمُكَذِّبِينَ الضَّالِّينَ (٩٢) فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ (٩٣) وَتَصلىةُ جَحِيمٍ (٩٤) إِنَّ هَذَا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ (٩٥) فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ (٩٦» . وهذه الحياة التي يكون فيها النعيم أو العذاب حياة برزخية ليست كحياة الدنيا، فلا يحتاج فيها الحي إلى ماء ولا طعام ولا هواء، ولا وقاية من برد ولا وقاية من حر، حياة لا نعلم كيفيتها، بل هي من أمور الغيب التي لا يعلمها إلا الله ﷿، أو من وصل إليها وحصل له بها حق اليقين. ونحن نقرأ في صلواتنا: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال. ***
السائلة تقول في هذا السؤال: أرجو التحدث عن الحياة البرزخية كما جاء في سورة المؤمنون: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) فأجاب رحمه الله تعالى: الحياة البرزخية هي الحياة التي تكون بين موت الإنسان وقيام الساعة، والإنسان قد يقبر فيدفن في الأرض، وقد يلقى في البحر فتأكله الحيتان، وقد يلقى في البر فتأكله الطيور والوحوش، ومع ذلك فإن كل واحد من هؤلاء يناله من الحياة البرزخية ما يناله. وهي- أعني: الحياة البرزخية- من عالم الغيب، فلولا أن الله ورسوله أخبرانا بما يكون فيها ما علمنا عنها، ولكن الله تعالى أخبرنا في كتابه ورسوله ﷺ أخبرنا في سنته بما لا نعلمه عن هذا الأمر، فالحياة البرزخية يكون فيها العذاب ويكون فيها النعيم، إما على الروح وحدها أو تتصل بالبدن أحيانًا، لكن هذا العذاب ليس من عالم الشهادة، ولهذا يعذب الإنسان في قبره، ويضيق عليه القبر حتى تختلف أضلاعه، أو يفسح له في القبر وينعم فيه، ويفتح له باب من الجنة يأتيه من روحها ونعيمها، ولو أننا كشفنا القبر لوجدنا الميت كما دفناه بالأمس لم تختلف أضلاعه، ولم نجد رائحة من روائح الجنة ولا شيئًا من هذا؛ لأن هذه الحياة حياة برزخية غير معلومة لنا وليست من عالم الشهادة. وأضرب مثلًا يقرب ذلك بأن الإنسان النائم نائم عندك، وهو يرى في منامه أنه يذهب ويجيء، ويبيع ويشتري، ويصلى، ويزور قريبًا له ويعود مريضًا، وهو في منامه مضطجع عندك ما كأنه رأى شيئًا من ذلك، ومع ذلك هو يرى، هكذا أيضًا الحياة البرزخية: الميت يرى فيها ما يرى، وينعم فيها ويعذب، لكن في جانب الحس لا يشاهد شيئًا من هذا، وذلك أن النوم أخو الموت في الواقع، لكن الموت أشد وأعظم عمقًا في مثل هذه الأمور. والنفس لها تعلق بالبدن على وجوه أربعة: الأول: تعلقها بالبدن في حال الحمل، والثاني: تعلقها في حال الحياة الدنيا، وتعلقها في حال الحياة الدنيا يكون في حال اليقظة وفي حال النوم، ويختلف هذا عن هذا، والثالث: تعلقها بالبدن في البرزخ، والرابع: تعلقها بالبدن بعد البعث، وهذا الأخير هو أكمل التعلقات، ولهذا لا تفارق الروح البدن لا بنوم ولا بموت، إذ لا موت بعد البعث ولا نوم، وإنما هي حياة دائمة، حياة يقظة، لكن إما في نعيم دائم- أسأل الله أن يجعلني والمستمعين من هؤلاء- وإما في جحيم دائم والعياذ بالله: (لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ) . وأما أهل النعيم فهم في نعيم دائم، فهذه أنواع تعلق الروح بالبدن، ولكل منها خاصية ليست في الأخرى. ***
يقول السائل: كيف السؤال في القبر بعد ممات الإنسان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال أنه يأتيه ملكان فيسألانه: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ فيثبت الله الذين آمنوا بالقول الثابت، فيقول المؤمن: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب أو المنافق فهذا يقول: ها ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين. ***
يقول السائل م. ع: ما حقيقة عالم البرزخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أحيلك على نفسك: إذا كنت في البرزخ فسوف تعرف ما حال الإنسان! ولكن الذي بلغنا من ذلك أن الإنسان إذا دفن وتولى عنه أصحابه حتى إنه ليسمع قرع نعالهم أتاه ملكان فسألاه عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن- نسأل الله أن يجعلنا منهم- فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. فينادي منادٍ من السماء: أن صدق عبدي، فأفرشوه من الجنة، وألبسوه من الجنة، وافتحوا له بابًا إلى الجنة. وأما المنافق المرتاب- والعياذ بالله- فإنه إذا سئل قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته- أعاذنا الله وإياكم منهم- فيضرب بمرزبة من حديد، فيصيح صيحة يسمعها كل شيء إلا الثقلين، ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، أي: يدخل بعضها بعضًا من الضيق، ويفتح له بابٌ إلى النار- أجارنا الله وإياكم منها- ثم يبقى الإنسان على أمرٍ لا ندري عنه بالتفصيل، لكننا نؤمن بعذاب القبر ونعيم القبر. ***
السائلة ن ع ع جدة تقول: أرجو أن تبينوا لنا عذاب القبر وأسباب النجاة منه، وهل عندما يدفنون الميت ثم يقولون له بعد الفراغ من دفنه: إذا سألك الملكان: من ربك؟ فقل: ربي الله. وما نبيك؟ وما دينك؟ هل صحيح أن الميت يسمعهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا دفن الميت وتولى عنه أصحابه إنه ليسمع قرع نعالهم فقد تم توديعه، وحينئذ يأتيه الملكان فيسألانه عن ربه ودينه ونبيه، فإن أجاب بالصواب فسح له في قبره، وفتح له باب إلى الجنة، ونادى منادٍ من السماء: أن صدق عبدي. وإن توقف وقال: لا أدري، فإنه يضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه، وينادي منادٍ من السماء: أن كذب عبدي. ويفتح له باب إلى النار، فيأتيه من حرها وسمومها. والأسباب المنجية من عذاب القبر كثيرة، تنحصر في أن الأسباب الواقية من عذاب القبر هي القيام بطاعة الله، فيفعل ما أمر الله به ويترك ما نهى الله عنه. ومنها- أي: من الأسباب الواقية من عذاب القبر- التعوذ بالله من عذاب القبر، ولهذا أمرنا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نتعوذ من عذاب القبر أمرًا عامًّا فقال: تعوذوا بالله من عذاب القبر، وأمرنا أن نتعوذ بالله من عذاب القبر أمرًا خاصًّا بعد التشهد الأخير، حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا تشهد أحدكم التشهد الآخر- أو قال: الأخير فليستعذ بالله من أربع، فيقول: أعوذ بالله من عذاب جهنم، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المحيا والممات، ومن فتنة المسيح الدجال) . ومن أسباب عذاب القبر عدم التنزه من البول، والمشي بين الناس بالنميمة، كما في حديث ابن عباس ﵄ قال: مر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقبرين فقال: (إنهما ليعذبان، وما يعذبان في كبير: أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول- أو قال لا يستنزه من البول-، وأما الثاني فكان يمشي بالنميمة) . ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين، وغرز في كل قبر واحدة، قالوا: لِمَ صنعت هذا يا رسول الله؟ قال: (لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا) . فبين النبي ﷺ سبب عذابهما بأن أحدهما لا يستبريء من البول، وأن الثاني كان يمشي بالنميمة. والنميمة هي نقل كلام الناس فيما بينهم على سبيل الإفساد، فيأتي للشخص ويقول: قال فلان فيك كذا، قال فلان فيك كذا؛ ليلقي العداوة بينهما. وبهذه المناسبة أود أن أنبه على شيء يفعله بعض الناس: إذا فرغ من دفن الميت وضع عليه غصنًا أخضر من جريد النخل أو غيره، اقتداء برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث وضع الجريدة التي شقها نصفين على كل قبر واحدة، فإن هذا الذي يفعله بعض الناس بدعة؛ لأن رسول الله ﷺ ما كان يفعله على قبر كل ميت، وأيضًا فإن الرسول ﷺ فعله لسبب، وهو أن أصحاب القبرين يعذبان، فما يدري هذا الرجل أن صاحبه يعذب حتى يضع عليه هذا الغصن الأخضر؟ وأيضًا فإن وضع هذا الغصن الأخضر شهادة بالفعل على أن صاحب القبر يعذب، فيكون في ذلك إساءة ظن بصاحب القبر. لكن بعض الناس لا يتأملون ماذا يتفرع على أفعالهم من المفاسد، فتجدهم يأخذون بظاهر الحال ولا يتأملون حق التأمل، نسأل الله لنا ولهم الهداية. ***
يقول السائل: يقال: إن الكافر عندما يوضع في القبر ويأتيه منكر ونكير، يأتيانه في صورٍ مخيفة ومرعبة، فهل المؤمن يرى منكرًا ونكيرًا بنفس الصورة التي يراهما فيها الكافر؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أنه لا يستوي المؤمن والكافر فيما يتعلق بعذاب القبر ونعيمه، وأن المؤمن ينعم في قبره، ويوسع له فيه، وينور له فيه، ويفتح له فيه بابٌ إلى الجنة، وأما الكافر فإنه يعذب في قبره، ويضيق عليه فيه حتى تختلف أضلاعه والعياذ بالله، ويفتح له بابٌ إلى النار. وأما المساءلة حين السؤال: فإن الميت يأتيه ملكان يسألانه عن ثلاثة أشياء: عن ربه ودينه ونبيه. فأما المؤمن فيقول: ربي الله، وديني الإسلام، ونبيي محمد. وأما المرتاب فيقول: ها، ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. هذا أكثر ما عندي الآن حول الإجابة على هذا السؤال ***
يقول المستمع م. ع. م. من المدينة المنورة: ورد في الحديث الصحيح أن الميت عندما يوضع في قبره يسأل عن ثلاث: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟ بينما ورد عن الرسول ﷺ بأن ينتظر عند الميت بعد دفنه مقدار ما تنحر الجزور. السؤال: الأسئلة المذكورة أعلاه الثلاثة لا تستغرق سوى دقيقتين أو ثلاث دقائق، فهل هناك أسئلة أخرى تستغرق مقدار نحر الجزور؟ آمل إفادتي مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي ﷺ أن الناس يمكثون عند القبر بمقدار ما تنحر الجزور، وإنما جاء ذلك عن عمرو بن العاص ﵁، أما الوارد عن النبي ﷺ فإنه كان إذا فرغ من دفن الميت وقف عليه وقال: (استغفروا لأخيكم واسألوا له التثبيت) . فالذي أمر به النبي ﵊ أن نقف بعد دفن الميت إذا فرغنا من دفنه، أن نقف عليه وأن نقول: اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، اللهم اغفر له، اللهم ثبته، ثلاث مرات ثم ننصرف، هذا هو الوارد فليقتصر عليه. ***
المستمع مصري الجنسية يعمل بالعراق يقول: قرأت في كتاب يسمى دقائق الأخبار ما يفيد بأن الإنسان بعد الموت يدخل عليه في القبر ملك اسمه دومان، فيقول له: اكتب عملك. فيقول: أين قلمي وحبري وورقي؟ فيمسك سبابة يده اليمنى ويقول: هذا قلمك، ويشير إلى فمه: من هنا حبرك، ويقطع قطعة من جلد يده ويقول: هذا ورقك. وروى الكثير مما يحدث بعد الموت، مثل استئذان الروح من ربها بعد أسبوع وتعود إلى البيت الذي كانت تعيش فيه. هل هذا صحيح؟ وهل هناك ما يثبت ذلك من القرآن والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل هو باطل، والأمور الغيبية لا يجوز الاعتماد على شيء لم يثبت فيها عن الله ورسوله؛ لأن الأمور الغيبية لا يطلع عليها إلا الله ﷿، أو من أطلعه الله عليه ممن اصطفاه من الرسل، قال الله تعالى: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا (٢٧» . وما ذكره مما يكون للإنسان بعد موته فهو باطل لا أصل له. وإني أحذر أخي السائل من قراءة مثل هذه الكتب، وما أكثر أنواعها في الوعظ والترغيب والترهيب، فإن كثيرًا من الكتب المصنفة في الوعظ والترغيب والترهيب فيها أحاديث لا زمام لها، وإنما يقصد واضعوها أن يقووا رغبة الناس أو رهبتهم، وهذا خطأ، خطأ أرجو الله أن يعفو عنهم إذا كان صادرًا عن حسن النية، والحذر الحذر فالحذر الحذر من مثل هذه الكتب، وما صح من سنة رسول الله ﷺ ففيه كفايتنا عن هذه. ***
يقول السائل: كيف النجاة من فتنة القبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاة من فتنة القبر أن يموت الإنسان على الإسلام، فإنه إذا مات على الإسلام أنجاه الله؛ لأنه إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ فسيجيب بالصواب، وحينئذ ينجو، فإن مات على نفاق- نسأل الله أن يعيذنا وإخواننا من النفاق- فإنه لن يجيب إذا سئل: من ربك؟ ما دينك؟ من نبيك؟ قال: ها. ها لا أدري، سمعت الناس يقولون شيئًا فقلته. فهذا لا ينجو من الفتنة، ويعذب في قبره والعياذ بالله. ***
يقال: إنه إذا قامت القيامة فإن المسلمين الذين هم مؤدون للشريعة الإسلامية والمؤمنون بوجود الله ويوم القيامة وغير مؤدين بدين الإسلام فستأتيهم ريحٌ فيموتون، إلا الكفار فهم يرون أهوال يوم القيامة والأشياء التي تحصل حين قيام الساعة. ما مدى صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بصحيح، بل إذا قامت الساعة فإن جميع الناس مسلمهم وكافرهم يشاهدون هذا اليوم العظيم، وينالهم ما ينالهم من شدائده وهمومه وكروبه وغمومه، ولكن الله تعالى ييسره على المسلم، كما قال الله تعالى: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . فاليوم عسير وشديد، وعسره وشدته على الجميع، ولكن هذا العسر والشدة ييسر على المؤمنين، ويكون غير شاقٍ عليهم، بخلاف الكافرين. ***
كيف يقوم الناس من قبورهم يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقوم الناس من قبورهم حفاةً عراةً غرلًا بُهمًا. أما حفاةً فمعناه: أنه ليس في أقدامهم نعالٌ ولا خفاف ولا جوارب، وأما عراة فمعناه: أنه ليس عليهم ثياب، العورات بادية، كما خرجوا من بطون أمهاتهم يخرجون من بطون الأرض، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . غرلًا أي: غير مختونين، أي: إن القلفة التي تقطع في الختان في الدنيا- وهي الجلدة التي على رأس الذكر- تعاد يوم القيامة، حتى يخرج الناس من قبورهم كما خرجوا من بطون أمهاتهم غير مختونين، وأما بُهمًا فمعناه: أنه ليس معهم مال يعرفون به، فلا درهم ولا دينار ولا متاع ولا شيء ما هي إلا الأعمال الصالحة، هكذا يخرج الناس من قبورهم لرب العالمين جل وعلا. ***
هل صحيح أن يوم القيامة يخفف على المؤمن حتى يصير كأنه وقت قصير جدًّا؟ أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المؤمن يخفف عنه ذلك اليوم حتى يكون يسيرًا جدًّا، ودليل ذلك في كتاب الله ﷿، قال الله ﵎: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . وقال تعالى: (يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ) . وكل هذا يدل أن هذا اليوم يكون يسيرًا على المؤمنين، وبقدر ما يكون الإيمان عند العبد يكون اليسر في ذلك اليوم؛ لأن الجزاء من جنس العمل، نسأل الله أن ييسر علينا وعلى إخواننا المسلمين أهوال ذلك اليوم. ***
هذه رسالة وصلت من إحدى اخواتنا المستمعات محافظة واسط العزيزية العراق تقول في رسالتها بأنها فتاة مؤمنة بالله تعالى، تحاول جاهدة أن تلتزم بتعاليم الإسلام السمحة، تقول: كثيرًا ما يراودني أفكار كثيرة عن مصيري والحساب يوم القيامة، حيث يبعث الله الخلائق ويحاسب الإنسان بما عمل. سؤال يا فضيلة الشيخ وهو الذي يحيرني هو أن يوم القيامة الذي يتم فيه الحساب هل هو يوم واحد أخير لا غير، يتم فيه حساب كافة الخلائق أم ماذا؟ أو لا يجوز لنا التفكير في ذلك نرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال المقدم عن هذه المرأة فيه إشكال يحتاج إلى الجواب كما قالت. وفيه أن المرأة أثنت على نفسها خيرًا بكونها مؤمنة بالله تعالى، وتحاول جاهدة تصديق الشريعة الإسلامية، وهذا الثناء على النفس إن أراد به الإنسان أن يتحدث بنعمة الله ﷿، أو أن يتأسى به غيره من أقرانه ونظرائه فهذا لا بأس به، وإن أراد به الإنسان تزكية نفسه وإدلاله بعمله على ربه ﷿ فإن هذا فيه شيء من المنّة، وقد قال الله تعالى: (يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ) . وأما إذا كان المراد به مجرد الخبر فلا بأس به، لكن الأولى تركه، فالأحوال إذًا في مثل هذا الكلام الذي فيه ثناء المرء على نفسه أربع: الحال الأولى: أن يريد بذلك التحدث بنعمة الله عليه فيما حباه من نعمة الإيمان والثبات، الثانية: أنه يريد بذلك تنشيط أمثاله ونظرائه على مثل ما كان عليه، فهاتان الحالان محمودتان؛ لما تشتملان عليه من هذه النية الطيبة. الحال الثالثة: أن يريد بذلك الفخر والتباهي والإدلال على الله ﷿ بما هو عليه من الإيمان والثبات، وهذا غير محمود؛ لما ذكرناه من الآية. الحال الرابعة: أن يريد بذلك مجرد خبر عن نفسه لما هو عليه من الإيمان والثبات، فهذا جائز ولكن الأولى تركه أما المشكلة التي ذكرت في سؤالها وتريد الجواب عنها، وهي أن يوم الحساب يوم واحد أو أكثر؟ فجوابها: أن يوم الحساب يوم واحد، ولكنه يوم مقداره خمسون ألف سنة، كما قال الله تعالى: (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرِينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنَ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ (٤» أي أن هذا العذاب يقع للكافرين في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة. وفي صحيح مسلم من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ما من صاحب ذهب ولافضة لا يؤدي منها حقها، إلا إذا كان يوم القيامة صفحت له صفائح من نار، وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى به جبينه وجنبه وظهره، كلما بردت أعيدت، في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى بين العباد) . وهذا يوم طويل، وهو يوم عسير على الكافرين، كما قال تعالى: (وَكَانَ يَوْمًا عَلَى الْكَافِرِينَ عَسِيرًا) . وقال تعالى: (عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ) . ومفهوم هاتين الآيتين أنه على المؤمن يسير وهو كذلك، فهذا اليوم الطويل بما فيه من الأهوال والأشياء العظيمة ييسره الله تعالى على المؤمن، ويكون عسيرًا على الكافر، أسأل الله أن يجعلني وإخواني المسلمين ممن ييسره الله عليهم يوم القيامة. والتفكير والتعمق في مثل هذه الأمور الغيبية هو من التنطع الذي قال النبي ﷺ فيه: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . ووظيفة الإنسان في هذه الأمور الغيبية التسليم، وأخذ الأمور على ظاهر معناها، دون أن يتعمق أو يحاول المقايسة بينها وبين الأمور في الدنيا، فإن أمور الآخرة ليست كأمور الدنيا، وإن كانت تشبهها في أصل المعنى وتشاركها في ذلك، لكن بينهما فرق عظيم. وأضرب لك مثلًا بما ذكره الله ﷾ في الجنة من النخل والرمان والفاكهة ولحم الطير والعسل والماء واللبن والخمر وما أشبه ذلك، مع قوله ﷿: (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ) . وقوله في الحديث القدسي: (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر) . فهذه الأسماء التي لها مسميات في هذه الدنيا لا تعنى أن المسمى كالمسمى، وإن اشترك في الاسم وفي أصل المعنى، فكل الأمور الغيبية التي تشارك ما يشاهد في الدنيا في أصل المعنى لا تكون مماثلة له في الحقيقة، فينبغي للإنسان أن ينتبه لهذه القاعدة، وأن يأخذ أمور الغيب بالتسليم على ما يقتضيه ظاهرها من المعنى، وأن لا يحاول شيئًا وراء ذلك. ولهذا لما سئل الإمام مالك ﵀ عن قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) كيف استوى؟ أطرق ﵀ برأسه حتى علاه الرحض- أي: العرق- وصار يتصبب عرقًا، وذلك لعظم السؤال في نفسه، ثم رفع رأسه وقال قولته الشهيرة التي كانت ميزانًا لجميع ما وصف الله به نفسه، قال ﵀: الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة. فالسؤال المتعمق في مثل هذه الأمور بدعة؛ لأن الصحابة ﵃ وهم أشد منا حرصًا على العلم وعلى الخير- لم يسألوا النبي ﷺ مثل هذه الأسئلة، وكفى بهم قدوة. وما قلته الآن بالنسبة لليوم الآخر يجري بالنسبة لصفات الله ﷿ التي وصف الله بها نفسه، من العلم والقدرة والسمع والبصر والكلام وغير ذلك، فإن مسميات هذه الألفاظ بالنسبة لله ﷿ لا يماثلها شيء مما يشاركها في هذا الاسم بالنسبة للإنسان، فكل صفة فإنها تابعة لموصوفها، كما أن الله ﷾ لا مثيل له في ذاته فلا مثيل له في صفاته. وخلاصة الجواب الآن: أن اليوم الآخر يوم واحد، وأنه عسير على الكافرين، ويسير على المؤمنين، وأن ما ورد فيه أنواع الثواب والعقاب أمر لا يدرك كنهه في هذه الحياة الدنيا، وإن كان أصل المعنى فيه معلومًا لنا في هذه الحياة الدنيا. ***
محمد عبد الجبار مصطفى من بغداد العراق يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في حكم الطفل الذي يولد متخلفًا عقليا؟ ً وهل ورد في أحاديث الرسول ﷺ ما يشير إلى ذلك؟ وهل هناك تفسير لآياتٍ قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟ وهل يحاسب يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المولود وهو متخلفٌ عقليًا حكمه حكم المجنون ليس عليه تكليف، فلا يحاسب يوم القيامة، ولكنه إذا كان من أبوين مسلمين أو أحدهما مسلم فإن له حكم الوالد المسلم، أي: إن هذا الطفل يكون مسلمًا فيدخل الجنة، وأما إذا كان من أبوين كافرين: فإن أرجح الأقوال أنه يمتحن يوم القيامة بما أراد الله ﷿، فإن أجاب وامتثل أدخل الجنة، وإن عصى أدخل النار. هذا هو القول الراجح في هؤلاء، وهو- أي: هذا القول- منطبق على من لم تبلغهم دعوة الرسول ﷺ، كأناسٍ في أماكن بعيدة عن بلاد الإسلام، ولا يسمعون عن الإسلام شيئًا، فهؤلاء إذا كان يوم القيامة امتحنهم الله ﷾ بما شاء، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى دخل النار. قد يقول قائل: كيف يمتحنون وهم في دار الجزاء، وليسوا في دار التكليف؟ فجوابنا على هذا: أولًا: أن الله ﷾ يفعل ما يشاء، فله أن يكلف عباده في الآخرة كما كلفهم في الدنيا، ولسنا نحن نحجر على الله ﷿. ثانيًا: أن التكليف في الآخرة ثابت بنص القرآن، كما قال الله تعالى: (يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ وَيُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ فَلا يَسْتَطِيعُونَ (٤٢) خَاشِعَةً أَبْصَارُهُمْ تَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ وَقَدْ كَانُوا يُدْعَوْنَ إِلَى السُّجُودِ وَهُمْ سَالِمُونَ (٤٣» . فدل هذا على أن التكليف قد يقع في الآخرة. إذًا هذا الذي ولد متخلفًا عقليًا فحكمه حكم المجانين، وليس عليه تكليف، وحكمه حكم أبويه إن كانا كافرين، وإن كانا مسلمين أو أحدهما فهو مسلم. وبهذا الجواب يتبين حكم هذا المولود المتخلف عقليًا، وما ذكرناه فإنه مقتضى دلالة الكتاب والسنة، فإن القلم قد رفع عن ثلاثة: عن الصغير حتى يبلغ، وعن المجنون حتى يفيق، وعن النائم حتى يستيقظ. فضيلة الشيخ: هل هناك تفسير لآيات قرآنية كريمة تتعلق بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كما قلت قبل قليل والسنة، كلٌ منهما يدل على أن المجنون ومن في حكمه ليس عليه تكليف. فضيلة الشيخ: في فقرةٍ له يقول: وهل وجود طفل متخلف في العائلة هو عقوبة للوالدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المصائب التي تصيب الإنسان تارةً تكون عقوبة، وتارةً تكون امتحانًا، تارةً تكون عقوبة إذا فعل الإنسان محرمًا أو ترك واجبًا، فقد يعجل الله له العقوبة في الدنيا، ويصيبه بما شاء من مصيبة، وقد يصاب الإنسان بمصيبة لا عقوبة على ترك واجبٍ أو فعل محرم، ولكن من باب الامتحان يمتحن الله بها الإنسان؛ ليعلم ﷿ أيصبر أو لا يصبر؟ وإذا صبر كانت هذه المصيبة منحة لا محنة، يرتقي بها هذا الإنسان إلى المراتب العالية وهي مرتبة الصابرين؛ لأن الصبر لا يحصل إلا بشيءٍ يصبر عليه، ولهذا كان رسول الله ﷺ يوعك- يعني: يمرض- كما يوعك الرجلان منا، أي: يشدد عليه في الوعك؛ لأجل أن ينال بذلك أعلى درجات الصابرين ﵊. ***
ما مصير الأطفال الذين يموتون دون البلوغ والتكليف، سواءٌ كانوا مسلمين أو غير مسلمين، من ناحية مصيرهم في الآخرة؟ وهل الحديث الذي معناه: (كل مولودٍ يولد على الفطرة) ينطبق حتى على أطفال غير المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مصير أطفال المؤمنين الجنة؛ لأنهم تبعٌ لآبائهم، قال الله تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما أطفال غير المؤمنين، يعني الطفل الذي نشأ من أبوين غير مسلمين، فأصح الأقوال فيهم أن نقول: الله أعلم بما كانوا عاملين، فهم في أحكام الدنيا بمنزلة آبائهم، أما في أحكام الآخرة فإن الله أعلم بما كانوا عاملين، كما قال النبي ﷺ: (والله أعلم بمآلهم) . هذا ما نقوله، وهو في الحقيقة أمر لا يعنينا كثيرًا، إنما الذي يعنينا هو حكمهم في الدنيا، وأحكامهم في الدنيا- أعني: أولاد المشركين الذين من أبوين كافرين، أحكامهم في الدنيا- أنهم كالمشركين، بمعنى: أنهم لا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابرنا. ***
ما مصير أطفال المشركين أو الكفار الذين يموتون؟ هل هم في النار أم في الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أطفال المشركين والكفار: إذا كان الأم والأب كلاهما كافرًا فإن هؤلاء الأولاد لهم حكم الكفار في الدنيا، فلا يغسلون ولا يكفنون ولا يصلى عليهم، ولا يدفنون في مقابر المسلمين. أما في الآخرة فأصح أقوال أهل العلم في ذلك أنهم لا يعلم مصيرهم، وأن علمهم إلى الله ﷿؛ لأنهم ممتحنون في يوم القيامة بما أراده الله، فإن امتثلوا وأطاعوا دخلوا الجنة، وإلا فهم في النار. ***
هل التائب من الذنوب لا يحاسب على ذنوبه الماضية إذا تاب توبة صادقة؟ وهل مرتكبو الكبائر إذا تابوا تقبل منهم توبتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا تاب الإنسان توبة نصوحا فإن الله تعالى يقبل منه مهما عظم الذنب دليل ذلك قوله ﵎: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وهذه عامة ليس فيها تفصيل، أن مَنْ تاب من أي ذنب فإن الله يتوب عليه، وقال تعالى في التفصيل: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . فالذنب مهما عظم إذا تاب الإنسان منه توبة نصوحًا غفره الله ﷿، فهنا تجد أن الله تعالى ذكر الشرك وقتل النفس بغير حق والزنى، وكلها عدوان عظيم: الأول عدوان في حق الخالق ﷿، والثاني عدوان على النفس في حق المخلوق، والثالث عدوان على العرض في حق المخلوق، ومع ذلك إذا تاب الإنسان وآمن وعمل عملًا صالحًا بدل الله سيئاته حسنات. ألم تر إلى قوم كانوا مشركين مضادين لدعوة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهداهم الله وتابوا وصاروا من قادة الأمة الإسلامية؟ ولكن إذا كانت المعصية في حق مخلوق فلابد من إيصال الحق إلى أهله، فلو سرق الإنسان مال شخص وتاب من السرقة تاب الله عليه، لكن لابد أن يعيد المال إلى مالكه؛ لأنها لا تتم التوبة فيما يتعلق بحق المخلوق إلا برد الحق إلى أهله. ***
سائل يقول في هذا السؤال: ما الفرق بين الكوثر والحوض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفرق بينهما أن الكوثر نهرٌ في الجنة أعطاه الله تعالى نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأما الحوض فإنه في عرصات القيامة، يصب عليه ميزابان من الكوثر، هذا الحوض عظيم طوله شهرٌ وعرضه شهر، يرِده المؤمنون من أمة محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، جعلنا الله وإياكم ممن يرده ويشرب منه، ماؤه أشد بياضًا من اللبن، وطعمه أحلى من العسل، وريحه أطيب من ريح المسك، وآنيته كنجوم السماء في حسنها وكثرتها. ***
سائل يسأل عن الحوض المورود ما هو؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحوض المورود حوض يكون في عرصات القيامة للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، طوله شهر وعرضه شهر، وآنيته كنجوم السماء في الكثرة والجمال، وماؤه أشد بياضًا من اللبن، وأحلى من العسل، وأطيب من رائحة المسك، يصب عليه ميزابان من الكوثر الذي في الجنة الذي أعطيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما في قوله تعالى: (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ* إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ) . أما أثره: فمن شرب منه شربة واحدة لم يظمأ بعدها أبدًا، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه، اللهم اجعلنا ممن يشرب منه يا رب العالمين. ***
بالنسبة لحديث الحوض والذي يَردِ فيه الناس والذي يكون الرسول ﷺ قائمًا عليه، من هم هؤلاء الناس الممنوعون من الشرب؟ أهم أصحاب البدع؟ وهل للبدع أنواع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الممنوع من الشرب من حوض النبي ﷺ يوم القيامة كل من أحدث في دين الله ما ليس منه؛ لأن النبي ﷺ يقال له: لا تدري ماذا أحدثوا بعدك. وكلما كان الإنسان أقوى في اتباع الرسول ﵊ كان وروده أضمن، ولهذا قيل: من ورد على شريعته فشرب ورد على حوضه فشرب، ومن لا فلا، ولكلٍ درجات مما عملوا. وأما قول السائل: هل البدع أنواع؟ فنعم البدع أنواع متعددة كثيرة، منها ما يوصل إلى الكفر، ومنها ما دون ذلك. ***
محمد عبد الحميد حاتم الحليفي يمني مقيم بمكة المكرمة يقول: نعرف أن الصراط حق لا ريب، وأنه لابد من العبور عليه، ولكننا سمعنا حديثًا عن صفته يقول بأن طوله مسيرة مائة عام في الاستواء، ومائة عام في الطلوع، ومائة عام في الهبوط، وأنه على متن جهنم. فهل هذا الحديث صحيح؟ وإن لم يكن كذلك فما هي حقيقته؟ ومتى يؤذن لمن تجاوزه بدخول الجنة؟ وما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط كما ذكر السائل حق، واعتقاد وجوده واجب، وهو مما يعتقده أهل السنة والجماعة. والصراط عبارة عن جسر ممدود على متن جهنم أدق من الشعر وأحد من السيف، وأما كون طوله كما ذكر السائل فإني لا أعلم في ذلك حديثًا صحيحًا عن النبي ﷺ، وهذا الصراط يعبر الناس عليه على قدر أعمالهم: منهم السريع، ومنهم البطيء، على حسب سيرهم على صراط الله المستقيم في هذه الدنيا، فمن كان مستقيمًا على الصراط في هذه الدنيا مسابقًا إلى الخيرات كان مستقيمًا على صراط الآخرة سابقًا فيه، ومن كان دون ذلك كان دون ذلك، وربما يمر بعض الناس به فيلقى في جهنم ويعذب فيها بقدر عمله ثم ينجو، وأما الكافرون فإنهم لا يعبرون على هذا الصراط، وإنما يحشرون إلى جهنم وردًا، كما قال الله ﷿، بدون أن يعبروا على ذلك الصراط؛ لأنهم لم يكونوا عابرين على الصراط في هذه الدنيا، فيكون جزاؤهم أن يحشروا إلى النار بدون أن يعبروا على هذا الصراط. وأول من يجوز بأمته محمد ﷺ، ثم بعد هذا الصراط يوقفون على قنطرة بين الجنة والنار، ويقتص لبعضهم من بعض، ثم يدخلون الجنة بعد أن يشفع النبي ﵊ إلى ربه في فتح أبواب الجنة، فيشفع إلى الله ﷿ أن تفتح أبواب الجنة فتفتح، ويكون أول من يدخلها محمدٌ ﷺ. فضيلة الشيخ: ويقول: ما حكم من أنكر وجوده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من أنكر وجوده: إن كان جاهلًا فإنه يعلَّم حتى يتبين له، فإذا بلغ بالأحاديث الواردة في ذلك فإنه يجب عليه أن يعتقده، فإن أنكره- مع علمه أن النبي ﷺ أخبر به- كان مرتدًا كافرًا؛ لتكذيبه رسول الله ﷺ. ***
يقول السائل: ما صفة الصراط عند المرور عليه؟ وهل ورد له صفة معينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصراط هو جسر يوضع على النار، يعبر منه المؤمنون إلى الجنة- جعلنا الله وإياكم منهم- يمر الناس به على قدر أعمالهم: إما كلمح البصر، أو كالبرق، أو كالريح، أو كالفرس الجواد، أو كالإبل، ومنهم من يزحف زحفًا، ومنهم من يكردس في نار جهنم ويعذب بقدر ذنوبه. أما صفته فقد ورد أنه أحدُّ من السيف وأدق من الشعر، وذهب بعض أهل العلم إلى أنه طريقٌ واسع، واستدلوا بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إنه دحض ومزلة)، وهذا لا بد أن يكون واسعًا يسلكه الناس. وليس المهم أن نعرف هل هو واسع أو ضيق، المهم أن نعرف كيف يسير الناس عليه، ولماذا اختلف سير الناس عليه، فبعضهم كلمح البصر، وبعضهم كالبرق، وبعضهم يزحف، وبعضهم يلقى في النار. والجواب: أن هذا على حسب أعمالهم في الدنيا وتلقيهم لشريعة الله، فمن كان مسرعًا لتلقي شريعة الله مسارعًا في الخيرات كان عبوره على الصراط يسيرًا خفيفًا سريعًا، ومن كان متباطئًا في شريعة الله وقبولها صار سيره على الصراط كعمله جزاءً وفاقًا. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ ذكر بعض المتحدثين بأن الصراط طوله ثلاثة آلاف سنة، فهل هذا ثابت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس بثابت. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: من صلى في المسجد النبوي ثمانين صلاة متتابعة، مع الحضور قبل الصلاة ليلحق تكبيرة الإحرام، ويشفع له الرسول ﷺ يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعرف عن صحته شيئًا، ولكن شفاعة الرسول ﵊ لها أسبابٌ أخرى كثيرة، منها: أن من أجاب المؤذن، ثم بعد فراغه صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسأل الله له الوسيلة، فإنها تحل له- أو: تجب له- شفاعة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
من السودان السائل أبو محمد يقول: هل الأطفال الذين يموتون وهم صغار يشفعون لوالديهم يوم القيامة؟ أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات للإنسان أطفال فصبر واحتسب، فإنهم يكونون له حجابًا من النار وسترًا من النار، ويدخل بهم الجنة، أما إذا لم يصبر ولم يحتسب فإنه سيفوته من الأجر بقدر ما فاته من الصبر. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ يقول: هل يشفع الابن الصالح والولد الصالح لوالديه في الآخرة؟ وكيف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الأولاد الصغار الذين ماتوا وهم صغار: فإنه قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنهم يكونون سترًا وحجابًا من النار لوالديهم، وأما البالغون فيشفعون لآبائهم في الحال التي يؤذن لهم فيها، ومن الشفاعة الدعاء للميت، فإن الدعاء للميت شفاعةٌ له؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (ما من رجلٍ مسلمٍ يموت، فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا، إلا شفعهم الله فيه) . وهذا يدل على أن الدعاء للغير شفاعةٌ له، ومن ثم قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقةٍ جارية، أو علمٍ ينتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعو له) . فذكر الدعاء؛ لأن الدعاء شفاعةٌ للمدعو له. فأنا أحث إخواننا على كثرة الدعاء لوالديهم أحياءً أم أمواتًا؛ لأن ذلك طريق الأولاد الصالحين الذين امتثلوا قول الله تعالى: (وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا) . ***
المستمعة أشواق إلياس سليمان العراق محافظة التأمين تقول: وضعت طفلًا ميتًا بعد رمضان العام الماضي، وقد صمت الشهر كله ولله الحمد. سؤالها تقول: هل يأتي يوم القيامة كبيرًا، كما سمعت من بعض النساء؟ هل لي أجر حمله تسعة أشهر وساعات ولادته العسيرة؟ وضحوا لنا ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الطفل الذي ذكرته السائلة أنه مات، وتسأل: كيف يأتي يوم القيامة؟ جوابي على هذا: أننا لا نعلم كيف يأتي هذا الطفل يوم القيامة، ولكن قد ثبت أن الناس يحشرون يوم القيامة حفاة عراة غرلًا، كما قال الله تعالى: (كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ) . فالحفاة ليس عليهم نعال ولا خفاف، والعراة ليس عليهم ثياب، والغرل جمع أغرل، وهو الذي لم يختن، أي: إن جلدة الختان تعود يوم القيامة. وأما سؤالها: هل لها أجر على ما حصل لها من المشقة على حمله والتعب في وضعه؟ فجوابه أن نقول: إن لها أجرًا في ذلك، فإنه لا يصيب المرأة، بل لا يصيب الإنسان، من هم ولا غم ولا أذى إلا كفر الله عنه، حتى الشوكة إذا أصابته وحصل فيها ألم فإنه يكفر به عنه من سيئاته، وإذا صبر واحتسب الأجر من الله كان له مع تكفير السيئات زيادة في حسناته على صبره، كما قال الله تعالى: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) .فالمصائب التي تصيب الإنسان تكفير، ومع الصبر عليها واحتساب الأجر تكون مع التكفير زيادة في الحسنات. ***
المستمعة حصة. م. أ. الرياض تقول في رسالتها: كما نعلم يا فضيلة الشيخ من القرآن الكريم والسنة المطهرة مآل المشركين في الآخرة، سؤالي هو عن أطفالهم الصغار إذا ما ماتوا، ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مات أطفال الكفار وهم لم يبلغوا سن التمييز فيُسلموا، وكان أبوه وأمه كافرين، فإن حكمه حكم الكفار في الدنيا، أي: لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه، ولا يدفن مع المسلمين؛ لأنه كافر بأبويه، هذا في الدنيا. أما في الآخرة: فالله أعلم بما كانوا عاملين، وأصح الأقوال فيهم أن الله ﷾ يختبرهم يوم القيامة بما يشاء من تكليف، فإن امتثلوا أدخلهم الله الجنة، وإن أبوا أدخلهم النار. وهكذا نقول في أهل الفترة ومن لم تبلغهم الرسالات: إنهم إذا كانوا لا يدينون بالإسلام حكمهم في الدنيا حكم الكفار، وأما في الآخرة فالله أعلم بما كانوا عاملين، يختبرون ويكلفون بما يشاء الله ﷿ وما تقتضيه حكمته، فإن أطاعوا دخلوا الجنة، وإن عصوا دخلوا النار. ***
يقول: جاء في بعض الأحاديث أن القرآن يشفع للعبد، يقول: يا رب إلى آخره، فكيف الجمع بين ذلك وبين أن القرآن كلام الله غير مخلوق، والحديث فيه أن القرآن يقول: يا رب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إذا صح- لأن بعض أهل العلم ضعفه، لكن إذا صح هذا الحديث- فإن الله ﷾ قادر على أن يكون هذا القرآن الكريم يمثل جزاؤه وأجره، يمثل بشيء يتكلم فيتكلم، كما أن الموت- وهو معنى من المعاني- يمثل يوم القيامة على صورة كبش، فيذبح بين الجنة والنار، يشهده أهل الجنة وأهل النار. فالمعنى- الذي هو عمل الإنسان، وهو قراءته، وثواب الإنسان على هذه القراءة- قد يجعله الله شيئًا ينطق ويتكلم ويقول: يا رب، هذا إن صح الحديث. ***
أحسن الله إليكم هل صحيح أن الإنسان الذي يموت يكون إما في سجين وإما في عليين، جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا جاءت به السنة أن الله ﷾ يقول في الرجل الفاجر: (اكتبوا كتاب عبدي في سجين في الأرض السابعة السفلى) . وإذا كان من الأبرار قال: (اكتبوا كتاب عبدي في عليين) . وهكذا في الآخرة: الناس إما في سجين وإما في عليين، إما في الجنة وإما في النار، قال الله ﵎: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يَوْمَئِذٍ يَتَفَرَّقُونَ* فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ* وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنَا وَلِقَاءِ الْآخِرَةِ فَأُولَئِكَ فِي الْعَذَابِ مُحْضَرُونَ) . وقال الله ﵎: (فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ) . وإنني بهذه المناسبة أنبه على مسألة يقولها بعض الناس وهم لا يشعرون، وهي أنهم إذا تحدثوا عن شخص مات قالوا: ثم نقل إلى مثواه الأخير، يعنون بذلك القبر، وهذا غلط واضح؛ لأن القبر ليس هو المثوى الأخير، بل المثوى الأخير إما الجنة وإما النار، أما القبر فإن الإنسان يأتيه ثم ينتقل عنه، وما مجيئه في القبر إلا كزائر بقي مدة ثم ارتحل. وقد ذكر أن بعض الأعراب سمع قارئًا يقرأ قول الله تعالى: (أَلْهَاكُمُ التَّكَاثُرُ * حَتَّى زُرْتُمُ الْمَقَابِرَ) . فقال هذا الأعرابي: والله لنبعثن؛ لأن الزائر ليس بمقيم. ولهذا يجب الحذر من إطلاق هذه الكلمة- أعني: القول بأنه انتقل إلى مثواه الأخير- لأن مضمونها إنكار البعث وأنه لا بعث، ونحن نعلم أن المسلم إذا قالها لا يريد هذا المضمون، لكنها تجري على لسانه تقليدًا لمن قالها من حيث لا يشعر، فالواجب الحذر منها والتحذير منها. ***
السائل حميد أحمد من اليمن يقول في هذا السؤال: لدينا طلاب متفقهون في الشرع، ويقولون بأن الله ﷿ سيرى يوم القيامة، فهل هذا صحيح؟ مع الدليل من الكتاب والسنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رؤية الله تعالى يوم القيامة صحيح ثابت بالقرآن والسنة وإجماع السلف. فمن أدلة ذلك في كتاب الله قول الله ﵎: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) فناضرة الأولى بمعنى حسنة، وناظرة الثانية من النظر بالعين، ولهذا أضيف النظر إلى الوجوه التي هي محل الأعين. ومن ذلك قول الله ﵎: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) فقد فسر النبي ﷺ الحسنى بالجنة، والزيادة بالنظر إلى وجه الله ﷿. ومن ذلك قول الله ﵎: (كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) (المطففين: ١٥) يعني في ذلك الفجار، وهذا دليل على أن الأبرار يرون الله ﷿؛ لأن الله تعالى لما حجب هؤلاء في حال سخط كان المفهوم أن الله تعالى لا يحجب هؤلاء في حال الرضا، أعني: الأبرار. ومن ذلك قول الله ﵎، وهي الآية الرابعة: (لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ) فإن المزيد ينبغي أن يفسر بما فسرت به الزيادة في قوله تعالى: (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) والذي فسر الزيادة بأنها النظر إلى وجه الله هو النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولا شك أن النبي ﷺ أعلم الناس بمراد الله تعالى في كلامه. وأما السنة: فالأحاديث في ذلك متواترة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فقد تواتر عن النبي ﷺ أن الله يرى بالعين يوم القيامة، فمن ذلك قول النبي ﷺ: (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم ألا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) . والصلاة التي قبل طلوع الشمس هي صلاة الفجر، والتي قبل غروبها هي صلاة العصر، وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات، ولهذا قال ﵊: (من صلى البردين دخل الجنة) . وقد صرح النبي ﷺ في أحاديث أخرى تصريحًا بالغًا من أقوى التصريحات فقال: (إنكم سترون ربكم يوم القيامة عيانًا بأبصاركم، كما ترون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب) . وأمَّا إجماع السلف: فهو أمر مشهور لا يخفى على أحد. ولهذا صرح بعض العلماء بأن من أنكر رؤية الله في الجنة فهو كافر؛ لأنه كذب القرآن والسنة، وخالف إجماع السلف، وقد قال الله تعالى: (وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) . ولولا أننا نفضل الدعاء للمنكرين على الدعاء عليهم لقلنا: نسأل الله تعالى أن يحتجب عن من أنكروا رؤيته في الآخرة، ولكننا لا نفضل ذلك، بل نقول نسأل الله تعالى الهداية لمن التبس عليه الأمر، وأن يقر ويؤمن بما جاء في الكتاب والسنة. والعجب أن من الناس من ينكر رؤية الله في الآخرة بشبه يأتي بها من القرآن والسنة، أو بشبه عقلية لا أساس لها من الصحة. فمنهم من قال: إن رؤية الله تعالى غير ممكنة في الآخرة؛ لأن موسى ﵊ قال: (قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي) . وقرروا دليلهم ذلك بأنّ (لن) تفيد التأبيد والتأبيد، يقتضي أن يكون هذا عامًّا في الدنيا والآخرة، فيكون قوله: لن تراني، أي في الدنيا وفي الآخرة. ولا شك أن هذا لبس وإلباس وتخبيط؛ لأن موسى إنما سأل الله الرؤية في تلك الساعة، بدليل أن الله تعالى قال له: (لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ) . وسؤال موسى الرؤية يدل على إمكانها، إذ لو لم تكن ممكنة عقلًا ما سألها موسى ﵊، لكن الإنسان في الدنيا لا يستطيع أن يرى الله ﷿، وذلك لقصوره وضعفه، ولهذا قال النبي ﵊: (واعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا) . ويدل لهذا أن الله تعالى لما تجلى للجبل اندك الجبل وهو الحجر الأصم، فكيف يمكن لجسم ابن آدم الضعيف أن يثبت لرؤية الله ﷿ في هذه الدنيا؟ أما في الآخرة فشأنها غير شأن الدنيا، وفي الآخرة من الأمور ما لا يمكن إطلاقًا في الدنيا: دنو الشمس قدر ميل يوم القيامة، لو حدث ذلك في الدنيا لاحترقت الأرض ومن عليها. كون الناس في الموقف يختلفون، يعرقون فيختلفون في العرق: منهم من يصل إلى كعبيه، ومنهم من يصل إلى ركبتيه، ومنهم من يصل إلى حقويه، هذا أمر لا يمكن في الدنيا، لكنه في الآخرة ممكن. كون الناس يمشون على الصراط، وهو كما جاء في مسلم بلاغًا (أدق من الشعر وأحد من السيف) أمر لا يمكن في الدنيا، ويمكن في الآخرة. كون الناس يقفون خمسين ألف سنة لا يأكلون ولا يشربون، حفاة عراة غرلًا، هذا لا يمكن في الدنيا وأمكن في الآخرة. فإذا كانت رؤية الله في الدنيا لا تمكن فإنه لا يلزم من ذلك ألا تمكن في الآخرة، وأما دعواهم أن (لن) تفيد التأبيد فدعوى غير صحيحة، فإن الله تعالى قال في أهل النار: إنهم لن يتمنوا الموت أبدًا بما قدمت أيديهم، قال ذلك في اليهود، وقال عن أهل النار يوم القيامة: (وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ) أي: ليهلكنا ويمتنا حتى نستريح، فهنا تمنوا الموت وسألوا الله تعالى أن يقضي عليهم، ولكن لا يتسنى لهم ذلك: (قال إنكم ماكثون) . ولهذا قال ابن مالك ﵀ في الكافية: ومن رأى النفي بلن مؤبدا فقوله اردد وسواه فاعضدا والمهم أن من العقيدة عند السلف الواجبة أن يؤمن الإنسان بأن الله تعالى يرى يوم القيامة، ولكن متى يرى؟ يرى في الجنة إذا دخل أهل الجنةِ الجنةَ، فإن الله تعالى يكشف لهم كما شاء ومتى شاء وكيف شاء، فيرونه في عرصات القيامة، لا يراه الكافرون، يراه المؤمنون والمنافقون، ثم يحتجب الله تعالى عن المنافقين. والخلاصة: أنه يجب علينا أن نؤمن بأن الله تعالى يرى يوم القيامة رؤية حق بالعين، فإن قال قائل: وإذا رئي هل يدرك كما يدرك الرائي وجه مرئيه؟ قلنا: لا، لا يمكن أن يدرك؛ لأن الله تعالى قال: (لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) . والعجب أن المنكرين لرؤية الله في الآخرة استدلوا بهذه الآية على أنه لا يرى، وهو استدلال غريب، فإن الآية تدل على أنه يرى أكثر مما تدل على أنه لا يرى، بل إنه ليس فيها دلالة إطلاقًا على أنه لا يرى؛ لأن الله تعالى إنما نفى الإدراك، والإدراك أخص من الرؤية، ونفي الأخص لا يستلزم نفي الأعم، بل إنما يقتضي وجود الأعم، فنفي الإدراك دليل على وجود أصل الرؤية، ولهذا جعل السلف هذه الآية من الأدلة على ثبوت رؤية الله ﷿ في الآخرة، وهو استدلال صحيح واضح. ***
السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول: يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف، وجاء في الحديث: (أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) . وأيضًا جاء: (لا يدخل الجنة نمام) . فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص؟ أم كيف يكون الجمع بينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النصوص وأمثالها من أحاديث أو من نصوص الوعيد هي التي أوجبت بطائفة الخوارج والمعتزلة أن يقولوا بخلود أهل الكبائر في النار؛ لأنهم أخذوا بهذه العمومات ونسوا عمومات أخرى تعارضها، وهي ما ثبت في أدلة كثيرة من أن الموحدين، أو من في قلبه إيمان ولو مثقال حبة من خردل فإنه لا يخلد في النار، كما أن عمومات الأدلة الدالة على الرجاء، وأن المؤمن يدخل الجنة، حملت المرجئة على ألا يعتبروا بنصوص الوعيد، وقالوا: إن المؤمن ولو كان فاسقًا لا يدخل النار، فهؤلاء أخذوا بعمومات هذه الأدلة، وأولئك أخذوا بعمومات أدلة الوعيد، فهدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة، وهو: أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان، وأنه مستحق للعقوبة، ولكن قد يعفو الله عنه فلا يدخله النار، وقد يدعى له فيعفى عن عقوبته، وقد تكفر هذه العقوبة بأسباب أخرى، وإذا قدر أنه لم يحصل شيء يكون سببًا لتكفيرها فإنه يعذب في النار على قدر عمله، ثم يكون في الجنة، هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة. وعلى هذا: فأحاديث الوعيد المطلقة أو العامة كما في الحديثين اللذين أشار إليهما السائل: (لا يدخل الجنة قاطع رحم)، (لا يدخل الجنة نمام) تحمل على أن المعنى لا يدخلها دخولًا مطلقًا، أي: دخولًا كاملًا بدون تعذيب، بل لابد أن يتقدم ذلك التعذيب، إن لم يوجد ما يمحو ذلك الإثم من عفو الله أو غيره، فيكون معنى (لا يدخلون الجنة) أي: الدخول المطلق الكامل الذي لم يسبق بعذاب، وبهذا تجتمع الأدلة. ***
يقول هذا السائل: هل السبعون ألفًا الذين يدخلون الجنة هؤلاء إيمانهم يكون كاملًا، ومن هم الذين يعذبون في النار ويدخلون الجنة؟ والذين يبقون في النار خالدين فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الناس الذين يبقون في النار خالدين فيها فهؤلاء الكفار الذين ليس لهم حسنات، كما قال الله ﵎: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا* خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) . وقد ذكر الله تعالى خلود الكافرين الأبدي في القرآن في ثلاثة مواضع: الأول في النساء في قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا * إِلَّا طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) والثاني في الأحزاب في قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) . والثالث في سورة الجن في قوله تعالى: (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) . وأما أهل المعاصي من المؤمنين فهؤلاء مستحقون لدخول النار والعذاب فيها بقدر ذنوبهم، ولكن قد يغفر الله لهم فلا يدخلون النار، وقد يشفع لهم فلا يدخلون النار. وهناك أناس يدخلون الجنة بلا حساب ولا عذاب، وهم الذين وصفهم النبي ﵊ بقوله: (لا يَسْتَرْقون، ولا يكتوون، ولا يتطيرون، وعلى ربهم يتوكلون) . ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ، الدليل من الكتاب والسنة على دخول الرجل المسلم العاصي النار ومن ثم خروجه إلى الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدليل على هذا أحاديث عن النبي ﵊ وردت كثيرًا بأن عصاة المؤمنين يدخلون النار، يعذبون فيها بقدر ذنوبهم ثم يخرجون منها، ومنهم من يخرج بالشفاعة قبل أن يستوفي ما يستحقه من عقوبة، ومنهم من يغفر الله له بفضله ورحمته فلا يدخل النار، فعصاة المسلمين ثلاثة أقسام: قسم يغفر الله له ولا يدخل النار أصلًا، وقسم آخر يدخل النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج، وقسم ثالث يدخل النار ويعذب، ولكن يكون له الشفاعة، فيخرج من النار قبل أن يستكمل ما يستحقه من العذاب. ***
بارك الله فيكم يقول السائل: هل يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يخلد صاحب الشرك الأصغر في النار؛ لأن الشرك الأصغر لا يخرج من الملة، والذي يخلد به الإنسان في النار- أعاذنا الله منها- هو الشرك الأكبر؛ لقول الله ﵎: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ولكن هل يكون الشرك الأصغر داخلًا تحت المشيئة كسائر الذنوب، أو لابد فيه من توبة؟ هذا يحتمل أن يكون قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) عامًّا للشرك الأصغر والأكبر، أي إنه لا يغفر، لكن الشرك الأصغر لا يخلد صاحبه في النار. ويحتمل أن يقال: إن المراد بالشرك في قوله: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ) الشرك الأكبر، فيكون الشرك الأصغر داخلًا تحت قوله: (وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وفضل الله ﷾ أوسع مما نتصور، فنرجو أن يكون الشرك الأصغر داخلًا تحت المشيئة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى مسألة حول هذه الآية، أعني قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فإن بعض المتهاونين بالمعاصي إذا نهوا عن المعصية قال: إن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . فجميع المعاصي داخلة تحت مشيئته، فيتهاون بالمعصية من أجل هذا الذي ذكره الله تعالى فيما دون الشرك. فنقول له: أنت على كل حال مخاطر، فهل تعلم أن الله تعالى يشاء أن يغفر لك؟ إنك لا تدري، فربما تكون من الذين لا يشاء الله أن يغفر لهم، فأنت مخاطر، والخطر أمر منهي عنه. ثم إن هناك أدلة أخرى محكمة ليس فيها اشتباه، وهي: وجوب التوبة إلى الله ﷿، فقد قال الله ﵎: (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَ الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) . ***
بارك الله فيكم هذا السائل عبد الله العتيبي الطائف الحوية يقول: فضيلة الشيخ هل أهل الكبائر من أمة محمد ﷺ يخلدون في النار أم لا؟ وهل تحل لهم الشفاعة أم لا؟ وكيف يكون ذلك؟ أرجو منكم الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكبائر التي دون الكفر لا يخلدون في النار؛ لقول الله تبارك تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وهم من أهل الشفاعة الذين يشفع فيهم النبيون والصديقون والشهداء والصالحون، وهذا لا يعني أن الإنسان يتهاون بالكبائر، فإن الكبائر ربما توجب انطماس القلب حتى تؤدي إلى الكفر والعياذ بالله، كما قال الله ﵎ في سورة المطففين: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِين َ* الَّذِينَ يُكَذِّبُونَ بِيَوْمِ الدِّين ِ* وَمَا يُكَذِّبُ بِهِ إِلَّا كُلُّ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * إِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا قَالَ أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ * كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) . فهذا يشير إلى أن القلوب قد يران عليها فترى الحق باطلًا، كما ترى الباطل حقًّا. فعلى الإنسان أن يستعتب من كبائر ذنوبه قبل ألا يتمكن من ذلك، وأن يتوب إلى الله ﷿. ***
المستمعة من الرياض تقول: هل المسلم إذا دخل الجنة يتعرف على أقاربه الذين في الجنة؟ وهل يذكر أهله بعد موته ويعرف أحوالهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشق الأول من السؤال، وهو: إذا دخل أحد الجنة هل يتعرف على أقاربه؟ فجوابه: نعم يتعرف على أقاربه وغيرهم من كل ما يأتيه سرور قلبه؛ لقول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . بل إن الإنسان يجتمع بذريته في منزلةٍ واحدة إذا كانت الذرية دون منزلته، كما قال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . وأما الشق الثاني من السؤال، وهو: معرفة الميت ما يصنعه أهله في الدنيا؟ فإنني لا أعلم في ذلك أثرًا صحيحًا يعتمد عليه، ولكن بعض الوقائع تدل على أن الإنسان قد يعرف ما يجري على أهله، فقد حدثني شخص أنه بعد موت أبيه أضاع وثيقةً له، وصار يطلبها ويسأل عنها، فرأى في المنام أن أباه يكلمه من نافذة المجلس ويقول له: إن الوثيقة مكتوبة في أول صفحة من الدفتر الفلاني، لكن الورقة لاصقةٌ بجلدةٍ في الدفتر، فافتح الورقة تجد الوثيقة في ذلك المكان. ففعل الرجل ورآها كما ذكر أبوه، وهذا يدل على أن الإنسان قد يكون له علم بما يصنعه أهله من بعده. ***
أحسن الله إليكم هذا سائل عبد المنعم عثمان من السودان يقول: هل الرجل يتعرف على أولاده في يوم القيامة إذا كانوا سعداء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأولاد سعداء والأب من السعداء فإن الله ﵎ يقول في كتابه: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) يعني: أن الإنسان إذا كان له ذرية، وكانوا من أهل الجنة، فإنهم يتبعون آباءهم وإن نزلت درجتهم عن الآباء، ولهذا قال: (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ) أي: ما نقصنا الآباء (مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) بل الآباء بقي ثوابهم موفرًا، ورفعت الذرية إلى مكان آبائها، هذا ما لم يخرج الأبناء عن الذرية بحيث ينفردون بأزواجهم وأهليهم، فيكون هؤلاء لهم فضلهم الخاص ولا يلحقون بآبائهم؛ لأننا لو قلنا: كل واحد يلحق بأبيه ولو كان له أزواج أوكان منفردًا بنفسه، لكان أهل الجنة كلهم في مرتبة واحدة؛ لأن كل واحد من ذريته من فوقه، لكن المراد بالذرية الذين كانوا معه ولم ينفردوا بأنفسهم وأزواجهم وأولادهم، هؤلاء يرفعون إلى منزلة آبائهم ولا ينقص الآباء من عملهم من شيء. ***
حفظكم الله هذه رسالة وصلت من مستمع للبرنامج لم يذكر الاسم، في حالة دخول الزوجين الجنة هل يلتقيان مرة ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا دخل الرجل وزوجته الجنة فهي زوجته لا تتعداه، وهو أيضًا لا يتعداها إلا فيما أعطاه الله تعالى من الحور العين، أو من نساء الجنة اللاتي ليس لهن أزواج في الدنيا. وإذا كان للمرأة زوجان ودخلا الجنة فإنها تخير بينهما، فمن اختارت فهو زوجها، وفي الحديث أنها تختار أحسنهما خلقًا. ***
رسالة من المستمع ح. م. ص. من جدة بعث بعدة أسئلة، في سؤاله الأول يقول: هل صحيحٌ أن الزوجين إذا كانا صالحين وتوفيا وكانا من أهل الجنة أنهما يكونان زوجين حتى في الجنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا صحيح أنه إذا مات رجل وزوجته وكانا من أهل الجنة فإنها تبقى زوجةً له، قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . والذرية شاملة لذرية الزوج والزوجة، فإذا كان الله يلحق بالمؤمنين ذرياتهم فمعنى ذلك أن الزوج والزوجة يكونان سواءً، ويلحق الله بهما ذريتهما، وهذا من كمال النعيم الذي في الجنة، فإنها فيها ما لا عينٌ رأت ولا أذنٌ سمعت ولا خطر على قلب بشر، وفيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهذا من كمال النعيم كما قلت. ***
فضيلة الشيخ محمد وردتنا الرسالة من المستمع إبراهيم محمد ش. يقول في رسالته لقد عرفنا مصير الرجال في الجنة أن لهم زوجات حورًا عينًا، ويقصد الرجال من المسلمين، ولكن ما مصير النساء في الجنة؟ ألهن أزواجٌ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﵎ في نعيم أهل الجنة: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢» . ويقول تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ومن المعلوم أن الزواج من أبلغ ما تشتهيه النفوس، فهو حاصلٌ في الجنة لأهل الجنة ذكورًا كانوا أم إناثًا، فالمرأة يزوجها الله ﵎ في الجنة، يزوجها بزوجها الذي كان زوجًا لها في الدنيا، كما قال الله تعالى: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وإذا كانت لها زوجان في الدنيا فإنها تخير بينهما يوم القيامة في الجنة، وإذا لم تتزوج في الدنيا فإن الله تعالى يزوجها ما تقر به عينها في الجنة، فالنعيم في الجنة ليس قاصرًا على الذكور، وإنما هو للذكور وللإناث، ومن جملة النعيم الزواج. ولكن قد يقول قائل: إن الله تعالى ذكر الحور العين وهن زوجات، ولم يذكر للنساء أزواجًا؟ فنقول: إنما ذكر الزوجات للأزواج؛ لأن الزوج هو الطالب وهو الراغب في المرأة، فلذلك ذكرت الأزواج للرجال في الجنة، وسكت عن الأزواج للنساء، ولكن ليس معنى ذلك أنه ليس لهن أزواج، بل لهن أزاج من بني آدم. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد صالح يقول: هل المرأة الصالحة في الدنيا تكون من الحور العين في الآخرة؟ أرجو منكم الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الصالحة في الدنيا- يعني: الزوجة- تكون خيرًا من الحور العين في الآخرة، وأطيب وأرغب لزوجها، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر أن أول زمرة تدخل الجنة على مثل صورة القمر ليلة البدر. فضيلة الشيخ: هل الأوصاف التي ذكرت للحور العين تشمل نساء الدنيا في القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن نساء الدنيا يكن خيرًا من الحور العين حتى في الصفات الظاهرة والله أعلم، ونحن نقول لأخينا السائل: هذه أسئلة لا وجه لها، أنت إذا كنت من أهل الجنة ودخلت الجنة فستجد فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، ستجد فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، وهذه التساؤلات في أمور الغيب هي من التنطع في دين الله، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (هلك المتنطعون، هلك المتنطعون، هلك المتنطعون) . اصبر يا أخي حتى تدخل الجنة، فستجد ما لا يخطر لك على بال. ***
تقول السائلة ر ق ع في هذا السؤال: ما منزلة المرأة في الجنة مع وجود الحور العين؟ وماذا بالنسبة لزوجها؟ وهل المرأة تصبح زوجة للشهداء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الزوجات يكن مع أزواجهن في الآخرة، يقول الله ﷿ في دعاء الملائكة للمؤمنين: (رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) . ولا شك أن الزوجة مع زوجها في الجنة لها مقام عظيم عالٍ، حتى إن بعض العلماء قال في دعاء الميت: (وأبدلها زوجًا خيرًا من زوجها) أن المعنى: أبدلها زوجًا خيرًا من زوجها، أي: اجعل زوجها لها في الجنة خيرًا مما هو عليه في الحياة الدنيا. ثم إن قول الله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) شامل لكل ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، فليس فيها كدر ولا نصب، ولا هم ولا غم، فلتبشر النساء بالخير، ولتعلم أن الجنة ليس فيها ما في الدنيا من الغيرة والتأذي. ***
وعد الله ﷿ الذين آمنوا وعملوا الصالحات بأن لهم الجنة والحور العين، أرجو أن تعرفونا هل هذا خاص للرجال فقط بالنسبة للحور العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن الجنة فيها ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين للرجال وللنساء، وليقرأ السائل قول الله تعالى في سورة الأحزاب: (إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ) إلى قوله ﵎: (وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .وقوله تعالى: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) . فما ثبت للرجال من الأجور على الأعمال الصالحة فهو ثابت للنساء، وما ثبت من الأوزار على الرجال فهو ثابت للنساء، لكن هناك أحكام تختص بالرجال وأحكام تختص بالنساء بدليل من الكتاب والسنة، فإذا كان هناك دليل يدل على اختصاص الرجال بحكم أو اختصاص النساء بالحكم فليكن هذا على مقتضى الدليل. ***
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته يقول: نحن نعلم بأن الله ﷾ قد أعد الحور العين لعباده المؤمنين يوم القيامة في الجنة، فإذا كانت هنالك امرأة مؤمنة وأدخلها الله ﷾ الجنة برحمته، أما زوجها فلسوء سعيه في الدنيا لم يدخل الجنة، فمن يكون زوجها يومئذٍ؟ أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: وعلى السائل السلام ورحمة الله وبركاته. والجواب على سؤاله هذا يؤخذ من عموم قوله تعالى: (وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ (٣١) نُزُلًا مِنْ غَفُورٍ رَحِيمٍ (٣٢» . ومن قوله تعالى: (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَتَلَذُّ الْأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمرأة إذا كانت من أهل الجنة ولم تتزوج،؟ أو كان زوجها ليس من أهل الجنة، فإنها إذا دخلت الجنة فهناك من أهل الجنة من لم يتزوجوا من الرجال، وهم- أعني: من لم يتزوجوا من الرجال- لهم زوجات من الحور، ولهم زوجات من أهل الدنيا إذا شاؤوا وشغل ذلك أنفسهم، وكذلك نقول، بالنسبة للمرأة إذا لم تكن ذات زوج، أو كانت ذات زوج في الدنيا ولكن زوجها لم يدخل مع أهل الجنة: إنها إذا اشتهت أن تتزوج فلا بد أن يكون لها ما تشتهيه؛ لعموم هذه الآيات، ولا يحضرني الآن نص خاص في هذه المسألة. والعلم عند الله تعالى. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع سالم غانم عاشور العراق الموصل يقول: قرأت في كتاب للشيخ الإمام الغزالي حديثًا عن النبي ﷺ عن الشفاعة، فيمن أخرجهم الله من النار بشفاعته ﷺ، حين يقول الله تعالى: فرغت شفاعة الملائكة والنبيين وبقيت شفاعتي، فيخرج من النار أقوامًا لم يعملوا حسنة قط، فيدخلون الجنة فيكون في أعناقهم سمات، ويسمون عتقاء الله ﷿. فما مدى صحة هذا الحديث؟ وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث متفق عليه بمعناه، يعني: أنه قد روى البخاري ومسلم معنى هذا الحديث، إلا أن فيه كلمة منكرة في هذا السياق الذي ذكره الأخ، وهي قوله: (فتبقى شفاعتي) . فإن هذه اللفظة منكرة، واللفظ الذي ورد في الصحيحين: (ولم يبق إلا أرحم الراحمين) . وإنما كانت اللفظة التي ذكرها السائل منكرة لأن قوله: (وتبقى شفاعتي) عند من يشفع؟ فالله ﷾ هو الذي يشفع إليه، وليس يشفع إلى أحد ﷾: (وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى) .ومعنى هذا الحديث: أن الله ﷾ يأذن للرسل والملائكة والنبيين، وكذلك لصالح الخلق، أن يشفعوا في إخراج من شاء من أهل النار، فيخرج من أهل النار من شاء الله، حتى إذا لم يبق أحد تبلغه شفاعة هؤلاء، ولم يبق إلا رحمة أرحم الراحمين، أخرج الله ﷾ بهذه الرحمة من شاء، وجعل في رقابهم خواتم على أنهم عتقاء الله ﷾، فيدخلون الجنة، ومعنى قوله: (لم يعملوا حسنةً قط) أنهم ما عملوا أعمالًا صالحة، لكن الإيمان قد وقر في قلوبهم، فإما أن يكون هؤلاء قد ماتوا قبل التمكن من العمل، آمنوا ثم ماتوا قبل أن يتمكنوا من العمل، وحينئذ يصدق عليهم أنهم لم يعملوا خيرًا قط، وإما أن يكون هذا الحديث مقيدًا بمثل الأحاديث الدالة على أن بعض الأعمال الصالحة تركها كفر كالصلاة مثلًا، فإن من لم يصل فهو كافر ولو زعم أنه مؤمن بالله ورسوله، والكافر لا تنفعه شفاعة الشافعين يوم القيامة، وهو مخلد في النار أبد الآبدين والعياذ بالله. فالمهم أن هذا الحديث إما أن يكون في قوم آمنوا ولم يتمكنوا من العمل، فماتوا فور إيمانهم، فما عملوا خيرًا قط، وإما أن يكون هذا عامًّا، ولكنه يستثنى منه ما دلت النصوص الشرعية على أنه لابد أن يعمل كالصلاة، فإنه لابد أن يصلى الإنسان، فمن لم يصل فهو كافر، لا تنفعه الشفاعة ولا يخرج من النار. ***
الشياطين مخلوقة من نار، أي: نار السموم، وعدهم الله بنار الحميم، فكيف يكون عذابهم وهم خلقوا من نار هل النار التي سيعذبون بها غير التي نعرفها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النار التي يعذب بها الشياطين هي النار التي يعذب بها الكفار من بني آدم، ولا فرق بينهما، والإنسان إذا خلق من الشيء لا يلزم أن يكون هو الشيء، أرأيت نفسك أيها السائل: خلقت من طين، فهل أنت طين؟ من المعلوم أن الجواب: لا، ليس الإنسان بطين، هكذا الشياطين خلقت من نار ولكنها ليست نارًا، وإذا لم تكن نارًا فإنها أجسام لها خصائصها التي خصها الله بها، وإذا كان يوم القيامة فإنها تعذب بالنار. ***
القضاء والقدر
إبراهيم أبو حامد يقول: حدثونا عن القضاء والقدر، هل هما بمعنى واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر إذا اجتمعا فلكل واحد معناه. وأما إذا أفرد أحدهما فإنه يشمل الآخر، فإذا قيل: قضاء وقدر، فالقضاء: ما قضاه الله تعالى في الأزل، وكتبه في اللوح المحفوظ. والقدر: ما قدره الله فوقع. فأما إذا قيل: قضاء فقط فإنه يشمل الأمرين جميعًا، أو قيل: قدر فقط فإنه يشمل الأمرين جميعًا. ***
هل القضاء والقدر بمعنى واحد؟ وما معناهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القضاء والقدر بمعنى واحد إذا أفرد أحدهما عن الآخر، فيقال مثلًا: يؤمن بقدر الله، أو: يؤمن بقضاء الله. وأما إذا جمعا فالقضاء: ما كتبه الله في الأزل، والقدر: ما قدر الله وجوده، أو بالعكس، يعني: أنهما إذا اجتمعا افترقا، وإذا افترقا اجتمعا. ***
يقول السائل: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان الكلمتان مترادفتان إن تفرقتا، ومتباينتان إن اجتمعتا. فإذا قيل: القضاء بدون أن يقترن به القدر كان شاملًا للقضاء والقدر، وإذا قيل: القدر دون أن يقترن به القضاء كان شاملًا للقضاء والقدر أيضًا. وهذا كثير في اللغة العربية: أن تكون الكلمة لها معنى عام عند الانفراد، ومعنى خاص عند الاقتران. فإذا قيل: القضاء والقدر جميعًا صار القضاء: ما يقضي به الله ﷿ من أفعاله أو أفعال الخلق، والقدر: ما قدر الله تعالى في الأزل وكتبه في اللوح المحفوظ، وذلك لأن المقدور سبقه تقدير في الأزل، أي: كتابة بأنه سيقع، وقضاء من الله تعالى بوقوعه فعلًا. وإن شيءت فقل: الكتابة قدر والمشيئة قضاء، والله تعالى يكتب الشيء، بل كتب الشيء في اللوح المحفوظ، ثم يشاؤه ﷾ في الوقت الذي تقتضي فيه حكمته وجوده فيه، الثاني قضاء والأول قدر. فصارت هاتان الكلمتان إن انفردت إحداهما عن الأخرى شملت معنى الأخرى، وإن اجتمعتا صار لكل واحدة منهما- أي: من الكلمتين- معنى. ***
تقول السائلة أم محمد من القاهرة: يا فضيلة الشيخ ماذا يعني القضاء والقدر بالتفصيل؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء هو القدر إذا ذكر وحده، والقدر هو القضاء إذا ذكر وحده. فإن اجتمعا وقيل: القضاء والقدر صار القضاء: ما يفعله الله ﷿، والقدر ما كتبه في الأزل. وقد ذكر العلماء ﵏ أن الإيمان بالقدر له مراتب: المرتبة الأولى: الإيمان بعلم الله ﷿، بأن يؤمن العبد بأن الله تعالى بكل شيء عليم، وأنه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، وأنه عالمٌ بما كان وما يكون، وأنه ما وقع شيء إلا بعلمه. والمرتبة الثانية: الإيمان بالكتابة، أي: إن الله كتب في اللوح المحفوظ ما هو كائن إلى يوم القيامة، فإن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال اكتب ما هو كائنٌ. فجرى في تلك الساعة بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة. ودليل هاتين المرتبتين قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . المرتبة الثالثة: الإيمان بمشيئة الله العامة، وأن كل شيءٍ واقع بمشيئته ﷾، لا فرق في ذلك بين ما يحصل من فعله جل وعلا، وما يحصل من أفعال مخلوقاته. أما دليل الأول- وهو: ما يحصل من فعله- فهو قول الله تعالى: (وَيَفْعَلُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ) . وأما الثاني- وهو: ما وقع من أفعال خلقه- فدليله قول الله ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) فكل شيء يقع في السماوات أو في الأرض فإنه واقعٌ بمشيئته ﵎. وأما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بخلق الله، وأن كل كائن فهو مخلوق لله ﷿، لا خالق غيره ولا رب سواه. ودليل هذا قوله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . هذه المراتب الأربع هي مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، ولا يتم الإيمان بالقدر إلا بتحقيق هذه المراتب الأربع ومن المعلوم أن الإيمان بالقدر هو أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها نبي الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ***
عودة من جدة يقول: ما الفرق بين القضاء والقدر؟ أرجو الإفادة فأجاب رحمه الله تعالى: القضاء والقدر اسمان مترادفان إن تفرقا، يعني: أنهما إذا تفرقا فهما بمعنى واحد، وإن اجتمعا فالقضاء: ما يقضي به الله، أي يحكم به، أي: بوقوعه. والقدر: ما كتبه الله تعالى في الأزل. وليعلم أن القضاء ينقسم إلى قسمين: قضاء شرعي، وقضاء كوني. فالقضاء الشرعي: يتعلق بما أحبه الله ورضيه، مثل قوله تعالى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا) . والقضاء الكوني: يتعلق بما قدره الله سواء كان مما يرضاه أو مما لا يرضاه، ومنه قوله تعالى: (وَقَضَيْنَا إِلَى بَنِي إِسْرائيلَ فِي الْكِتَابِ لَتُفْسِدُنَّ فِي الْأَرْضِ مَرَّتَيْنِ وَلَتَعْلُنَّ عُلُوًّا كَبِيرًا) . والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي بينها رسول الله ﷺ حين سأله جبريل عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . فحقيقته: أن تؤمن بأن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك. فما قدره الله عليك فلا بد أن يقع مهما عملت من الأسباب، وما دفع الله عنك فلا يمكن أن يقع مهما كان من الأسباب. ولهذا كان المؤمنون يقولون: اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم من مكة المكرمة السائل م. أ. يقول: ما حكم الإيمان بالقضاء والقدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان الستة، كما قال ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم جوابًا لجبريل عندما قال: أخبرني عن الإيمان. قال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) . ولا يتم الإيمان بالقدر إلا إذا آمن الإنسان بأمورٍ أربعة: الأول: الإيمان بعلم الله تعالى، وأنه ﷾ محيطٌ بكل شيءٍ علمًا، لا يخفى عليه شيء الثاني: أن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. ودليل هذين الأمرين قول الله ﵎: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . الأمر الثالث: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو كائن بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء، حتى أفعال العباد قد شاءها الله ﷿. قال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ العالمين) . وقال ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . الأمر الرابع: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيءٍ في السماوات والأرض، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، حتى أعمال العبد مخلوقة لله تعالى؛ لقوله تعالى: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . ووجه كون فعل العبد مخلوقًا لله: أن فعل العبد واقعٌ بإرادة العبد وقدرة العبد، وإرادة العبد وقدرة العبد مخلوقتان لله ﷿، وخالق السبب التام خالقٌ للمسبب، فإذا كان فعل الإنسان ناتجًا عن إرادةٍ وقدرة وهما مخلوقتان لله؛ صار فعل العبد مخلوقًا لله ﷿. فلا بد في الإيمان بالقدر من الإيمان بهذه الأمور الأربعة: علم الله، كتابة كل شيء كائن إلى يوم القيامة في لوحٍ محفوظ،مشيئة الله،خلق الله. وفي هذا يقول الناظم: علمٌ كتابة مولانا مشيئته وخلقه وهو إيجادٌ وتكوين ***
هذا السائل من الرياض إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم الإيمان بالقدر؟ وكيف يكون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان بالقدر واجب، ومنزلته في الدين أنه أحد أركان الإيمان الستة؛ لأن جبريل ﵇ سأل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الإيمان فقال: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره) .والقدر هو: تقدير الله ﵎ في الأزل، أي تقديره ﵎ ما كان وما يكون، فإنه ﷾ (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . فكل ما يقع في السماء والأرض من أفعال الله- كالمطر والنبات والحياة والموت- أو من أفعال العباد- كالاستقامة والانحراف- فإنه مكتوب، مكتوب في الأزل عند الله ﵎. فيجب علينا أن نؤمن بذلك: أن الله كتب مقادير كل شيء إلى يوم القيامة، وأن هذا المكتوب شامل لما يفعله ﵎ هو بنفسه، وما يفعله عباده. قال العلماء: وللإيمان بالقدر أربع مراتب: المرتبة الأولى: أن تؤمن بعلم الله تعالى الشامل العام للحاضر والمستقبل والماضي، وأن كل ذلك معلوم عند الله بعلمه الأزلي الأبدي، فلا يضل الرب ﷿ ولا ينسى. لما سأل فرعون موسى ﵊: (قَالَ فَمَا بَالُ الْقُرُونِ الأُولَى (٥١) قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) ﷾. فيجب أن نؤمن بعلم الله ﷿ أنه عالم بكل شيء جملة وتفصيلًا فالجملة مثل قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)، والتفصيل مثل قوله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ)، وكذلك قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)، وكذلك قوله تعالى: (علِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ)، (عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ)، والأمثلة على هذا كثيرة، هذه هي المرتبة الأولى من مراتب الإيمان بالقدر. المرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله ﵎ كتب مقادير كل شيء إلى قيام الساعة، فكل شيء فهو مكتوب عند الله في لوح محفوظ لا يتبدل ولا يتغير. ودليل ذلك قوله تعالى: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . والحديث الذي ذكرناه آنفًا: (أن الله أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال: ربي ماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن إلى يوم القيامة. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . المرتبة الثالثة: أن تؤمن بأن ما في الكون من حركة ولا سكون ولا إيجاد ولا إعدام إلا بمشيئة الله، يعني: إلا وقد شاءه الله، سواء كان من فعله ﵎ أم من أفعال خلقه. فحركات الإنسان وسكنات الإنسان، وطوله وقصره، وبياضه وسواده، ورضاه وغضبه، واستقامته وانحرافه، كل ذلك بمشيئة الله، لا يشذ عن مشيئة الله شيء، حتى الهدى والصلاح بمشيئة الله. دليل ذلك قول الله ﵎: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَو شَاءَ اللهُ ما اقتَتَلُوا وَلَكنَّ اللهَ يَفعَلُ مَا يُرِيدُ)، وقال الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. أما المرتبة الرابعة فهي الخلق: أن تؤمن بأن الله ﵎ خالق كل شيء، كما قال الله تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ)، وقال تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . وقد ذكر الله تعالى الخلق عامًا كما في هاتين الآيتين، وذكره خاصًا مثل قوله: (فَلْيَنظُرِ الإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ (٥) خُلِقَ مِنْ مَاءٍ دَافِقٍ)، وقوله: (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فكل شيء سوى الله فهو مخلوق، خلقه الله ﷿، سواء في الأعيان أو في الأفعال أو في الأوصاف. فالآدمي له جثة، له جسد، من خلق هذا؟ الله ﷿، الآدمي طويل وقصير، وأبيض وأسود، من قدر هذا؟ الله ﷿، الآدمي له عمل وحركة، صالح أو غير صالح، من خلق هذا العمل؟ الله ﷿؛ لأن عمل الإنسان من صفات الإنسان، والإنسان مخلوق فصفاته مخلوقة. ودليل ذلك ما ذكرته الآن: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا)، (وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ) . فيجب علينا أن نؤمن بالقدر على هذه المراتب الأربع: علم الله، كتابته في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء، مشيئة الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون، خَلْقُ الله لكل موجود ومعدوم وحركة وسكون. فالمعدوم يوجده الله، والموجود يعدمه الله. وقد اختلف بنو آدم في القدر وتنازعوا فيه واختلفوا فيه، فمنهم الغالي ومنهم الجافي ومنهم الوسط. فالغالي في إثبات القدر قال: إن الإنسان مجبور على عمله، ليس له فيه اختيار، إن عمل صالحًا فإكراهًا عليه، إن عمل سيئًا فإكراهًا عليه، إن قام أو قعد فهو مكره مجبر؛ لأن الله تعالى شاء ذلك فيجب أن يكون. وآخرون قصروا في هذا قالوا: إن الله يشاء كل شيء، ويخلق كل شيء، إلا أفعال الإنسان، فليس له فيها تصرف، وهؤلاء قصروا في الربوبية. وتوسط آخرون فقالوا: الإنسان يفعل باختياره، ويفرق بين الفعل الذي يكره عليه والفعل الذي يختاره. وهذا هو الواقع: أنت تخرج إلى السوق باختيارك، ترجع منه باختيارك، تدخل المدرسة الفلانية باختيارك، تتركها باختيارك، تسافر باختيارك، تبقى في بلدك باختيارك. هذا أمر لا ينكر، ولا يشعر أحدٌ أبدًا أنه أكره على هذا الفعل. ولهذا لو أكره حقيقة سقط عنه الإثم، إن أكره على محرم أو على ترك واجب، حتى إن الله أسقط حكم الكفر عند الإكراه فقال: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو قلنا بأن الإنسان مكره لبطلت الشريعة كلها، وصار لا يحمد على فعل الخير ولا يذم على فعل الشر، فنحن نرد على هؤلاء الذين قالوا: إنه مجبر، بهذا. أما الذين قالوا: إنه مستقل، فنقول: سبحان الله! الإنسان في ملك، الله وكيف يكون في ملك الله ما لا يريد؟ الإنسان مخلوق لله، فكيف تكون أفعاله غير مخلوقة لله؟ هي مخلوقة لله، وهي في ملك الله، لكن قد يحتج العاصي بالقدر على المعصية، فإذا زنى أو سرق أو شرب الخمر قال: والله هذا بقدر الله. نقول: هل الله أجبرك؟ هل تعلم أن الله قدر عليك أن تزني أو تسرق أو تشرب الخمر؟ أنت لا تعلم، ونحن لا نعلم أن الله قدر أفعالنا أو أقوالنا حتى تقع، فإذا وقعت علمنا أنه أرادها، أما قبل أن تقع فليس عندنا علم بما قدر الله، كما قال تعالى: (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) . فالعاصي حين أقدم على الفعل أقدم عليه باختياره، ولم يعلم أن الله قد كتبه له أو عليه إلا إذا وقع. ولهذا لا ترى أحدًا يعذر أحدًا إذا ضربه الضارب وقال المضروب للضارب: لم ضربتني؟ قال: والله هذا بقدر الله، لا تجد أحدًا يقبل هذه الحجة. يذكر عن أمير المؤمنين عمر ﵁ أنه رفع إليه سارق فأمر بقطع يده، فقال له: مهلًا يا أمير المؤمنين، والله ما سرقت هذا إلا بقدر الله. قال: ونحن لا نقطع يدك إلا بقدر الله. المهم أنه لا يمكن أن يحتج الإنسان بالقدر على ظلم الناس وعدوانه عليهم وإنك لتعجب من هذا العاصي الذي يعصي الله، ومعصيته لله ظلم لنفسه، ثم يحتج بقدر الله على ظلم نفسه، مع أنه لو ظلمه ظالم واحتج على ظلمه بأنه قدر الله ما قبل منه، لذلك لا عذر للعاصي بقدر الله على معصيته، ولهذا أبطل الله حجة الذين احتجوا بالقدر فقال: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ) قال تعالى: (كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) . وكونهم يذوقون بأس الله يدل على أنه لا حجة لهم؛ لأنه لو كان لهم حجة ما ذاقوا بأس الله. والحاصل أن الإنسان يجب عليه أن يؤمن بالقدر، وأن كل شيء فهو من الله، وأنه لا حجة للعاصي على معصيته بقدر الله. ولما حدث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أصحابه فقال: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) .إذًا نحن مأمورون بالعمل، وإذا عملنا ما يرضي الله يسر الله لنا. ثم تلا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنقول: آمِنْ بالقدر واعمل بالشرع حتى يتم إيمانك. ومن الإيمان بالقدر الإيمان بما جاء مكروهًا للعبد، كالمصائب في بدنه، في أهله، في ماله، في أصحابه، في مجتمعه. لا يخلو الإنسان من مصيبة؛ لأن الله تعالى يبتلي بالنعم ويبتلي بالنقم. هذه المصائب إذا حصلت اِرضَ بها، اِرضَ بقضاء الله،فإن الله ﷾ أعلم بمصالحك. كم من إنسان أصيب بمصيبة فكانت المصيبة فتح باب لاهتدائه، فالمصائب صقل للقلوب، إذا أراد الله ﷾ هداية الإنسان، كما أنها بالعكس في أناس آخرين، قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ) . يعني: إذا أوذي في دينه وضيق عليه في دينه جعلها كالعذاب، فارتد ونكص على عقبيه والعياذ بالله. فالمهم أن الإيمان بالقدر يهون عليك المصائب؛ لأنك تعلم أنها من عند الله، وأن الله مالك كل شيء، وأنت من جملة من يملكه الله ﷿، أنت عبد لله يفعل بك ما شاء فلا تجزع. قال الله تعالى: (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) . قال علقمة في معنى (وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) قال: (إنه يعلم أنها من عند الله فيرضى ويسلم) . لو أن رجلًا أصابك بأذى دافعت عن نفسك ولم ترض، لكن إذا كان الذي أصابك من المصائب من عند الله فعليك أن ترضى؛ لأنه ربك مالكك يفعل بك ما شاء، فإذا صبرت واحتسبت الأجر من الله صارت تلك المصيبة رفعة في درجاتك وأجرًا وثوابًا: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ***
أبو هيثم من دمياط من جمهورية مصر العربية يقول: التسخط من المصائب والكوارث ما حكمه في الشرع؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: فإن من أصول الإيمان أن يؤمن الإنسان بالقدر خيره وشره، وأن يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه، وما أخطأه لم يكن ليصيبه، وأن الأمر كله يرجع إلى الله ﷿، وأن لله الحكمة البالغة فيما أصاب العبد من خير أو شر. والمصائب على نوعين: النوع الأول: أن تكون تكفيرًا لسيئات وقعت من المرء وإصلاحًا لحاله، كما في قوله ﵎: (وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ)، وقوله تعالى: (ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ) . والنوع الثاني: أن تكون المصائب ليست عقوبة لسيئات وقعت من المرء، ولكن لزيادة رفعة في درجاته، وليحصل على وصف الصبر الذي أثنى الله على القائمين به وقال: (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ومن ذلك ما يقع للرسول ﷺ من المصائب التي تصيبه ﵊، حتى إنه ليوعك كما يوعك الرجلان منا- أي: في المرض- من أجل أن ينال أعلى مقامات الصبر صلوات الله وسلامه عليه، وقد نال ذلك صلوات الله وسلامه عليه: فهو أعلى الناس صبرًا على طاعة الله، وأعلى الناس صبرًا عن محارم الله، وأعلى الناس صبرًا على أقدار الله المؤلمة. وبناء على هذه المقدمة يجب على المرء أن يصبر لقضاء الله وقدره، وأن لا يتسخط؛ لأن السخط من قضاء الله وقدره نقصٌ في الإيمان بربوبيته ﵎، إذ مقتضى الربوبية المطلقة أن يفعل ما شاء. وانظر إلى الكرم والفضل: أنه ﷿ يفعل في عبده ما يشاء، ومع ذلك يثيبه على ما حصل من هذه المصائب إذا صبر واحتسب. قال بعض أهل العلم: وللناس في المصائب مقامات أربعة: التسخط، والصبر، والرضا، والشكر. أما التسخط فحرام، سواء كان في القلب أو في اللسان أو في الجوارح. فالتسخط في القلب: أن يرى أن الله تعالى ظلمه في هذه المصيبة، وأنه ليس أهلًا لأن يصاب، وهذا على خطر عظيم، كما قال الله تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . وأما التسخط بالقول فأن يدعو بدعوى الجاهلية مثل: واثبوراه، واانقطاع ظهراه، وما أشبه ذلك من الكلمات النابية التي تنبئ عن سخط العبد وعدم رضاه بقضاء الله. وأما التسخط بالأفعال فكنتف الشعور، ولطم الخدود، وشق الجيوب. وقد تبرأ النبي ﷺ من فاعل هذا فقال: (ليس منا من شق الجيوب وضرب الخدود ودعا بدعوى الجاهلية) . فالتسخط هذا حرام ومن كبائر الذنوب، والتسخط القلبي أعظم أنواعه وأخطر أنواعه. المقام الثاني: مقام الصبر، وهو: حبس النفس عن التسخط. وهو ثقيل على النفس، لكنه واجب؛ لأنه إذا لم يصبر تسخط، والتسخط من كبائر الذنوب، فيكون الصبر واجبًا. ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لابنته- التي كان عندها طفل يجود بنفسه حضره الموت، فأرسلت إلى النبي ﷺ رسولًا تدعوه للحضور، فقال النبي ﷺ: (مرها فلتصبر ولتحتسب) . المقام الثالث: هو الرضا، يعني: يرضى العبد بما قدر له من هذه المصيبة رضًا تامًا. وقد اختلف العلماء في وجوبه، والصواب أنه ليس بواجب ولكنه سنة؛ لأنه متضمن للصبر وزيادة. والفرق بين الصبر والرضا: أن المرء يكون في الصبر كارهًا لما وقع، لا يحب أنه وقع، لكنه قد حبس نفسه عن التسخط؛ وأما الراضي فهو غير كاره لما وقع، بل المصيبة وعدمها عنده سواء بالنسبة لفعل الله؛ لأنه راضٍ رضًا تامًّا عن فعل الله، فهو يقول: أنا عبده وهو ربي، إن فعل بي ما يسرني فأنا عبده وله مني الشكر، وإن كانت الأخرى فأنا عبده وله مني الرضا والصبر. فالأحوال عنده متساوية. وربما ينظر إلى ذلك من منظار آخر، وهو أن يقول: إن هذه المصيبة إذا صبر عليها وكفر الله بها عنه وأثابه عليها صارت ثوابًا لا عقابًا، فيتساوى عنده الألم والثواب. وفي هذا ما يذكر عن رابعة العدوية- فيما أظن-: أنها أصيبت أصبعها ولم تتأثر بشيء، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . المقام الرابع: مقام الشكر: أن الإنسان يشكر الله ﷿ على هذه المصيبة. وهذا المقام أو الحال لا تحصل للإنسان عند أول صدمة؛ لأن مقتضى الطبيعة ينافي ذلك، لكن بالتأمل والتأني قد يشكر الإنسان ربه على هذه المصيبة، وذلك بأن يقدر المصيبة أعظم فيشكر الله تعالى أن أصيب بهذه التي هي أهون، أو يقدر أن ألم المصيبة ألم يزول بزوال الحياة إن بقي إلى الموت، أو يزول قبل الممات، والأجر والثواب الحاصل يبقى، فيشكر الله تعالى على ذلك. مثاله: رجل أصيب بحادث في سيارة فانكسرت رجله، هذه مصيبة، فيتأمل وينظر ويقول: أرأيت لو كان الانكسار في الظهر لكانت المصيبة أعظم، فهو يشكر الله ﷿ أن كانت المصيبة في الفخذ دون الظهر، ولو كانت في الساق لكانت أهون مما إذا كانت في الفخذ، وهلم جرًّا. ثم يقول أيضًا. هذه مصيبة إمَّا أن أشفى منها وأعود كما كنت في الدنيا قبل الموت، وإما أن أموت، فلها أجل محتوم مقدر، لكن الأجر الحاصل عليها هو ثواب الآخرة الباقية أبد الآبدين، فيشكر الله ﷿ على هذه المصيبة التي كانت سببًا لما هو أبقى وأفضل وأخير. إذًا فهمنا الآن أن الإنسان عند المصائب أربعة مقامات: الأول: التسخط، وهو حرام ومن كبائر الذنوب. والثاني: الصبر، وهو واجب. والثالث: الرضا، وهو سنة مستحب. والرابع: الشكر، وهو أعلى المقامات. ***
يقول السائل: البعض من المرضى يتذمر ويكثر من الشكوى ويتسخط مما فيه من مرض، فما نصيحتكم لأمثال هؤلاء وذلك بالاحتساب والصبر؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتي لإخواني هؤلاء المرضى ومن أصابهم مصائب في أموالهم وأهليهم: أن يصبروا ويحتسبوا، ويعلموا أن هذه المصائب ابتلاءٌ من الله ﷾ واختبار، كما قال الله ﵎: (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) . وإذا كان الله تعالى يبتلي العبد بالنعم ليختبره أيشكر أم يكفر، فكذلك يبتلي عبده بما يضاد ذلك ليبلوه أيصبر أم يجزع ويتسخط. ويعين المرء على الصبر على هذه الأمور أمور: الأمر الأول: الإيمان بأن الله ﷾ رب كل شيء ومليكه، وأن الخلق كلهم خلقه وعبيده، يتصرف فيهم كيف يشاء، لحكمةٍ قد نعلمها وقد لا نعلمها، فلا اعتراض عليه ﷾ فيما فعل في ملكه: (لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ) . الثاني: أن يؤمن بأن هذه المصائب التي تصيبه تكفير لسيئاته، تحط عنه الخطايا ويغفر له بها الذنوب، كما جاء ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولقد أصيبت امرأةٌ من العابدات في أصبعها، ولكنها لم تتسخط ولم يظهر عليها أثر التشكي، فقيل لها في ذلك فقالت: (إن حلاوة أجرها أنستني مرارة صبرها) . ومن المعلوم أن الصبر درجة عالية لا تنال إلا بوجود شيء يصبر الإنسان عليه حتى يكون من الصابرين، و(إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثالثًا: أن يتسلى بما يصيب الناس سواه، فإنه ليس وحده الذي يصاب بهذه المصائب، بل في الناس من يصاب بأكثر من مصيبته. ولقد كان رسول الله صلى الله عليه وعلى آله سلم- وهو أشرف الخلق عند الله- يصاب بالمصائب العظيمة، حتى إنه يوعك كما يوعك الرجلان منا، ومع ذلك يصبر ويحتسب. وفي التسلي بالغير تهوينٌ عن المصاعب. رابعًا: ان يحتسب الأجر على الله ﷿ بالصبر على هذه المصيبة، فإنه إذا احتسب الأجر على الله ﷿ بالصبر على هذه المصيبة فإنه- مع تكفير السيئات به- يرفع الله له بذلك الدرجات، بناءً على احتسابه الأجر على الله ﷾. ومن المعلوم أن كثيرًا من الناس منغمرٌ في سيئاته، فإذا جاءت مثل هذه المصائب: المرض، أو فقدان الأهل أو المال أو الأصدقاء، أو ما أشبه ذلك هان عليه الشيء بالنظر إلى ما له من الأجر والثواب على الصبر عليه، واحتساب الأجر من الله، وكلما عظم المصاب كثر الثواب. خامسًا: أن يعلم أن هذه المصائب من الأمراض وغيرها لن تدوم، فإن دوام الحال من المحال، بل ستزول إن عاجلًا وإن آجلا، ً لكن كلَّما ما امتدت ازداد الأجر والثواب. وينبغي في هذه الحال أن نتذكر قول الله ﵎: (فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا)، وأن نتذكر قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) سادسًا: أن يكون لديه أمل قوي في زوال هذه المصيبة، فإن فتح الآمال يوجب نشاط النفس وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، وإن الإنسان كلما مضى عليه ساعة رأى أنه أقرب إلى الفرج وزوال هذه المصائب كان في ذلك منشطًا نفسه حتى ينسى ما حل به، ولا شك أن الإنسان الذي ينسى ما حل به أو يتناساه لا يحس به، فإن هذا أمرٌ مشاهد: إذا غفل الإنسان عما في نفسه من مرضٍ أو جرح أو غيره يجد نفسه نشيطًا وينسى ولا يحس بالألم، بخلاف ما إذا ركز شعوره على هذا المرض أو على هذا الألم فإنه سوف يزداد. وأضرب لذلك مثلًا بالعمال: تجد العامل في حال عمله ربما يسقط عليه حجرٌ يجرح قدمه، أو تصيبه زجاجة تجرح يده أو ما أشبه ذلك، وهو مستمرٌ في عمله ولا يحس بما أصابه، لكن إذا فرغ من عمله ثم توجهت نفسه إلى هذا الذي أصابه حينئذٍ يحس به. ولهذا لما شكي إلى الرسول ﷺ الوساوس التي يجدها الإنسان في نفسه قال ﵊: (إذا أحس بذلك فليستعذ بالله، أو: إذا وجد ذلك فليستعذ بالله ثم لينتهِ)، يعني: ليعرض عن هذا ويتغافل عنه فإنه يزول، وهذا شيء مشاهد ومجرب، ففي هذه الأمور الستة يحصل للمريض الطمأنينة والخير الكثير. الأمر السابع: أن يؤمن بأن الجزع والتسخط لا يزيل الشيء، بل يزيده شدة وحسرة في القلب، كما هو ألمٌ في الجسد. وبهذه المناسبة أود أن أبين أن الناس تجاه المصائب التي تقع بهم ينقسمون إلى أربعة أقسام: القسم الأول: من جزع وتسخط ولم يصبر، بل دعا بالويل والثبور، وشق الجيوب ولطم الخدود ونتف الشعور، وصار قلبه مملوءًا غيظًا على ربه ﷿، فهذا خاسرٌ في الدنيا والآخرة؛ لأن فعله هذا حرام، والألم لا يزول به، فيكون بذلك خسر الدنيا والآخرة، وربما يؤدي ذلك إلى الكفر بالله ﷿، كما قال الله ﵎: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ) . الحال الثانية: الصبر، بمعنى أن هذا المصاب لا يحب أن تقع المصيبة، بل يكرهها ويحزن لها، لكنه يصبر: فيمنع قلبه عن التسخط، ولسانه عن الكلام، وجوارحه عن الفعال، ولكنه يتجرع مرارة الصبر ولا يحب أن ذلك وقع، فهذا أتى بالواجب وسلم ونجا. الحال الثالثة: أن يقابل هذه المصيبة بالرضا وانشراح الصدر وطمأنينة القلب، حتى كأنه لم يصب بها؛ لقوة رضاه بالله ﷿. فالفرق بينه وبين الأول الذي قبله: أن الأول عنده كراهة لما وقع ويتجرع مرارة الصبر عليه، أما هذا فلا، ليس عنده كراهة ولا في نفسه مرارة، يقول: أنا عبد والرب رب، ولم يقدر لي هذا إلا لحكمة، فيرضى تمامًا. وقد اختلف العلماء ﵏ في هذا الرضا: هل هو واجب أو مستحب؟ والصحيح أنه مستحب؛ لأنه صبرٌ وزيادة، والصبر سبق أنه واجب، وأما ما زاد على الصبر فإنه مستحب، فالراضي أكمل من الصابر. الحال الرابعة: الشكر لله ﷿ على ما حصل، فيشكر الله ﷾ على هذه المصيبة. ولكن قد يقول قائل: إن هذا أمرٌ لا يمكن بحسب الفطرة والطبيعة أن يشكر الإنسان ربه على مصيبة تقع عليه. فيقال: نعم، لو نظرنا إلى مطلق المصيبة لكانت الفطرة تأبى أن يشكر الله على ذلك، ولكن إذا نظر الإنسان إلى ما يترتب على هذه المصيبة: من مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات، ورفعة الدرجات شكر الله ﷾ أن ادخر له من الأجر والثواب خيرًا مما جرى عليه من هذه المصيبة، فيكون بذلك شاكرًا لله ﷾. وقد كان من هدي النبي ﷺ أنه إذا أصابه ما يسره قال: (الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات)، وإذا أصابه خلاف ذلك قال: (الحمد لله على كل حال) . وهذا هو الذي ينبغي أن يقوله الإنسان. أما ما اشتهر على لسان كثيرٍ من الناس حيث يقول إذا أصيب بمصيبة: الحمد لله الذي لا يحمد على مكروهٍ سواه، فهي عبارةٌ بشعة، ولا ينبغي للإنسان أن يقولها؛ لأن هذا يعلن إعلانًا صريحًا بأنه كارهٌ لما قدر الله عليه، وفيه شيء من التسخط وإن كان غير صريح، ولهذا نقول: ينبغي لك أن تقول ما كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول، وهو: (الحمد لله على كل حال) . وفي النهاية أوصي إخواني المرضى ومن أصيبوا بمصيبة أن يصبروا على ذلك، وأن يحتسبوا الأجر من الله ﷿، والله تعالى مع الصابرين، و: (إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب) . ***
المستمعة من حفر الباطن تقول: هل يجوز للمسلم أن يتمنى الموت بعد أن يصطدم بأشياء وأمور لا تجوز في هذه الدنيا الفانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز هذا، لا يجوز للإنسان أن يتمنى الموت لضرٍ نزل به، بل الواجب عليه أن يصبر ويحتسب ويكابد، ويستعين بالله ﷿ في درء هذه المحظورات أو المحرمات بنصح إخوانه وإرشادهم، ولعل بقاءه من أجل النصح والإرشاد والدعوة إلى الله خيرٌ من أن يموت وينقطع عمله، فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله، وإذا بقي في الدنيا وهو مؤمن فإن أمره كله خير، كما قال النبي ﵊: (إن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا له، وإن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له) . وعلى الإنسان أن يصبر ويحتسب ويرضى بقضاء الله ﷾، ويعلم أن دوام الحال من المحال، وأن الأمور لا بد أن تنفرج، كما قال رسول الله ﷺ: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . ***
سائلة تقول: واجهت في حياتي عدة مشكلات جعلتني أكره الحياة، فكنت كلما تضطجرت توجهت إلى الله تعالى بأن يأخذ عمري بأقرب وقت، وهذه أمنيتي حتى الآن؛ لأنني لم أر حلًا لمشكلاتي سوى الموت هو وحده يخلصني من هذا العذاب، فهل هذا حرام علي؟ أرشدوني أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: أن تمني الإنسان الموت لضر نزل به وقوع فيما نهى عنه رسول الله ﷺ، حيث قال ﵊: (لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإن كان لا بد متمنيًا فليقل: اللهم أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . فلا يحل لأحد نزل به ضر أو ضائقة أو مشكلة أن يتمنى الموت، بل عليه أن يصبر ويحتسب الأجر من الله ﷾، وينتظر الفرج منه؛ لقول النبي ﷺ: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . وليعلم المصاب بأي مصيبة أن هذه المصائب كفارة لما حصل له من الذنوب، فإنه لا يصيب المرء المؤمن هم ولاغم ولا أذى إلا كفر الله به عنه، حتى الشوكة يشاكها. ومع الصبر والاحتساب ينال منزلة الصابرين، تلك المنزلة العالية التي قال الله تعالى في أهلها: (وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ*الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) . وكون هذه المرأة لا ترى حلًا لمشكلاتها إلا بالموت أعتبر أن ذلك نظر مخطئ، فإن الموت لا تنحل به المشكلات بل ربما تزداد به المصائب، فكم من إنسان مات وهو مصاب بالمشكلات والأذايا، ولكنه كان مسرفًا على نفسه، لم يستعتب من ذنبه ولم يتب إلى الله ﷿، فكان في موته إسراع لعقوبته، ولو أنه بقي على الحياة ووفقه الله تعالى للتوبة والاستغفار والصبر وتحمل المشاق وانتظار الفرج لكان في ذلك خيرٌ كثير له. فعليك أيتها السائلة أن تصبري وتحتسبي وتنتظري الفرج من الله ﷿، فإن الله ﷾ يقول في كتابه: (فإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (٥) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا) . والنبي ﷺ يقول فيما صح عنه: (واعلم أن النصر مع الصبر، وأن الفرج مع الكرب، وأن مع العسر يسرًا) . والله المستعان. ***
من الخرج من نعجان خالد العثمان يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو أردت أن أقول لهذا السائل: هل أنت مسير حين ألقيت هذا السؤال أو ألقيته باختيارك؟ في علمي أنه سيقول: ألقيته باختياري. إذًا فالإنسان يفعل ما يفعله باختياره لا شك: فالإنسان يذهب ويرجع، ويصلى ويتوضأ، ويصوم ويزكي ويحج، ويبيع ويشتري، ويتزوج ويزوج، وكل ذلك باختياره، لا أحد يجبره على ذلك، ولهذا تجده يختار أحد شيئين على الآخر: يختار مثلًا أن يدخل في كلية الشريعة دون أن يدخل في كلية الهندسة مثلًا والجامعة واحدة، من الذي أجبره على هذا؟ هل أحد أجبره؟ هو باختياره في الواقع، ولولا أن الإنسان يفعل باختياره لكانت عقوبته على الذنوب ظلمًا والله ﷾ منزه عن الظلم، وما أكثر الآيات التي يضيف فيها الله تعالى الأعمال إلى الإنسان: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ* وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)، (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الْآخِرَةَ) . والآيات في هذا كثيرة، والعقل شاهد بهذا، ولا يمكن أن تستقيم قدم عاقل على القول بأن الإنسان مجبر أبدًا؛ لأن هذا يكذبه الحس فضلًا عن الشرع. ولكن يبقى النظر: هل هذا الاختيار مستقل عن إرادة الله؟ والجواب: لا، إنك ما أردت شيئًا إلا علمنا بأن الله قد أراده من قبل؛ لقول الله تعالى: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . فإذا أراد الإنسان أن يأكل فأكل علمنا أن الله تعالى قد أراد قبل إرادته أن يريد الأكل فيأكل، وإذا أراد الإنسان أن يبيع ويشتري واشترى وباع علمنا أن الله تعالى قد أراد ذلك، أي: أراد منه أن يريد ويبيع ويشتري، وهلم جرًّا فإرادة الله سابقة، وإرادة المخلوق هي اللاحقة المباشرة، ونحن لا نعلم أن الله قد أراد بنا شيئًا إلا حين يقع، ولهذا لا يكون في هذا القول الذي قلته الآن حجة على العاصي الذي يعصي الله ويقول: إن الله قد أراد ذلك. لأننا نقول له: ما الذي أعلمك أن الله أراد؟ أنت لا يمكن أن تعلم أن الله أراد إلا إذا فعلت، وفعلك واقع باختيارك لا شك، ولهذا لم نجد هذه الكلمة مسير أو مخير ما رأيتها في كلام السابقين الأولين أبدًا لكنها قالها بعض المحدثين، فسارت بين الناس لأنها كلمة رنانة، وإلا فمن المعلوم أن الإنسان مخير: (فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)، وكفر الإنسان باختياره وإيمانه باختياره، وليس المعنى بالاختيار يعني أنك إن شيءت فآمن وإن شيءت فاكفر، لا، المعنى: أن وقوع الكفر باختيارك ووقوع الإيمان باختيارك. وعلى هذا فنقول: الإنسان مخير، بمعنى: أنه يفعل الشيء باختياره، لكننا نعلم أنه إذا اختار شيئًا وفعله فهو بإرادة الله السابقة عليه. نعم هناك أشياء ليست باختيار الإنسان: لو سافر الإنسان مثلًا وأصابه حادث، هذا بغير اختياره، لو أن الإنسان عمل عملًا ناسيًا هذا بغير اختياره، ولهذا لا يؤاخذ الله على النسيان ولا على الخطأ ولا على فعل النائم؛ لأنه غير مختار. ***
علي السيد أحمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ حصل بيني وبين صديق لي نقاش حول مسألة هل الإنسان مخير أم مسير، ولكن لم نصل إلى إجابة شافية. فأفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في ذلك أن نقول للإنسان: ارجع إلى نفسك لا تسأل أحدًا غيرك: هل أنت تفعل ما تفعله مكرهًا عليه أم تفعل ما تفعله باختيارك؟ هل إذا توضأت في بيتك وخرجت إلى الصلاة وصلىت مع الجماعة هل أنت مكره على هذا أو فعلته باختيارك؟ هل أنت إذا خرجت إلى سوقك وفتحت متجرك وبعت واشتريت هل أنت مجبر على ذلك أو فاعله باختيارك؟ هل أنت إذا أردت أن تقرأ في مدرسة معينة ابتدائية أو متوسطة أو ثانوية أو جامعية أو أعلى من ذلك دراسات عليا هل أنت تفعل ذلك باختيارك أو تفعله مجبرًا على هذا؟ إني أتعجب أن يرد هذا السؤال من شخص يعلم نفسه ويعلم تصرفه ثم يقول: هو مسير أو مخير؟ كل يعلم الفرق بين ما يفعله الإنسان باختياره وإرادته وطوعه وبين ما يكره عليه. والمكره على الفعل لا ينسب إليه الفعل ولا يلحقه به إثم، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) . ولو كان الإنسان مكرهًا على عمله لكانت عقوبة العاصي ظلمًا؛ لأنه يقول: يا رب أنا مكره ليس لي اختيار. ولو كان الإنسان مجبرًا على عمله لكانت كتابة حسناته عبثًا؛ لأنه يثاب على شيء ليس من فعله ولا من اختياره. فعلى أخي السائل وغيره من المسلمين أن يفكروا في هذا الأمر، وأن يعلموا أنهم غير مجبرين على الفعل، بل هم يفعلون الشيء باختيارهم من غير أن يكرهوا عليه. ولكن فليعلم أن ما يقع منا من فعل فإنه بقضاء وقدر سابق من الله ﷿، وبمشيئة الله ﷾ واقع، فالقدر قدر الله ومشيئته لا يعلم تحققهما إلا بعد فعل العبد. هذا وقد ذكر علماء أهل السنة أن للقدر مراتب: أولها: العلم، بأن تؤمن بأن الله ﷾ عالم بكل شي جملة وتفصيلًا أزلًا وأبدًا، فلا يضل ربي ولا ينسى، ولا يخفى عليه شي في الأرض ولا في السماء. والثاني: الكتابة: أن تؤمن بأن الله تعالى قد كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى يوم القيامة. والثالث: المشيئة أن تؤمن بأن ما شاء الله كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه ما من شيء واقع في السماء والأرض إلا بمشيئة الله ﷾. والمرتبة الرابعة: الخلق: أن تؤمن بأن الله تعالى خالق كل شيء، وأنه ما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا الله خالقه جل وعلا. والإيمان بالقدر أحد أركان الإيمان الستة التي أجاب بها رسول الله صلى عليه وآله وسلم جبريل حين سأله عن الإيمان فقال النبي ﵌: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) . ***
هذا السائل من السودان يقول: فضيلة الشيخ ورد لفظ الهدى في القرآن الكريم كثيرًا، مثلًا في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . والأسئلة: هل الإنسان مخير أم مسير؟ وهل للإنسان إرادة أن يكون طيبًا أو خبيثا؟ ً أرجو بهذا توجيهًا مأجورين. فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مهم جدًا، وذلك لأنه سأل عن الهداية المذكورة في قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . وسأل: هل الإنسان مخير أو مسير؟ وهل له إرادة أن يفعل؟ أو لا يفعل والجواب على الأول: أن الهداية المذكورة في القرآن تنقسم إلى قسمين: هداية دلالة وبيان، وهداية توفيق وإرشاد. فأما الهداية الأولى فهي مثل الآية التي ساقها السائل، وهي قوله تعالى: (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) . يعني: إنا بينا للإنسان السبيل والطريق، سواءٌ كان شاكرًا أو كان كفورًا، فالكل بين له الحق، لكن من الناس من منّ الله عليه فشكر والتزم بالحق، ومن الناس من كان على خلاف ذلك. ومن أمثلة الهداية التي يراد بها الدلالة قوله ﵎ عن نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ)، أي: لتدل إلى الصراط المستقيم؛ لأن النبي ﷺ قد بيَّن وعلَّم أمته الصراط المستقيم، وترك أمته على محجةٍ بيضاء ليلها كنهارها. أما النوع الثاني من الهداية فهو هداية التوفيق والإرشاد، ومن أمثلتها قوله ﵎ لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) فالمراد بهذه الهداية هداية التوفيق، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يملك أن يهدي أحدًا هداية توفيق يوفقه بها إلى الإيمان والعمل الصالح. وهذه الآية نزلت في شأن أبي طالب عم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الذي دعاه النبي ﷺ إلى الهدى، ولكن لم يوفق لذلك، فأنزل الله هذه الآية تسليةً لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ) . وقد يراد بالهداية الهدايتان جميعًا، أي: هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد، ومن ذلك قوله ﵎ في سورة الفاتحة: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) فإن هذه الآية تشمل هداية العلم والبيان، وهداية التوفيق والإرشاد. والقارئ إذا قال: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) . يريد بذلك المعنيين جميعًا: يريد أن يعلمه الله ﷿، ويريد أن يوفقه الله تعالى لسلوك الحق. هذا هو الجواب عن الجزء الأول في سؤاله. أما الجزء الثاني، وهو: هل الإنسان مسير أو مخير؟ وهل له إرادة أو ليس له إرادة؟ فنقول: الإنسان مخير إن شاء آمن وإن شاء كفر، بمعنى: أن له الاختيار وإن كان ليس سواء: لا يستوي الكفر والإيمان، لكن له اختيار أن يختار الإيمان أو أن يختار الكفر، وهذا أمرٌ مشاهدٌ معلوم: فليس أحدٌ أجبر الكافر على أن يكفر، وليس أحدٌ أجبر المؤمن على أن يؤمن، بل الكافر كفر باختياره، والمؤمن آمن باختياره. كما أن الإنسان يخرج من بيته باختياره، ويرجع إليه باختياره، وكما أن الإنسان يدخل المدرسة الفلانية باختياره، ويدخل الجامعة الفلانية باختياره، وكما أن الإنسان يسافر باختياره إلى مكة أو إلى المدينة أو ما أشبه ذلك، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه ولا جدال فيه، ولا يمكن أن يجادل فيه إلا مكابر. نعم هناك أشياء لا يمكن أن تكون باختيار الإنسان:كحوادث تحدث للإنسان: من انقلاب سيارة، أو صدام، أو سقوط بيتٍ عليه، أو احتراق، أو ما أشبه هذا، هذا لا شك أن لا اختيار للإنسان فيه، بل هو قضاءٌ وقدر ممن له الأمر. ولهذا عاقب الله ﷾ الكافرين على كفرهم؛ لأنهم كفروا باختيارهم، ولو كان بغير اختيارٍ منهم ما عوقبوا. ألا ترى أن الإنسان إذا أكره على الفعل ولو كان كفرًا، أو على القول ولو كان كفرًا فإنه لا يعاقب عليه؛ لأنه بغير اختيارٍ منه؟ ألا ترى أن النائم قد يتكلم وهو نائم بالكفر، وقد يرى نفسه ساجدًا لصنم وهو نائم ولا يؤاخذ بهذا؛ لأن ذلك بغير اختياره؟ فالشيء الذي لا اختيار للإنسان فيه لا يعاقب عليه، فإذا عاقب الله الإنسان على فعله السيئ دل ذلك على أنه عوقب بحقٍ وعدل؛ لأنه فعل السيئ باختياره. وأما توهم بعض الناس أن الإنسان مسير لا مخير من كون الله ﷾ قد قضى ما أراد في علمه الأزلي بأن هذا الإنسان من أهل الشقاء وهذا الإنسان من أهل السعادة؛ فإن هذا لا حجة فيه، وذلك لأن الإنسان ليس عنده علمٌ بما قدر الله ﷾، إذ إن هذا سرٌ مكتوم لا يعلمه الخلق، فلا تعلم نفسٌ ماذا تكسب غدًا، وهو حين يقدم على المخالفة بترك الواجب أو فعل المحرم يقدم على غير أساس وعلى غير علم؛ لأنه لا يعلم ماذا كتب عليه إلا إذا وقع منه فعلًا، فالإنسان الذي يصلى لا يعلم أن الله كتب له أن يصلى إلا إذا صلى، والإنسان السارق لا يعلم أن الله كتب عليه أن يسرق إلا إذا سرق وهو لم يجبر على السرقة، ولم يجبر المصلى على الصلاة بل صلى باختياره، والسارق سرق باختياره. ولما حدث النبي ﷺ أصحابه بأنه (ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار قالوا: يا رسول الله ألا ندع العمل ونتكل؟ قال لا، اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) . فأمر بالعمل، والعمل اختياري وليس اضطراريًا ولا إجباريًا، فإذا كان يقول ﵊: (اعملوا فكلٌ ميسر لما خلق له) نقول للإنسان: اعمل يا أخي صالحًا حتى يتبين أنك ميسر لعمل أهل السعادة، وكلٌ بلا شك إن شاء عمل عملًا صالحًا وإن شاء عمل عملًا سيئًا. ولا يجوز للإنسان أن يحتج بالقدر على الشرع فيعصي الله ويقول: هذا أمرٌ مكتوب علي، يترك الصلاة مع الجماعة ويقول: هذا أمر مكتوب علي، يشرب الخمر ويقول: هذا أمر كتب علي، يطلق نظره في النساء الأجنبيات ويقول: هذا أمرٌ مكتوبٌ علي. ما الذي أعلمك أنه مكتوبٌ عليك فعملته أنت؟ لم تعلم أنه كتب إلا بعد أن تعمل، لماذا لم تقدر أن الله كتبك من أهل السعادة فتعمل بعمل أهل السعادة؟ وأما قول السائل: هل للإنسان إرادة؟ نقول: نعم له إرادة بلا شك، قال الله ﵎: (مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ)، وقال تعالى: (وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ)، وقال تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) . والآيات في هذا معروفة، وكذلك الأحاديث معروفة في أن الإنسان يعمل باختيار وإرادة. ولهذا إذا وقع العمل الذي فيه المخالفة من غير إرادة ولا اختيار عفي عنه، قال الله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله: قد فعلت. وقال تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وهذا أمرٌ ولله الحمد ظاهر ولا إشكال فيه إلا على سبيل المنازعة والمخاصمة، والمنازعة والمخاصمة منهيٌ عنهما إذا لم يكن المقصود بذلك الوصول إلى الحق. وقد خرج النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذات يوم على أصحابه وهم يتنازعون في القدر، فتأثر من ذلك ﵊؛ لأن هذا النزاع لا يؤدي إلى شيء إلا إلى خصومة وتطاول كلام وغير ذلك، وإلا فالأمر واضح ولله الحمد. ***
من الرياض طالب في جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية يقول: سؤالي هو أنه وقع بيني وبين أخي خلافٌ عقائدي حيث قلت له: إن الإنسان مسير وليس مخيرًا. فقال: هذا ليس بصحيح، بل الإنسان مسير ومخير أيضا. ً وطال الجدال، فما هو القول الفصل في هذه المسألة؟ وجزيتم خيرًا. فأجاب رحمه الله تعالى: القول الفصل في هذه المسألة أن الإنسان مخير، وأن له اختيارًا كما يريد، كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) . وقال ﷿: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ) . وهذا أمرٌ معلوم بالضرورة: فأنت الآن عندما قدمت لنا هذا الكتاب هل قدمته على وجه الإكراه، وأنك تشعر بأن أحدًا أكرهك على تقديمه، أو أنك قدمته على سبيل الاختيار، فأخذت الورقة وكتبت وأرسلت الخطاب أو أرسلت الكتاب؟ لا شك في أن هذا هو الواقع. ولكننا نقول: كل ما نقوم به من الأفعال فإنه مكتوبٌ عند الله ﷿ معلومٌ عنده، أما بالنسبة لنا فإننا لا نعلم ما كتب عند الله إلا بعد أن يقع، ولكننا مأمورون بأن نسعى إلى فعل الخير، وأن نهرب عن فعل الشر، وليس في هذا إشكالٌ أبدًا: نجد الطلبة يتجهون إلى الكلية مثلًا أو إلى الجامعة، فمنهم من يختار كلية الشريعة، ومنهم من يختار كلية أصول الدين، ومنهم من يختار كلية السنة، ومنهم من يختار كلية اللغة، ومنهم من يختار كلية الطب. المهم أن كلًا منهم يختار شيئًا، ولا يرى أن أحدًا يكرهه على هذا الاختيار، كيف نقول: مسير ومخير؟ لو كان الإنسان مجبرًا على عمله لفاتت الحكمة من الشرائع، ولكان تعذيب الإنسان على معصيته ظلمًا، والله ﷿ منزهٌ عن الظلم بلا شك، فالإنسان يفعل باختياره بلا شك، لكن إذا فعل فإنه يجب عليه أن يؤمن بأن هذا الشيء مقدر عليه من قبل، لكنه لم يعلم بأنه مقدر إلا بعد وقوعه. ولهذا لما قال النبي ﷺ: (ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار) قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: (اعملوا) فأثبت لهم عملًا مرادًا (فكلٌ ميسرٌ لما خلق له): أما أهل السعادة، فييسرون لعمل أهل السعادة وأما أهل الشقاوة فييسرون لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) فالصواب مع أخيك أن الإنسان مسيرٌ مخير، ومعنى مخير: أن له الاختيار فيما يفعل ويذر، لكن هذا الذي اختاره أمرٌ مكتوبٌ عند الله، وهو لا يعلم ما كتبه الله عليه إلا بعد أن يقع، فيعرف أن هذا مكتوب، وإذا ترك الشيء علم أنه ليس بمكتوب. ***
السائل محمد من مكة المكرمة يقول: هل الإنسان مسير أم مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن أقول له: اسأل نفسك: هل أنت حينما كتبت هذه الورقة وفيها السؤال هل أنت فعلت ذلك باختيارك أو أن أحدًا أجبرك؟ إنني أجزم جزمًا أنه سيقول: كتبتها باختياري. ولكن ليعلم أن الله ﷾ هو الذي خلق في الإنسان الإرادة، الله تعالى خلق الإنسان وأودع فيه أمرين كلاهما سبب الوجود، الأمر الأول: الإرادة، فالله تعالى جعل الإنسان مريدا. ً والأمر الثاني: القدرة، جعله الله تعالى قادرًا. فإذا فعل شيئًا فإنما يفعله بإرادته وقدرته، والذي خلق فيه الإرادة هو الله ﷿، وكذلك الذي خلق فيه القدرة هو الله ﷿. وهذه الكلمة: مخير ومسير هي كلمة حادثة لا أعلمها في كلام السابقين، وعلى هذا فنقول: إن الإنسان مخير يفعل الشيء باختياره وإرادته، ولكن هذا الاختيار والإرادة كلاهما مخلوقان لله ﷿. ***
مجموعة من السائلات يقلن: يا فضيلة الشيخ نحن السائلات من المدرسة الثانوية بجدة لنا هذا السؤال: هل يؤاخذ الإنسان ويعاقب على الأخطاء والمعاصي وقد قدرها الله ﷿ عليه في اللوح المحفوظ؟ نرجو بهذا إفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، المعاصي يعاقب عليها الإنسان، إلا إذا كانت دون الشرك، فإنها داخلةٌ تحت مشيئة الله ﷿. وهذه المعاصي لا شك أنها واقعة بعلم الله ومشيئة الله، وأنها مكتوبة على العبد في اللوح المحفوظ، ومكتوبة على العبد وهو في بطن أمه، ولكن هذه الكتابة ليست معلومة حتى يكون الإنسان بنى عمله عليها، لو كان يعلمها فبنى عمله عليها لقلنا: إن له حجة، لكنه لم يعلمها، فمن يعلم أن الله تعالى قدر له أن يعصي الله وهو لم يعصه حتى الآن؟ (وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا) . ولهذا يكون إقدام العاصي على المعصية إقدامًا بلا علمٍ أن الله قدرها عليه حتى تقع منه، والحجة لا تكون حجة حتى تكون سابقة على العمل الذي احتج بها عليه. ولهذا قال بعض العلماء: إن القدر سرٌ مكتوم، لا يعلم حتى يقع. وهذا صحيح: من يعلم أن الله قدر أن ينزل المطر غدًا، حتى ينزل غدًا فنعلم أن الله قدره؟ من يعلم أن فلانًا يعصي الله غدًا، حتى يعصي الله هذا الرجل فنعلم أن الله قدره؟ ولهذا لا حجة للإنسان العاصي بقدر الله على شرع الله، فالشرع لا يحتج عليه بالقدر أبدًا، ولهذا قال الله تعالى مبطلًا هذه الدعوى، أي: دعوى القدر: (سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلا آبَاؤُنَا وَلا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا) ولو كانت الحجة صحيحة لم يستحقوا أن يذوقوا بأس الله. وقال الله تعالى: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) ولو كان القدر حجة لم يرفعها إرسال الرسل. ولما أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه ما من أحدٍ إلا وكتب مقعده من الجنة أو من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل؟ قال: اعملوا فكلٌ ميسرٌ لما خلق له. ثم قرأ ﷺ: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فنحن نقول للإنسان: القدر علمه عند الله ﷿، وهو سرٌ مكتوم، وأنت مأمورٌ بأن تعمل العمل الصالح، وأن تتجنب العمل السيئ، فقم بما أمرت به: اعمل عملًا صالحًا، واجتنب العمل السيئ، وهذا هو المطلوب منك، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها. ***
هل يكتب الله ﷿ طريقة الموت على الإنسان، أي: كيف يموت بمرض أم حادث؟ أرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، يكتب الله ذلك كله، وما من شيء في السماوات ولا في الأرض إلا وهو مكتوب عند الله، قال الله تعالى: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . وكل شيء فإنه مكتوب عند الله ﷿، حتى الشوكة تصيب الإنسان هي مكتوبة عند الله. ***
من أريتيريا عثمان محمد عبد الله يسأل ويقول بأنه دخل في عدة طرق من الطرق المتعددة وخرج منها. سؤاله يقول: هل ما ضاع من عمري في هذه الفترة والسيئات التي وقعت فيها محسوبة عليّ أم تنفى عني بتوبتي؟ ثانيًا يقول: وهل كل ما حصل عليّ في هذه الطرق الباطلة قبل هذا كان مكتوبًا علي؟ إن كان مكتوبًا عليّ من الأزل وكان الله عالمًا بهذا؟ نرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أهنىء الأخ الذي منّ الله عليه بالاستقامة ولزوم الصراط المستقيم، بعد أن كان منحرفًا في متاهات البدع والضلال، فإن هذا من نعم الله، بل هو أكبر نعمة ينعم الله بها على العبد: أن يتوب الله عليه فيتوب إلى ربه، ويقلع عن غيه إلى رشده، يقول الله ﷿ ممتنًّا على المؤمنين بمثل ذلك: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . ويقول تعالى: (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْ أَنْفُسِهِمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ) . ويقول جل وعلا: (بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ) . فالهداية للإيمان من أكبر النعم بل هي أكبر نعمة أنعم الله بها على العبد، فأسأل الله أن يثبتني وإخواني المسلمين على دينه المستقيم، إنه جواد كريم. أما بالنسبة للجواب على سؤاله فإني أقول له: إذا تاب الإنسان من أي ذنب كان فإن الله يتوب عليه، ويمحو عنه سيئاته؛ لأن الإسلام يهدم ما قبله، والتوبة تجُّب ما قبلها. قال الله ﷿: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . وقال تعالى: (فَمَنْ تَابَ مِنْ بَعْدِ ظُلْمِهِ وَأَصْلَحَ فَإِنَّ اللَّهَ يَتُوبُ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . وقال تعالى: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا* يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) . والنصوص في هذا كثيرة من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ كلها تدل على أن الله إذا منّ على العبد بالتوبة النصوح فإن الله يتوب عليه ويبدل سيئاته حسنات، إذا تاب وآمن وعمل عملًا صالحًا فكل ما جرى عليك من اعتناق الطرق والمذاهب الهدامة والزيغ والضلال فإنه يمحى برجوعك إلى الحق. وأما الفقرة الثانية في السؤال، وهي: أن هذا الذي عمله هل كان مكتوبًا عليه في الأزل، وبعلم من الله ﷿؟ فنقول: نعم، هو مكتوب عليه في الأزل، مكتوب عليه العمل السيئ السابق، ومكتوب له التوبة الأخيرة التي منّ الله بها عليه، وكل ذلك بعلم من الله ﷾، يقول الله ﷿: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) ويقول جل ذكره: (وَعِنْدَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُهَا إِلَّا هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا وَلا حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ وَلا رَطْبٍ وَلا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ) . فعلم الله ﷾ محيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، وهذا أمر متفق عليه بين علماء المسلمين والحمد لله، وهو إحدى مراتب الإيمان بالقضاء والقدر، فإن الإيمان بالقضاء والقدر مراتب أربع: الأولى: الإيمان بعلم الله المحيط بكل شيء جملة وتفصيلًا، بمعنى: أن تؤمن بأن الله تعالى عالم بكل شيء جملة وتفصيلًا ما كان وما لم يكن. والمرتبة الثانية: أن تؤمن بأن الله كتب في اللوح المحفوظ مقادير كل شيء إلى أن تقوم الساعة، فإن الله ﷾ يقول: (أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، (أول ما خلق الله القلم قال له: اكتب. قال وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . أما المرتبة الثالثة فهي: الإيمان بعموم مشيئة الله، فهي أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو واقع بمشيئة الله، لا يخرج عن مشيئته شيء لا من فعله ولا من فعل عباده، والنصوص في هذا كثيرة، ومنها قوله تعالى: (وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَكِنِ اخْتَلَفُوا فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ وَمِنْهُمْ مَنْ كَفَرَ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا اقْتَتَلُوا وَلَكِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ) . فبين الله ﷿ أن اقتتال هؤلاء المختلفين كان بمشيئته. وقال ﷾: (لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨) وَمَا تَشَاءُونَ إِلاَّ أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) . وأجمع المسلمون على هذه الكلمة العظيمة: ما شاء الله كان، وما لم يشأ لم يكن. فما في الكون شيء يحدث عدمًاَ أو وجودًا إلا وهو بمشيئة الله ﷾. أما المرتبة الرابعة فهي: الإيمان بعموم خلق الله، أي: أن تؤمن بأن كل ما في الكون فهو مخلوق لله ﷿ في أعيانه وفي أوصافه، كما قال الله تعالى: (وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا) . وقال تعالى: (اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ) . حتى العبد مخلوق لله تعالى بعينه وشخصه، وبأوصافه وقواه الظاهرة والباطنة، وبما ينشأ عن تلك القوى، فأفعال العبد مثلًا مخلوقة لله، باعتبار أن هذه الأفعال ناشيءة عن قدرة في العبد وإرادة، والقدرة والإرادة من صفات العبد، والعبد مخلوق لله، فأوصافه كذلك مخلوقة له أي لله. فكما أن الأوصاف الخَلْقية الظاهرة مخلوقة لله، فكذلك الأوصاف الخُلُقية والفكرية الباطنة مخلوقة لله كذلك. وهذه المراتب الأربع يؤمن بها أهل السنة والجماعة جميعها، فعلينا أن نؤمن بها ونصدق، لكن مع ذلك نعلم علم اليقين أن للإنسان إرادة وقدرة، فهو يريد الشيء فعلًا وتركًا أي: يريد أن يفعل فيفعل إذا كان له قدرة، ويريد أن يترك فيترك، ولكن خالق القدرة وخالق الإرادة هو الله ﷿، فهو يُنْسَبْ- أي: فعل العبد- إلى الله تعالى خلقًا وإرادة، وإلى العبد فعلًا وكسبًا، مع أنه داخل تحت إرادة العبد وقدرته، فلولا أن الله تعالى أقدر العبد على الفعل ما فعل؛ لعجزه عنه، ولولا أن الله خلق فيه الإرادة ما فعل؛ لعدم وجود الإرادة. ***
يقول السائل: هل الكفار مكتوب لهم من الأزل أنهم كفار؟ ولماذا يعذبون في المكتوب قديمًا إذا كان كل شيء يجري على ما سبق في الأزل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول: نعم الكفار كذلك مكتوب عملهم في الأزل، ويكتب كذلك عمل الإنسان عند تكوينه في بطن أمه، كما دل على ذلك الحديث الصحيح لابن مسعود قال: حدثنا رسول الله ﷺ وهو الصادق المصدوق: (إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يومًا نطفة، ثم يكون علقة مثل ذلك، ثم يكون مضغة مثل ذلك، ثم يرسل إليه الملك فيؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) .فأعمال الكفار مكتوبة عند الله ﷿، والشقي شقي عند الله ﷿ في الأزل، والسعيد سعيد عند الله في الأزل. ولكن يقول قائل- كما أورد هذا السائل-: كيف يعذبون وقد كتب الله عليهم ذلك في الأزل؟ فنقول: إنهم يعذبون لأنهم قد قامت عليهم الحجة، وبين لهم الطريق: فأرسلت الرسل، وأنزلت الكتب، وبين الهدى من الضلال، ورغبوا في سلوك طريق الهدى، وحذروا من سلوك طريق الضلال، ولهم عقول ولهم إرادات ولهم اختيارات. ولهذا نجد هؤلاء الكفار وغيرهم أيضًا يسعون إلى مصالح الدنيا بإرادة واختيار، ولا تجد أحدًا منهم يسعى إلى شيء يضره في دنياه ويقول: إن هذا مكتوب عليّ، أبدًا، كل يسعى إلى ما فيه المنفعة، فكان عليهم أن يسعوا أيضًا لما فيه منفعتهم في أمور دينهم، كما يسعون لما فيه المنفعة في أمور دنياهم، ولا فرق بينهما، بل إن بيان الخير والشر في أمور الدين في الكتب المنزلة على الرسل عليهم الصلاة والسلام أكثر وأعظم من بيان الأمور الضارة في أمور الدنيا، فكان عليهم أن يسلكوا الطرق التي فيها نجاتهم والتي فيها سعادتهم، دون أن يسلكوا الطرق التي فيها هلاكهم وشقاؤهم. نقول: إن هذا الكافر حين أقدم على الكفر لا يشعر أن أحدًاَ أكرهه، وإنه فعل ذلك بإرادته واختياره، فهل كان حين إقدامه على هذا الكفر هل كان عالمًا بما كتب الله له؟ والجواب: لا، لأنا نحن لا نعلم بأن الشيء قد كتب إلا بعد أن يقع، أما قبل أن يقع فإننا لا نعلم ماذا كتب؛ لأنه من علم الغيب. فنقول لهذا الكافر: لماذا لم تقدر أن الله ﷾ كتب لك السعادة وتؤمن؟ فأنت الآن قبل أن تقع في الكفر أمامك شيئان: هداية وضلال، فلماذا لا تسلك طريق الهداية مقدرًا أن الله تعالى كتبه لك؟ لماذا تسلك طريق الضلال ثم بعد أن تسلكه تحتج بأن الله تعالى كتبه؟ نقول لك: قبل أن تدخل في هذا الطريق هل عندك علم أنه مكتوب عليك؟ سيقول: لا، ولا يمكن أن يقول: نعم، فإذا قال: لا، قلنا: إذًا لماذا لم تسلك طريق الهداية وتقدر أن الله تعالى كتب لك ذلك؟ ولهذا يقول الله ﷿: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)، ويقول ﷿: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي ﵊ أصحابه بأنه (ما من أحدٍ إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار. قالوا: يا رسول الله، أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ قال: لا، اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم قرأ قوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . هذا جوابنا على هذا السؤال الذي أورده هذا السائل، وما أكثر من يحتج به من أهل الضلال، وهو عجب منهم؛ لأنهم لا يحتجون بمثل هذه الحجة على مسائل الدنيا أبدًا، بل تجدهم يسوقون في مسائل الدنيا ما هو أنفع لهم، ولا يمكن لأحد أن يقال له: هذا الطريق الذي أمامك طريق وعر صعب فيه لصوص وفيه سباع، وهذا الطريق الثاني طريق سهل آمن لا يمكن لأحد أن يسلك الطريق الأول ويدع الطريق الثاني، مع أن هذا نظير الطريقين: طريق النار وطريق الجنة، فالرسول بين طريق الجنة وقال: هو هذا، وبين طريق النار وقال: هو هذا، وحذر من الثاني ورغب في الأول، ومع ذلك فإن هؤلاء العصاة يحتجون بقضاء الله وقدره- وهم لا يعلمونه- على معاصيهم. ***
عوض عبد الوهاب يقول: هل الرزق والزواج مكتوب في اللوح المحفوظ؟ وهل مكتوب مثلًا أتزوج فلانة بعينها مسبقًا؟ وهل الرزق محدد مهما كد الشخص وتعب؟ وما الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كل شيء يجري منذ أن خلق الله القلم إلى يوم القيامة فإنه مكتوب، مكتوب في اللوح المحفوظ؛ لأن الله ﷾ (أول ما خلق القلم قال له: اكتب. قال ربي وماذا أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائن. فجرى في تلك الساعة بما هو كائن إلى يوم القيامة) . وثبت عن النبي ﷺ أن الجنين في بطن أمه إذا مضى أربعة أشهر بعث الله إليه ملكًا ينفخ فيه الروح، ويكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد. والرزق أيضًا مكتوب لا يزيد ولا ينقص، ولكن الله ﷾ قد جعل له أسبابًاَ يزيد بها وينقص، فمن الأسباب: أن يعمل الإنسان بطلب الرزق، كما قال تعالى: (هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ ذَلُولًا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِنْ رِزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ) . ومن الأسباب أيضًا صلة الرحم من بر الوالدين وصلة القرابات، فإن النبي ﷺ قال: (من أحب أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه) . ومن الأسباب تقوى الله ﷿، كما قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ولا تقل: إن الرزق مكتوب ومحدود ولن أفعل الأسباب التي توصل إليه، فإن هذا من العجز، والكياسة والحزم أن تسعى لرزقك، ولما ينفعك في دينك ودنياك. قال النبي ﵊: (الكيِّس من دان نفسه وعمل لما بعد الموت، والعاجز من أتبع نفسه هواها وتمنى على الله الأماني) . ***
يقول السائل: إذا كان قضاء الله وقدره سابقًا على الإنسان بالسعادة أو الشقاوة فما حكم تركه الأخذ بالأسباب والعمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم ترك الأسباب والعمل سفه؛ لأن الله ﷾ يقدر الأشياء بأسبابها، فلحكمته جل وعلا صار لكل شيء سببٌ كل شيء يكون فإنه لابد له من سبب، إما معلوم لنا وإما مجهول لنا. وقد بين الله لنا أسباب السعادة وأسباب الشقاوة، وأمرنا بأن نعمل في أسباب السعادة، فقال جل وعلا: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولما أخبر النبي ﵊ أصحابه أنه ما من أحد إلا وقد كتب مقعده من الجنة ومقعده من النار، قالوا: أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب؟ فقال: (اعملوا فكل ميسر له لما خلق له) . ثم قرأ هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى. وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى. وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى. وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى. فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . فهذا ما دل عليه الشرع: أنه لابد من الأخذ بالأسباب، وكذلك دل عليه العقل: فإن الإنسان لو قال: أنا لا أتزوج، ولكن إن كان الله قد كتب لي أولادًا فسيأتون، لعدَّه الناس من أسفه السفهاء. وكذلك لو قال: أنا لن أسعى لطلب الرزق، ولو قدر الله ﷾ لي أن أشبع وأن أروى فسأشبع وأروى، لعد ذلك من أسفه السفه. فلابد من فعل الأسباب، ولا يتم التوكل ولا الاعتماد إلا بامتثال أمر الله ﷿ بفعل الأسباب النافعة التي تؤدي إلى المقصود. ***
هذه الرسالة وردتنا من المستمع، يقول الباحث عن الحقيقة من الجمهورية العراقية مدينة كركوك يقول في رسالته: هناك نوعان من الحياة: الحياة السعيدة، ولا أقصد السعادة بالمال والجاه، وإنما أقصد تلك السعادة التي تأتي من النفس، أي أن يكون الإنسان مرتاحًا من الناحية النفسية. ثانيا: ً الحياة الذليلة، وأقصد به الذل النفسي، أي أن يكون الإنسان ذليلًا من الناحية النفسية. والسؤال: لماذا يخلق الإنسان ذليلًا في أمة الإسلام، حيث قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ)، وذكر عدة آيات منها قوله تعالى: (وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) وعدة آيات يقول: هل نستطيع أن نعتبر أن الذين خلقهم الله أذلاء من الناحية النفسية لم تشملهم هذه الرحمة الواسعة، ولا تزال قلوبهم ونفوسهم تعيش في الظلمات ولم تر النور، ونعتبر هذا ظلمًا لهم من الله ﷾؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال الذي سأل عنه الأخ يتعلق بمسألة عظيمة وهي مسألة القضاء والقدر التي ينقسم الناس فيها إلى قسمين: منهم من وفق للاستقامة، ومنهم من وفق للضلالة. وهذا هو محط الإشكال عند كثير من الناس: كيف يكون هذا ضالًا وكيف يكون هذا مهتديًا؟ ولكننا ننبه على نقطة مهمة في هذا الباب، وهي: أن من كان ضالًا فإن سبب ضلاله هو نفسه؛ لقول الله تعالى: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ)، ولقوله تعالى: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧) وَأَمَّا مَنْ بَخِلَ وَاسْتَغْنَى (٨) وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى (٩) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى) . ولقول النبي ﷺ حين حدث أصحابه: (مامن أحد إلاوقد كتب مقعده من الجنة والنار. فقالوا: أفلا نتكل يا رسول الله على الكتاب ونترك العمل؟ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له) . ثم تلا هذه الآية: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وعلى هذا فنقول: هؤلاء الذين وصفهم السائل بأنهم أذلاء إنما أذلتهم المعصية ولم يكتب لهم الهدى بسبب أنهم هم الذين تسببوا للضلالة، حيث لم تكن إرادتهم صادقة في طلب الحق والوصول إليه وفي العمل به بعد وضوحه وبيانه، ولو أنهم كانوا أحسنوا النية وصدقوا العزيمة لوفقوا للحق؛ لأن الحق بين ميسر: (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . فالذي أنصح به هذا الأخ ومن على شاكلته وممن أشكل عليهم هذا الأمر أن يرجعوا إلى أنفسهم أولًا ويحسنوا نيتهم ويصححوا عزيمتهم، حتى تكون النية سليمة والعزيمة صادقة في طلب الحق، وحينئذ فأنا ضامن أن يوفقوا له؛ لأن الله ﷾ هو الذي وعد بذلك: (فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) . وتأمل أن الآية جاءت بالسين الدالة على قرب مدخولها وعلى تحقق مدخولها أيضًا، لأن السين كما هو معلوم تدل على هذين المعنيين: قرب مدخولها وتحققه ولكن البلاء من أنفسنا. وأتلو الآن أيضًا قول الله ﵎: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ)، فإن هذا النسيان يشمل الذهول الذي هو ذهول القلب عن المعلوم، النسيان هو: ذهول القلب عن المعلوم، وكذلك النسيان الذي بمعنى الترك، فهم تسلب علومهم ولا يوفقون إلى العمل الصالح بسبب نقض الميثاق. فضيلة الشيخ: لكن هؤلاء أذلتهم المعصية، وأيضًا ذكرتم الآية الأخيرة والتي نزلت فيما أعتقد في بني يهود الذين قال الله تعالى فيهم: (فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ) نجد الآن من الذين ينتسبون إلى الأمة الإسلامية أذل من الذين جاهروا بالكفر وانتهجوا هذا المنهج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم صحيح مثل هذا، وذلك أن الحق عليهم في الاستقامة أوكد من الحق على أولئك، ومعلوم أن من تدنس بالأرجاس وهو من أهل الولاية أشد ممن تدنس بها وليس من أهل الولاية، فإن حق الله على المسلمين أعظم من حقه على أولئك الكافرين، ولهذا يلزمون بشرائع الإسلام، فإنه إذا تمرد كان أشد وأعظم، ولهذا إذا تمت النعمة على العبد صارت مخالفته أشد وأعظم. ومن ذلك ما ورد عن النبي ﷺ في الثلاثة الذين لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم ومنهم: الأشيمط الزاني؛ لأنه لا داعي له للزنى، وهو إلى الاتعاظ والبعد عن هذا أولى، فلذلك عظم إثمه. فهؤلاء الأذلة من المسلمين لأنهم يجب عليهم من حق الله ﷾ والاستقامة أكثر مما يجب على أولئك، ولهذا كانت مخالفتهم أعظم من مخالفة أولئك، وكان الذل إليهم أقرب. وقد مثل بعض العلماء شبيه هذه المسألة بحاشية الملك والبعيدين عنه، فقال: إن مخالفة حاشية الملك للملك أشد وأعظم وقعًا من مخالفة الأباعد، هكذا المسلمون: مخالفاتهم تكون أعظم من غيرهم، فلذلك كان جزاؤهم أشد من غيرهم. ***
يقول السائل: هل الإصابة بالعين حقيقة؟ نرجو توضيح ذلك، وكيف نعالج هذه الإصابة بالآيات القرآنية؟ وما هذه الآيات؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين حقيقة دل عليها القرآن والسنة: أما القرآن فإنه قد ذهب بعض المفسرين إلى أن معنى قول الله تعالى: (وَإِنْ يَكَادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصَارِهِمْ لَمَّا سَمِعُوا الذِّكْرَ) أن المراد بها العين، وكذلك أيضًا قول الله تعالى: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ) ذهب كثير من أهل العلم أن المراد بها العين. وأما السنة فقد ثبت ذلك عن النبي ﷺ حينما قال: (العين حق، ولو سبق القدر شيء لسبقته العين) . فهذا نص صريح، ثم إن الواقع يشهد لذلك أيضًا، ولا حاجة إلى سرد الوقائع المعلومة لنا في هذا المقام، لكنها معلومة عند جميع الناس. وخير وقاية منها نوعان: أحدهما وقاية دافعة، والثاني وقاية رافعة. أما الوقاية الدافعة فهو: أن الإنسان يستعمل الأوراد الواقية من العين وغيرها، مثل آية الكرسي، حيث قال الرسول ﵊ فيها: (من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل ألا يظهر لمن اتُهم بالعين بمظهر يُخشى منه أن يثير هذا العائن. وأما الأسباب الرافعة فمنها: أن يؤمر العائن بالاغتسال، ويؤخذ ما تناثر من الأعضاء، أو بالوضوء ويؤخذ ما تناثر من أعضائه، فيُصب على رأس المصاب وعلى ظهره، ويشرب منه، وحينئذ تزول العين بإذن الله ﵎. فضيلة الشيخ: هو يسأل عن آيات قرآنية، هل هناك آيات قرآنية خاصة يرقى بها من أصابته العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف في هذا شيئًا، ولكن كما قلت: آية الكرسي واقية، نعم وينبغي قبل أن نختم الجواب ينبغي لمن عرف من نفسه أنه عائن ينبغي أن يكثر التبريك إذا رأى ما يسره، فيقول إذا رأى ما يسره: تبارك الله ما شاء الله، وما أشبه هذا؛ لأن ذلك من أسباب الوقاية. ***
العين حق فكيف يتقي الإنسان من العين يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العين حق ولا شك فيها، ولكن للعين أشياء تقي منها دافعة ورافعة. أما الأشياء الدافعة: فأن يكثر الإنسان من الأوراد التي جاءت بها السنة، مثل قراءة آية الكرسي، والآيتين من آخر سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس. ومنها: إذا رأى أحدًا يخاف عينه يقول: اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك من شرورهم. ومنها: إذا كان الإنسان من الذين يؤذون الناس بعينهم، أي: إذا كان عائنًا، فإنه إذا رأى ما يعجبه يبرك عليه فيقول: تبارك الله عليك، وما أشبه ذلك. أما معالجة العين بعد وقوعها- وهو دفعها- فله أسباب، منها: القراءة على الشخص المصاب بالعين، ومنها: أن يؤمر العائن بأن يتوضأ، ويؤخذ مما يتناثر من وضوئه، فيصب على المصاب، ويشرب منه، فإن هذا من أسباب ارتفاع أثر العين عن المصاب. ***
يقول السائل: ما العلاج الشرعي للمصاب بالعين؟ وبعض الناس يكون عنده وسواس ويخشى الإصابة بالعين، ودائمًا يطلب من الناس أن يذكروا الله، فهل عمله هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إنه من الواضح جدًا في عهدنا القريب أن الناس كثر فيهم الأوهام والوساوس، فإذا أصيبوا بشيءٍ عادي قالوا: هذا جن، أو: هذه عين، أو: هذا سحر. ونحن لا ننكر أن الجن قد يسلط على الإنسي ويتلبس به، ولا ننكر أن الإنسان قد يصاب بالعين، ولا ننكر أن الإنسان يسحر. ولكننا نريد أن لا يكون هذا وهمًا بين الناس، فإذا قدر أن أحدًا أصيب بذلك- نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين العافية- فإنه يبحث عن العلاج، علاج السحر نقضه، علاج السحر أن ينقض: بأن يعثر عليه ثم يتلف. علاج العين أن يطلب من العائن أن يغتسل، ويؤخذ الماء الذي يتناثر من غسله ويعطى المريض شربًا ورشًا على بدنه، وهذا من العلاج. علاج الجن قراءة الآيات التي يطرد بها الجن، مثل آية الكرسي، قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، ومثل بعض آيات سورة الجن، مع الاستعانة بالله ﷿، والتوكل عليه، والاعتماد عليه، والاعتقاد أن كلامه جل وعلا شفاء لما في الصدور. نسأل الله لنا ولإخواننا السلامة من شر أنفسنا ومن شر ما خلق. ***
يقول السائل: هل هناك رقية شرعية تعمل لمن أصيب بالعين؟ وهل يجوز التداوي من العين بطرق أخرى يعملها بعض الناس وهم يزعمون بأنها تشفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإصابة بالعين دواؤها أن يؤمر العائن بأن يغتسل، وما تناقط من الماء الذي اغتسل به يستشفي به المصاب، أو يتوضأ ويغسل مغابنه، وما تناثر منه يؤخذ إلى المصاب بالعين ويستشفي به. هذا المعروف، فإذا فعله الإنسان فإنه بإذن الله يبرأ من إصابة العين. ***
ما هو العلاج الشرعي لمن أصيب بالعين يا فضيلة الشيخ؟ أفيدونا بهذا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي كثرة القراءة على المصاب، قراءة القرآن والآيات التي فيها ذكر الشفاء بالقرآن، فيقرأ مثلًا الفاتحة وآية الكرسي، (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، ويقرأ مثل قوله تعالى: (وَنُنَزِّلُ مِنْ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ)، إلى غير ذلك من الأدعية المناسبة. هذا إذا كان لا يعرف الذي أصابه بالعين، أما إذا كان يعرفه فليفعل ما أمر به النبي صلى الله عليه العائن: أن يغتسل أو يتوضأ، ويؤخذ الماء الذي يتناثر منه، ويسقى المريض، أو يصب على رأسه وعلى ظهره حتى يشفى. وقد كان بعض الناس يتهم بأنه أصاب أخاه بالعين إما لكلمةٍ قالها أو قرينةٍ تدل على ذلك، فيأتي إليه المصاب أو أهله يطلبون منه أن يستغسل بالوضوء أو بالغسل، فينفر منهم ويسبهم ويشتمهم ويأبى أن يطيع، وهذا خطأ؛ لأنه ربما يكون الأمر واقعًا، فإن كان واقعًا حصل دفع الأذية التي حصلت منه بفعله بنفسه، وإن لم يكن واقعًا فإنه لا يضره؛ لأنه إذا لم يشف المريض بذلك علم أنه لم يصبه بالعين، وإذا شفي بذلك علم أنه أصابه وسلم من أذية أخيه ومن العقوبة التي تترتب على ذلك إذا كان هو الذي أصابه، وهذا لا يضره. لكن بعض الناس- والعياذ بالله- تأخذه العزة بالإثم ويأبى يقول: أنا عائن؟! أنا نحوت؟! كما باللغة العامية وما أشبه ذلك، وهذا خطأ، انفع أخاك: إن كانت العين منك فتكون قد تخلصت منها وشفى الله صاحبك، وإن لم تكن منك فإنه لا يضرك، يعني: إذا لم تكن منك لم ينفعه ما أخذ منك، وحينئذٍ يعرف أنك بريء من العين. ***
يقول السائل: ما صحة الحديث (العين حق)؟ وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين؟ وكيف تصيب العين الإنسان؟ وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم؟ مشكورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحديث صحيح، والعين حق، والواقع يشهد بذلك، والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله، فهو- أي: العائن- شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله، فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله ﷿. والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن: أن يبرك على من رآه متنعمًا الله فيقول: اللهم بارك على فلان، وما أشبهها من الكلمات التي تطمئن نفسه، وتكبت ما فيها من حسد. وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك: أن يكثر من قراءة الأوراد صباحًا ومساء، كآية الكرسي، وسورة الإخلاص، وسورة قل أعوذ برب الفلق، قل أعوذ برب الناس، وغيرها مما جاءت به السنة. هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة، أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء، يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين، أو يحثو منه، فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله. فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل، ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب، أو يحثو منه، أو يجمع بين الأمرين، وبذلك يزول أثر العين. فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد؛ لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره، والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها. ***
يقول السائل: ما هو السر في قول: ما شاء الله تبارك الله عند رؤية ما يعجبك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السر في ذلك ألا يقع من هذا المشاهد عين تصيب المشهود؛ لأن النفوس قد يقع منها ما لا يجوز، فإذا رأى الإنسان ما يعجبه وخاف من حسد العين فإنه يقول: ما شاء الله تبارك الله، حتى لا يصاب المشهود بالعين، وكذلك إذا رأى الإنسان ما يعجبه في ماله فليقل: ما شاء الله لا قوة إلا بالله؛ لِئَلاَّ يعجب بنفسه وتزهو به نفسه في هذا المال الذي أعجبه، فإذا قال: ما شاء الله لا قوة إلا بالله، فقد وكل الأمر إلى أهله ﵎. ***
الكفر والتكفير
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام سواء كانت قولية أوعملية أواعتقادية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نواقض الإسلام: كل ما خالف الإسلام فهو مناقض له، لكن المناقضة تنقسم إلى قسمين: مناقضة جزئية، ومناقضة كلية. فما أطلق الشارع عليه الكفر نظرنا: إن كان هذا يناقض الإسلام مناقضة كلية حسب القرائن المقترنة بهذا الإطلاق فهو كفر أكبر مخرج عن الملة، وإن كان يناقض الإسلام في هذه المسألة الجزئية فليس مناقضًا على وجه الإطلاق. فقول الرسول ﵊: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) إذا نظرنا إلى قوله: (قتاله كفر) فيقول قائل: من قاتل المسلم فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، لكننا عند التأمل نجد أن الرسول ﵊ قال: (قتاله كفر) أي: إن القتال من الكفر، وليس هو الكفر الأكبر، ويؤيد هذا قوله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٩) إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) فجعل الله الطوائف الثلاث كلها إخوة: المقاتلة الباغية، والأخرى المدافعة، وكذلك المصلحة: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) . فيكون هذا الناقض ليس ناقضًا بالكلية، بل في الإنسان خصلة من خصال الكفر، وليس هو الكفر المطلق. وإذا نظرنا إلى قول النبي ﷺ: (بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة)، وقوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، علمنا بأن الكفر هنا الكفر الأكبر المناقض للإسلام مناقضة كلية، وذلك لوجود: بين الرجل وبين الشرك والكفر، والبينية تقتضي أن يكون كل طرف منفصلًا بائنًا عن الطرف الآخر، لا يجتمع معه في شيء؛ لوجود الحد الفاصل الذي دلت عليه البينية: بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة. وكذلك قوله: (العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة، فمن تركها فقد كفر)، يعني: العهد الذي بين المسلمين والكفار هو الصلاة، فمن صلى فهو مؤمن، ومن لم يصل فهو كافر، والبينية تقتضي الانفصال التام. فالحاصل: أن نواقض الإسلام تنقسم إلى قسمين: نواقض كبرى، وهي التي يخرج بها الإنسان من الإسلام، والنواقض الصغرى، وهي التي لا تخرجه من الإسلام، ولكنها تكون خصلة من خصال الكفر. ***
يقول السائل: أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الأمور التي تخرج من الملة، سواء كانت هذه أقوالًا أو أعمالًا أو اعتقادًا، بحيث أعبد الله على بصيرة. كما أرجو من فضيلتكم أن تذكروا لي بعض الكتب المتخصصة بأمور التوحيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن نحصر الأشياء التي تخرج من الملة؛ لأنها كثيرة الأفراد، لكن يمكن أن نذكر قاعدة، وهي: أن الذي يخرج من الملة هو يدور على أمرين: إما الإنكار، وإما الاستكبار. يعني: إما أن ينكر الإنسان شيئًا أخبر الله به ورسوله فيكذبه، أو ينكر حكمًا من أحكام الشريعة الظاهرة التي أجمع المسلمون عليها. أو الاستكبار، وهو: أن يقر بذلك لكن لا يعبد الله. فتارك الصلاة مثلًا كافر مع أنه يؤمن بالله ويؤمن بالشريعة ولا يكذب بها، ولكنه استكبر فلم يصل، ولا يلزم أن يكون تارك الصلاة يقول: إنه مستكبر، ليس بلازم، بل إذا تركها متهاونًا بلا عذر، ولا جهل منه إذا كان بعيدًا عن المدن الإسلامية فإنه في الحقيقة مستكبر. فجميع أنواع الردة تعود إلى هذا: إلى الإنكار أو الاستكبار، لكن التفاصيل كثيرة جدًا، ويمكن أن ترجع إلى ما ذكره الفقهاء ﵏ في باب أحكام المرتد. أما أحسن كتاب في التوحيد: فمن أحسن الكتب كتاب التوحيد لشيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب ﵀، كتاب جامع بين الدلائل والمسائل. ومن أحسن الكتب في العقيدة: العقيدة الواسطية لشيخ الإسلام ابن تيمية، ثم إذا ترقى الإنسان شيئًا فالعقيدة التدمرية، ثم إذا ترقى الإنسان أكثر فالكتب المطولة، مثل مختصر الصواعق المرسلة الذي أصله لابن القيم ﵀ وغير ذلك. والمرجع الأصل والأول هو كتاب الله ﷿، وما صح عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل: ما هي نواقض الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة لسؤاله عن نواقض الإسلام فنواقض الإسلام بمعناها الإجمالي: كل ما أوجب الردة فهو ناقضٌ للإسلام، يعني: كل شيء من قولٍ أو فعل أو عقيدة يكون به الإنسان مرتدًا فهو ناقضٌ للإسلام، وهو لا يحصر في الواقع، يعني: أفراده لا تحصر لا بعشرة ولا بعشرين ولا بأكثر، لكن الضابط: أن كل ما كان مقتضيًا للردة فهو من نواقض الإسلام. فمثلًا: كفر الجحود أن يجحد ما يجب الإيمان به، مثل أن يجحد- والعياذ بالله- وجود الله، أو الملائكة، أو الرسل، أو الكتب، أو اليوم الآخر، أو القدر خيره وشره، فقد أتى ناقضًا من نواقض الإسلام. لو جحد وجوب الصلاة، أو وجوب الزكاة، أو وجوب الصيام، أو وجوب الحج، أو أنكر تحريم الزنى، أو تحريم الخمر، أو ما أشبه ذلك من المحرمات الظاهرة المجمع عليها، فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام. كذلك من نواقض الإسلام الاستهزاء: لو استهزأ بالله أو آياته أو رسوله فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، قال الله تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . كذلك لو استكبر عما يكون الاستكبار عنه ردة، كما لو ترك الصلاة وصار لا يصلى لا في بيته ولا مع الجماعة فهذا ناقضٌ من نواقض الإسلام، كذلك لو اعتقد في الله ما لا يليق بالله فهو مرتد. والحاصل: أن نواقض الإسلام لا تحصر بعدد، وإنما تذكر بحد، وهو: كل ما أوجب الردة- أي: كل ما كان ردة- فهو ناقضٌ من نواقض الإسلام، سواءٌ كان ذلك في العقيدة أو في القول أو الفعل. ***
عبد الرؤوف عبد الله من المدينة المنورة يقول: ما هي الأشياء التي تحبط العمل؟ وهل تحبط جميع الأعمال منذ التكليف؟ نرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: محبطات الأعمال تنقسم إلى قسمين: قسمٌ عام، وقسمٌ خاص يبطل كل عملٍ بعينه. فأما القسم العام المبطل لجميع الأعمال فهو الردة، فإذا ارتد الإنسان- والعياذ بالله- عن دين الله ومات على الكفر يحبط جميع عمله؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . أما إذا ارتد ثم منَّ الله عليه فرجع إلى الإسلام فإن عمله لا يحبط، ولهذا يسأل كثيرٌ من الناس يقول عن نفسه: إنه حج الفريضة، وهو يصلى كما يصلى الناس، وقائمٌ بشعائر الإسلام، ثم أتاه وقت ارتد فيه عن الإسلام فترك الصلاة، ثم منَّ الله عليه برجوعه إلى الإسلام فأقام الصلاة وقام بشعائر الإسلام، فيسأل: هل بطل حجه الذي كان قبل ردته فوجب عليه أن يعيده أم لا؟ فنقول: لا، لم يبطل حجك، وليس عليك إعادته؛ لأن الله تعالى اشترط لحبوط العمل بالردة أن يموت الإنسان على الردة، هذا المبطل العام الذي يبطل جميع العبادات. أما المبطلات الخاصة فهي تختص في كل عملٍ بحسبه: فالوضوء مثلًا يبطله الحدث، والصلاة يبطلها ما تبطل به كالضحك والكلام وشبهه، والصدقة يبطلها المن والأذى، والصوم يبطله الأكل والشرب، والحج يفسده الجماع قبل التحلل الأول. فالمهم: أن محبط الأعمال الخاص كثيرٌ لا حصر له، ويختلف باختلاف العبادات التي أبطلها. ***
هل ينطبق على هذا المرتد بعد توبته قول الله تعالى: (وَالَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ ثُمَّ تَابُوا مِنْ بَعْدِهَا وَآمَنُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِهَا لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)، (فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَإِخْوَانُكُمْ فِي الدِّينِ وَنُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، وقوله: (خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ. أَلَمْ يَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ هُوَ يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَأْخُذُ الصَّدَقَاتِ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) إلى آخر الآيات التي تتحدث عن التوبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، نعم ينطبق عليه ذلك، فإذا تاب ورجع إلى الله ﷿ فإنه يكون مؤمنًا ومع المؤمنين؛ لقوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . ***
هل الكافر تنطبق عليه نفس أحكام التشريع الإسلامي من حيث المعاملات؟ وأقصد المرتد بترك الصلاة وسب الدين، أم أنه يعاد أولًا إلى الطريق المستقيم حتى يخضع كيانه لتشريعه السامي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرتد ليس كالكافر الأصلى، ولا يعامل معاملة الكافر الأصلى، بل هو أشد منه؛ لقول النبي ﵊: (من بدل دينه فاقتلوه) . فالمرتد بأي نوع من أنواع الردة لا يعامل كما يعامل الكافر الأصلى، بل إنه يلزم بالرجوع إلى الإسلام، فإن أسلم فذاك، وإن لم يسلم فإنه يقتل كفرًا، ولا يدفن مع المسلمين ولا يصلى عليه. وعلى هذا فنقول: إن هذا المرتد لا يمكن أن يعيش، بل إنه إما أن يعيش مسلمًا، وإما أن يقتل. ***
ماذا تعني كلمة الإلحاد؟ وهل هناك فرق بين الملحد والكافر الذي كان مسلمًا أو هو كافر بأصله كاليهودي والنصراني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الإلحاد لها معنى لغوي ولها معنى عرفي، أما معناها اللغوي فهو الميل عن طاعة الله ﷾ بمعصيته، إما بترك الواجب وإما بفعل محرم؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) . وعلى هذا فكل عاصٍ لله ﷾ يكون ملحدًا، ولكن الإلحاد ينقسم إلى قسمين: قسم مخرج عن الملة، وهو: ما أوجب الكفر، وقسم لا يخرج من الملة، وهو: ما أوجب الفسوق. وأما المعنى العرفي، فالمعنى العرفي أن الإلحاد هو: إنكار الألوهية، يعني: إنكار وجود الله- والعياذ بالله- أو ارتداد المسلم. هذا هو الذي أعرفه من معنى الإلحاد في العرف، وعلى هذا فاليهود والنصارى في العرف لا يعتبرون ملحدين، ولكن هذا العرف ليس بصحيح؛ لأن العرف إذا خالف الشرع وجب إلغاؤه وطرحه. والصواب: أن كل من خالف الإسلام ولم يكن مسلمًا فهو ملحد، سواء انتسب إلى دين أم لم ينتسب، وسواء أقر بوجود الخالق أم لم يقر به، فكل من كان كافرًا كفرًا أصلىًا أو كان مرتدًا فإنه يكون ملحدًا؛ لأنه- والعياذ بالله- الكفر وإن كان دركات بعضها أسفل من بعض، لكنه كله ملة واحدة باعتبار أنه خروج عن الإسلام. ***
ما معنى الإلحاد؟ وكيف يكون الشخص ملحدًا في أسماء الله وصفاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإلحاد في اللغة هو الميل، ومنه سمي الحفر في طرف القبر لحدًا لأنه مائل إلى جهة منه. أما في الاصطلاح فهو: الميل عن ما يجب اعتقاده أو عمله. وهذا تعريف عام: كل من مال عن ما يجب اعتقاده وعمله فهو ملحد، لكن الإلحاد نوعان: إلحاد أكبر وإلحاد أصغر. فالإلحاد التام الذي هو الميل عن الإسلام كله إلحاد أكبر مخرج عن الملة، كإلحاد الشيوعيين والمشركين ومن ضاهاهم، وإلحاد أصغر لا يخرج من الملة، كالإلحاد في بعض الأعمال، كقوله تعالى: (وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ) أي بمعصية صغرى، والكبرى أشد وأعظم. أما الإلحاد في أسماء الله وصفاته فإنه ينقسم إلى أقسام: القسم الأول: أن ينكرها إنكارًا كليًّا؟، فينكر الأسماء والصفات، ويدعي أن هذه الأسماء والصفات للمخلوقات وليست للخالق، كما يفعله غلاة المعطلة من القرامطة والباطنية ونحوهم. الثاني: إلحاد في الأسماء فقط، بأن يثبتها لله ﷿ لكن ينفي ما دلت عليه من الصفات، مثل أن يقول: إن الله سميع ولا سمع له، بصير ولا بصر له، عليم ولا علم له، وما أشبه ذلك فهذا أثبت الأسماء ولكن لم يثبت ما دلت عليه من الصفات. ومن الإلحاد في الأسماء أن يثبت الأسماء لكن يجعلها دالة على التمثيل، فيقول: إن لله تعالى أسماء يثبت ما دلت عليه من الصفات على وجه المماثلة، ويقول: إن لله تعالى علمًا لكن علمه مماثل لعلم المخلوق. وكذلك من يمثل في الصفات وهو ملحد فيها، كالذي يقول: إن لله تعالى وجهًا لكنه مماثل لأوجه المخلوقين وما أشبه ذلك، فالتمثيل في الأسماء والصفات هذا من الإلحاد. ومن الإلحاد أيضًا أن نسمي الله بما لم يسمِّ به نفسه، فيسميه الصانع والساخر وما أشبه ذلك، فيثبت لله تعالى أسماء من عنده فإن هذا إلحاد، وذلك لأن الواجب في أسماء الله أن يقتصر فيها على ما ورد. ومن الإلحاد أن يثبت لله تعالى بعض الصفات دون بعض، بأن يثبت لله تعالى من الصفات ما يزعم أن العقل دل عليها، وينفي من الصفات ما يزعم أن العقل لا يدل عليها، فإنّ هذا من الإلحاد والتعطيل، والإيمان ببعض الكتاب دون بعض. من الناس من يؤمن بأن الله تعالى حي عليم قادر سميع بصير مريد متكلم لكنه لا يثبت بقية الصفات، فلا يثبت أنه حكيم، ولا يثبت أنه رحيم، ويقول: إن الله تعالى يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد بدون حكمة، ويقول أيضًا: إن الله تعالى ليس له رحمة، لكن رحمته هي إحسانه إلى الخلق أو إرادة إحسانه إليهم، وما أشبه ذلك، هذا نوع من الإلحاد في أسماء الله وصفاته. ومن الإلحاد في أسماء الله أن يسمي بها الأصنام ويشتق للأصنام أسماء من أسماء الله، كقولهم: اللات والعزى، أخذوا الأول من الله وهو اسم من أسماء الله جل وعلا، وأخذوا الثاني من العزيز وهو اسم من أسماء الله تعالى. ***
إبراهيم أبو حامد يقول: ما حكم من كذب بالبعث بعد الموت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كافر، إذا كذب إنسان بالبعث بعد الموت فإنه كافر خارج عن الإسلام؛ لقول الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ)، ولأن المكذب بالبعث مكذب لله ورسوله وإجماع المسلمين، ورجل هذا شأنه لا شك في كفره، فإذا رأينا أحدًا يكذب بالبعث فالواجب علينا نصيحته بقدر الإمكان، إن من قال هذا فلا شك في كفره وارتداده، وينصح، فإن لم يتب وجب رفعه إلى الجهات المسؤولة، والجهات المسؤولة تنفذ فيه أحكام الردة، حتى لو سولت له نفسه أنه يتدين بدين مقبول فإنه خاسر. هذا كلام ربنا الخالق المنزل للشرائع؛ لأن الله تعالى أخذ العهد والميثاق على النبيين عمومًا أن يؤمنوا بمحمد ﵊، كما قال ﷿: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي) يعني عهدي (قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ)، فاستشهد بعضهم على بعض وشهد جلَّ وعلا بأنه إذا جاءهم رسول مصدق لما معهم آمنوا به ونصروه، ومن الرسول المصدق لما معهم؟ هو محمد ﵊، فإذا كان هذا مأخوذًا على رسلهم فإنهم إن كانوا مؤمنين برسلهم حقًا أخذوا به تبعًا لرسلهم، وها هو عيسى ﵊ آخر أنبياء بني إسرائيل وليس بينه وبين محمد رسول قال لبني إسرائيل: (إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ) هذا الرسول السابق (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي) الرسول اللاحق (اسْمُهُ أَحْمَدُ) والتبشير بالرسول يعني يجب اتباعه لأنه لو لم يجب اتباعه؛ لم يكن في بشارته به فائدة (وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ) أي هذا الرسول المبشر به لما جاءهم (بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . ولقد شهد علماء اليهود والنصارى على أن محمدًا رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الذي بشرت به الأنبياء وهو (الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . النجاشي لما ذكروا له قصة الوحي ورآهم يفعلون تلك الأفعال آمن وشهد بأن الرسول حق، وهو من أئمة النصارى. عبد الله بن سلام ﵁ من أحبار اليهود شهد للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه رسول الله حقًا، لكن أهل الكتاب كما قال الله عنهم: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقّ) . فالخلاصة: أنني أنصح وأحذر إخواني المسلمين من هذا الرأي القبيح المنكر وهو ما يسمى بتوحيد الأديان، فإن هذا أمر لا يمكن إطلاقًا، كيف توحد الأديان ودين منها حق ودين منسوخ؟ هذا غير ممكن إلا أن يمكن الجمع بين النار والماء، فلا ينخدع المسلمون بهذه الدعوى الباطلة المنكرة القبيحة المنافية للإسلام. ***
المستمع هادي ناصر يقول في هذا السؤال: فضيلة الشيخ أنكر ذوو العقول الضعيفة قضية البعث فما ردكم عليهم؟ وهل يجوز أن نهجرهم بعد أن بينا لهم الحكم والأدلة؟ نرجو التوضيح مأجورين إنكار البعث كفر مخرجٌ عن الملة؛ لأنه تكذيبٌ لله ورسوله وإجماع المسلمين، قال الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (٧) فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ (٨) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ) يعني تبعثون (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) . فمن أنكر البعث فهو كافر خارجٌ عن الدين الإسلامي بإجماع المسلمين، فيستتاب فإن تاب وأقر بالبعث إقرارًا صادقًا يقر به ظاهرًا وباطنًا- يعني: ظاهرًا مع الناس وباطنًا فيما بينه وبين نفسه ومع أهله- فهو من نعمة الله عليه، ويكون رجوعًا للإسلام بعد الكفر، وإن أبى وأصر على إنكاره وجب قتله، وإذا قتل في هذه الحال فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يدعى له بالرحمة، فهذا حكم من أنكر البعث. ثم إن إنكار البعث- مع كونه كفرًا وتكذيبًا لله ورسوله وإجماع المسلمين- هو نقصٌ في العقل، إذ كيف يخلق الله هذه الخليقة، ويرسل إليها الرسل، وينزل من أجلها الكتب، ويأمر بجهاد من عارض شرعه، ثم تكون النتيجة أن تكون هذه الخليقة ترابًا لا يبعثون ولا يحاسبون ولا يجازون؟ لو وقع هذا لكان من أسفه السفه، فكيف ينسب إلى رب العالمين الذي هو أحكم الحاكمين؟ فالكتاب والسنة وإجماع المسلمين والعقل السليم كلها توجب أن يكون للناس بعثٌ يجازون فيه على أعمالهم، ولهذا نقول: من أنكر البعث فهو كافر، وهو ضالٌ في دينه سفيهٌ في عقله، والواجب على ولي الأمر أن يقتله إذا لم يتب ويقر بالبعث. ***
محمد أحمد من البحرين يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن رجلٍ إذا ذكرته في أمور الآخرة مثل البعث والجنة والنار يكذب بها ويقول: نحن إذا متنا نصير ترابًا ولا نبعث. وأنا لا أدري هل يقول هذا الكلام اعتقادًا منه أو مازحا، ً علمًا بأنه يصلى. فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا قال هذا فإنه كافر، قال الله ﵎: (زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ) . وقد ذكر العلماء ﵏ أن من تكلم بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ كان جادًا أم مازحًا. فعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله، وأن يؤمن بالبعث، وأن يسأل الله تعالى الثبات على ذلك، وأن يسأل الله تعالى أن لا يزيغ قلبه بعد إذ هداه، فإن القلوب بيد الله بين أصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء. نسأل الله للجميع الثبات على الحق والوفاة عليه، إنه على كل شيءٍ قدير. ***
بماذا نحكم على من أنكر المعراج أو أوّل في تفسيره له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحكم على من أنكر المعراج: بأنه إن كان قد تبين له الحق وعلم ما جاء به من النصوص من السنة الصريحة ومن ظاهر القرآن الكريم فإنه يكون بذلك كافرًا؛ لأنه يكون مكذبًا لله ورسوله. وإن كان لديه شبهات في هذا الأمر فإنه يجب أن ترفع عنه الشبهة حتى يتبين له الحق، ثم إذا أصر بعد زوال الشبهة حكم بكفره أيضًا؛ لأن المعراج حق ثابت أشار الله تعالى إليه في قوله: (وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى (١) مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى (٢) وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى (٤) عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى (٥) ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى (٦) وَهُوَ بِالأُفُقِ الأَعْلَى (٧) ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) إلى أن قال ﷾: (لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) . وأما الإسراء فهو أيضًا ثابت بنص القرآن في قوله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى) . وقد تضافرت الأحاديث الكثيرة في قصة المعراج وأنه حق ثابت، ولهذا أدخله كثير من أهل العلم في كتب العقائد وجعله من عقيدة أهل السنة والجماعة. ولكن بهذه المناسبة أود أن أبين أن المعراج دخل فيه أشياء كذب وموضوعة على الرسول ﵊، مثل الكتاب الذي ينسب إلى ابن عباس ﵄ في روايته، وهو كتاب متداول عند بعض الناس، فيه أشياء منكرة موضوعة لا تصح عن النبي ﷺ، فعلى الإنسان أن يكون محترزًا منه مبتعدًا عنه. ***
يقول السائل: الذي لا يصلى ولا يزكي هل يعتبر كافرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان مراد السائل الذي لا يصلى ولا يزكي أي إنه جمع بين ترك الصلاة وترك الزكاة فنعم فهو كافر، فإن الأدلة من الكتاب والسنة وأقوال الصحابة ﵃ قد دلت على أن تارك الصلاة كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة. وإن كان مراده لا يصلى ولا يزكي أي إنه يترك الصلاة مع كونه يزكي، أو يترك الزكاة مع كونه يصلى فهذا فيه تفصيل: فإن كان مراده أنه يترك الصلاة ويزكي فنقول له: إنه إذا ترك الصلاة وزكى فهو كافر كفرًا مخرجًا عن الملة ولا ينفعه إيتاء الزكاة؛ لأنه كافر، قال الله تعالى: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وإن كان قصده أنه ترك الزكاة مع الصلاة، أي إنه يصلى ولكنه لا يزكي فالصحيح أنه لا يخرج من الإسلام، لكنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، قال الله ﵎: (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) . وقال الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٣٤) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لأَنفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنتُمْ تَكْنِزُونَ) . وقال ﵊: (من آتاه الله مالًا فلم يؤد زكاته مُثِّلَ له يوم القيامة شجاعًا أقرع - أي حية عظيمة قرعاء - ليس على رأسها زغب لكثرة سمها قد تمزق شعرها يأخذ بلهزمتيه - يعني شدقيه - فيقول: أنا مالك أنا كنزك) . وأخبر ﷺ أنه (ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدي منها حقها إلا إذا كان يوم القيامة صفحت صفائح من نار وأحمي عليها في نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره، كلما بردت أعيدت في يوم كان مقدراه خمسين ألف سنة حتى يقضى بين العباد، ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار) . وهذا أيضًا وعيد شديد عظيم، لكنه لا يكفر؛ لقوله في هذا الحديث: (ثم يرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار)، وذلك لأنه لو كان كافرًا لم يكن له سبيل إلى الجنة، ولأن عبد الله بن شقيق ﵀ وهو من التابعين المعروفين (قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يرون شيئًا من الأعمال تركه كفر غير الصلاة) . والخلاصة في الجواب على سؤال الرجل: أن من لا يصلى ولا يزكي كافر مرتد عن الإسلام؛ لأنه لا يصلى، وعدم زكاته يكون ظلمًا على ظلم، وإن كان لا يزكي ولكنه يصلى فقد أتى كبيرة عظيمة لكنه ليس بكافر. ***
يقول السائل: إننا نرى إذا أقبل شهر رمضان المبارك نرى البعض من الناس يهرعون إلى الصلاة حتى يصوموا شهر رمضان،وإذا انقضى رمضان نراهم يتركون الصلاة ولا يصلون إلا في شهر رمضان، ويعللون ذلك ويقولون: نحن نصلى في هذا الشهر حتى يقبل صومنا. هل يقبل منهم مثل هذا الصيام؟ وهل تقبل الصلاة في هذا الشهر، مع العلم بأنهم لا يقضون ما فاتهم من صلاة؟ أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يفعلون ذلك معتقدين أنه لا صلاة واجبة إلا في رمضان فهؤلاء كفار كفر اعتقاد كفرًا مخرجًا عن الملة؛ لأن من أنكر وجوب شيء من الصلوات الخمس وهو في بلاد المسلمين فإنه يكون كافرًا؛ لأن الأمة كلها مجمعة على وجوب الصلوات الخمس، فلا عذر لأحد في تركها لتأويل أو غير تأويل. وأما إذا كان فعلهم هذا ليس عن اعتقاد، أي: إنهم يعتقدون وجوب الصلوات الخمس، لكنهم يتهاونون بها، ولا يفعلون ذلك إلا في رمضان، فأنا أتوقف في كفر هؤلاء. ***
من العراق محافظة بابل أ. ف. ي. د. تقول: يزورنا في البيت من الأقارب من لا يصلون ولا يؤدون الواجبات ويشركون بالله- والعياذ بالله- ومنهم من يقول لي: ندعو الأولياء والصالحين. عجزت من نصحهم هل يجوز مجالستهم؟ وعندما أتحدث عن الدين يضحكون مني ويسخرون ويهزؤون ويقولون لي: هذه عابدة اتركوها، وعندما يقولون هذا أتضايق كثيرًا وأقول: يسامحهم الله. وعندما أقول لوالدتي: يا أماه لا تشركي بالله لا تعيرني أي اهتمام، وإذا استمعت إلى برنامجكم نور على الدرب تقول: بأنك لن تدخلي الجنة على عملك هذا، وإذا استمررت على سماع هذا البرنامج أو غيره من البرامج الدينية فسوف تصابين بالجنون. وأقول لها: إنني لست مجنونة ولكن الله هداني. ماذا أفعل لكي أرضي الله ﷾ ثم أرضي أمي والناس؟ نصيحتكم يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا أولًا نوجهها إلى هؤلاء الجماعة الذين وصفتهم بأنهم لا يصلون وبأنهم يشركون بالله ويسخرون من الدين ومن يتمسك به، فإن نصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم، وأن يعلموا أن دين الله حق، وهو الذي بعث به محمد ﷺ، وأن أركانه: شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج بيت الله الحرام. فعليهم أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذا الكفر والشرك البالغ غايته، وعليك أيضًا أن تحرصي على مناصحتهم ما أمكن، ولا تيأسي من صلاحهم، فإن الله ﷾ مقلب القلوب، فربما مع كثرة البيان والنصح والإرشاد يهديهم الله ﷿. وإذا تعذر إصلاحهم فإن الواجب هجرهم والبعد عنهم وعدم الجلوس إليهم؛ لأنهم حينئذ مرتدون عن دين الإسلام والعياذ بالله. وأما قول بعضهم لك: إنك إذا استمعت إلى برنامج نور على الدرب أو غيره من الكلمات النافعة تصابين بالجنون، فإن هذا خطأ منهم خطأ عظيم، وهو كقول المكذبين للرسل: إنهم- أي الرسل- مجانين وكهان وشعراء وما أشبه ذلك من الكلمات المشوهة التي يقصد بها التنفير عن الحق وأهل الحق، فاستمري أنت على هداية الله ﷿، وعلى الاستماع لكل ما ينفع، وعلى القيام بطاعة الله ﷾، واعلمي أن العاقبة للمتقين. ***
يقول السائل: هل يعتبر التحاكم إلى غير شرع الله كفرًا مع العلم بأنه يعتقد اعتقادًا منافيًا للشك بأن أحكام الشريعة الإسلامية هي أفضل من الأحكام الوضعية؟ نرجو بهذا التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال يتبين بالآتي: أولًا: أن الله ﷾ إنما خلق الخلق لعبادته، خلق الجن والإنس ليعبدوه، كما قال تعالى: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) . وعبادة الله ﷾ هي التذلل له حبًا وتعظيمًا بإقامة شرائعه القلبية واللفظية والعملية. ثانيًا: يقول الله ﷿: (وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ) . فلا حاكم بين العباد إلا الله ﷾، ولا يحل لأحد أن يفصل هذه القضية عما وجهنا الله فيه نحوها: وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله لا إلى غيره. ثالثًا: يقول الله ﷿: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا) . فتأمل هذه الآية الكريمة تجد أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ورسوله وليست مستقلة، ولهذا قال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ولم يقل: أطيعوا أولي، الأمر وهذا يدل دلالة ظاهرة على أن طاعة ولاة الأمور تابعة لطاعة الله ولا يمكن أن تكون مستقلة، كما أن الله تعالى يقول: (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) . لم يقل: ردوه إلى القانون الفلاني أو القانون الفلاني أو الرأي الفلاني أو النظرية الفلانية أو ما أشبه ذلك، بل لا مرد إلا إلى الله ورسوله، إلى الله إلى كتابه وإلى رسوله إلى سنته ﷺ، فإن كان حيًا فإليه نفسه، وإن كان ميتًا فإلى ما حفظ من سنته ﷺ. رابعًا: قال تعالى: (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) . فأقسم الله ﷾ بربوبيته لرسوله محمد ﷺ، وهي ربوبيةٌ خاصة لا تساويها أي ربوبية بالنسبة للعباد؛ لأنه كلما كان الإنسان أعبد لله كانت ربوبيه الله له أخص، ومن المعلوم أن نبينا محمدًا ﷺ أعبد الناس لله، وعلى هذا فإن الله أقسم بهذه الربوبية الخاصة المضافة إلى رسول الله ﷺ أنه لا يؤمن أحد إلا بهذه الشروط: الشرط الأول: (حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ) لا يحكموا غيرك. الشرط الثاني: (ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ) بل تتسع صدورهم لذلك وتنشرح صدورهم به، فلا يجدوا حرجًا وضيقًا مما قضيت. والثالث: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ينقادوا انقيادًا تامًا، وبهذا أكد الفعل بالمصدر بقوله: (وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) إذا عرفت هذه الأمور الأربعة تبين لك أن خروج الإنسان عن التحاكم إلى الله ورسوله خلاف ما خلق الله العباد من أجله، وخلاف ما أرشد الله أن يكون التحاكم إليه، وخلاف ما جعل الله تعالى لولاة الأمور من الطاعة، وخلاف تحكيم الرسول ﵊. ولهذا قال الله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) . ***
يقول السائل: أسأل عن الآية الكريمة في قوله ﵎: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) على من تنطبق هذه الآية الكريمة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية قيل: إنها نزلت في اليهود، واستدل هؤلاء بأنها كانت في سياق توبيخ اليهود، قال الله تعالى: (إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدىً وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) . وقيل: إنها عامة لليهود وغيرهم، وهو الصحيح؛ لأن العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب. ولكن ما نوع هذا الكفر؟ قال بعضهم: إنه كفر دون كفر. ويروى هذا عن ابن عباس ﵄، وهو كقوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر)، وهذا كفر دون كفر، بدليل قول الله تعالى: (وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا فَإِنْ بَغَتْ إِحْدَاهُمَا عَلَى الْأُخْرَى فَقَاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتَّى تَفِيءَ إِلَى أَمْرِ اللَّهِ فَإِنْ فَاءَتْ فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا بِالْعَدْلِ وَأَقْسِطُوا إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ. ِإنمَّاَ المؤمنونَ ِإخوةٌ) . فجعل الله تعالى الطائفتين المقتتلتين إخوة للطائفة الثالثة المصلحة، وهذا قتال مؤمن لمؤمن، فهو كفر، لكنه كفر دون كفر. وقيل: إن هذا- يعني قوله تعالى: (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ) - ينطبق على رجل حكم بغير ما أنزل الله بدون تأويل مع علمه بحكم الله ﷿، لكنه حكم بغير ما أنزل الله معتقدًا أنه مثل ما أنزل الله أو خير منه، وهذا كفر؛ لأنه استبدل بدين الله غيره. ***
يقول السائل: ما حكم سب الدين الإسلامي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سب الدين الإسلامي كفر؛ لأن سب الدين الإسلامي سب للرسول ﵊ ولله ﷾، إذ إن الدين الإسلامي هو الدين الذي بعث الله به رسوله، وهو الذي رضيه لعباده دينًا، فإذا سبه المرء فقد سب الله ﷾ وطعن في حكمته واختياره، وكذلك سبّ الرسول ﷺ؛ لأنه صاحب الرسالة وصاحب هذا الدين، فهو كفر والعياذ بالله. ***
حسن سعيد سوداني ومقيم بالعراق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم في رجل سب الدين بحالة غضب؟ هل عليه كفارة؟ وما شرط التوبة من هذا العمل؟ حيث إنني سمعت من أهل العلم يقولون بأنك خرجت عن الإسلام بقولك هذا، وأيضًا يقولون بأن زوجتك حرمت عليك. أفيدونا بهذا الموضوع فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب: الحكم فيمن سب الدين، الدين الإسلامي أنه يكفر، فإن سب الدين والاستهزاء به ردة عن الإسلام، وكفر بالله ﷿ وبدينه، وقد حكى الله تعالى عن قوم استهزؤوا بدين الإسلام حكى الله عنهم أنهم كانوا يقولون: إنما كنا نخوض ونلعب، فبين الله ﷿ أن خوضهم هذا ولعبهم استهزاء بالله وآياته ورسوله وأنهم كفروا به، فقال تعالى: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) فالاستهزاء بدين الله أو سب دين الله أو سب الله ورسوله أو الاستهزاء بهما كفر مخرج عن الملة، ومع ذلك فإن هناك مجالًا للتوبة منه؛ لقول الله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فإذا تاب الإنسان من أي ردة كانت توبة نصوحًا استوفت شروط التوبة الخمسة فإن الله تعالى يقبل توبته. وشروط التوبة الخمسة هي: الإخلاص لله بتوبته، بأن لا يكون الحامل له على التوبة رياء أو سمعة أو خوفًا من المخلوق، أو رجاء لأمر يناله من الدنيا، فإذا أخلص توبته لله وصار الحامل له عليها تقوى الله ﷿ والخوف من عقابه ورجاء ثوابه فقد أخلص لله تعالى فيها. والشرط الثاني: أن يندم على ما فعل من الذنب، بحيث يجد في نفسه حسرة وحزنًا على ما مضى، ويراه أمرًا كبيرًا يوجب عليه أن يتخلص منه. والأمر الثالث أو الشرط الثالث: أن يقلع عن الذنب وعن الإصرار عليه، فإن كان ذنبه ترك واجب قام بفعله وتداركه إن أمكن، وإن كان ذنبه بفعل محرم أقلع عنه وابتعد عنه، ومن ذلك إذا كان الذنب يتعلق بمخلوقين فإنه يؤدي إليهم حقوقهم أو يستحلهم منها. الشرط الرابع: العزم على أن لا يعود في المستقبل، بأن يكون في قلبه عزم مؤكد أن لا يعود إلى هذه المعصية التي تاب منها. والشرط الخامس: أن تكون التوبة في وقت القبول، فإن كانت بعد فوات وقت القبول لم تقبل. وفوات وقت القبول عام وخاص: أما العام فإنه طلوع الشمس من مغربها، فالتوبة بعده أي بعد طلوع الشمس من مغربها لا تقبل؛ لقول الله تعالى: (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) . وأما الخاص فهو حضور الأجل، فإذا حضر الأجل فإن التوبة لا تنفع؛ لقول الله تعالى: (وَلَيْسَتِ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ) . أقول: إن الإنسان إذا تاب من أي ذنب ولو كان ذلك سب الدين فإن توبته تقبل إذا استوفت الشروط التي ذكرناها، ولكن ليعلم أن الكلمة قد تكون كفرًا وردة ولكن المتكلم بها قد لا يكفر بها لوجود مانع يمنع من الحكم بكفره، فهذا الرجل الذي ذكر عن نفسه أنه سب الدين في حال غضب نقول له: إن كان غضبك شديدًا بحيث لا تدري ما تقول ولا تدري حينئذ أنت في سماء أم في أرض، وتكلمت بكلام لا تستحضره ولا تعرفه، فإن هذا الكلام لا حكم له، ولا يحكم عليك بالردة؛ لأنه كلام حصل عن غير إرادة وقصد، وكل كلام حصل عن غير إرادة وقصد فإن الله ﷾ لا يؤاخذ به، يقول الله تعالى في الأيمان: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ) . ويقول تعالى في آية أخرى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . فإذا كان هذا المتكلم بكلمة الكفر في غضب شديد لا يدري ما يقول ولا يعلم ماذا خرج منه، فإنه لا حكم لكلامه، ولا يحكم بردته حينئذ، وإذا لم يحكم بالردة فإن الزوجة لا ينفسخ نكاحها منه، بل هي باقية في عصمته، ولكن ينبغي للإنسان إذا أحس بالغضب أن يحرص على مداواة هذا الغضب بما أوصى به النبي ﷺ حين سأله رجل فقال: يا رسول الله أوصني. فقال: (لا تغضب) فردد مرارًا قال: (لا تغضب) . فْليُحكِم الضبط على نفسه، وليستعذ بالله من الشيطان الرجيم، وإذا كان قائمًا فليجلس، وإذا كان جالسًا فليضطجع، وإذا اشتد به الغضب فليتوضأ، فإن هذه الأمور تذهب عنه غضبه، وما أكثر الذين ندموا ندمًا عظيمًا على تنفيذ ما اقتضاه غضبهم ولكن بعد فوات الأوان. ***
يقول: إذا صدر من المسلم سبٌ للدين ليس عامدًا بل سبق لسان ومن قبيل ما يسمى باللغو فهل يؤاخذ على ذلك أم يدخل تحت قوله تعالى: (لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم)؟ وإن لم يكن داخلًا فما معنى هذه الآية إذًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من سب دين الإسلام فهو كافر، سواءٌ كان جادًا أو مازحًا، حتى وإن كان يزعم أنه مؤمن فليس بمؤمن، وكيف يكون مؤمنًا بالله ﷿ وبكتابه وبدينه وبرسوله وهو يسب الدين؟ كيف يكون مؤمنًا وهو يسب دينًا قال الله فيه: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)؟ وقال الله تعالى فيه: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ)؟ وقال الله فيه: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)؟ كيف يكون مؤمنًا من سب هذا الدين ولو كان مازحًا؟ إذا كان قد قصد الكلام فإن من سب دين الإسلام جادًا أو مازحًا فإنه كافرٌ كفرًا مخرجًا عن الملة، عليه أن يتوب إلى الله ﷿. وسب الدين مازحًا أشد من سبه جادًا وأعظم، ذلك لأن من سب شيئًا جادًا وكان هذا السب واقعًا على هذا الشيء فإنه قد لا يكون عند الناس مثل الذي سبه مازحًا مستهزئًا وإن كان فيه هذا الشيء، والدين الإسلامي والحمد لله دينٌ كامل كما قال الله ﷿: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) . وهو أعظم منةٍ منَّ الله بها على عباده كما قال: (وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي) . فإذا سبه أحد ولو مازحًا فإنه يكفر، فعليه أن يتوب إلى الله ويقلع عما صنع، وأن يعظم دين الله ﷿ في قلبه حتى يدين الله به وينقاد لله بالعمل بما جاء في هذا الدين. أما شيءٌ سبق على لسانه بأن كان يريد أن يمدح الدين فقال كلمة سبٍ بدون قصد بل سبقًا على اللسان فهذا لا يكفر؛ لأنه ما قصد السب، بخلاف الذي يقصده وهو يمزح فإن هنا قصدًا وقع في قلبه فصار له حكم الجاد، أما هذا الذي ما قصد ولكن سبق على اللسان فإن هذا لا يضر، ولهذا ثبت في الصحيح في قصة (الرجل الذي كان في فلاةٍ فأضاع راحلته وعليها طعامه وشرابه فلم يجدها، ثم نام تحت شجرةٍ ينتظر الموت فإذا بناقته على رأسه، فأخذ بزمامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك. أخطأ من شدة الفرح) فلم يؤاخذ؛ لأن هذا القول الذي صدر منه غير مقصودٍ له، بل سبق على لسانه فأخطأ من شدة الفرح، فمثل هذا لا يضر الإنسان، لا يضر الإنسان لأنه ما قصده، فيجب أن نعرف الفرق بين قصد الكلام وعدم قصد الكلام، ليس بين قصد السب وعدم قصده؛ لأن هنا ثلاث مراتب: المرتبة الأولى: أن يقصد الكلام والسب، وهذا فعل الجاد، كما يصنع أعداء الإسلام بسب الإسلام. الثاني: أن يقصد الكلام دون السب، بمعنى يقصد ما يدل على السب لكنه مازحٌ غير جاد، فهذا حكمه كالأول: يكون كافرًا؛ لأنه استهزاء وسخرية. المرتبة الثالثة: أن لا يقصد الكلام ولا السب، وإنما يسبق لسانه فيتكلم بما يدل على السب دون قصدٍ إطلاقًا، لا قصد الكلام ولا قصد السب، فهذا هو الذي لا يؤاخذ به، وعليه يتنزل قوله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ) فإنه هو قول الرجل في عرض حديثه: لا والله وبلى والله، يعني ما قصد، فهذا لا يعتبر له حكم اليمين المنعقدة، فكل شيء يجري على لسان الإنسان بدون قصد فإنه لا يعتبر له حكم. وقد يقال: إن الإنسان قد قال في حديثه: لا والله وبلى والله إنه قصد اللفظ لكن ما قصد عقد اليمين، فإذا كان هذا فإنه يفرق بين حكم اليمين وبين الكفر، فالكفر ولو كان غير قاصدٍ للسب يكفر ما دام قصد الكلام واللفظ. ***
ما حكم من يسب الدين أي يشتم الإنسان بلعن دينه؟ وماذا عليه إن كان متزوجًا؟ وإذا سألته عن ذلك يقول: هذا لغو ولم أقصد سب الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم سب الدين كفر ولعن الدين كفرٌ أيضًا؛ لأن سب الشيء ولعنه يدل على بغضه وكراهته، وقد قال الله تعالى: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . وإحباط الأعمال لا يكون إلا بالردة؛ لقوله تعالى (وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُوْلَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ وَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . فالمهم أن هذا الذي يسب الدين لا شك في كفره، وكونه يدعي أنه مستهزئ وأنه لاعب وأنه ما قصد هذا لا ينفي كفره، كما قال الله تعالى عن المنافقين: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . ثم نقول له: إذا كنت صادقًا في أنك تمزح أو أنت هازل لست بجاد فارجع الآن وتب إلى الله، فإذا تبت قبلنا توبتك، تب إلى الله وقل: أستغفر الله مما جرى، وارجع إلى ربك، وإذا تبت ولو من الردة فإنك مقبول التوبة. ***
تقول السائلة من الجزائر: يا شيخ هل سب الدين في حالة الغضب من الكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كان الغضب شديدًا بحيث لا يملك الإنسان نفسه فإنه لا يخرج بذلك من الدين؛ لأنه لا يعي ما يقول، وأما إذا كان يملك نفسه فسب الدين كفر وردة، فيجب عليه أن يتوب إلى الله ﷿ وأن يجدد إسلامه. ***
هناك بعض الشباب يمزح ويقول كلامًا على الله وعلى رسوله من أجل أن يضحك زملاءه، وحينما ننصحه يقول: أنا أمزح. فبماذا تردون عليه؟ وهل إذا كان مازحًا يجوز له أن يمزح بكلام عن الدين أو الله أو الرسول أو المؤمنين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا العمل وهو الاستهزاء بالله أو برسوله أو كتابه أو دينه ولو كان على سبيل المزح ولو كان على سبيل إضحاك القوم نقول: إن هذا كفر ونفاق، وهو نفس الذي وقع في عهد النبي ﷺ في الذين قالوا: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء. يعنون رسول الله ﷺ وأصحابه، فنزلت فيهم هذه الآية: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ) لأنهم جاؤوا إلى النبي ﵊ يقولون: يا رسول الله إنما كنا نتحدث حديثًا لنقطع به عناء الطريق، فكان رسول الله ﷺ يقول لهم ما أمره الله به: (أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فجانب الربوبية والرسالة والوحي والدين جانب محترم لا يجوز لأحد أن يعبث فيه، لا باستهزاء ولا بإضحاك ولا بسخرية، فإن فعل فإنه كافر؛ لأنه يدل على استهانته بالله ﷿ وكتبه ورسله وشرعه، وعلى هذا الرجل أن يتوب إلى الله ﷿ مما صنع؛ لأن هذا من النفاق، فعليه أن يتوب إلى الله ويستغفر ويصلح عمله ويجعل في قلبه خشية الله ﷿ وتعظيمه وخوفه ومحبته. ***
يقول السائل: ما حكم من يستهزئ بالحجاب ولا يأمر أهله به؟ فنرجو منكم التوجيه والنصح مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الحجاب هو عبارة عن ستر الوجه وما تكون به الفتنة من بقية الأعضاء، هذا هو الحجاب الشرعي، خلافًا لما يظنه بعض الناس من أن الحجاب الشرعي أن تستر المرأة كل بدنها إلا الوجه والكفين، وقد دلت الأدلة من الكتاب والسنة على أنه لا يجوز للمرأة أن تكشف وجهها لغير زوجها ومحارمها، ولنا في ذلك رسالة أسميناها الحجاب، ولغيرنا في ذلك أيضًا رسائل، وقد ألفت في هذا مؤلفات كثيرة والحمد لله. ومن استهزأ بالحجاب فإن كان قصده الاستهزاء به كشرعيةٍ وسنةٍ من سنن الرسول ﵊ فإنه على خطرٍ عظيم، ويخشى أن يكون هذا ردةً عن دين الله؛ لأن الاستهزاء بالله وآياته ورسوله كفر، كما قال الله ﵎: (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . وأما إن كان يستهزئ به لا على أنه شريعة لكن على أنه قول اختاره من يفعله ويتحجب فهذا لا يكفر، لكنه أخطأ خطأً عظيمًا؛ لأن الاستهزاء بقول غيرك من أهل العلم وإن كنت عالمًا لا يحل، ما دامت المسألة مبنية على الاجتهاد، فإنه ليس اجتهادك أولى بالصواب من اجتهاد الآخر، وليس اجتهاده أولى بالصواب من اجتهادك، والصواب من اجتهاديكما ما وافق الكتاب والسنة، ونحن نعلم أن الخير كل الخير بستر الوجه عن الرجال الأجانب، بقطع النظر عن دلالة الكتاب والسنة والنظر الصحيح على وجوب ستر الوجه، لكن هو من الناحية العقلية أن ستره لا شك أحفظ للمرأة وأبعد للفتنة، والإنسان العاقل إذا رأى ما وقعت فيه المجتمعات التي لا تستر الوجه من الشر يعرف أن الخير كل الخير في ستر الوجه، وأنه واجبٌ عقلًا وإن قدر أنه ليس فيه أدلةٌ شرعيةٌ تدل على الوجوب، مع أن فيه أدلةً شرعيةً تدل على الوجوب لا شك عندنا في ذلك. وانظر إلى تلك المجتمعات: هل اقتصر نساؤها على كشف الوجه فقط والكفين فقط؟ لا، كشفوا الوجوه والنحور والشعور والأذرعة والأقدام والسيقان، وحصل بذلك شرٌ كثير، لكن انظر إلى المرأة المختمرة المغطية لوجهها تجد أنها في سلامة وفي أمان وفي حشمة ووقار، لا يطمع فيها الطامعون ولا يحوم حولها السافلون، واختر لنفسك ما شيءت. ونصيحتي لهذا الرجل أن يتوب إلى الله ﷿ مما صنع، وأن يلزم أهله من بنات وأخوات وزوجات بما تدل عليه الأدلة الشرعية من ستر الوجه، حتى تسلم نساؤه ويسلم دينه، ويكون قد رعاهن حق الرعاية، فإن الإنسان مسؤولٌ عن أهله يوم القيامة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (الرجل راعٍ في أهله ومسؤولٌ عن رعيته) . ***
ما حكم الاستهزاء بالملتزمين؟ هل هو كفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن كان هذا الاستهزاء بما التزموا به فهذا كفر، يعني: لو استهزأ بالصلاة التي التزموا بها أو الشرائع التي التزموا بها فهذا كفر لا شك فيه، وأما إذا استهزأ بالرجل نفسه فهذا لا يصل إلى حد الكفر، لكنه لا شك أنه آثم باستهزائه برجل ممن تمسكوا بدينهم. ***
يقول السائل: ما حكم من يستعمل ألفاظًا غير لائقة في القرآن أو عبارات أو جملًا وهذا من باب المزاح، كذكر كلمة من القرآن وربطها بكلمةٍ عامية، فما رأيكم بما يفعل في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكفر لا فرق فيه بين المازح والجاد، فمتى أتى الإنسان بما يوجب الكفر فهو كافر والعياذ بالله، ومن أعظم ذلك أن يأتي بشيء يفيد السخرية بالقرآن أو الاستهزاء بالقرآن، فإن هذا كفر نسأل الله العافية، كما قال الله ﷿ في المنافقين الذين كانوا يقولون: ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونًا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء، يعنون بذلك رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه. فأنزل الله فيهم: (يَحْذَرُ الْمُنَافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِمَا فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِئُوا إِنَّ اللَّهَ مُخْرِجٌ مَا تَحْذَرُونَ (٦٤) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ (٦٥) لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) . فمن أتى بكلمة الكفر فهو كافر، سواءٌ أتى بها جادًا أم لاعبًا مازحًا أم غير مازح، فعلى من فعل ذلك أن يتوب لله ﷿ وأن يعتبر نفسه داخلًا في دين الإسلام بعد أن خرج منه، ويجب على المؤمن أن يعظم كلام الله ﷿، وأن يعظم كلام رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، كما عليه أن يعظم الله ﷾ وأن يعظم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بما يليق به ولا يكون غلوًا فيه. وأما السخرية بالقرآن وربط الكلمات القرآنية وهي كلام رب العالمين بكلامٍ عاميٍ مسخرة فهذا أمرٌ خطيرٌ جدًّا نسأل الله العافية، قد يخرج به الإنسان من الإسلام وهو لا يشعر. ***
سالم سليم من شمال سيناء يقول: عندنا جماعة يقولون بأن الله في كل مكان بذاته. ونقول لهم: إن الأمر ليس كذلك، إن الله في السماء. ونقول لهم: الرحمن على العرش استوى. ولم يقتنعوا بقولنا، ومصرون على ما هم عليه. السؤال: هل هم كفار؟ وهل يلحق بهم من اتبعهم وهم على جهل؟ أم ماذا يقال عنهم؟ أنا قرأت في بعض الكتب بأن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ يقول: أنا لو قلت بمقالتكم كنت كافرًا، وأنتم عندي لا تكفرون لأنكم جهال. فما القول الصحيح في هؤلاء مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في هذا ما قاله شيخ الإسلام ﵀ إذا كانوا جهالًا فإنهم لا يكفرون، وأما إذا كانوا عالمين بأن الله في السماء ولكنهم استكبروا وأبوا إلا أن يقولوا: إنه في الأرض فهم كفار، ولا يخفى أنه يلزم على هذا القول لوازم باطلة جدًا جدًا؛ لأنك إذا قلت: إن الله في كل مكان لزم من هذا أن يكون في المراحيض والعياذ بالله والحشوش والمواضئ والأماكن القذرة ومن يصف ربه بهذا؟ لا يمكن لمؤمن أن يصف ربه بهذا أبدًا. وأما ما يوجد من بعض الناس في هذه المسألة الواجب أن يجادل بالتي هي أحسن كما قال الله ﷿: (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) . ***
إبراهيم أبو حامد يقول: فضيلة الشيخ ما هو خطر النفاق على العبد المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفاق نفاقان: نفاق أكبر مخرج عن الملة، ونفاق أصغر لا يخرج من الملة. أما الأول فهو: إظهار الإيمان وإبطان الكفر- والعياذ بالله- كالذي حصل في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأشار الله إليه في قوله: (وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ) . فهؤلاء يظهرون أنهم مسلمون: فيصلون مع الناس، وربما يتصدقون، ويذكرون الله، ولكنهم لا يذكرون الله إلا قليلًا، ويقرون بالرسالة ولكنهم كاذبون، يقول الله ﵎ فيهم: (إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ * اتَّخَذُوا أَيْمَانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنَّهُمْ سَاءَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . هذا النفاق والعياذ بالله نفاق أكبر صاحبه في الدرك الأسفل من النار. واختلف العلماء ﵏ هل يكون له توبة أو لا؟ فمن العلماء من قال: إنه لا توبة له، وذلك لأنه لو قلنا بأنه يتوب فإنه لا يبدو من إيمانه إلا ما أظهره لسانه، وهو يظهر الإيمان من قبل. ولكن الصحيح أن إيمانه مقبول إذا تبين من تصرفاته أنه غير منهجه الأول، وأنه تاب توبة نصوحًا، ويدل لذلك قول الله ﵎: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا (١٤٥) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا) . أما النوع الثاني من النفاق فهو: النفاق الأصغر الذي لا يخرج من الإيمان، مثل قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (آية المنافق ثلاث: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان) . وقال: (أربع من كنَّ فيه كان منافقًا خالصًا، ومن كان فيه واحد منها كان فيه خصلة من النفاق حتى يدعها) . فهذا نفاق أصغر لا يخرج من الملة، لكنه يخشى أن يتدرج بصاحبه حتى يصل إلى النفاق الأكبر. وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني على الصدق في المقال، والوفاء بالوعد، وأداء الأمانة على الوجه الأكمل. أما الأول- وهو: الصدق في المقال- فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث عليه ورغب فيه وحذر من الكذب، فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقًا. وإياكم والكذب فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابًا) . وأما الوفاء بالوعد فإن الله ﷾ مدح الموفين بعهدهم إذا عاهدوا. وأما أداء الأمانة فإن النصوص دلت على وجوب أداء الأمانة، كما في قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ) . وكذلك أوصيهم بالقيام بما أوجب الله عليهم من أداء الواجبات: سواء كان ذلك بين الزوجين، أو بين المتعاملين، أو بين العامل المستأجر ومن استأجره، أو غير ذلك من المعاملات، حتى يسلم الإنسان من أن يتصف بشيء من صفات النفاق. ***
هل الفاسق هو صاحب كبائر الذنوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول العلماء ﵏ إن الفاسق هو من أتى كبيرة ولم يتب منها، أو أصر على صغيرة. وعللوا ذلك بأن الإصرار على الصغيرة يجعلها كبيرة، ولعل دليلهم في ذلك قول الله ﵎: (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فحكم الله بفسق القذفة مع أنهم لم يفعلوا مكفرًا ولكنهم فعلوا كبيرة من كبائر الذنوب. ***
يقول السائل: من هو الفاسق في الشريعة الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفاسق هو الخارج عن طاعة الله ورسوله، وهو نوعان: فسق أكبر وهو الكفر، وفسق دون ذلك. مثال الأكبر قول الله ﵎ في سورة ألم تنزيل السجدة: (أَفَمَنْ كَانَ مُؤْمِنًا كَمَنْ كَانَ فَاسِقًا لا يَسْتَوُونَ * أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فَلَهُمْ جَنَّاتُ الْمَأْوَى نُزُلًا بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * وَأَمَّا الَّذِينَ فَسَقُوا فَمَأْوَاهُمُ النَّارُ كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا أُعِيدُوا فِيهَا وَقِيلَ لَهُمْ ذُوقُوا عَذَابَ النَّارِ الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ) . هذا الفسق بمعنى الكفر فسق آخر دون ذلك لا يصل إلى الكفر ومثله قوله تعالى: (وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ) . فذكر الكفر وحده والفسوق وحده والعصيان الذي هو دون الفسوق وحده. وقول الفقهاء ﵏ في كتبهم: لا تقبل شهادة الفاسق، يعنون بذلك الفسق الذي دون الكفر. ***
السائل يقول: سمعت وقرأت قصيدة البردة، والذي أعرفه أن مؤلف هذه القصيدة عالم، فهل تضر في عقيدته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إني سأتلو من هذه البردة ما يتبين به حال ناظمها: كان يقول مادحًا للنبي ﷺ: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهًا الخطاب إلى رسول الله ﷺ: مالي من ألوذ به سواك إذا حلت الحوادث؟ لا يمكن لمؤمن أن يقول هذا ورسول الله ﷺ لا يمكن أن يرضى بهذا أبدًا، إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله سلم أنكر على الرجل الذي قال له: ما شاء الله وشيءت، فقال: (أجعلتني لله ندًّا بل ما شاء الله وحده) فكيف يمكن أن يقال: إنه يرضى أن يوجه إليه الخطاب بأنه ما لأحد سواه عند حلول الحوادث العامة، فضلًا عن الخاصة؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول موجهًا الخطاب للرسول ﷺ: إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوا وإلا فقل يا زلة القدم؟ ويجعل العفو والانتقام بيد الرسول ﵊؟ هل يمكن لمؤمن أن يقول هذا؟ إن هذا لا يملكه إلا الله رب العالمين. هل يمكن لمؤمن أن يقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها، الدنيا ما نعيش فيه وضرتها الآخرة، فإذا كانت الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊ وليست كل جوده بل هي من جوده فما الذي بقي لله؟ إن مضمون هذا القول: لم يبقَ لله شيء لا دنيا ولا أخرى، فهل يرضى مؤمن بذلك أن يقول: إن الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊، وإن الله جل وعلا ليس له فيها شيء؟ وهل يمكن لعاقل أن يتصور أن الرسول ﵊ الذي جاء بتحقيق التوحيد يرضى أن يوصف بأن من جوده الدنيا وضرتها؟ هل يمكن لمؤمن أن يرضى فيقول يخاطب النبي صلى الله وسلم: ومن علومك علم اللوح والقلم؟ من علومه وليست كل علومه علم اللوح والقلم، هل يمكن لمؤمن أن يقول ذلك والله تعالى يقول لنبيه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ)؟ فأمر الله ﷿ أن يعلن للملأ إلى يوم القيامة أنه ليس عنده خزائن الله ولا يعلم الغيب ولا يدعي أنه ملك وأنه ﷺ عابد لله تابع لما أوحى الله إليه (إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فهل يمكن لمن قرأ هذه الآية وأمثالها أن يقول: إن الرسول يعلم الغيب، وإن من علومه علم اللوح والقلم؟ كل هذه القضايا كفر مخرج عن الملة، وإن كنا لا نقول عن الرجل نفسه إنه كافر- أعني: عن البوصيري- لأننا لا نعلم ما الذي حمله على هذا، لكنا نقول: هذه المقالات كفر، ومن اعتقدها فهو كافر، نقول ذلك على سبيل العموم. ولهذا نحن نرى أنه يجب على المؤمنين تجنب قراءة هذه المنظومة؛ لما فيها من الأمور الشركية العظيمة، وإن كان فيها أبيات معانيها جيدة وصحيحة، فالحق مقبول ممن جاء به أيًا كان، والباطل مردود ممن جاء به أيًّا كان. ***
من السودان السائل فرح يقول في هذا السؤال: ما حكم من يطوف بالقبة أو الضريح وهو جاهل الحكم، هل يكون مشركًا شركًا أكبر يخلد في النار؟ وماذا يجب عليه؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الطواف بالقبور والأبنية المبنية عليها ينقسم إلى قسمين: القسم الأول أن يطوف لا لعبادة صاحب القبر ولا لدعائه والاستغاثة به، ولكن عادة اعتادها فصار يفعلها، أو كان يظن أن هذا مما يقرب إلى الله ﷿، فهذا ليس بمشرك ولكنه مبتدع، ويمكن أن نسمي بدعته هذه شركًا أصغر؛ لأنه وسيلة إلى الشرك الأكبر. أما إن كان يطوف بالقبر أو بالبناية عليه تعبدًا وتقربًا وتعظيمًا لصاحب القبر، أو كان يطوف به ذلك ويدعو صاحب القبر ويستغيث به فإن هذا مشرك شركًا أكبر مخرجًا عن الملة، يستحق عليه قول الله ﵎: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
من كان ينطبق عليه حكم الكفر هل يجوز مناداته بالكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن لا ينادى بالكفر؛ لأن هذا يوجب الفتنة والشر، لكن يقال: أنت إذا لم تتب إلى الله فإنك كافر، يبين له هذا الكلام، وأما مناداته بياكافر وما أشبه ذلك مما يثير الفتنة فهذا لا أراه. والحمد لله مادمنا في غنىً عن هذا الأمر وبإمكاننا أن نمسكه ونقول له: إن هذا الأمر كفر وارجع إلى ربك وارجع إلى دينك وننصحه. ***
يقول السائل: قلت لأخي: يا كافر لأنه لا يصلى أثناء شجارٍ وقع بيني وبينه، فما حكم ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي لا يصلى كافر كفرًا مخرجًا عن الملة، فإذا مات على الكفر وإذا كان يوم القيامة صار مع فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف. ولكن لا يقال للشخص المعين: يا كافر حتى تقام عليه الحجة، ويتبين له أن فعله كفر، وهذا الذي حصل بينه وبين أخيه شجار وقال له: يا كافر لأنه لا يصلى نقول له: إن هذا لا ينبغي منك، ولكن عندما تحادثه وتتكلم معه كلامًا عاديًا بين له أن ترك الصلاة كفر، وأنه إن أصر على ذلك فهو كافر، وأما أن تصفه بالكفر حين المنابزة والمخاصمة فهذا أمرٌ لا ينبغي منك. وخلاصة القول: أن تارك الصلاة كافرٌ كفرًا مخرجًا عن الملة، وأنه إن مات على ذلك فإنه ليس من المؤمنين، ويحشر يوم القيامة مع فرعون وهامان وقارون وأبي بن خلف، ولكن لا ينبغي لنا عند المنابزة أن نصفه بالكفر فنقول: يا كافر، بل نبين له في الكلام العادي أن ترك الصلاة كفر، وأنه إذا أصر على تركها فهو كافر، لعل الله يهديه ويرجع إلى دينه. ***
من المستمع عبد الحميد البربري مصري ومقيم في الرياض يقول في رسالته: هل المسيحي يعد في عداد الكفرة، علمًا بأنه من أهل الكتاب، ومن هم أهل الكتاب؟ أفيدونا بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: أهل الكتاب هم اليهود والنصارى الذين تسموا بالمسيحيين، هؤلاء هم أهل الكتاب، وإنما سموا أهل كتاب لأن الله تعالى أنزل كتبًا على رسله: فأنزل على موسى ﵊ التوارة التي يدين بها اليهود، وأنزل على عيسى ﵊ الإنجيل الذي يدين به النصارى. والذين يسمون أنفسهم الآن بالمسيحيين ودين اليهود منسوخ بدين النصارى، أي: إنه يجب على اليهود أن يتبعوا النصارى في دينهم حين كان دين النصارى قائمًا، ودين النصارى وغيره من الأديان نسخ بدين الإسلام الذي بعث به النبي ﷺ، فكان دين الإسلام ناسخًا لجميع الأديان، فلا دين مقبول عند الله إلا الإسلام، قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإسلام) وهذه الصيغة تقتضي الحصر وأنه لا دين عند الله سوى الإسلام. وقال تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وهذا دليل على أن جميع الأديان غير الإسلام غير مقبولة عند الله، وأن أصحابها في الآخرة خاسرون لا حظ لهم فيها في الآخرة، وهذا لا يكون إلا للكافرين. وعلى هذا فإن النصارى واليهود كلهم ليسوا على دين مقبول عند الله، وإذا كانوا ليسوا على دين مقبول عند الله كانوا كفارًا، ويزول كفرهم بالإيمان بالنبي ﷺ واتباعه، وهم إذا آمنوا بالنبي ﷺ فإن هذا هو مقتضى ما تدل عليه كتبهم، كما قال الله تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآيَاتِنَا يُؤْمِنُونَ (١٥٦) الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِنْدَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُوا النُّورَ الَّذِي أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (١٥٧) قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . فدلت هاتان الآيتان على أن النبي ﷺ معروف في التوراة والإنجيل، وأنه يجب عليهم الإيمان به واتباعه، وقد قال عيسى بن مريم ﵊ لقومه: (يَا بَنِي إِسْرائيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ فَلَمَّا جَاءَهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا هَذَا سِحْرٌ مُبِينٌ) . فبشارة عيسى عليه الصلاةوالسلام بالنبي محمد ﷺ تدل على أنه يجب على أتباعه أن يتبعوه، ولو لم يكن الأمر كذلك ما كان لبشارته به فائدة، بل إن الإنسان لا يبشر إلا بما يعود إليه بالخير، فكل من كفر بالنبي محمد ﷺ من اليهود والنصارى وغيرهم فإنه كافر بالله؛ لأن الله تعالى أمر جميع العباد أن يؤمنوا به وبرسوله النبي الأمي، وبين أن هذا هو سبيل الفلاح والهدى والرشاد، وأن ما سوى ذلك فإنه ضلال نسأل الله العافية والهداية. ***
وردتنا من منطقة خريسان من الجمهورية العراقية محافظة ديانا بهز أو قرية أبو خميس بعث بها المرسل أخوكم في الإسلام علوان منصور جسام القريشي يقول: بسم الله الرحمن الرحيم أصحاب الفضيلة العلماء المحترمين قال الله تعالى: (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ)، وقال: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنْ الْخَاسِرِينَ) . فهل معظم سكان البشرية غير المسلمين هم في الآخرة مطرودون من رحمة الله، حتى ولو كانوا ينتمون إلى أديان سماوية أخرى مثل الديانة اليهودية والمسيحية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن خير الكلام وأصدقه وأحكمه كلام الله ﷿، والسائل قد صدر سؤاله بكلامٍ محكمٍ صدق وهو قوله تعالى: (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) . فهذه الآية فيها عموم في قوله: (وَمَنْ يَبْتَغِ) فإن من شرطية وأسماء الشرط للعموم، وكذلك قوله: (دِينًا) نكرة في سياق الشرط فتفيد العموم، يعني: أي دين، فأي إنسانٍ يبتغي أي دينٍ من الأديان غير الإسلام فإنه لا يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين، والإسلام هو ما بعث الله به محمدًا ﷺ؛ لأن الإسلام عند الله ما بعث به رسله، ومن المعلوم أن محمدًا ﷺ خاتم الرسل كلهم، وأنه هو الذي جاء بالإسلام، وأن ما سوى ذلك فهو كفر، وعلى هذا فكل من دان بغير الإسلام- سواءٌ دان بكتابٍ سماويٍ نسخ، أو اتبع رسولًا نسخت رسالته، كاليهود والنصارى، أو لم يكن على دينٍ سماوي- فكل هؤلاء أعمالهم حابطة وسعيهم ضائع، وهم في الآخرة من الخاسرين. ولا تستغرب أيها السائل أن يكون عامة البشر من أهل هذا الوصف، فإنه قد ثبت في الصحيح: (إن الله ﵎ يقول يوم القيامة: يا آدم. فيقول: لبيك وسعديك. فيقول أخرجْ من ذريتك بعثًا إلى النار. فيقول: يا ربي وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون) . يعني في الألف واحد من أهل الجنة والباقون كلهم من أهل النار، فعلى هذا فلا يبقى في المسألة شكٌ ولا ارتياب بأن كل من ليس على دين الإسلام الذي بعث الله به محمدًا ﷺ فإنهم خاسرون، خاسرون دنياهم وآخرتهم، وأنهم يوم القيامة في نار جهنم خالدون، ثم إنه ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي من هذه الأمة يهوديٌ ولا نصرانيٌ ثم لا يتبع ما جئت به إلا كان من أهل النار) . فضيلة الشيخ: لكن هل هذا الواحد الذي يؤخذ من الألف في كل يوم وفي كل أسبوع وفي كل سنة أم أنه يزيد وينقص تبعًا للعصور وتبع قوة المسلمين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنت إذا عرفت النسبة ليس هو بالنسبة يعني لأمة محمدٍ فقط، بالنسبة لكل بني آدم، كل بني آدم من أولهم إلى آخرهم ما يدخل الجنة منهم إلا واحدٌ في الألف، هذا الواحد قد يكون غالبهم من هذه الأمة وهو الأظهر؛ لأن أكثر الأمم اتباعًا هم أمة محمد ﷺ، هم أكثر الأمم اتباعًا للوحي وقبولًا له، فعلى هذا تكون هذه النسبة واحدٌ من الألف أكثرها من هذه الأمة ولله الحمد. ***
يوجد عندنا بعض الناس يزعمون أنهم فقهاء، ليسوا فقهاء علمًا، بل يزعمون أنهم يضرون وينفعون من يشاؤون، بحجة أن لهم شرهة يصيبون بها من يريدون، ويكررون هذا القول في كثير من المناسبات فهل ذلك صحيح أم خرافات جاهلية؟ وكيف نتخلص من ذلك؟ علمًا بأن بعض الناس يصدقونهم فيما يقولون مثل كبار السن والجهال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الذين يدعون أنهم ينفعون أو يضرون هؤلاء كذبة، لا يجوز لأحد أن يصدقهم ولا أن يسألهم عن هذه الأشياء، ويجب على من علم بهم أن يبلغ أمرهم إلى ولاة الأمور ليتخذوا اللازم، فلا أحد يملك النفع والضرر إلا الله وحده لا شريك له، حتى النبي ﷺ قال الله له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) . وأمره الله أن يقول: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ) . ومن زعم أن أحدًا يملك الضرر أو النفع بغير أسباب حسية معلومة فإنه يستتاب، فإن تاب وإلا قتل؛ لأنه مكذب لله تعالى ولرسوله ﷺ. وإني أقول لهؤلاء الذين يتوهمون صدق ما قاله هؤلاء الدجاجلة أقول لهم: اثبتوا على إيمانكم ودينكم، واعلموا أنه لا يملك أحد الضرر والنفع إلا الله وحده لا شريك له. وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال لابن عباس قال له: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . وفي القرآن الكريم لما ذكر الله السحرة قال: (وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) . فالمهم أن هؤلاء كذبة فيما يدعون من كونهم يملكون النفع والضرر، فإن ذلك إلى الله وحده لا شريك له، وعليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يعترفوا بقصورهم وبتقصيرهم، وأنهم ضعفاء أمام قدرة الله، وأنهم لا يملكون دفع الضرر عن أنفسهم هم فضلًا عن غيرهم، كما لا يملكون لأنفسهم جلب نفع فضلًا عن جلبه لغيرهم إلا ما شاء الله ﷾، وعلى من حولهم ممن يتوهمون صدقهم أن يتوبوا إلى الله تعالى في تصديقهم، وأن يعلموا أنهم كذبة، ولا حق لهم ولا حظ لهم أيضًا في مثل هذه الأمور. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء يا شيخ محمد حفظكم الله هذا السائل يقول: لقد خاب وتاه الكثير من الشباب في مسألة العذر بالجهل، متى يعذر الجاهل بجهله؟ ودلونا على مراجع في هذه المسألة التي أثيرت، وهل وقع خلاف قديم بين السلف؟ وهل هو معتبر أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العذر للجهل ثابت بالقرآن وثابت بالسنة أيضًا، وهو مقتضى حكمة الله ﷿ ورحمته، يقول الله ﵎: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . ويقول الله تعالى: (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ) إِلَى قوله: (رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) . ويقول الله ﵎ (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) . ويقول الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . والآيات في هذا عديدة، كلها تدل على أنه لا كفر إلا بعد علم، وهذا مقتضى حكمة الله ورحمته، إذ إن الجاهل معذور، وكيف يؤاخذه الله ﷿ وهو أرحم الراحمين، وهو أرحم بالعبد من الوالدة بولدها- على شيء لم يعلمه؟ فمن شرط التكفير بما يكفر من قول أو عمل أن يكون عن علم، وأن يكون عن قصد أيضًا، فلو لم يقصده الإنسان بل سبق لسانه إليه لشدة غضب أو لشدة فرح أو لتأويل تأوله فإنه لا يكون كافرًا عند الله ﷿. يدل لهذا أن النبي ﷺ قال: (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم كان في فلاة من الأرض ومعه راحلته عليها طعامه وشرابه، فأضلها- أي: ضاعت منه- فطلبها فلم يجدها، فاضطجع تحت شجرة ينتظر الموت وهو آيس منها، فإذا براحلته عنده فأخذ بخطامها وقال: اللهم أنت عبدي وأنا ربك، أخطأ من شدة الفرح) . وهذا خطأ عظيم هو في نفسه كفر، لكن الرجل ما قصده، لكن لشدة الفرح سبق لسانه إلى هذا، ولم يكن بذلك كافرًا؛ لأنه لم يقصد ما يقول. وكذلك أخبر النبي ﵊ (عن رجل كان مسرفًا على نفسه، وخاف من الله تعالى أن يعاقبه، فأمر أهله إذا مات أن يحرقوه ويذروه في اليم، ظنًّا منه أنه يتغيب عن عذاب الله، ولكن الله تعالى جمعه بعده وسأله: لم فعل هذا؟ قال: يا ربي خوفًا منك. فغفر الله له)، مع أنه كان شاكًّا في قدرة الله، والشك في قدرة الله كفر، لكنه متأول وجاهل فعفا الله عنه. وليعلم أن مسألة التكفير أصلها وشروطها لا يأخذها الإنسان من عقله وفكره وذوقه فيكفر من شاء ويعصم من شاء، الأمر في التكفير وعدم التكفير إلى الله ﷿، كما أن الحكم بالوجوب أو التحريم أو التحليل إلى الله وحده، كما قال تعالى: (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) . فالأمر في التكفير والعصمة إلى الله ﵎، وأعني بالعصمة: يعني الإسلام الذي يعصم الإنسان به دمه وماله، هو إلى الله، إلى الله وحده، فلا يجوز إطلاق الكفر على شخص لم تثبت في حقه شروط التكفير. وقد ثبت عن النبي ﵊ (أن من دعا رجلًا بالكفر أو قال: يا عدو الله، وليس كذلك فإنه يعود هذا الكلام على قائله) يكون هو الكافر وهو عدو الله. فليحذر الإنسان من إطلاق التكفير على من لم يكفره الله ورسوله، وليحذر من إطلاق عداوة الله على من لم يكن عدوًّا لله ورسوله، وليحبس لسانه فإن اللسان آفة الآفات. ولهذا لما حدث النبي ﷺ معاذ بن جبل بما حدثه به عن الإسلام قال له ﵊: (ألا أخبرك بملاك ذلك كله؟ قال: بلى يا رسول الله. فأمسك النبي ﷺ بلسان نفسه وقال: كف عليك هذا، كف عليك هذا) . يعني: لا تطلقه، احبسه قيده. فقال: يا رسول الله وإنا لمؤاخذون بما نتكلم به؟ يعني: هل نحن مؤاخذون بما نتكلم به؟ فقال النبي ﷺ: (ثكلتك أمك يا معاذ! وهل يكب الناس في النار على وجوههم- أو قال: على مناخرهم- إلا حصائد ألسنتهم)؟ ولهذا يجب على الإنسان أن يكف لسانه عن ما حرم الله، وأن لا يقول إذا قال إلا خيرًا؛ لقول النبي ﷺ: (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت) . والخلاصة: أن مسألة التكفير والعصمة ليست إلينا، بل هي إلى الله ورسوله، فمن كفره الله ورسوله فهو كافر، ومن لم يكفره الله ورسوله فليس بكافر، حتى وإن عظمت ذنوبه في مفهومنا وفي أذواقنا، الأمر ليس إلينا، الأمر في هذه الأمور إلى الله ورسوله. ولا بد للتكفير من شروط معلومة عند أهل العلم، ومن أوسع ما قرأت في هذا ما كتبه شيخ الإسلام رحمه في فتاويه وفي كتبه المستقلة، فأنصح السائل وغير السائل أن يرجع إلى كلام شيخ الإسلام ابن تيمية لأنه- وأقولها شهادة عند الله- أوفى ما رأيت كلامًا في هذه المسألة العظيمة. ***
متى يعذر الإنسان بالجهل ومتى لا يعذر به، من ناحية العقيدة والأحكام الفقهية؟ مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال مهم سؤال عظيم لا يتسع المقام لذكر التفصيل فيه؛ لأنه يحتاج إلى كلام كثير قد يستوعب هذه الحلقة كلها وزيادة، ولكن على سبيل الإجمال لدينا آيات من القرآن وأحاديث عن رسول الله ﷺ تدل على أن الإنسان معذور بالجهل في كل شيء، لكن قد يكون مقصرًا في طلب العلم فلا يعذر، وقد تبلغه الحجة ولكنه يستكبر ويستنكر فلا يعذر في هذه الحال، ومن الآيات الدالة على أن الإنسان معذور بالجهل قوله تعالى: (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى: (قد فعلت) . وقال الله تعالى: (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ) . وقال الله تبارك تعالى: (وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا) . وقال تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُضِلَّ قَوْمًا بَعْدَ إِذْ هَدَاهُمْ حَتَّى يُبَيِّنَ لَهُمْ مَا يَتَّقُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ مُهْلِكَ الْقُرَى حَتَّى يَبْعَثَ فِي أُمِّهَا رَسُولًا يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلُهَا ظَالِمُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ) . والآيات في هذا المعنى عديدة، وكذلك في السنة، فقد روي عن النبي ﵌ أنه قال: (إن الله تجاوز عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) . ولكن قد يكون الإنسان مقصرًا بطلب العلم، بحيث يتيسر له العلم ولكنه لا يهتم به ولا يلتفت إليه، وقد يكون الإنسان مستكبرًا عما بلغه من الحق، فيبين له الحق ولكنه يقول: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . كما يوجد من كثير من العامة المعظمين لكبرائهم من أمراء أو علماء أو غير ذلك، يستنكفون عن الحق إذا دعوا إليه، وهؤلاء ليسوا بمعذورين، فالمسألة مسألة خطيرة عظيمة يجب التأني فيها والتريث، وربما نقول: لا يقضى فيها قضاءً عامًّا بل ينظر إلى كل قضية بعينها، فقد نحكم على شخص بكفره مع جهله وقد لا نحكم عليه، والناس يختلفون في مدى غايتهم في الجهل: منهم الجاهل مطلقًا جهلًا مطبقًا لا يدري عن شيء كأنه بهيمة، ومنهم من عنده فطنة وحركة فكر لكنه عنده استكبار عن الحق، ومنهم من هو بين ذلك. فعلى كل حال الجواب على وجه عام فيه نظر، ولكن تذكر قواعد وتطبق كل حال على ما تقتضيه هذه الحال. ***
أسأل وأنا أعتقد بأن علي إثمًا في هذا السؤال، وهو: أن لدينا ناسًا يقولون: إن عبد الله أبا محمد ﷺ هو في النار، وناس يقولون: لا بل هو في الجنة؛ لأنه أبو نبي، أفيدونا جزاكم الله خيرًا، وهل عليّ إثم في هذا السؤال، وإذا كان علي إثم فهل له كفارة؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا ودمتم فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا ليس عليك إثم في هذا السؤال، لكن هذا السؤال ليس من الأسئلة التي يستحسن أن يسأل عنها؛ لأنه لا فائدة منها إطلاقًا، ولكن بعد السؤال عنها لابد من الجواب فيقال: إن أبا النبي ﷺ مات على الكفر وهو في النار، كما ثبت في الصحيح (أن رجلًا جاء إلى النبي ﵊ فقال: يا رسول الله أين أبي؟ قال: أبوك في النار، فلما انصرف دعاه النبي ﵊ فقال له: أبي وأبوك في النار) . وهذا نص في الحديث عن النبي ﷺ، وعلى هذا فيكون أبو النبي ﷺ كغيره من الكفار فيكون في النار، والأخ السائل يقول: إن بعض الناس يقولون: ليس في النار؛ لأنه أبو نبي، وهذا لا يمنع إذا كان أبا نبي أن يكون في النار، فهذا آزر أبو إبراهيم كان كافرًا وكان في النار، ولهذا لما استغفر إبراهيم لأبيه قال الله تعالى: (وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) . ***
السحر
ما حكم فعل السحر وتعلمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع يكون كفرًا، ونوع يكون فسقًا. فالسحر الذي يكون بالاستعانة بالشياطين والأرواح الخبيثة هذا كفر؛ لقول الله ﵎: (وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . والنوع الثاني يكون فسقًا، وهو السحر بالأعشاب ونحوها مما يضر المسحور، فهذا عدوان وفسق، لكن لا يصل بصاحبه إلى حد الكفر. وأيًا كان الساحر فإنه يجب قتله؛ لقول النبي ﷺ: (حد الساحرضربة بالسيف) . ولأن عدوانه وضرره عظيم على الأمة. ثم إن كان كافرًا- أي: إن كان سحره مكفرًا- فإنه لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين، وإن كان غير مكفر فإنه يغسل ويكفن ويصلى عليه ويدفن مع المسلمين. ***
حصل خلافٌ حول وجود السحر حقيقةً وأن الرسول ﷺ قد سحر، فهم ينكرون ذلك محتجين بقوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) . فما هو الحق في هذا؟ وكيف نفسر هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحق في هذا أن السحر ثابتٌ ولا مرية فيه وهو حقيقة، وذلك بدلالة القرآن والسنة. أما القرآن فإن الله ذكر عن سحرة فرعون الذين ألقوا حبالهم وعصيهم وسحروا أعين الناس واسترهبوهم حتى إن موسى ﵊ كان يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، وحتى أوجس في نفسه خيفة، فأمره الله تعالى أن يلقي بعصاه فألقاها فإذا هي ثعبانٌ مبين تلقف ما يأفكون، وهذا أمرٌ لا إشكال فيه. وأما أن الرسول ﵊ سحر فإنه حق، فقد ثبت عن النبي ﵊ أنه سحر من حديث عائشة وغيرها، وأنه كان يخيل إليه أنه أتى الشيء وهو لم يأته، ولكن الله تعالى أنزل عليه سورتي: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فشفاه الله تعالى بهما. وأما قوله تعالى: (وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ) فلا ينافي هذا، هذا إن كانت الآية لم تنزل بعد، وأنا الآن ما يحضرني هل هذه الآية قبل سحره أو بعده، والظاهر لي أنها بعد السحر، وإذا كانت بعد السحر فلا إشكال فيها. ***
ما حكم الذهاب للسحرة والدجالين والكهنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذهاب إلى هؤلاء محرم، ولا يحل الذهاب إليهم، ولا خير فيهم، وقد قال الله ﵎: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . والكهنة كذابون؛ لأنهم لهم عملاء من الجن يسترقون السمع ويخبرونهم، ثم يكذبون مع ما أخبروا به من أخبار السماء، يكذبون كذبات كثيرة مائة كذبة أو أكثر أو أقل، فهم كذبة لا يجوز الذهاب إليهم. وقد قال النبي ﷺ: (من أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد) . وإنما كان ذلك كفرًا لأنه تكذيب لقول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . ***
المستمعة م. ع. من سوريا بعثت برسالة تقول فيها: فضيلة الشيخ هل يؤثر السحر لدرجة أنه يوقف مشروع الزواج؟ وإذا كان هذا التأثير صحيحًا فهل له علاج من الكتاب والسنة دون الذهاب للدجالين والمشعوذين؟ نرجو التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال: أن السحر بلا شك يؤثر تأثيرًا مباشرًا بدليل القرآن والواقع، أما القرآن فقد قال الله تعالى: (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ) . وقوله تعالى في قصة موسى ﵊: (يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى) . وأما الواقع فشاهدٌ بذلك، فإن السحر يؤثر في المسحور، يؤثر في عقله وفي بدنه وفي فكره وفي اتجاهه. والسحر من كبائر الذنوب، بل شعبةٌ منه تكون من الكفر المخرج من الملة، وعلى هذا فالواجب على المسلمين البعد عن السحر والحذر منه اتقاءً لعقاب الله ورحمةً بعباد الله. وأما العلاج بالنسبة للمسحور فيكون بقراءة القرآن: يقرأ على المصاب بالآيات بآيات الحماية، مثل: آية الكرسي، قل هو الله أحد وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وغيرها من الآيات التي فيها الحماية من شر الخلق. أو يؤتى بماء فيدق سبع ورقات من ورق السدر وتوضع في هذا الماء، ويقرأ فيه أو ينفث فيه بمثل قوله تعالى: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ) وغيرها من الآيات التي تفيد بطلان السحر، ويسقى المريض المصاب بالسحر. وكذلك يمكن أن يعالج المريض بالسحر بالأدوية المباحة المتخذة من الأشجار أو غيرها. وكذلك يعالج السحر بحل السحر، بأن يوصل إلى المكان الذي فيه السحر، وتؤخذ الوسيلة التي جعل فيها السحر فتنقض وتحرق، وما أشبه ذلك من أنواع الحلول المباحة. وأما الذهاب إلى السحرة لحل السحر: فإن كان ذلك لضرورة فقد اختلف العلماء في جوازه، فمنهم من أجاز ذلك وقال: إن الضرورة تبيح المحرم، ولا شك أن المصاب بالسحر إذا نقض سحره يزول ضرره، فما كان وسيلة لأمرٍ نافع بدون أن يتضمن ضررًا في الدين فإنه لا بأس به؛ لقوله تعالى: (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ)، وقد ذهب إلى هذا بعض التابعين ومنهم من منع الذهاب إلى السحرة لحل السحر، واستدل بأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وبأنه إذا فتح الباب للناس صار وسيلةً لإغراء السحرة واتفاقهم على هذا العمل، فأحدهم يسحر والثاني يحل السحر، وما يحصل من المكاسب تكون بينهما؛ لأنه من المعلوم أن المصاب بالسحر سوف يبذل الشيء الكثير لأجل التخلص منه، وفي هذا مفسدةٌ عظيمة. والحقيقة أننا إذا نظرنا إلى الضرورة الشخصية المعينة مِلْنا إلى الإباحة، أي: إباحة حل السحر بالسحر للضرورة، كما ذهب إلى ذلك من ذهب من السلف والخلف. وإذا نظرنا إلى المصلحة العامة مِلْنا إلى القول بالمنع، لا سيما وأنه مؤيدٌ بالحديث الذي أشرنا إليه: أن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، والمسألة عندي فيها توقف. والعلم عند الله. ***
بارك الله فيكم تقول بأن لها ابنة متزوجة، وهذه الابنة تكره زوجها وزوجها يحبها، وهي الآن حامل وعند أهلها، وهي تكره أن ترى هذا الزوج، ويقال بأن هناك كاتبًا يكتب كتابًا يسمى بالعطف أن يجعل الزوجة تحب زوجها، فهل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للمرأة أن تعمل عملًا يكون به عطف الزوج عليها، ولا يجوز للزوج أن يعمل عملًا يكون به عطف الزوجة عليه؛ لأن هذا نوع من السحر، ولكن الطريق إلى ذلك أن تسأل الله ﷿ دائمًا أن يحبب زوجها إليها وأن يؤلف بينهما، وتقرأ من القرآن ما يعينها على التحول من الكراهية إلى المحبة، وتستعين بأهل الخير والصلاح أن يقرؤوا عليها لتحويل بغضها إلى محبة. هذا ما أراه واجبًا عليها، ونسأل الله تعالى أن يؤلف بينها وبين زوجها وأن يبارك لهما وعليهما وأن يجمع بينهما في الخير. ***
ما حكم الإسلام في نظركم في الشخص الذي يستخدم شيئًا من السحر لكي يوفق بين زوجين أو اثنين متنافرين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا محرم ولا يجوز، وهذا يسمى بالعقد، وما يحصل به التفريق يسمى بالصرف، وهو أيضًا محرم، وقد يكون كفرًا وشركًا. ***
هل الساحر كافر؟ وما هو الدليل؟ وهل تجوز الصلاة خلفه؟ ماذا علي أن افعل إذا صلىت خلف مثل هذا الإمام في الوقت الذي لا أعلم أنه ساحر؟ هل صلاتي السابقة تكون باطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر نوعان: نوع كفر، ونوع عدوان وظلم. أما الكفر فهو الذي يكون متلقىً من الشياطين، فالذي يتلقى من الشياطين هذا كفر، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . وهذا النوع من السحر كفر مخرج عن الملة يقتل متعاطيه، واختلف العلماء ﵏ لو تاب هذا الساحر هل تقبل توبته؟ فقال بعض أهل العلم: إنها تقبل توبته؛ لعموم قوله تعالى: (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا) فإذا تاب هذا الساحر وأقلع عن تعاطي السحر فما الذي يمنع من قبول توبته، والله ﷿ يقول: (إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا)؟ لكن إذا كان قد تسبب في سحره في قتل أحد من الناس أو عدوانٍ عليه فيما دون القتل فإنه يضمن لحق الآدمي، فإن كان بقتل قتل قصاصًا، وإن كان بتمريض نظر في أمره، وإن كان بإفساد مال ضمن هذا المال. النوع الثاني من السحر سحر لا يكون بأمر الشياطين، لكنه بأدوية وعقاقير وأشياء حسية، فهذا النوع لا يُكفِّر ولكن يجب أن يقتل فاعله درءًا لفساده وإفساده. ***
ما هي الحصون والوقاية من السحر ليتقي الإنسان شرها؟ وما حكم عمل السحر وحكم الذين يذهبون إلى السحرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن ثلاث مسائل: الأولى الوقاية من السحر، والوقاية من السحر تكون بقراءة الأوراد التي وردت عن النبي ﷺ، مثل: آية الكرسي، والآيتين الأخيرتين من سورة البقرة، وقل هو الله أحد، وقل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، يقرؤها الإنسان وهو موقن بأنها حماية له، فإن من قرأ آية الكرسي في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح، ومن قرأ الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة في ليلة كفتاه، وقل أعوذ برب الفلق وقل أعوذ برب الناس فيهما الاستعاذة من السحرة: (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) . فينبغي للإنسان أن يستعمل هذه الأوراد الواردة عن النبي ﷺ في كل يوم وليلة لتقيه من شر أهل الحسد ومن شر السحر. أما المسألة الثانية فهي: عمل السحر، وعمل السحر إن كان بواسطة الاستعانة بالشياطين فإنه كفر، بدليل قوله تعالى: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . أما إذا كان السحر بالأدوية وما أشبهها مما لا يكون استعاذة بالشياطين فإنه لا يصل إلى حد الكفر، ولكن يجب على ولي الأمر أن يقوم بما يجب عليه من الحيلولة دون هؤلاء. وأما المسألة الثالثة فهي: الذهاب إلى السحرة، ونقول في الجواب عنها: إنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى الساحر من أجل أن ينقض السحر؛ لأن هذا يؤدي إلى مفاسد كثيرة، منها إعزاز هؤلاء السحرة وكثرتهم؛ لأنه من المعلوم أن النفوس مجبولة على حب المال، وأن الإنسان إذا كان يأخذ أموالًا ربما تكون أموالًا طائلة على نقض السحر فإن ذلك إغراء للناس بتعلم السحر من أجل نقضه، فيحصل في هذا ضرر كبير وابتزاز لأموال الناس، وهنا نقول: إن في الأدوية المباحة والأدعية الواردة عن النبي ﷺ والآيات القرآنية ما يغني عن هذا بإذن الله. ***
سمعت في برنامجكم أنه يمكن التداوي من السحر بتلاوة الآيات القرآنية وبعض الأدوية الحلال، فهل هناك آيات خاصة تقرأ لمثل هذه الحالة أو هناك أدعية خاصة لهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الآيات الخاصة بهذا مثل: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)؛ لأنه ما تعوذ أحد بمثلهما. والأدعية الخاصة بأن يدعو الإنسان ربه بالشفاء: اللهم اشفني من هذا الداء، أو كذلك يدعو له من يقرأ عليه بمثل هذا الدعاء المناسب. ***
بالنسبة للسحر هناك من يربط بين الزوج أي يمتنع عن الاجتماع مع زوجته، فكيف يصرف الإنسان هذا السحر بدون أن يذهب إلى ساحر أو دجال أو مشعوذ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يصرف هذا السحر باللجوء إلى الله ﷿ ودعائه وقراءة سورة الإخلاص وسورة الفلق وسورة الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما، أي: بمثل سورتي الفلق والناس، ويكرر هذا، ولا حرج أن يذهب إلى رجل صالح يقرأ عليه ويدعو له. ***
امرأة قيل لها: إنك معمول لك سحر ويحتاج إلى فك، ولكن ادفعي مبلغ أربعة آلاف ريال وأنا أفكك من هذا السحر، فما هو الحل في ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذا أن نقول: إن حل السحر ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بوسائل محرمة، كأن يُحل بالسحر، مثلما يستعمله بعض البادية من صب الرصاص في الماء على رأس المسحور حتى يعلم بذلك من سحره، فهذا لا يجوز. فإذا كان حل السحر بوسائل محرمة فإن ذلك حرامٌ ولا يجوز؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بسندٍ جيد. والقسم الثاني: أن يكون حل السحر بالطرق المباحة كالأدعية والقراءة على المريض والأدوية المباحة، فهذا لا بأس به ولا حرج. ***
المستمع م. ع. ي. من العراق محافظة ذي قار يقول: السؤال حول موضوع أو ظاهرة تعرف بالدروشة، يقوم بها بعض الناس الذين يدعون بأن نسلهم يرجع إلى الرسول ﷺ، حيث يقوم هؤلاء بإيذاء أنفسهم وضربها بالأسلحة النارية والجارحة وأمام جمعٍ من الناس دون أن يصيبهم أي أذى أو خروج دم من أجسامهم. فهل هذه كرامةٌ أم هو سحرٌ؟ أم إن هناك حديثًا قدسيًا شريفًا أو نصًا قرآنيًا يثبت ذلك؟ وهل هذه الظاهرة موجودةٌ في الأقطار الإسلامية الأخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال حقيقة هو نفسه دروشة. وهؤلاء الدراويش الذين يعنيهم أولًا لا تقبل دعواهم أنهم ينتسبون إلى النبي ﷺ إلا ببينة تاريخية تثبت ذلك، ولو قبلنا هذه الدعوى لادعاها رجالٌ كثير، فدعواهم أنهم من نسل الرسول ﵊ غير مقبولة حتى يثبتوا ذلك بالطرق الصحيحة التي يثبت بها مثل هذا الأمر. وأما كونهم يضربون أنفسهم بالحديد أو غير الحديد ولا يتأثرون بذلك فإن هذا لا يدل على صدقهم ولا على أنهم من أولياء الله ولا على أن هذا كرامةٌ لهم، وإنما هذا من أنواع السحر الذي يسحرون به أعين الناس، والسحر يكون في مثل هذا وغيره، فإن موسى ﵊ لما ألقى سحرة فرعون ألقوا حبالهم وعصيهم صارت من سحرهم يخيل إليه أنها تسعى وأنها حياتٌ وأفاعٍ، وكما قال الله ﷿: (سَحَرُوا أَعْيُنَ النَّاسِ وَاسْتَرْهَبُوهُمْ وَجَاءُوا بِسِحْرٍ عَظِيمٍ) فهذا الذي يفعلونه لا شك أنه نوعٌ من أنواع السحر وأنه ليس بكرامة. واعلم أيها السائل أن الكرامة لا تكون إلا لأولياء الله ﷿، وأولياؤه هم الذين استقاموا على دينه، وهم من وصفهم الله في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . وليس كل من ادعى الولاية يكون وليًا، وإلا لكان كل أحدٍ يدعيها، ولكن يوزن هذا المدعي للولاية يوزن بعمله إن كان عمله مبنيًا على الإيمان والتقوى فإنه ولي، لكن مجرد ادعائه أنه من أولياء الله هذا ليس من تقوى الله ﷿؛ لأن الله تعالى يقول: (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقَى) . فإذا ادعى أنه من أولياء الله فقد زكى نفسه وحينئذٍ يكون واقعًا في معصية الله، فيما نهى الله عنه، وهذا ينافي التقوى، وعلى هذا فإن أولياء الله لا يزكون أنفسهم بمثل هذه الشهادة، وإنما هم يؤمنون بالله ويتقونه ويقومون بطاعته على الوجه الأكمل، ولا يغرون الناس ويخدعونهم بهذه الدعوى حتى يضلوهم عن سبيل الله. ***
ماذا يعمل الإنسان الذي قد كتب له سحر ومتضرر من جراء ذلك؟ وما العمل مفصلًا للذي قد عمل له عقدة أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر من كبائر الذنوب، ومنه ما يكون كفرًا، قال الله ﷿: (وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ) لم يكن له خلاق أي نصيب في الآخرة، فهذا هو الكافر بل في الآية السابقة يقول الملكان: (إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فلا يحل لأحد أن يتعاطى السحر؛ لأنه إما كبيرة وإما كفر على حسب التفصيل الذي ذكره أهل العلم، وأما النشرة وهي حل السحر عن المسحور: فإن كانت من القرآن والأدوية المباحة فإن هذا لا بأس به، وإن كانت بسحر فإن هذا قد اختلف فيه أهل العلم، فمنهم من جوز حل السحر بسحر للضرورة، ومنهم من منع ذلك، والأقرب المنع، وأنه لا يحل حل السحر بالسحر؛ لأننا لو قلنا بذلك لانفتح علينا باب تعلم السحر، وصار كثير من الناس يتعلمون بحجة أنهم يريدون أن يحلوا السحر من المسحور، وهذا باب يفتح شرًّا كبيرًا على المسلمين، وفي الأدعية المشروعة والقراءات المشروعة والأدوية المباحة ما يغني عن ذلك لو اعتمد على الله ﷿ وتوكل عليه. ***
هذه السائلة ع. أ. م. من الأردن تقول: فضيلة الشيخ ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي للسحر هو الرقية بكتاب الله ﷿، بأن يقرأ على المصاب: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، وكذلك الآيات التي فيها بيان أن الله تعالى يبطل السحر مثل: (مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللَّهَ لا يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ)، ومثل قوله: (وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . وكذلك ما جاءت به السنة من الأدعية التي يستشفى بها من المرض. هذا إذا لم يمكن الاطلاع على محل السحر، فإن أمكن فإنه إذا اطلع عليه ينقض. ونسأل الله السلامة. ***
ما هو العلاج الشرعي للسحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاج الشرعي يكون بالآيات القرآنية كالفاتحة والمعوذتين، وما جاءت به السنة من الأدعية، وكذلك بالأدعية المباحة التي يدعو بها الإنسان ربه، هذا هو العلاج الشرعي للسحر. ***
أنا شاب مسلم وعلى علم اليقين أن السحر حرام، ومع هذا فإني أجد في هذه الأيام أناسًا كثيرين يتعرضون لنوبات مرضية ويترددون على عدة أطباء ولم يفدهم أي علاج، بينما يذهبون في النهاية إلى أحد المنجمين السحرة فيتبين أنهم مسحورون من قبل أناس آخرين، فيشفيهم من آلامهم بطريقته الخاصة، أي: باستعمال بعض الكتب. أفيدوني في ذلك أثابكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل معناه النُشرة وهي حل السحر عن المسحور، والأصح فيها أنها تنقسم إلى قسمين: أحدهما: أن تكون بالقرآن والأدعية الشرعية والأدوية المباحة فهذه لا بأس بها؛ لما فيها من مصلحة وعدم المفسدة، بل ربما تكون مطلوبة؛ لأنها مصلحةٌ بلا مضرة. وأما إذا كانت النشرة بشيءٍ محرم كنقض السحر بسحرٍ مثله فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم، فمن العلماء من أجازه للضرورة، ومنهم من منعه؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) رواه أبو داود بإسناد جيد وعلى هذا يكون حل السحر بالسحر محرمًا، وعلى المرء أن يلجأ إلى الله ﷾ بالدعاء والتضرع لإزالة ضرره، والله سبحانه يقول: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . ويقول تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . ***
المستمع رمز لاسمه بالأحرف ز. ل. م. ع. من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: عندي صديق سُحرت زوجته من قبل أناس أعداء له ولأهله، وحاول أن يعالجها بشتى الطرق مثل الكي وغيره ولكن دون فائدة، ودلنا رجل على إنسان يعالج السحر بالسحر، فهل عليه إثم لأنه يستخدم السحر في نفع الناس من السحرة الآخرين، ولم يضر به أحدًا وهل على صديقي هذا إثم لأنه ذهب إلى هذا الساحر لعلاج زوجته مما أصابها من السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أن السحر من أكبر المحرمات، بل هو من الكفر إذا كان الساحر يستعين بالأحوال الشيطانية على سحره أو يتوصل به إلى الشرك، وقد قال الله ﵎: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُواْ اَلشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ) . فهذا دليل على أن تعلم السحر كفر، السحر متلقى من الشياطين، وعلى هذا فيجب الحذر منه والبعد عنه، حتى لا يقع الإنسان في الكفر المخرج عن الملة والعياذ بالله. وأما حل السحر عن المسحور فإنه ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون بالأدعية والأدوية المباحة وبالقرآن، فهذا جائز لا بأس به، ومن أحسن ما يقرأ به على المسحور: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، فإنه ما تعوذ متعوذ بمثلهما. وتارة يكون حل السحر بسحر، وهذا مختلف فيه سلفًا وخلفًا، فمن العلماء من رخص فيه لما فيه من إزالة الشر عن هذا المسحور، ومنهم من منعه وقال: إنه لا يحل السحر إلا ساحر، وهذا أحسن؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وعمل الشيطان هو ما كان بالسحر، أما ما كان بالقرآن أو بالأدعية المباحة فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه. وعلى من ابتلي بهذا الأمر أن يصبر وأن يكثر من القراءة والأدعية المباحة حتى يشفيه الله تعالى من ذلك. فضيلة الشيخ: الشخص الذي يستخدم السحر أو يزاول السحر ماذا عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبق أن قلنا: إذا كان سحره بواسطة الشياطين أو لا يتوصل إليه إلا بالشرك فإن هذا شرك مخرج عن الملة. فضيلة الشيخ: والتصديق به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التصديق بالسحر نوعان: أحدهما: أن يصدق بأثره أن له تأثيرًا، وهذا لا بأس به؛ لأن هذا هو الواقع. والثاني: أن يصدق به إقرارًا، أي: مقرًا له وراضيًا به، فهذا محرم ولا يجوز. ***
يقول المستمع: إنني أعلم أن الذهاب إلى الكهنة والسحرة حرام شرعًا، فماذا يفعل من ابتلي بالسحر أي عمل له سحر وسبب له تعبًا وإعياءً؟ فهل يجوز له أن يذهب إلى السحرة لفك السحر؟ أم أن هناك آيات معينة في فك السحر أو التحصن من السحرة؟ وماذا يفعل هذا الشخص تجاه هذا الساحر خاصةً إذا كان يسكن بجواره؟ هل يتركه أم ينتقم منه؟ ماذا يفعل؟ أفيدونا مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: حل السحر يكون بأمرين: الأمر الأول: القراءات والتعوذات الشرعية، واللجوء إلى الله ﷾، وكثرة الدعاء والإلحاح فيه، وهذا لا شك أنه جائز، ومن أحسن ما يستعاذ به سورة الفلق وسورة الناس: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١) مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ)، (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) مَلِكِ النَّاسِ) الآيات. فإذا داوم الإنسان على هذا فإنه يشفى بإذن الله ﷿. وأما النوع الثاني من الدواء مما يحل به السحر فهو: أن يحل بسحرٍ مثله، وهذا فيه خلافٌ بين أهل العلم، فمن أهل العلم من أجازه ومنهم من لم يجزه، والأقرب أنه لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ سئل عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان)، وإذا كانت من عمل الشيطان فإنه لا يجوز لنا أن نفعلها؛ لقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ وَمَنْ يَتَّبِعْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ فَإِنَّهُ يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) . وأما ما ذكره عن جاره الذي يقول: إنه ساحر، فعليه أن يقوم بنصيحته ويخوفه من الله ﷿، ويبين له أن السحر كفرٌ وردة، وأن فيه أذيةً للمسلمين، فإن انتهى ومنَّ الله عليه بالهداية فهذا هو المطلوب، وإلا وجب أن يرفع إلى ولاة الأمور، ليقوموا بما يلزم نحو هذا الساحر. ***
هل يجوز الذهاب إلى السحرة لفك السحر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سئل النبي ﷺ عن النشرة فقال: (هي من عمل الشيطان) . وقسم العلماء ﵏ النشرة إلى قسمين: القسم الأول: أن تكون نشرة بالأدعية أو بالرقى من القرآن والسنة، أو باستعمال مأكول أو مشروب مباح، فهذه جائزة ولا بأس بها. والثاني: أن تكون بالسحر، بمعنى: أن نفك السحر بسحر، فهذه هي التي أرادها النبي ﵊ في قوله: (هي من عمل الشيطان) . ***
أبو هبة من المغرب يقول: اضطر شخص إلى أن يذهب إلى أحد السحرة ليفك عن ابنه سحرًا فهل يجوز له ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السحر لا شك أنه داء عضال، وأنه جناية من الساحر عظيمة، والساحر الذي يستعين بالأرواح الشيطانية أو بالشياطين أو بالجن كافر- والعياذ بالله -كفرًا مخرجًا عن الملة وإن صام وصلى؛ لقول الله ﵎: (وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) . فالساحر الذي يستعين بالشياطين والأرواح الشيطانية والجن كافر عليه أن يتوب إلى الله وأن يرجع إليه، وأن يقلع عن ما يفعل. أما المسحور فقد ابتلي ببلية ابتلاه الله بها على يد هذا الساحر، وله أن يسعى بقدر ما يستطيع لفك السحر عنه، وأحسن ما يكون في فك السحر كتاب الله ﷿ والآيات القرآنية التي جاءت بفك السحر، مثل: قل أعوذ برب الفلق، وقل أعوذ برب الناس، وقل هو الله أحد، وآية الكرسي، والآيتين في آخر سورة البقرة. فإذا قرأها قارئ مخلص مؤمن بها وكان المصاب بالسحر متقبلًا لها معتقدًا نفعها فإنها تنفعه بإذن الله ﷿، ويوجد ولله الحمد من يقوم بهذا بكثرة، وفي هذا غنى عن الذهاب إلى السحرة. نسأل الله لنا ولإخواننا المسلمين السلامة من الآفات، وأن يقينا شر عباده. ***
إذا سحر أحدهم يذهبون إلى شيخ كما يسمي نفسه، ويكتب لهم ورقة فيها آيات من القرآن، ثم يحرقها في النار، ويجعلها تحت الشخص المسحور، حتى إذا اشتم رائحة الدخان نطق باسم من سحره، فيقول: سحرني فلان بن فلان ويذكر السبب الذي سحره من أجله. وقد أحدثت هذه الحالة الكثير من المشاكلات حتى وصل بعضها إلى السلطات، فما الحكم في هذا العمل من الفاعل والمفعول له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أن هذا لا يجوز، لو كان هذا الرجل الشيخ يكتب القرآن ويعطيه المريض فيشربه لكان هذا مما ورد عن السلف وكان هذا جائزًا وتأثيره ظاهر، أما كونه يكتب الآيات ثم يحرقها حتى يشم هذا المسحور دخانها فأخشى أن يكون هذا الإحراق امتهانًا للقرآن أمام الشياطين التي تريد من بني آدم أن يمتهن كتاب الله ﷿ حسًا ومعنى، وإلا فلا وجه للإحراق؛ لكونه يشم دخان هذا الورق الذي احترق، فالذي أرى في هذه الحال أنه لا يجوز أن يذهب إلى هذا الرجل ويؤخذ منه هذا الدواء، وأن يستعين المسحور بالأدوية الحسية الطبيعية المعروف تأثيرها، وبالدعاء، وبالآيات القرآنية، ومنها: (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ)، و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ)، فإن هاتين السورتين ما تعوذ متعوذ بمثلهما. ***
من السودان الطيب م. م. يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ فيمن يترددون على الكهان والسحرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن هذا لا يجوز؛ لأن النبي ﷺ قال: (من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، أو قال: أربعين ليلة) . وهذا الأسلوب من أساليب التحريم؛ لأن منع قبول صلاته أربعين ليلة يدل على أنه أتى إثمًا، وكذلك من أتى كاهنًا، فإن إتيان الكاهن من جنس إتيان العراف، على أن بعض أهل العلم يقولون: إن العراف اسم لكل من يدعي معرفة الأمور عن طريق الغيب. فإن أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ، وذلك لأنه إذا سأله عن أمر من أمور الغيب فصدقه به، فقد كذّب قول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّه) . فلا أحد يعلم المستقبل أبدًا، ومن ادعى علمه فقد كذب هذه الآية. ***
ف. ع. البارقي تقول: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في رجلٍ يقول مثل هذا القول: لولا تحزين الناس لأخبرت كل إنسان باليوم الذي يموت فيه هذا الرجل. تقول: بأن والدي يصدق هذا الرجل ويقول بأنه عالم ولم يأتِ بعده أعلم منه، علمًا بأن هذا الرجل قد مات، ولكن والدي لم ينس هذا الرجل، فما حكم الشرع في نظركم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إنه إذا صدق هذا الرجل فقد كفر بما أنزل على محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأنه صدق بأمرٍ يناقض قول الله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . ومعلومٌ أن وقت موت الإنسان غيبي لا يعلمه إلا الله ﷿، فمن ادعى علمه فهو كاذب، فالرجل الذي يدعي أنه يعلم متى يموت الناس كاذبٌ بلا شك، ومن يصدقه كافرٌ؛ لقوله تعالى: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . فنصيحتي لوالدك أن يتوب إلى الله ﷿ من تصديق هذا الرجل، وأن يعتقد أنه رجلٌ كذاب خرافي، لا يجوز أن يصدق بما يدعيه من علم الغيب. ***
المستمع أحمد الرفاعي له سؤال يقول فيه بالنسبة للشعوذة والدجل توجدان رغم ثقافة المواطنين بكثرة، وما زال الناس يرزحون تحت وطأتها، والإيمان بها عند ضعاف العقول. هل من نصيحة أو توجيه حول هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النصيحة هو أن نلتزم بما دلت عليه السنة النبوية التي صدرت عن أنصح الخلق للخلق وأعلم الخلق بما ينفع الخلق محمد ﷺ، وقد نهى النبي ﷺ عن الكهانة وحذر من إتيان الكهان وقال: (من أتى عرافًا فسأله لم تقبل له صلاة أربعين يومًا، ومن أتى كاهنًا فصدقه فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ .ونهى عن الطيرة، وهي: التشاؤم بمرئي أو مسموع أو زمان أو مكان. ونهى عن السحر وقال: (ليس منا من تكهن أوتكهن له، أو سحر أو سحر له) . كل هذا من أجل أن يسير الناس في حياتهم على حياة الجد وعدم التعلق بالمخلوقين، وأن يكلوا أمرهم إلى الله ﷿، وأن يكون تعلقهم به وحده حتى يكونوا في سيرهم راشدين مرشدين. والله الموفق. ***
المستمع نشوان حميد من العراق نينوى يقول: ماذا يعني تحضير الأرواح؟ وهل هذا موجود حقيقة أم خرافة؟ حيث يقال: إن هناك أشخاصًا يحضرون أرواح الأموات ويلتقون معهم ويكلمونهم، فهل هذا صحيح؟ ويقال: إنه توجد كتب عن تحضير الأرواح، فما رأيكم؟ وما حكم ممارسة مثل هذا العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التحضير لأرواح الموتى لا يصح ولا يمكن أن يكون ثابتًا، وإذا قدر أن أحدًا زعم أنه حضر روح فلان وخاطبها وخاطبته فإن هذا شيطان يخاطبه بصوت ذلك الميت، فإن الأرواح بعد الموت محفوظة، كما قال الله تعالى: (وهو القاهر فوق عباده ويرسل عليكم حفظة.حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لا يُفَرِّطُونَ) . أي: لا يفرطون في حفظ هذه الروح. ثم إن الأرواح تكون بعد الموت في مقرها، ولا يمكن أن تحضر إلى الدنيا بأي حال من الأحوال. وتعاطي مثل هذا العمل محرم؛ لما فيه من الكذب والدجل وغش الناس وأكل المال بالباطل، فالواجب الحذر منه والتحذير أيضًا؛ لما فيه من المفاسد الكثيرة العظيمة. ***
رسالة من الأخوين يونس ومحمد ابني صالح بن سالم التوبي من سلطنة عمان يقولان: نحن نعلم علم اليقين أن الإسلام حرم الشعوذة وحاربها، ولكن يحدث أحيانًا أن يصاب شخص ما بأحد الأمراض فيراجع كل الأطباء المختصين بذلك المرض ولكن دون جدوى، وأخيرًا يقال له: إننا لم نعرف هذا الداء من قبل وليس عندنا له دواء، إلى أن يزداد عليه المرض أكثر فأكثر، وأخيرًا يقرر أن يذهب لأحد المنجمين مع أنه يعلم أن ذلك حرام، ففعلًا ذهب وما هي إلا أيام حتى بَرَأَ بحمد الله. فما رأيكم في مثل هذه الأحوال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا في هذه الأحوال أن السائل حكم على نفسه بأنه فعل محرمًا؛ لأنه ذكر أنه يعلم أنه حرام، وأن الإتيان إلى الكهان والمنجمين محرم، وإذا كان محرمًا فإنه لا يجوز للإنسان أن يذهب إليهم؛ لأن الله تعالى لم يجعل شفاء هذه الأمة فيما حرم عليها، والواجب على هذا الذي فعل ما فعل، الواجب عليه أن يتوب إلى الله ﷾ من هذا العمل، وأن يكثر من الاستغفار والتوبة والعمل الصالح لعل الله ﷾ أن يعفو عنه. ومن أصيب بمثل هذه الأمور فإن له طريقًا مفيدًا جدًا بل هو أفيد الأشياء لمن وفق له، وهو: القراءة على هذا المصاب بالآيات القرآنية، وبما صح عن النبي ﷺ من الأحاديث النبوية التي يستشفى بها، ففيها الشفاء وفيها الكفاية وفيها العافية. ***
أسمع كثيرًا عندنا بوجود كنوز مدفونة وموضوعة قديمًا في باطن الأرض وعليها رصد من الجن، ولكي يستخرجوا هذا الكنز يذهب العارفون لأماكنها للشيخ الفلاني وعنده علم كافٍ بعلم استخراج الكنز وعلم التعامل مع الجن، فيقرؤون عليه نوعًا من آيات القرآن الكريم والطلاسم ويقال بأنهم فعلًا يستخرجونها ويظهرونها ويقدرون على هزيمة الجن، هل هذا العمل جائز أم شعوذة؟ أرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل ليس بجائز، فإن هذه الطلاسم التي يحضرون بها الجن ويستخدمونهم بها لا تخلو من شرك في الغالب، والشرك أمره خطير، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . والذي يذهب إليهم يغريهم ويغرهم، يغريهم بأنفسهم وأنهم على حق ويغرهم بما يعطيهم من الأموال. فالواجب مقاطعة هؤلاء وأن يدع الإنسان الذهاب إليهم، وأن يحذر إخوانه المسلمين من الذهاب إليهم، والغالب من أمثال هؤلاء أنهم يلعبون على الناس ويبتزون أموالهم بغير حق ويقولون القول تخرصًا، ثم إن وافق أخذوا ينشرونه بين الناس ويقولون: نحن قلنا وصار كذا نحن قلنا وصار كذا، وإن لم يوافق ادعوا دعاوي باطلة أنها هي التي منعت هذا الشيء. وإني أوجه النصيحة بهذه المناسبة إلى من ابتلوا بهذا الأمر وأقول لهم: احذروا بأن تمتطوا الكذب على الناس والشرك بالله وأخذ أموال الناس بالباطل، فإن أمد الدنيا قريب والحساب يوم القيامة عسير، وعليكم أن تتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل وأن تصححوا أعمالكم وتطيبوا أموالكم. والله الموفق. ***
رسالة وردتنا من شخص من اليمن وهو مقيم بالسعودية في الدمام يقول المرسل محمد بن علي الجبلي: في مدينة عمران باليمن امرأة تدعى السندية لها عشرون عاما ً تسلب أموال الناس، ويقصدها الكثير من الجهال يسألونها عن المغتربين ما بهم ومتى يأتون؟ ويقصدها المرضى للشفاء. وإذا حضروا عندها جاءت بغطاء ووضعته على نفسها ثم تقول بصوت متغير: فلان يأتي بعد كذا يوم أو شهر أو لا يأتي، والمريض فلان يشفى وهذا حرز له أو لا يفيد معه الحرز، وتخبر النساء عن ما يكنه لهن الأزواج، حتى إن زوجتي ذهبت لها وقالت لها: إن زوجك يفكر في الزواج فأرسلت لي زوجتي ورقة تطلب طلاقها، فأرسلتها لها وفيها الخلوع بالثلاث هل هذا الطلاق صحيح أم باطل؟ علمًا أن له ستة شهور ولا أعلم ما السبب. وهذه المرأة تدعي أن معها أشرافًا يخبرونها، وكثيرًا ما تقول للرجال: إن لزوجاتكم رجالًا غيركم لتوقع بين الزوجات وأزواجهن. فهل في الجن أشراف يعلمون الغيب؟ أفيدونا بدقة عن هذا الموضوع. فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المرأة من الكهان؛ لأنها تدعي أنها تعلم عن المستقبل، وكل من يدعي أنه يعلم المستقبل فإنه كاهن كاذب لا يجوز الإتيان إليه ولا يجوز تصديقه، بل إن تصديقه تكذيب للقرآن، فإن الله تعالى يقول: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ) . والغيب ما غاب عن الإنسان من الأمور المستقبلة فلا يعلمه إلا الله ﷿، وهذه المرأة التي تدعيه هي أيضًا مكذبةٌ للقرآن، فيجب على ولاة الأمور أن يمنعوا مثل هذه الأمور في بلادهم، حتى لا يوقعوا الناس فيما يخالف عقيدتهم وفيما يكذب كلام الله ورسوله ﷺ، أما ما تدعيه هذه المرأة من علم الغيب فإنه لا يجوز تصديقه أبدًا، وإذا قدر أن ما تخبر به يقع منه شيء فإنما ذلك عن مصادفة أو عن أمر استمع من السماع وتضيف هي إليه عدة كذبات لتموه على باطلها. وأما بالنسبة لما تدعيه من مكالمة الأشراف من الجن لها فهذا أيضًا دعوى كاذبة؛ لأن الكاهن بجميع ما يقول وجميع ما يذكر من مؤثرات لكهانته يجب تكذيبه، والجن لا يعلم الغيب بنص القرآن، يقول الله تعالى: (فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ "يعني: سليمان" مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ "يعني: عصاه" فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ) . فلا أحد يعلم الغيب لا من الجن ولا من الملائكة ولا من الإنس: (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) . وقال ﷾: (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا. إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَدًا) . وأما بالنسبة لقوله: إنه خالع زوجته ثلاثًا فهذه مسألة الطلاق الثلاث، وإذا كان يريد الرجوع إلى زوجته فإنه موضع خلاف بين أهل العلم، هل له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه المرأة أو ليس له أن يراجعها؟ والراجح أنه يجوز له أن يراجعها إذا لم يسبق له طلقتان على هذه الطلقة، فإن في صحيح مسلم حديث ابن عباس ﵁ قال: كان الطلاق الثلاث في عهد النبي ﷺ وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر قال: كان الطلاق الثلاث واحدةً، فلما تتابع الناس في هذا قال عمر ﵁: أرى الناس قد تعجلوا في أمر كانت لهم فيه أناة، فلو أمضيناه عليهم؟ وهذا نص صريح بأن إمضاء الثلاث على البينونة أمر اجتهادي من أمير المؤمنين عمر ﵁، وكما أن هذا مقتضى النص فهو أيضًا مقتضى النظر، فإن الطلاق الثلاث أمره إلى الشرع لا إلى الإنسان. والإنسان لو قال: أستغفر الله ثلاثًا سبحان الله ثلاثًا لو قال دبر الصلاة: سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ثم قال بعده: ثلاثًا وثلاثين ما كتب له ثلاث وثلاثون. فإذا كان هذا لا يحصل في الأمور المرغوبة المحبوبة إلى الله ﷿ وهو: الإثابة على ذكره وطاعته- فكيف يكون في الأمور التي غاية ما هي أنها من الأمور المباحة كالطلاق؟ فإن النظر والقياس الصحيح يقتضي أن طلاق الثلاثة واحدة، فيكون مؤيدًا بالنص وبالنظر. كما أن الله ﷾ قال لنبيه: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) فطلقوهن لعدتهن، والطلاق للعدة لا يكون إلا والمرأة عند زوجها أي غير مطلقة؛ لأنها إذا طلقت بعد أن طلقت في نفس العدة لم تكن مطلقةً للعدة. ولهذا يقول العلماء ﵏: لو أن الرجل طلق امرأته اليوم وبعد أن حاضت مرتين أردفها بطلقةٍ ثانية فإنها لا تستأنف العدة بهذه الطلقة الثانية. دل ذلك على أنها طلقة لغير العدة، وإذا كانت طلقة لغير العدة صارت غير مأمور بها؛ لأن الله يقول (فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنّ) . وقد ثبت عن النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وقد ذهب شيخ الإسلام ابن تيميه ﵀ أن الطلاق الثلاث ولو بكلماتٍ متفرقة لا يقع إلا واحدة فقط، إلا إذا تخلله رجعة أو عقد نكاح جديد. ***
ف. ص. هـ. من القصيم تقول: هي امرأة متزوجة من رجل وقد أنجبت منه أربعة أولاد، ولكنه يسيء معاملتها وأولادها ولا يوفر لهم ما يحتاجون إليه، ومع ذلك يمنعها من أن تأخذ شيئًا من أهلها كطعام ونحوه، ويمنعها أن تشتري لهم ما يحتاجون، فلا هو يصرف عليهم ويلبي طلباتهم ولا هو يقبل أن تستعين بنفسها أو بأهلها حتى في الضروريات، فكيف تتصرف مع هذا؟ علمًا أنه مقصر في دينه كثيرًا: فهو يشرب الخمر، ويتناول الحبوب المخدرة، وقد تزوج بزوجة أخرى، ولسوء تصرفاته فقد شكت في كمال عقله ووعيه، فذهبت تبحث عن سبب لذلك حتى أتت بعض الكهنة وشرحت لهم حالته، فقالوا لها: إنه مسحور. وقد ندمت على ذهابها إليهم وتابت إلى الله توبة نصوحًا فهي تسأل: هل عليها شيء في ذلك؟ وماذا عليه في تصرفاته؟ وهل يجوز لها البقاء معه على تلك الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن عدة مسائل: المسألة الأولى وهي من أهمها: ذهابها إلى الكهان، ولكنها قد ذكرت أنها تابت إلى الله ﷿، وهذا هو الواجب على من فعل محرمًا أن يبادر بالتوبة إلى الله ﷾ فيندم على ما مضى ويعزم على ألا يعود في المستقبل. والمسألة الثانية: تصرفات زوجها معها ومع أولادها بكونه يقصر في نفقتهم ويمنعها من أن تأتي بما يكملها من نفسها أو من أهلها. والجواب على هذه المسألة أن نقول: إذا كان لا يمكنها أن تأخذ من ماله ولو بغير علمه للإنفاق على نفسها وأولادها فإنه لا حرج عليها أن تأخذ من أهلها ما تنفق به على نفسها وأولادها، ولو منعها من ذلك فإنه ظالم، وهو ظالم حيث يمنعها من النفقة الواجبة عليه إن صح ما تقول في هذا الرجل. المسألة الثالثة: البقاء معه أو طلب الفراق. فإذا كانت ترجو في البقاء معه أن يصلح الله حاله بالنصح والإرشاد فإنها تبقى معه؛ لئلا ينفرط سلك العائلة وتحصل مشاكلات بينها وبينه ويحصل القلق لأولادها، وإذا كانت لا ترجو ذلك فإنها تستخير الله ﷿ وتشاور من تراه ذا عقل راجح في هذه المسألة هل تبقى أو تفارق؟ ونسأل الله أن يختار لها ما فيه الخير والصلاح، ومحل ذلك ما لم يكن هذا الزوج تاركًا للصلاة، فإن كان تاركًا للصلاة فإنه لا يجوز لها البقاء معه؛ لأن ترك الصلاة كفر مخرج عن الملة، والكفر المخرج عن الملة يقتضي انفساخ النكاح. والله أعلم. ***
من كان به مرضٌ ودُلّ على شخصٍ يتلو على المريض ويعطي له دواء على حسب ما يراه حيث يقول: إن فلانًا به كذا وعُمِل له كذا، أو طاح على مكانٍ به جنٌ فما هو الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الرجل الذي ذهب إليه من الصالحين المعروفين بالاستقامة والثبات والأمانة فإنه لا بأس أن يذهب إليه ليقرأ عليه الأدعية المشروعة ويعطيه من الأدوية المباحة ما ينتفع به. وأما إخباره بما جرى على الشخص فهذا لا بأس به أيضًا، إذا كان الرجل المخبر من المعروفين بالصدق والإيمان والتقوى؛ لأنه قد يكون له صاحبٌ من الجن يخبره بما حصل. والشيء المحرم الذي لا يجوز تصديقه إذا أخبر بشيءٍ مستقبل، فإن هذا لا يجوز؛ لأنه من الكهانة، والكهانة حرام التصديق بها: (ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد ﷺ . فالشيء الماضي ليس غيبًا؛ لأنه مشاهدٌ معلوم، ولكنه قد يكون غيبًا بالنسبة لأحدٍ دون أحد، ولا يمتنع أن يعلم به أحدٌ من الجن فيخبر به صاحبه هذا. ***
الشرك
ما هو الشرك وما هي أنواعه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك أن يجعل الإنسان مع الله تعالى شريكًا في ربوبيته، أو ألوهيته، أو أسمائه وصفاته. ففي الربوبية: أن يجعل خالقًا مع الله ﷿ لهذا الكون، أو يجعل معينًا لله تعالى في خلق هذا الكون. وفي الألوهية: أن يتخذ إلهًا مع الله يعبده، إما ولي أو نبي، أو أمير أو وزير، أو حجر أو شجر، أو شمس أو قمر. وأما في الأسماء والصفات: فأن يعتقد أن أسماء الله وصفاته مماثلة لصفات المخلوقين، ويجعل صفات المخلوق كصفات الخالق. وأما أنواعه: فمنه الأصغر والأكبر، والأخفى والأبين، وهو أنواع كثيرة. وما أحسن أن يقول الإنسان: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم. فإن الشرك أخفى من دبيب النمل على الصفاة السوداء في ظلمة الليل، فليحذر الإنسان منه، وليسأل الله الخلاص، وليلجأ إلى الله تعالى دائمًا مستعينًا به. ***
هذا السائل أسعد المصري مقيم بالمملكة العربية السعودية يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن الشرك الأكبر، وما هو الشرك الأصغر؟ أرجو الإفادة في سؤالي ذلك مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك الأكبر هو الشرك المخرج عن الملة، مثل أن يعتقد الإنسان أن مع الله إلهًا آخر يدبر الكون، أو أن مع الله إلهًا آخر خلق شيئًا من الكون، أو أن مع الله أحدًا يعينه ويؤازره، فهذا كله شركٌ أكبر، وهذا الشرك يتعلق بالربوبية. أو أن يعبد مع الله إلهًا آخر، مثل أن يصلى لصاحب قبر، أو يتقرب إليه بالذبح له تعظيمًا له أو ما أشبه ذلك، وهذا من الشرك في الألوهية. فالشرك الأكبر ضابطه: ما أخرج الإنسان عن الملة. وأما الشرك الأصغر فهو كل عملٍ أطلق الشرع عليه اسم الشرك، وهو لا يخرج من الملة، مثل الحلف بغير الله فإنه من الشرك الأصغر، كأن يقول قائل: والنبي محمدٍ ما فعلت كذا، أو: والنبي محمدٍ لأفعلن كذا، أو يحلف بالكعبة فيقول: والكعبة المعظمة ما فعلت كذا، أو: والكعبة المعظمة لأفعلن كذا أو ما أشبه ذلك. فالمهم أن الحلف بغير الله من الشرك، لكنه شركٌ أصغر لا يخرج به الإنسان من الملة. والدليل على أنه من الشرك قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . إلا أنه إذا اعتقد أن لهذا المحلوف به من التعظيم مثل ما لله ﷿ من التعظيم فهنا يكون مشركًا شركًا أكبر لأنه ساوى المخلوق بالخالق، فيكون بذلك مشركًا شركًا أكبر وليعلم أن الشرك لا يغفره الله ﷿، سواءٌ كان أصغر أم أكبر لعموم قول الله ﵎: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا) . هذا في آية، وفي آية أخرى: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا بَعِيدًا) . ***
هذا السائل الذي رمز لاسمه س. ع. د. يقول: فضيلة الشيخ ماهي أنواع الشرك المخرج من الملة؟ وهل كل من عمل بها يكون مشركًا، أو الذي يقوم عليه الدليل الشرعي؟ أرجو الإفادة مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك المخرج عن الملة هو: أن يتخذ الإنسان إلهًا مع الله يعبده ويتقرب إليه بالركوع والسجود والذبح والصوم وما أشبه ذلك، أو يتخذ مع الله ربًّا يستغيث به ويستنصر به ويستنجد به. فالأول شرك في الألوهية، والثاني شرك في الربوبية. فمن فعل شيئًا من ذلك فهو مشرك، هذا هو الأصل، لكن قد يقوم بالشخص مانع يمنع من الحكم عليه بالشرك، مثل: أن يكون الإنسان جاهلًا لا يدري، رأى الناس يفعلون شيئًا ففعله، فإذا نبهناه ترك ما هو عليه واهتدى، فإن هذا لا يكون مشركًا مخلدًا في النار؛ لأنه جاهل، إلا أنه ربما يكون غير معذور بهذا الجهل، مثل أن يفرط في طلب العلم، فيقال له مثلًا: هذا من الشرك ولا يجوز، ولكنه يتهاون ولا يسأل، فإن هذا ليس بمعذور في جهله؛ لأنه مفرط ومتهاون. ***
المستمع أ. ع. ع. من العراق ديالة يقول: ما هو الشرك الخفي؟ وما الفرق بينه وبين الشرك الأصغر؟ وكيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشرك شرك أكبر وشرك أصغر وشرك خفي: أما الشرك الأكبر فمثل أن يصرف الإنسان شيئًا من العبادة لغير الله ﷿، ومن العبادة الدعاء، فإذا دعا الإنسان غير الله، كما لو دعا نبيًا أو وليًا أو ملكًا من الملائكة، أو دعا الشمس أو القمر، لجلب نفع أو دفع ضرر كان مشركًا بالله شركًا أكبر، وكذلك لو سجد لصنم، أو للشمس أو للقمر، أو لصاحب القبر أو ما أشبه ذلك، فإن ذلك شرك أكبر مخرج عن الملة والعياذ بالله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهذا في الأعمال الظاهرة، وكذلك لو اعتقد بقلبه أن أحدًا يشارك الله تعالى في خلقه، أو يكون قادرًا على ما لا يقدر عليه إلا الله ﷿، فإنه يكون مشركًا شركًا أكبر. أما الشرك الأصغر فإنه ما دون الشرك الأكبر، مثل: أن يحلف بغير الله غير معتقد أن المحلوف به يستحق من العظمة ما يستحقه الله ﷿، فيحلف بغير الله تعالى تعظيمًا له- أي: المحلوف به- ولكنه يعتقد أنه دون الله ﷿ في التعظيم، فهذا يكون شركًا أصغر؛ لقول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وهو محرم سواء حلف بالنبي أو بجبريل أو بغيرهما من الخلق، فإنه حرام عليه، ويكون به مشركًا شركًا أصغر. وأما الشرك الخفي فهو ما يتعلق بالقلب من حيث لا يطلع عليه إلا الله، وهو إما أن يكون أكبر وإما أن يكون أصغر: فإذا أشرك في قلبه مع الله أحدًا يعتقد أنه مساوٍ لله تعالى في الحقوق وفي الأفعال كان مشركًا شركًا أكبر، وإن كان لا يظهر للناس شركه فهو شرك خفي على الناس، لكنه أكبر فيما بينه وبين الله ﷿، وإذا كان في قلبه رياء في عبادة يتعبد بها لله فإنه يكون مشركًا شركًا خفيًا؛ لخفائه على الناس، لكنه أصغر؛ لأن الرياء لا يخرج به الإنسان من الإسلام. فضيلة الشيخ: يقول: كيف يمكن أن يتخلص منه المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التخلص من الشرك الأصغر أو الأكبر بالرجوع إلى الله ﷿ والتزام أوامره فعلًا والتزام اجتناب نواهيه، وبهذه الاستقامة يعصمه الله تعالى من الشرك. ***
يقول:نسمع عن الرياء فما حكمه في الإسلام؟ وهل له أقسام؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الرياء أن يعمل العبد عملًا صالحًا ليراه الناس فيمدحوه به ويقولوا: هذا رجل عابد، هذا رجل صالح وما أشبه ذلك، وهو مبطل للعمل إذا شاركه من أوله، مثل أن يقوم الإنسان ليصلى أمام الناس ليمدحوه بصلاته، فصلاته هذه باطلة لا يقبلها الله ﷿، وهو نوع من الشرك. قال الله ﵎ في الحديث القدسي: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . ولا شك أن المرائي مشرك مع الله؛ لأنه يريد بذلك ثناء الله عليه وثواب الله ويريد أيضًا ثناء الخلق، فالمرائي في الحقيقة خاسر؛ لأن عمله غير مقبول، ولأن الناس لا ينفعونه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن عباس ﵄: (واعلم أن الأمة لو اجتمعوا على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك) . ومن أخلص عمله لله ولم يراع الناس به فإن الله تعالى يعطف القلوب عليه ويثنى عليه من حيث لا يشعر، فأوصي إخواني المسلمين بالبعد عن الرياء في عباداتهم البدنية كالصلاة والصيام، والمالية كالصدقة والإنفاق، والجاهية كالتظاهر بأنه مدافع عن الناس قائم بمصالحهم وما أشبه ذلك. ولكن لو قال قائل: إنه يتصدق من أجل أن يراه الناس فيتصدقوا، لا من أجل أن يراه الناس فيمدحوه، فهل هذا خير؟ فالجواب: نعم هذا خير، ويكون هذا داخلًا في قول النبي ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولهذا امتدح الله ﷿ الذين ينفقون أموالهم في السر وفي العلانية: في السر في موضع السر، وفي العلانية في موضع العلانية. ***
بارك الله فيكم يقول: كيف يكون إخلاص النية في العمل يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إخلاص النية في العمل هو أن يتناسى الإنسان كل ما سوى الله، وأن لا يكون الحامل له على هذه العبادة إلا امتثال أمر الله ﷿ وإرادة ثوابه وابتغاء وجهه ﷿، وأن يتناسى كل شيءٍ يتعلق بالدنيا في هذه العبادة، فلا يهتم بالناس أرأوه أم لم يروه، أسمعوه أم لم يسمعوه، ولا يبالي بهم أثنوا عليه أم قدحوا فيه. وكذلك أيضًا من أسباب الإخلاص أن يكون الإنسان حين قيامه بالعبادة مستحضرًا لأمر الله ﷿ بها، ومستحضرًا لاتباع الرسول ﷺ فيها. مثال ذلك: رجل قام يتوضأ للصلاة، فهنا نقول: أولًا استحضر أنك إنما توضأت امتثالًا لأمر الله ﷿، كأنك الآن تقرأ قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) . وكأنك لوضوئك تقول: سمعًا وطاعة، تجد في هذا حلاوة ولذة وحبًا للطهارة؛ لأن الله أمرك بها، ثم استحضر أنك في هذا العمل متبعٌ لرسول الله ﷺ، كأنما رسول الله ﷺ أمامك وأنت تتبعه في هذا الوضوء، وبهذا يتحقق لك الثواب والأجر للإخلاص والمتابعة، وبذلك تحقق شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله. ***
فضيلة الشيخ الحج شعيرة عظيمة مبناها على الإخلاص، فيجب إخلاصها لله تعالى. نريد وقفة حول ضرورة إخلاص هذه الشعيرة لله ﷿، وأن ذلك من أساس الاعتقاد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإخلاص شرط في جميع العبادات، فلا تصح العبادة مع الإشراك بالله ﵎: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) . وقال الله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . وقال الله تعالى: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ* أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ) . وفي الحديث الصحيح القدسي أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: قال الله تعالى: (أنا أغنى الشركاء عن الشرك، من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) . والإخلاص لله في العبادة معناه: ألا يحمل العبد إلى العبادة إلا حب الله تعالى وتعظيمه ورجاء ثوابه ورضوانه، ولهذا قال الله تعالى عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) . فلا تقبل العبادة- حجًا كانت أم غيره- إذا كان الإنسان يرائي بها عباد الله، أي: يقوم بها من أجل أن يراه الناس فيقولوا: ما أتقى فلانًا، ما أعبد فلانًا لله، وما أشبه هذا. ولا تقبل العبادة إذا كان الحامل عليها رؤية الأماكن أو رؤية الناس أو ما أشبه ذلك مما ينافي الإخلاص، ولهذا يجب على الحجاج الذين يؤمون البيت الحرام أن يخلصوا نيتهم لله ﷿، وألا يكون غرضهم أن يشاهدوا العالم الإسلامي أو أن يتجروا أو أن يقال: فلان يحج كل سنة وما أشبه ذلك، ولا حرج على الإنسان أن يبتغي فضلًا من الله بالتجارة وهو آمٌّ للبيت الحرام؛ لقول الله ﵎: (لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلًا مِنْ رَبِّكُمْ) . وإنما الذي يخل بالإخلاص ألا يكون له قصد إلا الاتجار والتكسب، فهذا يكون ممن أراد الدنيا بعمل الآخرة، وهذا يوجب بطلان العمل أو نقصانه نقصًا شديدًا، قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ) . ***
تقول السائلة: ينتابني شعور في داخلي بأنني إذا عملت أمام الناس أي عمل صالح يكون هذا العمل رياء، فمثلًا: عندما أصلى الظهر في المدرسة أصلى السنة القبلية والبعدية فيقولون: صلاة هذه المرأة طويلة. هل هذا العمل من الرياء؟ علمًا بأنني أصلى السنة في كل مكان وليس في المدرسة. أرشدوني مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الشعور بالرياء من الشيطان ليصد الإنسان عن طاعة الله ﷿، والشيطان- أعاذنا الله وإياكم منه- يشم القلب، فإن وجد منه قوة على الطاعة رماه بهذا السهم سهم الرياء وقال: إنك مُراءٍ وإن رأى معه ضعفًا في الطاعة رماه بسهم التهاون والإعراض حتى يدع العمل. فعلى المرء أن يكون لديه قوة ونشاط، وإذا طرأ عليه أنه يصلى رياء أو يتصدق رياء أو يقرأ رياء فليقل: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وليمض ولا يهتم بهذا. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع م. م. هـ. من عمان بالأردن بعث بعدة أسئلة يقول: عندنا إمام في المسجد حافظ للقرآن مجود تبدو عليه علامات الصلاح: فهو إلى جانب مواظبته على الصلاة يصوم يومًا ويفطر يومًا، إلا أنه دائمًا يعمل حلقات للذكر بعد العشاء تستمر إلى وقت متأخر من الليل، يرددون فيها بعض الأذكار ومن ذلك قولهم: مدد يا سيدي يا رسول الله، ومدد يا سيدي عبد القادر وما شابه ذلك من الأذكار. فهل ذلك جائز ويثابون عليه أم لا؟ وهل تؤثر هذه الأعمال على صحة صلاتنا خلفه؟ فإن كان كذلك فما العمل في صلواتنا الماضية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حقيقة أن ما ذكره السائل يحزن جدًّا! فإن هذا الإمام- الذي وصفه بأنه يحافظ على الصلاة، ويحافظ على الصيام يصوم يومًا ويفطر يومًا، وأن ظاهر حاله الاستقامة- قد لعب به الشيطان وجعله يخرج من الإسلام بالشرك وهو يعلم أو لا يعلم، فدعاؤه غير الله ﷿ شرك أكبر مخرج من الملة، سواء دعا الرسول ﵊ أو دعا غيره، وغيره أقل منه شأنًا وأقل منه وجاهة عند الله ﷿، فإذا كان دعاء رسول الله ﷺ شركًا فدعاء غيره أقبح وأقبح من عبد القادر، أو غير عبد القادر والرسول ﵊ نفسه لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًّا قال الله تعالى آمرًا له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) . وقال آمرًا له: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال تعالى آمرًا له: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلَّا نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) . بل قال الله تعالى آمرًا له: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) . فإذا كان الرسول صلى الله وسلم نفسه لا يجيره أحد من الله فكيف بغيره؟ فدعاء غير الله شرك مخرج عن الملة، والشرك لا يغفره الله ﷿؛ لقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وصاحبه في النار، لقوله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ونصيحتي لهذا الإمام أن يتوب إلى الله ﷿ من هذا الأمر المحبط للعمل، فإن الشرك يفقد العمل، قال الله تعالى: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ) . وقال تعالى: (ولَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . فليتب إلى الله من هذا، وليتعبد لله ﷾ بما شرع من أذكار وعبادات، ولا يتجاوز ذلك إلى هذه البدع بل إلى هذه الأمور الشركية، وليتفكر دائمًا في قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فضيلة الشيخ: يقول: إنه أيضًا هذا الإمام يتظاهر بأنه ولي من أولياء الله، وأن في يده إصلاح الأمة، ويجلس في الخلوة قرابة أسبوع يذكر الله يزعم أن الله يوحي إليه. فما هي علامات الولاية؟ وهل يعرف الولي حقًّا أنه ولي؟ فأجاب ﵀: علامات الولاية وشروطها بينها الله تعالى في قوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فهذه هي علامات الولاية. وشروطها: الإيمان بالله، وتقوى الله ﷿. فمن كان مؤمنًا تقيًّا كان لله وليًّا، أما من أشرك به فليس بولي لله وهو عدو لله كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) . فأي رجل أو امرأة يدعو غير الله ويستغيث بغير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله ﷿ فإنه مشرك كافر، وليس بولي لله ولو ادعى ذلك، بل دعواه أنه ولي مع عدم توحيده وإيمانه وتقواه دعوى كاذبة تنافي الولاية. فضيلة الشيخ: هل مثل هذه الأعمال تؤثر على صحة صلاتهم خلف هذا الإمام؟ فأجاب ﵀: إذا كانوا جاهلين فإنها لا تؤثر، وإن كانوا عالمين بحاله وعالمين بحكم الشرع فيه فإنه لا تصح صلاتهم؛ لأن الكافر لا تصح صلاته ولو صلى ما دام يشرك بالله ﷾، والغالب فيما أظن أنهم كانوا جاهلين بهذا، وعليه فليس عليهم إعادة فيما مضى من صلاتهم. ***
عندما يقوم الناس بتعديل ثمار النخيل على سعفها فإنهم يضعون بعض ليف النخيل في الثمار الكبيرة حتى لا يراها الناس، فهل يعتبر هذا من الشرك- والعياذ بالله-؟ وماذا تنصحون الناس تجاه ذلك؟ وهل تجوز الصلاة خلف هؤلاء، مع العلم بأنني لا أتمكن من المحافظة على الجماعة إن لم أصل خلفهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا من الشرك إذا كانوا يغطونها بهذا الليف خوفًا من العين، فإن هذا ليس من الشرك؛ لأن أعين الحاسدين إنما تنصب على الشيء الفائق، فإذا أخفي هذا الشيء لم يكن فائقًا في أعينهم، فيكون سببًا لمنع العين. والسبب إذا كان مشروعًا أو محسوسًا فإن ممارسته لا تعد من الشرك؛ لأن الأمور التي جعلها الله أسبابًا بما أوحى من شرعه أو بما علم الناس من قدره فإنها تكون أسبابًا شرعية، وممارستها ليست شركًا، وعلى هذا فالصلاة خلف هؤلاء ليس فيها بأس. ***
هناك أناس في مناطق مختلفة يقولون عند الغضب: خذوه ياجن، أو: خذوه يا سبعة، يدعون عليه بأن يأخذه الجن وما إلى ذلك من هذه الأدعية، فهل هذا شرك محبط للعمل؟ حيث إنني سمعت من أحد المشايخ بمنطقتنا يخطب في يوم الجمعة فقال: إن ذلك شرك، حتى ذكر أن الزوجة إذا لم تتب من ذلك أنها لا تبقى مع مسلم موحد. أفتونا في ذلك جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: الدعاء لا يكون إلا لله ﷿، فمن دعا غير الله من جني أو ملك أو نبي أو ولي كان مشركًا، ودليل ذلك قوله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر وشرك مخرج عن الملة؛ لقوله تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) . ودعاء غير الله كفر؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأثبت الله تعالى في هذه الآية أمرين مهمين: الأمر الأول: أن من دعا غير الله فهو كافر، لقوله: (لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . الأمر الثاني: أن من دعا غير الله فإنه لا يفلح، لا يحصل له مطلوبه ولا ينجو من مرهوبه، فيكون داعي غير الله خاسرًا في دينه ودنياه، وإذا كان غير مفلح فهو أيضًا غير عاقل، بل هذا غاية السفه؛ لقوله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . أي لا أحد أضل ممن يدعو من دون الله، ولكنه جاء هذا النفي بصيغة الاستفهام لأنه أبلغ من النفي المحض، حيث يكون مشربًا معنى التحدي. وعلى هذا فدعاء الجن أو الشياطين أو الأولياء أو الأنبياء أو الصالحين أو غير ذلك كله شرك بالله ﷿، يجب على الإنسان أن يتوب إلى الله منه ولا يعود إليه، فإن مات على هذه العقيدة- أعني: على عقيدة أنه يدعو غير الله، وأن هذا المدعو يستجيب له من ملك أو نبي أو ولي أو رسول- فإنه يكون مشركًا يستحق ما قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . ***
هذا السائل محمد سوداني ومقيم بالظهران يقول في هذا السؤال: شخص قال في مجلس: باسم الله يا سيدي يا رسول الله. فقال له أحد الإخوة بأن هذا شرك. هل هذا صحيح؟ وماذا يجب على القائل؟ وبماذا توجهونه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خطاب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز إلا فيما جاءت به السنة، وقد جاءت السنة بقول المُسلِّم عليه: (السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته) . وأما قول القائل: يا سيدي يا رسول الله فأقل ما يقال فيه: إنه بدعة، فإن ناداه هذا النداء ليستغيث به ويستعين به على أمر كان شركًا، فالمسألة تحتاج إلى تفصيل: إذا قال: يا سيدي يا رسول الله، إن كان يريد أن يستغيث به أو يستعين به فهذا شرك ودعاء لغير الله ﷿، وإن قال: يا سيدي يا رسول الله السلام عليك فهذا بدعة لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وعلى كل حال فعلى القائل مثل هذا القول أن يتوب إلى الله، وألا يعود إليه. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ مسجدٌ فيه قبر يتبرك أهل هذا المسجد به، هل يقعون في الشرك الأكبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لا بد أن ننظر هل القبر سابقٌ على المسجد أم المسجد سابقٌ على القبر؟ فإن كان القبر سابقًا على المسجد، بمعنى: أن القبر كان متقدمًا فبنوا عليه مسجدًا، فالمسجد هنا لا تصح فيه الصلاة على كل حال؛ لأنه مسجد يجب هدمه، فقد نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبنى على القبور، لا سيما إذا كان المبني مسجدًا، وإنما قلنا: يجب هدمه؛ لأنه يشبه مسجد الضرار الذي يجب هدمه، ومسجد الضرار هو المسجد يبنى بقرب مسجدٍ آخر فيؤثر على أهل المسجد الأول ويفرقهم، فهذا مسجد ضرار فيهدم على كل حال. وأما إذا كان المسجد سابقًا ودفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش الميت ويدفن مع الناس. أما من تبرك بهؤلاء، أي: بأهل القبور، سواءٌ في المسجد أو في غير المسجد: فإن كان يدعوهم أو يستغيث بهم أو يستعين بهم أو يطلب منهم الحوائج فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وإن كان لا يدعوهم ولكن يتبرك بترابهم ونحوه فهذا شركٌ أصغر لا يصل إلى حد الشرك الأكبر، إلا إذا اعتقد أن بركته يحصل بها الخير من دون الله فهذا مشركٌ شركًا أكبر. ***
بعض الناس ينذرون ويذبحون لغير الله ويعتقدون في قبور بعض الصالحين، ومع ذلك فهم يعلقون أنياب الذئاب في أعناق أطفالهم الصغار لكي تحميهم من الجن معتقدين فيها ذلك، فهل هذا يعد من الشرك أم لا؟ فأجاب ﵀: أما فعلهم الأول- وهو: ذبحهم للقبور تقربًا بهذا الذبح إلى صاحب القبر- فإنه من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، وذلك لأن الذبح من عبادة الله ﷿، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله شرك أكبر. وأما الثاني- وهو: تعليقهم أنياب الذئاب في أعناق أولادهم من أجل دفع الجن- فإن هذا من الشرك الأصغر؛ لأنهم أثبتوا سببًا لم يجعله الله ﷾ سببًا لا حسًَّا ولا شرعًا، وهذا نوع من الشرك الأصغر. فالواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله توبة نصوحًا، وأن يزيلوا ما في أعناق أولادهم من هذه الأنياب، ولا يدفع شر الجن إلا ما جعله الله ﷾ سببًا للدفع، مثل قراءة آية الكرسي، (فإن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ، ولا يقربه شيطان حتى يصبح) . ومثل أن يقول الإنسان إذا نزل منزلًا: (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، فإنه إذا قال ذلك لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك) . ***
هل في هذا القول شرك، وهو: توكلت على الله ورسوله؟ فأجاب ﵀: نعم، أما قوله: توكلت على الله فهذه ليست شركًا لأن الله تعالى هو المتوكَّل عليه، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) . وأما قوله: ورسوله فهذا شرك لا يجوز؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ميت في قبره، لا يملك أن يدعو لأحد ولا أن ينفع أحدًا ولا أن يضر أحدًا ﵊، فالتوكل عليه صلى الله عليه وعلى آله وسلم شرك، وعلى غيره من باب أولى: لو توكل على قبر من يدعي أنه ولي فهو مشرك، والواجب علينا أن نتبرأ من الشرك كله بأي أحد، قال الله تعالى: (وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) فقال: (وَعَلَى اللَّهِ) قدمها على عاملها، قال أهل العلم: وتقديم ما حقه التأخير يدل على الاختصاص والحصر، أي: وعلى الله لا غيره فتوكلوا إن كنتم مؤمنين. ***
أحمد أبو السيل السودان يقول في رسالته: عندنا في السودان شيخ مات وله قبة يزورها جمع غفير من الناس، والغريب أن الناس يأتون بالمجانين والمرضى لهذه القبة، ويمكثون أيامًا عديدة باعتقادهم أن هذا الشيخ يشفي هؤلاء المرضى وهؤلاء المجانين. ما حكم هذا العمل وفقكم الله؟ فأجاب ﵀: الجواب على هذا السؤال أن هذا العمل عمل محرم بلا شك، وهو مع تحريمه شرعًا سفه عقلًا؛ لأن هؤلاء الذين يأتون إلى هذه القبة المضروبة على هذا القبر بمن أصيبوا بالجنون أو بالمرض من أجل استشفائهم بحضورهم إلى هذا المكان سفهاء في العقول، وذلك لأن هذا الميت ميت جماد، وقد نعى الله ﷾ على المشركين الذين يدعون الأصنام في قوله: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (٢٠) أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . فالميت لا ينفع نفسه ولا ينفع غيره، حتى إنه قد انقطع عمله، كما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ حيث قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . فإذا كان هذا الميت لا ينفع نفسه بعمل فكيف ينفع غيره؟ ثم إننا نقول: إذا كان هؤلاء الجماعة الذين يأتون بمجانينهم ومرضاهم إلى هذا المكان يعتقدون أن هذا الميت يشفيهم بنفسه فإن هذا شرك أكبر؛ لأنه لا يشفي من المرض إلا الله ﷿، كما قال الله تعالى عن إبراهيم إمام الحنفاء وخليل الرحمن: (وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ) . والأدوية التي يكون بها الشفاء ما هي إلا أسباب جعلها الله تعالى أسبابًا، فالشفاء بها من شفاء الله ﷿، فإذا اعتقد هؤلاء الذين يحضرون إلى هذا القبر بأن صاحب القبر يشفيهم بنفسه فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة؛ لأنهم اعتقدوا أن مع الله تعالى خالقًا وشافيًا، وهذا شرك في ربوبية الله ﷾. وقد بين الله تعالى في غير آية من كتاب الله أن أولئك الذين يدعون من دون الله لا ينفعونهم، قال تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وقال تعالى: (قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ * وَلا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) . وقال تعالى: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يلجؤوا إلى ربهم ﷾، فإنه هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض، وهو القادر على شفائهم، ولا بأس أن يفعلوا الأسباب التي أذن الله بها، سواء كانت أدعية شرعية أو أدوية مباحة، أو غير ذلك مما جعله الله تعالى سببًا للشفاء من هذا المرض. وأخيرًا أقول: إن هذه القبة التي بنيت على القبر الذي ذكره السائل يجب أن تهدم؛ (لأن النبي ﷺ نهى عن البناء على القبور)، وكل بناية على قبر فإنه يجب على المسلمين أن يهدموها؛ لأنها من وسائل الشرك. والواجب على المسلمين عامة أن يقضوا على وسائل الشرك بالبرهان- وهو: الدليل من الكتاب والسنة- أو بالسلطان- وهو: تغيير ذلك باليد-؛ لقول النبي ﷺ: (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وذلك أضعف الإيمان) . وإنني أنصح إخواني المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أنصحهم بالانتهاء عن مثل هذه الأعمال التي ابتلي بها كثير من الناس، حيث يتعلقون بمن دون الله ﷿، يعلقون أملهم به، يدعونه لكشف الضر وجلب النفع، مع أن الأمر كله لله ﷿، ودعاؤهم هذا لهؤلاء المخلوقين شرك بالله، قال الله ﵎: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فجعل الله تعالى الدعاء عبادة، وصرف شيء من العبادة لغير الله كفر وشرك ولا فلاح معه، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . نسأل الله لنا ولهم الهداية. ***
في إحدى القرى عندنا يوجد قبر وعليه بناء حجرة وعليها أعلام ترفرف، ويأتي بعض الناس بالذبائح والمأكولات معتقدين أن صاحب هذا القبر ينفع أو يضر، فهو حسب ظنهم يشفي مرضاهم ويرزقهم الأولاد. وإذا نصحناهم أو حاولنا تغيير هذا المنكر يحذرون من ذلك وأن هذا ولي مشهور، ومن يتعرض له بأذى فإنه يؤذيه ويضره. فما رأيكم في هذا؟ وما هي نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب ﵀: رأينا في هذا أنه يجب أن تهدم هذه القبة أو هذه الحجرة وأن تزال معالمها؛ لأنها معالم شرك والعياذ بالله. ثم نقول لهؤلاء الذين يذهبون إلى هذه الحجرة يذبحون عندها القربان، ويسألونها دفع الضرر وجلب النفع، نقول: هؤلاء مشركون في الربوبية والألوهية؛ لأنهم تعبدوا لهذا القبر بالذبح له، ولأنهم اعتقدوا أن صاحبه ينفع أو يضر وليس الأمر كذلك، ولأنهم دعوا صاحب هذا القبر، والدعاء من العبادة، فقد أشركوا بالربوبية والألوهية شركًا أكبر. وعلى علماء المسلمين أن يبينوا لهؤلاء العوام بأن هذا من الشرك، وأن يحذروهم، وإن السكوت على مثل هذا في بلاد تكثر فيها القباب على القبور والذبح لها والسفر إليها، السكوت على هذا لاشك أنه مسؤولية كبيرة على أولئك العلماء، ومن المعلوم أن العامة يثقون بأقوال علمائهم أكثر مما يثقون بأقوال علماء بلاد أخرى كما هو ظاهر. فالواجب على علماء المسلمين في جميع أقطار المسلمين أن يتقوا الله ﷿، وأن يبينوا لعوامهم خطر هذه الأمور، وأنها من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ﷿، والذي أوجب الله لصاحبه الخلود في النار: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وهؤلاء العامة الذين يحذرون من هذا الولي تحذيرهم ليس بصحيح وليس بواقع، وليجرب الناس هذا الأمر، يجربوا ويحذروا من هذا العمل المحرم الشركي، وينظروا هل يصيبهم شيء أم لا؟ فكل هذا تحذير باطل، وإنما هو من الشيطان، ولا يجوز التصديق به؛ لأنه كذب وزور، ثم إن المصدق به يصدق بما ليس له حقيقة أصلًا. ***
هذا السائل يقول: سؤالي عن الذين يزورون قبور الشيوخ لقصد الشفاء من مرض معين أو لأجل إنجاب الأولاد ومثل ذلك، وينحرون لهم الذبائح، فما حكم هؤلاء؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: هؤلاء مشركون شركًا أكبر؛ لأنهم دعوا أصحاب القبور واستغاثوا بهم، واستنجدوا بهم ورأوا أنهم يجلبون إليهم النفع ويدفعون عنهم الضرر وينذرون لهم، وكل هذه من حقوق الله التي لا تصلح لغيره، فعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يرجعوا إلى توحيدهم وإخلاصهم قبل أن يموتوا على هذا فيستحقوا ما أخبر الله به عن المشركين في قوله: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . فإن قال قائل: إن هؤلاء قد يملى لهم، وقد يبتلون فيدعون أصحاب القبور ثم يحصل لهم ما دعوا به؟ فنقول: هذه فتنة بلا شك، والذي حصل لم يحصل بهؤلاء المقبورين، وإنما حصل عند دعائهم وليس بدعائهم، وإلا فنحن نؤمن ونجزم جزمنا بالشمس في رابعة النهار ليس دونها سحاب أن هؤلاء المقبورين لن يستجيبوا لهم أبدًا؛ لقوله ﵎: (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ. إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) ولقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ. وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله وأن يرجعوا إلى دين الله وتوحيد الله، وأن يعلموا أن النبي ﷺ قاتل المشركين واستباح دماءهم وأموالهم وذرياتهم من أجل شركهم، وهؤلاء شركهم من جنس شرك المشركين الذين قاتلهم النبي ﷺ على شركهم. ***
ما مصير المسلم الذي يصوم ويصلى ويزكي ولكنه يعتقد بالأولياء الاعتقاد الذي يسمونه في بعض الدول الإسلامية اعتقادًا جيدًا أنهم يضرون وينفعون، وكما أنه يقوم بدعاء هذا الولي فيقول: يا فلان لك كذا وكذا إذا شفي ابني أو بنتي، أو: بالله يا فلان، مثل هذه الأقوال فما حكم ذلك؟ وما مصير المسلم فيه؟ فأجاب ﵀: تسمية هذا الرجل الذي ينذر للقبور والأولياء ويدعوهم، تسميته مسلمًا جهل من المسمي، ففي الحقيقة أن هذا ليس بمسلم؛ لأنه مشرك، قال الله تعالى: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالدعاء لا يجوز إلا لله وحده، فهو الذي يكشف الضر وهو الذي يجلب النفع: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ) . فهذا وإن صلى وصام وزكى وهو يدعو غير الله ويعبده وينذر له فإنه مشرك قد حرم الله عليه الجنة ومأواه النار، وما للظالمين من أنصار. ***
بعض الناس عندما يزورون بعض المقابر الشريفة لدينا التي يوجد بها صحابة رضوان الله عليهم وبعض الشيوخ الكرام هناك أخطاء يرتكبونها، منها أنهم يطلبون منهم المساعدة والدعاء عند رب العالمين، والوقوف بجانبهم لخرجوهم من مصائبهم. ما هو الحكم في هؤلاء يا فضيلة الشيخ؟ انصحوهم بارك الله فيكم فأجاب ﵀: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول: إن ما يدعى بأنه قبر فلان أو فلان من الصحابة ﵃ أو الأئمة بعدهم قد لا يكون صحيحًا، فليس كل ما ادعي يكون مقبولًا وصحيحًا، بل قد يكون هذا من تزوير المزورين، أما على فرض أن يكون في هذا المكان قبر صحابي أو قبر إمام من الأئمة فإن المشروع للإنسان إذا زار المقبرة أن يفعل ما أمر به النبي ﷺ من السلام عليهم يقول: (السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فالزائر للمقبرة زائر معتبر داع للموتى وليس داعيًا عندهم، وأما الذين يزورنها على سبيل التبرك بترابها، أو أقبح من ذلك أن يدعو الأموات بكشف الضر وجلب النفع أو ما أشبه هذا فإن دعاء غير الله شرك أكبر مخرج عن الملة، قال الله تعالى: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فبين الله ﷾ أن هذا الذي يدعو من دون الله أو يدعو مع الله إلهًا آخر أنه كافر، وأنه ليس بمفلح، أي لن يحصل له مطلوبه ولن ينجو من مرهوبه. وقال الله ﷾ في آية أخرى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ* وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . فالمشرك الداعي لغير الله ﷿ غير مفلح لا في الدنيا ولا في الآخرة، وهو أيضًا سفيه لا أحد أضل منه. فنصيحتي لهؤلاء الذين يزورون هذه المقابر أن تكون زيارتهم على الوجه المشروع: بأن يتعظوا بهذه الزيارة ويتذكروا الآخرة، وأنهم الآن على ظهر الأرض أحياء يأكلون ويشربون ويلبسون ويتمتعون، وعما قريب سوف يكونون في بطن الأرض مرتهنين بأعمالهم، كما كان هؤلاء المقبورون مثلهم بالأمس وهذه حالهم اليوم، ثم يدعون لإخوانهم بما شرع لهم مما ذكرناه آنفًا، وأما أن يتبركوا بالتراب أو أن يدعوا هؤلاء الموتى فهذا ضلال لا أصل له. ***
المستمع محمد من إثيوبيا يتطرق إلى الاعتقاد بأهل القبور يقول: تكثر عندنا المعتقدات- يعني: بأهل القبور- وسؤالهم حاجاتهم المهمة، ملتفين حول قبابهم، كطلب الأولاد والغنى. نصيحتكم لهؤلاء بارك الله فيكم؟ فأجاب ﵀: هذه المسألة خطيرة جدًا لا أخطر منها فيما أرى؛ لأنها شرك، شرك أكبر مخرج عن الملة، فإن من أتى إلى القبور ودعاهم واستغاث بهم في تفريج الكربات وحصول المطلوبات كان داعيًا لغير الله ﷿، فكان مشركًا في دينه وضالًا في عقله: أما كونه مشركًا في دينه فلأنه عبد مع الله غيره حيث دعاهُ، ودعاء غير الله عبادة له، قال الله ﷿: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فأمر الله بالدعاء وجعله عبادة قال: (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فإذا دعا أحدًا غير الله فقد عبده فيكون بذلك مشركًا كافرًا، وقال ﷿: (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) . فأخبر بأن هذا كافر- أي: من يدعو مع الله إلهًا آخر- وأنه غير مفلح في دعائه، فلم يحصل له مطلوبه، وإن قدر أنه حصل له فإن هذا المطلوب لم يحصل بالدعاء ولكنه حصل عند الدعاء، امتحانًا من الله ﷿ وفتنة واستدراجًا. وأما كون من دعا غير الله تعالى ضالًا في عقله فلأن الله تعالى يقول: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ * وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وفي الآية هذه دليل أيضًا على أن الدعاء عبادة؛ لقوله: (وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) . وإن نصيحتي لهؤلاء أن يرجعوا إلى رشدهم، وأن يفكروا تفكيرًا جديًا في هذه المسألة، فالمقبورون هم بالأمس كانوا أحياء مثلهم يعيشون على الأرض ثم ماتوا، فكان أعجز منهم على حصول المطلوب؛ لأن الميت لا حراك به ولا عمل له ولا ثواب له، قال النبي ﵊: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . وإنما انقطع عمله لأنه كسب له، ولا يستطيع أن يتكسب، ولا يستطيع أن يجلب خيرًا لغيره ولا يدفع ضرًّا عن غيره. فليرجعوا إلى عقولهم، أي: فليرجع هؤلاء الذين يلتفون حول القبور يسألونهم الحوائج ودفع الكربات، لينظروا في أمرهم ويتدبروا بعقولهم وأن ذلك لا يجدي شيئًا، ولماذا لا يرجع هؤلاء إلى البديل الذي هو خير من ذلك والذي به النفع ودفع الضرر وهو الالتجاء إلى الله ﷿، فيدعون الله ﷿ في صلواتهم وفي خلواتهم؟ فإنه ﷾ هو الذي قال في كتابه: (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) . وقال: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) . فلماذا لا يدعون الله ﷿؟ فليرجعوا عن هذا العمل- أعني: الالتفاف حول القبور ودعاء أصحابها- فيلتفوا حول المساجد ويصلوا مع الجماعة ويدعوا الله سبحانه تعالى وهم سجود، ويدعوا الله تعالى بعد الانتهاء من التشهد وقبل أن يسلموا، ويدعوا الله بين الأذان والإقامة، ويتحروا أوقات الإجابة والأحوال التي يكونون فيها أقرب إلى الإجابة، فيلجؤوا إلى الله تعالى بالدعاء حتى يجدوا الخير والفلاح والسعادة. ***
هذه الرسالة وردتنا من جمهورية مصر العربية، وبعث بها المستمع لبرنامج نور على الدرب سليمان عبد الغفار عبد المجيد يقول: بسم الله الرحمن الرحيم، وبه نستعين على النفس والكفار والمشركين. أما بعد فأنا أشكركم على برنامج نور على الدرب، وأتمنى لكم أعظم أجر من الله العزيز الحكيم. يقول: إنني أتوجه إلى الشيوخ الأفاضل بهذه الأسئلة: إننا يوجد عندنا أغلب الناس يصومون ويصلون ويحجون ويزكون ويقولون: لا إله إلا الله، ولكن- والعياذ بالله- يجعلون قبور الصالحين واسطة بينهم وبين الله، ويقول: إنهم يشدون لهم الرحال، ويعملون حفلات فوق القبور، ويأخذون الأطفال والنساء، ويذبحون الكثير من الغنم والماعز، ويحلفون بهذه الأوثان. فهل نأكل من هذه الذبائح وهم يذكرون الله عليها؟ نرجو التوجيه منكم لنا ولهم وفقكم الله فأجاب ﵀: هذه الذبائح إذا كان المقصود بها التقرب إلى هؤلاء الأموات فهي مما ذبح لغير الله، فلا يحل أكلها ولو ذكروا اسم الله عليها؛ لأنها داخلة في قوله تعالى: (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ)، فحرام عليكم أن تأكلوا منها شيئًا. أما بالنسبة لهم فإن عملهم هذا إشراك بالله ﷿؛ لأن التقرب بالذبح من خصائص الله ﷾، أي: من الأمور المختصة به لا يجوز صرفها لغيره؛ لأنها من العبادة، كما قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . وعلى هذا فيجب على العلماء أن ينصحوا أولئك الجهال، وأن يبينوا لهم أن هذا من الشرك بالله، وأن الشرك بالله لا يقبل الله معه عملًا؛ لأن الله تعالى قال: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . ولا يجوز للعلماء العالمين بأحوال هؤلاء، العالمين بأحكام ما يفعلونه، لا يجوز لهم السكوت؛ لأن السكوت في مثل هذه الحال إقرار لهم على هذا الشرك، والعامة متعلقون بالعلماء، والعلماء مسؤولون عنهم، وهم- أعني: العلماء- ورثة الأنبياء في العلم والعمل والدعوة إلى الله ﷿، وسيسألهم الله ﷿ يوم القيامة عما علموا: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ) . فالحاصل أنه إذا كان الأمر كما وصف السائل شائعًا كثيرًا بين الناس فما ذلك إلا لتقصير أهل العلم في بيان الحق، وإلا فلو أن أهل العلم بينوا للعامة حكم صنيعهم هذا لكان العامة أقرب شيء إلى الامتثال والانقياد ونسأل الله تعالى لنا ولهم التوفيق، وأن يعيننا على أداء ما حملنا بمنه وكرمه. ***
كنت أعتقد بأن النذور مسألة بعيدة عن الدين أو أنها من البدع، فما هو أصلها؟ وما موقف التشريع الإسلامي منها؟ أو كيف يتوجب على المسلم أداؤها؟ فأجاب ﵀: لست أعلم ما يريد بالنذور، فأخشى أنه يريد بالنذور ما يُنذر للأموات، فإن كان يريد ذلك فإن النذور للأموات من الشرك الأكبر؛ لأن النذر خاص لله ﷿. فإذا قال قائل: لصاحب هذا القبر عَلَّي نذر أن أذبح له، أو: لصاحب هذا القبر نذر أن أصلى له أو ما أشبه ذلك من العبادات التي تُنذر لأصحاب القبور فإن هذا بلا شك شرك مخرج عن الملة. أما إن أراد بالنذر النذر لله ﷿ فهذا فيه تفصيل كثير: إن كان النذر نذر طاعة وجب عليه الوفاء به، سواء كان النذر مطلقًا أو معلقًا بشرط. فإذا قال قائل مثلًا: لله علي نذر أن أصوم غدًا وجب عليه أن يصوم،لله علي نذر أن أصلى ركعتين وجب عليه أن يصلى ركعتين، لله علي نذر أن أحج وجب عليه أن يحج،لله علي نذر أن أعتمر وجب عليه أن يعتمر، لله علي نذر أن أصلى في المسجد النبوي وجب عليه أن يصلى في المسجد النبوي. إلا أنه إذا نذر شيئًا فله أن ينتقل إلى ما هو خير منه: لو نذر أن يصلى في المسجد النبوي فله أن يصلى بدلًا من ذلك في المسجد الحرام؛ لأنه ثبت أن رجلًا قال يوم الفتح للنبي ﷺ: يا رسول الله إني نذرت إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. فقال النبي ﷺ: (صلِّ ها هنا) . فأعاد عليه الرجل مرتين، فقال له النبي ﵊: (شأنك إذًا) فهذا دليل على أنه إذا نذر شيئًا وفعل ما هو خير منه من جنسه فإنه يكون جائزًا وموفيًا بنذره، هذا في نذر الطاعة، سواءً كان مطلقًا كما مثلنا أو كان معلقًا بشرط كما في هذا الحديث: إن فتح الله عليك مكة أن أصلى في بيت المقدس. ومثل النذور المعلقة أيضًا ما يفعله كثير من الناس: يكون عندهم المريض فيقول: إن شفا الله هذا المريض فلله علي نذر أن أفعل كذا وكذا من أمور الخير، فيجب عليه إذا شُفي هذا المريض أن يوفي بما نذر من طاعة الله. ومثله أيضًا ما يفعله بعض الطلبة يقول: إن نجحت فلله علي كذا من أمور الطاعة لله، علي أن أصوم ثلاثة أيام، أو عشرة أيام، أو يوم الاثنين والخميس من هذا الشهر أو ما أشبه ذلك، فكل هذا يجب الوفاء به؛ لعموم قول رسول الله ﷺ: (من نذر أن يطيع الله فليطعه) . ومع هذا فإني أنصح إخواننا المسلمين أنصحهم ألا ينذروا على أنفسهم؛ لأن النذر أقل أحواله الكراهة، بل إن بعض العلماء حرمه؛ لأن رسول الله ﷺ نهى عنه وقال: (إن النذر لا يأتي بخير، وإنما يستخرج به من البخيل) . ولأن الناذر ألزم نفسه بأمر هو في عافية منه، ولأن الناذر قد يتراخى ويتساهل في الوفاء بالنذر وهذا أمر خطير، واستمعوا إلى قول الله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللَّهَ لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكَذِبُونَ) . فإذا تساهل الإنسان فيما نذر لله على شرط فإنه يوشك أن يُعاقب بهذه العقوبة العظيمة: يعقبه الله نفاقًا في قلبه إلى أن يموت، نسأل الله السلامة والعافية. ثم إن النذر في هذه الحال كأن الناذر يقول: إن الله لا يعطيني ما أريد إلا إذا شرطتُ له، وهذا في الحقيقة سوء ظن بالله ﷿، فالله ﵎ يتفضل على عباده بدون أن يشترطوا له شرطًا أو شيئًا، فأنت إذا حصل لك مكروه أو أردت مرغوبًا فاسأل الله وادعه، هذه طريقة الرسل، كما قال الله تعالى عنهم، عن الذين أُصيبوا ببلاء أنهم يناجون الله ﷿ ويدعونه فيستجيب لهم: (وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنْتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ فَكَشَفْنَا مَا بِهِ مِنْ ضُرٍّ) . وهل أيوب نذر لله نذرًا إن عافاه الله؟ لا، بل دعا ربه. وهكذا أيضًا سنة الرسول ﵊ وخلفائه الراشدين: إذا أرادوا من الله ما يرغبون توجهوا إليه بالرغبة والدعاء أن يعطيهم ذلك، وإذا أرادوا من الله ﷾ أن يصرف عنهم ما يكرهون دعوه ﷾ ولجؤوا إليه بأن يصرف عنهم ما يكرهون، هذه سبيل المرسلين من الأولين والآخرين، آخرهم محمد ﷺ، فكيف يخرج الإنسان عن طريقتهم؟ فالمهم أننا ننصح إخواننا بالبعد عن هذا الأمر، وكثيرًا ما يسأل الناس الذين نذروا، على أنفسهم نذورًا يسألون يريدون أن يجدوا من أهل العلم من يخلصهم منها فلا يجدون من يخلصهم. ***
المستمع ع. ع. ب. أيضًا من جمهورية مصر العربية يقول إنه يوجد لدينا في أرياف مصر من يقومون بالنذر للمشايخ ببعض الأطعمة مثل الزبد والألبان واللحوم وغيرها إذا كانت لديهم بعض من البهائم مريضة أو غير ذلك، وبعد شفائها يقومون بأداء النذر لهذا الشيخ. فهلا أرشدتم العباد فضيلة الشيخ؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب ﵀: نعم النذر للشيخ عند حدوث المصائب إذا زالت المصائب محرم؛ لأن هذا الشيخ لا أثر له في حصول المصلحة أو دفع المضرة أو شفاء المريض أو غير ذلك، بل قد يصل هذا إلى حد الشرك الأكبر إذا اعتقد أن الشيخ بيده نفعٌ أو ضرر دون الله. فالواجب أولًا على المشايخ أن يتنزهوا عن هذا الأمر، وأن لا يوهموا العامة بأن لديهم سرًا يستطيعون به شفاء المريض، وأن يعلموا أن الدنيا دار غرور فلا تغرنهم الحياة الدنيا، وأن الشيطان ربما يخدعهم ويزين لهم سوء أعمالهم، فإن الشيطان كما وصفه الله ﷿ في قوله: (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) . وعلى العامة أن يبتعدوا عن هؤلاء المشايخ، وأن لا يعتقدوا بهم، وأن يعلموا أنهم دجالون كذابون ليس لديهم من الأمر شيء. وها هو النبي عليه الصلاة السلام أشرف خلق الله وأعظمهم ولاية وجاهًا عند الله يقول الله تعالى: (لَيْسَ لَكَ مِنْ الأَمْرِ شَيْءٌ) . فكيف بهؤلاء الدجالين الكذابين؟ فإنني أوجه النصيحة أولًا إلى هؤلاء المشايخ أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم وفي عباد الله، ثم ثانيًا إلى الناس عمومًا أن لا يغتروا بأمثال هؤلاء، وأن يعلموا أنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، فكيف يملكون لغيرهم؟ وإذا أراد الإنسان أن يشفى مريضه أو يحصل له مطلوبٌ أو يرتفع عنه مكروب فليتوجه إلى الله ﷿، فهو الذي يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء، وهو الذي بيده الخير وهو على كل شيءٍ قدير، ليصدقوا مع الله حتى ينالوا جزاء الصادقين، كما قال الله تعالى: (لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ)، وحتى يكون لهم قدم صدقٍ عند الله ﷿، وليعلموا أنهم إذا لجؤوا إلى الله واتقوا الله ﷿ يسر لهم الأمور وكشف عنهم الكروب. قال الله تعالى: (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) . (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . أما التعلق ببشرٍ مثلهم فهو سفهٌ في العقل وضلال في الدين. ***
٤٨٧-هذا المستمع بعيضة فضيل من الجزائر يقول: في القرية التي أقيم فيها بعض العادات توشك أن توقعنا في خطر كبير، منها زيارة بعض أشخاص قد ماتوا قديمًا يدعي أجدادنا أنهم من الأولياء الصالحين، وزيادة على هذا فإنهم يسألونهم الخيرات والرزق مثل الأولاد دون أن يسألوا الله العلي القدير، ويلقون إليهم بالنذور كأن يقول الواحد منا: إن نجحت في الامتحان لأذبحن كبشًا وأقدمه قربانًا إلى ذلك الولي الصالح، ويسميه باسمه الشخصي، وفعلًا فهم يوفون بالنذر. فهل يجوز هذا أم لا؟ وما هي نصيحتكم لهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهؤلاء وأمثالهم أن يرجع الإنسان إلى عقله وتفكيره، فهذه القبور التي يزعم أن فيها أولياء تحتاج إثبات أنها قبورٌ أولًا، قد يضع شيئًا ويقال: هذا قبر فلان كما ثبت ذلك. ثانيًا: إذا ثبت أنها قبور فإنه يحتاج إلى إثبات أن هؤلاء المقبورين كانوا أولياء لله؛ لأننا لا ندري هل هم أولياء لله أم أولياء للشياطين؟ ثالثًا: وإذا ثبت أنهم من أولياء الله فإنهم لا يزارون من أجل التبرك بزيارتهم أو دعائهم أو الاستغاثة بهم والاستعانة بهم في هذه الأمور، وإنما يزارون كما يزار غيرهم للدعاء لهم فقط، على أنه إذا كان في زيارتهم فتنة فإنه لا تجوز زيارتهم، لو كان في زيارتهم مثلًا خوف فتنة بالغلو فيهم فإنه لا تجوز زيارتهم، دفعًا للمحظور ودرءًا للمفاسد. فأنت يا أخي حكم عقلك هذه الأمور الثلاثة التي ذكرت لابد أن تتحقق: ثبوت القبر، ثبوت أنه ولي، ثالثًا الزيارة لا لأجل الاستعانة بهم ولكن لأجل الدعاء لهم؛ لأنهم الآن في حاجة، مهما كانوا فهم في حاجة إلى الدعاء لهم، أما هم فهم أموات جثث لا ينفعون ولا يضرون. ثم إن قلنا: إن ازيارتهم لأجل الدعاء لهم جائزة ما لم تستلزم محذورًا، فإن استلزمت محذورًا بحيث يغتر بهم فإن زيارتهم لا تجوز، أما من زارهم على الوصف الذي ذكره السائل ليستغيث بهم أو نذر لهم فذبح لهم فإن هذا شرك أكبر مخرج من الملة، يكون صاحبه به كافرًا مخلدًا في النار. ***
٤٨٨- من سلطنة عمان المنطقة الجنوبية عامر بن أحمد يقول: هل يجوز النحر للميت؟ أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: لا ندري ماذا يريد من النحر للميت إن أراد بالنحر للميت؟ التقرب إلى الميت بالذبح له فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، ومن فعله فعليه أن يتوب إلى الله من شركه، فإن لم يفعل ومات على ذلك فإن الله يقول: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وأما إن أراد بالنحر للميت أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها عن الميت فهذا جائز؛ لأن الصدقة عن الميت باللحم أو بطعام آخر أو بالدراهم جائزة. فينظر في مراد السائل هل أراد النحر للميت تقربًا إليه وتعظيمًا؟ فهذا من الشرك الذي لا يغفره الله إلا بتوبة، وإن أراد بذلك أنه يذبح شاة ليتصدق بلحمها فهذا لا بأس به. ***
عدنان عبد القادر من السودان كسلا يقول: بعض الناس هداهم الله يحلفون بالأولياء ويطلبون منهم العون، فبماذا تنصحون هؤلاء مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال هو أن طلب الحوائج من الأولياء الأموات أو الأحياء الذين لا يستطيعون مباشرة قضاء الحاجة شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة، وفاعله مخلدٌ في نار جهنم، قال الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . وأما إذا كان الولي حاضرًا وطلب منه الإنسان ما يقدر عليه: كإعانته على إخراج عفشه من البيت، أو بتحميله في السيارة أو ما أشبه ذلك، فهذا لا بأس به؛ لأن طلب قضاء الحاجة من الحي الحاضر القادر لا بأس به؛ لأنه من الاستعانة بأخيه المسلم على قضاء حاجته، وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعين الرجل في دابته فتحمله عليها، أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما الحلف بالأولياء فهو أيضًا شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولكن إن كان يرى أن هذا الولي يستحق من التعظيم ما يستحقه الله ﷿ فإنه شركٌ أكبر، وإن كان لا يرى ذلك ولكن حلف بهذا الولي إجلالًا وتعظيمًا له دون أن يرى أنه يستحق من التعظيم ما يستحقه الرب العظيم فإن هذا يكون شركًا أصغر. وعلى كل حال فيجب الحذر من هذا وأن لا يحلف إلا بالله؛ لقول النبي ﷺ: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . ***
قرأت في كتيب بعنوان صيغة الصلاة على سيدنا محمد فيها فوائد عظيمة لقضاء الحاجات، والصيغة: اللهم صلِّ على سيدنا محمد سر حياة الوجود، والسبب العظيم لكل موجود، الحبيب المحبوب، شافي العلل ومفرج الكروب. ما رأي فضيلتكم في هذا الدعاء؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا الدعاء أنه منكر، ولا يجوز للإنسان أن يدعو به؛ لأنه وصف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه سر الوجود، وأنه شافي العلل، وهذا شرك: فالشافي هو الله ﵎، والنبي ﷺ نفسه يقول في الدعاء على المريض: (واشف أنت الشافي، لا شفاء إلا شفاؤك) . فكيف يدعي هذا أن النبي ﷺ هو شافي العلل؟ فعلى من رأى هذا الدعاء أن يمزقه وأن يحذر منه. وإنني بهذه المناسبة أود أن أحذر إخواني المسلمين عن ما يتداوله الناس أحيانًا من ورقات يوزعها أناس مجهولون، فيها أنواع من الأدعية كلها أسجاع غريبة تصد الناس عن الأدعية الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو التي ذكرها الله تعالى في القرآن، فتجد الناس- لحسن أسلوب هذه الأدعية التي توزع أحيانًا، ولكون الشيطان يزينها في قلوبهم- يكبون عليها ويعرضون عما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية النافعة الجامعة، وأنصح كل من وقع في يده شيء من هذا أن يعرضه على أهل العلم قبل أن يتعبد لله به. هؤلاء الذين يوزعون هذه المناشير إما جاهلون فهم تحت عفو الله ﷿، على أني أخشى ألا يعفى عنهم؛ لأن الواجب على الإنسان في هذه الأمور أن يسأل أهل العلم قبل أن يوزعها؛ وإما متعمدون لصد الناس عن الأدعية الواردة المشروعة إلى هذه الأدعية المصنوعة المسجوعة؛ ليبعدوا الناس عن ما جاء في الكتاب والسنة، ولا شك أن الأدعية الواردة في الكتاب والسنة خير ما يكون من الأدعية؛ لأنها من عند الله ﷿ علمها عباده، ومن عند النبي ﷺ علمها أمته، فالحذار الحذار أيها الإخوة من التمسك بهذه المنشورات. وكما ترد هذه المنشورات في الأدعية ترد أيضًا في مسائل أخرى: فتوزع أحيانًا منشورات فنها أحاديث مكذوبة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ومن المعلوم أن النبي ﷺ قال: (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) . وقال: (من حدث عني حديثًا يرى أنه كذب فهو أحد الكاذِبِين، أو الكاذِبَيْن) . فليحذر عباد الله من هذه المنشورات توزيعًا أو طباعة، أو شراءً أو بيعًا، أو هدية أو استعمالًا. والعلماء والحمد لله موجودون في البلاد، يتمكن الإنسان من الوصول إليهم مشافهة ومباصرة، أو مشافهة عن طريق الهاتف. ***
٤٩١-هذا سائل للبرنامج يقول: أرجو التكرم من فضيلة الشيخ محمد صالح العثيمين بالإجابة على أسئلتي. يقول: يوجد في قريتنا إمام مسجد يدعو الناس إلى الاستغاثة بغير الله من الأموات، ويعتقد ذلك من الأمور التي تقرب الناس إلى الله تعالى. فما حكم الإسلام في نظركم في هذا الرجل؟ وما حكم الصلاة خلف هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول: إن هذا الرجل الذي يدعو إلى الاستغاثة بغير الله مشرك داع إلى الشرك، ولا يصح أن يكون إمامًا للمسلمين، ولا يصلى خلفه، وعليه أن يتوب إلى الله ﷿ قبل أن يدركه الموت. الاستغاثة لا تكون إلا بالله وحده، وتكون الاستغاثة بحي قادر على أن ينقذ من استغاث به من الشدة، كما في قول الله ﵎: (فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ) . أما أن يستغيث بالأموات فهذا شرك أكبر مخرج عن الملة، وإنني من هذا المنبر أدعو هذا الرجل إلى أن يتوب إلى الله ﷿، ويعلم أن الاستغاثة بالأموات لا تقرب إلى الله بل هي تبعد من الله ﷿، ومن استغاث بالأموات فهو داخل في قول الله تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
٤٩٢- نحن في بلاد غير إسلامية يكثر فيها غير المسلمين، وكان بينهم وبين المسلمين مناظرات، وفي هذه المناظرات أثيرت شبهة، وهي أن أهل الكتاب قالوا: إنكم أيها المسلمون تشركون بالله؛ لأنكم تطوفون بالكعبة ومن ضمنها الحجر الأسود، وهذا يعني أن المسلمين يشركون بالله. والسؤال: كيف نرد على هذه الشبهة؟ علمًا بأنهم رفضوا قبول النصوص بتاتًا فأجاب رحمه الله تعالى: نرد على هذه الشبهة بأننا ندور على الكعبة لا تعظيمًا للكعبة لذاتها ولكن تعظيمًا لله ﷿؛ لأنه رب البيت؛ وقد قال تعالى: (وَطَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطَّائِفِينَ وَالْقَائِمِينَ وَالرُّكَّعِ السُّجُودِ) . والذين يطوفون بالبيت ليسوا يسألون البيت يقولون يا أيتها الكعبة اقضيِ حوائجنا، اغفري ذنوبنا، ارحمينا، أبدًا، بل هم يدعون الله ﷿ ويذكرون الله ويسألون الله المغفرة والرحمة، بخلاف النصارى عابدي الصلبان الذين يعبدون الصلىب ويركعون له ويسجدون له ويدعونه، ومن سفههم أن الصلىب كما يدعون هو الذي صلب عليه المسيح عيسى ابن مريم ﵊، فكيف يعظمون ما كان المقصود به تعذيب نبيهم ﵊ وكيف يعظمونه؟ ولكن هذا من جملة ضياع النصارى وسفاهتهم، على أننا نحن المسلمين لا نرى أن عيسى ﵊ قتل أو صلب؛ لأن ربنا ﷿ يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) . وهات أي واحد من المسلمين حقًا يقول: إنه يطوف بالكعبة من أجل أن تكشف ضره أو تحصل ما يطلب، لن تجد أحدًا كذلك. ***
المستمع محمد الطرشان دمشق يقول في رسالته: ما حكم الشرع في نظركم فيما لو ذبح الإنسان خروفًا وقال: اللهم اجعل ثوابه في صحيفة الشيخ فلان بن فلان؟ هل في ذلك شيء من البدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا ذبح الإنسان خروفًا أو غيره من بهيمة الأنعام ليتصدق به عن شخص ميت فهذا لا بأس به، وإن ذبح ذلك تعظيمًا لهذا الميت وتقربًا إلى هذا الميت كان شركًا أكبر، وذلك لأن الذبح عبادة وقربة، والعبادة والقربة لا تكون إلا لله، كما قال الله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ* لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ) . فيجب التفريق بين المقصدين: فإذا قصد بالذبح أن يتصدق بلحمه ليكون ثوابه لهذا الميت فهذا لا بأس به، وإن كان الأولى والأحسن أن يدعو للميت إذا كان أهلًا للدعاء بأن كان مسلمًا، وتكون الصدقة للإنسان نفسه؛ لأن النبي ﷺ لم يرشد أمته إلى أن يتصدقوا عن أمواتهم بشيء، وإنما قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ولم يقل: يتصدق عنه أو يصوم عنه أو يصلى عنه، فدل هذا على أن الدعاء أفضل وأحسن. وأنت أيها الحي محتاج إلى العمل، فاجعل العمل لك واجعل لأخيك الميت الدعاء. وأما إذا كان قصده بالذبح لفلان التقرب إليه وتعظيمه فهو شركٌ أكبر؛ لأنه صرف شيئًا من أنواع العبادة لغير الله تعالى. ***
يقول بعض الناس: إذا سكن منزل جديد لا بد وأن يذبح بداخله ذبيحة أو ذبيحتان خوفًا من مس الجن اعتقادًا منهم بذلك. نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذبح الإنسان عند نزوله للمنزل أول مرة اتقاء الجن وحذرًا منهم محرم لا يجوز، بل أخاف أن يكون من الشرك الأكبر، ولا يزيد الإنسان إلا شرًا ورعبًا ورهبًا، قال الله تعالى: (وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا) . والإنسان إذا نزل منزلًا ينبغي أن يقول ما جاءت به السنة (أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق) فإن من نزل منزلًا وقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق لن يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك. أما إذا ذبح الذبائح ودعا الأقارب والجيران والأصحاب من باب إظهار الفرح والسرور بهذا المنزل الجديد فإن هذا لا بأس به ولا حرج فيه، وله أن يدعو من شاء ممن يرى أنهم يفرحون بفرحه ويسرون بسروره. ***
أحسن الله إليك يا شيخ من شمال سيناء مصر السائل أبو محمد يقول: فضيلة الشيخ عندنا أناس يذبحون للأولياء والصالحين، ويذبحون عند شراء السيارة الجديدة حتى لا يحصل لها حادث، ويذبحون للبيت الجديد حتى لا تسكن فيه الجان، ويذبحون لخزان المياه حتى لا يغرق فيه أحد. أفيدونا بالحكم عن هذه المسائل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الذبح للأولياء أو غيرهم من المخلوقين فإنه شرك أكبر مخرج عن الملة، وقد قال الله ﵎: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . وهؤلاء لا تنفعهم صلاة ولا صدقة ولا صيام ولا حج ولا غيرها من الأعمال الصالحة؛ لأن الكافر لا يقبل منه أي عمل صالح؛ لقول الله ﵎: (وَمَا مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقَاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ وَلا يَأْتُونَ الصَّلاةَ إِلَّا وَهُمْ كُسَالَى وَلا يُنْفِقُونَ إِلَّا وَهُمْ كَارِهُونَ) . وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿ من ذلك، وأن يستقيموا على الإخلاص، ومن تاب من الذنب تاب الله عليه، قال الله ﵎: (وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا * وَمَنْ تَابَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَإِنَّهُ يَتُوبُ إِلَى اللَّهِ مَتَابًا) . وأما الذبح عند نزول البيت أو بناء الخزان أو ما أشبه ذلك فهذا سفه وخطأ، لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر، وعليهم أن يكفوا عن هذا العمل؛ لأن ذلك ليس وسيلة إلى حفظ البيت أو الخزان أو ما أشبه ذلك، فهو يشبه التمائم والتعويذات التي ليست بمشروعة. ***
المستمع أبو سالم من العراق يقول: بعض الناس عندنا يذبحون الذبائح لغير الله، للإمام علي ﵁ مثلًا، أو للشيخ عبد القادر، وأحيانًا يكلفني بعضهم بأن أذبح له بتلك النية، ولكني في داخل نفسي أقول: هي لله تعالى؛ لعلمي أن ذلك لا يجوز. فهل في هذا شيء؟ وهل يلحقني شيء من الإثم؟ وهل يجوز الأكل من لحوم تلك الذبائح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذبح لغير الله شرك؛ لأن الذبح عبادة، كما أمر الله به في قوله: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لا شَرِيكَ لَهُ) . فمن ذبح لغير الله فهو مشرك شركًا مخرجًا عن الملة والعياذ بالله، سواء ذبح ذلك لملك من الملائكة أو رسول من الرسل أو نبي من الأنبياء أو لخليفة من الخلفاء أو لولي من الأولياء أو لعالم من العلماء، كل ذلك شرك بالله ﷿ ومخرج عن الملة، والواجب على المرء أن يتقي الله تعالى في نفسه، وألا يطيع نفسه في ذلك الشرك الذي قال الله تعالى فيه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) . ولا يحل لك أنت أن تذبح له هذه الذبيحة وأنت تعلم أنه يؤمن بذلك: ذبحها لغير الله ﷿، فإن فعلت فقد شاركته في الإثم حتى ولو فيما أُهلَّ لله به، فإن ذلك لا ينفع؛ لأن الاعتبار بنية صاحبها الذي وكلك، فلا تفعل هذا. وأما الأكل من لحوم هذه الذبيحة فإنه محرم؛ لأنها أُهِلَّ لغير الله بها، وكل شيء أهِلَّ لغير الله به أو ذبح على النصب فإنه محرم، كما ذكر الله ذلك في سورة المائدة في قوله تعالى: (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) فهي من قسم المحرمات، لا يحل أكلها لا لذابحها ولا لك ولا لغيركما. ***
الحلف
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا السائل مصري يقول: الحلف بغير الله هل هو شرك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، لكنه ليس شركًا أكبر مخرجًا من الملة، بل هو شرك أصغر، إلا أن يقع في قلب الحالف بغير الله أن منزلة هذا المحلوف به كمنزلة الله، فحينئذ يكون شركًا أكبر بناء على ما حصل في قلبه من هذه العقيدة، وإلا فمجرد الحلف بغير الله شرك أصغر، وقد قال النبي ﵊: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وبهذه المناسبة أود أن أحذر مما وقع فيه كثير من الناس اليوم حيث كانوا يحلفون بالطلاق، فتجد الواحد منهم يقول: علي الطلاق لا أفعل كذا، أو: إن فعلت كذا فامرأتي طالق أو ما أشبه ذلك. وهذا خلاف الصواب، وأكثر أهل العلم من هذه الأمة من الأئمة وأتباعهم يرون أن الحلف بالطلاق طلاق لا يكفر، ويقولون: إذا قال الرجل: إن فعلت كذا فزوجتي طالق ففعل فإنها تطلق، ولو قال لزوجته: إن فعلت كذا فأنت طالق ففعلت فإنها تطلق، سواء نوى التهديد أو نوى الطلاق. هذا هو الذي عليه جمهور الأمة وأئمة الأمة، فالمسألة خطيرة، والتهاون بها إلى هذا الحد: لو أن رجلًا قدم لشخص فنجانًا من الشاي قال: علي الطلاق ما أشربه، ويقول الثاني: علي الطلاق أن تشرب وما أشبه ذلك. لماذا هذا التلاعب بدين الله ﷿؟ ولو أن أحدًا من العلماء الذين يرون أن الطلاق يقع يمينًا ويقع طلاقًا- أعني: الطلاق المعلق- لو أن أحدًا من أهل العلم قال: أنا أريد أن ألزم الناس بذلك أي بالطلاق؛ لأن الناس تتابعوا فيه فألزمهم كما ألزمهم عمر بالطلاق الثلاث، لو فعل ذلك لكان له وجه؛ لأن الناس كثر منهم هذا، كثر كثرة عظيمة، لو أن العالم الذي يستفتى قارن بين ما يستفتى عنه في مسائل الدين وبين ما يستفتى عنه في هذا الطلاق المعلق لوجد أن استفتاءه في هذا الطلاق المعلق أكثر بكثير من استفتائه في أمور تتعلق بالدين، وأنا أحذر الأزواج من أن يسهل على ألسنتهم هذا الطلاق أو هذا الحلف بالطلاق. ***
أحسن الله إليكم أخوكم في الله عبد الله الفلاج من بريدة يقول في هذا السؤال: بعض الناس يحلف بغير الله هل يجوز له هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله محرم ونوع من الشرك، وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (لا تحلفوا بآبائكم، فمن كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وكان من عادتهم في الجاهلية أنهم يحلفون بآبائهم، ولهذا قال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك، ومن حلف بغير الله فليقل: لا إله إلا الله) تحقيقًا لتوحيده؛ لقول النبي ﷺ: (من قال: واللات- يعني: حلف بهذا الصنم- فليقل: لا إله إلا الله) يعني من حلف بها فليقل: لا إله إلا الله، (ومن قال: تعال أقامرك فليتصدق)؛ لأن المقامرة حرام من الميسر وأكل المال بالباطل، فليتصدق فليداوِ الداء بما يوافقه من دواء. ***
يقول: هل تجوز الاستعانة بغير الله؟ وهل يجوز الحلف بغير الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعانة بغير الله جائزة إذا كان المستعان ممن يمكنه أن يعين فيما استعين فيه، ولهذا قال النبي ﷺ في ذكر الصدقات: (وتعين الرجل في دابته تحمله عليها أو ترفع له عليها متاعه صدقة) . وأما استعانة غير الله فيما لا يقدر عليه إلا الله فهذا لا يجوز، وهو من الشرك. وأما الحلف بغير الله فهو محرم، بل نوع من الشرك؛ لقول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقول النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . ***
بارك الله فيكم أيضًا من أسئلة المستمع ع. ع. ب. مصري ومقيم في الرياض يقول: هل يجوز الحلف بغير الله، مثلًا والنبي، عليك الشيخ فلان مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله لا يجوز؛ لأن النبي ﵊ نهى عن ذلك فقال: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . بل قد جعل النبي ﷺ ذلك من الشرك حيث قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فلا يجوز الحلف بالنبي، ولا الحلف بالولي، ولا الحلف بالملك، ولا الحلف بالوطن، ولا الحلف بالقومية، ولا بأي مخلوقٍ كان، إنما يحلف بالله ﷿ وبصفاته ﷾، فيقال: والله العلي العظيم، والله الرحمن الرحيم، ورب الكعبة. أو يقال: وعزة الله، وقدرة الله وما أشبه ذلك من صفاته، فإنه يجوز الحلف به، ومع هذا فإنه لا ينبغي إكثار الحلف؛ لقوله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن معناها على أحد الأقوال أي: لا تكثروا الحلف بالله، ولا سيما إذا كان الحلف عن كذب فإن الأمر في ذلك خطير، فإن الكذب في اليمين إن تضمن أكل مال الغير بغير حق- ومعلومٌ أن الكذب ليس فيه حق- فإن النبي ﷺ قال: (من حلف على يمينٍ هو فيها فاجر يقتطع بها مال امرئٍ مسلم لقي الله وهو عليه غضبان) . وهذه هي اليمين الغموس التي تغمس صاحبها في الإثم ثم في النار والعياذ بالله. وينبغي أن يعلم أن الحالف بالله إذا قرن يمينه بمشيئة الله فإنه لا كفارة عليه إذا حنث، مثل أن يقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا، فإنه إن لم يفعله فلا شيء عليه؛ لأن النبي ﷺ قال: (من حلف على يمينٍ فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . لذا ينبغي لكل إنسان إذا حلف أن يقرن حلفه بالمشيئة، فإنه يستفيد في ذلك فائدتين: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر وحصول المقصود، والفائدة الثانية: أن لا تلزمه الكفارة فيما لو حنث. ودليل الأمر الأول- أي: تسهيل الأمور إذا قرن الإنسان يمينه بالمشيئة- ما ثبت في الصحيح عن النبي ﷺ: (أن سليمان ﵊ قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٍ منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقال له الملك: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، لم يقل ذلك لقوة عزيمته ﵊، فطاف على تسعين امرأة في تلك الليلة، فلم تلد إلا واحدة منهن شق إنسان)، ليبين الله ﷿ له ولغيره أن الأمر بيده ﷾، وأنه لا ينبغي لأحدٍ أن يتألى على الله ﷿. قال النبي ﷺ في هذا الحديث: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركًا لحاجته، ولقاتلوا في سبيل الله) . وأما الثانية- وهي: أنه إذا قال: إن شاء الله فحنث فلا كفارة عليه- فهو ما سُقته آنفًا من قوله ﵊: (من حلف على يمينه فقال: إن شاء الله فلا حنث عليه) . ***
هل يجوز الحلف بغير الله ﷾؟ فإني أرى بعض الناس يحلفون بالكعبة وبالقرآن وبمحمد، وإذا ناقشتهم في ذلك قالوا: إن الله ﷾ قال: (والشمس وضحاها) أو يقولون: إنه قال: (والليل إذا يغشى. والنهار إذا تجلى) فما حكم هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله أو صفة من صفاته محرم، وهو نوع من الشرك، ولهذا قال النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وجاء عنه ﷺ أنه قال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وثبت عنه أنه قال: (من قال: واللات والعزى فليقل: لا إله إلا الله) . وهذا إشارة إلى أن الحلف بغير الله شرك يطهر بكلمة الإخلاص: لا إله إلا الله، وعلى هذا فيحرم على المسلم أن يحلف بغير الله ﷾، لا بالكعبة، ولا بالنبي ﷺ، ولا بجبريل ولا بميكائيل، ولا بولي من أولياء الله، ولا بخليفة من خلفاء المسلمين، ولا بالشرف ولا بالقومية ولا بالوطنية، كل حلف بغير الله محرم وهو نوع من الشرك والكفر والعياذ بالله. وأما الحلف بالقرآن الذي هو كلام الله فإنه لا بأس به؛ لأن القرآن كلام الله ﷾، تكلم الله به حقيقة في لفظه مريدًا لمعناه، وهو ﷾ موصوف بالكلام، فعليه يكون الحلف بالقرآن حلفًا بصفة من صفات الله ﷾ وهو جائز. وأما معارضة من تنصحه عن ذلك بقوله تعالى: (والليل إذا يغشى)، (والشمس وضحاها) وما أشبهها فإن هذا من أعمال أهل الزيغ الذين يتبعون ما تشابه من وحي الله ﷾ فيعارضون به المحكم، فهذا الحلف ربنا ﷾ هو الذي حلف به، ولله تعالى أن يحلف بما شاء من مخلوقاته الدالة على عظمته وقدرته، وهو ﷾ قد نهانا على لسان رسوله ﷺ أن نحلف بغيره، فعلينا أن نمتثل الأمر وليس علينا أن نعارض أمر الله بما تكلم الله به، فإن الله يفعل ما يشاء. ***
المستمع صلاح من العراق يقول بأن كثيرًا من الناس عندنا في مجتمعنا يحلفون بغير الله، علمًا بأن النبي ﷺ قال: (من حلف بغير الله فقد أشرك) . لذا أرجو أن تنصحوا هؤلاء الناس بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بغير الله معصية لرسول الله ﷺ ونوع من الشرك، قال النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . وقال ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . فالواجب الحذر من ذلك، وأن يحلف الإنسان بالله إذا أراد أن يحلف، على أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر من الأيمان، من الحلف؛ لقول الله تعالى: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) فإن من أحد معانيها: أي لا تكثروا الحلف بالله ﷿، ولكن ما يجري على اللسان بلا قصد لا يؤاخذ عليه الإنسان؛ لقول الله تعالى: (لا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الْأَيْمَانَ) . وقوله في آية أخرى: (لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا كَسَبَتْ قُلُوبُكُم) وعلى من حلف بغير الله أن يتوب إلى الله ويستغفره، وألا يعود إلى مثل ما جرى منه. ***
من الأردن السائل فخري أ. أ. يقول أسأل عن حكم الحلف يقول: وحياة الله لأعملن كذا فهل في هذا شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بحياة الله حلفٌ صحيح؛ لأن الحلف يكون بالله أو بأي اسمٍ من أسماء الله أو بصفةٍ من صفات الله، والحياة صفةٌ من صفات الله، فإذا قال: وحياة الله لأفعلن كذا وكذا كان يمينًا منعقدةً جائزة. وأما إذا حلف بحياة النبي أو بحياة الولي أو بحياة الخليفة أو بحياة أي معظم سوى الله ﷿ فإن ذلك من الشرك، وفيه معصية لله ﷿ ورسوله، وفيه إثم؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ولقول النبي ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) .وإنا نسمع كثيرًا من الناس يقول: والنبي لأفعلن كذا، وحياة النبي لأفعلن كذا، ويدعي أن هذا مما يجري على لسانه بلا قصد. فنقول: حتى في هذه الحال عود لسانك أن لا تحلف إلا بالله ﷿، واحبس نفسك عن الحلف بغير الله. ثم إنه بهذه المناسبة أود أن أبين لإخواني المستمعين أنه لا ينبغي للإنسان أن يكثر الأيمان؛ لأن بعض أهل العلم فسر قول الله تعالى: (واحفظوا أيمانكم) بأن المراد لا تكثروا الحلف، وإذا قدر أن الإنسان حلف على شيء مستقبل فليقل: إن شاء الله؛ لأنه إذا قال: إن شاء الله كان في ذلك فائدتان عظيمتان: الفائدة الأولى: أن هذا من أسباب تيسير الأمر الذي حلف عليه وحصول مقصوده، والثانية: أنه لو لم يفعل فلا كفارة عليه. ودليل ذلك قصة سليمان النبي ﵊ حين قال: والله لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدةٌ منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله فلم يقل اعتمادًا على ما في نفسه من اليقين، فطاف على تسعين امرأة فلم تلد إلا واحدةٌ منهن شق إنسان، أي: نصف إنسان. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (لو قال: إن شاء الله لم يحنث، وكان دركًا لحاجته) . وأما الفائدة الثانية- وهي: أنه لو لم يفعل لم يحنث، يعني لو حلف أن يفعل شيئًا فلم يفعل وقد قال: إن شاء الله- فإنه لا حنث عليه، أي: لا كفارة عليه؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف فقال إن شاء الله فلا حنث عليه) . ***
هذا سائل من الرياض يقول: يا فضيلة الشيخ ما حكم الحلف بالنبي أو الأمانة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نوعٌ من الشرك؛ لأن الحلف تأكيد الشيء بذكرِ معظم، فكأن الحالف يقول: أؤكد هذا الشيء كما أعظم هذا المحلوف به، ولذلك كان القسم خاصًا بالله ﷿، فلا يجوز أن تحلفوا بالنبي ولا بجبريل ولا بالأولاد ولا بغير ذلك من مخلوقات الله ﵎، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . الحلف بالأمانة كذلك لا يجوز؛ لأنه حلفٌ بغير الله، وقد روي عن النبي ﷺ أنه قال: (من حلف بالأمانة فليس منا) . لكن أحيانًا يقول الإنسان: بأمانتي، ويقصد بذلك العهد والذمة ولا يقصد اليمين، فيقول: بأمانتي لأوفين لك، أو: بذمتي لأوفين لك، والمقصود بذلك الالتزام لا تعظيم الأمانة ولا تعظيم الذمة، فهذا لا ينهى عنه إلا احتياطًا، خوفًا من أن يقتدي به من يحلف بالأمانة أو الذمة. والذي أعرف من أصل العوام في قولهم: بذمتي لأفعلن كذا، أنهم يريدون بذلك العهد لا الحلف بالذمة. ***
هذا السائل أحمد عيسى من اليمن يقول: ما حكم من قال هذه العبارة: (والنبي) ويعني بها الوجاهه أو ما يشبه ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال الإنسان: والنبي لأفعلن كذا، أو: والنبي لقد كان كذا، فهذا حلف بالنبي ﷺ، وهو محرم، بل هو من الشرك الأصغر، بل من الشرك الأكبر إذا اعتقد الحالف بالنبي ﷺ أن للنبي ﷺ منزلة كمنزلة الرب ﷿، فإنه في هذا يكون مشركًا شركًا أكبر مخرجًا عن الملة. فالواجب الحذر من الحلف بالنبي ﷺ والبعد عنه؛ لأن هذا- أعني: البعد عن الحلف بالنبي ﷺ هو عنوان تعظيم الرسول ﵊، فتعظيم الرسول ﷺ لا يأتي بمعصية الرسول، وتعظيم الرسول ﵊ لا يأتي بأن يبتدع الإنسان في دين الله ما ليس منه، إن تعظيم الرسول ﵊ هو أن يلتزم العبد شريعته اتباعًا للمأمور، وتركًا للمحظور، أما أن يبتدع في دين الله ما ليس منه، أما أن يأتي بما فيه معصية الرسول ﵊ فقد كَذَبَ فيما ادعاه من محبة الرسول ﵊، كذب لأنه خالف الرسول، والمحب للرسول لا يخالفه، قال الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) . ***
بعض الأشخاص الذين يحلفون بالنبي ﷺ وينهون عن ذلك يقولون: نحن لا نقصد اليمين ولكن هذا جرى على اللسان مجرى العادة. فما الحكم في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لابد قبل الجواب أن نفهم أن الحلف بغير الله شرك، سواء كان بالنبي أو بملك من الملائكة أو بولي من الأولياء، أو بالآباء أو بالأمهات، أو بالرؤساء أو بالأوطان، أو بأي مخلوق كان. الحلف بغير الله شرك؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك)، ولقوله ﷺ: (لا تحلفوا بآبائكم، من كان حالفًا فليحلف بالله أو ليصمت) . فمن حلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهيناه عن ذلك لأنه أتى ما هو شرك، ونحن ليس لنا إلا الظاهر، فننكر عليه ما ظهر لنا من مخالفته، فإذا ادعى أنه لم يقصد اليمين وإنما جرى ذلك على لسانه قلنا له: عود لسانك على أن يجري على الحلف بالله ﷿، لا بالنبي ولا بغيره. وهو إذا خطم نفسه عما كان يعتاده من الحلف بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ثم عود نفسه على الحلف بالله، وصدق الله ﷿ في نيته وعزيمته يسر الله له التحول من الحلف بالنبي إلى الحلف بالله ﷾. ثم إننا نقول: لا ينبغي للإنسان كثرة الحلف، فإن الله تعالى يقول: (وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ) قال بعض العلماء في تفسيرها: أي لا تكثروا الحلف بالله. فليكن الإنسان دائمًا محترزًا من الحلف بالله إلا إذا دعت الحاجة إلى ذلك أو الضرورة فلا بأس، أما كونه لا يقول كلمة لا يخبر خبرًا من الأخبار إلا حلف عليه، أو لا يريد شيئًا إلا حلف عليه، فإن هذا ربما يؤدي إلى شك الناس في أخباره حيث لا يخبرهم بشيء إلا حلف. فنقول لهذا السائل: امتنع عن الحلف بالنبي ﷺ ولو كنت لا تريد اليمين وإنما جرى على لسانك، ثم عود لسانك أن تحلف بالله إذا دعت الحاجة إلى الحلف بالله. ثم إني أيضًا أنصح من أراد الحلف بالله ﷿ أن يقرن يمينه بمشيئة الله فيقول: والله لأفعلن كذا إن شاء الله، أو: والله إن شاء الله لأفعلن كذا؛ لأنه إذا قرن يمينه بالمشيئة حصلت له فائدتان: الفائدة الأولى: تسهيل الأمر أمامه، والفائدة الثانية: أنه إذا حنث ولم يفعل فلا كفارة عليه. وفي الصحيح عن رسول الله ﷺ أنه (أخبر أن نبي الله سليمان بن داود قال يومًا: لأطوفن الليلة على تسعين امرأة تلد كل واحدة منهن غلامًا يقاتل في سبيل الله. فقيل له: قل: إن شاء الله، فلم يقل إن شاء الله، اعتمادًا على ما في قلبه من العزيمة، فطاف على تسعين امرأة أي جامعها فلم تلد واحدة منهن إلا واحدة ولدت شق إنسان، أي: نصف إنسان. قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: لو قال: إن شاء الله لكان دركًا لحاجته، أو قال: لم يحنث، ولقاتلوا في سبيل الله) . فانظر كيف قال النبي ﵊: إنه لم يحنث لو قال: إن شاء الله، وإنهم يقاتلون في سبيل الله. فعود أيها الأخ المستمع عود لسانك إذا حلفت أن تقول: إن شاء الله؛ لتحصل على هاتين الفائدتين، أولاهما: تيسير الأمر، والثانية: أنك لو حنثت فلا كفارة عليك. ***
المستمع من جمهورية مصر العربية يقول: اعتاد بعض الناس عندنا في مصر الحلف بالنبي في معاملاتهم، وأصبح الأمر عاديًا، فعندما نصحت أحد هؤلاء الذين يحلفون بالنبي أجابني بأن هذا تعظيم للرسول وأن هذا ليس فيه شيء، فما الحكم الشرعي في نظركم يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الحلف بالنبي ﷺ أو بغيره من المخلوقين أو بصفة النبي ﷺ أو بغيره من المخلوقين محرم، بل هو نوع من الشرك، فإذا أقسم أحد بالنبي ﷺ فقال: والنبي، أو: والرسول، أو أقسم بالكعبة، أو أقسم بجبريل أو بإسرافيل، أو أقسم بغير هؤلاء فقد عصى الله ورسوله ووقع في الشرك، قال النبي ﷺ: (من كان حالفًا فليحف بالله أو ليصمت) . وقال: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . وقول الحالف بالنبي ﷺ: إن هذا من تعظيم النبي ﷺ، جوابه أن نقول: هذا النوع من التعظيم نهى عنه النبي ﵊، وبين أنه نوع من الشرك، فتعظيم النبي ﷺ بالابتعاد عنه؛ لأن تعظيم النبي ﷺ لا يكون في مخالفة النبي ﷺ، بل تعظيم النبي ﷺ بامتثال أمره واجتناب نهيه، كما أن امتثال أمره واجتناب نهيه يدل على محبته ﷺ، ولهذا قال الله تعالى في قوم ادَّعوا محبة الله: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . فإذا أردت أن تعظم النبي ﷺ التعظيم الذي يستحقه ﵊ فامتثل أمره واجتنب نهيه في كل ما تقول وتفعل، وبذلك تكون معظمًا لرسول الله ﷺ. فنصيحتي لإخواني الذين يكثرون من الحلف بغير الله، بل الذين يحلفون بغير الله، نصيحتي لهم أن يتقوا الله ﷿، وأن لا يحلفوا بأحد سوى الله ﷾، امتثالًا لأمر النبي ﷺ في قوله: (من كان حالفًا فليحلف بالله)،وابتغاء مرضاة الله، واتقاء من الوقوع في الشرك الذي دل عليه قول النبي ﷺ: (من حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك) . ***
القبور
هذا السائل من السودان محافظة محوستي بدأ الرسالة بقوله تعالى: (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون) . يقول في بداية سؤاله: على مشارف الإسلام وبين يدي معارفكم أريد أن تفتوني في هذا السؤال، وهو عن الحكم الشرعي عن زيارة القبور عامة، والتبرك بها من قبور الأولياء والصالحين خاصة، هل في ذلك حرمة؟ وهل هناك دليل من القرآن والسنة؟ نرجو التوجيه حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة القبور للرجال سنة فعلها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأمر بها، وكان صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد حرمها من قبل، ولكنه أمر بها في ثاني الحال، فقد ثبت عنه ﷺ أنه قال: (كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور، ألا فزوروها فإنها تذكر الآخرة-وفي لفظ:-فإنها تذكر الموت) . والسنة للزائر أن يقول: السلام عليكم أهل الديار من المؤمنين والمسلمين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية، اللهم لا تحرمنا أجرهم، ولا تفتنا بعدهم، واغفر لنا ولهم. وله أن يزور قبرًا خاصًّا من أقاربه أو نحوهم؛ لأن النبي ﷺ استأذن ربه أن يزور قبر أمه فأذن له ﵎، واستأذن من الله أن يستغفر لها فلم يأذن له. وأما التبرك بالقبور فإنه محرم وبدعة منكرة، والقبور ليس في ترابها شيء من البركة؛ لأنه تراب معتاد دفن فيه هذا الرجل، ولم يكن لهذا المكان الذي دفن فيه مزية على غيره من الأمكنة مهما كان الرجل. وعلى هذا فلا يجوز التبرك بتراب هذه الأضرحة، ولا يجوز أيضًا دعاء صاحب القبر، بل إن دعاء صاحب القبر والاستغاثة به والاستنجاد به من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله ﷿، وهؤلاء الأموات محتاجون إلينا ولسنا محتاجين لهم، هم محتاجون إلينا أن ندعو لهم وأن نستغفر لهم؛ لأنهم ينتفعون بالدعاء وبالاستغفار لهم، وأما نحن فلسنا محتاجين إليهم إطلاقًا، وإنما حاجتنا إلى الله تعالى وحده. ولا فرق بين أن يكون القبر قبر عامي عادي، أو قبر من يُظن أنه ولي صالح، الكل سواء، حتى تربة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يجوز التبرك بها؛ لأنها تراب كغيرها من الأتربة. نعم الرسول ﵊ لا شك أن الله تعالى شرف المكان بدفنه فيه، لكن ليس معنى ذلك أن هذا المكان المعين يتبرك به إطلاقًا، حتى الحجر الأسود لا يتبرك به؛ لأن عمر بن الخطاب ﵁ قبله وقال: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك) . وهذه نقطة مهمة يجب على المسلمين أن يعلموها: أنه لا بركة في الأحجار أبدًا مهما كانت، ولكن بعض الأحجار يتعبد الإنسان لله تعالى بها كالحجر الأسود، وليس ثمة في الدنيا حجر يتقرب إلى الله تعالى بتقبيله أو مسحه إلا الحجر الأسود، والركن اليماني يمسح ولكنه لا يقبل. ثم إني أنصح إخواني الذين يذهبون إلى هذه الأضرحة أن يكفوا عنها، وأن يجعلوها كغيرها من القبور، يدعون الله تعالى لمن فيها ولا يدعونهم، ويسألون لهم العافية ولا يسألون منهم العافية؛ لأنهم لا يملكون لأنفسهم ضرًّا ولا نفعًا، إذا كان هذا الميت لو كان حيًّا ما نفعك إلا بما يستطيع من المنفعة، كمعونتك على تحميل العفش في السيارة وما أشبه ذلك فكيف ينفعك وهو هامد؟ أرأيت لو أتيت إلى شخص أشل لا يستطيع التحرك هل يمكن أن تستعينه على شيء؟ لا يمكن، وإذا كان حيًا لا يستعان به لأنه لا يعين، فكيف إذا كان ميتًا؟ لكن المشكل أن الشيطان يزين للإنسان سوء عمله، وقد قال الله ﷿ في كتابه: (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) . ***
يقول السائل: الدعاء عند قبور الأولياء والصالحين وطلب الحاجات منهم منتشر في بلاد المسلمين وللأسف الشديد، فهل من كلمة نحو هذه البدعة؟ وجزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذه البدعة التي ذكرها السائل- وهي: الدعاء عند القبور، أو طلب أصحاب القبور قضاء الحاجات- بدعةٌ عظيمة منكرة. أما الدعاء عند القبور فإنها بدعة، لكنها لا تصل إلى حد الكفر إذا كان الإنسان يدعو الله ﷿ لكن يعتقد أن دعاءه في هذا المكان أفضل من غيره. وأما دعاء أصحاب القبور وطلب الحوائج منهم فهذا كفرٌ مخرجٌ عن الملة، فيجب على الطائفتين- أي: التي تدعو الأموات، أو التي تدعو الله عند قبور الأموات- أن يكفوا عن هذا الأمر، وأفضل مكان للدعاء هو المساجد، وكذلك أفضل حالاتٍ للدعاء أن يكون الإنسان ساجدًا، ولهذا حث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على الدعاء حال السجود، فقال ﵊: (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا، فأما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء فقمن أن يستجاب لكم) . ***
هل تجوز زيارة الأضرحة إذا كنت معتقدًا أنها لا تضر ولا تنفع، ولكن اعتقادي في ذلك في الله وحده؟ ولكن لما سمعناه من أن هذه الأمكنة طاهرة ويستجيب الله لمن دعا فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة الأضرحة يعني القبور سنة، لكنها ليست لدفع حاجة الزائر وإنما هي لمصلحة المزور، أولاتعاظ الزائر بهؤلاء، وليست لدفع حاجاته أو حصول مطلوباته، فزيارة القبور اتعاظًا وتذكرًا بالآخرة، وأن هؤلاء القوم الذين كانوا بالأمس على ظهر الأرض يأكلون كما نأكل ويشربون كما نشرب ويلبسون كما نلبس ويسكنون كما نسكن، الآن هم رهن أعمالهم في قبورهم، فإذا زار الإنسان المقبرة لهذا الغرض للاتعاظ والتذكر، وكذلك للدعاء لهم كما كان الرسول ﷺ يدعو لهم إذا زارهم: (السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين، نسأل الله لنا ولكم العافية) . فهذه زيارة شرعية مطلوبة ينبغي للرجال أن يقوموا بها، سواء كان ذلك في النهار أو في الليل. وأما زيارة القبور للتبرك بها واعتقاد أن الدعاء عندها مجاب فإن هذا بدعة وحرام ولا يجوز؛ لأن ذلك لم يثبت لا في القرآن ولا في السنة أن محل القبور أطيب وأعظم بركة وأقرب لإجابة الدعاء، وعلى هذا فلا يجوز قصد القبور بهذا الغرض. ولا ريب أن المساجد خير من المقبرة، وأقرب إلى إجابة الدعاء، وإلى حضور القلب وخشوعه. ***
فضيلة الشيخ في زماننا هذا كثرت الشركيات، وكثر التقرب إلى القبور والنذور لها والذبح عندها. كيف يصحح المسلم هذه العقيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا ندعي هذا السائل بصحة دعواه، أنا في ظني أن هذا الوقت هو وقت الوعي العقلي وليس الشرعي، الوعي العقلي قلَّ الذين يذهبون إلى القبور من أجل أن يسألوها أو يتبركوا بها، إلا الهمج الرعاع هؤلاء من الأصل. فعندي أن الناس الآن استنارت عقولهم الإدراكية لا الرشدية، فالشرك في القبور وشبهها في ظني بأنه قليل، لكن هناك شركٌ آخر، وهو: محبة الدنيا والانهماك فيها والانكباب عليها، فإن هذا نوعٌ من الشرك، قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (تعس عبد الدينار، تعس عبد الدرهم، تعس عبد الخميصة، تعس عبد الخميلة) . فسمى النبي ﷺ من شغف بهذه الأشياء الأربعة سماه عبدًا لها، فهي معبودةٌ له، أصبح الناس اليوم على انكبابٍ بالغ على الدنيا، حتى الذين عندهم شيء من التمسك بالدين تجدهم مالوا جدًا إلى الدنيا، ولقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (والله ما الفقر أخشى عليكم، وإنما أخشى أن تفتح عليكم الدنيا، فتنافسوها كما تنافسها من قبلكم فتهلككم كما أهلكتهم) . هذا هو الذي يخشى منه اليوم، ولهذا تجد الناس أكثر عملهم على الرفاهية: وهذا فيه ترفيه، وهذا فيه نمو الاقتصاد، وهذا فيه كذا وهذا فيه كذا، قلَّ من يقول: هذا فيه نمو الدين، هذا فيه كثرة العلم الشرعي، هذا فيه كثرة العبادة، قل من يقول هذا. فهذا هو الذي يخشى منه اليوم، أما مسألة القبور ففي ظني أنها في طريقها إلى الزوال، سواءٌ من أجل الدنيا أو من أجل الدين الصحيح. ***
يقول رفعت علي محمد السيد: عندنا في مصر المساجد التي توجد عليها وفيها الأضرحة، موجودة فيها بدع ومنكرات، ويقيمون عليها السرج، ويتخذون حولها المعازف والغناء، وبعض ألوان الدجل مثل السحر، وترتكب فيها بعض المنكرات، ومثل بضريح السيد البدوي بطنطا وغيرها في أنحاء الجمهورية، غير أنهم لا يؤدون الصلاة فيها على حقها الأوفى والوجه الأكمل. أفيدونا أفادكم الله عن ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن بناء المساجد على القبور محرم لعن النبي ﷺ فاعله، لعن ذلك وهو في النزع ﵊ حيث قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) . فبناء المساجد على القبور هو من فعل اليهود والنصارى، وهو من موجبات لعنة الله ﵎، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدم هذا المسجد، ولا تصح الصلاة فيه، ولا يجوز للإنسان أن يقصده للتعبد فيه، أو لاعتقاد أن إجابة الدعاء هناك أحرى من إجابتها في المساجد الخالية من القبور. وكذلك أيضًا لا يجوز أن يدفن ميت في مسجد قد بني من قبل، فإن دفن ميت في مسجد قد بُني من قبل فإنه يجب نبشه وإخراجه ودفنه مع المسلمين إن كان من المسلمين، أو مع غير المسلمين إن كان من غير المسلمين. والمهم أنه لا يجوز أن يوضع القبر في المسجد، ولا أن يبنى مسجد على قبر، ولا يجوز أيضًا أن يعتقد المرء أن هذه المساجد المبنية على القبور أفضل من غيرها، بل هي مساجد باطلة شرعًا يجب هدمها والقضاء عليها. ولا فرق بين أن تكون هذه المساجد مبنية على من يُدعى أنهم أولياء، أو على أناس عاديين، فإن الحكم لا يختلف بين هذا وهذا، والواجب على المسلمين عمومًا أن يقوموا لله ﵎ مخلصين له الدين، متبعين لسنة رسوله ﷺ خاتم النبيين وإمام المتقين. ***
يقول السائل إدريس من السودان: بماذا تنصحون أهلي يا فضيلة الشيخ؟ فجميعهم يزورون القبور ويأخذون منها التراب ويدَّعون بأن فيها بركة، فماذا يجب علي في هذه الحالة؟ هل أقطعهم؟ وماذا أستطيع فعله في أعمالهم هذه؟ هل أقوم بنصحهم؟ ونحن لم نعرف أن هذه الأشياء محرمة إلا بعد أن سمعنا برنامج نورٌ على الدرب. فنرجو منكم التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوجيه هو أنه يجب عليك مناصحتهم وبيان أن هذا ليس فيه خير وليس فيه بركة؛ لأن الله تعالى لم يجعل فيه بركةً يتبرك بها الناس. وليعلم أن الإنسان قد يفتتن، أو قد يفتنه الله ﷿، فيأخذ من هذا التراب ويسقيه المريض أو يدهنه به فيشفى بإذن الله، فتنةً لهذا الفاعل، ويكون الشفاء عند هذا الفعل وليس بهذا الفعل، أي ليس الفعل سببًا ولكن حصل الشفاء عنده بإذن الله تعالى فتنةً واختبارًا، فإن الله ﷾ قد يفتن الإنسان بما يجعله يفعل المعصية؛ ليعلم ﷿ من الصادق في إيمانه ومن المتبع لهواه. والمهم أن عليك أن تنصح أهلك عما يفعلونه، وأن تبين لهم أن هذا أمرٌ لا حقيقة له، وأنه لم يرد في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ أن تراب الأموات يتبرك به. ***
هذا سؤال من المستمع يحيي عبد القادر يمني الجنسية يقول: يوجد مسجد في قرية وكان قبل فترة في هذا المسجد قبر وهو مبني عليه بالإسمنت، ويبلغ ارتفاعه نصف متر، وكان بعض الرجال ومن النساء أيضًا إذا جاء عشية الجمعة يزورون هذا القبر ويصبون فوقه من الطين، ويقولون: إنه ولي من أولياء الله. ونحن نقول لهم: إن هذا حرام وشرك. وبعد فترة عزلوا القبر وما فيه إلى جوار المسجد في حجرة بجانب المسجد، ووضعوا العظام في تلك الحجرة، وأصلحوا القبر بالإسمنت بارتفاع نصف متر، ووضعوا لها بابًا من الحديد. فما حكم فعلهم هذا؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: المساجد التي فيها قبور لا يخلو أمرها من حالين: الحال الأولى: أن تكون المساجد سابقة على القبر، بمعنى: أن المسجد قد بني ثم يدفن فيه ميت بعد بنائه، فهذا يجب أن ينبش القبر ويدفن الميت خارج المسجد في المقابر. والحال الثانية: أن يكون القبر سابقًا على المسجد، بمعنى: أنه يكون قبرًا ثم يبنى عليه مسجد، وفي هذه الحال يجب أن يهدم المسجد؛ لأنه محرم في هذه الحال، وما كان محرمًا فإنه لا يجوز إقراره، فيجب أن يهدم المسجد ويبقى القبر في مكانه، لكن لا يجوز أن يكون القبر على ما وصف السائل مرفوعًا مزخرفًا مبنيًا بالإسمنت؛ لأن هذا من تعظيم القبور وإشرافها، وقد قال علي لأبي الهياج الأسدي: (ألا أبعثك على ما بعثني عليه رسول الله ﷺ؟ أن لا تدع صورة إلا طمستها، ولا قبرًا مشرفًا إلا سويته) . وكذلك أيضًا من المنكر أن يصب عليه الطين، أو توضع عليه الزهور، أو يتبرك بترابه، أو نحو ذلك من الأمور المنكرة التي تكون وسيلة إلى الشرك، فإن وسائل الأمور تلحق بغاياتها، بمعنى: أنها تكون محرمة، وإن كانت لا تساويها في مقدار الإثم وفي الحكم، لكنه لا شك أن وسائل المحرم محرمة يجب البعد عنها. والله أعلم. ***
هذه رسالة وصلت من المستمع وليد عيسى سوري مقيم بالدمام يقول: جرت العادة كما شاهدت في بلادنا أن من الناس من ينذرون بإضاءة المقامات بالشمع، مثل مقام قبور الأنبياء، مثل النبي صالح ﵇ والنبي موسى، ومقامات بعض الأولياء في بعض المناسبات أو عندما ينذرون نذورهم، كأن يقول إنسان أو شخص: إذا رزقت بولد إن شاء الله سوف أضيء المقام الفلاني مدة أسبوع مثلًا، أو أذبح لوجه الله ذبيحة عند المقام الفلاني. فهل تجوز مثل هذه النذور؟ وهل إنارة المقام بالشمع أو بالزيت جائزة؟ وعادة ما تكون هذه الأيام التي يضيئون بها هي أيام الاثنين والخميس ليلة الجمعة. فهل هذا ورد في زمن الرسول ﷺ أم أنه بدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إضاءة المقامات- يعني: مقامات الأولياء والأنبياء كالتي يريد بها السائل قبورهم- هذه الإضاءة محرمة، وقد ورد عن النبي ﷺ لعن فاعليه، فلا يجوز أن تضاء هذه القبور لا في ليالي الاثنين ولا في غيرها، وفاعل ذلك ملعون على لسان رسول الله ﷺ. وعلى هذا فإذا نذر الإنسان إضاءة هذا القبر في أي ليلة أو في أي يوم فإن نذره محرم، وقد قال النبي ﵊: (من نذر أن يعصي الله فلا يعصه) . فلا يجوز له أن يفي بهذا النذر، ولكن هل يجب عليه أن يكفر كفارة يمين لعدم وفائه بنذره أو لا يجب؟ محل خلاف بين أهل العلم، والاحتياط أن يكفر كفارة يمين عن عدم وفائه بهذا النذر. وأما تعداده لقبور بعض الأنبياء، مثل: قبر صالح وموسى فإنه لا يصح أي قبر من قبور الأنبياء، إلا قبر النبي ﷺ، فإن الأنبياء لا تعلم قبورهم. وقد قال النبي ﷺ في قبر موسى: (إنه كان عند الكثيب الأحمر قريبًا من البلاد المقدسة. قال: ولو كنت ثمة لأريتكم إياه) . وليس معلومًا مكانه الآن، وكذلك قبر إبراهيم الخليل ﵇، وكذلك بقية الأنبياء لا يعلم مكان قبورهم، إلا النبي ﷺ فإن مكان قبره معلوم: دفن في بيته في حجرة عائشة ﵂. وعلى هذا فنقول للأخ: لا يجوز لك أن تضيء هذه القبور لا بنذر ولا بغير نذر، وأقبح من ذلك الذبح عندها، فإن الذبح عندها أعظم من إسراجها، لا سيما إن قصد بالذبح التقرب إلى صاحب هذا القبر، فإنه إذا قصد ذلك صار مشركًا شركًا أكبر مخرجًا عن الملة؛ لأن الذبح من عبادة الله ﷿، وصرف شيء من أنواع العبادة لغير الله كفر مخرج عن الملة. ***
هذه رسالة وصلت من المستمع للبرنامج الطيب محمد يقول في سؤاله: فضيلة الشيخ ما حكم الشرع في نظركم في الذين يذهبون إلى أصحاب القبور والأضرحة يسألونهم تفريج الكربات وإعطاء الذرية وتيسير الحياة؟ وهم يقومون بذبح الذبائح وتقديم الأموال للسدنة، فإذا سألناهم: لماذا تفعلون هذا؟ يقولون: لأن هؤلاء أولياء ومقربون إلى الله من غيرهم. فأرجو الإفادة جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: جوابنا على هذا السؤال من ناحيتين: الناحية الأولى: إثبات أن هؤلاء المقبورين من أولياء الله، فإنه لا يعلم هل هم من أولياء الله أو من أولياء الشيطان؟ لأن أولياء الله وصفهم الله تعالى بوصف من خرج عنه فليس من أولياء الله، فقال الله ﷾: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فلا نعلم حال هؤلاء المقبورين أهم متصفون بالإيمان والتقوى أم ليسوا متصفين بذلك؟ هذه واحدة، وعلى فرض أن يكونوا من أولياء الله الذين آمنوا وكانوا يتقون فإنهم لا يملكون لأنفسهم ولا لغيرهم نفعًا ولا ضرًا، بل هم جثث هامدة لا يستطيعون أن يدفعوا عن أنفسهم هوام القبور فضلًا عن أن يدفعوا عن غيرهم المكاره والشرور، أو يجلبوا لغيرهم الخيرات والسرور، وقد قال الله ﵎ في كتابه: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ* أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) . وقال الله تعالى: (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) . وإذا كان أشرف الخلق وإمام الأولياء والمتقين محمد رسول الله ﷺ قد أمره الله تعالى أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا* قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) .فنقول لهؤلاء الذين يدعون هؤلاء الأموات ويستغيثون بهم: إنكم ضالون ولا أحد أضل منكم؛ لأنكم تدعون من دون الله من لا يستجيب لكم إلى يوم القيامة، ونقول لهم: إنكم بدعائكم هؤلاء الأموات- وإن كانوا أولياء في اعتقادكم- أشركتم بالله ﷿، فإن من دعا غير الله أو استغاث به فيما لايقدر عليه فإنه يكون مشركًا بالله ﷿، وهؤلاء الذين في القبور لا يقدرون أن يغيثوكم بشيء، ولا يقدرون أن يدفعوا عنكم شرًا، ولا أن يجلبوا لكم نفعًا، فعلى هؤلاء الذين يذهبون إلى القبور أن يتوبوا إلى الله، وأن يرجعوا إلى ربهم، وأن ينزّلوا حاجاتهم بالله، فإن الله تعالى هو الذي قال في كتابه: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . فالله تعالى هو المرجو لكشف السوء، وهو المدعو لطلب الخير، قال الله تعالى: (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَإِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) . فلا يقدر أحد على كشف السوء ولا على إجابة الداعي إلا الله ﷾ وحده لا شريك له، فنصيحتي لهؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿، وأن يقلعوا عما هم عليه من دعوة الأموات والاستغاثة بهم، حتى يحققوا بذلك التوحيد، وليعلموا أن من أشرك بالله فإن الله تعالى لا يغفر له ذنبه، كما قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ) . ***
جامع فيه ولي، ويقوم مجموعة بزيارته ويقدمون الشمع له والسمن إذا مرض أحد الأطفال، وقد قمت بنصحهم على ترك ذلك المنكر لكنهم لم يستجيبوا لي، وقد قالوا: إنه يشفي المريض. فماذا نفعل؟ انصحونا مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: السؤال ليس بواضح، هل هذا الولي حي؟ أو المراد قبر ولي؟ فإن كان المراد قبر ولي فلا شك أن عملهم هذا منكر، وأن الميت لا يفيد أحدًا شيئًا، ويجب عليهم أن يتوبوا إلى الله من هذا العمل، وأن يطلبوا الشفاء منه لا من أصحاب القبور. وأما إذا كان حيًا وأُوتي إليه بشيء يقرأ فيه ويدهن به المريض أو يشربه إن كان مما يشرب فإن هذا لا بأس به، ولكن يجب علينا أن نفهم من هو الولي؟ الولي من كان مؤمنًا بالله متقيًا لمحارم الله؛ لقوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) . فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا، ولا تُنال الولاية بالدعوى والتمسكن والتطامن كما يدعيه بعض الناس الذين يغرون العامة، فيتظاهرون بمظهر الأولياء وقد يكونون من الأعداء، وتعينهم الشياطين على مرادهم، فيظن العامة أن ما حصل كرامة وهو في الحقيقة إهانة. لذلك يجب علينا أن نحذر أمثال هؤلاء الأدعياء، وألا نغتر بظاهرهم وتمسكنهم؛ لأنهم يخدعون العامة بهذا المظهر. ***
المستمع محمد الجزار مصري مقيم بالعراق بغداد يقول في رسالته: ما حكم الشرع يا فضيلة الشيخ في مسجد بداخله مقام ولي من الأولياء ويصلى في هذا المسجد؟ وهل الصلاة في هذه الحالة تعتبر باطلة أم لا؟ أفيدونا جزاكم الله خير الجزاء فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) قال ذلك تحذيرًا مما صنعوا، فلا يجوز للمسلمين أن يتخذوا القبور مساجد، سواء كانت تلك القبور قبور أولياء أم كانت قبور صالحين لم يصلوا إلى حد الولاية في زعم من اتخذ هذه المساجد عليها، فإن فعلوا بأن بنوا مسجدًا على قبر من يرونه وليًا أو صالحًا فإنه يجب أن يهدم هذا المسجد؛ لأنه مسجد محرم؛ لنهي النبي ﷺ عن اتخاذ القبور مساجد. أما إذا كان القبر بعد المسجد بأن أسس المسجد أولًا ثم دفن فيه الميت فإنه يجب أن ينبش هذا الميت ويدفن في المقابر، ولا يحل إبقاؤه في المسجد؛ لأن المسجد تعيَّن للصلاة فيه فلا يجوز أن يتخذ مقبرة، هذا هو الحكم في هذه المسألة. وبقي لي تنبيه على صيغة السؤال الذي سأله السائل، وهو قوله: ما حكم الشرع في كذا وكذا؟ فإن هذا على الإطلاق لا يوجه إلى رجل من الناس يخطئ ويصيب؛ لأنه إذا أخطأ نسب خطؤه إلى الشرع حيث إنه يجيب باسم الشرع باعتبار سؤال السائل، ولكن يقيد إذا جاءت الصيغة هكذا فيقال: ما حكم الشرع في نظركم في رأيكم؟ وما أشبه ذلك، أو يقول صيغة ثانية: ما رأيكم في كذا وكذا؟ حتى لا ينسب الخطأ إذا أخطأ المجيب إلى شريعة الله ﷿، وهذا يرد كثيرًا في الأسئلة الموجهة إلى أهل العلم، ويرد أحيانًا في الكتب المؤلفة، فتجد الكاتب يقول: نظر الشرع كذا وكذا، حكم الإسلام كذا وكذا، مع أنه إنما هو عنده فقط وحسب اجتهاده، وقد يكون صوابًا وقد يكون خطأ، أما إذا كان الأمر أو إذا كان الحكم حكمًا منصوصًا عليه في القرآن واضحًا فلا حرج أن تقول: حكم الشرع الحكم كذا وكذا، كما لو قلت: حكم الإسلام في الميتة أنها حرام؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) . حكم الإسلام في نكاح الأم والبنت التحريم؛ لقوله تعالى: (حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم) وما أشبه ذلك. وهذه المسألة ينبغي التفطن لها عند توجيه الأسئلة إلى أهل العلم، وعند كتابة الأحكام في المؤلفات، وكذلك في الخطب والمواعظ: أن لا ينسب إلى الإسلام شيء إلا إذا كان منصوصًا عليه نصًا صريحًا بينًا، وإلا فيقالُ: فيما أرى، أو يقول: يحرم كذا مثلًا، أو: يجوز كذا بدون أن يقول: إن هذا حكم الإسلام؛ لأنه قد يخطئ فيه. ولهذا كان بعض أهل العلم، بل كان بعض الأئمة من سلف هذه الأمة يحترزون من إطلاق التحريم على شيء لم ينص على تحريمه، وهذا كثير في عبارات الإمام أحمد بن حنبل ﵀، يقول: أكره هذا، أو لا يعجبني، أو: لا أراه، أو: هو قبيح، أو ما أشبه ذلك، تحرزًا من أن يطلق التحريم على شيء ليس في الشرع ما يدل على التحريم فيه على وجه صريح. ***
هل يجوز الصلاة في مساجد وفيها قبور بعض الصالحين والأولياء، كما في الحضرة وعلي الهادي، والغيبة، أو في سيدنا الزبير، وهل يعتبر شركًا بالله هذا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعرف أن بناء المساجد على القبور حرام، ولا يصح، يعني: لا يجوز لأحد من ولاة الأمور وغير ولاة الأمور أن يبني المساجد على القبور؛ لأن النبي ﷺ يقول: (لعنة الله على اليهود والنصارى، اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) يحذر ما صنعوا. فإذا كانت اللعنة قد وجبت لمن بنى مسجدًا على قبر نبي، فما بالك بمن بنى مسجدًا على من هو دون النبي، بل على أمر قد يكون موهومًا لا محققًا، كما يقال في بعض المساجد التي بنيت على الحسين بن علي ﵁، فإنها قد تكون في العراق وفي الشام وفي مصر، ولا أدري كيف كان الحسين ﵁ رجلًا واحدًا ويدفن في ثلاثة مواضع، هذا شيء ليس بمعقول، فالحسين بن علي ﵁ الذي تقتضيه الحال أنه دفن في المكان الذي قتل فيه، وأن قبره سيكون مُخفَىً خوفًا عليه من الأعداء، كما أخفي قبر علي بن أبي طالب ﵁ حينما دفن في قصر الإمارة بالكوفة، خوفًا من الخوارج، لهذا نرى أن هذه المساجد التي يقال: إنها مبنية على قبور بعض الأولياء، نرى أنه يجب التحقق هل هذا حقيقة أم لا؟ فإذا كان حقيقة فإن الواجب أن تهدم هذه المساجد وأن تبنى بعيدًا عن القبور، وإذا لم تكن حقيقة وأنه ليس فيها قبر، فإنه يجب أن يبصر المسلمون، بأنه ليس فيها قبور، وأنها خالية منها حتى يؤدوا الصلاة فيها على الوجه المطلوب، وأما اعتقاد بعض العامة أنهم إذا صلوا إلى جانب قبر ولي أو نبي أن ذلك يكون سببًا لقبول صلاتهم وكثرة ثوابهم فإن هذا وهْمٌ خاطئ، بل إن النبي ﷺ نهى عن الصلاة إلى القبور فقال: (لا تصلوا إلى القبور) . وكذلك قال: (الأرض كلها مسجد إلا المقبرة والحمام) . فالقبور ليست مكانًا للصلاة، ولا يجوز أن يصلى حول القبر أبدًا إلا صلاة القبر على صاحب القبر، فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه صلى على القبر، على كل حال نقول هذه المساجد إن كانت مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب هدمها وبناؤها في مكان ليس فيه قبر، وإن لم تكن مبنية على قبور حقيقية فإن الواجب أن يبصر المسلمون بذلك، وأن يبين لهم أن هذا لا حقيقة له، وأنه ليس فيه قبر فلان ولا فلان، حتى يعبدوا الله تعالى في أماكن عبادته وهم مطمئنون، أما الصلاة في هذه المساجد: فإن كان الإنسان يعتقد أنها وَهْم وأنه لا حقيقة لكون القبر فيها فالصلاة فيها صحيحة، وإن كان يعتقد أن فيها قبرًا، فإن كان القبر في قبلته فقد صلى إلى القبر، والصلاة إلى القبر لا تصح للنهي عنه، وإن كان القبر خلفه أو يمينه أو شماله فهذا محل نظر. ***
يقول: ما حكم بناء المساجد على قبور الأولياء؟ جزاكم الله خير الجزاء فأجاب رحمه الله تعالى: حكمها أنها محرمة، ولا يجوز بناء المساجد على القبور قبور الأولياء ولا غيرهم، وإذا بني مسجد على قبر فإنه يجب هدمه وإزالته. ***
محمد جميل حسين مصطفى من الجمهورية العراقية يقول: إن الله ﷾ يخاطب المؤمنين بتجنب اتخاذ القبور مساجد، فنرى بعض المساجد مبنية فوق قبور الأنبياء والمشايخ السابقين في الإسلام، فهل يجوز هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يفهم من صيغة السؤال أن النهي عن اتخاذ القبور مساجد جاء في القرآن؛ لأنه قال: إن الله يخاطب المؤمنين بتجنب، فظاهر سؤاله أن ذلك في القرآن، والأمر ليس كما ظن إن كان قد ظنه، فهذا ليس في القرآن، لكن النبي ﷺ لعن المتخذين القبور مساجد، فجاء ذلك في السنة. ولا شك أن اتخاذ القبور مساجد من كبائر الذنوب، ولكن إذا وجد قبر في مسجد: فإذا كان المسجد مبنيًا على القبر وجب هدمه وإزالته، وإن كان القبر موضوعًا في المسجد بعد بنائه وجب إخراجه من المسجد، فإذًا الحكم للأول منهما إن كان الأول هو المسجد فإنه يزال القبر، وإن كان الأول القبر فإنه يهدم المسجد، ولا يجوز بناء المساجد على القبور، ولا يجوز دفن الموتى في المساجد، ولا يرد على هذا ما استشكله كثير من الناس بالنسبة لقبر النبي ﷺ وقبري صاحبيه الموجودين في المسجد النبوي، وذلك لأن المسجد لم يُبنَ عليهما، المسجد كان مستقلًا، وهذه كانت حجرة لعائشة ﵂ دفن فيها النبي ﷺ حيث قبض، واختار أبو بكر أن يدفن معه، وكذلك عمر ﵄، وقصة عمر في مراجعة عائشة في ذلك مشهورة. أقول: لا يرد على ذلك؛ لأن هذه الحجرة كانت منفصلة متميزة عن المسجد، ولم يقبر النبي ﷺ ولا صاحباه في المسجد، ولم يُبنَ عليهما أيضًا، لكن في زمن الوليد وفوق التسعين من الهجرة احتاج المسجد إلى زيادة، فرأى الولاة في ذلك الوقت أن يضاف إليه حجر زوجات النبي ﷺ ومن جملتها حجرة عائشة ﵂، إلا أن الحجرة بقيت منفصلة متميزة عن المسجد ببنايتها. على أن من الناس في ذلك الوقت من كره هذا الأمر ونازع فيه ولم يوافق عليه، وقد ذكر أهل العلم أن أكثر الصحابة ﵃ لم يكونوا موجودين في ذلك الوقت في المدينة، وأن الموجود من الصحابة في ذلك الوقت كانوا نازحين في البلاد الإسلامية التي فتحت، وعلى هذا فالمسالة- أي: إدخال الحجرة في المسجد- ليست موضع اتفاق من الناس في ذلك الوقت، إلا أنها بقيت ولم تغير؛ لأن تغييرها صعب، فلذلك أبقوها كما هي والحمد لله منفصلة عن المسجد، ولم توضع القبور داخل المسجد، ولا المسجد بني عليها. ***
يقول جمعة الحسين الحمود من سورية: بعض الناس بنوا عندالمقبرة مسجدًا على بعد عشرة أمتار، فما حكم إقامة هذا المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان خارجًا عن المقبرة، ولم تكن المقبرة بين يدي المصلىن، ولم يقصد به التبرك بكونه حول المقبرة- بكونه أي: المسجد حول المقبرة- فهذا لا بأس به، فأما إذا بني في جانب منها أو كانت المقبرة أمامه، أو كان عن عقيدة أن كون المسجد قرب المقبرة أفضل وأكمل فهذا لا يجوز. ***
التصوير
ما حكم الاحتفاظ بالصور الشمسية؟ علمًا بأنها لم تعلق على الجدران، وأنها محفوظة داخل علبة، كما أنها لم تؤخذ لأجل التعظيم ولكن للذكرى. وما حكم من قام بالتصوير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاحتفاظ بهذه الصور فإنه لا يجوز، وذلك لأن اقتناء الصور إنما يجوز إذا كانت على وجهٍ ممتهن كالتي تكون في الفرش والمخاد والمساند وما إلى ذلك مما يمتهن، هذه جائزة عند جمهور أهل العلم وإن كان فيها خلاف، لكن الجمهور على أنها جائزة. أما ما لا يمتهن، سواءٌ كان شُهر وعلق أو كان أخفي في علبةٍ وشبهها فإنه لا يجوز، ولا يحل للمرء اقتناؤه، فالصور التي للذكرى التي توجد في الحقيبة التي يسمونها ألبوم وغيرها أو غيرها هذه لا تجوز، ثم إن الذكرى لا ينبغي للإنسان أن يتعلق بها فأي ذكرى تكون؟ هذا الرجل الذي كنت حبيبًا له أو صديقًا له في يومٍ من الأيام قد يكون يومًا من الأيام بغيضًا لك، ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يسرف في الحب ولا في البغض، وقد قيل: أحبب حبيبك هونًا ما فعسى أن يكون بغيضك يومًا ما، وأبغض بغيضك هونًا ما فعسى أن يكون حبيبك يومًا ما. على كل حال هذه الذكرى لا تنبغي، والإنسان عبارة عن ابن وقته، والأحوال تختلف وتتغير، فلا ينبغي اتخاذ هذه الصور، بل ولا يجوز أن يحتفظ بها. وأما التصوير فنوعان: أحدهما: أن يكون باليد بتخطيط اليد، بمعنى: أن الإنسان يخطط صورة الجسم مثلًا من وجهٍ ويدين إلى آخره، فهذا لا يجوز، وهو الذي لعن النبي ﷺ فاعله، وأخبر أن فاعليه هم أشد الناس عذابًا. وأما إذا كان التصوير بالنقل بالآلة الفوتوغرافية فهذه موضع خلافٍ بين أهل العلم، وذلك لأن التصوير بالنقل ليس تصويرًا فعليًا من المصور في الحقيقة، بل هو ناقلٌ للصورة وليس مصورًا، وليس كالمصور الذي يريد أن يعمل ما فيه إبداعٌ وإتقان حتى يكون عمله وتخطيطه كتخطيط الله ﷿ وتصوير الله، وبين الإنسان الناقل الذي ينقل ما صوَّره الله ﷾ بواسطة الضوء فبينهما فرق. ولهذا لو عرضت علي رسالة وقلت: انقلها لي فكتبتها وجعلت أصور عليها صرت الآن مصورًا والكتابة هذه كتابتي. لكن لو قلت: خذ هذه الرسالة وصورها بالآلة الفوتوغرافية فالكتابة كتابة الأول، كتابة صاحب الخط الأول، ليست كتابة الذي صور بالآلة المصورة، فهذا مثله تمامًا. وهذا هو الذي نرجحه: أن التصوير الفوتوغرافي لا بأس به، لكن ينظر ما هو الغرض من ذلك؟ إذا كان الغرض اقتناء هذه الصور على وجهٍ لا يباح فهذا يحرم من هذه الناحية، فيكون تحريمه تحريم الوسائل لا تحريم المقاصد. وأما إذا كان الغرض لمصلحة كحفظ الأمن في التابعيات وشبهها فهذا لا بأس به، يعني: لا بأس بالتصوير للتابعية وشبهها، ومع هذا- مع قولنا بالجواز، أو مع ترجيحنا للجواز- نرى أن اللائق للمسلم أن يبتعد عنه؛ لأن ذلك أتقى وأورع؛ لما في ذلك من الشبهة، فإن بعض أهل العلم يرون أن التصوير حتى للصور الشمسية أو الفوتوغرافية يرون أنه حرام، وترك الإنسان لما هو محرم هذا أمرٌ ينبغي، إلا إذا دعت الحاجة إليه فإن المشتبه يزول بالحاجة. ***
أحسنتم هذه الرسالة وردت من أبي حمد يقول: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، استمعت إلى إجابة الشيخ محمد العثيمين بتحريم الصور، حيث أجاز استعمال أو حمل الصور على التابعية مثلًا إذا اعتبرها ضرورة وأنها من يسر الدين، أليس من الأيسر أن يستعمل البصمة بدل الصورة، لكي لا يبقى لدينا أدنى شك بالحرام؟ أخوكم أبو حمد وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: البصمة الإحاطة بها صعبة جدًا؛ لأنه لا يعرفها إلا أفرادٌ من الناس، وبشرط أن توضع البصمة على قدرٍ معين من الحبر أو شبهه؛ لأنه إذا زاد لم تنضبط العلامة، وإذا نقص كذلك لم تنضبط. فمن أجل هذا نرى أن استعمال البصمة بدلًا من الصورة قد تكون أعظم وأشق؛ لأن الإنسان ربما يضرب على الورقة ببصماته عدة مرات فلا يمكن ضبطها، ثم هي عرضة أيضًا لأن تطرأ عليها حكٌ أو شبهه، فإذا تغيرت أدنى تغير لم يحصل بها فائدة. فلا نرى أن مثل هذه الوسيلة تكفي عن وسيلة التصوير. ***
تقول السائلة: عندما يموت الإنسان ويبكي عليه أهله هل هذا البكاء يعذب الميت في قبره؟ وما رأيكم في جمع صور الميت والاحتفاظ بها؟ هل هذا جائز أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذان سؤالان، السؤال الأول البكاء على الميت: البكاء على الميت ينقسم إلى قسمين: قسم بمقتضى الطبيعة ولا يستطيع الإنسان أن يدفعه، فهذا لا يعذب به الميت. وقسم آخر يكون متكلفًا ويرخي الإنسان لنفسه العنان في الاستمرار في البكاء، فهذا يعذب به الميت في قبره؛ لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أن الميت يعذب ببكاء أهله عليه)، لكن هذا التعذيب ليس عقوبة، وإنما هو بمعنى التألم والتوجع؛ لأن العذاب قد يطلق على هذا، كما في قول الرسول ﷺ: (إن السفر قطعة من العذاب) . وأما الاحتفاظ بصور الميت فلا يجوز، بل الواجب إحراقها من حين أن يموت؛ لأن تعلق النفس بالميت أشد من تعلقها بالحي، ويخشى أن الرجل يذهب يطالع صورة الميت ليتجدد حزنه وأسفه عليه، وإن كان معظمًا فربما يعلق صورته في الجدار فيحصل بذلك ضرر ومفسدة، لهذا أرى أنه من حين أن يموت الميت يجب أن تحرق صوره كلها ولا تبقى. ***
رسالة الدوحة مجموعة من الأخوات من الدوحة يقلن ما رأي فضيلتكم في الاحتفاظ بالصور بألبوم؟ هل هذه الصور تمنع من دخول الملائكة في البيوت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور التي تحفظ كما يقولون للذكرى نرى أن الاحتفاظ بها حرام، لا سيما إذا كانت صور أموات، وأن الواجب إحراقها وإزالتها؛ لأنها صورة حقيقة، وإذا كانت صورًا حقيقة فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، وإخبار النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة يراد به التحذير من اقتناء هذه الصور. فنصيحتي لهؤلاء الأخوات السائلات أن يحرقن ما عندهن من هذه الصور، وألا يعدن لأمثال ذلك. ***
من حضرموت المستمع عبد الرحمن يقول: فضيلة الشيخ أسأل عن حكم الصور التي تكون بالنحت، أو الآلة الفوتوغرافية الكاميرا، أو كانت بالرسم باليد. وأنا طالب بالثانوية يلزمونني بالرسم باليد، جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الصور المنحوتة من خشب أو حجارة، أو المصنوعة من الطين أو العجين أو ما أشبه ذلك كلها حرام إذا كانت على تمثال حيوان له روح؛ لما فيها من مضاهاة خلق الله ﷿، وفي الحديث الصحيح (أن رسول الله ﷺ لعن المصورين)، واللعن هو الطرد والإبعاد عن رحمة الله. وفي الحديث القدسي أيضًا أن الله تعالى قال: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) . وفيه أيضًا في الحديث الصحيح: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله، يقال لهم: أحيوا ما خلقتم)، والأدلة في هذا كثيرة. ومن التصوير- على القول الراجح- المتوعد عليه أن يقوم الإنسان بتصوير ذي روح بيده، فإن ذلك داخل في التصوير المتوعد عليه، وهو كبيرة من كبائر الذنوب. أما التصوير بالآلة الفوتغرافية الفورية فلا يظهر لي أنه من التصوير، وذلك لأن المصور لم يكن يخطط أو يحاول أن يضاهي بخلق الله، ولهذا فنرى الناس لو عرض عليهم صورة بالآلة الفوتوغرافية على حسب ما حصل من التصوير لم يقولوا: ما أجود هذا المصور وما أحذقه لكن لو عرض عليهم صورة صورها بيده وخططها بيده وظهرت مطابقة لما صور فقالوا: ما أحسن هذا ما أحذق هذا! فدل ذلك على الفرق بين من يرسم الصورة بيده ومن يصور بالآلة الفوتوغرافية. ويدل لهذا أن الإنسان لو كتب كتابًا بيده ثم وضعه في آلة التصوير وخرج من الآلة فإن الناس لا ينسبون هذا المرسوم إلى الذي صور بالآلة، وإنما ينسبونه إلى الكاتب الأول، وما زال الناس يحفظون الوثائق بمثل هذا ولا يقولون إن هذا الذي التقطه بالآلة مبدع متقن جيد، بل ربما يكون يتولى هذا رجلٌ أعمى، أو يتولاه رجل مبصر في ظلمة، لكن لو جاء شخص وعُرِض عليه خط الرجل الآخر فجاء يقلد آخر حتى ظهر وكأنه خط الرجل الأول لقال الناس: ما أبدعه ما أحذقه، كيف صور هذا التصوير الذي جاء مطابقًا للرسم. ومن هذه الأمثلة يتبين أن التصوير الفوتوغرافي ليس في الحقيقة تصويرًا ينسب إلى الفاعل ولا يقال إن هذا مضاهئٌ لخلق الله؛ لأنه لم يصنع شيئًا والقول بالحل مشروط بأن لا يتضمن أمرًا محرمًا؛ لأن الأشياء المباحة إذا أدت إلى شي محرم كانت حرامًا؛ لأن الوسائل لها أحكام المقاصد، فمثلًا لا نرى أنه يجوز أن يصور الإنسان هذا التصوير للذكرى كما يقولون؛ لما في ذلك من اقتناء الصورة التي يخشى أن تكون داخلة في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) . ***
ما حكم الاحتفاظ بالكتب التي تحتوي على صور لإنسان أو حيوان أو طير؟ وهل نقوم بطمس تلك الصور كاملةً أم الرأس فقط أم بوضع خطٍ على الرقبة أم ماذا نفعل؟ علمًا بأن هذه الكتب مفيدة وليست من الكتب السخيفة، كذلك بالنسبة لبعض المجلات الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصور المشار إليها في الكتب وبعض المجلات الدينية إذا تمكن الإنسان من طمسها أي طمس وجوهها ورؤوسها فهذا خير؛ لأن الصورة هي الرأس: حقيقة الإنسان تعرف برأسه، عين الإنسان تعرف برأسه ووجهه، فعلى هذا فالواجب أن يطمس الرأس والوجه، هذا إذا تمكن، أما إذا شق عليه ذلك فإنه لا حرج عليه إن شاء الله، لا سيما وأن هذه الصور تكون في كتب مغلقة وليست منشورةً مبسوطة مشهورة، فلهذا نرى أنه لا بأس به إذا كان عليه مشقة من طمسها وإزالتها. ***
رسالة بين يدينا الآن وردتنا من سورية فيها صورة وأسئلة، ونحن نناشد المستمعين إلى أن لا يبعثوا لنا أوراقًا فيها صور، وأعتقد أن عند الشيخ محمد قبل الإجابة على هذه الأسئلة التعليق على هذه الصورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال، نعم تعليقنا عليها أن الصور لا تجوز إلا إذا كانت في أمور ممتهنة كالمخاد والفرش وشبهها، وإلا فلا يجوز اقتناؤها لا في الرسائل ولا في تعليقها على الجدران ولا في حفظها في ألبوم الذي يسمونه ألبوم، ولا غير ذلك. ***
ما هو الحكم الشرعي في التماثيل الموجودة في كل أسواق المسلمين وبيوتهم على شكل خيول وبنين وبنات وحيوانات وطيور؟ فهل هذا جائز أم هو حرام بيعه وشراؤه واتخاذه في البيوت بالزينة؟ وما هي نصيحتكم لإخواننا المسلمين حول ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذه التماثيل الموجودة في البيوت سواء كانت معلقة أو موضوعة على الرفوف أن هذه التماثيل يحرم اقتناؤها مادامت تماثيل حيوان، سواء كانت خيولًا أو أسودًا أو جمالًا أو غير ذلك؛ لأنه ثبت عن النبي ﷺ (أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة)، وإذا كانت الملائكة لا تدخل هذا البيت فإنه لا خير فيه، فعلى من عنده شيء من ذلك أن يتلفه، أو على الأقل يقطع رأسه ويزيله حتى لا تمتنع الملائكة من دخول بيته. وإنك لتعجب من رجال يشترون مثل هذه التماثيل بالدراهم ثم يضعونها في مجالسهم كأنما هم صبيان، وهذا من تزيين الشيطان لهم، وإلا فلو رجعوا إلى أنفسهم لوجدوا أن هذا سفه، وأنه لا ينبغي لعاقل فضلًا عن مؤمن أن يضع هذا عنده في بيته. والتخلص من هذا يكون بالإيمان والعزيمة الصادقة حتى يقضوا على هذه ويزيلوها، فإن أصروا على بقائها فهم آثمون في ذلك، وكل لحظة تمر بهم يزدادون بها إثمًا، نسأل الله لنا ولهم الهداية. وأما بيعها وشراؤها فحرام؛ لقول النبي ﷺ: (إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) . فلا يجوز استيرادها ولا إيرادها، ولا بيعها ولاشراؤها، ولا يجوز تأجير الدكاكين لهذا الغرض؛ لأن كل هذا من باب المعونة على الإثم والعدوان، والله ﷿ يقول لعباده: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وكذلك أيضًا يحرم أن تستر الجدران وأبواب الشبابيك بشيء فيه صور من خيل أو أسود أو جمال أو غيرها؛ لأن تعليق الصور رفع من شأنها، فيدخل في عموم قول النبي ﷺ: (لا تدخل الملائكة بيتًا فيه صورة) . وأما ما يوجد من هذه الصور في الفرش التي تداس وتمتهن فإن فيه خلافًا بين أهل العلم هل يحرم أو لا؟ وجمهور أهل العلم على حله، فمن أراد الورع واجتنابه وأن يتخذ فرشًا ليس فيها صور حيوان فهو أولى وأحسن، ومن أخذ بقول جمهور العلماء فأرجو ألا يكون عليه بأس. ***
يقول: ما حكم صنع التماثيل المجسمة وبيعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صنع التماثيل المجسمة إن كانت من ذوات الأرواح فهي محرمة لا تجوز؛ لأن النبي ﷺ ثبت عنه أنه لعن المصورين، وثبت أيضًا عنه أنه قال: قال الله ﷿: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي)؟ وهذا محرم. أما إذا كانت التماثيل ليست من ذوات الأرواح فإنه لا بأس بها وكسبها حلال؛ لأنها من العمل المباح. ***
المستمعة من العراق رمزت لاسمها ك. ب من الجمهورية العراقية بغداد تقول: فضيلة الشيخ هل يجوز الرسم بالريشة في مناظر طبيعية مثل الجبال والأنهار والأشجار، وهل يمكن تعليق صور النباتات أو المناظر الطبيعية في البيت أو الاحتفاظ بها؟ أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يرسم صور الشجر والبحار والأنهار والشمس والقمر والنجوم والجبال وغيرها مما خلق الله ﷿، ويجوز أن يحرص على دقة تصويرها حتى تكون كأنها منظر طبيعي، لكن بشرط أن لا يكون فيها صور من ذوات الأرواح كالإنسان والبهائم، وذلك لأن تصوير الإنسان والبهائم محرم، بل من كبائر الذنوب؛ لأن النبي ﷺ (لعن المصورين، وأخبر أن من صور صورة فإنه يُجعل له بها نفس يعذب بها في جهنم) . وقال ﷺ: (أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون الذين يضاهئون بخلق الله) . وأخبر ﷺ (أنه يقال لهم -تحديًا وتعجيزًا-: أحيوا ما خلقتم) . فلا يجوز للإنسان أن يصور ما فيه روح من بشر أو غيره، سواء صورها مستقلة أو صورها داخل هذه المناظر التي ذكرتها السائلة، وهي من كبائر الذنوب- أعني: التصوير لذوات الأرواح من كبائر الذنوب-؛ لأن النبي ﷺ رتب عليه اللعنة، ومن فعل من ذلك شيئًا فعليه أن يتوب إلى الله، وأن يمزق أو يحرق ما صوره حتى لا يبوء بإثمه، وأما ما ليس فيه روح فلا بأس به؛ لأن الأحاديث تومئ إلى هذا، فإن فيها أنه مكلف أن ينفخ فيه الروح وليس بنافخ، وهذا إشارة وإيماء إلى أن المحرم ما كان فيه روح، وإذا جاز أن يصور ما ليس فيه روح من الأشجار والأنهار والبحار والشمس والقمر والجبال والبيوت وما أشبهها جاز أن يعلقها على بيته وينظر إليها ويهديها إلى غيره، لكن ينبغي أن لا يسرف في هذا فيصرف الأموال الكثيرة في شراء مثل هذه المناظر وتعليقها على الجدر أو إهدائها إلى غيره، فإن الإسراف حرام؛ لقول الله تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) . ***
المستمع من العراق علي ح ع يقول: هل يصح تحنيط الطيور ووضعها في المنزل لغرض الزينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في تحنيط الطيور- بعد أن تذبح ذبحًا شرعيًا، الأصل- أنه جائز، لكن إذا كان في ذلك إضاعة للمال فإنه قد يمنع منه من هذه الناحية؛ لأن النبي ﷺ (نهى عن إضاعة المال)، وإضاعة المال صرفه في غير فائدة. أما إذا كان هناك فائدة مثل إطلاع الناس على مخلوقات الله ﷿ التي تدل على تمام قدرته ﷾ وكمال حكمته فإن هذا لا بأس به لما فيه من المصلحة، وأخشى أن بعض الناس يشتري هذه الحيوانات المحنطة بثمن كثير باهظ مع أنه قد يقصر على أهله ومن تلزمه نفقتهم، فيدع أمرًا واجبًا لأمر ليس بواجب، بل لأمر ليس فيه إلا إضاعة المال. ***
هل رسم ذوات الأرواح كالحيوان والإنسان على الأوراق وتشكيلها بالألوان جائز؟ وهل هو داخل في عموم الحديث القدسي قال تعالى: (ومن أظلم ممن ذهب يخلق كخلقي؟ فليخلقوا ذرة، أو ليخلقوا حبة، أو ليخلقوا شعيرة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو داخلٌ في هذا الحديث، لكن الخلق خلقان: خلقٌ جسميٌ وصفي وهذا في الصور المجسمة، وخلقٌ وصفيٌ لا جسمي وهذا في الصور المرسومة، وكلاهما يدخل في هذا الحديث، فإن خلق الصفة كخلق الجسم وإن كان الجسم أكثر؛ لأنه جمع بين الأمرين: الخلق الجسمي والخلق الوصفي. ويدل على ذلك على العموم، وأن التصوير محرم باليد، سواءٌ كان تجسيمًا أو كان تلوينًا عمومًا، لعن النبي ﷺ للمصورين، فعموم لعنه للمصورين يدل على أنه لا فرق بين الصور المجسمة، والملونة التي لا يحصل التصوير فيها إلا بالتلوين فقط. ثم إن هذا هو الأحوط والأولى للمؤمن: أن يكون بعيدًا عن الشبه. ولكن قد يقول قائل: أليس الأحوط في اتباع ما دل عليه النص، لا في اتباع الأشد؟ نقول: صحيحٌ أن الأحوط في اتباع ما دل عليه النص لا اتباع الأشد، لكن إذا وجد لفظٌ عام يمكن أن يتناول هذا وهذا فالأحوط الأخذ بعمومه، وهذا ينطبق تمامًا على أحاديث التصوير، فلا يجوز للإنسان أن يرسم صورة ما فيه روح لا إنسانًا ولا حيوانًا آخر؛ لأنه داخلٌ في لعن المصورين. ***
السائل حسن حسين يقول: أنا شاب أحب التصوير والاحتفاظ بالصور، ولا تمر مناسبة إلا وأقوم بالتقاط الصور للذكرى، وهذه الصورة أحفظها داخل الألبوم، وقد تمر شهور دون أن أفتح هذا الألبوم وأنظر للصور. ما حكم هذه الصور التي أقوم بتصويرها والاحتفاظ بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تتوب إلى الله ﷿ مما صنعت، وأن تحرق جميع الصور التي تحتفظ بها الآن؛ لأنه لا يجوز الاحتفاظ بالصور للذكرى، فعليك أن تحرقها من حين أن تسمع كلامي هذا. وأسأل الله لي ولك الهداية والعصمة مما يكره. ***
بعض الطلاب الذين يذاكرون في المسجد يحضرون كتبًا فيها صور فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم أنه ينبغي للإنسان إذا أراد أن يذاكر في المسجد أن يذاكر الدروس التي ليس فيها صور، وذلك لأنه إذا أحضر صورة إلى المسجد فإن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، لكن هذه الصور التي تكون في المقررات غالبها يكون قد أغلق عليه الكتاب، فهو غير ظاهر ولا بارز، ثم إن بعضًا منها يكون فيه صورة الرأس فقط دون بقية الجسم، والصورة التي تحرم إنما هي ما يعرف أنها صورة لوجود الجسم كله أو غالبه. ***
المستمع علي أحمد من جدة يقول: ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في لعب الأطفال؟ حيث إن لدي طفلة متعلقة بهذه الألعاب، وهي عبارة عن قطعة من القماش مخيطة ومحشوة من القطن فتبدو وكأنها طفلة، فابنتي تلاعب هذه اللعبة وكأنها طفلة صغيرة، حاولت أن أبعدها عن مثل هذه الألعاب خشيت أن يكون فيها محظور، وأرجو من فضيلة الشيخ محمد بن عثيمين أن يتفضل مشكورًا بالإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعب الأطفال قد جاءت بها السنة من حيث العموم، فإن عائشة ﵂ (كان لها بنات- أي: لعب تلعب بهن- في عهد النبي ﷺ، وإذا كانت هذه اللعبة لا تمثل الصورة الكاملة، وإنما هي قطن أو صوف أو نحوه محشو وفي أعلاها نقط على أنها عضو أو ما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه ولا حرج فيه، والصبية تلعب بهذه اللعبة تتسلى بها وتفرح بها وتخدمها خدمة بليغة، فتجعل لها فراشًا ووسادة، وتجعلها في أيام الصيف تحت المروحة لتروح عليها، وفي أيام الشتاء تغطيها بالغطاءات، وربما وضعتها أمام المكيف للتدفئة في الشتاء أو للتبريد في الصيف، فهي تشعر وكأنها بنت حقيقية، ولا شك أن هذا يعطيها تعليمًا لتربية الأولاد في المستقبل، ويعطيها أيضًا حنانًا على من يكون طفلًا لها حقيقة، ويعطيها تسلية وفرحًا وسرورًا، ولهذا تجدها تخاطبها مخاطبة العاقل، فمن أجل هذه المصالح أباح الشارع مثل هذه. أما اللعب التي تمثل الصورة وكأنها حقيقة، لها رأس وأنف وعين، وربما يكون لها حركات مشي أو أصوات وما أشبه ذلك، فإن الواجب لمن ابتلي بشيء من هذا أن يغير الصورة، بحيث يدنيها من النار حتى تلين ثم يضغط عليها حتى تذهب ملامح الوجه، ولا يتبين أنها مثل الصورة الحقيقية. ومن العلماء من يتساهل في هذا الأمر مستدلًا بعموم الحالات لا بعموم اللفظ؛ لأنه ليس هناك لفظ عام؛ لأن المقصود بهذه الصور تسلية الصبية وما أشرنا إليه من المصالح السابقة، ولكن كون الإنسان يدع الأشياء التي فيها شك أولى من كونه يمارسها. ***
يقول هذا السائل: بائع في بقالة يبيع ويشتري في لعب الأطفال تحتوي على صور ذات الروح أو الأرواح مثل القرود والطيور والقطط إلى غير ذلك، فما الحكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأصل في الصور المجسمة للحيوانات التحريم، وأنه لا يجوز اقتناؤها لا للصغار ولا للكبار، وإذا لم يجز اقتناؤها لم يجز بيعها وشراؤها؛ لأن الله تعالى إذا حرم شيئًا حرم ثمنه، لكن بعض أهل العلم رخص في لعب البنات الصغيرة تتخذ للبنت الصغيرة، من أجل أن تتعود على تربية البنات فيما لو رزقها الله تعالى بنتًا، فمنهم من قال: إن هذه الصور المرخص فيها يجب أن لا تكون على شكل الصورة الحقيقية فلا يكون لها عينان ولا أنف ولا شفتان ولا وجهٌ إلا مطموسًا كالظل، ومنهم من قال: إنه لا بأس أن تكون الصورة التي ستلعب بها البنت على شكل الصورة الحقيقية؛ لأن المقصود حاصل بهذا وبهذا. وأنا لا أشدد في هذه المسألة، فأقول: إن تمكن أولياء البنت الصغيرة أن يأتوا لها بلعبٍ ليس لها وجه بين فهي كالظل فهو أولى وأحسن، أما صور الحيوانات الأخرى كالخيل والطيور وما أشبهها فالأصل منعها وعدم جوازها، جواز اقتنائها، وبناءً عليه لا يجوز بيعها وشراؤها. ***
فضيلة الشيخ هذا السائل يسأل عن اللعب المجسمة التي للأطفال الخاصة بالأولاد والدمى والدبب ما حكم جلبها للأولاد حتى يلعبوا بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة الصور المجسمة من غير الأطفال كصورة الدب والجمل والذئب والأسد وما أشبه ذلك فهذه لا تجوز؛ لأن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة. وأما لعب البنات فلا أشدد فيها؛ لأنه قد كان لعائشة لعب تلعب بهن، وإن كانت اللعب التي في زمن عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن؛ لأنها الآن متقنة تمامًا حتى كأنها بشر، ومع ذلك لا أشدد فيها: إن حصل اللعبة المعروفة التي من القطن وشبهه كالتي استحدثت أخيرًا فهذا أحسن، وإن لم يحصل فلا أقول إن في جلبها للبنات الصغار إثمًا؛ لأن هذا يعودها الرأفة والرحمة بالأطفال، ولذلك أسمع أن بعض البنات الصغار يكون لها لعبة ثم تأتي بها أمام المكيف وتشغل المكيف وتقول: أريد من بنتي أن تبرد، الوقت حار، وربما ترشها بالماء لترويشها، مما يدل على أن لها تأثيرًا في خلق المرأة وتربية أبنائها في المستقبل. ***
هل يجوز إلباس الطفل الملابس التي يوجد فيها صور؟ وكيف التخلص منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الصور التي ليس لها رأس فلا بأس بإلباس الصبي منها، أي من الثياب التي فيها هذه الصور، وكذلك الرأس بلا جسم، إلا إذا كان الرأس من المعظمين في الكفر أو في الفسوق أو في الفجور، فإنه لا يجوز تعظيم هؤلاء ولا إحياء ذكراهم؛ لأنهم من دعاة الشر. لكن إذا كانت رأس إنسان مجهول لا يعلم من هو وليس فيه فتنة فلا بأس به بإلباس الصبي ثيابًا من هذا النوع. وأما الصور الكاملة فإنه لا يجوز إلباس الصبي من الثياب التي فيها هذه الصور، وقد ذكر العلماء ﵏ أنه يحرم إلباس الصبي ما يحرم على البالغ. أما كيف التخلص منها؟ التخلص سهل: أن لا يشتريها الإنسان، أن يقاطعها الناس، وإذا قاطعها الناس لن ترد على بلادنا؛ لأنها لم ترد إلا حين شغف الناس بها وصاروا يستعملونها، فلو هجرت ولم تستعمل ما وردت إلى البلاد. فإذا قيل: لا نجد في السوق ثيابًا جاهزة إلا وفيها هذه الصور؟ قلنا: لكن يوجد والحمد لله في السوق قطع من القماش لم تفصل بعد، فيشتري الإنسان قطعة ويفصلها عند الخياط على قدر الحجم الذي يريده. ***
ما الحكم الشرعي في اقتناء لعب الأطفال المجسمة من ذوات الأرواح؟ وما الحكم في بيعها وأكل ثمنها؟ وما الحكم في تعليقها في المنزل للزينة أو وضعها في أماكن مخصصة للتحف والزينات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ثلاث مسائل حقيقة في هذا السؤال، المسألة الأولى: ما حكم لعب الأطفال بهذه الصورة المجسمة؟ فهذه محل نظر: فمن رأى الأخذ بالعموم في جواز اللعب بالبنات للصغار- كما ورد أن عائشة ﵂ كانت تلعب بالبنات في عهد النبي ﷺ، وكانت صغيرة، والرسول ﵊ لم ينهها- قال: إن أخذها بالعموم يقتضي أن نعمل به حتى في هذه الصور المجسمة الدقيقة الصنع، ومن رأى أن اللعب التي كانت تلعب بها عائشة ليست كاللعب الموجودة الآن في دقة صناعتها قال: إن هذا ممنوع، ولاشك أن الأحوط أن يتجنب الإنسان ما فيه شبهة، وفي هذه الحال يمكنه أن يبقي هذه الألعاب بين أيدي الصبيان، ولكن يلينها في الماء ثم يغمز وجوهها حتى تتغير خلقتها ولا يبقى لها صورة وجه كاملة، وحينئذ يلعب بها الصبيان. على أن خيرًا من ذلك وأولى أن يأتي لهم بألعاب أخرى: كالسيارات، والطيارات، والحمالات، وما أشبهها، مما يلعبون به بدون أي شبهة. أما المسألة الثانية فهي: تعليق هذه أو وضع هذه الصور المجسمة في الأماكن للزينة أو الاحتفاظ بها، فهذا محرم ولا يجوز، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (إن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة) . فعلى المرء أن يتقي ربه، وأن يبعد عن هذه السفاسف. ومن المؤسف أن من الناس الذين يعتبرون من العقلاء مَن نزلوا بأنفسهم إلى حظيرة الصبيان، حيث إنك قد ترى أو تسمع أن في مجالسهم صور إبل أو صور فيلة أو صور أسود وما أشبه ذلك موضوعة على الأرفف للتجمل والزينة، وهذا حرام عليهم ولا يحل لهم، والواجب عليهم إتلاف هذه الصور، وإذا أبوا إلا أن تبقى فإنه يجب عليهم إزالة رؤوسها، فإذا أزالوا الرأس فإنه يحل إبقاؤها. أما المسألة الثالثة فهو: بيع هذه الصورة المجسمة، وبيع هذه الصور المجسمة لا يجوز، وشراؤها حرام، وثمنها محرم؛ لأنها تفضي إلى محرم، وما كان مفضيًا إلى محرم فإنه محرم، كما أنه هي- يعني: وجودها في المكان، ولو لعرضها للبيع والشراء- يمنع دخول الملائكة إلى هذا المكان، وكل مكان لا تدخل فيه الملائكة فإنه ينزع منه الخير والبركة. فضيلة الشيخ: هل يدخل تحت هذا الحكم بيع لعب الأطفال المسمى بالعرائس مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يدخل في ذلك، كما ذكرت لك أن العلماء اختلفوا في جوازها نظرًا لدقة صنعها وإحكامه وإتقانه، فقال بعضهم: إن هذه الدقة المتناهية التي تجعلها كأنها صورة حقيقية تمنع من إلحاقها بالبنات التي كانت تلعب بها عائشة، ومادامت المسألة في هذه الحال فإننا نرى أنه لا يجوز له أن يشتريها أو يعرضها للبيع. ***
السائل هذا يقول: في بيوتنا صور كثيرة من المجلات والعلب وغيرها، فهل تمتنع الملائكة من دخولها؟ علمًا بأننا لا نريدها ولكن يصعب علينا أن نزيلها فضيلة الشيخ فأرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن هذه الصور لا تمنع دخول الملائكة، وذلك لأنها غير مقصودة ولا مأبوه بها، والإنسان لا يهتم بها ولا بالنظر إليها، ووجودها وعدمها عنده سواء. فالظاهر أن الملائكة لا تمتنع من دخول البيت الذي هي فيه؛ لأن امتناع دخول الملائكة فيه نوع عقوبة على صاحب البيت، ولا عقوبة على شيء لا يحرم عليه. ومع ذلك فالتنزه عنها أولى والبعد عنها أولى، ولكننا لا نقول: إن ذلك حرام- أي: إن بقاءها في البيت حرام- لما أشرنا إليه آنفًا من أنها غير مقصودة، والتحرز منها فيه مشقة على الناس، ودخول الملائكة البيت إذا لم توجد فيه هذه الصور لا إشكال فيه، لكن إذا وجدت فيه هذه الصور ففيه إشكال، ولكن الظاهر والله أعلم أنها لا تمتنع من دخوله؛ لأن اقتناءها على هذا الوجه ليس مقصودًا به الصورة. ***
وردتنا رسالة من الحاج باعتبار ما سيكون إن شاء الله يقول الحاج ق ج من بلد إسلامي: بعد السلام أحب أن أسأل عما يلي: ما حكم التقاط الصور التذكارية في المشاعر المقدسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التقاط الصور التذكارية إذا كانت صور آدميين فإنه لا يجوز، أو حيوانات كالإبل مثلًا فإنه لا يجوز؛ لأن فيه اقتناءً للصور، والنبي ﷺ أخبر أن الملائكة لا تدخل بيتًا فيه صورة، إلا ما استثني من الصور، وهو: ما اتخذ فراشًا ومخدة وما أشبه ذلك مما يمتهن، وأما هذه الصور التذكارية للحيوانات والإنسان فإنها لا يجوز اقتناؤها في كل حال. وأما إذا كانت الصور التذكارية للكعبة مثلًا أو لجبال منى أو لجبل عرفة أو لمسجد نمرة أو لمسجد المزدلفة أو لمسجد الخيف في منى فإن هذا لا بأس به، ما لم يؤد ذلك إلى محظورٍ شرعي، فإن أدى ذلك إلى محظور شرعي فإنه لا يجوز، وإلا فالأصل الإباحة. فضيلة الشيخ: هل مثل الصور لهذه المساجد لابد أن يكون فيها رجال أو نساء أو مخلوقات؛ لأنها لا يتصور أن تخلو من الناس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من الممكن إذا ظهرت الصورة وفيها صور آدمي أن يطمس وجوهها، وحينئذ تبقى سليمة. ***
البدعة
المستمع البرنامج ط س ع ويقول: ما هي البدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة الشرعية- أعني: التي تكلم عنها الشرع- هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، هذه هي البدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو يخطب في الناس يوم الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وشر الأمور محدثاتها)، فدل هذا على أن المحدثة كل ما خالف السنة وهدي النبي ﷺ، فإذًا البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. مثاله في العقيدة: ما ذهب إليه أهل التعطيل الذين أنكروا كثيرًا من صفات الله تعالى التي وصف بها نفسه، مثاله قول الله ﵎: (وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا) قالوا: نحن لا نتعبد لله بأن الله يجيء بنفسه، ولا نعتقد بذلك، بل عقيدتنا أن الذي يجيء أمره، فيفسرون قول الله تعالى: (وَجَاءَ رَبُّكَ) بأن المراد جاء أمر ربك، ويعتقدون أن الجائي هو أمر الله لا الله، هذه بدعة؛ لأن الله تعالى لما خاطبنا بقوله: (وَجَاءَ رَبُّكَ) وكان القرآن نزل بلسان عربي مبين فإن مقتضى هذه العبارة في اللسان العربي المبين أن يكون الجائي هو الله لا غيره، ويكون المشروع لنا أن نؤمن بأن الله يجيء هو بنفسه، فإذا اعتقدنا أن الذي يجيء أمره، وأن معنى (وَجَاءَ رَبُّكَ): وجاء أمر ربك، هذا بدعة بلا شك، وكل بدعة ضلالة. كذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) معناها: علا العرش كما يليق بعظمته وجلاله، وذلك أن هذا الفعل استوى إذا عدي بعلى صار معناه العلو على الشيء، كما قال الله تعالى لنوح: (فَإِذَا اسْتَوَيْتَ أَنْتَ وَمَنْ مَعَكَ عَلَى الْفُلْكِ فَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي نَجَّانَا مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) أي ركبت عليه. وقال تعالى: (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنِ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ) أي لتعلوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا علوتم عليه. وقال الله تعالى: (وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ) يعني سفينة نوح، أي: استقرت عليه، على الجبل المعروف بالجودي. هذا معنى هذه الكلمة في اللغة العربية، والقرآن نزل باللغة العربية بلسان عربي مبين: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . أي صيرناه باللغة العربية حتى تعقلوه، ولو تكلم الله به باللغة الفارسية وهو يخاطب العرب لكان هذا خلاف البيان، فقد قال الله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) . فنقول: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ استوى) أي: على العرش علا، لكنه ليس كعلونا على ظهور بهيمة الأنعام أو على الفلك، أو كعلو السفينة على الجودي، لا؛ لأنه استواء مضاف إلى الله ﷿، فيكون استواء يليق بجلاله وعظمته ولا يماثل استواء المخلوق على المخلوق، يعني الله قال: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) . فيأتي الإنسان ويقول: أنا لا أعتقد أن الله استوى على العرش بمعنى علا عليه، ولكني أقول: استوى على العرش أي استولى عليه، فأنا أومن بأنه مستولٍ على العرش لا مستوٍ عليه. فنقول: هذا بدعة؛ لأن الله تعالى لم يخاطبك لتؤمن بأنه مستولٍ على العرش، إنما خاطبك لتؤمن أنه مستوٍ عليه، فقد تعبدت لله بما لم يشرعه، واعتقدت في الله ما لم يرد بهذه الآية الكريمة. هذان مثالان من البدعة، والأمثلة عن هذا كثيرة: كل من خالف ظاهر الكتاب والسنة فيما يتعلق بصفات الله أو فيما يتعلق بأمور الغيب عامة بدون دليل شرعي فإنه مبتدع. وأما البدعة في الأقوال فحدث ولا حرج: كثير من الناس يبتدع أقوالًا لم تكن مشروعة، إما في القدر، أو في الجنس، أو في الوقت، أو في السبب. وذلك لأن العمل لا يكون عبادة حتى يوافق الشرع في أمور ستة: في جنس العمل، وفي قدره، وفي كيفيته، وفي سببه، وفي زمانه، وفي مكانه. حتى لو ذكرت الله ﷿ في غير موضع مشروع فيه الذكر لكنت مبتدعًا، لو كنت إذا أردت أن تأكل قلت: لا إله إلا الله، تتعبد لله بها كما يتعبد الآكل بقوله: باسم الله لقلنا لك: أنت مبتدع. قلت: كيف أكون مبتدعًا وأنا أذكر الله؟ لا إله إلا الله كلمة الإخلاص. نقول: نعم ليس هذا مكانها، فأنت لم توافق الشرع في مكان العبادة هذه فتكون مبتدعًا. لو أن الإنسان ذبح أضحيته في يوم عيد الأضحى قبل الصلاة متعبدًا لله بذلك، مع علمه بأن المشروع في الأضحية أن تكون بعد الصلاة لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالعبادة في غير وقتها. ولو وقف بعرفة في غير يوم عرفة متعبدًا لله بهذا الوقوف لقلنا: هذا مبتدع؛ لأنه أتى بالوقوف في غير زمنه. ولو حبس الإنسان نفسه على طاعة الله لكن في حجرة من بيته يريد بذلك الاعتكاف قلنا: هذا مبتدع؛ لأن الاعتكاف إنما يكون في المساجد؛ لقوله تعالى: (وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) . وكذلك الأفعال البدع فيها كثيرة حدث ولا حرج، لهذا نقول: القاعدة العامة في البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، فإذا قال قائل: هل كل البدع مذمومة؟ نقول: نعم كل البدع مذمومة؛ لقول أعلم الخلق وأصدق الخلق وأنصح الخلق محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعة ضلالة)، كل بدعة هذه جملة من صيغ العموم التي هي من أقوى الصيغ، صادرة ممن هو أعلم الخلق بشرع الله وأصدق الخلق فيما يقول وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق في نطقه قال: (كل بدعة ضلالة)، ولم يقسمها إلى بدعة حسنة ولا بدعة سيئة، كل بدعة ضلالة، والضلالة سوء بلا شك، وأعتقد أنه لو كتبت هذه الجملة في كتاب وكتب في كتاب آخر: البدعة نوعان أو ثلاثة أنواع، لكان الذي يحكي الأقوال سيقول: قال فلان: كل بدعة ضلالة، وقسمها فلان إلى أقسام فجعل القول الأول مقابلًا للقول الثاني، ولم يجعل الثاني تقسيمًا للأول، بل جعله قسيمًا له. فإذا كان هذا يحصل في كلام العلماء بعضهم مع بعض أن من قال: كل بدعة ضلالة، فليس هو كقول من قال: إن البدعة تنقسم إلى كذا وكذا، بل هو قول مقابل له قسيم له، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال- وهو الحاكم على كل قول من البشر- قال: (كل بدعة ضلالة) بدون تفصيل ولا تقسيم. ولهذا نقول فيمن قسم البدعة إلى قسمين: حسنة وسيئة، نقول: هذا التقسيم خطأ؛ لأنه مصادم للنص، وما صادم النص فهو فاسد مردود على صاحبه. ولهذا قال العلماء: إن القياس إذا خالف النص فهو فاسد الاعتبار. ثم نقول لهذا الذي قسم البدعة إلى قسمين أو أكثر: إما أن يكون ما ذكرته ليس ببدعة، فينتفي عنه وصف البدعة، ثم قد يكون حسنًا وقد يكون سيئًا؛ وإما أن يكون بدعة ولكنه ليس بحسن، وظنك أنه حسن ظن خاطئ؛ لأنه مصادم للنص. فإن قال قائل: أليس قد روي عن عمر ﵁ أنه حين وجد الناس في رمضان في القيام على إمام واحد خرج ذات ليلة فقال: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى صح ذلك عن عمر، ولكن عمر ﵁ سماها بدعة باعتبار ما سبقها من تفرق الناس، وإلا فهي سنة، فقد ثبت أن رسول الله ﷺ صلى بأصحابه جماعة في رمضان ثلاث ليال، ثم تركها وقال: خشيت أن تفرض عليكم. فلما زال هذا المحظور- وهو: أن تفرض علينا- صارت إعادتها سنة، فهو في الحقيقة تجديد سنة ليس إحداث سنة، فهي بدعة إذًا باعتبار ما سبق من كون الناس يصلون أوزاعًا. فإن قال قائل: لماذا غفل عنها أبو بكر وعمر في أول خلافته؟ قلنا: لا غرابة في ذلك، أبو بكر ﵁ مدة خلافته قصيرة، هي سنتان وأربعة أشهر وأيام، وكان ﵁ مشغولًا بشؤون المسلمين التي هي أكبر من هذا، أكبر من أن يجتمعوا في رمضان على إمام واحد؛ لأن أصل قيام رمضان سنة، ثم الاجتماع عليه سنة، فهو سنة في سنة، وأبو بكر مشغول بأمور المسلمين العامة داخل المدينة وخارج المدينة، فلا غرابة ألا تطرأ هذه على باله لا في خلافته ولا في خلافة عمر، وبهذا بطل تقسيم البدعة إلى حسنة وسيئة. فإن قال قائل: كيف نجيب عن قول النبي ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة، ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)؟ فنقول: البدعة داخلة في قوله: ومن سن في الإسلام سنة سيئة، والدليل على هذا أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعة ضلالة) . إذًا فمن ابتدع في الدين شيئًا فقد أساء، فيدخل في الجملة الثانية: (ومن سن في الإسلام سنة سيئة فعليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)،أما الجملة الأولى: (من سن في الإسلام سنة حسنة) فيراد بها أمران: الأمر الأول: أي من بادر إلى فعلها، فيكون السن هنا بمعنى الامتثال؛ لأن الإنسان إذا امتثل فتح الطريق للناس، ويدل لهذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال ذلك حين حث المسلمين على الصدقة، فجاء رجل من الأنصار بصرة كادت يده أن تعجز عنها، فألقاها إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال ﵊: (من سن في الإسلام سنة حسنة) . وهذا واضح في أن المراد من ابتدأ العمل بأمر مشروع فإنه يعتبر سانًّا له، أي قد سن الطريق للناس أن يقتدوا به، وهذا معروف بالفطرة والعادة: أن الإنسان يتأسى بغيره، وإذا رأى فلانًا فعل فعل مثله، أي يحمل على أن المراد: من سن في الإسلام سنة حسنة أي: من سن شيئًا من الوسائل التي يكون فيها تحقيقٌ للمصالح الشرعية، فهذه سنة لا شك. مثلًا سن تأليف الكتب، وتأليف الكتب غير موجود في عهد الرسول ﵊، نفس القرآن ليس مكتوبًا على هيئته اليوم في عهد الرسول ﵊، أخذ من صدور الرجال ومما كتب في عسب النخل واللخاف- وهي: الحجارة الخفيفة- وما أشبه ذلك، لكن جمع في مصحف في عهد عثمان في مصحف واحد، هذه سنة حسنة؛ لأنها وسيلة لاجتماع الناس على أمر مشروع. بناء المدارس غير موجود في عهد الرسول ﵊، وإن كان فيه الصفة لفقراء المهاجرين، لكن على الشكل المعهود؟ لا، هذه من السنة الحسنة؛ لأنها وسيلة من باب الوسائل إلى تحصيل أمر مشروع، فهذا هو الذي يحمل عليه قول الرسول ﵊: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) . ولا يمكن أن يراد بها: من شرع شريعة لم يشرعها الله ورسوله؛ لأنه لو كان هذا هو المراد لكان يناقض قوله ﵊: (كل بدعة ضلالة)، وكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يفسر بعضه بعضًا. وإنما أطلت في جواب هذا السؤال لأنه مهم، ولأن كثيرًا من الناس قد تشتبه عليه بعض النصوص وكيفية الجمع بينها، فكان لابد من الإيضاح. ثم إني في ختام هذا الجواب أقول لإخواني- وأخص بذلك طلبة العلم-: إذا جاءتهم نصوص مشتبهة تحتمل معانيَ متعددة، سواء كانت من القرآن أو من السنة فإن الواجب حملها على المحكم الواضح الذي لا اشتباه فيه، فتحمل على الاحتمال الذي يوافق ذلك المحكم وتلغى الاحتمالات الأخرى، حتى ولو كان احتمال هذا النص المشتبه لهذه الاحتمالات على حد سواء، فإن النصوص المحكمة ترجح أحد الاحتمالات وهو ما وافق النصوص المحكمة. وهذه الطريقة- أعني: رد المتشابه إلى المحكم- هي طريقة الراسخين في العلم المؤمنين بالله وكتبه، يقول الله ﷿: (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ) منه: أي بعضه، فمن هنا للتبعيض، آيات محكمات: أي لا اشتباه فيها، هن أم الكتاب: أي مرجع الكتاب الذي يجب أن يرد إليه ما تشابه (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فيها احتمالات. (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) ويأتون بالمتشابه ليضربوا القرآن بعضه ببعض فيجعلوه متشابهًا. (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) يعني وأما (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإيمانهم به يقتضي أن يردوا المتشابه إلى المحكم حتى يكون محكمًا (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) يعني: فلا تناقض فيه (ومَا يذكرُ إلا أولوا الألباب)، فهناك آيات مشتبهة تشتبه على القارىء، قد تشتبه على طالب العلم الذي لم يدرك، لكن الواجب رد هذه المتشابهات إلى المحكم لتكون محكمة. ولا حاجة أن أذكر شيئًا من الأمثلة على ذلك، أخشى أن يطول بنا الوقت أكثر مما ينبغي أن يستوعبه السامع، وأسأل الله أن يميتنا على سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فضيلة الشيخ: متى ظهرت البدعة ومتى عرفت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدع ظهرت في أواخر عصر الصحابة ﵃، لكنها تجدها بدعًا في مسائل معينة، ثم انتشرت حتى وصلت إلى العقيدة في الله ﷿. ظهر في عهد الصحابة ﵃ بدعة القدر، وهو: إنكار قدر الله ﷿ فيما يتعلق بأعمال المخلوق، وجاءت بدعة الإرجاء، ثم جاءت بدعة جهمية: إنكار الصفات أو بعضها. ومن أراد أن يستزيد من ذلك فليرجع إلى مظانه من كتب شيخ الإسلام ابن تيمية أو تلميذه ابن القيم. ***
ما هي البدعة؟ وهل لها أقسام؟ وكيف أعرف أن هذا العمل مُبتدَع؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة: كل شيء يأتي به الإنسان لم يسبقه إليه أحد. هذه البدعة، هذا في اللغة، سواءٌ كان في العادات أو في المعاملات أو في العبادات. ولكن البدعة الشرعية المذمومة هي البدعة في العبادات، بأن يتعبد الإنسان لله ﷿ بما لم يشرعه، سواءٌ كانت هذه العبادة تتعلق بالعقيدة أو تتعلق بقول اللسان أو تتعلق بأفعال الجوارح. فالبدعة شرعًا هي التعبد لله بما لم يشرعه. هذه البدعة شرعًا. وبناءً على ذلك فنقول: إذا كان الشيء يفعل لا على سبيل التعبد، وإنما هو من العادات، ولم يرد نهيٌ عنه فالأصل فيه الإباحة، وأما ما قصد الإنسان به التعبد والتقرب إلى الله فإن هذا لا يجوز إلا إذا ثبت أنه مشروع. هذه هي القاعدة في البدعة. وأما تقسيم بعض العلماء ﵏ البدعة إلى أقسام فإن هذا التقسيم لا يرد على البدعة الشرعية؛ لأن البدعة الشرعية ليس فيها تقسيم إطلاقًا، بل هي قسمٌ واحد حدده رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (كل بدعةٍ ضلالة) . وجميع من يعرف اللغة العربية وأساليبها يعلم أن هذه الجملة جملةٌ عامة شاملة لا يستثنى منها شيء، كل بدعةٍ ضلالة، والقائل هو رسول الله ﷺ، وهذه من قواعد الشريعة. ولكن إذا ظن ظانٌ أن هذه بدعة وأنها حسنة فهو مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنها ليست ببدعة وهو يظن أنها بدعة، كما لو قال: تصنيف السنة وتبويبها هذا بدعة لكنه بدعةٌ حسنة، أو قال: بناء المدارس بدعة لكنه بدعةٌ حسنة أو ما أشبه ذلك، نقول: أنت أخطأت في تسمية ذلك بدعة؛ لأن فاعل ذلك لا يتقرب إلى الله تعالى بنفس الفعل، لكن يتقرب إلى الله بكونه وسيلةً إلى تحقيق أمرٍ مشروع. فتصنيف الكتب مثلًا وسيلة إلى تقريب السنة وتقريب العلم، فالمقصود أولًا وآخرًا هو السنة وتقريبها للناس، وهذا التصنيف وسيلة إلى قربها إلى الناس فلا يكون بدعةً شرعًا؛ لأنك لو سألت المصنف قلت: تصنف هذا الكتاب على أبواب وفصول تتعبد إلى الله بهذا التصنيف، بحيث ترى أن من خالفه خالف الشريعة؟ أو تتقرب إلى الله تعالى بكونه وسيلةً إلى مقصودٍ شرعي، وهو: تقريب السنة للأمة؟ سيقول: إني أقصد الثاني لا أقصد الأول. وبناءً على هذا نقول: إن تصنيف الكتب ليس ببدعةٍ شرعية، كذلك أيضًا بناء المدارس للطلاب هذا أيضًا ليس موجودًا في عهد الرسول ﵊، لكنه وسيلةٌ إلى أمرٍ مقصودٍ للشرع، وهو: القيام بمعونة للطالب ليتفرغ للعلم، فهو ليس في ذاته عبادة ولكنه وسيلة. ولهذا تجد الناس يختلفون في بناء المدارس: بعضهم يبنيها على هذه الكيفية، وبعضهم يبنيها على هذه الكيفية، ولا يرى أحد الطرفين أن الآخر مبتدعٌ لكونه أتى بها على وجه مخالف للمدرسة الأخرى؛ لأن الكل يعتقد أن هذه وسيلة ليست مقصودةً لذاتها، إذًا هذا ليس ببدعة لكنه وسيلةٌ إلى عملٍ مشروع. ولو قال قائل: أنا أريد أن أحدث في الليلة التي يزعمون أنها الليلة التي ولد فيها رسول الله ﷺ أن أحدث صلوات على الرسول ﵊ وثناءً عليه وأحتفل بهذه الليلة؛ لأن الثناء على الرسول ﵊ والصلاة عليه عبادة لا شك، فأفعل هذا إحياءً لذكراه، وهذا حسن إحياء ذكرى الرسول في القلوب حسن، فتكون هذه بدعة حسنة. فنقول: هذه بدعة؛ لأنها نفسها قربة، فالصلاة على الرسول ﵊ قربة، والثناء عليه قربة، وإحياء ذكراه في القلوب قربة؛ لكن تخصيصها في هذا الوقت المعين بدعة؛ لأن الرسول ﵊ لم يفعله ولم يسنه لأمته، لا بقوله ولا بإقراره ولا بفعله، وكذلك الخلفاء الراشدون، ولم تحدث بدعة الاحتفال بالمولد إلا في القرن الرابع بعد مضي ثلاثمائة سنة من الهجرة، وعلى هذا فإذا قال لنا هذا الرجل: هذه بدعة حسنة. قلنا: صدقت في قولك: إنها بدعة، ولكنها ليست بحسنة؛ لأنها عبادةٌ على غير ما شرع الله ورسوله. وبهذا علمنا أن من قال: إن من البدع ما هو حسن فإنه مخطئٌ في أحد الوجهين: إما أنه ليس ببدعة وهو حسن كما مثلنا في تصنيف الكتب وبناء المدارس وما أشبه ذلك، هو حسن لكنه ليس ببدعة؛ لأن الإنسان لا يتعبد لله تعالى بهذا الشيء. وإما أنه بدعة لكنه ليس بحسن، كالاحتفال بمولد الرسول ﵊، فإنه لا شك أن الصلاة على النبي ﷺ وذكره بالثناء الحسن بدون غلوٍ لا شك أنه قربى إلى الله ﷿، سواءٌ فعل في تلك الليلة أم في غيرها، فتخصيصه في تلك الليلة يكون بدعة، وهو غير حسن؛ لأنه لم يكن مشروعًا في عهد النبي ﷺ ولا عهد الخلفاء الراشدين ولا الصحابة ولا التابعين، مع أن الشريعة انقطعت بوفاة الرسول ﵊، أي انقطع التغيير والتجديد فيها والحذف بوفاة الرسول ﵊، إلا ما كان داخلًا تحت القواعد الشرعية فهذا يكون قد أتت به الشريعة من قبل وفاة الرسول ﵊. وعلى هذا فلا تقسيم للبدعة، كل بدعةٍ في الدين فإنها ضلالة، كما أخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ومن المعلوم لنا جميعًا أن رسول الله ﷺ أعلم الناس بشريعة الله، وأنه ﷺ أنصح الخلق لعباد الله، وأنه ﷺ أفصح الخلق في بيانه وبلاغته ﵊، إذا كان كلامه صادرًا عن علمٍ تام وعن نصحٍ تام وعن بلاغةٍ تامة فكيف يمكن أن نقول: إن من البدع ما هو حسن، وهو قد قال: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ وليعلم أن كلام الله وكلام رسوله مشتملٌ على الأوصاف التي توجب القبول بدون تردد، أولها: العلم، وثانيها: الصدق، وثالثها: الإرادة، ورابعها: البلاغة. هذه مقومات الأخبار وموجبات صدقها فكلام الله وكلام رسوله لا شك أنه عن علم، وكلام الله وكلام رسوله ﷺ لا شك أنه عن إرادة خير، كما قال الله تعالى: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ)، (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا) . وكلام الله وكلام رسوله في غاية الصدق: (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثًا) . وكلام الله ورسوله أبلغ الكلام وأفصح الكلام، فأفصح الكلام وأبلغه كلام الله، وأفصح كلام الخلق وأبلغه كلام رسول الله ﷺ. ***
السائل من جمهورية مصر العربية خالد خ يقول في هذا السؤال: ما هي أقوال الفقهاء في البدعة؟ وهل هناك بدعة حسنة وأخرى سيئة؟ أفيدوني جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة هي: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل. فالبدعة في العقيدة: أن يخالف ما كان عليه السلف الصالح، سواء كان ذلك في ذات الله ﷿ أو في صفاته وأفعاله، فمن قال: إن الله تعالى ليس له يد حقيقة، ولكن يده هي قوته أو قدرته أو نعمته كان مبتدعًا، أي: قال قولًا بدعيًا، وذلك لأن السلف الصالح لم يفسروا اليد التي أضافها الله لنفسه بهذا أبدًا، لم يرد عنهم حرف صحيح ولا حتى ضعيف أنهم فسروا اليد بغير ظاهرها. وعلى هذا فيكون السلف مجمعين على أن المراد باليد هي اليد الحقيقية، وذلك أنهم يتلون القرآن ويقرؤون ما جاءت به السنة في هذا، ولم يرد عنهم حرف واحد أنهم صرفوا النص عن ظاهره، وهذا إجماع منهم على أن المراد بظاهره حقيقة ما دل عليه. وكذلك قوله تعالى: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى) فإن معناه إذا تعدت بعلى: العلو على الشيء علوًا خاصًا، فيكون استواء الله على عرشه علوه ﷿ عليه على وجه خاص يليق بجلاله وعظمته لا نعلم كيفيته، فمن قال: إن استوى بمعنى استولى وملك وقهر فقد ابتدع؛ لأنه أتى بقول لم يكن عليه السلف الصالح، ونحن نعلم أن السلف الصالح مجمعون على أن استوى على العرش أي علا عليه العلو الخاص اللائق بجلال الله ﷿ بدون تكييف ولا تمثيل؛ لأنه لم يرد عنهم حرف واحد يخرج هذا اللفظ عن ظاهره، وهذا اللفظ بظاهره معناه ما ذكرنا؛ لأن هذا هو معناه في اللغة العربية التي نزل القرآن بها، كما قال الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) . وقال تعالى: (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ. عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسانٍ عربي مبين) . فاعتقاد ما يخالف عقيدة السلف بدعة. كذلك من الأقوال ما ابتدع، فهناك أذكار رتبها من رتبها من الناس ليست على حسب الترتيب الشرعي الذي جاء عن محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فتكون بدعة، سواء كانت بدعة في صيغتها أو في هيئتها أو في هيئة الذاكر عند ذكره أو غير ذلك، هناك أيضًا أفعال ابتدعها من؟ ابتدعها الناس، أحدثوا شيئًا لم يكن عليه النبي ﷺ ولا أصحابه من الأفعال فهذه بدعة. إذًا فضابط البدعة بالخط العريض هو: أن يتعبد الإنسان لله تعالى بما لم يشرعه الله، إما بعقيدته أو قوله أو فعله، هذه هي البدعة. والبدعة لا يمكن تقسيمها إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة أبدًا، لماذا؟ لأن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن النبي ﷺ أفصح الخلق، وأعلم بما يريد في كلامه، ولا يمكن أن يقول لأمته: (كل بدعة ضلالة) وهو يريد أن بعض البدع حسن وبعضها ضلالة، أبدًا؛ لأن من قال: كل بدعة ضلالة وهو يريد أن البدع منها ما هو حسن ومنها ما هو ضلالة كان ملبسًا على الناس غير مبين لهم، وقد قال الله لنبيه ﷺ: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ) . وقال تعالى: (فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) . فلا بلاغ أبلغ من بلاغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولم يقسم البدعة إلى قسمين ولا إلى ثلاثة ولا إلى أربعة ولا إلى خمسة، بل جعلها قسمًا واحدًا محاطًا بالكلية العامة: (كل بدعة ضلالة) . وما ظن بعض الناس أنه بدعة وهو حسن فإنه ليس ببدعة قطعًا، وما ظنوا أنه حسن وهو بدعة فليس بحسن، فلابد أن تنتفي إما البدعة وإما الْحُسْن، أَمَّا أن يجتمع بدعة وحسن فهذا لا يمكن مع قول رسول الله ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . فإن قال قائل: أليس عمر بن الخطاب ﵁ أثنى على البدعة في قوله- حين أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يصلىا للناس بإحدى عشرة ركعة، فخرج ذات يوم وهم، أي: الناس مجتمعون على إمامهم فقال-: (نعمت البدعة هذه)؟ قلنا: بلى، لكن هل عمر بن الخطاب ﵁ في فعله هذا خالف سنة الرسول ﵊؟ لا لم يخالف، بل أحياها بعد أن كانت متروكة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قام بأصحابه في رمضان ثلاث ليال أو أربعًا، ثم تخلف وعلل تخلفه بأنه خشي بأن تفرض علينا، ومعلوم أن هذه الخشية قد زالت بوفاة الرسول ﷺ؛ لأنه لا وحي بعد موته ﵊، لكن بقي الناس في خلافة أبي بكر الصديق ﵁ يصلون أوزاعًا: الرجلان جميعًا، والثلاثة جميعًا، والواحد وحده؛ لأن أبا بكر ﵁ كان مشتغلًا بحروب الردة وغيرها، وكانت مدة خلافته قصيرة سنتين وأربعة أشهر أو نحو ذلك، لكن عمر ﵁ طالت به المدة وتفرغ لصغار الأمور وكبارها ﵁، وأتى بكل ما يحمد عليه جزاه الله عن أمة محمد خيرًا، فكان من جملة ما أتى به أنه أعاد تلك السُّنة التي كان النبي ﷺ شرعها لأمته، ولكنه تخلف خوفًا من أن تفرض، فهي بدعة نسبية، أي: بدعة بالنسبة لتركها في المدة ما بين تخلف النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإعادتها من عمر ﵁. لكن هنا مسألة قد يظنها بعض الناس بدعة وليست ببدعة، وهي: الوسائل التي يتوصل بها إلى مقصود شرعي، فإن هذه قد تكون حادثة بعد الرسول ﵊ لكنها لا تعد بدعة؛ لأن المقصود والغاية ما كان مشروعًا، فما كان وسيلة للمشروع فهو منه، والمشروع قد أراد الله ورسوله مِنَّا أن نفعله بأي وسيلة كانت إذا لم تكن الوسيلة محرمة لذاتها. فمثلًا تصنيف الكتب وترتيب الأبواب والفصول، والكلام على تعريف الرجال، وكتابة الفقه وتبويب المسائل، وما حدث في زمننا أخيرًا من مكبرات الصوت وآلات الكهرباء وغيرها، هذه لم تكن معروفة في عهد الرسول ﵊، لكنها وسيلة لأمر مقصود للشارع أمر به. فمثلًا استماع الخطبة يوم الجمعة أمر مأمور به، حتى أن الرسول ﵊ قال: (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا، ومن قال له: أنصت فقد لغا) . فهل نقول: إن اتخاذ مكبر الصوت ليسمع عدد أكبر من البدعة المحرمة أو المكروهة؟ لا نقول هذا، بل ولا يصح أن نسميها بدعة أصلًا؛ لأنه وسيلة لفعل سنة، ومن القواعد المقررة عند العلماء أن الوسائل لها أحكام المقاصد. وخلاصة الجواب أن نقول: البدعة أن يتعبد الإنسان لله بما لم يشرعه من عقيدة أو قول أو فعل، وإنَّ (كل بدعة ضلالة) كما قال النبي ﷺ، وإنَّ البدعة لا تنقسم إلى حسن وسيئ، وإن الوسائل لأمور مشروعة ليست من البدع، وإنما هي وسائل يتوصل بها إلى أمر مشروع. ***
يقول: هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أعوذ بالله! أبدًا ما فيه بدعة حسنة، وقد قال أعلم الخلق بالشريعة وأفصح الخلق بالنطق وأنصح الخلق للخلق قال: (كل بدعة ضلالة) . و(كل) من ألفاظ صيغ العموم، بل هي أقوى صيغ العموم قال: (كل بدعة ضلالة) ولم يستثن شيئًا. وما فعله الإنسان وظنه بدعة حسنة: فإما ألا يكون بدعة لكن هو سماه بدعة، وإما ألا يكون حسنة وهو ظنها حسنة. أما أن يتفق أنها بدعة وحسنة فهذا مستحيل، ولذلك ننكر على أولئك القوم الذين رتبوا أذكارًا معينة يقولونها في الصباح أو المساء فرادى أو جماعة، ننكر عليهم حيث رتبوا أشياء لم ترد بها السنة، مع أنهم يستحسنونها ويرون أنها فاضلة. ***
يا شيخ هل هناك بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال هكذا نقول: لا، ما فيه بدعة حسنة ولا سيئة، كيف يمكن أن نقول هذا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة)؟ ومن المعلوم أن النبي ﷺ أعلم الخلق بالبدع، وأنه أنصح الخلق للخلق، وأنه أفصح الخلق فيما يقول، فيكف يقول: (كل بدعةٍ ضلالة) بهذا التعبير العام الشامل ثم نقول: من البدع ما هو حسن ومن البدع ما هو قبيح؟ ولكننا نقول: كل بدعة إذا ظنها الإنسان حسنة فإما أن لا تكون بدعة وهو يظن أنها بدعة، وإما أن لا تكون حسنة وهو يظن أنها حسنة، فيكون خطأ إما في الأصل وإما في الحكم. يعني: إما أن تكون غير بدعة وهو يظن أنها بدعة وقال: إنها حسنة، وإما أن تكون بدعة وظنها هو حسنة وليست بحسنة. فأصحاب الطرق الذين ابتدعوا في الأذكار ما لم يشرعه الله ورسوله، هؤلاء يظنون أنها حسنة ويقولون: إنها بدعة حسنة، فنقول له: لا والله ليست بدعة حسنة، بل ما دمتم اعترفتم بأنها بدعة يجب أن تعترفوا بأنها ضلالة كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. فإن قال قائل: ألم يصح عن عمر ﵁ أنه أمر أبي بن كعب وتميمًا الداري أن يجمعا الناس في رمضان على إمامٍ واحد، وأمر أبيًا وتميمًا الداري أن يقوما بالناس بإحدى عشرة ركعة؟ فالجواب: بلى أمرهم بذلك، وخرج ذات ليلة والناس يصلون على إمامٍ واحدٍ فقال: (نعمت البدعة هذه) فأثنى على هذه البدعة. فالجواب: أن هذه البدعة ليست بدعةً في الواقع؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثبت عنه أنه صلى بالناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تخلف وقال: خشيت أن تفرض عليكم فتعجزوا عنها. إذًا فصلاة قيام رمضان جماعة سنة، لكن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تركها خوفًا من أن تفرض على الأمة فتعجز عنها، وبعد موت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم زال هذا الخوف ولا يمكن بعده تشريع، لكن بقي الناس في عهد أبي بكر ﵁ يصلون فرادى ومثنى وثلاث ورباع، ثم إن عمر ﵁ رأى أن يجمعهم على إمامٍ واحد وقال: (نعمت البدعة) يعني: باعتبار ما سبقها، حيث إن الناس تركوا الجماعة في قيام رمضان ثم استؤنفت الجماعة، فهي بدعة بالنسبة لما سبقها من تركها، وليست بدعةً مستقلة لم تكن مشروعة من قبل. هذا من وجه، من وجهٍ آخر أنه- وإن سماها بدعة ﵁ فهي من سنته، وسنة الخلفاء الراشدين متبعة، كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . لكن الوجه الأول هو الجواب الذي لا محيد عنه، وهو: أن عمر سماها بدعة باعتبار ترك الناس لها ثم العودة إليها. ***
يقول: هل هناك تسمية تسمى بدعة حسنة وبدعة سيئة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن أن يقال عن البدعة في دين الله: إنها بدعةٌ حسنة أبدًا، مع قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل بدعةٍ ضلالة) . فإن هذه الجملة- أعني: (كل بدعةٍ ضلالة) - صدرت من أفصح الخلق محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأنصح الخلق وأعلم الخلق بشرع الله وأعلم الخلق بمدلول خطابه، وقد قال هذه الجملة العامة: (كل بدعةٍ ضلالة) . فكيف يأتي إنسانٌ بعد ذلك فيقول: البدعة منها ما هو بدعةٌ سيئة ومنها ما هو بدعةٌ حسنة؟ وهل هذا إلا خروجٌ بقول رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ظاهره؟ فالبدعة كلها بدعةٌ سيئة، والبدعة كلها ضلالة. لكن قد يستحسن الإنسان شيئًا يظنه بدعة وما هو ببدعة، وقد يستحسن شيئًا وهو بدعة يظنه حسنًا وما هو بحسن، أما أن يجتمع كونه بدعة وكونه حسنًا فهذا لا يمكن أبدًا. فمثلًا قد يقول القائل: بناء المدارس بدعة؛ لأنها لم تكن معروفة في عهد النبي ﷺ، لكنه بدعةٌ حسنة. فنقول: لا شك أن بناء المدارس حسن، لكنه ليس البدعة التي أرادها الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، إذ إن بناء المدارس وسيلة لتنظيم الدراسة وتهيئة الدروس للدارسين، وليس مقصودًا في ذاته، بمعنى: أننا لسنا نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أن البناء نفسه عبادة، ولكن نتعبد لله تعالى ببناء المدارس على أنها وسيلةٌ لحفظ العلم وتنظيم العلم، ووسيلة المقصود مقصودة، ولهذا كان من القواعد المقررة عند العلماء أن للوسائل أحكام المقاصد. وربما يحتج محتج لقوله: إن من البدعة ما هو حسن، بما صح عن أمير المؤمنين ﵁ عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في قيام رمضان على إمامٍ واحد، وكانوا قبل ذلك يصلون أفرادًا أو على اثنين اثنين أو ثلاثة ثلاثة أوزاعًا، فجمعهم عمر ﵁ على إمامٍ واحد، فخرج ذات ليلةٍ وهم يصلون فقال: (نعمت البدعة هذه) . فإن هذه البدعة التي سماها عمر بدعة ليست بدعة جديدة، ولكنها بدعةٌ نسبية، فإنها كانت سنة فتركت ثم استجدت في عهد عمر، وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى بأصحابه في رمضان جماعة ثلاث ليال، ثم ترك ذلك وقال: (خشيت أن تفرض عليكم) . فترك الناس الجماعة على إمام واحد، وصاروا يصلون أفرادًا وأوزاعًا إلى عهد عمر ﵁، وعلى هذا فيكون عمر قد أعاد ما كان موجودًا في عهد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجدده، ولم ينشيء الجماعة لقيام رمضان إنشاءً جديدًا. وعلى هذا فتكون هذه البدعة بدعةً بالنسبة لما سبقها من تركها، لا بالنسبة لإنشاء مشروعيتها؛ لأن عمر ﵁ أفقه وأورع وأبعد عن أن يشرع في دين الله ما لم يشرعه الله ورسوله. وخلاصة القول: أنه لا يمكن أن تكون البدعة الشرعية تنقسم إلى قسمين حسنة وسيئة مع قول الرسول ﵊: (كل بدعةٍ ضلالة)، وأن ما ظنه بعض الناس بدعةً وهو حسن فإن ظنه إياه بدعة خطأ، وما ظنه الإنسان حسنًا وهو بدعة حقيقةً فإن ظنه أنه حسن خطأ. ***
المستمع من إثيوبيا يقول: تقسيم العلماء الكبار للبدعة إلى خمسة أقسام والرسول الكريم ﷺ يقول: (كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . ما رأيكم في هذا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا قول لأحد بعد قول الرسول ﷺ، فإن النبي ﷺ أعلم الخلق بدين الله، وأنصح الخلق لعباد الله، وأفصح الخلق فيما يقول. وإذا ثبتت هذه الأمور الثلاثة التي مقتضاها أن يكون كلامه هو الحق الذي لا يمكن أن يعارضه شيء من كلام الناس فإننا نقول: كل هذه التقاسيم التي قسمها بعض أهل العلم مخالفة للنص يجب أن تكون مطرحة، وأن يؤخذ بما دل عليه النص، وكل من قال عن البدعة: إنها حسنة فإنها إما ألا تكون بدعة لكنه لم يعلم أنها ليست بدعة، وإما أن لا تكون حسنة لكنه ظنها حسنة، أما أن تكون بدعة حقيقة وحسنة فإن هذا لا يمكن أبدًا؛ لأن هذا يقتضي تكذيب خبر النبي ﷺ حين قال: (كل بدعة ضلالة)، ومن المعلوم أن الضلالة ليس فيها حسن أبدًا بل كلها سوء وكلها جهل، فمن ظن أن بدعة من البدع حسنة فإنه لا يخلو من إحدى الحالين اللتين ذكرناهما آنفًا، وهما: إما ألا تكون بدعة وإما ألا تكون حسنة، وإلا فكل بدعة سيئة وضلالة وليست بحسنة. فإن قلت: ما الجواب عن قول عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في قيام رمضان على أبي بن كعب وعلى تميم الداري، وأمرهما أن يصلىا بالناس إحدى عشرة ركعة، ثم خرج والناس يصلون فقال-: (نعمت البدعة هذه)، فسماها عمر بدعة وأثنى عليها بقوله: نعمت البدعة؟ فالجواب: أن عمر لم يسمها بدعة لأنها بدعة محدثة في دين الله، ولكنها مجددة، فسماها بدعة باعتبار تجديدها فقط، وإلا فإنها ثابتة بشريعة النبي ﷺ، فإنه قد ثبت أن رسول الله ﷺ قام في الناس ثلاث ليالٍ في رمضان، ثم تأخر ﵊ في الليلة الرابعة وقال: (إني خشيت أن تفرض عليكم)، ومقتضى هذا أنها سنة، لكن تأخر النبي ﷺ عن ملازمتها لئلا تفرض على الناس فيلتزموا بها. وبهذا يتبين أن قيام الناس في رمضان جماعة في المساجد من هدي النبي ﷺ ومن سنته، وليس من بدع عمر بن الخطاب كما يظنه من لا يفهم الخطاب. ***
هذه رسالة من المرسل ك ع ب من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية محافظة حضرموت يقول: ما هي البدعة وما هي أقسامها؟ وهل تقسيمها إلى خمسة أقسام كما قسمها الشيخ العز بن عبد السلام صحيح؟ وماذا يقصده ابن عبد السلام بتقسيمه للبدعة؟ أفيدونا بذلك جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة في اللغة العربية فعلة من البدع، وهو اختراع الشيء على غير مثال سَبَقَ، ومنه قوله تعالى: (بَدِيعُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ) أي مبدعهما؛ لأنه ﷾ خلقهما على غير مثال سَبَقَ. هذا معنى البدعة في اللغة العربية. أما البدعة في الشرع فإنها: كل عقيدة أو قول أو عمل يتعبد به الإنسان لله ﷿ وليس مما جاء في شريعة الله ﷾. أقول: البدعة الشرعية ليس لها إلا قسم واحد، بيَّنه رسول الله ﷺ في قوله: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فكل بدعة في الشرع فإنها ضلالة، لا تنقسم إلى أكثر من ذلك، وهذه البدعة التي هي ضلالة سواء كانت في العقيدة أم في القول أم في العمل هي مردودة على صاحبها غير مقبولة منه؛ لقول النبي ﷺ فيما صح عنه من حديث عائشة: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . إذًا فالبدعة الشرعية لا تنقسم لا إلى خمسة أقسام ولا إلى أكثر ولا إلى أقل، إلا أنها قسم واحد بنص رسول الله ﷺ الذي هو أعلم الخلق بما يقول، وأنصح الخلق فيما يوجه إليه، وأفصح الخلق فيما ينطق به، وكلام رسول الله ﷺ غني عن التعقيد، وليس فيه شيء من التعقيد، وهو بيِّن واضح. وتقسيم البدعة عند بعض أهل العلم كالعز بن عبد السلام وغيره إنما قسموها بحسب البدعة اللغوية التي يمكن أن نسمي الشيء فيها بدعًا، وهو في الحقيقة ليس من الشرع؛ لدخوله في عمومات أخرى، وحينئذٍ فيكون بدعة من حيث اللغة وليس بدعة من حيث الشرع. وإني أقول للأخ السائل ولغيره: إن تقسيم البدعة إلى خمسة أقسام أو أكثر أو أقل فهم منه بعض الناس فهمًا سيئًا، حيث أدخلوا في دين الله ما ليس منه، بحجة أن هذا من البدعة الحسنة، وحرفوا كلام رسول الله ﷺ حيث قالوا: إن معنى قوله: (كل بدعة ضلالة): أي كل بدعة سيئة فهي ضلالة، وهذا لا شك أنه تعقيب على رسول الله ﷺ، ويستلزم نقصان كلام رسول الله ﷺ في البيان؛ لأننا لو قلنا: إن الحديث على تقدير: كل بدعة سيئة ضلالة، لم يكن للحديث فائدة إطلاقًا؛ لأن السيئة سيئة وضلالة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، كالزنى مثلًا معروف في الشرع أنه محرم، وتحريمه ليس ببدعة، ومع ذلك نقول: إنه من الضلال وإنه من العدوان. فالذين يقدرون في الحديث: كل بدعة سيئة ضلالة، هؤلاء لا شك أنهم اعترضوا على رسول الله ﷺ وتنقصوا بيانه ﵊، ولا ريب أن الرسول ﵊ أعظم الناس بيانًا وأفصحهم مقالًا وأنصحهم قصدًا وإرادة، وليس في كلامه عي، وليس في كلامه خفاء، أقول: إن هذا التقسيم الذي ذهب إليه العز بن عبد السلام وبعض أهل العلم أوجب إلى أن يفهم فهمًا سيئًا من بعض الناس الذين هم طفيليون على العلم، ومن أجل ذلك حرفوا كلام رسول الله ﷺ. وإني أقول وأكرر: إن كل بدعة في دين الله فإنها ضلالة، ولا تنقسم البدعة الدينية إلى أقسام، بل كلها شر وضلالة، وقد قال النبي ﵊ في آخر الحديث فيما رواه النسائي: (وكل ضلالة في النار) . فعلى المرء أن يكون متأدبًا مع الله ورسوله، لا يقدم بين يدي الله ورسوله، ولا يدخل في دين الله ما ليس منه، ولا يشرع لنفسه مالا يرضاه؛ لأن الله يقول: (وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . فكل ما قدر أن يتعبد به المرء لربه وليس مما شرع الله فإنه ليس من دين الله، وإنما أطلت على هذا الجواب لأنه مهم، ولأن كثيرًا من الناس الذين يريدون الخير انغمسوا في هذا الشر- أعني: شر البدع- ولم يستطيعوا أن يتخلصوا منه، ولكنهم لو رجعوا إلى أنفسهم وعلموا أن هذا- أعني: سلوك البدع في دين الله- يتضمن محظورًا عظيمًا في دين الله، وهو: أن يكون الدين ناقصًا؛ لأن هذه البدع معناها أنها تكميل لدين الله ﷾، والله تعالى يقول: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ) ولا شك أنها نقص في دين الإنسان، وأنها لا تزيده من الله تعالى إلا بعدًا. والله الموفق. ***
ما هي البدع التي تخرج عن ملة الإسلام؟ وما هي البدع التي دون ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الضابط في هذا: أن البدعة إذا كانت تناقض الإسلام، أو تستلزم القدح في الإسلام فإنها بدعة مكفرة، وأما إذا كانت دون ذلك فهي بدعة مفسقة. فمن البدع التي لا تكفر ما استحدثه بعض الناس من صيغ أذكار معينة أو أوقات عينوها للذكر لم ترد السنة بتعيينها، وهي في الأصل مشروعة، ولكن قيدوها بزمن لم تتقيد به في القرآن والسنة. وأما البدع المكفرة التي تسلتزم نقص الخالق أو نقص الرسول أو نقص نقلة الشريعة كالصحابة ﵃ فإن هذه بدع مكفرة. والمهم: أن ما يناقض الإسلام من البدع فهو بدعة مكفرة، وما لا يناقضه فهو بدعة دون التكفير. ***
هذه رسالة من السائل عبد الله عبد الرحمن محمد من محافظة عدن يقول: كيف تكون معاملة من يبتعد عن السنة ويبتدع في الدين ما ليس منه، ادعاء خشية الفتنة من العامة، وأن ذلك استدراج لتأليف قلوبهم كما يدعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معاملة هذا المبتدع الذي يبتدع في الدين ما ليس منه ليرضي عباد الله: أن ينصحه عن هذا العمل؛ لأنه عمل محرم، والله ﷾ يقول: (فَلا تَخْشَوْهُمْ وَاخْشَوْنِي) . ولا يمكن أن يداهن عباد الله في أمر لم يشرعه الله، فالواجب عليه التوبة إلى الله من هذا الأمر، وأن يسير على دين الله ﷾، وعلى الهدي الذي بعث به محمد ﷺ، سواء رضي الناس بذلك أم لم يرضوا. لكن الأمور المجهولة لدى الناس من السنة ينبغي للإنسان أن يمهد لها تمهيدًا يتألف به الناس قبل أن يظهرها لهم ويفعلها ولا يدعها، ولكنه إذا خاف من نفور الناس فإنه يمهد لذلك ويدعوهم بالحكمة حتى يطمئنوا بها وتنشرح بها صدورهم. وأما ترك السنة مراعاة لهم فهذا لا ينبغي، أو ابتداع شيء في دين الله مراعاة لهم فهذا أمر لا يجوز. ***
هل يجازى صاحب البدعة الجاهل على حسن نيته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجازى على حسن نيته، ولكن إن تبينت له السنة وجب عليه اتباعها. والدليل على أنه يجازى على حسن نيته قصة الرجلين اللذين بعثهما النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحضرت الصلاة فلم يجدا الماء، فتيمما وصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة والثاني لم يتوضأ ولم يعد الصلاة. فلما بلغ رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأخبراه قال للذي لم يعد: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فحكم للآخر بالأجر على فعل الأول والثاني مع أنه خلاف السنة، والله ﵎ يقول: (وَنَضَعُ الْمَوَازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيَامَةِ) يعني العدل، فيعطى الإنسان على حسب نيته وعمله، فإذا كان جاهلًا وفعل شيئًا يعتقده عبادة وليس بعبادة أثيب على نيته، لكن إذا بانت له السنة يجب عليه اتباعها. ***
عبد الصمد عبد الرحيم يقول: هل تطبيق البدعة يعاقب أم يثاب عليها مطبقها؟ وخاصة الصلاة والسلام على النبي بعد الأذان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدعة قال فيها رسول الله ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . وإذا كان كذلك فإن البدعة سواء كانت ابتدائية أم استمرارية يأثم من تلبس بها؛ لأنه كما قال الرسول ﵊: (في النار)، أعني: أن الضلالة هذه تكون سببًا للتعذيب في النار، وإذا كان الرسول ﵊ حذر أمته من البدع فمعنى ذلك أنها مفسدة محضة؛ لأن الرسول ﷺ عمم ولم يخص، قال: (كل بدعة ضلالة) . ثم إن البدع في الحقيقة هي انتقاد غير مباشر للشريعة الإسلامية؛ لأن معناها أو مقتضاها أن الشريعة لم تتم، وأن هذا المبتدع أتمها بما أحدث من العبادة التي يتقرب بها إلى الله كما زعم، وعليه فنقول: كل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، والواجب الحذر من البدع كلها، وأن لا يتعبد الإنسان إلا بما شرعه رسول الله ﷺ ليكون إمامه حقيقة، أي: ليكون الرسول ﷺ إمامه حقيقة؛ لأن من سلك سبيل بدعة فقد جعل المبتدع إمامًا له في هذه البدعة دون رسول الله ﷺ. ***
من الأردن إربد هذا السائل يقول: فضيلة الشيخ حفظكم الله أطلب منكم أيها الشيخ أن تضربوا لنا أمثلة من واقع الحياة المعيشة على البدع والتي قد لا نتوقع أن تكون بدعة، مع التوضيح ما هي البدعة؟ وما أضرارها على الأمة الإسلامية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا سؤال لا يمكن الإجابة عنه تفصيلًا؛ لأن الإنسان ليس محيطًا بكل شيء، لكن سأعطي السائل قاعدة: كل من تعبد لله بشيء عقيدة بالقلب أو نطقًا باللسان أو عملًا بالجوارح فإننا نقول له: إنك مبتدع حتى تأتي لنا بدليل على أن هذا مشروع. هذه القاعدة خذها معك أيها السائل: كل إنسان يتعبد لله بشيء عقيدة بقلبه أو نطقًا بلسانه أو عملًا بجوارحه ويقول: هذه شريعة، نقول: أنت مبتدع حتى تأتينا بدليل من كتاب الله أو سنة رسوله أو أقوال الصحابة أو إجماع الأمة على أن هذا مشروع؛ لأن الأصل في الدين هو الشرع، والأصل في العبادات المنع حتى يقوم دليل على أنها مشروعة. ولهذا أعطانا إمامنا وأسوتنا رسول الله ﷺ قاعدة في هذا، قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . وأعطانا قاعدة أخرى فقال: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، أي: مردود على صاحبه لأنه بدعة. فإذا قال لك قائل: من صلى على النبي ﷺ في اليوم والليلة ألف صلاة كتب له كذا وكذا. قلنا: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة كتب له كذا وكذا. نقول: هات الدليل وإلا فأنت مبتدع. فإذا قال: الصلاة على الرسول مشروعة كل وقت. قلنا: صدقت، لكن لماذا تقيدها بألف، أين الدليل لك؟ وإذا قال: قل هو الله أحد ثلث القرآن قراءتها مشروعة. قلنا: صدقت، لكن من حددها بألف؟ وهلم جرًّا. هذه القاعدة والحمد لله مريحة وواضحة بينة. وما نجده في بعض الكتب التي تنشر أو في الملفات التي تنشر أو ما ينشر في بعض الأحيان في أوراق من ذكر أشياء لا حقيقة لها، مثل: من ترك الصلاة عوقب بخمس عشرة خصلة، فهذا كذب موضوع على الرسول ﵊. ثم بقصة الفتاة التي كانت مريضة وترددت على كل المستشفيات، ورأت في المنام زينب وحصل ما حصل منها، هذه أيضًا كذب. أشياء كثيرة يروجها الجهال أو الضُّلال الذين يريدون أن يضلوا الناس، ولذلك أحذر إخواني أن يتلقوا كل منشور وكل مكتوب بالقبول، حتى يعرضوه على أهل العلم؛ لأن الدعاة إلى الضلال كثيرون الآن، إما لقصد الإفساد والإضلال وإما لحسن نية، فليحذر الإنسان من مثل هذا حتى يعرضه على أهل العلم. والخلاصة: أن القاعدة في البدعة أنها: كل ما يتعبد به الإنسان وليس بمشروع من عقيدة أو قول أو عمل، ولهذا باستطاعتك أن تقول لشخص يصلى ركعتين: تعال، من قال لك: إن هذا مشروع؟ هات الدليل. فإذا أتى بالدليل فعلى العين والرأس، وإذا لم يأت بالدليل قلنا: هذا مردود عليك. لو قال مثلًا: كلما برق البرق صلىت ركعتين. من قال لك هذا؟ قال: الركعتان سنة في كل وقت. قلنا: نعم الركعتان سنة في كل وقت إلا في أوقات النهي، لكن من قال لك: عند البرق يسن أن يصلى ركعتين؟ أو: عند نزول المطر يسن أن يصلى ركعتين مثلًا؟ ولهذا يدعي بعض الناس- الذين فتنوا بالاحتفال بما يزعمون أنه اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، يدعون- أنهم لم يفعلوا شيئًا، إنما اجتمعوا يذكرون سيرة النبي ﷺ، تلك السيرة العطرة المحببة للنفوس التي تزيد الإنسان إيمانًا ومحبة للرسول ﷺ، ويقولون: هذا شيء مشروع. نقول: نعم، كل شيء يحبب الرسول إلى الناس أمر مشروع، ومحبة الرسول ﷺ فريضة، ويجب أن تقدم محبته على محبة النفس وعلى الولد والوالد، لكن من قال: إنه يشرع في هذه الليلة- التي لم يثبت أنها ليلة الميلاد- من قال: إنه يشرع فيها الاجتماع والصلاة على الرسول ﷺ وذكر سيرته؟ والأمر لم يقتصر على هذا: صاروا يأتون بالقصائد والمدائح النبوية التي كان الرسول ﵊ يحذر منها، وفيها من الغلو ما ينافي العبودية، كان بعضهم يردد قول البوصيري يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: يا أكرم الخلق- وصدق أنه أكرم الخلق- لكن يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم. إذا حدث الحادث العام المدلهم الذي يشمل الناس كلهم ما لي من ألوذ به إلا أنت يا رسول الله. أعوذ بالله! نسي الله، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمره الله أن يقول: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) . بل: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) . يعني: بل أمره أن يقول: إني لن يجيرني من الله أحد لو أراد بي شيئًا، فكيف يكون الرسول ﷺ هو الملاذ عند حلول الحادث العمم؟ ويقول: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم من جوده الدنيا وضرتها وليست كل جوده، من جوده، سبحان الله! ومن علومك علم اللوح والقلم، وليست كل علومك، عندك ما هو أبلغ من ذلك. هل رسول الله ﷺ يرضى أن يوصف بهذا؟ لا والذي فطر الخلق ما يرضى بهذا، بل لما قالوا له: أنت سيدنا وابن سيدنا. قال: (قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يستهوينكم الشيطان) . فالمهم أن العبادات المطلقة إذا قيدت بشيء معين زمانًا أو مكانًا أو عددًا أو هيئة صارت بدعة من هذا الوجه، فيجب اجتنابها وإن كانت في أصلها مشروعة. فانتبه أيها الأخ السائل، ولينتبه كل من يسمع كلامنا هذا لهذه النقطة التي يموه بها أهل البدع والحوادث، فيقولون: هذا شيء مشروع، هذا شيء لا نهي فيه، فيقال: إن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة) . ***
المستمع محمد محمد حسن سوداني مقيم بالباحة يقول: لقد سمعت كثيرًا أن الذكر الجماعي بدعة ولا يجوز، ولكن حسب علمي المتواضع اطلعت على بعض الأحاديث التي تفيد أنه لا حرج في ذلك، ومن تلك الأحاديث ما رواه مسلم بما معناه: أنه ما جلس قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة، وغشيتهم الرحمة، وحفتهم الملائكة، وذكرهم الله فيمن عنده. وأعتقد أن السيوطي أشار لهذا الحديث في كتابه الحاوي للفتاوي، وبناء عليه قال بجواز الذكر الجماعي. ثم الحديث الآخر والذي معناه أن الرسول ﷺ خرج على جماعة من أصحابه فقال لهم: ما أجلسكم؟ قالوا: جلسنا نذكر الله. فلم ينكر عليهم ذلك. وواضح بأن الذكر هنا مطلق، علمًا بأن كل ذلك يتعارض ويتناقض مع ما جاء في آخر سورة الأعراف من قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) . نرجو أن توضحوا لنا الصواب في هذا الموضوع وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في هذا الموضوع أن الحديث الذي أشار إليه السائل بل الحديثين في الذين يتدارسون كتاب الله ويتلونه، وكذلك في القوم الذين يذكرون الله: أن هذا مطلق، فيحمل على المقيد المتعارف في عهد النبي ﷺ وأصحابه، ولم يكن من المتعارف بينهم أنهم يذكرون الله تعالى بلفظ جماعي، أو يقرؤون القرآن بلفظ جماعي. وفي قوله: ويتدارسونه بينهم يدل على أن هذه المدارسة تكون بالتناوب: إما أن يقرأ واحد فإذا أتم قراءته قرأ الثاني ما قرأ الأول وهكذا، وإما أن يكون كل واحد منهم يقرأ جزءًا ثم يقرأ الآخر مما وقف عليه، الأول هذا هو ظاهر الحديث. وأما الحديث الآخر الذي فيه أنهم يذكرون الله تعالى فإنا نقول: هذا مطلق، فيحمل على ما كان متعارفًا عليه في عهد النبي ﷺ وأصحابه، ولم يكن متعارفًا بينهم أن يجتمعوا وأن يذكروا بذكر واحد جماعة. ويدلك على هذا أن الصحابة رضوان الله عنهم مع النبي ﷺ في الحج كان منهم المكبر ومنهم المهلل ومنهم الملبي، فكل إنسان يذكر الله تعالى بنفسه. وأما قوله تعالى: (وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ) فهذا مراد به الذكر الخاص للمرء، وهو أيضًا مخصوص بما دلت عليه السنة من الجهر به، فإنه قد ثبت عن النبي ﵊ من حديث ابن عباس ﵄ أن رفع الصوت بالذكر حين ينصرف الناس من المكتوبة كان على عهد النبي ﷺ، ولهذا يشرع الجهر بالذكر بعد الصلاة المكتوبة؛ لأن هذا هو المعروف في عهد النبي ﷺ. وأما قول بعض أهل العلم: إن الإسرار به أفضل، وإجابتهم عن حديث ابن عباس بأن ذلك للتعليم فإن فيه نظرًا، وذلك لأن التعليم يحصل بدون هذا، فإن الرسول ﵊ قد علم فقراء المهاجرين ماذا يقولونه دبر الصلاة، قال ﵊: (تسبحون وتحمدون وتكبرون دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين) . ثم إن التعليم يحصل بالمرة الواحدة، لا بأن يحافظ عليه النبي ﵊ في كل صلاة، أو يحافظون عليه في عهد الرسول ﵊ في كل صلاة. ثم نقول: سلمنا أنه للتعليم، فهو في التعليم في أصل الذكر وفي صفته، بمعنى: أن الرسول يعلمهم ما هو الذكر الذي يقال في أدبار الصلوات، وما كيفية تلاوة هذا الذكر والإتيان به أنه يكون جهرًا، وهذا هو القول الذي يؤيده حديث ابن عباس المذكور، وهو في صحيح البخاري. ***
سائلة تقول: قرأت في كتاب المأثورات شيئًا لم أجده في بقية كتب الأدعية، وما قرأته يعرف بورد الرابطة، وهو: أن يتلو الإنسان قوله تعالى: (قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ) إلى قوله: (وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) . ثم يتلو بعد ذلك الدعاء: (اللهم إن هذا إقبال ليلك وإدبار نهارك فاغفر لي) . ثم يستحضر صورة من يعرف من إخوان في ذهنه، ويستشعر الصلة الروحية بينه وبين من لم يعرف منهم، ثم يدعو لهم مثل هذا الدعاء: اللهم إنك تعلم أن هذه القلوب اجتمعت على محبتك، والتقت على طاعتك، وتوحدت على دعوتك، وتعاهدت على نصرة شريعتك، فألف اللهم رابطتها، وأدم ودها، واهدها سبلها، واملأها بنورك الذي لا يخبو، واشرح صدورها بفيض الإيمان بك، وجميل التوكل عليك، وأحيها بمعرفتك، وأمتها على الشهادة في سبيلك، إنك نعم المولى ونعم النصير. كما ذكر وردًا آخر يسمى بورد الدعاء يقول فيه: أستغفر الله مئة مرة، ثم الدعاء للدعوة والإخوان والنفس بعد ذلك بما تيسر من الدعاء بعد صلاة الفجر والمغرب والعشاء وقبل النوم، وألا يقطع الورد لأمر دنيوي إلا لضرورة. وقد قرأت كثيرًا في كتب الأحاديث ورياض الصالحين ولم أجد ما يدل على صحة هذا المذكور. فأرجو أن تنبهونا على مدى صحته وعن حكم الالتزام به والمداومة عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكرت السائلة في أن هذه الأدعية أدعية لا أصل لها في سنة الرسول ﷺ، وليست بصحيحة، ولا يجوز لأحد أن يلتزم بها، بل ولا أن يفعلها تعبدًا لله؛ لأنها بدعة، وقد قال النبي ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . والذي ظهر لي من حال هذه المرأة السائلة أنها تطالع كثيرًا من الكتب، ولا سيما كتب الأذكار والأوراد. الذي أنصحها به أن تتحرز كثيرًا؛ لأنه كتب في الأذكار البدعية والأدعية البدعية شيء كثير، ومن المؤسف أنها تروج كثيرًا في المسلمين، ورواجها قد يكون أكثر من رواج الأدعية والأذكار الصحيحة. فأنصحها وأنصح جميع إخواني المسلمين من بالتثبت في هذه الأمور، حتى لا يعبدوا الله تعالى على جهل وضلال وبدع، وفي الكتب الصحيحة التي ألفها من يوثق بعلمهم وأمانتهم ودينهم، في الكتب الصحيحة ما يغني عن ذلك، فالرجوع إليها هو الواجب، وطرح مثل هذه الكتب التي أشارت إليها السائلة وغيرها مما يشتمل على أذكار وأدعية بدعية، طرحها والتحذير منها هو الواجب على المسلمين، حتى لا تفشو فيهم البدع وتكثر فيهم الضلالات. واللهَ أسألُ أن يهدينا وإخواننا المسلمين لما فيه صلاح ديننا ودنيانا، إنه جواد كريم. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل من السودان يقول: عندنا جماعة وفي الجامع الذي نصلى فيه عندما يصلون يأمرهم إمام المسجد بأن يقولوا جميعًا: يا لطيف مائة وتسعًا وعشرين مرة ويرددون ذلك، فهل يجب علينا أن نردد ذلك؟ أم نترك هذا الإمام وهذا المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا أنا أوجه نصيحتي إلى هذا الإمام أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي إخوانه المسلمين، فمن أين أتى بهذه البدعة؟ هل كان الرسول ﵊ يفعلها؟ أم كان أبو بكر أم عمر أم عثمان أم علي أم ابن مسعود أم غيرهم هل كانوا يأمرون الناس أن يقولوا هذا؟ فليتق الله تعالى في نفسه، وليعلم أنه مؤاخذ على ذلك ومعاقب عليه، وأنه بذلك ضال، وأمره الناس بذلك يكون به مضلًاّ، فهو ضال مضل، وعليه أن يتوب إلى الله قبل أن يفجأه الموت. أما أهل المسجد فإنهم ينصحونه، فإن اهتدى فهذا المطلوب، وإلا فليزيلوه بكل ما يستطيعون، ومعنى قولي: بكل ما يستطيعون أن يذهبوا إلى الجهات المسؤولة التي بيدها عزل الأئمة ونصبهم، ويطلبوا منها أن يعزلوه عن هذا المنصب العظيم منصب الإمامة، فإن لم يتمكنوا من ذلك فلا يصلون معه؛ لأن هذا مبتدع مصر على بدعته. ***
السائلة ع. ع. ف. من السودان تقول: ورد عن الرسول ﷺ أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم. فهل هذا صحيح؟ وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر؟ أو ماذا يقولون؟ والرسول ﷺ لم يمنعهم، ولكنه فضل حلقة العلم، وهل يعتبر هذا دليلًا على أن حلق الذكر الجماعي بدعة، مع أن الرسول ﷺ في هذا الحديث إن كان صحيحًا لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته، ولا أظنه يصح عن النبي ﷺ. ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال؛ لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله، فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه. وأما الذكر فإن الاجتماع أيضًا على الذكر لا بأس به، ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية: يجتمعون جميعًا ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك، إنما لو يجتمعون على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا، مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له، ثم يديرون القراءة بينهم، فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه. ***
ما حكم الغلو في محبة الرسول الكريم ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغلو في محبة الرسول ﷺ بمعنى: أن يتجاوز الإنسان الحدود ويقول: إن ذلك من محبة الرسول- محرم؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن الغلو فيه. ثم إن الذي يغلو في الرسول ﵊ ويرفعه فوق منزلته التي أنزله الله ﷿ مدعيًا أنه يحبه قد كذب نفسه؛ لأن المحب يأخذ بنصائح حبيبه ويتبع حبيبه ولا يخالف حبيبه، والغالي في الرسول ﵊ مخالف للرسول ﷺ، فكيف يدعي حب الرسول؟ وهو يعصي الرسول ولهذا نقول: من كان للرسول أشد اتباعًا فهو أصدق محبة، ومن خالف الرسول ﵊ فقد نقص من محبته الرسول بقدر ما خالف فيه الرسول. ولا تغتر بهؤلاء الغلاة الذين يغلون برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وينتحلون أحاديث لا زمام لها، بل هي مما يعلم بالضرورة من دين الإسلام أنها موضوعة مكذوبة، لا تغتر بهؤلاء، وقل لهم كما قال الله ﷿: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ) . وأما إنشاد القصائد الحزينة وهز الرؤوس عندها، والتصفيق والخفة بزعم أن هذا من تعظيم الرسول ﵊ فكل هذا مخالف للرسول ﵊، مخالف لهديه. فإن كنت صادقًا في محبته صلوات الله وسلامه عليه فعليك باتباعه، لا تتقاصر عنه ولا تتجاوزه، فكل خير في الاتباع، وكل شر في الابتداع. وإذا أردت أن تزن عملك بميزان قسط فانظر إلى الصحابة ﵃ الذين هم أقرب إلى الحق من غيرهم، وأقرب إلى رسول الله ﷺ من غيرهم، حيث عايشوه وناصروه وشرفهم الله تعالى بصحبته، هل عملوا هذا العمل؟ إذا كانوا عملوه فهم على حق، وإذا لم يعملوه فهو باطل؛ لأنه لا يمكن لخلف الأمة أن يكونوا خيرًا من سلف الأمة، وكيف يمكن ذلك وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (خير الناس قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم)؟ وإياك وما أحدث في دين الله من البدع التي مضمونها الغلو في رسول الله ﷺ، ثم استحضر قول الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فرضا الله عن الأتباع لا يكون إلا إذا اتبعوا بإحسان والاتباع بإحسان، هو ألا يقصر الإنسان عن هديهم ولا يتجاوز هديهم. ***
المستمع ع. م. جمهورية مصر العربية يقول: فضيلة الشيخ هل ذكر الرسول ﷺ بشكلٍ جماعي في أيامٍ محددة جائز؟ أرجو منكم التوجيه مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على ما سنذكره الآن إن شاء الله تعالى في هذا الموضوع، فنقول: إن العبادات التي يتقرب بها الإنسان إلى ربه مبنيةٌ على أصلىن: الأصل الأول: الإخلاص لله ﷿، بأن يقصد الإنسان بتعبده لله التقرب إلى الله تعالى والوصول إلى باب كرامته، لا يقصد بذلك مالًا ولا جاهًا ولا رئاسةً ولا غير ذلك من أمور الدنيا، بل لا يقصد إلا التقرب إلى الله والوصول إلى دار كرامته، ودليل هذا من الكتاب والسنة قال الله ﵎: (فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ) . وقال تعالى: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقال الله ﵎: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) . والآيات في هذا كثيرة. وأما السنة ففيها أحاديث، منها: حديث عمر بن الخطاب ﵁ قال: سمعت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأةٍ يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . فإن فقد الإخلاص من العبادة بأن شاركها الرياء، وهو: أن يعمل العمل الصالح لله لكن يظهره للناس ليمدحوه على ذلك، فإن العبادة تكون باطلةً مردودة؛ لأن الإنسان أشرك فيها مع الله ﷿ حيث راءى الناس بها، ومع كونها باطلة مردودة فهو آثم بذلك مشركٌ بالله، إلا أن هذا الشرك شركٌ أصغر ليس مخرجًا من الملة، والشرك وإن كان أصغر فإن الله تعالى لا يغفره؛ لعموم قول الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) . وقال بعض العلماء: إن الشرك الأصغر داخلٌ تحت المشيئة، لكن الذي يظهر القول الأول، وأنه لا يغفر لكن صاحبه لا يخلد في النار؛ لأنه شركٌ أصغر. إذًا لا بد في كل عبادة من الإخلاص لله تعالى فيها، فمن أشرك مع الله فيها غيره فإنه يأثم بذلك وتبطل عبادته. الأصل الثاني الذي تنبني عليه العبادات: اتباع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ويدل لهذا الأصل قوله ﵎: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) . وقول الله ﵎: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وقول الله ﵎: (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) . ولا يمكن أن تتم المتابعة والموافقة للرسول ﵊ إلا إذا وافقت العبادة أو وافق العمل الشرع في أمورٍ ستة: الأول: السبب، يعني: أن يكون سبب هذه العبادة ثابتًا بالشرع. والثاني: الجنس، بأن يكون جنس هذه العبادة ثابتًا بالشرع. والثالث: القدر، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على القدر الذي جاءت به الشريعة. والرابع: الكيفية، بأن يأتي الإنسان بالعبادة على الوجه الذي جاءت به الشريعة. والخامس: الزمان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في الزمن الذي حدده الشرع لها. والسادس: المكان، بأن يأتي الإنسان بالعبادة في المكان الذي حدده الشارع لها. فإذا اختل واحدٌ من هذه الأمور الستة لم تتحقق المتابعة، وصار هذا من البدع. فأما الأول وهو السبب: فإنه لا بد أن يكون السبب الذي بنينا عليه هذه العبادة ثابتًا بالشرع، فإن لم يكن ثابتًا بالشرع فإن ما بني على ما ليس بثابتٍ شرعًا فإنه ليس بمشروع، ومن ذلك ما يحدثه الناس في ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، حيث يحدثون احتفالًا زعمًا منهم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عرج به في هذه الليلة ليلة سبعٍ وعشرين، وهذا لا أصل له في التاريخ، وأيضًا لا أصل له في الشرع، فإن الذي يظهر من التاريخ أن الإسراء والمعراج كان في ربيعٍ الأول، وأما من الشرع فلا أصل له أيضًا، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وخلفاءه الراشدين والصحابة أجمعين لم يرد عنهم أنهم كانوا يحتفلون في الليلة التي عرج فيها برسول الله ﷺ، ومعلومٌ أن الشرع لا يأتي إلا من طريقهم. قال النبي ﵊: (إنه من يعش منكم فسيرى اختلافًا كثيرًا، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) . فمن أحدث احتفالًا ليلة السابع والعشرين من شهر رجب لهذه المناسبة فإنه بناها على سببٍ لم يثبت شرعًا، بل ولم يثبت تاريخيًا كما ذكرنا. الأمر الثاني: أن تكون العبادة موافقة للشرع في الجنس، فإن أتى بعبادة من غير الجنس الذي وردت به الشريعة فإن عبادته مردودة عليه ولا تقبل منه، مثال ذلك: أن يضحي الإنسان بالخيل، بأن يذبح فرسًا يوم عيد الأضحى يتقرب به إلى الله ﷿، كما يتقرب بذبح البقرة، فإن هذه العبادة لا تقبل منه ولا تكون أضحية؛ لأنها من غير الجنس الذي وردت به الشريعة، فإن الأضاحي إنما تكون من بهيمة الأنعام، وهي: الإبل والبقر والغنم. الثالث: أن تكون العبادة موافقة للشرع في قدرها، فإن لم تكن موافقة للشرع في قدرها بأن نقصت أو زادت فإنها لا تقبل، وبهذا لو صلى الإنسان صلاة الظهر خمس ركعات لم تقبل منه؛ لأنه زاد على القدر الذي جاءت به الشريعة، ولو أنه صلاها ثلاث ركعات لم تقبل منه أيضًا؛ لأنه نقص عن القدر الذي جاءت به الشريعة. الرابع: أن تكون موافقة للشرع في كيفيتها، بأن يأتي بها على الكيفية التي أتت بها الشريعة، فلو صلى الإنسان أربع ركعات لكنه كان يأتي بالسجود قبل الركوع فإن الصلاة لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها على كيفيةٍ لم ترد بها الشريعة، فكانت مردودة عليه لعدم تحقق الاتباع في حقه. الخامس: أن تكون موافقةً للشرع في زمانها، فإن لم تكن موافقة الشرع في زمانها فإنها لا تقبل، فلو صام في شهر رجب بدلًا عن رمضان فإن ذلك لا يقبل منه ولا يجزئه عن رمضان، وذلك لأن رمضان خص الصيام فيه دون غيره من الشهور، فمن أتى به في زمن آخر لم يكن أتى بهذه العبادة في الوقت الذي حدده الشرع. وكذلك لو صلى الظهر قبل زوال الشمس فإنها لا تقبل منه؛ لأنه أتى بها في غير الزمن الذي حدده الشارع لها. السادس: أن تكون موافقة للشرع في مكانها، فلو أن الإنسان اعتكف في بيته في العشر الأواخر من رمضان بدلًا من أن يعتكف في المساجد فإن هذا الاعتكاف لا يصح منه؛ لأنه في غير المكان الذي حدده الشارع للاعتكاف. وليعلم أن مخالفة الشريعة في هذه الأمور الستة أو في واحدٍ منها يترتب عليه أمران: الأمر الأول: الإثم إذا كان عامدًا، والأمر الثاني: البطلان. فإن كان جاهلًا فإنه يسقط عنه الإثم، ولكن العبادة تبقى باطلة، فإن كانت مما يقضى إذا بطل وجب عليه قضاؤها، وإن كانت مما لا يقضى سقطت عنه. بناءً على ذلك نقول في إجابة هذا السؤال: إن ذكر الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غير الأوقات التي ورد فيها ذكره ليس بمشروع، فلو أن الإنسان أراد أن يأتي بقول: أشهد أن محمدًا رسول الله التي تقال في الأذان وفي غير الأذان أيضًا، أتى بها في الضحى بناءً على أنه يريد بها الأذان فإنه لا يقبل منه ذلك؛ لأن الأذان له وقتٌ معين، وهو: ما إذا دخل وقت الصلاة وأراد أن يصلى. أما إن ذكر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا شك أنه من أجلِّ العبادات، والصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من أفضل الأعمال، ومن صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، فالإكثار من الصلاة عليه بلا عدد وبدون زمنٍ معين وبدون مكانٍ معين هذا خيرٌ من أن يجعل الإنسان لهذه الصلاة وقتًا معينًا وعددًا معينًا وصفةً معينة؛ لأن كل شيء يسنه الإنسان لنفسه ولو كان أصله مشروعًا يكون من البدع ويكون من البدع، في كيفيته أو زمانه أو مكانه حسب ما فصلنا آنفًا. والإنسان إذا استغنى بالسنة عن غيرها كفت وحصل بها الخير الكثير، وإن كان الإنسان قد يتقال السنة بعض الأحيان ويقول: أنا أريد أن أعمل أكثر من ذلك، فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنكر على الذين تقالوا سنته وهديه وأرادوا أن يزيدوا على ذلك، حيث اجتمع نفرٌ فقال بعضهم لبعض- حين سألوا عن عمل النبي ﷺ في السر، أي: فيما ما لا يبدو للناس، فكأنهم تقالوا هذا العمل وقالوا-: إن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، يعني: ونحن لم يحصل لنا ذلك، فقال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الثاني: أنا أقوم ولا أنام، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فأنكر عليهم وقال: (من رغب عن سنتي فليس مني) . فاتباع السنة خير حتى وإن كان الإنسان يظن أنه عملٌ قليل، فإن ما وافق السنة وإن كان أقل فهو خيرٌ مما لم يوافق السنة وإن كان أكثر. ولهذا لو أن الإنسان أراد أن يطيل ركعتي الفجر- أي: سنة الفجر، أراد أن يطيلها- وقال: أنا أحب أن أزداد من قراءة القرآن، أحب أن أزداد من التسبيح، أحب أن أزداد من الدعاء، فأحب أن أطيل ركعتي الفجر. فإننا نقول له: هذا ليس بصحيح، ومنهجك هذا غير صحيح؛ لأن السنة في سنة الفجر التخفيف، كما كان النبي ﵊ يخففها، حتى تقول عائشة: حتى إني أقول: أَقَرَأَ بأم القرآن؟ فلو كان عندنا رجلان أحدهما صلى سنة الفجر على وجهٍ خفيف لكنه محافظ على الطمأنينة، والثاني صلاها على وجهٍ أطول قلنا: إن الأول أفضل من الثاني من أجل موافقة السنة. ثم إنه يبين ذلك أيضًا أن الرسول ﵊ أرسل رجلين في حاجة فلم يجدا الماء، فتيمما فصلىا، ثم وجدا الماء في الوقت، فأحدهما توضأ وأعاد الصلاة، والآخر لم يعد الصلاة. فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للذي لم يعد الصلاة قال له: أصبت السنة، وقال للآخر: لك الأجر مرتين. فصوب الأول ولم يصوب الثاني ولكنه جعل له الأجر مرتين؛ لأنه فعل ما يعتقده عبادة متأولًا، ظانًا أن هذا هو الذي يجب عليه، فأثيب على هذا الاجتهاد وإن كانت السنة في خلافه. كذلك أيضًا اجتماع الناس على الذكر جماعيًا بأن يقولوا بصوتٍ واحد: الله أكبر، أو: الحمد لله، أو: لا إله إلا الله، أو: اللهم صلِّ على محمد أو ما أشبه ذلك، هذا لا نعلم له أصلًا في سنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، بل كان الصحابة يذكرون الله تعالى ويثنون عليه كلٌ على نفسه، وهاهم في حجة الوداع مع النبي ﵊ منهم المهل ومنهم المكبر، ولا أحدٌ يتبع أحدًا في ذلك ولم يجتمعوا على التلبية، وإنما كان كل إنسانٍ يلبي لنفسه، فهذا هو المشروع. أما ما وردت به السنة من الاجتماع على الدعاء أو على الذكر فهذا يتبع فيه السنة، فالاجتماع على دعاء القنوت في الوتر في صلاة التراويح وما أشبه ذلك فهذا يتبع فيه السنة. ***
هذه الرسالة وردتنا من إسحاق محمد نور حامد الحاج من جمهورية السودان يقول فيها: يستدل بعض الناس بالحديث الذي يقول فيه الرسول ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها) إلى آخره، وكذلك بأن حسان بن ثابت كان يمدح الرسول ﷺ، فيستدلون بهذا على جواز المدح. نرجو أن تفتونا في ذلك وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: مدح الرسول ﷺ بما مدحه الله به من الصفات الكاملة والآداب العالية والأخلاق المثلى هذا أمر مشروع، وأما مدحه ﷺ بما يصل إلى الغلو فإنه أمر محرم، وذلك لأن رسول الله ﷺ نهى عن الغلو، فلا يجوز للمرء أن يمدح الرسول ﷺ بأمر يصل إلى الغلو، بحيث يجعله شريكًا مع الله ﵎ في الخلق والتدبير والقدرة وما أشبه ذلك، وقد قال رجل للنبي ﷺ: ما شاء الله وشيءت. فقال ﷺ: (أجعلتني لله ندًا؟ بل ما شاء الله وحده) . ولكن هذا المدح الذي ذكرنا أنه جائز لا يمكن أن يجعل حدثًا في دين الله، بحيث يكون مقيدًا بوقت أو مكان، يتكرر كلما ما تكرر ذلك الوقت وكلما جاء الإنسان إلى ذلك المكان، وذلك أن تقييد العبادات المطلقة بزمن أو مكان معين هو من البدع؛ لأن العبادات يجب أن تكون مفعولة على حسب ما جاءت عليه من هيئة وزمن ومكان، فالعبادات المطلقة لا يجوز للمرء أن يحددها بزمن أو مكان أو حال مادامت جاءت مطلقة؛ لأن هذا هو كمال التعبد. وأما استدلال بعض المبتدعين في هذه الأمور بقول الرسول ﷺ: (من سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) فإن الرسول ﵊ قيد ذلك بقوله: (من سن في الإسلام)، وما كان من البدع فليس من الإسلام في شيء؛ لقول الرسول ﷺ: (كل بدعة ضلالة) . وهذا عام لكل ما ابتدع في دين الله فإنه ضلال، وما كان ضلالًا فلا يمكن أن يكون دينًا وإسلامًا. فإذا قال قائل: إن قوله ﷺ: (كل بدعة ضلالة) أي كل بدعة سيئة ضلالة؟ قلنا: هذا مردود؛ لأن السيئة سيئة سواء كانت بدعة أو غير بدعة، فالزنى مثلًا ضلالة وهو ليس ببدعة؛ لورود الشريعة به وبيان حكمه. ولو قلنا: إن معنى الحديث: كل بدعة سيئة لم يكن لوصف البدعة فائدة إطلاقًا؛ أو لم يكن لذكر البدعة فائدة إطلاقًا، لأن السيئة سيئة سواء ابتدع أم لم يبتدع، ولكن الرسول ﵊ يقول: (كل بدعة ضلالة)، فكل من ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ضال بهذه البدعة. هذا حاصل الجواب. ***
ما حكم مدح الرسول ﷺ في ذكرى مولده؟ وهل في زمن النبي ﷺ كان الصحابة يمدحونه؟ وهل نؤجر في مدحه أو نؤثم في تركه؟ نرجو منكم التوجيه جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: مدح رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ووصفه بصفاته الحميدة والأخلاق الفاضلة أمر مطلوب مشروع، وكثرة الصلاة على النبي ﷺ من أفضل الأعمال الصالحة التي تقرب إلى الله ﷿، ومن صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشرًا، ولكن اتخاذ ذلك في ليلة معينة أو يوم معين بلا دليل من الشرع يعتبر بدعة؛ لأن الثناء على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عبادة إذا لم يصل إلى حد الغلو، والعبادة لابد أن يكون فيها إذن من الشرع، وما علمنا أن الشرع خص يومًا أو ليلة معينة ليمدح فيها رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلا يوم الجمعة، فإنه ﷺ قال: (أكثروا فيه من الصلاة علي، فإن صلاتكم معروضة) .والاحتفال بليلة مولده صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح لا من الناحية التاريخية ولا من الناحية الشرعية: أما من الناحية التاريخية فإنه لم يثبت أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولد في اليوم الثاني عشر من شهر ربيع الأول أو في ليلته، وقد حقق بعض الفلكيين العصريين أنه ولد في اليوم التاسع من شهر ربيع الأول. وأما من الناحية الشرعية فلو كان في الاحتفال بمولده أجر وثواب لكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أول من يفعل ذلك؛ لأنه لن يفوت فرصة فيها أجر وثواب إلا قام بها صلوات الله وسلامه عليه، أو لأرشد أمته إلى ذلك بقوله، وعلى فرض أن الأمر لم يكن في عهده فلم يكن في عهد الخلفاء الراشدين- أعني: الاحتفال بمولده- ولا فيمن بعدهم. وأول ما حدث في القرن الرابع الهجري، أحدثه بعض ولاة إربل فتبعه الناس على ذلك، لكن لم يتبعه أحد ممن ينتمي إلى السلف الصالح فيما نعلم، وحينئذ نقول: إما أن يكون هذا الاحتفال قربة يتقرب بها إلى الله، أو بدعة لا تزيد العبد إلا ضلالة. فإن قلنا بالأول- بأنه قربة يتقرب بها إلى الله- فأين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منها؟ وأين الخلفاء الراشدون؟ وأين الصحابة؟ فإما أن يقال: إن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم جهلها ولم يعلم شرع الله فيها، وإما أن يقال: إنه علمها ولكنه كتمها. وكلا الأمرين خطر عظيم، سواء قلنا: إنه جهلها ولم يعلم، أو قلنا: إنه علمها ولكن كتم. وكيف تكون من شريعة الله وقد قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِينًا)؟ أين الكمال إذا كانت مشروعة ولم تذكر في حياة الرسول ﵊؟ وإذا قلنا: إن الرسول ﷺ علمها ولكن كتمها عن الناس، فما أعظمها من فادحة؛ لأنه يكون الرسول ﵊ توفي ولم يبلغ شيئًا مما أنزل الله عليه من الحق. ولهذا لو تأمل الإنسان هذه البدعة وغيرها من البدع لوجد أن البدعة أمرها عظيم وخطرها جسيم، وأنه لولا حسن النية من بعض محدثيها لكان شأنهم شأنًا خطيرًا جدًا. لذلك ننصح إخواننا المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها أن يَدَعوا هذه البدعة، وأن يكتفوا بما شرع الله تعالى من تعظيم رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. وما ادعاه محدثوها من أنها إحياء لذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فنقول: إنه إحياء حذر منه النبي ﵊ حيث قال: (إياكم ومحدثات الأمور) . ثم نقول أيضًا: في الشريعة الإسلامية غنى عن هذا الإحياء، فالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُذكر في الأذان، ويذكر في الصلاة، ففي الأذان: أشهد أن محمدًا رسول الله، وفي الصلاة في التشهد أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل على محمد، اللهم بارك على محمد، بل نقول: إن من كان حيًّا فإن لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكرى في كل عبادة يقوم بها؛ لأن من شرط العبادة الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فكل عابد فلابد أن يخلص لله ولابد أن يستشعر حين فعل العبادة أنه متبع لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهذه ذكرى، وفي هذه الذكريات العظيمة في هذه العبادات العظيمة غنى عن هذه الذكرى التي أحدثها من أحدثها. ثم إنه يقع في هذا الاحتفال من المنكرات العظيمة ما يخل بالعقيدة، ففي بعض الاحتفالات بهذا المولد تلقى القصائد التي فيها الغلو برسول الله صلى الله وسلم، الغلو الذي يوصله إلى درجة الربوبية أو أعظم، تلقى في هذه الاحتفالات القصائد مثل البردة للبوصيري التي فيها يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به إن لم تكن آخذًا يوم الميعاد يدي فإن من جودك الدنيا وضرتها سواك عند حلول الحادث العمم عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم ومن علومك علم اللوح والقلم هذه أبيات في البردة قد تكون على هذا الترتيب أو في بعضها تقديم وتأخير، لكن الكلام على المضمون لا على الشكل، كالذي يقول للرسول ﵊ مخاطبًا له: إن من جودك الدنيا وضرتها، وضرة الدنيا هي الآخرة، ومن علومك علم اللوح والقلم، قد ألحقه- أي: ألحق النبي ﷺ بمقام الربوبية ولم يبق لله شيئًا، إذا كان من جود الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الدنيا وضرتها فما الذي بقي لله؟ ثم نقول: هذا من أكبر الكذب أن تكون من جوده الدنيا وضرتها، لماذا؟ لأن الرسول خُلق في آخر الدنيا كيف تكون الدنيا من جوده؟ ثم إننا نسمع أنه يحصل في هذا الاحتفال من الاختلاط بين الرجال والنساء وبين الكبار والمراهقين والمردان، ويحصل في هذا شر كبير. ثم إنه يظهر في هذا الاحتفال من شعائر الأعياد كالفرح والسرور وتقديم الحلوى وما أشبه ذلك ما يجعله ابتداعًا في دين الله؛ لأن الأعياد الشرعية هي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع الجمعة. ثم إنه يحصل في هذا الاحتفال بذل أموال كثيرة في غير فائدة بل في مضرة، وكل هذا يوجب للإنسان الناصح لنفسه أن يبتعد عنه. فهذه نصيحة من أخ مخلص لإخوانه، نسأل الله ﷾ أن يجعل لها آذانًا صاغية وقلوبًا واعية. ***
السؤال: ما هو رأي الدين في هذه الأشياء والدليل من الكتاب والسنة؟ -القصائد التي تمدح الرسول ﷺ وتمجده، وإلقائها في المناسبات الدينية وذلك بإحياء الليالي بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا التعبير- وهو: ما رأي الدين؟ أو: ما هو رأي الإسلام؟ أو ما أشبه ذلك- لا أحب أن يعرض في سؤال، أولا: ً كلمة رأي الدين، الدين في الحقيقة ليس رأيًا، والدين ليس فكرًا، إنما الدين عقيدة وشريعة من الله ﷿ لا مجال للرأي فيه ولا مجال للفكر فيه، ولهذا نحن ننتقد هؤلاء الذين يقولون: هذا فكر إسلامي وما أشبه ذلك، الإسلام ليس فكرًا وليس رأيًا من الأفكار والآراء، إنما هو شريعة من لدن حكيم خبير ﷾. نعم لنا أن نقول: إن المفكر مسلم وما أشبه ذلك؛ لأن الرجل له فكر ويفكر كما أمر الله تعالى بالتفكير في خلق السماوات والأرض، لكن كوننا نعبر عن الدين بأنه فكر أو بأنه رأي وما أشبه ذلك هذا خطأ. هذا من جهة، من جهة أخرى لا أحب أن يوجه لشخص قابل للخطأ والصواب يوجه إليه سؤال عما هو حكم الإسلام ويقال: ما حكم الإسلام في كذا؟ وهو موجه إلى فرد يخطىء ويصيب؛ لأن الفرد إذا أجاب وكان خطأًلم يكن ذلك حكم الإسلام. فالذي ينبغي أن يقال مثلًا: ما هو الحكم؟ أو ما رأيك في كذا؟ وما أشبه ذلك، ثم يجيب على حسب ما يراه، معتمدًا في ذلك على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. بالنسبة للقصائد التي يمدح فيها الرسول رسول الله ﷺ فإن رسول الله ﷺ بأبي هو وأمي- مستحق لكل مدحٍ وتعظيمٍ يليق به على أنه نبي مرسل من الله ﷾، وهو خاتم النبيين وآخر المرسلين وسيد الخلق أجمعين، فهو مستحق لكل ما يقال من وصف يليق به ﷺ، سواء قيل ذلك نظمًا أم نثرًا. ولكن القصائد التي تخرجه عما ينبغي أن يكون له من الغلو المفرط الزائد الذي نعلم أنه هو ﵊ يكرهه ولا يرضاه، كما نهى عن ذلك، فإننا نرى أنه لا يجوز لإنسان أن يتلوها أو يعتقد ما فيها من هذا الغلو. ومن ذلك على ضرب المثل ما جاء في قصيدة البوصيري البردة التي يقول فيها يخاطب النبي ﷺ: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم لا شك أن هذا شرك بل هو من أعظم الشرك، حيث إنه جعل ما يختص بالرب جعله للنبي ﷺ وسلب حق الله فيه، فإذا كان من جود الرسول ﵊ الدنيا وضرتها وهي الآخرة فما بقي لله تعالى من شيء، وإذا كان من علومه- أي: بعض العلوم التي يعلمها- علم اللوح والقلم فما بقي لله تعالى علم ومثل هذه المقالات التي تبلغ إلى هذا الحد أو إلى ما دونه مما لا يليق للمسلم أن يقوله في نبيه ﷺ فإنه لا يجوز لأحد أن يتكلم به لا نظمًا ولا نثرًا، أما القصائد التي تبين صفاته الحميدة وشريعته الكاملة وما أشبه ذلك فإنها لا بأس بها، بل إننا نقول: إن تلاوتها تكون من العبادة؛ لما في ذلك من كونها تغذي محبة النبي ﷺ في القلب وتعظيمه وتعزيره كما أمر الله به: (لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ) إنْ جعلنا اللام للأمر وإلا فللتعليل، ومعنى ذلك: أن هذا أمر مقصود للشرع، ومعنى تعزروه: أي تعظموه لكن بما يليق به وأيضًا بشرط أن لا تجعل هذه القصائد في مناسبة خاصة تعود كل سنة، كما يفعله من يفعله في ليلة عيد المولد التي ابتدعوها في شريعة الله وفي دينه، وهي بدعة لا أصل لها في الشرع- أعني: ليلة عيد المولد واتخاذها عيدًا يتكرر كل عام، يذكر فيه مدائح النبي ﷺ، ويبتدع فيه صفات وصيغ من الصلوات عليه ما جاءت في هديه ولا شريعته ولا هدي أصحابه- ولهذا كانت هذه البدعة أعني: بدعة عيد الميلاد من المنكرات التي يجب على المسلمين أن يحذروا منها وأن يبتعدوا عنها، ولو كان فيها خيرٌ لسبق إليها من هو أحب ومن هو أولى منا كالصحابة ﵃ والتابعين لهم بإحسان وتابعيهم، فإنهم لم يفعلوا هذه الليلة أي ليلة عيد المولد، لم يفعلوها ولم يشيروا إليها لا من قريب ولا من بعيد، ولاشك أن الذين يشرعونها والذين ابتدعوها هم في الحقيقة متنقصون لشريعة النبي ﵊ وللنبي ﷺ، ولا شك أنهم يريدون بها التقرب إلى الله ﷿، والتقرب إلى الله ﷿ عبادة، والدين كمل من جميع الوجوه في عباداته القولية والفعلية كما قال الله ﷿: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . فأي رجل يبتدع من العبادات ما لم يكن عليه النبي ﷺ وأصحابه، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أم في العمل لاشك أنه حقيقة أمره ولسان حاله يقول: إن الدين لم يكمل، وأنا كملته بما أحدثته من هذه العبادة التي أتقرب بها إلى الله ﷿. لهذا يجب على كل من ابتدع شيئًا يتقرب به إلى الله من ذكر قولي أو فعلي أو مدح للرسول ﵊ أو غيره، يجب عليه أن ينظر في الأمر مرة ثانية، وأن يعرف أنه بابتداعه هذا طعن في دين الله يراه ناقصًا ويحتاج إلى تكميل بما أحدثه فيه، وأسال الله أن يجعلنا وإخواننا المسلمين لله مخلصين ولنبيه ﷺ متبعين. ***
هل يجوز مدح النبي ﷺ بقصائد؟ وبتخصيص ليلة الجمعة وليلة الاثنين؟ وإن كان هذا يباح فما هو الثواب؟ وإن كان لا يجوز ما هو المدح الذي يجوز للنبي ﷺ أو لا يجوز إطلاقًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي ﷺ بما فيه من الخصال الحميدة والمناقب العظيمة والأخلاق الكاملة هذا أمر مشروع ومحمود؛ لما فيه من الدعوة إلى دين الرسول ﷺ وإلى تعظيم الرسول ﵊ ومحبته، وكل هذا من الأمور المقصودة شرعًا. وأما مدحه بالغلو الذي كان ينهى عنه ﷺ فهذا لا يجوز بكل حال، كما لو مدحه بقول القائل: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فإن مثل هذا الغلو لا يجوز وهو محرم. وعلى الوجه الجائز لا يتخذ ذلك في ليلة معينة أو في يوم معين، بحيث كلما أتت هذه الليلة وهذا اليوم قيلت هذه القصائد والمدائح، فإن تخصيص الشيء بزمن لم يخصصه به الشرع أو بمكان لم يخصصه به الشرع هذا من البدع التي نهى عنها رسول الله ﷺ. ***
ما حكم من جعل المديح بالنبي ﷺ أو الصالحين تجارة له يكتسب منها معيشته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا محرم. ويجب أن يعلم بأن المديح للنبي ﷺ ينقسم إلى قسمين: أحدهما: أن يكون مدحًا فيما يستحقه ﷺ بدون أن يصل إلى درجة الغلو، فهذا لا بأس به، أي: لا بأس أن يمدح رسول الله ﷺ بما هو أهله من الأوصاف الحميدة الكاملة في خلقه وهديه ﷺ. والقسم الثاني من مديح رسول الله ﷺ قسم يخرج بالمادح إلى الغلو الذي نهى عنه النبي ﷺ وقال: (لا تطروني كما أطرت النصارى المسيح ابن مريم، فإنما أنا عبد، فقولوا: عبد الله ورسوله) . فمن مدح النبي ﷺ بأنه غياث المستغيثين ومجيب دعوة المضطرين وأنه مالك الدنيا والآخرة وأنه يعلم الغيب، أو بمثل ما قال البوصيري: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وما شابه ذلك من ألفاظ المديح فإن هذا القسم محرم، بل قد يصل إلى الشرك الأكبر المخرج من الملة. فلا يجوز أن يمدح الرسول ﵊ بما يصل إلى درجة الغلو؛ لنهي النبي ﷺ عن ذلك. ثم نرجع إلى اتخاذ المديح الجائز حرفة يكتسب بها الإنسان فنقول أيضًا: إن هذا حرام ولا يجوز؛ لأن مدح الرسول ﵊ بما يستحق وبما هو أهل له ﷺ من مكارم الأخلاق والصفات الحميدة والهدي المستقيم، مدحه بذلك من العبادة التي يتقرب بها إلى الله، وما كان عبادة فإنه لا يجوز أن يتخذ وسيلة إلى الدنيا؛ لقول الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . ***
بارك الله فيكم هذه الرسالة وصلت من أخيكم في الله ص. من جمهورية مصر العربية محافظة شمال سيناء يقول: أرجو من فضيلة الشيخ أن يجيب على هذا السؤال: يوجد في بلدي أناس يصلون ويصومون ويزكون ويحجون، ولكن في كل ليلة اثنين وليلة جمعة بعد صلاة العشاء يعملون دائرة وهم وقوف، وهي ما تسمى بالحضرة، ويعملون فيها أربعة أشواط، وبين كل شوطين يقوم رجل منهم يمدح الرسول. والشوط الأول يقولون فيه: لا إله إلا الله محمد رسول الله. الشوط الثاني يقولون فيه: الله دائم باقي حي. الثالث يقولون فيه: صل وسلم يا الله على النبي ومن والاه. والرابع يقولون فيه: يا لطيف الطف بنا. فما حكم الإسلام في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء مبتدعون ضالون فيما يحدثونه كل ليلة اثنين وجمعة؛ لأن هذا العمل الذي يقومون به عمل منكر لم يكن عليه الصحابة ﵃ ولا التابعون لهم بإحسان، فإذا كانوا يعتقدون أن النبي ﷺ يأتي إليهم ويحضرهم كان هذا أشد ضلالًا، وإن اعتقدوا في طوافهم هذا أنهم يطوفون على كعبة فهذا أشد وأنكر؛ لأنه لا طواف إلا على بيت الله الحرام في مكة. والواجب عليهم أن يتوبوا إلى الله تعالى من هذا العمل، وأن يأخذوا بما أمرهم به رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم حيث قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من محدثات الأمور، أي: ما يحدثه الإنسان يتعبد به لله، ومحدثات الأمور هي: كل عبادة يتقرب بها الإنسان إلى الله ﷿ لم يكن عليها رسول الله ﷺ، سواء كان ذلك في العقيدة أو في القول أو في العمل. وقولي: كل عبادة هذا باعتبار المبتدع حيث يظنها عبادة، وإلا فإنها ليست بعبادة؛ لأن البدعة ضلالة ليست عبادة. ***
مستمع للبرنامج محروس إبراهيم من جمهورية مصر العربية محافظة البحيرة يقول: ما حكم الشرع في نظركم يا شيخ محمد في أناس يمدحون الرسول أقصد الشيوخ الذين يمدحون الرسول وهم يستعملون المزمار والعود والطبلة؟ وأيضًا ماحكم المقرئين الذين يشترطون على عائلة المتوفى من أجرهم؟ وهل هناك فصال في كتاب الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواقع أن هذا السؤال تضمن مسألتين: المسألة الأولى: أولئك الشيوخ الذين يمدحون رسول الله ﷺ مدحًا مقرونًا بآلات اللهو، فنقول في الجواب على هذا: أولًا هذه المدائح هل هي مدائح حق لا تخرج إلى الغلو الذي نهى عنه النبي ﷺ؟ أو هي مدائح تتضمن الغلو في رسول الله ﷺ، وأن ينزل فوق منزلته التي أنزلها الله إياه، كالمدائح التي تجعل للنبي ﷺ حظًا من التصرف في الكون، بل ربما تجعل الكون كله عائدًا إلى رسول الله ﷺ، كقول بعضهم: فإن من جودك الدنيا- يخاطب النبي ﷺ: فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم فإن هذه المدائح وأمثالها كفر بالله ﷿، سواء اقترنت بآلة لهو أم لم تقترن، ولا يحل لمؤمن أن يقولها في رسول الله ﷺ؛ لأن النبي ﷺ إنما بعث لتطهير الناس من مثل هذه الأمور التي تؤدي إلى شرك المخلوق بالخالق فيما يستحقه ﷾. ثانيًا إذا كانت هذه المدائح مدائح حق لا غلو فيها ولكنهم جعلوها مصحوبة بهذه المزامير وآلات اللهو فإن هذا محرم؛ لأنها اقترنت بما حرمه النبي ﷺ، إذ إن المعازف وآلات اللهو كلها حرام، إلا ما استثني منها من الدفوف في الأوقات التي أبيحت فيها، ويدل لتحريمها ما رواه البخاري من حديث أبي مالك الأشعري ﵁ أن النبي ﷺ قال: (ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) . والمعازف هي آلات اللهو كما ذكر ذلك أهل العلم، وفي قرنها بالزنى وشرب الخمر دليل على قبحها وتأكد تحريمها، فهؤلاء الذين يمدحون رسول الله ﷺ بالمدائح المقرونة بآلات اللهو كأنما يسخرون به ﷺ، حيث مدحوه وعظموه بما حرمه على أمته ومنعهم منه. أما المسألة الثانية مما تضمنه هذا السؤال فهو قراءة القراء القرآن للأموات بعد موتهم، وأخذهم الأجرة على ذلك، فإن هذا أيضًا من الابتداع في دين الله ﷿، وقراءة القارىء الذي لا يقرأ إلا بأجرة ليس فيها ثواب؛ لأن قراءة القرآن عمل صالح، وإذا أريد بالعمل الصالح الدنيا حبط وبطل أجره كما قال الله تعالى: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) . وإذا بطل أجره- أي: أجر هذا القارىء بالأجرة- لم يحصل للميت انتفاع من قراءته، وحينئذٍ يكون هؤلاء الذين استأجروا القارىء ليقرأ القرآن لميتهم قد خسروا في الدنيا والآخرة: أما خسارتهم في الدنيا فهي بذل المال في أمر لا ينفع الميت، وأما خسارتهم في الآخرة فلأنهم استأجروا هذا الرجل أن يقرأ كتاب الله بعوض من الدنيا فأعانوه على الإثم، ومن يعين على الإثم آثم؛ لأن الله ﷾ يقول: (وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) . وإن نصيحتي لهذين الصنفين من الناس- الصنف الأول: أولئك المداحون الذين يمدحون رسول الله ﷺ بما نهاهم عنه من الغلو فيه، أو الذين يمدحونه مدحًا مقتصدين فيه ولكنهم يقرنونه بما نهى الله عنه. وكذلك الصنف الثاني: الذين يقرؤون القرآن في المآتم للأموات بالأجرة- أنصحهم جميعًا أن يتقوا الله ﷿، وأن يكونوا في عباداتهم القولية والفعلية والاعتقادية متمشين على سنة الرسول ﷺ التي التمسك بها خير وفلاح في الدنيا والآخرة، وهذا الأمر وإن كان قد يشق عليهم، بل وإن كان الشيطان قد يريهم أن ذلك شاق عليهم، وأنهم يطلبون به بما يطلبونه من المال والجاه فليصبروا على ذلك وليحتسبوا ثواب الله ﷿ الذي لا حصر له ولا نهاية (إِنَما يُوفى الصَّابرون أَجْرَهُمْ بِغَيرِ حِسَابْ) . وليصبروا على ترك هذه الأمور المحرمة حتى يكونوا أئمة يهدون بأمر الله وكانوا بآيات الله يوقنون. ***
بارك الله فيكم رسالة وصلت من مستمع إلى البرنامج يقول: يقام في بلدنا كل يوم خميس حلقات دينية في بيوت المشايخ: يقوم صاحب الزاوية أو الشيخ الذي تقام في داره الحلقة بتعليم الناس الذين يأتون لحضور هذه الحلقة، ويقومون بمدح الرسول والصحابة والشيخ عبد القادر والشيخ الرفاعي وغيرهم، كما يضربون على الدفوف، ويتحركون حركات هادئة تشبه الركوع ولكنها كثيرة وسريعة. ماذا تقولون في مثل هؤلاء بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول في مثل هؤلاء: إن عملهم هذا بدعة، وربما يكون فيه مدائح تصل إلى الكفر، فإن أصحاب المدائح النبوية أحيانًا يصلون بمدائحهم إلى درجةٍ يجعلون فيها رسول الله ﷺ بمنزلة الله ﷾، بل ربما يرتقون فوق ذلك. منهم من يردد قول القائل يخاطب النبي ﷺ: يا أكرم الخلق مالي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم مثل هذه الأوصاف لا تصح إلا لله ﷿، فهو الذي يدعى عند حلول الحادث العمم، ويلاذ به ﷿، وهو الذي يكشف السوء، وهو الذي يجيب دعوة المضطرين. أما الرسول ﵊ فإنه لا يملك مثل ذلك، بل هو ﵊ يسأل ربه ويستغيثه ويستعينه، وهو أعبد الناس لربه في هذا المقام. ولهذا لما دخل الرجل إليه والنبي ﷺ يخطب الناس شكا إليه قلة المطر، فرفع النبي ﷺ يديه إلى السماء يدعو الله يقول: (اللهم أغثنا) . فهو ﵊ لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا، فكيف يملك ذلك لغيره؟ إنما هو ﵊ هادٍ يهدي إلى صراط الله ﷿، مثل هذه الأبيات التي أنشدتها لا شك أنها لم تجعل لله تعالى شيئًا؛ لأنه إذا كان من جود النبي ﷺ الدنيا وضرتها وهي الآخرة فإنه لم يبقَ لله شيء، فأقول: هذا العمل الذي يعمله هؤلاء القوم عند هذا الشيخ عملٌ بدعيٌ، وقد يتضمن أشياء منكرةً نكارةً عظيمة، وقد يشتمل على أشياء تكون كفرًا وشركًا أكبر. ولو أن هذا الشيخ جمعهم على العلم، على تعلم كتاب الله وما صح من سنة رسول الله ﷺ لكان هذا خيرًا وأفضل وأكمل، حتى ينتفع وينفع. كذلك ذكر السائل أنهم كانوا يركعون ويسجدون بصفةٍ ويضربون الدفوف بصفةٍ خفيفة سريعة، وهذا أيضًا منكر، لا يجوز لأحدٍ أن يتعبد به لله ﷿، فإن العبادة مبناها على التوقيف وليست على الذوق ولا على الهوى، ولم يرد عن رسول الله ﷺ ولا عن خلفائه ولا عن أحدٍ من سلف الأمة وأئمتها أن يتعبدوا لله تعالى بمثل هذه العبادة، بل هذا منكرٌ بنفسه فضلًا عن أن يكون عبادة. ***
هناك بعض من الناس يذكرون الله في حلقات يصاحبها النقر على الطبلة، مع القيام بحركات تشبه الرقص. هل هذا جائز شرعًا في نظركم يا فضيلة الشيخ؟ وما هي آداب الذكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أقدم مقدمة تلقي الضوء على جواب هذا السؤال، وذلك أن الله ﷿ خلقنا لعبادته وحده لا شريك له، كما قال ﷿: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ) . والعبادة التي خلقنا الله من أجلها لا تصح إلا بشرطين أساسين: أحدهما: الإخلاص لله ﷿، والثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ أما الإخلاص لله فمعناه: أن يكون العابد قاصدًا بعبادته وجه الله والدار الآخرة، لا يقصد بذلك عرضًا من الدنيا لا مالًا ولا جاهًا ولا تقربًا إلى أحد من المخلوقين، وإنما يقصد بذلك وجه الله والدار الآخرة، كما قال الله تعالى عن محمد رسول الله وأصحابه قال ﷿: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا) . وقال ﷿: (وَمَا آتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ) . وأما الأصل الثاني فهو المتابعة لرسول الله ﷺ، ودليل هذين الأمرين قوله تعالى: (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا)، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) . وقول النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرىء ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) . وقول النبي ﷺ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة لرسول الله ﷺ إلا إذا كان العمل موافقًا للشرع في أمور ستة السبب والجنس والقدر والكيفية والزمان والمكان، فإذا لم يكن العمل موافقًا للشرع في هذه الأمور الستة فإن المتابعة فيه تتخلف. أما السبب: فلا بد أن يكون لهذا العمل سبب شرعي اقتضى أن يفعل، فلو تعبد الإنسان لله تعالى عبادة قرنها بسبب لم يرد به الشرع لم تقبل منه؛ لأنها غير موافقة للشرع، فلا تتحقق فيها المتابعة، ومثال ذلك أن يتعبد الإنسان لله ﷿ بالصلاة على نبيه ﷺ كلما دخل بيته، فإننا نقول: إن هذا بدعة؛ لأنه لم يوافق الشرع في سببه، إذ لم يرد عن النبي ﷺ أن من أسباب الصلاة عليه ﷺ دخول البيت. ولو أن الإنسان ضحى بفرس لم تقبل أضحيته؛ لأنها لم توافق الشرع في جنسها، إذ إن الأضحية لا تكون إلا من بهيمة الأنعام: الإبل والبقر والغنم. ولو أن الإنسان صلى الرباعية خمسًا أو الثلاثية أربعًا أو الثنائية ثلاثًا لم يقبل منه؛ لأن ذلك غير موافق للشرع في عدد العبادة. ولو أن الإنسان صلى فقدم السجود على الركوع لم تصح صلاته؛ لأنها غير موافقة للشرع في صفتها وهيئتها. ولو أن الإنسان ضحى قبل صلاة العيد عيد الأضحى لم تقبل أضحيته؛ لأنها غير موافقة للشرع في وقتها. ولو أن الإنسان اعتكف في بيته اعتكافًا يقصد به التقرب إلى الله ﷿ كما يعتكف الناس في المساجد لم يقبل اعتكافه؛ لأنه غير موافق للشرع في مكان العبادة. فإذا علمت هذه المقدمة النافعة، وهي: أن العبادة لا تصح إلا أن تبنى على هذين الأساسين العظيمين، وهما: الإخلاص لله ﷿ والمتابعة لرسوله ﷺ؛ تبين لك حكم هؤلاء الذين ذكرهم السائل، الذين يجتمعون على ذكر الله ﷿ ويجعلون عندهم طبولًا ينقرونها عند كل جملة يذكرون الله بها، ويعملون أعمالًا تشبه الرقص، فهؤلاء مردود عليهم ذكرهم، ويكون ذكرهم الذي تعبدوا به لله على هذا الوجه بدعة، وقد حذر النبي ﷺ من البدع، وأخبر أن كل بدعة ضلالة بدون استثناء، وأتى بـ (كل) الدالة على العموم، ومن المعلوم لنا جميعًا أن رسول الله ﷺ أعلم الخلق بشريعة الله، وأنه أنصح الخلق لعباد الله، وأنه أفصح الخلق في تعبيره وبلاغه، فإذا قال: (كل بدعة ضلالة) فإنه لا يمكن أن نقسم بعد ذلك البدع إلى أقسام، بل نقول: إن البدع كلها ضلالة مهما كانت. ومن ظن أن شيئًا من البدع يكون حسنًا فإنه قد توهم من أحد وجهين: إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة شرعًا، ولكن ظنه بدعة فسماه بدعة. وإما أن يكون الشيء بدعة لكنه ليس بحسن، بل توهم مبتدعه أنه أحسن في ذلك وهو لم يحسن. وأما أن تتحقق البدعة فإنه لا يمكن أن تتحقق أنها حسنة؛ لأن النبي ﷺ قال: (كل بدعة ضلالة) . فهؤلاء المبتدعة الذين أحدثوا في ذكر الله ﷿ ما ليس منه عملهم مردود عليهم، ولا يزيدهم من الله إلا بعدًا، وهو خلاف طريق الذين أنعم الله عليهم والذين يقولون في كل صلواتهم: (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ. صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) . فإن كل مبتدع فهو ضال فيما ابتدع في دين الله، وعلى هؤلاء أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذا الذكر، بل أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذه الكيفية التي أحدثوها في ذكر الله، هذا إذا كان الذكر الذي يذكرون الله به موافقًا للشرع في صيغته، أما إذا كان مخالفًا للشرع في صيغته فإنه يكون قبحًا على قبح، كما لو جعلوا أذكارهم هو هو هو وما أشبه ذلك مما يتخذه الصوفية ونحوهم ذكرًا لله ﷿، والرب ﷾ قد بين لنا الطريق وأوضحه على لسان محمد ﷺ إما في كتاب الله وإما في سنة رسول الله ﷺ، قال الله تعالى: (وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ) . وقال ﷾: (يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَيَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) . وقال ﷾: (يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) . فإذا كان الله تعالى قد بين لنا البيان التام فإن كل عمل يقربنا إليه ويرضيه عنا فإنه قد بينه ووضحه، ولم يمت رسول الله ﷺ إلا والدين كامل من جميع الوجوه، واتل قول الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . وحقيقة حال المبتدع أنه يعترض على شريعة الله كأنما يقول: هذه من الشريعة ولكن لم تكن واردة، فالشرع إذًا ناقص؛ لأنه لابد أن يكون الأمر هكذا: إما أن يكون الشرع ناقصًا وهذه البدعة أكملته، وإما أن يكون الشرع تامًا فهذه البدعة زيادة ما أنزل الله بها من سلطان. ولا يحل لنا أن نتقرب إلى الله إلا بما شرع على لسان محمد ﷺ، فنصيحتي لهؤلاء القوم، نصيحتي لهم أن يتقوا الله في أنفسهم، وأن يتقوا الله ﷿ في عباد الله الذين يتبعونهم ويقتدون بهم، وليرجعوا إلى ما كان عليه نبينا محمد ﷺ وخلفاؤه الراشدون، فإنه الخير والفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة. ***
أثابكم الله يا شيخ محمد رسالة وصلت من أحد الإخوة المستمعين عطية من المدينة المنورة يقول: لقد سمعت حلقة من برنامج نور على الدرب يوم الخميس الموافق ١٤ / ٦ / ١٤٠٧ هـ وسمعت إجابة السؤال الأول من البرنامج والذي قال فيه فضيلة الشيخ محمد بن صالح بن عثيمين بأن كل بدعة ضلالة وذكر الحديث، وقال: ليس هناك بدعة غير ضلالة وليس هناك بدعة حسنة، بل كل بدعة ضلالة. سؤالي: هل السَبْحَةْ تعتبر بدعة؟ وهل هي بدعة حسنة أم بدعة ضلالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السَبْحَةْ ليست بدعة دينية، وذلك لأن الإنسان لا يقصد التعبد لله بها وإنما يقصد ضبط عدد التسبيح الذي يقوله أو التهليل أو التحميد أو التكبير، فهي وسيلة وليست مقصودة، ولكن الأفضل منها أن يعقد الإنسان التسبيح بأنامله، أي: بأصابعه؛ لأنهنّ مستنطقات كما أرشد إلى ذلك النبي ﷺ، ولأن عد التسبيح ونحوه بالمسبحة يؤدي إلى غفلة الإنسان، فإننا نشاهد كثيرًا من أولئك الذين يستعملون المسبحة فنجدهم يسبحون وأعينهم تدور هنا وهناك؛ لأنهم قد جعلوا عدد الحبات على قدر ما يريدون تسبيحه أو تهليله وتحميده وتكبيره، فتجد الإنسان منهم يعد هذه الحبات بيده وهو غافل القلب يلتفت يمينًاَ وشمالًا، بخلاف ما إذا كان يعدها بالأصابع فإن ذلك أحفظ لقلبه غالبًا. الشيء الثالث: أن استعمال المسبحة قد يدخله الرياء، فإننا نجد كثيرًا من الناس الذين يحبون كثرة التسبيح يعلقون في أعناقهم مسابح طويلة كثيرة الخرزات، وكأن لسان حالهم يقول: انظروا إلينا فإننا نسبح الله بقدر هذه الخرزات، وأنا أستغفر الله أن أتهمهم بهذا لكنه يخشى منه. فهذه ثلاثة أمور كلها تقضي بأن يتجنب الإنسان التسبيح بالمِسْبحة، وأن يسبح الله ﷾ بأنامله. ثم إن الأولى أن يكون عقد التسبيح بالأنامل في اليد اليمنى؛ (لأن النبي ﷺ كان يعقد التسبيح بيمينه)، واليمنى خير من اليسرى بلا شك، ولهذا كان الأيمن مفضلًاَ على الأيسر، ونهى النبي ﵊ أن يأكل الرجل بشماله أو يشرب بشماله، وأمر أن يأكل الإنسان بيمينه، قال النبي ﵊: (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك) . وقال: (لا يأكلنّ أحدكم بشماله ولا يشربنّ بشماله، فإن الشيطان يأكل بشماله ويشرب بشماله) . فاليد اليمنى أولى بالتسبيح من اليد اليسرى اتباعًا للسنة وأخذًا باليمين، فقد (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) . وعلى هذا فإن التسبيح بالمسبحة لا يعد بدعة في الدين؛ لأن المراد بالبدعة المنهي عنها هي البدعة في الدين، والتسبيح بالمسبحة إنما هو وسيلة لضبط العدد، وهي وسيلة مرجوحة مفضولة، والأفضل منها أن يكون عد التسبيح بالأصابع. ***
المستمع عبد الرحمن إبراهيم أحمد من جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية يقول: في يوم الجمعة عندنا يقوم بعض الناس بالتسبيح ويقولون: الصلاة وألف سلام يا سيدي يا رسول الله، ويستدلون لهذا بقوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا..) الخ الآية. فكيف نرد على مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول لهؤلاء: ما ذكرتم من الآية (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ما ذكرتموه من الآية دليل عليكم وليس دليلًا؛ لكم لأن الله ﷿ أمر بالصلاة والسلام على نبيه كل وقت، ولم يخص ذلك بيوم الجمعة، وأنتم جعلتم هذا في يوم الجمعة فقط. ثم إن الله ﷿ لم يأمر بأن نصلى ونسلم عليه مجتمعين، وأنتم جعلتم الصلاة والسلام عليه مجتمعين، فخالفتم الآية حيث خصصتموها بيوم معين وبصفة معينة، والواجب علينا أن نطلق ما أطلقه الله وأن نقيد ما قيده الله، وأن لا نتجاوز ما جاءت به نصوص الكتاب والسنة. ونصيحتي لهؤلاء الإخوة أن يتقيدوا بما جاء به الشرع من العبادات كمية وكيفية ونوعًا ووقتًا ومكانًا؛ لأن من شرط صحة العبادة وقبولها أن تضمن أمرين: الأمر الأول: الإخلاص لله ﷿، والأمر الثاني: المتابعة لرسول الله ﷺ. دليل الأمر الأول قوله تعالى: (فَادْعُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ)، وقوله: (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقول النبي ﷺ: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئٍ ما نوى) . ودليل الثاني قوله ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ماليس منه فهو رد)، أو: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ولا تتحقق المتابعة للرسول ﷺ إلا أن تكون العبادة موافقة للشرع في أمور ستة: في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها، فإذا خالفت الشرع في هذه الأمور الستة لم تتحقق فيها المتابعة وكانت باطلة. ***
أحد الإخوة المستمعين سليمان من قرية المقروبة بجمهورية مصر العربية يقول: في قريتنا البعض من الناس يذكرون الله بصوت مرتفع وهم وقوف، ويصلون على النبي ﷺ، ويفعلون ذلك في ليلة الاثنين والجمعة. نصحتهم بذلك وقلت لهم بأن ذلك بدعة في الدين، سخروا مني وقالوا لي: إننا على صواب وأنت الذي على خطأ. وإني رفضت هذا الكلام ولا أبالي، الرجاء من فضيلتكم النصح لمثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن نصيحتنا لمثل هؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم، وأن يعرفوا قدر أنفسهم، وأن يعلموا أنه لا يحل لهم أن يتقدموا بين يدي الله ورسوله، وأنه ليس لهم الحق أن يشرعوا في دين الله ما ليس منه، فالدين دين الله ﷿، وهو الذي يشرع لعباده ما تقتضيه حكمته مما فيه مصلحتهم في الحاضر والمستقبل، وهم يعلمون- شاؤوا أم أبوا- أن الدين دين الله وأن الشرع شرعه، ولكني أريد منهم أن يطبقوا هذا العلم، بحيث لا يتجاوزون شرع الله فيتعبدون له بما لم يشرعه. وليعلم هؤلاء أن كل عمل قولي أو فعلي أو عقدي يقومون به تقربًا إلى الله ﷿ فإنه لا يزيدهم من الله إلا بعدًا إذا لم يكن مشروعًا بكتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، ولهذا كان النبي ﷺ يقول في خطبة الجمعة: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار) . فأخبرنا رسول الله ﷺ بهذا الحديث الذي يعلنه في خطبة الجمعة، أخبرنا بأن خير الهدي هدي محمد ﷺ، فما خالف هديه فهو شر، وأخبرنا أيضًا أن كل بدعة في دين الله، ضلالة وأن كل ضلالة في النار. فليعلم هؤلاء أن هذا العمل عناء وعقاب، عناء في الدنيا ومشقة وتعب ونصب، وعقاب يوم القيامة. ولا أخص هؤلاء بما ابتدعوه من الصلاة على النبي ﷺ على الكيفية التي ذكرها السائل، ولكني أتكلم على بدعتهم هذه وعلى جميع ما ابتدع في دين الله تعالى من عقيدة أو قول أو عمل، فعلى المرء أن يكون عبدًا لله ﷿ بمعنى هذه العبودية، فلا يتقدم بين يديه ولا يدخل في دينه ما لم يشرعه. ***
ما حكم سماع الموالدي الذي يمدح الرسول في الليالي ومعه طائفةٌ من الإخوان يرددون المدح والتهليل بمكبر الصوت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدح النبي ﷺ على هذا الوجه من البدع، فإنه لم يكن معروفًا عند الصحابة: أن يقوموا بمدح الرسول ﷺ في الأسواق جهرًا أو في المساجد جهرًا أو يعلنون ذلك على الملأ، وإنما كانوا يصلون على النبي ﷺ الصلاة الواردة عنه، ويصفونه ﷺ بما يستحقه من صفات بدون مغالاة؛ لأنهم يعلمون ﵃ أن النبي ﷺ نهى عن الغلو فيه، فهذه الصفة بمجردها بدعةٌ منهي عنها. ثم إن كان في تلك المدائح أوصاف لا تصح إلا لله ﵎ فإنها لا تجوز، وتكون أيضًا مذمومةً من ناحية أخرى وهي: الشرك، مثل قول القائل يخاطب النبي ﵊: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العممِ إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدمِ فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلمِ فإن هذا لا يرضاه النبي ﷺ ولا يرضاه غيره من المؤمنين؛ لأن هذه الأوصاف لا تليق إلا لله ﷿، بل إن قوله إن من جودك الدنيا وضرتها جعل هذا أعظم من الله ﷿، ومن علومك علم اللوح والقلم هذا والعياذ بالله منكرٌ عظيم وشرك بالله ﵎. فالمهم أن هذه المدائح بمجرد صفتها التي ذكرها السائل هي بدعة، ثم إن كانت مشتملة على ما لا يليق بالنبي ﷺ بمعنى: على ما لا يرضاه النبي ﷺ من الغلو- فإنها تزداد قبحًا على قبحها.
يافضيلة الشيخ: هذا بالنسبة لمن يقوم بها ويتحلق عليها، لكن حكم من يسمعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الاستماع إليها فهذا لا يجوز؛ لأن الاستماع إلى المنكر منكر. وأما سماعها والإنسان عابرٌ مار، أو سماعها والإنسان في بيته بدون قصد الاستماع فهذا لا يضر، ولكنه يجب عليه أن ينصحهم وينهاهم عن ذلك إن انتهوا، وإلا فلا شيء عليه منهم. ***
وصلتنا رسالة من المستمع م. ع. ص. من جمهورية مصر العربية يقول: ما حكم الشرع في نظركم في أعياد الميلاد والاحتفال بذكرى المولد للرسول ﷺ؟ لأنها تنتشر عندنا بكثرة، أفيدونا بارك الله فيكم فأجاب رحمه الله تعالى: نظرنا في هذه المسألة أن نقول: إن رسول الله ﷺ رسول إلى الخلق أجمعين، وإنه يجب على جميع الخلق أن يؤمنوا به ويتبعوه، وإنه يجب علينا مع ذلك أن نحبه أعظم من محبتنا لأنفسنا ووالدينا وأولادنا؛ لأنه رسول الله ﷺ، ونرى أن من تعظيم النبي ﷺ وعلامة محبته أن لا نتقدم بين يديه بأمر لم يشرعه لنا؛ لأن ذلك من التقدم عليه وقد قال الله تعالى:؟يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ؟ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ؟. وإقامة عيد لميلاد النبي ﷺ لا تخلو من أحوال ثلاث: إما أن يفعلها الإنسان حبًا وتعظيمًا للنبي ﷺ، وإما أن يفعلها لهوًا ولعبًا، وإما أن يفعلها مشابهةً للنصارى الذين يحتفلون بميلاد عيسى بن مريم ﵊. فعلى الأول: إذا كان يفعلها حبًا وتعظيمًا للرسول الله ﷺ فإنها في هذه الحال تكون دينًا وعبادة؛ لأن محبة النبي ﷺ وتعظيمه من الدين، قال الله تعالى:؟إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا؟ لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ وَتُسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا؟. وإذا كان ذلك من الدين فإنه لا يمكن لنا ولا يسوغ لنا أن نشرع في دين النبي ﷺ ما ليس منه، إذ إن ذلك- أي: شرعنا في دين النبي ﷺ ما ليس منه- يستلزم أحد أمرين باطلين: فإما أن يكون الرسول ﷺ لم يعلم بأن هذا من شريعته، وحينئذٍ يكون جاهلًا بالشرع الذي كلف بتبليغه، ويكون من بعده ممن أقاموا هذه الاحتفالات أعلم بدين الله من رسوله، وهذا أمر لا يمكن أن يتفوه به عاقل فضلًا عن مؤمن. وإما أن يكون النبي ﷺ قد علم، وأن هذا أمر مشروع، ولكنه كتم ذلك عن أمته، وهذا أقبح من الأول، إذ إنه يستلزم أن النبي ﷺ قد كتم بعض ما أنزل الله عليه وأخفاه على الأمة، وهذا من الخيانة العظيمة، وحاشا رسول الله ﷺ أن يكتم شيئًا مما أنزل الله عليه. قالت عائشة ﵂: لو كان النبي ﷺ كاتمًا شيئًا مما أنزل الله عليه لكتم قول الله تعالى (وَاتَّقِ اللَّهَ وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللَّهُ مُبْدِيهِ وَتَخْشَى النَّاسَ وَاللَّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشَاهُ) . وبهذا بطلت إقامة الاحتفال بمولد النبي ﷺ من أجل محبته وتعظيمه. وأما الأمر الثاني، وهو: أن تكون إقامة هذه الاحتفالات على سبيل اللهو واللعب، فمن المعلوم أنه من أقبح الأشياء أن يفعل فعل يظهر منه إرادة تعظيم النبي ﷺ وهو للعب واللهو، فإن هذا نوع من السخرية والاستهزاء، وإذا كان لهوًا ولعبًا فكيف يتخذ دينًا يعظم به النبي ﷺ؟ وأما الأمر الثالث، وهو: أن يتخذ ذلك مضاهاة للنصارى في احتفالاتهم بميلاد عيسى بن مريم ﵊، فإن تشبهنا بالنصارى في أمر كهذا يكون حرامًا؛ لأن النبي ﷺ قال: (من تشبه بقوم فهو منهم) . ثم نقول: إن هذا الاحتفال بمولد النبي ﷺ لم يفعله الصحابة ﵃، ولا التابعون لهم بإحسان، ولا تابعو التابعين، وإنما حدث في القرن الرابع الهجري، فأين سلف الأمة عن هذا الأمر الذي يراه فاعلوه من دين الله؟ هل هم أقل محبة وتعظيمًا منا لرسول الله؟ أم هل هم أجهل منا بما يجب للنبي ﷺ من التعظيم والحقوق؟ أم ماذا؟ إن أي إنسان يقيم هذا الاحتفال يزعم أنه معظم للنبي ﷺ فقد ادعى لنفسه أنه أشد تعظيمًا لرسول الله ﷺ وأقوى محبة من الصحابة والتابعين وتابعيهم بإحسان، ولا ريب أن محبة النبي ﷺ وتعظيمه إنما يكون باتباع سنته ﷺ؛ لأن اتباع سنته أقوى علامة تدل على أن الإنسان يحب النبي ﷺ ويعظمه، أما التقدم بين يديه وإحداث شيء في دينه لم يشرعه فإن هذا لا يدل على كمال محبة الرسول ﷺ وتعظيمه. قد يقول قائل: نحن لا نقيمه إلا من باب الذكرى فقط. فنقول: يا سبحان الله! تكون لكم الذكرى في شيء لم يشرعه النبي ﵊، ولم يفعله الصحابة ﵃؟ مع أن لديكم من الذكرى ما هو قائم ثابت بإجماع المسلمين، وأعظم من هذا وأدوم: فكل المسلمين يقولون في أذان الصلوات الخمس: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله، وكل المسلمين يقولون في صلاتهم: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وكل المسلمين يقولون عند الفراغ من الوضوء: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. بل إن ذكرى النبي ﷺ تكون في كل عبادة يفعلها المرء؛ لأن العبادة من شرطها الإخلاص والمتابعة لرسول الله ﷺ، فإذا كان الإنسان مستحضرًا ذلك عند فعل العبادة فلا بد أن يستحضر أن النبي ﷺ إمامه في هذا الفعل، وهذا تذكر. وعلى كل حال فإن فيما شرعه الله ورسوله من علامات المحبة والتعظيم لرسول الله ﷺ كفاية عما أحدثه الناس في دينه مما لم يشرعه الله ولا رسوله، ونسأل الله ﷾ أن يوفق الجميع لما فيه الخير. على أن هذه الاحتفالات فيما نسمع يكون فيها من الغلو والإطراء ما قد يخرج الإنسان من الدين، ويكون فيها من الاختلاط بين الرجال والنساء ما تخشى منه الفتنة والفساد، والله أسأل أن يهيئ للأمة الإسلامية من أمرها رشدًا، وأن يوفقها لما فيه صلاح دينها ودنياها وعزتها وكرامتها، إنه جواد كريم. ***
هذه رسالة وصلت من مكة المكرمة يقول فيها السائل: كثير من الناس يقول بأن المولد ليس ببدعة؛ لأن فيه ذكرًا للرسول ﷺ وتمجيدًا لذكره، وليس فيها لهو من غناء وغيره، بل هو ذكر فقط في سيرة المصطفى ﷺ. ما الحكم إذا كان المولد بهذه الصورة؟ أريد جوابًا شافيًا وواضحًا لهذا الموضوع؛ لأن الكثير من الناس يرون أنه ليس فيه شيء من البدع لأنه ذكر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن النبي ﷺ سيد ولد آدم، ولا شك أن له حقوقًا علينا أكثر من حقوق أمهاتنا وآبائنا، ولا شك أنه يجب علينا أن نقدم محبته على محبة النفس والولد والوالد والناس أجمعين، ولا شك أن له من المناقب والفضائل ما لم يكن لغيره، وهذا أمر مسلم. وإذا كان هذا يسأل عن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإننا نبحث في هذه المسألة من ناحيتين: أولًا: من الناحية التاريخية، فإنه لم يثبت أن ولادته كانت في ليلة الثاني عشر من ربيع الأول، ولا كانت يوم الثاني عشر من ربيع الأول، بل حقق بعض المعاصرين من الفلكيين أن ولادته كانت في اليوم التاسع من ربيع الأول، وعلى هذا فلا صحة لكون المولد يوم الثاني عشر أو ليلة الثاني عشر من الناحية التاريخية. أما من الناحية التعبدية فإننا نقول: الاحتفال بالمولد ماذا يريد به المحتفلون؟ أيريدون إظهار محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ إن كانوا يريدون هذا فإظهار محبته بإظهار شريعته ﵊ والالتزام بها، والذود عنها وحمايتها من كل بدعة. أم يريدون ذكرى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فذكرى رسول الله ﷺ حاصلة فيما هو مشروع كل يوم: فالمؤذنون يعلنون على المنائر أشهد أن محمدًا رسول الله، والمصلون في كل صلاة يقول المصلى: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ويقول: أشهد ألا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ويقول: اللهم صلِّ على محمد، وعلى آل محمد بل كل عبادة فهي ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وذلك لأن العبادة مبنية على أمرين: الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، وبالمتابعة لرسول الله ﷺ تكون الذكرى في القلب. أم يريد هؤلاء أن يكثروا من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإظهار مناقبه؟ فنقول: نعم هذه الإرادة ونحن معهم نحث على كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونحث على إظهار مناقبه صلى الله عليه وعلى آله وسلم في أمته؛ لأن ذلك يؤدي إلى كمال محبته وتعظيمه واتباع شريعته. ولكن هل ورد هذا مقيدًا بذلك اليوم الذي ولد فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم إنه عام في كل وقت وحين؟ فالجواب بالثاني. ثم نقول: اقرأ قول الله ﷿: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) فهل نحن متبعون للمهاجرين والأنصار في إقامة هذا المولد، بل في إقامة الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ فالجواب: لا؛ لأن الخلفاء الراشدين والصحابة أجمعين والتابعين لهم بإحسان وأئمة المسلمين من بعدهم لم يقيموا هذا الاحتفال ولم يندبوا إليه أبدًا، أفنحن أحق برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم منهم؟ أم هم غافلون مفرطون في إقامة هذا الحق للرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم؟ أم هم جاهلون به لا يدرون عنه؟ كل هذا لم يكن؛ لأن وجود السبب مع عدم المانع لابد أن يحصل مقتضاه، والصحابة لا مانع لهم من أن يقيموا هذا الاحتفال، لكنهم يعلمون أنه بدعة، وأن صدق محبة الرسول ﵊ في كمال اتباعه، لا أن يبتدع الإنسان في دينه ما ليس منه، فإذا كان الإنسان صادقًا في محبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي اعتقاده أنه سيد البشر فليكن ملتزمًا بشريعته: ما وجد في شريعته قام به، وما لم يوجد أعرض عنه، هذا خالص المحبة وهذا كامل المحبة. ثم إن هذه الموالد يحصل فيها من الاختلاط والكلمات الزائدة في الغلو برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، حتى أنهم يترنمون بالبردة المضافة إلى البوصيري وفيها يقول: يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العمم كيف يقول: ما لي من ألوذ به سواك عند حلول الحادث العظيم؟ هل هذا صحيح؟ هذا يعني أن هذا الذي أصيب بالحادث لا يرجع إلى الله ﷿ ولا يلوذ بالله ﷿، وهذا شرك، ثم يقول: إن لم تكن آخذًا يوم المعاد يدي عفوًا وإلا فقل يا زلة القدم فهل الرسول ﵊ ينقذ الناس يوم المعاد؟ إن دعاء الرسل عليهم الصلاة والسلام في ذلك اليوم: اللهم سلم اللهم سلم عند عبور الصراط. ويقول أيضًا في هذه القصيدة وهو يخاطب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (فإن من جودك الدنيا وضرتها) الدنيا وضرتها هي الآخرة من جود الرسول ﷺ، وليس كل جوده، بل هي من جوده، وجوده أجود من هذا، فإذا جعل الدنيا والآخرة من جود الرسول ﵊ ماذا بقي لله تعالى في الدنيا والآخرة؟ لن يبقى شيء، كل هاتين الدارين من جود النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ويقول أيضًا: (ومن علومك علم اللوح والقلم) - سبحان الله! - من علومه- وليست كل علومه- أن يعلم ما في اللوح المحفوظ، مع أن الله تعالى أمر نبيه أمرًا خاصًّا أن يقول: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ) . فإذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يعلم ما غاب عنه في الدنيا فكيف يقال: إنه يعلم علم اللوح والقلم؟ بل إن علم اللوح والقلم من علومه، وهذا غلو لا يرضاه الرسول ﵊، بل ينكره وينهى عنه. ثم إنه يحصل بهذا الاحتفال بالمولد أشياء تشبه حال المجانين: سمعنا أنهم بينما هم جلوس إذا بهم يفزون ويقومون قيام رجل واحد، ويدَّعون أن النبي ﷺ حضر في هذا المجلس وأنهم قاموا احترامًا له، وهذا لا يقع من عاقل فضلًا عن مؤمن، أشبه ما به جنون! فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قبره لا يخرج إلى يوم البعث، كما قال الله ﷿: (وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ) . والخلاصة أن الاحتفال بمولد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لا يصح من الناحية التاريخية ولا يحل من الناحية الشرعية، وأنه بدعة، وقد قال أصدق الخلق وأعلم الخلق بشريعة الله: (كل بدعة ضلالة) . وإني أدعو إخواني المسلمين إلى تركه والإقبال على الله ﷿، وتعظيم سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشريعته، وألا يحدث الإنسان في دين الله ما ليس من شريعة الله. وأنصحهم أن يحفظوا أوقاتهم وعقولهم وأفكارهم وأجسامهم وأموالهم من إضاعتها في هذا الاحتفال البدعي، وأسأل الله تعالى لنا ولهم الهداية والتوفيق وإصلاح الحال، إنه على كل شيء قدير. فضيلة الشيخ: متى ظهرت بدعة المولد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في القرن الرابع، يعني: مضت الثلاثة القرون المفضلة ولم يقمها أحد، في القرن الرابع وجدت، وفي القرن السابع كثرت وانتشرت وتوغلت. وقد أُلف في ذلك والحمد لله مؤلفات تبين أول هذه البدعة وأساسها ومكانتها من الشرع، وأنها لا أصل لها في شريعة الله. فضيلة الشيخ: يزعم أناس بأنهم يحبون الرسول فأتوا بالمولد فاحتفلوا بالمولد وأتوا بالمدائح، فما حكم الاحتفال بالمولد حيث يزعمون بأنه حب للرسول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على القاعدة التي ذكرت لك: من أحب الرسول فليتبع سنته، من أحب الرسول فلا يبتدع في دينه ما ليس منه، ولنا ولغيرنا كتابات في هذا الموضوع وبيانات، والذي نسأل الله تعالى إياه أن يهدي إخواننا للصراط المستقيم. ويا سبحان الله! أين أبو بكر؟ أين عمر؟ أين عثمان؟ أين علي؟ أين الصحابة؟ أين الأئمة عن هذا؟ أجهلوه أم فرطوا فيه؟ لا يخلو الأمر من أحد أمرين: إما أنهم جاهلون بحق الرسول ﵊ أن لا يقيموا الاحتفال لمولده، أو أنهم مفرطون تذهب القرون الثلاثة كلها لا تعلم بهذه البدعة، ونقول: إنها مشروعة، إنها محبوبة إلى الله ورسوله، إنها نافعة لمن قام بها؟ هذا لا يمكن. ثم إنه يحدث في هذه الموالد من المنكرات العظيمة والغلو بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم شيء كثير، فنسأل الله تعالى أن يرزقنا جميعًا الاتباع، نسأل الله تعالى إيمانًا لا كفر معه، ويقينًا لا شك معه، وإخلاصًا لا شرك معه، واتباعًا لا ابتداع معه. ***
هذا السائل طاهري محمد من الجزائر يقول: فضيلة الشيخ هل احتفل الرسول ﷺ بميلاده كما يفعل البعض أم لا؟ أرجو منكم التوجيه والنصح في هذا الموضوع مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: لم يحتفل النبي ﷺ بذكرى ميلاده، ولم يحتفل بذلك أبو بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي، ولا غيرهم من الصحابة الكرام ﵃، ولم يحتفل بذلك التابعون لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، ولا تابعو التابعين ولا أئمة المسلمين، وإنما ابتدع هذا الاحتفال بذكرى مولد الرسول ﷺ في أثناء المائة الرابعة، أي: بعد ثلاثمائة سنة من هجرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ولا شك أن الحامل لهذا الاحتفال ممن أسسه، لا شك أنه إن شاء الله تعالى حب الرسول ﵊، لكن حب الرسول ﵊، إنما يتبين حقيقةً باتباع الرسول ﵊ فمن كان للرسول أحب كان له أتبع بلا شك، ومن كان للرسول أتبع كان ذلك أدل على محبته لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولهذا يقول المبتدعون لأهل السنة المتمسكين بها يقولون: إن هؤلاء لا يحبون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ونقول: سبحان الله! أيهما أقرب إلى حب الرسول ﵊: من شرع في دينه ما ليس منه، أو من تمسك بهديه وسنته؟ الجواب لا شك أنه الثاني: أن من تمسك بهديه وسنته فهو أشد حبًا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ممن ابتدع في شريعته ما لم يشرعه ﵊، بل إن البدعة الشرعية في دين الله مضمونها القدح برسول الله ﷺ، كأن المبتدع يقول: إن رسول الله ﷺ جاهل بمشروعية هذه البدعة، أو: إن رسول الله ﷺ عالم بمشروعيتها لكن كتمها عن أمته. وكلا الأمرين قدحٌ واضح في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلو تأمل المبتدع ما تتضمنه بدعته من اللوازم الفاسدة لاستغفر الله منها، ولعاد إلى السنة فورًا بدون أي واعظ. وخلاصة القول في الجواب على هذا السؤال: أن النبي ﷺ لم يحتفل بذكرى ميلاده أبدًا، ولا خلفاؤه الراشدون، ولا الصحابة ولا التابعون، ولا تابعو التابعين، ولا أئمة المسلمين، وإنما حدث ذلك من بعض الولاة واستمر الناس عليه إلى يومنا هذا، ولكني واثقٌ بإذن الله ﷿ أن هذه الصحوة المباركة التي في شباب الأمة الإسلامية سوف تقضي على هذه البدعة، وسوف تزول شيئًا فشيئًا كما تبين ذلك في بعض البلاد الإسلامية، ممن تذكروا حين ذكروا واتعظوا حين وعظوا ولم يعودوا إلى هذه البدعة. قد يقول المبتدع: أنا لم أحدث شيئًا: أنا أصلى على النبي ﷺ، وأذكره بالخير، وأثني عليه، وأحيي ذكراه في القلوب. نقول: هذا حسن: الصلاة على النبي ﷺ محمودة، والثناء عليه بما هو يستحق محمود، وكذلك إحياء ذكراه محمود، ولكن الله ﷿ ورسوله ﷺ شرع لأمته ما تحصل به الذكرى والمحبة على غير هذا الوجه: نحن نذكر الرسول ﵊ في كل عبادة، هذا هو الذي ينبغي لنا أن نفعله، أي: أن نذكر الرسول ﷺ في كل عبادة، وذلك لأن كل عبادة مبنية على أمرين: على الإخلاص لله، والمتابعة لرسوله ﷺ، وحينما تشعر بأنك في عبادتك متبعٌ لرسول الله سيكون هذا ذكرى لرسول الله ﷺ. كذلك أيضًا نحن نذكر النبي ﵊ ونرفع شأنه وذكراه في أعلى الأمكنة في كل يومٍ وليلة خمس مرات، في الأذان، نقول في كل أذان: أشهد أن محمدًا رسول الله، وهذا إحياءٌ لذكراه وإعلاءٌ لشأنه من على المنارات بالأصوات المرتفعة، ونقول أيضًا مرةً ثانية عند القيام للصلاة في الإقامة أشهد أن محمدًا رسول الله، أي ذكرى أعظم من هذه الذكرى؟ كذلك إذا فرغنا من الوضوء نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، كذلك في الصلاة في التشهد نقول: أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله. في كل أحوالنا، في كل عباداتنا نحن نذكر الرسول ﵊؛ لأن العبادة إخلاصٌ واتباع، إخلاصٌ لرب العالمين واتباعٌ لرسول رب العالمين، فهي إحياء الذكرى، فلا حاجة أن نبتدع في شريعة الله ما ليس منها من أجل إحياء الذكرى. ثم إنه- كما قال بعض أهل العلم- إحياء ذكرى الرسول ﵊ في هذه الليلة يوجب أن ينسى ذكر الرسول في غير هذه الليلة، وأن يترقب هؤلاء مجيء هذه الليلة ليحيوا ذكرى رسول الله ﷺ فيها. لهذا نوجه إخواننا المسلمين من على هذا المنبر- ألا وهو: منبر نورٌ على الدرب من إذاعة المملكة العربية السعودية، نوجه جميع إخواننا المسلمين- إلى أن يتدبروا الأمر وينظروا فيه، ويحرصوا على اتباع الرسول ﷺ واتباع الخلفاء الراشدين حيث أمرنا باتباعهم، قال الله تعالى: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ) وانتبه لهذا القيد "اتبعوهم بإحسان" والإحسان اتباع آثارهم حقيقةً فعلًا وتركًا، (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . وقال النبي ﵊: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور) . فليتدبر إخواننا المسلين في بقاع الأرض، ليتدبروا هذه المسألة، وليقولوا في أنفسهم: أنحن خيرٌ أم أصحاب رسول الله ﷺ؟ ولو كان خيرًا لسبقونا إليه. أنحن أشد حبًا لرسول الله ﷺ من أصحابه؟ أنحن أشد حرصًا على الطاعات من أصحابه؟ كل هذا الجواب فيه لا وإذا كان الجواب فيه: لا، فليكن أيضًا الجواب في الاحتفال بذكرى مولده: لا، وليعلموا أنهم إذا تركوا ذلك لله ﷿ وتحقيقًا لاتباع الرسول ﷺ فسيجعل الله في قلوبهم من الإيمان بالله ورسوله ومحبة الله ورسوله ما لم يكن فيها عند وجود هذه الاحتفالات التي يدَّعون أنها ذكرى لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. *** ٥٧٩-بعث بهذه الرسالة إبراهيم محمد عبد الله قدس بالسودان مدينة السوكي يقول: الاحتفال في ليلة الإسراء والمعراج، وهنا في السودان نحتفل أو يحتفلون في ليلة الإسراء والمعراج في كل عام. هل هذا الاحتفال له أصل من كتاب الله ومن سنة رسوله الطاهرة، أو في عهد خلفائه الراشدين، أو في زمن التابعين؟ أفيدوني وأنا في حيرة وشكرًا لكم جزيلًا فأجاب رحمه الله تعالى: ليس لهذا الاحتفال أصل في كتاب الله ولا في سنة رسوله ﷺ ولا في عهد خلفائه الراشدين رضوان الله عليهم، وإنما الأصل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ يردُّ هذه البدعة؛ لأن الله ﵎ أنكر على الذين يتخذون من يشرعون لهم دينًا سوى دين الله ﷿ وجعل ذلك من الشرك، كما قال تعالى: (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) . ولأن رسول الله ﷺ يقول: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . والاحتفال بليلة المعراج ليس عليه أمر الله ولا رسوله ﷺ، ولقول النبي ﷺ محذرًا أمته، يقوله في كل خطبة جمعة على المنبر: (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة) . وكلمة: (كل بدعة) هذه جملة عامة ظاهرة العموم؛ لأنها مصدَّرة بـ (كل) التي هي من صيغ العموم، التي هي من أقوى الصيغ: (كل بدعة)، ولم يستثن النبي ﷺ شيئًا من البدع، بل قال: (كل بدعة ضلالة) .والاحتفال بليلة المعراج من البدع التي لم تكن في عهد الرسول ﷺ ولا في عهد الخلفاء الراشدين الذين أمرنا باتباع سنتهم، وعلى هذا فالواجب على المسلمين أن يبتعدوا عنها، وأن يعتنوا باللب دون القشور، إذا كانوا حقيقة معظمين لرسول ﷺ فإن تعظيمه بالتزام شرعه وبالأدب معه، حيث لا يتقربون إلى الله ﵎ من طريق غير طريقه ﷺ، فإن من كمال الأدب وكمال الاتباع لرسول الله ﷺ أن يلتزم المؤمن شريعته، وأن لا يتقرب إلى الله بشيء لم يثبت في شريعته ﷺ. وعلى هذا فنقول: إن الاحتفال بدعة يجب التحذير منها والابتعاد عنها، ثم إننا نقول أيضًا: إن ليلة المعراج لم يثبت من حيث التاريخ في أي ليلة هي، بل إن أقرب الأقوال في ذلك- على ما في هذا من النظر- أنها في ربيع الأول، وليست في رجب كما هو مشهور عند الناس اليوم، فإذًا لم تصح ليلة المعراج التي يزعمها الناس أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين من شهر رجب، لم تصح تاريخيًا كما أنها لم تصح شرعًا، والمؤمن ينبغي أن يبني أموره على الحقائق دون الأوهام. فضيلة الشيخ: طيب ربما يقال: ما الذي ينبغي للمسلم أن يفعله إذا وافق هذه الليلة مثلًا في أول الربيع أو في رجب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي أن يفعل شيئًا؛ لأن من هم أحرص منا على الخير وأشد منا تعظيمًا لرسول الله ﷺ وهم الصحابة ﵃ ما كانوا يفعلون شيئًا عند مرورها، ولهذا لو كانت هذه الليلة مشهورة عندهم ومعلومة لكانت مما ينقل نقلًا متواترًا لا يمتري فيه أحد، ولكانت لا يحصل فيها هذا الخلاف التاريخي الذي اختلف فيه الناس واضطربوا فيه، ومن المعلوم أن المحققين قالوا: إنه لا أصل لهذه الليلة التي يزعم أنها ليلة المعراج وهي ليلة السابع والعشرين، ليس لها أصل شرعي ولا تاريخي. فضيلة الشيخ: إذًا الاختلاف في وقتها دليل على عدم الاحتفاء بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
المرسلة ل. م. ن. تقول في رسالتها: نحن كل سنة يقام عيد خاص يسمى عيد الأم، وهو في واحد وعشرين آذار يحتفل فيه جميع الناس، فهل هذا حرام أو حلال؟ وعلينا الاحتفال به أم لا وتقديم الهدايا؟ أفيدونا بذلك مشكورين فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على ذلك أن كل الأعياد التي تخالف الأعياد الشرعية كلها أعياد بدع حادثة ما كانت معروفة في عهد السلف الصالح، وربما يكون منشؤها من غير المسلمين أيضًا، فيكون فيها مع البدعة مشابهة أعداء الله ﷾. والأعياد الشرعية معروفة عند أهل الإسلام، وهي: عيد الفطر، وعيد الأضحى، وعيد الأسبوع، وليس في الإسلام أعياد سوى هذه الأعياد الثلاثة، وكل أعياد أحدثت سوى ذلك فإنها مردودة على محدثيها، وباطلة في شريعة الله ﷾؛ لقول النبي ﷺ: (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه غير مقبول عند الله، وفي لفظ: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . وإذا تبين ذلك فإنه لا يجوز العيد الذي ذكرته السائلة والذي سمته عيد الأم، لا يجوز فيه إحداث شيء من شعائر العيد كإظهار الفرح والسرور وتقديم الهدايا وما أشبه ذلك، والواجب على المسلم أن يعتز بدينه ويفتخر به، وأن يقتصر على ما حده الله ورسوله في هذا الدين القيم الذي ارتضاه الله تعالى لعباده، فلا يزيد فيه ولا ينقص منه. والذي ينبغي للمسلم أيضًا أن لا يكون إمعة يتبع كل ناعق، بل ينبغي أن تكون شخصيته بمقتضى شريعة الله ﷾، حتى يكون متبوعًا لا تابعًا، وحتى يكون أسوة لا متأسيًا؛ لأن شريعة الله والحمد لله كاملة من جميع الوجوه، كما قال الله تعالى: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا) . والأم أحق من أن يحتفل بها يومًا واحدًا في السنة، بل الأم لها الحق على أولادها أن يرعوها وأن يعتنوا بها وأن يقوموا بطاعتها في غير معصية الله ﷿ في كل زمان وفي كل مكان. ***
بارك الله فيكم المستمع من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: ما حكم تبادل الهدايا بين الأقارب والأصدقاء في مناسبات أعياد الميلاد وعيد الزواج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الشطر الأول من السؤال فلا أدري هل يريد بذلك- في الأعياد- أعياد الميلاد النصرانية، أو أنه يريد بأعياد الميلاد أعياد الميلاد النبوية التي يفعلها من يفعلها في مناسبة مولد الرسول ﷺ؟ فإن كان يريد الأول: فالتهادي في هذه الأعياد والاحتفال بها واعتقاد أنها أيام فرح وسرور مشاركة للمشركين في أعيادهم، وهو محرمٌ بالاتفاق، كما نقله ابن القيم وغيره، ولا يجوز بذل الهدايا لا للمسلمين ولا للنصارى في أعياد ميلادهم؛ لأن بذل ذلك رضًا بما هم عليه من الملة الشركية الكفرية، والإنسان فيها على خطرٍ عظيم. وأما إذا كان المراد بالأعياد أعياد الميلاد أعياد ميلاد الرسول ﵊ التي ابتدعها من ابتدعها: فالتهادي فيها حكمه حكم اتخاذها عيدًا، واتخاذ أيام ميلاد الرسول ﵊ عيدًا الصحيح من الأقوال أنه غير مشروع؛ لأنه لم يحدث في عهد الرسول ﵊، ولا عهد الخلفاء الراشدين، ولا عهد الصحابة بعدهم، ولا عهد التابعين ولا عهد تابعي التابعين، وأول ما حدث عام ثلاثمائةٍ وواحد وستين من الهجرة، فصار الناس فيه ثلاثة أقسام: قسمٌ مؤيد، وقسمٌ مفند، وقسمٌ مفصل. أما المؤيد فيقول: إن هذا من باب إظهار فرحنا برسول الله ﷺ وتعظيمنا له، حتى لا يقول النصارى: إن المسلمين لا يحتفلون بنبيهم ولا يهتمون به، كما أشار إلى ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية في كتاب "اقتضاء الصراط المستقيم"، فيكون استحسان ذلك من باب دفع اللوم عن الأمة الإسلامية. ومنهم من علل بأن هذا الاحتفال ليس إلا صلاةً على رسول الله ﷺ، وثناءً عليه، وإحياءً لذكره، وهذا أمرٌ مطلوب على وجه العموم، وما كان مطلوبًا على وجه العموم فلا مانع من أن نقوم به عند مناسبته. وأما المفندون له فقالوا: إنه ما من شك في أن محبتنا لرسول الله ﷺ واجبة، وأنه يجب علينا أن نقدم محبته على النفس والولد والوالد والناس أجمعين، وأنه يجب علينا أن نعظمه ما يستحق من التعظيم، ولكن المحبة تستلزم أن لا نتجاوز طريق المحبوب، والتعظيم يستلزم أن لا نتقدم بين يديه، وأن لا نسيء الأدب معه، بل نلتزم بما شرع لنا من الشرائع، ولا نحدث في دينه ما ليس منه. ولا ريب أن الاحتفاء أو الاحتفال بمولد الرسول ﵊ لا ريب أن فاعله إنما يقصد من ذلك التقرب إلى الله ﷿، والتقرب إلى الله تعالى عبادة، والعبادة لا بد فيها من أن تثبت بدليلٍ شرعي؛ لأن الأصل في العبادات المنع إلا ما قام الدليل عليه، وادعاء أن هذا من باب إحياء ذكره وتعظيمه ودفع اللوم عن المسلمين منقوض ومدفوعٌ: بأن ذكر رسول الله ﷺ على قلب كل مؤمن في كل عبادةٍ يفعلها، فإن العبادة لا بد فيها من الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ، وحينئذٍ فإن كل عابدٍ يريد أن يحقق العبادة فسيكون ذكر رسول الله ﷺ على قلبه عند فعل كل عبادة، من أجل أنه يشعر بأنه متبعٌ لرسول الله ﷺ فيها. وأيضًا فإن ذكرى رسول الله ﷺ بما لم يشرعه ليست بحميدة، وفي ذكراه بما شرعه ما يغني عن ذلك وأكثر، فالمسلمون يعلنون في كل يومٍ خمس مرات ذكر اسم الرسول ﷺ على الأماكن العالية، وفي كل صلاة وعند كل صلاة، فلم يغب ذكر رسول الله ﷺ ولله الحمد عن المسلمين في كل وقت لا في الليل ولا في النهار، وهم في غنىً عن هذا الأمر الذي أحدث ولم يكن في عهده ﷺ. وأما المفصلون فقالوا: إن اقتصر الاحتفال بالمولد على مجرد قراءة سيرة النبي ﷺ وذكر شمائله وصفاته والصلاة عليه ﷺ فهذا لا بأس به؛ لأنه عبادةٌ شرع جنسها، ولا مانع من أن تخصص بوقتٍ مناسب. أما إذا كان في هذا الاحتفال ما يناقض ذلك من الغلو برسول الله ﷺ وإنشاد القصائد التي قد تخرج الإنسان من الملة بالشرك الأكبر، أو بالخرافات التي يقوم بها من يحتفلون بهذا المولد من الصفق والصراخ والزعيق، واعتقاد أن الرسول ﷺ حضر ثم يقومون له- زعموا- تبجيلًا وتعظيمًا وما أشبه ذلك، فهذا حرام. ولكن على القول الراجح تفنيد هذا الاحتفال مطلقًا، سواءٌ اشتمل على ما فيه الغلو والخرافات أم لم يشتمل، وكفى بما شرعه النبي ﷺ، كفى به غنية عما سواه. ونحن نقول: إذا دار الأمر بين أن يكون فعلك هذا قربة أو بدعة فالسلامة أسلم، وما دام الله ﷿ لم يكلفك به ولم يأمرك به فاحمد الله على العافية، وجانب ما قد يكون ضررًا عليك، فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه، ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام. ***
السائل أبو معاذ من الرياض يقول: يحتفل الزوجان فيما بينهما بيوم زواجهما، ويجعلان لذلك اليوم خاصية عن الأيام الأخرى وذلك للذكرى، فيتبادلان الهدايا بينهما. فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن ذلك لا يجوز؛ لأنهم يتخذون هذا عيدًا: كلما جاء ذلك اليوم اتخذوه عيدًا يتبادلون فيه الهدايا والفرح وما أشبه ذلك، لكن لو فعلوا هذا عند الزواج ليلة الزفاف أو في أيام الزواج فلا بأس، أما أن يجعلوه كلما مر هذا اليوم من كل سنة فعلوا هذا الاحتفال فلا يجوز؛ لأن الأعياد الشرعية ثلاثة: عيد الفطر، وعيد النحر، وعيد الأسبوع. ***
هذه أختكم في الله م. م. أ. الدوحة قطر تقول: لقد اعتدنا في نصف شهر شعبان كل سنة توزيع بعض الأطعمة والمأكولات على الجيران تصدقًا، فهل هذا العمل بدعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا العمل بدعة، وذلك لأنه لم يكن على عهد النبي ﷺ وأصحابه، وكل ما يتقرب به العبد مما ليس على عهد النبي ﷺ وأصحابه فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي، وإياكم ومحدثات الأمور) . حتى لو فرض أن الإنسان قال: أنا لا أقصد بذلك التقرب إلى الله، ولكنها عادة اعتدناها. نقول: تخصيص العادة بيوم معين يتكرر كل سنة يجعل هذا اليوم بمنزلة العيد، ومن المعلوم أنه ليس هناك عيد في الشريعة الإسلامية إلا ما ثبت في الشريعة، كعيد الفطر، وعيد الأضحى، وكذلك يوم الجمعة هو عيد للأسبوع، وأما النصف من شعبان فلم يثبت في الشريعة الإسلامية أنه عيد، فإذا اتخذ عيدًا توزع فيه الصدقات أو تهدى فيه الهدايا على الجيران كان هذا من اتخاذه عيدًا. ***
هذه مستمعة أم عبيد من جمهورية مصر العربية محافظة الشرقية تقول: في بلدنا بعض العادات التي وجدناها في بعض المناسبات، يعني: في عيد الفطر يعملون الكعك والبسكويت، وأيضًا في السابع والعشرين من رجب يحضرون اللحوم والفاكهة والخبز، كذلك في النصف من شعبان، وفي مولد النبي ﷺ يحضرون الحلوى والعرائس وغيرها، في شم النسيم يحضرون البيض والبرتقال والبلح، وكذلك في عاشوراء يحضرون اللحم والخبز والخضروات وغيرها. ما حكم الشرع يا شيخ محمد في هذا العمل في نظركم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ظهور الفرح والسرور في أيام العيد عيد الفطر أو عيد الأضحى فإنه لا بأس به إذا كانت بالحدود الشرعية، ومن ذلك أن يأتي الناس بالأكل والشرب وما أشبه هذا، وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال: (أيام التشريق أيام أكل وشرب وذكر لله ﷿، يعني بذلك الثلاثة الأيام التي بعد عيد الأضحى. وكذلك في العيد أيضًا الناس يضحون ويأكلون من ضحاياهم ويتمتعون بنعم الله عليهم، وكذلك في عيد الفطر لا بأس بإظهار الفرح والسرور ما لم يتجاوز الحد الشرعي. أما إظهار الفرح في ليلة السابع والعشرين من رجب أو في ليلة النصف من شعبان أو في يوم عاشوراء فإنه لا أصل له، وينهى عنه ولا يحضر إذا دعي الإنسان إليه؛ لقول النبي ﷺ: (إياكم ومحدثات الأمور، فإن كل بدعة ضلالة) . فأما ليلة السابع والعشرين من رجب فإن الناس يدعون أنها ليلة المعراج التي عرج بالرسول ﷺ فيها إلى الله ﷿، وهذا لم يثبت من الناحية التاريخية، وكل شيء لم يثبت فهو باطل، والمبني على الباطل باطل. ثم على تقدير ثبوت أن تلك الليلة ليلة السابع والعشرين فإنه لا يجوز أن يحدث فيها شيء من شعائر الأعياد أو شيء من العبادات؛ لأن ذلك لم يثبت عن النبي ﷺ، فإذا كان لم يثبت عن من عرج به، ولم يثبت عن أصحابه الذين هم أولى الناس به وهم أشد الناس حرصًا على سنته واتباع شريعته، فكيف يجوز لنا أن نحدث ما لم يكن على عهد النبي ﷺ وأصحابه؟ وأما ليلة النصف من شعبان فإنه لم يثبت عن النبي ﷺ في تعظيمها شيء ولا في إحيائها، وإنما أحياها بعض التابعين بالصلاة والذكر، لا بالأكل والفرح وشعائر الأعياد. وأما يوم عاشوراء فإن النبي ﷺ سئل عن صومه فقال: (يكفر السنة الماضية التي قبله) . وليس في هذا اليوم شيء من شعائر الأعياد، وكما أنه ليس فيه شيء من شعائر الأعياد فليس فيه شيء من شعائر الأحزان أيضًا، فإظهار الحزن وإظهار الفرح في هذا اليوم كلاهما خلاف السنة، ولم يرد عن النبي ﷺ إلا صومه، مع أنه ﵊ أمر أن نصوم يومًا قبله أو يومًا بعده، حتى نخالف اليهود الذين كانوا يصومونه وحده. ***
المستمع من جمهورية اليمن الشمالية يقول: عندنا في اليمن مسجد بني ويسمى مسجد معاذ بن جبل المشهور بمسجد الجند، يأتي الناس لزيارته في الجمعة من شهر رجب من كل سنة رجالًا ونساء، هل هذا مسنون؟ وما نصيحتكم لهؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مسنون، أولًا: ً لأنه لم يثبت أن معاذ بن جبل ﵁ حين بعثه النبي ﷺ إلى اليمن اختط مسجدًا له هناك، وإذا لم يثبت ذلك فإن دعوى أن هذا المسجد له دعوى بغير بينة وكل دعوى بغير بينة، فإنها غير مقبولة. ثانيًا: لو ثبت أن معاذ بن جبل ﵁ اختط مسجدًا هناك فإنه لا يشرع إتيانه وشد الرحل إليه، بل شد الرحل إلى مساجد غير المساجد الثلاثة منهي عنه قال النبي ﷺ: (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة: مساجد المسجد الحرام، ومسجدي هذا، والمسجد الأقصى) . ثالثًا: أن تخصيص هذا العمل بشهر رجب بدعة أيضًا؛ لأن شهر رجب لم يخص بشيء من العبادات، لا بصوم ولا بصلاة، وإنما حكمه حكم الأشهر الحرم الأخرى، والأشهر الحرم هي: رجب، وذو القعدة، وذو الحجة، ومحرم، هذه هي الأشهر الحرم التي قال الله عنها في كتابه: (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) . لم يثبت أن شهر رجب خص من بينها بشيء لا بصيام ولا بقيام، فإذا خص الإنسان هذا الشهر بشيء من العبادات من غير أن يثبت ذلك عن النبي ﷺ كان مبتدعًا؛ لقول النبي ﷺ: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين من بعدي، تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ، وإياكم ومحدثات الأمور، فإن كل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة) . فنصيحتي لإخوتي هؤلاء الذين يقومون بهذا العمل بالحضور إلى المسجد الذي يزعم أنه مسجد معاذ في اليمن ألا يتعبوا أنفسهم، ويتلفوا أموالهم ويضيعوها في هذا الأمر الذي لا يزيدهم من الله إلا بعدًا، ونصيحتي لهم أن يصرفوا هممهم إلى ما ثبتت مشروعيته في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ، وهذا كاف للمؤمن. ***
بارك الله فيكم المستمع من محافظة إبين اليمن يقول: هل يجوز لنا أن نقرأ القرآن عند المقابر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن تجوز قراءته في كل وقت وفي كل مكان؛ لأنه من ذكر الله، وقد قالت عائشة ﵂: (قد كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) . إلا أن أهل العلم استثنوا ما إذا كان الإنسان قاعدًا على قضاء حاجته من بول أو غائط فإنه لا يقرأ القرآن؛ لأن هذه الحال غير مناسبة لقراءة القرآن. وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وهو في المقبرة، وهو في السوق يمشي، وهو في المسجد، ويجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وحوله امرأة حائض، بل قد (كان النبي ﷺ يتكئ في حجر أم المؤمنين عائشة ويقرأ القرآن وهي حائض) . لكن تقصد الخروج إلى المقابر والقراءة هناك هذا هو البدعة، فإن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، ولا خصوصية لقراءة القرآن في المقبرة حتى يذهب الإنسان إلى المقبرة ليقرأ فيها، فقراءة القرآن في المقابر: إن كان الإنسان خرج إلى المقبرة من أجل أن يقرأ القرآن هناك فهو بدعة، وإن كان خرج إلى المقبرة للسلام على أهل القبور، أو في تشييع جنازة وهو يقرأ القرآن هناك فإنه لا بأس به. ***
تقول أم مصعب: هل يجوز التلفظ بالنية في صيام الفريضة أو صلاة التطوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التلفظ بالنية في جميع العبادات بدعة، فلا يقول الإنسان عند الوضوء: اللهم إني نويت أن أتوضأ، ولا عند الصلاة: نويت أن أصلى، ولا عند الصدقة: نويت أن أتصدق، ولا عند الصيام: نويت أن أصوم، ولا عند الحج: نويت أن أحج. فالتلفظ بالنية في جميع العبادات لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، ولماذا تتلفظ بالنية؟ أليس النية محلها القلب؟ أليس الله ﷿ يقول: (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ)؟ بلى يقول هذا، فالله عالم بالنية، كيف تعلم ربك بأنك ناوٍ قد يقول: أقول هذا لإظهار الإخلاص لله، فنقول: الإخلاص محله القلب أيضًا، محله القلب، يكفي النية في القلب. ***
السؤال بارك الله فيكم يقول السائل محمد صلاح مقيم بالكويت: هل الدعاء بعد صلاة الفرض بدعة أم مكروه؟ أفيدونا بذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء بعد صلاة الفريضة بدعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يفعله، وكل من تعبد لله تعالى بشيء لم يفعله الرسول ﵊ ولا أمر به ولا ثبت أنه من شريعته فإنه يكون بدعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: (كل محدثة بدعة) . وقد أرشد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إلى وقت الدعاء في الصلاة، فقال ﷺ: (أما السجود فأكثروا فيه من الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم) . وقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعبد الله بن مسعود حين علمه التشهد، قال: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء)، يعني: قبل أن ينصرف من صلاته، وكما أن هذا- أعني: كون الدعاء في الصلاة قبل السلام- هو ما دلت عليه النصوص الشرعية فهو أيضًا مقتضى النظر الصحيح؛ لأن الإنسان ما دام في صلاته فإنه يناجي ربه وهو بين يديه، فكيف يؤخر الدعاء حتى يُسلِّم وينصرف ويقطع الصلة بينه وبين الله تعالى في صلاته؟ هذا خلاف النظر الصحيح، وعلى هذا فنقول: صلاة الفريضة يسن بعدها الذكر، والدعاء قبل السلام؛ لقول الله ﵎: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء: من الآية١٠٣) . وأما الدعاء بعد النافلة فهو أيضًا خلاف السنة، فإنه لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يدعو بعد صلاة النافلة. ونقول: إذا أحببت الدعاء فادع الله تعالى قبل أن تسلم من الصلاة، لما ذكرنا في صلاة الفريضة. فإن قال قائل: أليس قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال لمعاذ بن جبل: (لا تدعن أن تقول دبر كل صلاة مكتوبة: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك) وهذا دعاء؟ قلنا: هذا صحيح، هو دعاء وأوصى به النبي ﷺ معاذ بن جبل، ولكن ما هو دبر الصلاة؟ هل هو ما بعد السلام أو هو آخر الصلاة؟ يجيب على هذا السؤال مقتضى النصوص الشرعية، فالنبي ﷺ جعل ما بعد التشهد محلًّا للدعاء، وفي القرآن الكريم جعل الله تعالى ما بعد السلام ذكرًا فقال: (فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِكُمْ) (النساء: من الآية١٠٣) . وقال النبي ﷺ في حديث ابن مسعود: (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) . وفي هذا البيان يتبين أن الدعاء الذي أمر به رسول ﷺ معاذ بن جبل إنما هو بعد التشهد وقبل السلام، بناء على دلالة القرآن والسنة التي ذكرت آنفًا. وسئل شيخ الإسلام ابن تيمية عن ذلك فقال: (إن دبر كل شيء منه كدبر الحيوان) . وعلى هذا فدبر الصلاة جزء منها ولكنه آخرها، فالدعاء بقول: اللهم أعني على ذكرك وعلى شكرك وعلى حسن عبادتك يكون قبل السلام لا بعده. فإن قال: قائل أليس قد ثبت عن النبي ﷺ أنه إذا سلم من الصلاة استغفر ثلاثًا وقال: اللهم أنت السلام ومنك السلام وهذا دعاء؟ فالجواب: أن هذا دعاء خاص متعلق بالصلاة؛ لأن استغفار الإنسان بعد سلامه من الصلاة من أجل أنه قد لا يكون أتم صلاته، بل أخل فيها إما بحركة أو انصراف قلب أو ما أشبه ذلك، فكان هذا الدعاء بالمغفرة لاصقًا بالصلاة متممًا، وليس دعاء مطلقًا مجردًا. ***
بارك الله فيكم المستمع فلاح من العراق يقول في سؤاله هذا: في يوم الخميس وقبل صلاة العشاء يقوم المؤذن في المسجد بعمل المديح للرسول والدعاء، وغالبًا ما يكون في هذا المديح من شعائر الصوفية كقولهم: يا حبيب الخلق ما لي سواك. ما التوجيه؟ جزاك الله خيرًا ونفع بعلمكم فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا شك أنه بدعة منكرة يجب النهي عنها والبعد عنها، وذلك لأنها لم ترد في كتاب الله ولا سنة رسوله ﷺ ولا سنة الخلفاء الراشدين، وما عدا ذلك فهو بدعة، ولو كان خيرًا لسبقونا إليه، ونحن نعلم ونشهد الله ﷿ أننا لسنا أشد حرصًا من الصحابة على عبادة الله ﷿، ولسنا أعلم بما يحبه الله من الصحابة ﵃، ولسنا أشد تعظيمًا لله من الصحابة ﵃، وهذه أمور مسلمة لا يمتري فيها أحد، وإذا كانت هذه الأمور مسلمة ولم يحصل من الصحابة عمل سوى ما سنه رسول الله ﷺ علمنا بأن الخير في اتباعهم، كما قال الله ﷿: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . فالواجب على جميع المسلمين أن يتحروا سنة رسول الله ﷺ وخلفائه الراشدين فيتبعوها، وأن يبتعدوا عن البدع التي لا تزيدهم من الله إلا بعدًا، مع ما فيها من العناء والمشقة وإفساد القلوب. ثم إن في هذا القصيد الذي أشار إليه السائل ما هو شرك لله ﷿، بل نسيان لله ﷿، كما في قوله: يا حبيب الخلق ما لي سواك، فأين الله؟ إن هذا الرجل الذي يخاطب النبي ﵊ بأنه ليس له سواه يعني أنه نسي الله ﷿، وأن الله تعالى في نظره لم يكن شيئًا، وأن النبي ﷺ هو الذي ينفع ويضر وهو الذي يُدعى ويُستغاث به، وهذا بلا شك من الشرك الأكبر المخرج عن الملة، فمن قاله معتقدًا مدلوله فإنه لا تقبل منه صلاة ولا زكاة ولا صيام ولا حج وعمله مردود عليه حتى يتوب إلى الله، ويجب على المسلمين أن يعرفوا الأمر على حقيقته، وأن رسول الله ﷺ عبدٌ رسولٌ، وأشرف أوصافه أن يكون عبدًا رسولًا، وأنه لا حق له في شيء من خصائص الربوبية، بل قد قال الله آمرًا إياه: (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . فأمره الله أن ينفي ذلك عن نفسه، وأن يبين أنه عبد مأمور مؤتمر: (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) . وقال الله تعالى له: (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا؟ قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا؟ إِلاَّ بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . فأمره الله أن يقول: إنه لا يملك لأحد ضرًّا ولارشدًا، بل هو نفسه لا يملك أن يدافع عن نفسه: (قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدًا) . وأن يبين للناس أنه ليس إلا رسولًا يبلغ رسالة ربه: (إِلاَّ بَلاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالاتِهِ) . والاستثناء هنا منقطع، فـ (إِلاَّ) فيه بمعنى لكن. وقال الله ﷿ آمرًا إياه أيضًا: (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ)، والآيات في هذا المعنى كثيرة، والحوادث الواقعة في عهد النبي ﷺ، التي تدل على أنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا ولا يعلم الغيب كثيرة أيضًا، فعلى المؤمن أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي رسوله وحبيبه ﷺ وأن يعلم أن هذا الغلو الذي يغلو فيه برسول الله ﷺ من الأمور التي يكرهها الرسول ﷺ ولا يقرها، بل ينهى عنها ﵊، وإذا كان صادقًا في محبة الله ورسوله فليتبع الرسول ﷺ على ما جاء من شرعه دون تجاوز أو تقصير، يقول الله تعالى: (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) . وإن الإنسان ليأسف إذا سمع ما يحدث في كثير من البلاد الإسلامية من الغلو برسول الله ﷺ؛ لأن ذلك ينبئ عن أحد أمرين لا مناص منهما: إما قصور في علم من عندهم من أهل العلم، وإما تقصير من أهل العلم في إبلاغ الحق لهؤلاء العوام الذين يقعون في الشرك الأكبر وربما لا يشعرون. فالواجب على أهل العلم الذين حملَّهم الله إياه وأخذ عليهم الميثاق أن يبينوه للناس ولا يكتموه، وأن يدعوا الناس إلى الحق، وأن لا يداهنوا في دين الله، وأن لا يراعوا ضمائر الناس الجهال الذين لا يعلمون عن الحق شيئًا، وأن لا تأخذهم في الله لومة لائم، ولا مانع من أن يتبعوا الطريق التي يكون بها حصول المقصود ولو على الزمن الطويل، بل قد تتعين هذه إذا لم تكن وسيلة أقرب منها، وأما السكوت، وترك العامة على ما هم عليه بموافقتهم ومصاحبتهم في هذا الأمر فهو أمر يؤسف له. ولن تقوم للأمة الإسلامية قائمة حتى تعود- بل في الأصح: حتى تتقدم- إلى ما كان عليه السلف الصالح من تحقيق عبادة الله ﷿ والإخلاص له، وتحقيق متابعة النبي ﷺ وترك البدع، فإنه لن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، نسأل الله أن يجعلنا جميعًا من أهل الصلاح. ***
بارك الله فيكم من اليمن السائل أحمد يقول: فضيلة الشيخ أرجو منكم أن توضحوا لنا هذه المسألة وهي كالتالي: عندنا في بلادنا في معظم المساجد بعد الأذان يدعون بالدعاء الوارد عن النبي ﷺ، وبعد الانتهاء منه يقولون: الفاتحة على روح النبي ﷺ. هل هذا العمل صحيح أم بدعة؟ وجهونا للصواب وجزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كانوا يدعون الدعاء الوارد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعد الأذان على رؤوس المنارات فهذا ليس بسنة إذا جهروا به، أما سرًّا فهو سنة، سواء كنت في المنارة أو في الأرض. وأما قولهم: اقرؤوا الفاتحة على روح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو بدعة منكرة، لا يقال بعد أذان الفجر ولا بعد الأذان الآخر ولا بعد الصلوات ولا في أي مكان. وقراءة الفاتحة على روح النبي ﷺ بدعة لوجهين: الوجه الأول: أنها سفه؛ لأن من قرأ الفاتحة على روحه أراد أن يثاب النبي ﷺ ثواب القراءة، ومعلوم أن قراءتنا للفاتحة يكتب لرسول الله ﷺ مثل ما نؤجر عليه، أي إنه يكتب له مثل أجورنا، وإذا كان يكتب له مثل أجورنا فلا حاجة أن نقول: إنها على روح النبي؛ لأنه قد حصل على الثواب، ويكون قولنا: على روحه أننا حرمنا أنفسنا من ثوابها فقط، هذا من وجه. الوجه الثاني: أن التصدق بالأعمال الصالحة الفاتحة وغيرها على النبي ﷺ لم يفعله الصحابة ﵃، الذين هم أشد حبًّا منا لرسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهم أشد منا حبًّا لما فيه الخير له، وإذا كانوا لم يفعلوه فلنا فيهم أسوة. وعلى هذا فينهى أن يجعل الإنسان أي عمل صالح يعمله لروح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أو يقول: اللهم اجعل ثوابه لنبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، للوجهين الذين ذكرناهما. وإني أنصح هذا السائل بأن يتصل بإخوانه المؤذنين فيقول لهم: إن هذا أمر بدعة وسفه من القول. ***
بارك الله فيكم، المستمع عبد الله محمد من اليمن بعث برسالة يقول فيها: يوجد في قريتنا بعض العادات القديمة التي تحمل الكثير من البدع المدخلة في الشرك والعياذ بالله، مثل: عندما يذكر شخص ميتًا عزيزًا عليه يقوم على الفور بإيقاد النار ووضع البخور عند قبره وتعطيره وإضاءته بالسرج، وكذلك البعض يقوم بذبح الذبائح في القبور، وعندما يمرض مريض يحضر له تراب من قبور أحد الأولياء. وقد وجهت لهم البعض من النصائح وبينت لهم بأن هذا لا يجوز وبأن هذه أباطيل لا يقرها الدين، فلم يستجيبوا لنصحي. نرجو النصح يا فضيلة الشيخ والتوجيه جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إن فتنة القبور فتنة عظيمة كانت من قديم الزمان، وهذه الأفعال التي ذكرها السائل عن قومه منها ما يصل إلى حد الشرك الأكبر المخرج من الملة، كالذبح لأصحاب القبور؛ لأن الذبح عبادة من أجل العبادات، قرنها الله تعالى بالصلاة في قوله تعالى: (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ)، وقوله تعالى: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)، فصرفها لغير الله شرك أكبر؛ لأن كل من صرف شيئًا من العبادة لغير الله فهو مشرك، ولا يخفى على أكثر المسلمين أن المشرك مخلد في النار حابط عمله، قال الله تعالى: (وَلَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، وقال تعالى: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ)، وأما التبرك بترابهم واعتقاد أن الدعاء- أي: دعاء الله ﷿ عند قبورهم أفضل فهذا لا يصل إلى حد الشرك، إلا أن يصحبه عقيدة تؤدي إلى الشرك فهذا يكون شركًا، وكذلك إيقاد النار وصب الطيب على قبورهم، كل هذا من الأمور المنكرة التي يجب على كل مسلم أن يتجنبها. ثم يجب على هؤلاء أن يعلموا أن الميت هو الذي كان حيًا يعرفونه، ويعرفون أنه مثلهم لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًّا، وهو في قبره لا يستطيع أن يدعو لأحد أيضًا، ولا أن يشفع لأحد؛ لقول النبي ﷺ: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: إلا من صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . ودعاؤه عمل، وبمقتضى هذا الحديث أنه انقطع بموته، ولا يمكن أن يشفع أيضًا؛ لأن الله يقول: (مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ) . فتعلق الناس بأصحاب القبور لا شك أنه ضلال، وعلى المرء إذا أصابته المصائب أن يلجأ إلى الله ﷾، قال الله تعالى: (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمُ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) . فلا يلجأ المسلم عند المصائب إلا إلى الله ﷿، فنصيحتي لهؤلاء أن يتقوا الله ﷿، وأن يتوبوا مما وقع منهم، وأن يحذروا إخوانهم من الوقوع فيه، وأن يلجؤوا إلى ربهم ﷾ في جميع أحوالهم، فإن من يتوكل على الله فهو حسبه. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أنور مصري يقول في هذا السؤال: يا فضيلة الشيخ ما حكم وضع المصحف في السيارة من أجل التبرك والحفظ من العين، وأيضًا خشية أن تصدم؟ فأرجو من فضيلة الشيخ إجابة في ذلك مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع المصحف في السيارة دفعًا للعين أو توقيًا للخطر بدعة، فإن الصحابة ﵃ لم يكونوا يحملون المصاحف على إبلهم دفعًا للخطر أو للعين، وإذا كان بدعة فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (كل بدعةٍ ضلالة، وكل ضلالةٍ في النار) . ***
بارك الله فيكم المستمع محمد أ. أيقول: فضيلة الشيخ ما حكم الهلال على المآذن، فقد سمعت بأن هذا أمر مبتدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أود أن أقرأ سؤالًا وجه إلي وأجبت عنه، يقول السائل: إننا تساءلنا مع بعض العمال القادمين إلى بلادنا في موضوع الأهلة التي توضع على المآذن كيف وضعها في بلادكم؟ فأجابونا قائلين: إنها توضع في بلادنا على معابد النصارى وقباب الأمور المعظمة، أفتونا جزاكم الله خيرًا والحالة هذه عن وضعها على مآذن مساجد المسلمين؟ فأجبته: أما وضع الهلال على القبور المعظمة فقد ذكر الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن بن حسن عن شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ الجزء الأول ٢٤٣من الدرر السنية ما نصه: (وعمار مشاهد القبور يخشون غير الله ويرجون غير الله، حتى إن طائفة من أرباب الكبائر الذين لا يتحاشون في ما يفعلونه من القبائح إذا رأى أحدهم قبة الميت أو الهلال الذي على رأس القبة خشي من فعل الفواحش، ويقول أحدهم لصاحبه: ويحك هذا هلال القبة، فيخشون المدفون ولا يخشون الذي خلق السماوات والأرض وجعل أهلة السماء مواقيت للناس والحج. قلت وأما وضع الهلال على معابد النصارى فليس ببعيد، لكن قد قيل: إنهم يضعون على معابدهم الصلبان والله أعلم. ووضع الأهلة على المنائر كان حادثًا في أكثر أنحاء المملكة، وقد قيل: إن بعض المسلمين الذين قلدوا غيرهم في ما يضعونه على معابدهم وضعوا الهلال بإزاء وضع النصارى الصلىب على معابدهم، كما سموا دور الإسعاف بالهلال الأحمر بإزاء تسمية النصارى لها بالصلىب الأحمر، وعلى هذا فلا ينبغي وضع الأهلة على رؤوس المنارات من أجل هذه الشبهة، ومن أجل ما فيها من إضاعة المال والوقت. صدرت هذه الفتوى في الرابع من رمضان عام ثلاثة عشر وأربعمائة وألف)، وأعتقد أنها كافية في جواب سؤال السائل. ***
هذه الرسالة وردت من العيون من الأحساء من المرسل سعد صالح الفجري يقول: مما لا شك فيه أن عدة من توفي عنها زوجها أربعة أشهر وعشرة أيام كما جاء في القرآن الكريم، يفعلون أشياء تخالف الدين عندهم، يقول: وعند انتهاء العدة عندنا عادة، وهي في الليلة الحادية عشرة بعد انقضاء الأربعة الأشهر وعشرة الأيام تخرج هذه المرأة ومعها بعض النساء إلى أحد المساجد، ومعها مجمرة مدخنة أي بخور طيب، وبعد أن تؤدي ركعتين في المسجد تخرج وعندها عدة أحجار ترميها- أي: ترمي هذه الأحجار- في عدة طرق، ويقولون: إن الذي تصيبه هذه الحجارة يموت إلى آخره، هذا ما يحدث نرجو التوضيح أثابكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا شك أنه من البدع، وهو شبيه بما يصنعه النساء في الجاهلية: فإن المرأة كانت ترمي بالبعرة على رأس الحول، ولا يجوز للمرأة أن تفعل مثل هذا الفعل. وإذا انتهت عدة الوفاة- سواء كان بالأشهر الأربعة وعشرة أيام، أو كانت بوضع الحمل إن كانت حاملًا- فإن معنى ذلك أن حكم الإحداد انتهى فقط، وليست مأمورة أن تخرج أو تفعل مثل ما ذكر هذا السائل، أو أن تتصدق بطعام تحمله معها إذا خرجت أول مرة تعطيه أول من تصادفه، كل هذه من الأمور ليست من الشرع. وإنما معنى ذلك: إذا انتهت العدة جاز لها ما كانت ممنوعة منه قبل انتهاء العدة، فيجوز لها أن تخلع ثيابها تلبس الثياب التي تشاؤها، وأن تتطيب وتلبس الحلي، وتفعل ما كانت ممنوعة منه في حال الإحداد. وقولنا: تفعل ليس معناه مطلوب منها أن تفعل ذلك، ولكن نبيح لها أن تفعل ذلك. ***
يقول أيضًا: ما حكم التمسك بالكعبة المشرفة، ومسح الخدود عليها، ولحسها باللسان، ومسحها بالكفوف ثم وضعها على صدر الحاج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من البدع التي لا تنبغي، وهي إلى التحريم أقرب؛ لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ، وغاية ما ورد في مثل هذا الأمر هو الالتزام، بحيث يضع الإنسان صدره وخده ويديه على الكعبة فيما بين الحجر الأسود والباب، لا في جميع جوانب الكعبة كما يفعله جهال الحجاج اليوم، وأما اللحس باللسان أو التمسح بالكعبة ثم مسح الصدر به أو الجسد فهذه بدعة بكل حال؛ لأنه لم يرد عن النبي ﷺ. وبهذه المناسبة أود أن ألفت نظر الحجاج إلى أن المقصود بمسح الحجر الأسود والركن اليماني هو التعبد لله تعالى بمسحهما، لا التبرك بمسحهما، خلافًا لما يظنه الجهلة، حيث يظنون أن المقصود هو التبرك، ولهذا ترى بعضهم يمسح الركن اليماني أو الحجر الأسود ثم يمسح بيده على صدره أو على وجهه أو على صدر طفله أو على وجهه، وهذا ليس بمشروع، وهو اعتقاد لا أصل له، ففرق بين التعبد والتبرك. ويدل على أن المقصود التعبد المحض دون التبرك أن عمر ﵁ قال وهو عند الحجر: (إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت النبي ﷺ يقبلك ما قبلتك) . وبهذه المناسبة أيضًا أود أن أُبين أن ما يفعله كثير من الجهلة: يتمسحون بجميع جدران الكعبة وجميع أركانها فإن هذا لا أصل له، وهو بدعة ينهى عنها. ولما رأى عبد الله بن عباس ﵄ معاوية ﵁ يستلم الأركان كلها أنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا! فأجابه ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ) وقد رأيت النبي ﷺ يمسح الركنين اليمانيين، فرجع معاوية إلى قول ابن عباس ﵄. فدل هذا على أن مسح الكعبة أو التعبد لله تعالى بمسحها أو مسح أركانها إنما هو عبادة يجب أن تُتبع فيها آثار النبي ﷺ فقط. ***
هل الأفضل تقبيل القرآن الكريم أم الحجر الأسود؟ مع العلم بأن الحجر لا ينفع ولا يضر والقرآن ينفع ويضر، وأنا أجد راحة نفسية في تقبيل القرآن الكريم، فهو كلام الله تعالى، علمًا بأن القرآن في زمن الرسول ﷺ لم يكن مجموعًا في مصحف واحد بل كان موزعًا، فماذا تقولون في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في هذا: إن تقبيل المصحف بدعة ليس بسنة، والفاعل لذلك إلى الإثم أقرب منه إلى السلامة فضلًا عن الأجر، فمقبل المصحف لا أجر له، لكن هل عليه إثم أو لا؟ نقول: أما نيته تعظيم كلام الله فلاشك أنه مأجور عليها، لكن التقبيل بدعة، لم يكن في عهد الرسول ﵊ ولم يكن في عهد الصحابة ﵃. وأما قول السائل: إنه لم يجمع في مصحف، فنعم لكنه موجود مكتوبًا في اللخاف وعسب النخل وغيرها، ولم يرد أن الرسول كان يقبل ما كتبت فيه الآية، ولا أن الصحابة يفعلون ذلك في عهده، ولا فعلوه بعد جمع القرآن أيضًا، فدل ذلك على أنه من البدع، حتى لو استراحت نفسك إلى تقبيله فإن ذلك لا يعني أنه مشروع وسنة، ولو رجعنا إلى أذواق الناس وارتياحهم في مشروعية العبادة لكان الدين أوزاعًا وفرقًا، ولكن المرجع في ذلك إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. أما المقارنة بينه وبين الحجر الأسود فهذه المقارنة بين سنة وبدعة، فالحجر الأسود قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم أنه كان يقبله في طوافه، وثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه قال حين قبل الحجر: (والله إني لأعلم أنك حجر لا تضر ولا تنفع، ولولا أني رأيت رسول الله ﷺ يقبلك ما قبلتك) . إذًا فتقبيلنا للحجر الأسود ليس لأنه ينفعنا الحجر أو يضرنا، ولكن اتباعًا للسنة سنة الرسول ﷺ. ولو قبَّل النبي ﷺ الحجر وجميع الأركان لفعلنا، لكنه لم يقبل إلا الحجر، ولهذا لا يوجد شيء في الدنيا يشرع تقبيله إلا الحجر الأسود فقط، كما جاء ذلك في الطواف عن النبي ﷺ. وأما قوله: إن الحجر لا يضر ولا ينفع والقرآن يضر وينفع، فهذا غلط أيضًا، نفسه- نفس الحروف، أو نفس المصحف الذي كتبت به الحروف- لا يضر ولا ينفع، الذي يضر وينفع هو العمل بالقرآن. تصديقًا للأخبار، وامتثالًا للأوامر، واجتنابًا للنواهي. كذلك الحجر هو نفسه لا ينفع ولا يضر، لكن تقبيلنا إياه عبادة يحصل لنا بها ثواب، وهذا انتفاع. ***
جزاكم الله خيرًا يقول السائل: أرى قلة من المصلىن بعد الانتهاء من الصلاة وعند الخروج يمسحون أيديهم بالجدار المحيط ببيت الرسول ﷺ، ويمسحون صدورهم ووجوههم. هل هذا من البدع؟ وإذا كان من البدع أرجو النصح لمثل هؤلاء، جزاكم الله خيرًا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع بلا شك؛ لأنه لا يشرع مسح شيء في الدنيا من البنايات إلا مسح ركنين: الأول الحجر الأسود، والثاني: الركن اليماني، وكلاهما في الكعبة المشرفة، ولقد رأى ابن عباس ﵄ معاوية ﵁ وهو يمسح جميع الأركان فأنكر عليه، فقال له معاوية: ليس شيء من البيت مهجورًا! فقال ابن عباس: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ)، وما رأيت النبي ﷺ يمسح من الأركان إلا الركنين- يعني بذلك: الحجر الأسود والركن اليماني-، فكف معاوية ﵁ عن مسح جميع الأركان. فتجد ابن عباس ﵄ أنكر على معاوية ﵁ مسح جوانب الكعبة التي لم يرد عن النبي ﷺ أنه كان يمسحها، فما بالك بجدران أخرى؟ والحكمة من كون الركنين اليمانيين في الكعبة يمسحان دون الركنين الآخرين: أن الركنين الآخرين ليسا على قواعد إبراهيم؛ لأن الكعبة كانت أكثر امتدادًا نحو الشمال مما كانت عليه الآن، ولكن قريشًا لما أرادوا أن يعمروها قصرت بهم النفقة، فرأوا أن يبنوا هذا الجزء وأن يدعوا الجزء الآخر، واختاروا أن يكون المتروك الجزء الشمالي لأنه ليس فيه الحجر. وبذلك نعرف أن الحِجر الموجود الآن ليس كما يزعم العامة حِجر إسماعيل، فإن هذا الحِجر إنما أحدث أخيرًا في عهد الجاهلية، فكيف يكون حِجرًا لإسماعيل؟ لكنه يسمى الحجر والحطيم، ولا يضاف إلى إسماعيل إطلاقًا. ونصيحتي لهؤلاء القوم الذين يتمسحون بحجرة قبر النبي ﷺ أن يتقوا الله ﷿، وأن يعبدوا الله بما شرعه لا بأهوائهم، فإن الله تعالى يقول: (وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ) . وكل إنسان يعبد على خلاف شريعته فإنه عمل مردود عليه، وهو آثم به إن كان عالمًا بأنه مخالف للشريعة؛ لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما صح عنه: (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد)، وفي لفظ: (من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو رد) أي: مردود عليه. ***
جزاكم الله خيرًا هذا السائل من الأردن يقول: فضيلة الشيخ ما رأي فضيلتكم في أن كثيرًا من الناس يعملون البدع، وعندما ننهاهم عن ذلك العمل ونرشدهم إلى الأدلة الصحيحة يقولون: يا أخي نحن نمقت هذا الكلام، وأنتم تريدون التضييق علينا، نحن راضون بعملنا هذا. وجهونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانوا يمقتون هذا الكلام لأنه صدر من المتكلم لا لأنه شريعة الله فالأمر في هذا هين، أما إذا كان يكرهون هذا الكلام لأنه من شريعة الله فهم على خطر عظيم، فإن الله تعالى قال في كتابه: (ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ) . ثم على الاحتمال الأول أنهم كرهوا قول هذا القائل نقول لهم: لماذا تكرهونه؟ أليس عنده دليل؟ ويجب على المؤمن إذا بان له الدليل أن يترك ما كان عليه إذا ما دل عليه الدليل؛ لقول الله ﵎: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) . فلا يجوز لأحد أن يعارض شريعة الله بعادات قومه؛ لأن من عارض شريعة الله بعادات قومه صار مشابهًا لقول أولئك القوم الذين دعتهم الرسل إلى التوحيد فقالوا: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ) . ***
هذه الرسالة وردتنا من جدة من المستمع أحمد قايد يقول في رسالته: بعد السلام نرجو التكرم بإفادتنا من الناحية الإسلامية والشريعة حول ما هو وارد في الخطاب المرفق، حيث إنها أصبحت ظاهرة غريبة في جميع أنحاء جدة، والجميع يروون هذا الكلام ويعملون هذه الأوراد، ونريد أن نعرف رأي الإسلام في هذا الشأن مع الإسراع لنا بالإجابة وفقكم الله. الورقة التي أرسلها ذكر فيها بعض آيات يقول فيها: (بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنْ الشَّاكِرِينَ) وآيات بعدها يقول: ثم ترسل هذه الآيات الكريمة لتكون مجذبة خير وحسن طالع وفلاح.. الخ. ويقول فيها أيضًا: فعليك أن ترسل نسخًا من هذه الرسالة لمن هو في حاجة إلى الخير والفلاح، وإياك أن ترسل معتذرًا، وإياك أن تحتفظ بهذه الرسالة، يجب أن ترسلها وتتخلى عنها بعد ست وتسعين ساعة بعد قراءتك لها، سبق وأن وصلت هذه الرسالة إلى أحد رجال الأعمال فوفق إلى كذا وكذا الخ. يقول: ما حكم هذه الرسالة؟ أو كيف نعمل بهذه الرسالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الرسالة كذب محض، فإن كون هذه الآيات التي ساقها سبب للسعادة والفلاح، وعدم تداولها سبب للشقاء والهلاك هذا أمر يتوقف على وحي، ولم يكن في ذلك وحي لا في القرآن ولا في السنة، فهي كذب محض. ثانيًا: اعتقاد أن ذلك صحيح طعن في الدين؛ لأن هذا لو كان صحيحًا لكان مما تتوفر الدواعي على نقله، وكان مما يجب على النبي ﷺ تبليغه، ولم يُنقل عن الرسول ﵊، فدل هذا على أنه لم يبلغه، وإذا لم يبلغه فادعى إنسان أنه سبب لكذا وكذا من الأمور التي يذكرها فإن ذلك طعن في الإسلام، حيث كان الإسلام ناقصًا وجاء هذا الرجل فأكمله. الأمر الثالث أن نقول: إن كان هذا الذي قاله هذا القائل في هذه الآيات حقًا فأين رسول الله ﷺ وأصحابه عنه؟ وإن كان باطلًا فإنه لا يجوز نشره ولا العمل به ولا تصديقه، بل يجب رده. الأمر الرابع: أن الواقع يكذب ما جاء في هذه الرسالة والآيات، فهو عندكم فيما أظن له أكثر من أربعة، أيام وقد ذكر فيه- لأني قرأته قبل أن تقرأه أنت- أن الإنسان إذا لم يعمل به خلال أربعة أيام فإنه يصاب بكوارث، والحمد لله أنك لم تصب بكوارث، وهو أيضًا قد جاءنا في القصيم قبل نحو خمس سنوات وشاع بين الناس، وأخذناه نحن ومزقناه على المنبر في الجمعة، تكلمنا عنه في الجمعة على المنبر، وأخذت منه كمية بيدي ومزقتها أمام المصلىن، ولم أصب ولله الحمد بكوارث. فإذًا هذه الأدلة كلها تدل على أن هذا كذب، وأنه خزعبلات ممن تكلم به وأشاعه بين الناس. والذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يلتفتوا إلى مثل ما يروجه هؤلاء الكذابون، بل يرجعوا إلى كتاب الله وإلى صحيح السنة الوارد عن رسول الله ﷺ وفيهما الكفاية، أما مثل هذه الأمور وما يوجد في كتب الوعظ من الأمور المخالفة للشريعة فإنه لا يجوز الاعتماد عليها، بل ولا يجوز لأئمة المساجد أن يقرؤوا بمثل هذه الكتب أو يروجوا مثل هذه المنشورات؛ لما في ذلك من الضلال، وفي كتاب الله تعالى وفيما صح عن رسوله ﷺ كفاية. وأنا أقول للأخ السائل: جزاه الله خيرًا على إرسال هذه إلى هذا البرنامج، لعله يكون فيه بيان للناس ونور يهتدون به في مثل هذه الأمور. كما أنه قبل سنوات أيضًا وردت رسالة من رجل يسمي نفسه أحمد خادم المسجد النبوي، ذكر فيها أنه رأى الرسول ﷺ، وأنه أوصاه بوصايا لا تحضرني الآن، وهذه الرسالة المكذوبة أو الرؤيا المكذوبة تكلم عنها الشيخ محمد رشيد رضا منذ نحو ثمانين سنة، وبين أنها قد شاعت وذاعت، وأنها كذب لا أصل لها، وهو صادق فإنها كذب لا أصل لها. فعلى كل حال مثل هذه المنشورات التي يروجها هؤلاء الكذابون الوضاعون الذين لا يخافون الله ولا يرحمون عباد الله ولا يدينون لله تعالى دين الحق؛ لأنهم لو دانوا لله دين الحق لتأدبوا بين يدي الله ورسوله، ولم يتخذوا وسيلة لهداية الناس إلا كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، فهؤلاء المروجون نرجو من الله تعالى أن يهديهم بسلطان الوحي حتى يتعظوا ويتذكروا ويرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، أو أن يهديهم بسلطان الولاية والأخذ على أيديهم بالتتبع لهولاء حتى يرجعوا، وحتى يكون الناس في أمن من شرهم ومنشوراتهم. ***
سمعت أو قرأت عن تلك الوصية التي تلقاها الشيخ أحمد حارس الحرم النبوي الشريف وهو نائم من رسول الله ﷺ يريد بها تنبيه المسلمين في تقليل الفساد واتباع الطريق القويم إلى آخره، ثم قرأت كتابًا صادرًا عن مؤسسة في المملكة العربية يُكذِّب تلك الوصية، فما هي الحقيقة أصلًا؟ وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أصلًا أن هذه الرؤيا المنامية كانت تُشاع وتُذاع من قبل أكثر من مائة سنة، وقد تكلم عليها الشيخ محمد رشيد ﵀، وبين أنها مكذوبة وباطلة، وكذلك أيضًا في المملكة العربية السعودية تكلم علماؤها على هذه الوصية، وبينوا أنها باطلة ومكذوبة، وهذا هو الحق. وإذا كان لابد لقبول الخبر من معرفة المُخْبر به وكونه عدلًا غير متهم فكذلك هذه المسألة، فمن هو الشيخ أحمد خادم الحرم؟ وما هو حاله؟ وهل هو ثقة أو غير ثقة؟ ثم إن هذه الوصية تقتضي أن يكون الدين غير كامل، والنبي ﵊ ما توفاه الله حتى أتم به الدين، وحتى كانت المواعظ الموجودة في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله ﷺ كافية للأمة، مقوِّمة لعقائدهم وعباداتهم وأخلاقهم ومناهجهم في حياتهم، فليسوا بحاجةٍ إلى مثل هذه الرؤيا المنامية المجهول صاحبها عينًا وحالًا. ولهذا لا يجوز للمسلم أن يعتبرها صحيحةً، ولا أن يُشيعها بين الناس، بل عليه أن يمزقها ويحرقها، سواء أتت إليه أو رآها عند غيره إذا تمكن من ذلك، وإلا فلينصحه بإحراقها وإتلافها. فضيلة الشيخ: هل ما جاء فيها حصل فعلًا أم لا؟ لأنه ذكر أنها ستقوم الساعة وكذا وكذا إلى آخره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا ما يحضرني ما الذي جاء فيها، لكن نتكلم عنها أصلًا لم تصح، فإذا كانت لم تصح أصلًا لم تصح جملة وتفصيلًا. ***
المستمع من حضرموت اليمن الجنوبي م. س. ع. يقول عندنا رجل رأى النبي ﷺ في المنام وهو يعلمه كلمات ويدعو بها، فلما أصبح قام بطبع هذا الدعاء ووزعه على الناس ما الحكم في هذا العمل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا العمل لا يؤخذ منه حكم شرعي، وسنة الرسول ﵊ بل شريعة الرسول ﷺ كملت قبل موته صلوات الله وسلامه عليه، فلا تشريع بعد موت الرسول ﵊ أبدًا، والإنسان إذا رأى شخصًا ووقع في نفسه أنه الرسول ﷺ فإنه لا يكون الرسول، بل لا بد أن يكون هذا الشخص الذي رآه الإنسان مطابقًا لما نقله أهل العلم في صفة رسول الله ﷺ، وأما مجرد أن يقع في نفس النائم أن هذا رسول الله فهذا ليس دليلًا على أنه رسول الله حقًا. ثم إن هذا الدعاء الذي ادعاه هذا المدعي إن كانت قد جاءت به السنة فهو سنةٌ من قبل، وإن كانت السنة لم تأتِ به من قبل فإنه لا يجوز أن يطبعه ويوزعه؛ لأنه لا تشريع بعد وفاة الرسول صلوات الله وسلامه عليه. ***
التوسل
جزاكم الله خيرًا هل هناك توسل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنواع التوسل الجائزة كثيرة شرعية، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه على سبيل العموم، ومنه حديث عبد الله بن مسعود ﵁ في دعاء الهم والغم: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أوعلمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك)، فهذا توسل إلى الله تعالى بأسمائه كلها ما علمنا منها وما لم نعلم. والثاني: التوسل إلى الله تعالى باسم خاص يكون مناسبًا للمطلوب، كقول القائل: اللهم يا غفور يا رحيم يا كريم اغفر لي وارحمني وتكرم علي، وما أشبه ذلك، وهذا مما جاء في السنة، فإن أبا بكر ﵁ قال للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: يا رسول الله علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال له النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم)، فهنا دعاء وتوسل: (اغفر لي مغفرة من عندك وارحمني) دعاء و(إنك أنت الغفور الرحيم) توسل إلى الله تعالى بهذين الاسمين المناسبين لما دعا به الداعي، وهو أيضًا توسل إلى الله تعالى بصفته، أي بصفة من صفاته في قوله: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت) . الثالث: التوسل إلى الله ﵎ بصفة من صفاته، كما في حديث الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخره، وكما في القراءة على المريض: (أعوذ بعزة الله وقدرته من شر ما أجد وأحاذر)، وكما في قوله: (اللهم برحمتك أستغيث) وما أشبه ذلك. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، أن يتوسل إلى الله تعالى في طلب حاجة من الحاجات بفعلٍ فعله ﷾ نظير ما طلب، ومنه: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. الخامس: التوسل إلى الله ﵎ بذكر حال الداعي، وأنه محتاج ومضطر إلى الله، كما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، فهنا سأل الله ﵎ بوصف حاله، وأنه محتاج مفتقر إلى الله ﵎. السادس: التوسل إلى الله ﵎ بدعاء من ترجى إجابته، أي: أن يدعو لك من ترجى إجابته، ومنه توسل الصحابة بدعاء النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كما ذكرناه آنفًا، ومنه قول عمر ﵁ حين استسقى: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا. فيقوم العباس فيدعو فيسقون) . هذه أنواع كلها جائزة. ***
مصري يعمل بالدمام يقول: ما هي أنواع التوسل؟ وهل يجوز التوسل بالرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل نوعان: نوع جائز ونوع ممنوع، بل نوع مشروع ونوع ممنوع. فمن التوسل المشروع: أن يتوسل الإنسان بأسماء الله وصفاته، فيقول: يا غفور يا رحيم اغفر لي وارحمني، أو يقول: اللهم اغفرلي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، أو ما أشبه ذلك. والتوسل الممنوع: أن يتوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أي: بجاهه أو بذاته فإن هذا ممنوع، وبدعة لم يكن الصحابة ﵃ يفعلون ذلك، ثم إنه توسل بوسيلة لا تنفعك؛ لأن جاه النبي ﵊ أو ذات النبي لا تتعدى إلى غيره، ولكن لو توسل بالإيمان بالرسول أو بمحبة الرسول كان ذلك جائزًا. ***
صلاح عبد الله من السودان بعث برسالة يقول فيها: كيف أدعو بالأسماء الحسنى؟ هل أدعو بالتسعة والتسعين؟ أرجو من فضيلة الشيخ إجابة فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وليس المعنى أن ندعوه بجميع هذه الأسماء؛ لأن النبي ﷺ كان يدعو الله بأسمائه من غير أن يجمعها كلها. وكيفية الدعاء بالأسماء: أن تقدمها بين يدي دعائك متوسلًا بها إلى الله، أو أن تختم بها دعاءك، مثال الأول أن تقول: اللهم يا غفور اغفر لي يا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك، ومثال الثاني أن تقول: رب اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. وقد طلب أبو بكر الصديق من النبي ﷺ أن يعلمه دعاء يدعو به في صلاته فقال له النبي ﷺ: قل: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم) . وكما يجوز التوسل إلى الله تعالى بأسمائه عند الدعاء فإنه يجوز أن يتوسل الإنسان بصفات الله عند الدعاء، كما في الحديث الصحيح: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بعلمه وقدرته. وكذلك قول القائل في دعاء الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، فإنك تقدر ولا أقدر، وتعلم ولا أعلم، وأنت علام الغيوب) . فالتوسل إلى الله تعالى في الدعاء بأسمائه أو بصفاته- سواء كان ذلك على سبيل العموم أو على سبيل الخصوص- هو من الأمور المطلوبة، وقد عرفت الأمثلة في ذلك، ومن التوسل بأسماء الله على سبيل العموم ما جاء في حديث ابن مسعود ﵁ في دعاء الهم والغم: (اللهم إني عبدك ابن عبدك ابن أمتك، ناصيتي بيدك، ماض فيَّ حكمك، عدل فيَّ قضاؤك، أسألك اللهم بكل اسم هو لك، سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري، وجلاء حزني، وذهاب همي وغمي. فإنه ما دعا به داعٍ مهموم أو مغموم إلا فرج الله به عنه) . ففيه التوسل بأسماء الله عامة: أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك، لكنه لم يعددها. ***
السائل سيد محمد من جمهورية مصر العربية له هذا السؤال يقول: هل التوسل إلى الله بالأنبياء والمرسلين والصالحين جائز؟ نرجو أن توضحوا لنا ذلك يا فضيلة الشيخ مع الدليل الواضح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل إلى الله ﷾ هو أن يذكر ما يوصله إلى مقصوده، فإن ذكر ما لا أثر له في ذلك متوسلًا به إلى الله فإن هذا التوسل بدعة. وبناءً على هذا نقول: التوسل بالأنبياء إن كان المراد التوسل باتباعهم ومحبتهم والإيمان بهم فهذا لا بأس به وهو أمر مشروع، ولكنه لا ينبغي للمتوسل أن يقول: أتوسل إليك بنبيك أو بأنبيائك أو ما أشبه ذلك، بل يقول: أتوسل إليك بمحبة أنبيائك واتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فلا يحذف المضاف بل يذكره؛ لأنه إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك فقد يظن الظان أنه توسل بدعي، والتوسل البدعي هو يتوسل بذوات الأنبياء فيقول: أسألك بنبيك أسألك بأنبيائك أسألك بجاه نبيك أسألك بجاه أنبيائك وما أشبه ذلك، فإن هذا التوسل بدعي، وذلك لأن هذا التوسل لا يوصل إلى المقصود، إذ إن جاه النبي لا ينفعك فلا يصح أن يكون وسيلة لحصول مطلوبك، وجاه الأنبياء إنما يختص بهم فقط. وعلى هذا فمن سمعته يقول: أتوسل إليك بالأنبياء فلا تحكم عليه ببدعة ولا سنة، قل: ماذا تريد؟ إذا قال: أنا أريد أن أتوسل بذات الأنبياء وأشخاصهم فقل: هذا بدعة، وإذا قال: أريد أن أتوسل إليه بجاه الأنبياء؛ لأن لهم جاهًا عند الله قل: هذا بدعة أيضًا؛ لأن هذا ليس بوسيلة ولا ينفعك. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بحبي لهم فهذا حق؛ لأن محبة الأنبياء عبادة توصل إلى المقصود وتؤثر في إجابة الدعوة. إذا قال: أتوسل إليك بأنبيائك أي بالإيمان بهم فهذا حقيقة؛ لأنه عبادة، كما قال تعالى: (قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم ...) إلى آخره. إذا قال: أتوسل إليك باتباع الأنبياء نقول: هنا يجب التوقف؛ لأن الأنبياء السابقين لا يلزم اتباعهم فيما يخالف شرعنا، ولكن قل: أتوسل إليك باتباع نبيك محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فحينئذٍ يكون صحيحًا وإني بهذه المناسبة أود أن أبين أن التوسل منه ممنوع ومنه جائز. فالممنوع: أن يتوسل بما ليس بوسيلة؛ لأن التوسل بما ليس بوسيلة إما بدعة وإما شرك، والتوسل الجائز: أن يتوسل بما هو وسيلة، وهو أنواع: النوع الأول: أن يتوسل إلى الله بأسمائه فيقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى أن تغفر لي، فهذا جائز؛ لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، ولحديث ابن مسعود ﵁ في دعاء الهم والحزن أن يقول: (اللهم إني أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك......) إلى آخره. الثاني: هو التوسل إلى الله بصفاته، فهذا أيضًا جائز مشروع مثل: (اللهم إني أسألك بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أن تحييني ما علمت الحياة خيرًا لي، وأن تتوفاني ما علمت أن الوفاة خير لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بصفاته، ومنه قول القائل: يا رحمان برحمتك أستغيث. الثالث: أن يتوسل إلى الله بأفعاله بأفعال الله فتقول: اللهم كما أنعمت علي بالمال فأنعم علي بالعلم، أو تقول: اللهم كما أنعمت علي بالعلم فأنعم علي بالمال الذي يكفيني عن خلقك، ومنه قول النبي ﷺ: (قولوا: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، إنك حميد مجيد) فإنه هنا توسل إلى الله بفعله السابق الذي أنعم به على إبراهيم وآل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: أن يتوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قول أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ)، فتوسلوا إلى الله تعالى بالإيمان به. الخامس: أن يتوسل إلى الله بالعمل الصالح، ومنه قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) . ومنه حديث الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار حين أووا إليه، فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عن دفعها، فتوسلوا إلى الله بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم بالبر التام، وتوسل الثاني بالعفة التامة، وتوسل الثالث بالأمانة، ففرج الله عنهم. السادس: أن يتوسل إلى الله ﷾ بذكر حاله، وأنه فقير ظالم لنفسه محتاج لربه، ومنه قول موسى عليه الصلاة السلام: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومنه قول الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي)، فهذا توسل إلى الله تعالى بحال الداعي. السابع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، مثل قول الرجل الذي دخل على النبي ﷺ وهو يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه ودعا، وهذا الرجل سأل النبي ﷺ أن يدعو لنفع عام للمسلمين. وأما سؤال الرجل من يعتقد فيه صلاحًا أن يدعو له هو بنفسه فالأفضل تركه؛ لأن هذا فيه نوع من السؤال الذي يوجب ذل السائل أمام المسؤول، وربما يكون فيه اغترار للمسؤول، حيث يرى نفسه أنه رجل صالح يسأل الدعاء، وفيه أيضًا أن الإنسان قد يتكل على طلبه من هذا الرجل الصالح أن يدعو له فلا يدعو هو لنفسه. وأما ما يذكر من أن النبي ﷺ قال لعمر بن الخطاب: (لا تنسنا يا أخي من دعائك) فهذا ضعيف، لا يصح عن النبي ﷺ. وأما ما جاء في الحديث من وصية الرسول ﷺ -من أدرك أويسًا القرني أن يطلب منه الدعاء- فهذا خاص به، ولهذا لم يأمر النبي ﷺ أحدًا أن يطلب من صالح من الصحابة أن يدعو له، والصحابة أفضل من أويس القرني كأبي بكر، عمر، عثمان، علي، ابن مسعود، ابن عباس وغيرهم من الصحابة أفضل من أويس بلا شك، ومع ذلك لم يقل النبي ﵊ لأحد من الناس: من لقي أبا بكر فليطلب منه الدعاء أو نحو ذلك، فهذه أنواع التوسل الجائزة، وينبغي للإنسان إذا توسل بأسماء الله أن يتوسل بها عمومًا مثل: أسألك بكل اسمٍ هو لك، فأما إذا أراد أن يتوسل باسم خاص فليكن هذا الاسم مطابقًا للسؤال، فإذا كان يريد المغفرة فيقول: اللهم يا غفور اغفر لي، أو يقول: اللهم اغفر لي إنك أنت الغفور الرحيم، حتى تكون الوسيلة مطابقة للمطلوب. ولا يليق إطلاقًا أن يقول قائل: اللهم يا شديد العقاب اغفر لي واعف عني وما أشبه ذلك؛ لما في ذلك من التضاد بين الوسيلة والمطلوب. وقد قال أبو بكر ﵁ للنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: علمني دعاء أدعو به في صلاتي؟ فقال: (قل: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرةً من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، وهذا جمع بين وسائل متعددة: منها ذكر حال الداعي: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا)، ومنها: الثناء على الله ﷿ بصفة من صفاته: (ولا يغفر الذنوب إلا أنت)، ومنها: التوسل بالأسماء في قوله: (إنك أنت الغفور الرحيم) . ***
الله يحييك يا فضيلة الشيخ هذه رسالة وصلت من المستمع أبي حمزة من المدينة المنورة يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بجاه النبي ﷺ، وكذلك التوسل بالأنبياء والصالحين، وأسأل عن الفرق بين التوسل بالأحياء وبين التوسل بالأموات، وما هو التوسل الجائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن هذا السؤال كما ذكرت سؤال مهم ينبغي البسط في الإجابة عليه. فأقول: التوسل هو: اتخاذ وسيلة لبلوغ الغاية المقصودة، وهو قريب من معنى التوصل، يعني: أن الوسيلة للشيء الذي يوصل إلى المقصود، ولا بد أن تكون الوسيلة موصلة إلى المقصود حسًا أو شرعًا، فإن لم تكن كذلك كان التشاغل بها من العبث. ثم إن كانت في مقام التعبد كانت بدعة، وإلا كانت لغوًا وعبثًا، والتوسل إلى الله ﷿ كله من باب العبادة؛ لأن المقصود الوصول إلى الله ﷿ وإلى مرضاته، وما كان وسيلة لهذا فهو عبادة، وإذا كان عبادة فإنه يتوقف على ما جاءت به الشريعة، ولا يجوز أن نحدث وسيلة لم تأت بها الشريعة- أي: لا يجوز أن نحدث وسيلة إلى الله عز جل لم تأت بها الشريعة- وعلى هذا نقول: التوسل نوعان: توسل ممنوع، وتوسل جائز مشروع. فأما التوسل الممنوع فضابطه: أن يتوسل الإنسان إلى الله بما لم يثبت شرعًا أنه وسيلة، فمن ذلك التوسل بالأموات، فإنه محرم، وربما يكون شركًا أكبر مخرجًا عن الملة، ومن ذلك أيضًا أن يتوسل الإنسان بجاه النبي ﷺ على القول الراجح، وذلك لأن جاه النبي ﷺ من أعظم الجاهات عند الله ﷿، فإذا كان موسى وعيسى من الوجهاء عند الله فمحمد ﷺ أفضل وأولى بالجاه من غيره، ولكن الجاه لا ينتفع به إلا من استحقه، وأما الداعي فلا ينتفع به لأنه لا يستفيد منه شيئًا، والنبي ﵊ منزلته عند الله إنما تكون نافعة له وحده، أما غيره فلا ينفعه عند الله إلا الإيمان بالرسول ﵊ وبما جاء به وما كان وسيلة شرعية. وأما النوع الثاني وهو التوسل الجائز فإنه أقسام: الأول: التوسل إلى الله بأسمائه، مثل أن تقول: اللهم إني أسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي مثلًا، فهذا جائز، قال الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . وفي حديث ابن مسعود المشهور في دفع الهم والغم: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي) إلى آخره، فهنا قال: (أسألك بكل اسم هو لك سميت به نفسك) الحديث. فالتوسل إلى الله بأسمائه توسل صحيح مشروع، سواء توسلت بأسمائه عمومًا مثل أن تقول: أسألك بأسمائك الحسنى، أسألك بكل اسم هو لك، أو باسم معين من أسمائه كما لو قلت: اللهم أنت الغفور الرحيم فاغفر لي وارحمني. الثاني: التوسل إلى الله بصفاته، كما جاء في الحديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . فهنا سأل الله بصفة من صفاته: بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق. ومنه توسل الاستخارة: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) . الثالث: التوسل إلى الله بأفعاله، بأن تتوسل بفعل من أفعال الله تعالى فعله في غيرك ليجعل لك مثل ما فعل في غيرك، ومن ذلك: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد. فهنا توسلنا إلى الله بفعل من أفعاله، وهو: صلاته على إبراهيم وعلى آل إبراهيم أن يصلى على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله بالإيمان به، ومن ذلك قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . فتقول: اللهم إني أسألك بإيماني بك وبرسولك أن تغفر لي، وأن تؤمنني من الفزع الأكبر يوم الدين، وما أشبه ذلك. الخامس: التوسل إلى الله بالأعمال الصالحة، بأن يتوسل الإنسان بعمله الصالح إلى الله ﷿ ليعطيه ما أراد، ومن ذلك قصة أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة وهم في الغار ولم يستطيعوا زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بأعمالهم الصالحة: توسل أحدهم ببر والديه، وتوسل الثاني بعفته عن الزنى، وتوسل الثالث بوفائه بأجر صاحبه أي بأجرة صاحبه، فقبل الله منهم وانفرجت الصخرة وخرجوا يمشون. السادس: التوسل إلى الله ﷿ بدعاء الصالحين، ومن ذلك طلب الصحابة ﵃ من النبي ﷺ أن يدعو لهم، مثل طلب الرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي ﷺ، فأغاثهم الله. وكذلك قول عكاشة بن محصن- حين تحدث النبي ﷺ عن السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب فقال:- يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم. قال: (أنت منهم) . هذا هو التوسل المشروع بالنسبة للصالحين: أن تتوسل إلى الله بدعائهم، أما أن تتوسل إلى الله بذواتهم فهذا من التوسل غير المشروع، بل من التوسل الممنوع. والسابع: أن يتوسل إلى الله ﷿ بذكر حاله، وهذا هو التعطف والتحنن- أي: طلب العطف وطلب الحنان- ومن ذلك قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . فتقول: اللهم إني فقير عاجز معدم ضعيف وما أشبه ذلك، فتشكو حالك إلى الله، فهذه الشكاية تعتبر وسيلة إلى رحمة الله ومغفرته ومنته. هذه هي الأقسام المشروعة في التوسل، وأما التوسل بغير ما ورد فإنه من التوسل الممنوع. والله أعلم. ***
السائل ع م ك تركونه ليبيا يقول: ما حكم التوسل بالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عند الدعاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل بالنبي ﷺ بالدعاء: إذا كان المتوسل قصده التوسل بالإيمان بالرسول ﷺ، أو التوسل بمحبة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهذا لا بأس به. أما إذا كان قصده التوسل بذاته فلا يجوز؛ لأن التوسل بذاته لا ينفع المتوسل، فيكون قد دعا الله تعالى بما ليس سببًا للإجابة، وهذا نوع من الاستهزاء. واعلم أن التوسل أنواع، منها: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه، فهذا مشروع، مثل أن تقول: أسألك اللهم بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا أن تغفر لي، فهذا مشروع؛ لقول الله تعالى: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) . الثاني: التوسل إلى الله تعالى بصفاته، فهذا أيضًا مشروع، كما جاء في الحديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . الثالث: التوسل إلى الله تعالى بأفعاله، كما يقول المصلى: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، فإن قوله: كما صلىت للتعليل، يعني: كما مننت بالصلاة على إبراهيم وعلى آل إبراهيم فصلِّ على محمد وعلى آل محمد. الرابع: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، كما في قوله تعالى: (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) (آل عمران: ٥٣)، وكما في قوله تعالى: (الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا) (آل عمران: من الآية١٦)، وكما في قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) (آل عمران: ١٩٣) . الخامس: التوسل بالعمل الصالح، كما في قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة لا يستطيعون زحزحتها، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم فأنجاهم الله وانفرجت الصخرة. السادس: التوسل إلى الله بحال الداعي، كأن يقول: اللهم إني فقير فأغنني، أو يقول: اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا فاغفر لي، وكما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . السابع: التوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح، كما كان الصحابة يتوسلون بدعاء النبي ﷺ لهم، كما في قصة الرجل الذي دخل والنبي ﷺ يخطب على المنبر يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فدعا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فاستجاب الله له، هذه سبعة أنواع من التوسل الجائز. وبهذه المناسبة أود أن أقول: إن طلب الدعاء من الشخص الصالح إذا كان يخشى منه أن يغتر هذا الرجل بنفسه وأن يقول: إنه من أولياء الله فهنا تحصل مفسدة فلا يسأل، كما أن الأولى بالإنسان مطلقًا أن لا يطلب من أحد أن يدعو الله له، بل يدعو هو نفسه، يدعو الله تعالى مباشرة. أما التوسل الممنوع فهو التوسل بالأموات، وقد يصل إلى حد الشرك الأكبر، وكذلك التوسل بجاه النبي محمد ﷺ أو غيره من الأنبياء، أو التوسل بجاه الصالحين، كل هذا ممنوع لا ينفع. ***
بارك الله فيكم المستمع حميد السمرائي أيضًا يا شيخ محمد يقول: ماحكم الدعاء بجاه الرسول ﷺ والقرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذتان مسألتان. المسألة الأولى: الدعاء بالقرآن الكريم، فالدعاء بالقرآن الكريم- يعني: أن يسأل الإنسان ربه بكلامه- وهذا على القاعدة المعروفة عند أهل العلم جائز؛ لأن هذا من باب التوسل بصفات الله ﷿، والتوسل بصفات الله ﷿ جائز جاءت به الشريعة، والقرآن صفة من صفات الله ﷿، فإنه كلام الله تكلم به حقيقة لفظًا وأراده معنى، فهو كلامه ﷿ لفظًا ومعنىً، ليس كلام الله ألفاظًا دون المعاني ولا المعاني دون الألفاظ، وإذا كان صفة من صفاته فالتوسل به جائز. وأما التوسل بجاه النبي ﷺ وهي المسألة الثانية فالراجح من أقوال أهل العلم أنه ليس بجائز، وأنه يحرم التوسل بجاه النبي ﷺ، فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم أسألك بجاه نبيك كذا وكذا، ذلك لأن الوسيلة لا تكون وسيلة إلا إذا كان لها أثر في حصول المقصود، وجاه النبي ﷺ بالنسبة للداعي ليس له أثر في حصول المقصود، وإذا لم يكن له أثر لم يكن سببًا صحيحًا، والله ﷿ لا يدعى إلا بما يكون سببًا صحيحًا له أثرٌ في حصول المطلوب، فجاه النبي ﷺ هو مما يختص به النبي ﷺ وحده، وهو مما يكون منقبة له وحده، أما نحن فلسنا ننتفع بذلك، وإنما ننتفع بالإيمان بالرسول ﷺ، وما أيسر الأمر على الداعي إذا قال: اللهم إني أسالك بإيماني بك وبرسولك كذا وكذا، بدلًا من أن يقول: أسألك بجاه نبيك. ومن نعمة الله ﷿ علينا ورحمته بنا أنه لا ينسد باب من الأبواب المحظورة إلا وأمام الإنسان أبواب كثيرة من الأبواب المباحة، ولهذا ينبغي للداعي إلى الله ﷿ إذا ذكر للناس بابًا مسدودًا في الشرع أن يبين لهم الباب المفتوح الذي أتت به الشريعة، حتى لا يسد على الناس الطرق ويبقيهم في عمه وحيرة، وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك في كتابه، وأرشد إليه النبي ﷺ في سنته. فقال الله تعالى في القرآن الكريم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا) فنهاهم عن قول وفتح لهم باب قول آخر: لا تقولوا راعنا وقولوا انظرنا. وقال النبي ﵊ للرجل الذي جاءه بتمر طيب، وأخبره بأنه يشتري هذا الطيب الصاع بالصاعين والصاعين بالثلاثة، قال له النبي ﵊: (لا تفعل) فنهاه أن يشتري صاعًا من التمر الطيب بصاعين من التمر الرديء، نهاه عن ذلك لأن هذا ربًا وقال له: (بع الجمع- يعني: الرديء- بالدراهم، ثم اشترِ به- يعني: ثم اشترِ بالدراهم- تمرًا طيبًا) فلما نهاه النبي ﷺ عن محرم بين له الحلال، وهكذا ينبغي لكل داعية يدعو الناس إلى شيء فيحذرهم من فعل أو قول أن يذكر لهم بدلًا منه من الأقوال والأفعال المباحة. وخلاصة القول: أن سؤال الله تعالى بكلامه كالقرآن مثلًا جائز، وأن سؤال الله بجاه النبي ﷺ ليس بجائز، على ما بينا من الحكمة والتعليل. ***
هذه رسالة من السائل يوسف سيد أحمد من ليبيا يقول: هل يجوز ذكر السيادة للرسول ﷺ في الصلاة عليه سواء في التشهد أو خلافه؟ وما هو الأفضل ذكرها أم تركها؟ وهل يجوز التوسل به ﷺ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن السؤال الذي عرض علينا في هذه الحلقة، وهو: تسويد الرسول ﷺ عند الصلاة عليه، فإننا نقول: لا ريب أن رسول الله ﷺ سيد ولد الخلق، سيد ولد آدم، وأنه له السيادة المطلقة عليهم، لكنها السيادة البشرية، سيادة بشر على بشر، أما السيادة المطلقة فإنها لله ﷿، فالرسول ﵊ سيد ولد آدم في الدنيا والآخرة، وهو إمامهم ﵊، ويجب على المؤمن أن يعتقد ذلك في رسوله ﷺ. أما زيادة سيدنا في الصلاة على رسوله ﷺ فإنها إن أردنا الألفاظ التي ورد بها النص لا ينبغي ذكرها إذا كانت لم تذكر؛ لأن الصيغة التي وردت عن النبي ﷺ في صفة الصلاة عليه هي أحسن الصيغ وأولاها بالاتباع، أما إذا كان يصلى على النبي ﷺ صلاة مطلقة فإنه لا بأس أن يقول: صلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين مثلًا، لا بأس أن يقولها لأن النبي ﷺ له السيادة على البشر، ولكننا في الصلاة على النبي ﷺ في التشهد لا نزيدها؛ لأنها لم ترد عن رسول الله ﷺ، فنقول: السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، ولا نقول: السلام عليك سيدنا أيها النبي، ونقول: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد، ولا نقول: اللهم صلِّ على سيدنا محمد، بل ولا نقول: اللهم صلِّ على نبينا محمد، بل نقول: اللهم صلِّ على محمد كما جاء به النص، هذا هو الأولى والأفضل. أما التوسل بالنبي ﷺ فإن التوسل به أقسام: أحدها: أن يتوسل بالإيمان به، وهذا التوسل صحيح، مثل أن يقول: اللهم إني آمنت بك وبرسولك فاغفر لي، هذا لا بأس به وهو صحيح، وقد ذكره الله تعالى في القرآن في قوله: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ) . ولأن الإيمان بالرسول ﷺ وسيلة شرعية لمغفرة الذنوب وتكفير السيئات، فهو قد توسل بوسيلة ثابتة شرعًا. ثانيًا: أن يتوسل بدعائه ﷺ، أي: بأن يدعو للمشفوع له، وهذا أيضًا جائز وثابت، لكنه لا يمكن أن يكون إلا في حياة الرسول ﷺ، وقد ثبت عن عمر ﵁ أنه قال: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، وأمر العباس أن يقوم فيدعو الله ﷾ بالسقيا، فالتوسل في حياة النبي ﷺ بدعائه هذا جائز ولا بأس به. القسم الثالث: أن يتوسل بجاه الرسول ﷺ سواء في حياته أو بعد مماته، فهذا توسل بدعي لا يجوز، وذلك لأن جاه الرسول ﵊ لا ينتفع به إلا الرسول ﷺ، أما أنت بالنسبة إليك فإنك لا تنتفع به؛ لأنه ليس من عملك، وشيء ليس من عملك لا ينفعك، وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يقول: اللهم إني أسألك بجاه نبيك أن تغفر لي أو أن ترزقني الشيء الفلاني؛ لأن الوسيلة لابد أن تكون وسيلة، والوسيلة مأخوذة من الوسل بمعنى الوصول إلى الشيء، فلابد أن تكون هذه الوسيلة موصلة إلى الشيء، وإذا لم تكن موصلة إليه فإن التوسل بها غير مجد ولا نافع. وعلى هذا فنقول: التوسل بالرسول ﵊ ثلاثة أقسام: أن يتوسل بالإيمان به واتباعه، وهذا جائز في حياته وبعد مماته. أن يتوسل بدعائه أي بأن يطلب من الرسول ﷺ أن يدعو له فهذا جائز في حياته لا بعد مماته؛ لأنه بعد مماته متعذر. القسم الثالث: أن يتوسل بجاهه ومنزلته عند الله فهذا لا يجوز، لا في حياته ولا بعد مماته؛ لأنه ليس وسيلة، إذ إنه لا يوصل الإنسان إلى مقصوده؛ لأنه ليس من عمله. فإذا قال قائل: لو جئت إلى الرسول ﵊ عند قبره وسألته أن يستغفر لي أو أن يشفع لي عند الله هل يجوز ذلك أو لا؟ قلنا: لا يجوز. فإذا قال: أليس الله يقول: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا)؟ قلنا: بلى إن الله يقول ذلك، ولكنه يقول: ولو أنهم إذ ظلموا أنفسهم جاؤوك، وإذ هذه ظرف لما مضى وليس ظرفًا للمستقبل، لم يقل الله تعالى: ولو أنهم إذا ظلموا أنفسهم جاؤوك فاستغفروا الله واستغفر لهم الرسول، بل قال: إذ ظلموا، فالآية تتحدث عن أمر وقع في حياة الرسول ﵊، وحصل من بعض القوم مخالفة وظلم لأنفسهم، فقال الله تعالى: (وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ)، واستغفار الرسول ﷺ بعد مماته أمر متعذر؛ لأنه إذا مات العبد انقطع عمله، كما قال الرسول ﷺ (إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به من بعده، أو ولد صالح يدعو له) . فلا يمكن للإنسان بعد موته أن يستغفر لأحد، بل ولا يستغفر لنفسه أيضًا؛ لأن العمل انقطع. فضيلة الشيخ: أثابكم الله إذًا على هذا لا يكون التوسل إلا مثلًا بالإيمان بالرسول ﷺ لكن هل نقيس عليه التوسل بأي عبادة من العبادات، كالتوسل مثلًا بصلاة الإنسان أو بصومه أو بعمل من أعماله الصالحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يتوسل به نعم لا بأس به، يقول مثلًا: ً اللهم لك صلىت لك صمت لك حججت وما أشبه ذلك فاغفر لي، هذا لا بأس به؛ لأن هذه الأعمال من أسباب المغفرة. ***
هذا السائل محمد الشتيلي المملكة العربية السعودية الزلفي يقول: فضيلة الشيخ ما حكم التوسل بالصالحين مع التفصيل؟ جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل معناه اتخاذ الوسيلة الموصلة إلى المقصود، ومن المعلوم أن الوسيلة لابد أن تكون صحيحة في إيصالها إلى المقصود، وأما ما لم يكن صحيحًا في إيصاله إلى المقصود فإنه باطل لا يجوز فعله؛ لأن ما بني على الباطل باطل. وبناء على هذه القاعدة نعرف حكم التوسل بالصالحين، فالتوسل بالصالحين بعد موتهم لا يجوز؛ لأنهم لن ينفعوا من يتوسل بهم، ولن يستطيعوا أن يدعوا له ولا أن يشفعوا له عند الله إلا بإذن الله؛ لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له) . أما التوسل بالصالحين الأحياء فهذا على نوعين: النوع الأول: أن يتوسل بأعمالهم الصالحة، أو بجاههم عند الله أو ما أشبه ذلك، فهذا حرام، مثال هذا أن يقول: أسألك اللهم بصلاة فلان لك أن تغفر لي، فإن هذا التوسل الممنوع محرم؛ لأن صلاة فلان لا تنفع إلا فلانًا ولا مصلحة لك منها، وليس منك عمل حتى تقول: إنه ينفعني عند الله، وكذلك التوسل بذات الرجل الصالح أو بجاهه فإنه ممنوع ومحرم؛ لأن ذاته لا تفيدك شيئًا وجاهه لا يفيدك شيئًا؛ فلو قلت: أسألك اللهم بفلان وهو حي أو ميت أيضًا فإنه لا ينفعك، ولا يحل لك التوسل به، وكذلك لو قلت: أسألك بجاه فلان حيًّا كان أم ميتًا فإنه لا يحل لك أن تتوسل بجاهه؛ لأن جاهه ليس وسيلة يوصلك إلى مقصودك،جاهه ينتفع به هو ولا تنتفع به أنت. النوع الثاني: أن يتوسل بالصالحين الأحياء بدعائهم، فهذا لا بأس به، مثل أن يقول: اللهم إني أسألك بدعاء فلان لي أن تقبل دعوته، يعني: أن تقبل دعاءه، ثم يطلب منه أن يدعو له، فهذا لا بأس به، وقد كان الصحابة ﵃ يتوسلون إلى الله تعالى بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أي بدعائه، كما في الصحيحين من حديث أنس بن مالك ﵁: (أن رجلًا دخل والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه وقال: اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا. فأنشأ الله السحاب، ورعد وبرق وأمطر، فما نزل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته. وفي الجمعة الثانية دخل رجل أو الرجل الأول والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يخطب فقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله يمسكها عنا. فرفع النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يديه وقال: اللهم حوالينا ولا علينا، اللهم على الآكام والظراب وبطون الأودية ومنابت الشجر. فانجلت الغيوم عن المدينة وصار ما حولها ممطرًا) . فهذا التوسل من التوسل الجائز. ولكن هل ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له؟ الجواب على هذا أن نقول: لا ينبغي للإنسان أن يسأل غيره أن يدعو له لأمرين: الأمر الأول: أن في ذلك نوعًا من التذلل للمطلوب منه الدعاء. والأمر الثاني: أن المطلوب منه الدعاء قد يلحقه الغرور والإعجاب بالنفس ويقول: أنا من أنا؟ أنا الذي يتوسل الناس إلى ربهم بدعائي لهم فيهلك، ولا شك أن كون الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه خير من كونه يطلب من غيره أن يدعو الله له، أولًا: لأن الإنسان إذا دعا ربه بنفسه فقد امتثل أمر الله تعالى في قوله: (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) . ثانيًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه استفاد من ذلك قربة إلى الله تعالى؛ لأن الدعاء من العبادة، والعبادة تقرب إلى الله. ثالثًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه أحس بالضرورة إلى الله تعالى والافتقار إليه، وأنه ﷾ ملجؤه دون خلقه. رابعًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه فإنه يدعو الله تعالى بما يشاء جملة وتفصيلًا، فيحصل بذلك الانبساط في الدعاء والتوسع فيه والإلحاح فيه على الله. خامسًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه صار معتمدًا على الله متوكلًا عليه، لا يلجأ إلا لله تعالى، وهذا لا شك أن له تأثيرًا في إصلاح القلب وصلاحه. سادسًا: أنه إذا دعا ربه بنفسه سلم من أن يمن عليه مَنْ طلب منه أن يدعو له. والمهم أن الذي ينبغي للإنسان أن يدعو ربه بنفسه في قضاء حاجاته للأسباب التي ذكرناها، وربما يكون هناك أسباب أخرى عزبت عنا في هذا المكان، هذا هو حكم التوسل بالصالحين. وأما ما يظنه بعض الناس توسلًا بالصالحين وهو عبادة لهم في الحقيقة فإنه لا يسمى توسلًا، بل هو شرك، مثل أن يقول عند صاحب القبر: يا فلان أغثني من الشدة، يا فلان يسر لي الأمر، وما أشبه ذلك مما يصنعه الجاهلون ويظنون أنه من باب التوسل، وهو حقيقة شرك يشبه قول المشركين الذين قال الله عنهم: (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) . فعلى المؤمن أن يكون دائمًا متعلقًا بربه، سائلًا ربه بنفسه، لا يفتقر إلى أحد ولا يلجأ إلى أحد. والله الموفق. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ما ضابط التوسل المشروع يا شيخ محمد؟ وما حكم من يتبركون بالصالحين بحجة أن الصحابة يتبركون بشعر الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التوسل المشروع أنواع منها أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، فيقول: يا غفور اغفر لي، أو يقول: يا ذا المغفرة والرحمة اغفر لي، أو يقول: اللهم برحمتك أستغيث أو ما أشبه ذلك. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بأفعاله، مثل ما جاء في التشهد: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم، فهذا توسل إلى الله تعالى بأفعاله التي منّ بها على من شاء من عباده فيما سبق. ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان والعمل الصالح، كقول أولي الألباب: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله بذكر حاجته وافتقاره إلى ربه، كقول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . ومن التوسل المشروع: أن يتوسل إلى الله تعالى بدعاء الرجل الصالح الذي ترجى إجابته، كما فعل الصحابة ﵃ حين يأتون إلى الرسول ﵊ يسألونه أن يدعو الله لهم، ففي الصحيحين من حديث أنس بن مالك ﵁ أن رجلًا دخل يوم الجمعة والنبي ﷺ يخطب فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل، فادع الله يغيثنا. فرفع يديه إلى السماء وقال: (اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا) . فأمطرت السماء، وبقي المطر ينزل أسبوعًا كاملا، ً ثم دخل الرجل أو رجلٌ آخر وقال: يا رسول الله! غرق المال وتهدم البناء، فادع الله أن يمسكها عنا. فرفع يديه وقال: (اللهم حوالينا ولا علينا) . وليس من التوسل أن يتبرك بالإنسان بلباسه أو شعره أو عرقه أو ما أشبه ذلك، إلا النبي ﷺ، فإن الصحابة كانوا يتبركون بآثاره ﵊، لكن لم يتبرك أحد منهم بالآخر، فما تبركوا نحو هذا التبرك بأبي بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي. ***
إيمان من بغداد تقول هل عند قيام المسلم بالدعاء والسؤال من الله ﷿ وقوله مثلًا: اللهم اغفر لي بجاه سيدنا محمد ﷺ، هل هذا حرام ويعاقب الله المؤمن عليه؟ مع شكري لأسرة البرنامج وللشيخ المجيب فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن الدعاء من عبادة الله ﷿، وإذا كان الدعاء من العبادة فإنه ليس لنا أن نحدث من وسائل الدعاء ما لم ترد به الشريعة، والتوسل إلى الله ﵎ حال الدعاء يكون بأمور: أولًا: التوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته؛ لقوله: (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا)، مثل أن يقول الإنسان: اللهم يا رزاق ارزقني، ويا غفور اغفر لي، ويا رحمن ارحمني، ومثل أن يقول: أدخلني برحمتك في عبادك الصالحين، فيتوسل إلى الله تعالى بأسمائه وصفاته، وهذا مما جاءت به الشريعة. الوسيلة الثانية: أن يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وطاعته، كما ذكر الله تعالى عن أولي الألباب الذين يقولون: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا)، فإن الفاء هنا للسببية، تدل أن ما بعدها مفرع على ما قبلها، أي: بسبب إيماننا بهذا المنادي فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار. والوسيلة الثالثة: أن يتوسل الإنسان بحاجته إلى الله ﷿، أي: بذكر حاله وفقره، كما في قول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ)، فهذا خبر لكنه يتضمن الدعاء والتوسل إلى الله ﵎ بذكر حال الداعي، وتارة يكون التوسل إلى الله تعالى بكل هذه الأسباب، كما في الدعاء الذي علمه النبي ﷺ أبا بكر يدعو به في صلاته: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، وإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك وارحمني، إنك أنت الغفور الرحيم)، فإن هذا توسل إلى الله تعالى بذكر حال العبد: (اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا)، وبالثناء على الله تعالى بصفاته في قوله: (إنه لا يغفر الذنوب إلا أنت)، وهذا من الإيمان بالله: (فاغفر لي مغفرة من عندك إنك أنت الغفور الرحيم) . هذه هي الوسائل الشرعية الصحيحة التي يتوسل بها المرء إلى الله تعالى لإجابة دعائه. أما التوسل بالنبي ﷺ نفسه: فإن كان توسلًا بدعاء النبي ﷺ للمتوسل فهذا لا بأس به، ولكن هذا لا يكون إلا في حياة الرسول ﷺ، كما في قول عمر ﵁: (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا، وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا)، ثم يأمر العباس بن عبد المطلب فيدعو الله ﷿، كما دخل الأعرابي والنبي ﷺ يخطب يوم الجمعة فقال: يا رسول الله! هلكت الأموال وانقطعت السبل وجاع العيال، فادع الله يغيثنا. فرفع النبي ﷺ يديه ورفع الناس أيديهم وقال: (اللهم أغثنا) ثلاث مرات، فما نزل من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته، فهذا توسل بنفس الرسول ﵊ أن يدعو للمرء الذي توسل به إلى الله ﷿. وأما التوسل بالنبي ﷺ بعد وفاته فهذا لا يجوز، ومنه أن يتوسل بجاه الرسول ﵊ فإن هذا من البدع، لم يرد عن الصحابة أنهم توسلوا بجاه النبي ﷺ، وكما أن هذا مقتضى الأثر: ألا نتوسل بجاه الرسول ﵊ لعدم وروده، فكذلك أيضًا هو مقتضى النظر، فإن جاه الرسول ﵊ ليس من فعلنا حتى نتوسل به إلى الله، كالتوسل بإيماننا وعملنا، وليس هو أيضًا نافعًا لنا حتى نتوسل إلى الله تعالى به، فإن جاه الرسول ﵊ إنما ينتفع به الرسول ﷺ وحده، فليس وسيلة لإجابة الدعاء. وإذا كان مقتضى الأثر والنظر ألا نتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول ﵊ فلنتوسل إلى الله تعالى بما هو أحسن منه، وهو: الإيمان بالرسول ﷺ، كما حكى الله ﷾ عن أولي الألباب، فهذه الطريق الواردة الحسنة القيمة- وهي: التوسل إلى الله تعالى بالإيمان برسوله ﷺ ما لنا لا نسلكها؟ ما لنا نسلك طريقًا وهي محرمة وبدعة، وَنَدَعُ هذا الطريق؟ فمادام الله تعالى قد فتح لنا طرقًا مشروعة سليمة فلنكن من الذين يسلكونها، حتى نكون ممن قال الله تعالى عنهم: (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) . ***
جزاكم الله خيرًا هذا السائل يقول: ما الحكم في أشخاص يتوسلون بجاه النبي ﷺ؟ بعد دعاء الرجل يقول: بجاه سيدنا محمد، وجهونا في ضوء هذا السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نوجهكم إلى أن تَدَعُوا التوسل بجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم؛ لأن ذلك من البدع، ولأن جاه النبي ﷺ لا ينفعك، والله ﵎ إنما يتوسل إليه بما يكون سببًا ووسيلة لحصول المقصود، وجاه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم باعتبار الداعي لا يفيده، ونحن لا نشك أن رسول الله ﷺ سيد ولد آدم، وأن له جاهًا عظيمًا عند الله ﷿ كسائر إخوانه من المرسلين، ولكن جاهه عند الله إنما ينتفع به هو صلى الله عليه وعلى آله وسلم، أما نحن فلا، وقد أبدلنا الله تعالى عن التوسل المحرم بتوسل مباح، فلماذا نعدل عن التوسل المباح المشروع إلى توسل لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة، وليس أيضًا هو سببًا لحصول المقصود؟ فمن التوسل في الدعاء: التوسل إلى الله ﵎ بأسمائه عمومًا مثل قوله ﷺ في الدعاء المشهور: (أسألك اللهم بكل اسم هو لك سميت به نفسك، أو أنزلته في كتابك، أو علمته أحدًا من خلقك، أو استأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبي، ونور صدري.. الخ)، أو يتوسل باسم خاص من أسماء الله مناسب لما يدعو به، مثل أن يقول: اللهم يا واسع المغفرة اغفر لي، أو: يا رحيم ارحمني، أو يقول: اللهم اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، وما أشبه ذلك، ومنه حديث: (اللهم بعلمك الغيب، وقدرتك على الخلق، أحيني إذا علمت الحياة خيرًا لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيرًا لي) . أو يتوسل إلى الله تعالى بصفاته، أي بصفة من صفاته، مثل: (اللهم إني أستخيرك بعلمك، وأستقدرك بقدرتك، وأسألك من فضلك العظيم) إلى آخر دعاء الاستخارة المشروع. أو يتوسل إلى الله تعالى بفعل من أفعاله، مثل قوله: اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد، أو يقول: اللهم كما مننت على فلان بالعلم والعمل أنعم علي بمثل ذلك. أو يتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به واتباع رسوله، مثل قوله تعالى (رَبَّنَا آمَنَّا بِمَا أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) ومثل قوله تعالى: (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا)، ومن ذلك توسل أصحاب الغار الثلاثة الذين انطبقت عليهم صخرة عجزوا عن إزالتها عن باب الغار، فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم، والحديث في ذلك مشهور معلوم. أو يتوسل إلى الله ﷿ بحاله، أي: بحال الداعي، مثل أن يقول: اللهم إني ظلمت نفسي فاغفر لي، أو يقول: اللهم إني فقير فأغنني، وكقول موسى ﵊: (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) . أو يتوسل إلى الله تبارك تعالى بدعاء العبد الصالح الذي ترجى إجابته، مثل قول عكاشة بن محصن- لما ذكر النبي ﷺ السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ولا عذاب- قال: ادع الله أن يجعلني منهم. فهذه الأنواع من التوسل أنواع مشروعة، وفيها الكفاية عن التوسل إلى الله تعالى بما ليس بوسيلة، فالتوسل إلى الله تعالى بجاه الرسول ﷺ توسل بدعي ممنوع، وفي التوسل المشروع المباح غُنية عنه. ***
خديجة صالح من العراق تقول قسم من الناس عندما يدعون الله يقولون ربنا بجاههم عندك، أي جاه الأولياء والصالحين هل يعتبر واسطة هذا الدعاء بين العبد وربه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن نعرف أن الوسيلة إنما تتخذ وسيلة إذا كانت وسيلة حقيقية سواء ثبت كونها حقيقية بالشرع أو بالواقع، أما اتخاذ وسيلة لم يثبت أنها وسيلة في الشرع ولا في الواقع فإن هذا من اللغو بل نوع من الشرك لأن إثبات أن هذا الشيء سبب والله تعالى لم يجعله سببًا معناه، تشريك مع الله تعالى في قضائه أو شرعه فكل من أثبت سببًا لم يثبت كونه سببًا لا باعتبار الواقع ولا باعتبار الشرع فقد أشرك بالله ﷾ حيث جعل ما ليس سببًا جعله سببًا، ننظر الوسيلة أو التوسل إلى الله ﷾ بجاه الأولياء والأنبياء والصالحين هل جاء في الشرع أنها وسيلة؟ الجواب لا، ونحن نقول لكل من يسمع إذا كان لديه دليل من الشرع من النبي ﵊ أو من الصحابة أو التابعين لهم بإحسان على أن التوسل بالجاه مشروع فليأت به على هذا العنوان نور على الدرب في إذاعة المملكة العربية السعودية، ونحن نعاهد الله ﷾ ونسأله العون على أنه متى جاءنا دليل شرعي ثابت فإننا سنتبعه، لأن ذلك هو الفرض علينا فإذا كان عند أحد من الناس أن التوسل بالجاه مشروع فليتفضل به فإننا به آخذون ولما أسداه إلينا شاكرون، وإذا لم يكن دليل من الشرع والأمر كذلك فإنني لا أعلم أبدًا أن التوسل بالجاه أمر مشروع، فهل يكون الجاه وسيلة بحسب الواقع؟ الجواب لا، لأن الجاه عند الله إنما ينتفع به من له جاه فقط، أما غيره فأي نفع له، فإذا كان هذا الرجل له جاه عند الله ﷾ فالذي ينتفع بهذا الجاه هو نفس الرجل، أما أنا فأي نفع لي بجاهه هو، لذلك ليس الجاه وسيلة بحسب الواقع أيضًا، فإذا لم يكن الجاه وسيلة لا بحسب الشرع ولا بحسب الواقع لم يجز أن يتخذ وسيلة، وعلى هذا فيحرم على الإنسان أن يقول اللهم إني أسألك بجاه النبي ﷺ أو بجاه فلان أو فلان ممن يزعمونهم أولياء لأن ذلك ليس سببًا شرعيًا ولا سببًا واقعيًا وإذا كان غير سبب شرعي ولا واقعي فإن إثبات كونه سببًا نوع من الإشراك بالله ﷿، ولكن بدلًا من أن يقول أسألك بجاه النبي أو بجاه الولي يقول اللهم إني أسألك برحمتك، أسألك بفضلك، أسألك بإحسانك، هذا أفضل لأن فضل الله وإحسانه ورحمته أشمل وأعم وأنفع للإنسان من جاه رجل عند الله ﷿، فكونك تسأل بفضل الله ورحمته وما أشبه ذلك من صفات الله ﷾ التي تتوسل بها إليه هذا أفضل بلا شك وأنفع للنفس وأقرب إلى الإجابة. ***
فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة الأولى التي بين أيدينا وردتنا من الأخ في الله عماد إبراهيم أبو الدهب من جمهورية مصر العربية المستمع قد استمع إلى حلقةٍ كما أشار إليها في يوم السبت الموافق ٢٢/١٠/١٤٠١هـ ويسأل عن ردكم على إحدى المستمعات التي تقول هل يجوز الدعاء لله ﷿ والتوسل إليه بجاه الأنبياء أو بجاه عباده الصالحين بمعنى أن نقول اللهم إنا نسألك بجاه نبيك ﷺ أن تغفر لنا ذنوبنا وخلاف ذلك من الدعاء ويقول إنكم قد أشرتم في إجابتكم أنه إذا وجد حديث يخالف عدم الجواز فيرسل إلينا وإنه وجد حديثًا في بلوغ المرام يقول فيه الحديث عن أنسٍ ﵁ عن عمر ﵁ كان إذا قحطوا استسقى بالعباس بن عبد المطلب وقال اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا محمد ﷺ فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا فيسقون رواه البخاري يقول فما رأي فضيلة أستاذنا الجليل في ذلك هل له من صحة أم من الأحاديث الضعيفة الزائدة والله الموفق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أولًا أشكر الأخ على تعاونه مع إخوانه لأن هذا من التعاون على البر والتقوى فإن الإنسان بشر يخطئ ويصيب ويذهل عن الشيء ويغيب والشريعة ليست محصورةً على أحدٍ معينٍ من الناس بل كل من آتاه الله تعالى علمًا وفهمًا وإخلاصًا فإن له الحق في أن يتكلم بما آتاه الله تعالى من علمٍ وفهمٍ وإخلاص وهذا هو واجب كل مسلم في هذا الباب وغيره أن يكون ناصحًا لإخوانه حريصًا على حفظ شريعة الله إذا تكلم أحدٌ فيها بخطأ حاول إصلاح الخطأ على وجه الحكمة والصواب وأما بالنسبة لسؤاله هذا الحديث الذي أشار إليه هو حديثٌ صحيح رواه البخاري ولكن من تأمله وجد أنه دليلٌ على عدم التوسل بجاه النبي ﷺ أو غيره وذلك أن التوسل هو اتخاذ الوسيلة والوسيلة هي الشيء الموصل إلى المطلوب والوسيلة المذكورة في هذا الحديث نتوسل إليك بنبيك فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا المراد بها التوسل إلى الله تعالى بدعائه لأن عمر قال للعباس قم يا عباس فادع الله فدعا ولو كان هذا من باب التوسل بالجاه لكان عمر ﵁ يتوسل بجاه النبي ﷺ قبل أن يتوسل العباس لأنه بلا شك جاه النبي ﷺ عند الله أعظم من جاه العباس وغيره فلو كان هذا الحديث من باب التوسل بالجاه لكان الأجدر بأمير المؤمنين عمر أن يتوسل بجاه النبي ﷺ دون جاه العباس بن عبد المطلب والحاصل أن التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى فيه إجابة الدعاء لصلاحه لا بأس به فقد كان الصحابة ﵃ يتوسلون إلى الله بدعاء النبي ﷺ لهم وكذلك أيضًا عمر توسل بدعاء العباس بن عبد المطلب ﵁ فلا بأس إذا رأيت رجلًا صالحًا حريٌ بالإجابة بكون طعامه وشرابه وملبسه ومسكنه حلالًا وكونه حريًا معروفًاُ بالعبادة والتقوى لا بأس أن تسأله أن يدعو الله لك بما تحب بشرط أن لا يحصل في ذلك غرورٌ لهذا الشخص الذي طلب منه ذلك الدعاء فإن حصل منه غرورٌ بذلك فإنه لا يحل لك أن تقتله وتهلكه بهذا الطلب منه لأن ذلك يضره كما أنني أيضًا أقول إن هذا جائز ولكنني لا أحبذه وأرى أن الإنسان يسأل الله تعالى بنفسه دون أن يجعل له واسطة بينه وبين الله لأن ذلك أقوى في الرجاء وأقرب إلى الخشية كما أنني أيضًا أرغب في أن الإنسان إذا طلب من أخيه الذي ترجى إجابة دعائه أن يدعو له أن ينوي بذلك الإحسان إليه أي إلى هذا الداعي دون دفع حاجة هذا المدعو له لا لأنه إذا طلبه من أجل دفع حاجته صار كسؤال المال وشبهه المذموم وأما إذا قصد بذلك نفع أخيه الداعي بالإحسان إليه والإحسان إلى المسلم يثاب عليه المرء مثل ما هو معروف صار هذا أولى وأحسن. ***
بارك الله فيكم السائل يقول من السودان هل يجوز التوسل إلى الله بهذه الصيغة اللهم صل على محمد وبارك على نبينا محمد صلاة تفرج بها همي وتنفس بها كربتي وتوسع بها رزقي إلى آخره نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أنصح هذا السائل وغيره من الإخوان أن يحافظوا على الصيغ الواردة في القرآن والسنة في الدعاء وذلك لأن الدعاء عبادة يتقرب به الإنسان إلى ربه وليس مجرد طلب يحصل به الإنسان على ما يريد بل هو نفسه عبادة لقول الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فأنصح هذا السائل وغيره من إخواننا المسلمين أن يحافظوا على ما جاء في الكتاب والسنة من الأدعية ثم أقول إن هذه الصيغ التي ذكرها السائل لا يرغب فيها ولا ينبغي أن تكون وسيلة بل توسل إلى الله ﷾ بأسمائه وصفاته المناسبة لمطلوبك فقل يا غفور اغفر لي، يا رحيم ارحمني، يا عزيز أعزني بطاعتك وما أشبه ذلك حتى تكون متوسلًا بوسيلة ليس فيها شبهة. ***
هل يجوز أن نقول في دعائنا اللهمَ شفِّع فينا محمدًا ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قول القائل اللهم شفع في رسولك محمدًا ﷺ فإن ذلك لا بأس به ولهذا أمرنا أن نقول خلف الأذان إذا تابعنا المؤذن أمرنا أن نقول اللهم صلِّ على محمد اللهم رب هذه الدعوة التامة والصلاة القائمة آت محمدًا الوسيلة والفضيلة وابعثه مقامًا محمودًا الذي وعدته إنك لا تخلف الميعاد أمرنا أن نقول ذلك لأن من قاله حلت له شفاعة الرسول ﷺ فنحن مأمورون أن نفعل جميع الأسباب التي تكون بها شفاعة رسول الله ﷺ ومن ذلك الدعاء فإن الدعاء من أكبر الأسباب لحصول المقصود كما قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فإذا سألت الله ﷿ أن يجعل نبيه محمدًا ﷺ شافعًا لك فإنه لا حرج في هذا. ***
هذه رسالة وردتنا من المخلص علي صالح فتاح المتقاعد المدني بالعراق بغداد يقول لماذا لا يجوز الطلب من الله بجاه أو بحق أو بحرمة أي كان من الصالحين الأموات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن سؤال الله ﷾ ودعاءه بوسيلة من الوسائل لا يجوز إلا إذا كانت هذه الوسيلة مما ثبت شرعًا أنها وسيلة وذلك لأن الدعاء عبادة والعبادة يتوقف فيها على ما ورد به الشرع فسؤال الله ﵎ بالوسيلة ينقسم إلى قسمين أحدهما أن تكون الوسيلة مما جاء به الشرع كالتوسل إلى الله ﵎ بأسمائه وصفاته مثل أن تقول اللهم يا غفور اغفر لي ويا رزاق ارزقني ويا رحيم ارحمني وما أشبه ذلك أو يتوسل إلى الله ﵎ بإيمانه به وبرسله مثل أن يقول اللهم إني آمنت بك وبرسلك فاغفر لي كما حكى الله ﵎ عن أولي الألباب الذين يقولون (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) أو يتوسل إلى الله ﵎ بذكر حاله هو من ضرورة وحاجة كما في قول موسى ﵊ (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) هذه الأنواع التي تندرج تحت القسم الأول كلها جائزة لورود الشرع بها وكذلك أيضًا من هذا القسم إذا توسل بدعاء غيره ممن يكونون أقرب إلى الإجابة منه كما فعل عمر ﵁ حين استسقى فقال (اللهم إنا كنا نستسقي إليك بنبينا فتسقينا وإنا نستسقي إليك بعم نبينا) يعني العباس فقال للعباس ادع الله فقام فدعا القسم الثاني من الوسائل أن تكون الوسيلة مما لم يرد به الشرع فهذه لا يجوز أن يُدعى اللهُ بها لأن معنى ذلك أنك تقدم إلى الله ﵎ ما لم يكن سببًا للوصول إليه وهذا يشبه الاستهزاء ولهذا لو أنك توسلت إلى ملك من ملوك الدنيا بما لم يكن وسيلة إليه مثل أن تأتي برجل من سوقة الناس وتقول اشفع لي عند الملك فإن هذا يعتبر كالاستهزاء به والسخرية كذلك إذا توسلت إلى الله ﵎ بما لم يكن سببًا فإنه كالاستهزاء به وبآياته ﵎ ومن هذا النوع التوسل بما ذكره السائل من جاهًا النبي ﷺ وحرمته وما أشبه ذلك فإن جاه النبي ﷺ لا ينتفع به إلا رسول الله ﷺ فقط أما غيره فإنه لا ينتفع به بمجرد أن للرسول ﷺ جاه عند الله وحرمة هذا لا ينفعه ولهذا لم ينتفع أبو لهب وغيره ممن ليسوا أهلًا للرحمة والمغفرة بجاه النبي ﷺ عند الله وحتى في التوسل إلى العباد لقضاء الحاجة ما ينفع أن نتوسل إليه بجاه فلان حتى يكون لفلان هذا تأثير بالطلب والسؤال وكذلك التوسل إلى الله بحرمة الرسول ﷺ وجاهه لم يجعله الله ﵎ وسيلة لإجابة الداعي وكذلك أيضًا هو في الحقيقة ليس وسيلة لأنه كما أسلفنا آنفًا لا ينتفع الإنسان بجاه شخص إذا لم يكن لهذا الإنسان سبب يوصل إليه فحرمة الرسول عند الله ليست سببًا لقضاء حاجتك أنت، وما وجه السبب؟ السبب إما فعلك أو حالك أو أسماء الله تعالى وصفاته والنبي ﵊ ليس هو الذي يجيب حتى نقول إن السؤال بحرمته وتعظيمه وجاهه كالسؤال بأسماء الله وصفاته وما أشبه ذلك فالرسول ليس هو الذي يدعى وهو الذي يجيب حتى نقول إن وصفه بهذه الصفات الحميدة يقتضي الإجابة. ***
بارك الله فيكم هذه أختكم أم عبادة من الأردن أختكم في الله تقول في هذا السؤال ورد عن النبي ﷺ والراوي عثمان بن حميد أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ فقال يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلِق فتوضأ ثم صلِّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ ما صحة هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من أنكره وقال إنه لا يصح عن النبي ﷺ ومنهم من قال إنه صحيح وعلى تقدير صحته فإنه ليس من باب التوسل بذات النبي ﷺ ولكنه من باب التوسل بدعائه بدعاء النبي ﷺ كما هو ظاهر ولكن أمره النبي ﷺ أن يصلى ركعتين تمهيدًا وتوطئة لاستجابة الله ﷾ لشفاعة النبي ﷺ فيه لأنه كلما تحقق الإيمان في الشخص كان أقرب إلى نيل شفاعة الرسول ﷺ ولهذا في هذا الحديث يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فإن قوله يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي يخاطب النبي ﷺ وهذا يدل على أن رسول الله ﷺ كان حاضرًا وأن هذا طلب من النبي ﷺ أن يشفع فيه إلى الله ﷿ ثم سأل الله ﷿ أن يقبل هذه الشفاعة وقال اللهم شفعه فيَّ وهذا لا يكون دليلًا على التوسل بذات الرسول ﷺ وإني بهذه المناسبة أقول إن التوسل إلى الله ﷾ بالدعاء على نوعين نوع جائز ونوع ممنوع والجائز على عدة وجوه الوجه الأول أن نتوجه إلى الله تعالى بأسمائه والثاني أن نتوجه إلى الله تعالى بصفاته والثالث أن نتوجه إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله والرابع أن يتوجه إلى الله تعالى بالعمل الصالح والخامس أن يتوجه إلى الله تعالى بذكر حاله وفقره إلى ربه والسادس أن يتوجه إلى الله ﷿ بدعاء من ترجى إجابته أما الأول وهو التوجه إلى الله تعالى بأسمائه فقد يكون باسمٍ خاص وقد يكون بالأسماء عمومًا ففي حديث ابن مسعود ﵁ الحديث المشهور (أسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا من التوسل بالأسماء على سبيل العموم وقول السائل اللهم إني أسألك أن تغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم هذا من التوسل بالاسم الخاص المناسب لما تدعو الله به وهو داخلٌ في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأما التوسل بالصفات بصفات الله فقد يكون بصفاتٍ معينة وقد يكون بالصفات عمومًا فتقول اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن تغفر لي وقد يكون بصفةٍ خاصة مثل قولك (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي) فتوسلت إلى الله بعلمه وقدرته وهما صفتان خاصتان والتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ومثال التوسل بالعمل الصالح توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا أن يزحزحوا الصخرة التي سدت عليهم الباب فتوسل أحدهم إلى الله تعالى بكمال بره والثاني بكمال عفته والثالث بكمال وفائه بالعقد والقصة مشهورة ومثال التوسل بحال الداعي مثل أن تقول اللهم إني فقير إليك ذليل بين يديك وما أشبه ذلك ومنه قول موسى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ومثال التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته توسل الصحابة ﵃ بدعاء النبي ﷺ كما في حديث أنس أن رجلًا دخل يوم جمعة والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس ﵁ فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزع يعني ما في السماء سحابٌ واسع ولا قزع من الغيم وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار فخرجت من ورائه سحابةٌ مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي ﷺ من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه ثم بقي المطر أسبوعًا كاملًا فدخل الرجل أو رجلٌ آخر في الجمعة الأخرى والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير إلى النواحي ﵊ وما يشير إلى ناحيةٍ إلا انفرج السحاب عنها وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا من التوسل بدعاء من ترجى إجابته وفي الصحيح أيضًا من حديث عمر ﵁ أنه استسقى فقال (اللهم إنا كنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا العباس فاسقنا، قم ياعباس ادع الله) فيدعو الله فيسقون هذه أصناف التوسل الجائز أما التوسل الممنوع فأن نتوسل بشيء ليس وسيلةً وليس سببًا في حصول المقصود مثل أن يتوسل بذات النبي ﷺ أو بجاه النبي ﷺ فإن التوسل بذاته أو بجاهه ليس سببًا في حصول المقصود لأنك إذا لم يكن لديك سببٌ يوصل إلى حصول المقصود لم ينفعك جاه رسول الله ﷺ عند ربه لأن جاهه إنما ينفعه هو صلوات الله وسلامه عليه ولهذا لم ينتفع أبو لهب بجاه النبي ﷺ ولا بذاته لأنه ليس لديه وسيلة تمنعه من عذاب الله وكذلك توسل أصحاب الأوثان بأوثانهم الذين قالوا (مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى) فإن هذا التوسل لا ينفعهم بشيء لأنهم مشركون وإنني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على اتباع الآثار فيما يتوسلون به إلى الله وما أحسن الامتثال لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا خير ما يتوسل به المرء أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الدالة على صفاته العظيمة وعلى ذاته فهذا خير متوسَّل به. ***
الولاء والبراء
بارك الله فيكم هذا السائل ف. م. ع. ش. يقول فضيلة الشيخ كيف تكون المحبة في الله أرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكون المحبة في الله بأن تحب الرجل لكونه عابدًا صالحًا لا لأنه قريبك ولا لأن عنده مالًا ولا لأنه يعجبك فيه خلقه ومنظره وما أشبه ذلك لا تحبه إلا لدينه وتقواه هذه المحبة في الله وفي هذه الحال تجد أن كل واحدٍ منكما يعين الآخر على طاعة الله وقد ثبت في الحديث الصحيح عن أبي هريرة ﵁ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأةٌ ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) والشاهد هنا قوله (رجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) ولكني أحذر غاية التحذير ولا سيما النساء من أن تكون هذه المحبة في الله محبةً مع الله لأن بعض الناس يغرم بمحبة أخيه في الله أو تغرم المرأة بمحبة أختها في الله حتى تكون محبة هذا الإنسان في قلبها أو في قلب الرجل أشد من محبة الله لأنه يكون دائمًا هو الذي في قلبه وهو الذي على ذكره إن نام نام على ذكره وإن استيقظ استيقظ على ذكره وإن ذهب أو رجع فهو على ذكره فينسيه ذكره ذكر الله ﷿ وهذا شركٌ في المحبة قال الله تعالى (وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَندَادًا يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللَّهِ) وفعلًا تحصل الشكوى من هذا الأمر أن تحب المرأة زميلتها أو معلمتها محبةً شديدةً تستولي على قلبها وفكرها وعقلها حتى تكون هي التي على بالها دائمًا وتنسى بذكرها ذكر الله وهذا خطأ وخطر والواجب على المرء إذا وقع في هذا الداء أن يحاول الدواء ما استطاع ولكن كيف الدواء وقد وصلت الحال إلى هذه المنزلة الدواء أن يذكر أولًا أن محبة الله تعالى فوق كل شيء ويصرف قلبه لمحبة الله ومما يقوي محبة الله في قلب العبد دوام ذكر الله وكثرة قراءة القرآن وكثرة الأعمال الصالحة والإعراض عن شهوات النفس وهوى النفس ثانيًا أن يبتعد بعض الشيء عن هذا الذي وقع في قلبه محبته إلى هذه المنزلة يبتعد عنه بعض الشيء ويتلهى بأمرٍ آخر فإن لم ينفع فليجتنبه نهائيًا يقطع الصلة بينه وبينه حتى يهدأ هذا الحب وتزول هذه الحرارة وتسكن ثم يعود إلى محبته المحبة العادية ومن أجل كثرة الشكوى من هذا أحببت أن أنبه عليه أن لا تكون المحبة في الله ترتقي إلى أن تكون محبةً مع الله لأن هذا نوعٌ من الشرك في المحبة. ***
بارك الله فيكم السائل من تونس يقول كيف يكون الحب في الله والبغض في الله أرجو منكم الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكون الحب في الله أن ترى شخصا صاحب دين وعلم صاحب عبادة صاحب خلق صاحب حسن معاملة فتحبه لما في قلبه لما قام به من طاعة الله والإيمان به فهذه هي المحبة في الله والبغض في الله أن ترى شخصا عاصيا متهاونا بدينه لا يبالي فتكرهه وتبغضه لما هو عليه من التهاون بدين الله ﷿ والحب في الله والبغض في الله من أوثق عرا الإيمان ولهذا يجب علينا أن يكون حبنا وبغضنا لله ﷿ لا نحب إلا من أحبه الله ولا نبغض إلا من أبغضه الله نحب من أحبه الله وإن كنا لا نميل إليه ميلا طبيعيا ونكره من يكرهه الله وإن كنا نميل إليه ميلًا طبيعيًا حتى يحصل لنا التمسك بأوثق عرا الإيمان. ***
الحب في الله والبغض في الله كيف يكون فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحب في الله يعني أنك لا تحب الرجل إلا لله بأن تراه كثير العبادة كثير الصدقة يحب الخير يكره الشر فتحبه لذلك لا لكونه قريبا لك أو صديقا لك أو غنيا أو فقيرا أو ما أشبه ذلك وكذلك البغض لله أن تبغضه لكونه عاصيًا لله ﷿ غير مستقيم على أمر الله لا لعداوة شخصية بينك وبينه ولكن لأنه قد فرط في حق الله. ***
بارك الله فيكم أيضًا من أسئلة المستمعة تقول هل تعد زيارة المسلمة لأهلها الكفار موالاةً لمن حاد الله ورسوله وهل يعتبر الأب أجنبيًا يجب عدم الكشف له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلة الرحم لا تعتبر موالاةً بل الموالاة شيء والصلة شيء آخر ولهذا جمع الله تعالى بين الصلة وبين النهي عن اتخاذ الولاية في سورةٍ واحدة فقال تعالى في سورة الممتحنة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال في نفس السورة (لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ) فصلة الرحم أمرٌ منفصل عن الولاية فعلى هذا يجب على الإنسان أن يصل رحمه ولو كانوا كفارًا لكن بدون موالاةٍ ومناصرة ومعاضدة على ما هم عليه من الكفر وكذلك يجوز أن يدعوهم إلى بيته مثلًا ولكن مع ذلك ينبغي أن يحرص على عرض الإسلام عليهم ونصحهم وإرشادهم لعل الله أن يهديهم بسببه. ***
أحسن الله إليك يا شيخ هل يأثم الإنسان إذا عاش مع أناس لا يصلون ولكنه يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر لكنه لا يستطيع أن يهجرهم لأنهم إخوان وأقارب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم، إذا كانوا لا يصلون فالواجب عليه نصيحتهم حينًا بعد حين فإن أصروا على ترك الصلاة فهم كفرة مرتدون عن دين الإسلام مستوجبون للخلود في النار والعياذ بالله وعليه أن يهجرهم فلا يجيب دعوتهم ولا يسلم عليهم ولا يدعوهم إلا إذا رجا ولو رجاءً بعيدًا أن يهديهم الله ﷿ بالمناصحة فلا ييأس من رحمة الله. ***
هل يجوز مؤاكلة المشركين من طبق واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى للمسلم أن يتجنب مجالس السوء ومنها مجالس المشركين واليهود والنصارى فليبتعد عنهم بقدر الإمكان لكن إذا ألجأته الحاجة أو الضرورة لمؤاكلتهم فإنه يعذر في ذلك كما يوجد اليوم في كثير من المؤسسات تجمع بين عمال كفار وعمال مسلمين ولا يستطيع المسلم أن يتخلص من الاجتماع بهؤلاء ولكني أقول إن من الخير أن يعرض المسلم على هؤلاء الكفار محاسن الإسلام وأن يدعوهم إلى الإسلام فلعل الله ﷾ أن يهديهم به فينال هذا الأجر الذي قاله رسول الله ﷺ لعلي بن أبي طالب حين وجهه إلى خيبر قال له (ادعهم إلى الإسلام فوالله لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خير لك من حمر النعم) وحمر النعم هي الإبل الحمراء وكانت من أنفس الأموال وأغلاها عند العرب. ***
هذا السائل مصري ومقيم بالطائف علي بن كمال يقول في هذا السؤال أسأل عن حكم زيارة النصراني إذا كان مريضًا وعن اتباع جنازته فأجاب رحمه الله تعالى: زيارة النصراني أو غيره من الكفار إذا كان مريضًا وتسمى في الحقيقة عيادة لا زيارة لأن المريض يعاد مرة بعد أخرى فإذا كان في ذلك مصلحة كدعوته إلى الإسلام فهذا خير ويطلب من الإنسان أن يعوده وإن لم يكن فيها مصلحة فإن كان هناك سبب يقتضي ذلك مثل كونه قريبا أو جارا أو ما أشبه ذلك فلا بأس أيضا وإلا فالخير في ترك عيادته وأما اتباع جنازته فإن كان فيها شيء محرم كالناقوس وإشعال النيران والصلبان فإنه لا يجوز وإن لم يكن فيها شيء محرم فينظر إلى المصلحة في ذلك والله أعلم. ***
هل يجوز السفر للبلاد الكافرة والعمل بها في الأعمال المباحة مع المحافظة على العقيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يسافر إلى هذه البلاد مخاطر بدينه لأنها بلاد كفر والمرء إذا عاش في بيئة فإنه يتأثر بها إلا من عصم الله قال النبي ﷺ (كل مولود يولد على الفطرة فأبواه يهودانه أو ينصرانه أو يمجسانه) وكيف تطيب نفس مؤمن أن يعيش في بلاد لا يسمع إلا أجراس النواقيس وأصوات الأبواق ولا يسمع فيها قول الله أكبر حي على الصلاة المؤمن ينبغي له أن يبتعد مهما أمكن عن بلاد الكفر ولكن إذا دعت الحاجة إلى ذلك وكان عنده علم يدفع به شبهات المنصرين وكان عنده عبادة تمنعه من الزيغ والميل بهذه الشروط الثلاثة نرى أنه لا بأس أن يسافر إلى الخارج بالشروط الثلاثة أعيدها أولًا الحاجة إلى ذلك بأن يكون مسافرًا لتخصصات لا توجد في بلاده وثانيًا أن يكون لديه علم يدفع به شبهات المضللين المنصرين وغير المنصرين الشرط الثالث أن يكون عنده عبادة قوية تمنعه من الزيغ والانحلال فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة فلا بأس أن يسافر وإذا تخلف واحد منها فنرى أنه لا يجوز السفر لا سيما لصغار السن والنشء فإنهم على خطر وقد حذر رسول الله ﷺ من سمع بالدجال أن يقرب منه وأمره بأن يبعد عنه وأخبر بأن الرجل يأتي إليه وهو يرى أنه لا يصده ثم لا يزال به حتى يصده عن دينه وهذا أمر واقع فإن الذين يسافرون إلى بلاد الكفر غالبهم يرجع بغير ما سافر به من دين وخلق نسأل الله السلامة والعافية. ***
أيضًا يقول ما حكم السفر إلى بلاد الكفار للترفيه مع العلم أن الإنسان سيلتزم بزيه الإسلامي وواجباته والله الموفق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن السفر إلى بلاد الكفار خطر على الإنسان مهما كان في التقوى والالتزام والمحافظة فهو إما مكروه أو محرم إلا لحاجة والنزهة ليست بحاجة ففي بلاد الإسلام ولله الحمد من المنتزهات الكثيرة ما هو كفيل بإشباع رغبة الإنسان على الوجه المباح ولا حاجة به إلى بلاد الكفر ثم إن النفس أمارة بالسوء قد تسول له نفسه أن يفعل ما لا يحل له شرعًا في تلك البلاد التي لا تحل حلالًا ولا تحرم حرامًا ثم إنه قد يألف ذلك سنة بعد سنة حتى يرغب في أولئك القوم وَيحلُو له ما يفعلون من عادات وغيرها مخالفة للشرع وحينئذٍ يقع في أمر لا يستطيع الخلاص منه. ***
المستمعة تغريد تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا كان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلًا إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلًا وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضًا هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي ﷺ لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير مسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير مسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير مسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس ﵄ (طعامهم: ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي ﷺ أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية وأجاب يهوديًا على إهالة سنخة وخبز شعير وأقر عبد الله بن مغفل على أخذ الجراب من الشحم الذي رمي به في فتح خيبر فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة ﵂ أن قومًا قالوا يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا فقال النبي ﷺ (سموا أنتم وكلوا) قالت وكانوا حديثي عهد بكفر يعني أنهم جديدو الإسلام ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي ﷺ هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم فقال (سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعابًا كثيرًا لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوبًاَ أو مسروقًا ومن الجائز أن يكون ثمنه حرامًا ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فعل على وجه تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال من المسألة الثانية أو السؤال الثاني وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد الله ﷿ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله ﷾ قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ من الحق) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر فهو عدو الله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله ﷿ وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه. ***
بارك الله فيكم يقول أنا مقيم في الأردن في منزل معظم سكانه من الإخوة المسيحيين نأكل ونشرب مع بعضهم فهل صلاتي وعيشي معهم باطل أرجو من الشيخ إفادة حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على سؤاله أود أن أذكر له ملاحظة أرجو أن تكون جرت على لسانه بلا قصد وهي قوله أعيش مع الإخوة المسيحيين فإنه لا أُخوة بين المسلمين وبين النصارى أبدًا الأُخوة هي الأُخوة الإيمانية كما قال الله ﷿ (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ) وإذا كانت قرابة النسب تنفى مع اختلاف الدين فكيف تثبت الأُخوة مع اختلاف الدين وعدم القرابة قال الله ﷿ عن نوح وابنه لما قال نوح ﵊ (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ) فلا أخوة بين المؤمن والكافر أبدًا بل الواجب على المؤمن أن لا يتخذ الكافر وليًا كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) فمن هم أعداء الله أعداء الله هم الكافرون قال الله (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) وقال ﷾ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فلا يحل للمسلم أن يصف الكافر أيًا كان نوع كفره سواء كان نصرانيًا أم يهوديًا أم مجوسيًا أم ملحدًا دهريًا لا يجوز له أن يصفه بالأخ أبدًا فاحذر يا أخي مثل هذا التعبير ولا يعني ذلك حينما نقول هذا أنه لو كان أخًا لك في النسب حقيقة أن أخوته تنتفي أعني أخوته النسبية بل إن أخوته النسبية ثابتة إذا كان أخًا لك مثل أن يكون من أولاد أمك أو أولاد أبيك لكن أخوة تكون أخوة ربط بينك وبينه هذه لا تجوز أبدًا وأما الجواب على سؤاله فإن الذي ينبغي للإنسان أن يبتعد عن مخالطة غير المسلمين يبتعد عنهم لأن مخالطتهم تزيل الغيرة الدينية من قلبه وربما تؤدي إلى مودتهم ومحبتهم وقد قال الله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) . ***
المستمع ع ن من السودان يقول ظروف العمل قد تجمعنا مع هؤلاء الآتية صفاتهم أولهم رجلٌ يدين بدين المجوسية مطلقًا لا علاقة له بالإسلام وثانيهم يدين بأحد الأديان السماوية المنسوخة بالإسلام وثالثهم ناكرٌ للأديان ورابعهم يدين بالإسلام ويؤمن به ولكنه في نفس الوقت لا يطبق قواعد الإسلام الخمسة عمليًا مع القدرة على العمل ويترك ذلك تلقائيًا بغير عذرٍ شرعي زد على ذلك أنه يستغيث ويستعين بغير الله وسؤالي هو أننا بحكم ظروف العمل الموحد في مصلحةٍ واحدة يبادروننا بالسلام مرةً وتارةً نبادرهم نحن وأيضًا قد يموت واحدٌ من هؤلاء ويلزمنا من ناحيةٍ إنسانية بحكم الزمالة أن نحضر مراسم العزاء من صلاةٍ ودفن وتعزية فما حكم الإسلام في كل هذا أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن ننصح هذا الأخ ونقول له ينبغي لك أن تطلب عملًا ليس فيه أحدٌ من أعداء الله ورسوله ممن يدينون بغير الإسلام فإذا تيسر فهذا هو الواجب وهذا هو الذي ينبغي وإن لم يتيسر فلا حرج عليك لأنك أنت في عملك وهم في عملهم ولكن بشرط أن لا يكون في قلبك مودةٌ لهم ومحبة وموالاة وأن تلتزم ما جاء به الشرع فيما يتعلق بالسلام عليهم ورد السلام ونحو هذا كذلك أيضًا لا تشيع جنائزهم ولا تحضرها إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك كما لو لم يوجد أحد يقوم بدفنهم فلا حرج عليك في هذه الحال أن تقوم بدفنهم وأما مع وجود أحد من أوليائهم يقوم بذلك فإنك لا تشهد جنائزهم لأن المؤمن يجب أن يراعي ما يرضي الله ورسوله (وَاللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ إِنْ كَانُوا مُؤْمِنِينَ) . ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول هذا السائل لدي أخٌ لا يصلى إلا قليلًا وهو عاقٌ لوالديه كما أنه يشرب الدخان وهو بذيء اللسان بالإضافة إلى أعمال أخرى يقوم بها فما الحكم في هذا الشخص هل لنا أن نجلس معه في المجلس الذي يكون فيه وهل نأكل معه من طبقٍ واحد أم يأخذ حكم تارك الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأخذ حكم تارك الصلاة لأن بينه وبين تارك الصلاة فرقًا فتارك الصلاة كافرٌ مرتد وليس من المسلمين وهذا مسلم لكنه ناقص الإيمان فأرى أن تنظروا للمصلحة إن كانت مشاركتكم إياه في الأكل والشرب والجلوس تؤدي إلى رقة قلبه وميوله إليكم فافعلوا، وهذا وإن كان لا يحصل في أول مرة أو ثاني مرة لكن ما دمنا نعرف أن الرجل له نوع من الميل إلى الاستقامة فلنجلس معه ونتحدث إليه ولنباسطه، أما إذا عرفتم أن الرجل معاندٌ مكابر وأن هجره في هذه الأحوال يؤدي إلى خفة استكباره وإلى رجوعه إلى الحق فافعلوا أي جانبوه في الأكل والشرب والجلوس والتحدث. ***
العريان الباجي أحمد من جمهورية مصر العربية يقول أنا مقيم بالعراق يقول في رسالته أصلى وأصوم شهر رمضان وكان معي جماعة من المسيحيين وسكنت معهم في المسكن وكنت آكل وأشرب معهم هل صلاتي صحيحة وأكلي وشربي معهم صحيح أم لا أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الرجل يقول إن معه جماعة من النصارى وإنه يأكل معهم ويشرب معهم ويصلى فهل هذا الفعل صحيح أم لا فنقول له في الجواب على ذلك أما صلاتك فصحيحة لأنه لم يكن فيها شيء يوجب بطلانها وربما تكون صلاتك داعية لهم إلى الإسلام مرغبة لهم فيها إذا رأوا أنك تذهب وتدع العمل لتقوم بما أوجب الله عليك من الصلاة وتقوم في آخر الليل تتوضأ ولا سيما في الليالي الباردة لتؤدي ما فرض الله عليك فربما يكون ذلك سببًا لرغبتهم في الإسلام ودخولهم فيه وأما معاشرتك إياهم وأكلك وشربك معهم فإن هذا لا ينبغي بل الذي ينبغي لك أن تختار أصحابًا من المسلمين ليكونوا لك عونًا على طاعة الله ﷾ وتبتعد عن قوم ليسوا بمسلمين لأن ذلك أعني مخالطتك غير المسلمين قد يؤدي إلى محبتك إياهم ومودتك لهم وقد يكون لك معهم مجاملة ومصانعة لاتحل لك وقد قال الله ﷾ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) ***
يقول لي أخ في بلاد كفار مثل الاتحاد السوفيتي وغيرها من البلاد الكافرة الذين يُعدون دار حرب فما هو الجواب حيال هذا الأخ في معاملته ومراسلاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأخ الذي يكون في بلاد الكفار سواء كانت حربية أم ذات عهد يجب على المرء أن يراسله ليناصحه ويدعوه إلى القدوم إلى بلاد الإسلام لأن ذلك أسلم لدينه وأبرأ من براثن الشرك والكفر وأما تركه وهجره فهذا قد لا يزيده إلا شرًا وسوءًا وتمسكًا بما هو عليه فالذي ينبغي لهذا أن يراسل أخاه ويدعوه إلى الدين ويرغبه فيه ثم إلى الهجرة من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام إلا إذا كانت إقامته هناك لمصلحة تعود إلى الإسلام مثل أن يكون داعية هنالك موفقًا في دعوته فهنا الإقامة من أجل هذا الغرض لا بأس بها بل قد تكون واجبة عليه. ***
يقول لي صديق لا يصلى ولا يصوم وهو في العشرين من العمر وأنا أحبه وأقدره لأنه زميل مخلص لي وأنا أحافظ على الصلوات والحمد لله فما حكم زمالتي له؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول أولا ما دام صديقًا لك فله حق عليك أن تناصحه وأن تؤكد عليه أن يصلى وأن تخوفه من عقوبة الله ﷿ إذا لم يصلِّ وأن تصطحبه معك إلى المسجد وإلى مجالس الذكر ومجالس الإيمان من الأصحاب والخلان لعل الله يهديه على يدك فتكون أهديت له أهم هدية فإن حصل هذا المطلوب فهو المطلوب وإن لم يحصل فلا أرى أن تصاحبه ولا أن تماشيه لأن من ترك الصلاة فهو كافر كفرا مخرجا عن الملة هو مرتد يستتاب فإن تاب وإلا قتل. ***
الأخت مليحة صالح عَبَد من العراق بغداد حي الفردوس تقول إنني أعمل في دائرة وهذه يكثر فيها النصارى جدًا ونحن نتعامل معهم ونودهم أحيانًا أكثر من المسلمين وأنا سمعت وقرأت أن هذا لا يجوز على الرغم من أنني أصوم وأصلى وأرتدي الحجاب الشرعي وأخاف الله وأحيانًا أجادلهم إلى درجة الخصومة ولكن دون جدوى وأحيانًا أو كثيرًا ما يكذبون ما أقول ولكن بعد يوم أعود وأتكلم معهم طمعًا في إسلامهم لأنهم يودونني كثيرًا وأنا أظل في حيرة من هذه الصداقة وخصوصًا مع إحداهن فهي لا تؤذيني ولا تسيء إلي ولكني أخاف الله تعالى وأخشى أن يكون علي إثم في صداقتي لها وإخلاصي لها ولكن يعلم الله أنني أطمع كثيرًا في دخولها ورفاقها في الإسلام ولذلك حافظت على علاقتي بها فهل علي شيء في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن المسلم يجب عليه أن يبغض أعداء الله وأن يتبرأ منهم لأن هذه هي طريقة الرسل وأتباعهم قال الله تعالى (قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) وعلى هذا فلا يحل لك أن يقع في قلبك محبة ومودة لأعداء الله الذين هم أعداء لك في الواقع قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) أما كونك تعاملينهم باللين والرفق طمعًا في إسلامهم وإيمانهم فهذا لا بأس به لأنه من باب التأليف على الإسلام ولكن إذا أيست منهم فعامليهم بما يستحقون أن تعامليهم به. فضيلة الشيخ: ماذا عن مودتهم أكثر من المسلمين أو عن مدحهم أو ربما يكون مدحهم بصفة عامة كمن يقول مثلًا إن المسيحيين يعني غير المسلمين قد يكونون أفضل من المسلمين في بعض المعاملات أو في شيء بصفة عامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الذي يوادهم أكثر من المسلمين أن هذا فَعَل محرمًا عظيمًا فإنه يجب عليه أن يحب المؤمنين وأن يحب لهم ما يحب لنفسه أما أن يواد أعداء الله أكثر من المسلمين فهذا خطر عليه عظيم وحرام عليه بل لا يجوز أن يودهم ولو أقل من المسلمين كما سمعت من الآية (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وكذلك أيضًا من أثنى عليهم ومدحهم وفضلهم على المسلمين في العمل وغيره فإنه قد فعل إثمًا وأساء الظن بإخوانه المسلمين وأحسن الظن بمن ليس أهلًا لإحسان الظن والواجب على المؤمن أن يقدم المسلمين على غيرهم في جميع الشؤون في الأعمال وفي غيرها وإذا حصل من المسلمين تقصير فالواجب عليه أن ينصحهم وأن يحذرهم وأن يبين لهم مغبة الظلم لعل الله أنْ يهديهم على يده. ***
بارك الله فيكم من الجزائر السائل محمد أ. أ. يقول فضيلة الشيخ أنا مسلم وأحمد الله على ذلك متبع لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولكن لي زملاء عندهم بعض البدع فهل لي أن أتركهم وأهجرهم أفيدوني وانصحوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على من كان له قرناء فيهم بدعة أن ينصحهم ويبين لهم أن ما هم عليه بدعة لعل الله أن يهديهم على يديه حتى ينال أجرهم فقد قال النبي ﵊ لعلي بن أبي طالب (لأن يهدي الله بك رجلًا واحدًا خيرٌ لك من حمر النعم) فإن أصروا على ما هم عليه من البدعة فإن كانت البدعة مكفرة وجب عليه هجرهم والبعد عنهم وإن لم تكن مكفرة فلينظر هل في هجرهم مصلحة إن كان في هجرهم مصلحة هجرهم وإن لم يكن في هجرهم مصلحة فلا يهجرهم وذلك لأن الهجر دواء إن كان يرجى نفعه فليفعل وإن لم يرجَ نفعه فلا يفعل لأن الأصل أن هجر المؤمن محرم والعاصي من المؤمنين لا يرتفع عنه اسم الإيمان فيكون هجره في الأصل محرما لكن إذا كان في هجره مصلحة لكونه يستقيم ويدع ما يوجب فسقه فإنه يهجر وإلا فلا هذا هو الضابط في الهجر الذي تجتمع فيه الأدلة وخلاصته أن هجر الكافر المرتد واجب إذا لم يفد فيه النصيحة هجر الفاسق ليس بجائز إلا إذا كان في هجره مصلحة ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لا يحل لأحدٍ أن يهجر أخاه المؤمن يلتقيان فيعرض هذا ويعرض هذا وخيرهما الذي يبدأ بالسلام) إلا إذا كان في هجره مصلحة فيهجر كما فعل النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في كعب بن مالك وصاحبيه حين تخلفوا عن غزوة تبوك. ***
فضيلة الشيخ نحن نعلم والحمد لله بأن زيارة القبور بهدف الاستعانة والاستغاثة بها محرم وشرك ولكن ماذا أفعل وأهلي ينذرون الذبائح كل عام لأصحاب القبور بهدف التقرب إليهم ونصحناهم كثيرًا لكن دون فائدة قائلين بأنهم أولياء لله وصالحون فقلت لهم إذا كانوا صالحين فهم صالحون لأنفسهم وهم أموات ولا يستطيعون أن ينفعوكم وسؤالي هل أبقى معهم في المنزل مع العلم بأنهم يصلون وهل صلاتهم هذه مقبولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نحن معك في نصيحة أهلك عن هذا العمل المشين الذي هو من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي قال الله تعالى عنه (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) وإني أقول لأهلك اتقوا الله في أنفسكم فإنكم إن متم على ذلك صرتم من أصحاب النار وأنتم خالدون فيها مخلدون وحرم الله عليكم الجنة والعياذ بالله وهم مشركون مخلدون في النار ولو كانوا يصلون ويصومون ويحجون ويعتمرون وصلاتهم غير مقبولة وحجهم غير مقبول وصدقاتهم غير مقبولة لأنهم كفار والعياذ بالله فنصيحتي لهؤلاء الأهل أن يتداركوا الأمر قبل فوات الأوان أن يتوبوا إلى الله ﷿ قبل حلول الأجل فإن التوبة بعد حلول الأجل لا تقبل قال الله ﵎ (وليست التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ وَلا الَّذِينَ يَمُوتُونَ وَهُمْ كُفَّارٌ أُوْلَئِكَ أَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا) إذًا قولي لأهلك أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار أنقذوا أنفسكم من النار وهؤلاء الموتى الذين تزورونهم أولًا هل تشهدون عليهم بأنهم أولياءٌ لله قد يكونون أولياء لله بحسب الظاهر وباطنهم خراب لا ندري وإذا أحسنا الظن إلى أبعد الحدود فليكونوا من أولياء الله ولكن إذا كانوا من أولياء الله فإنهم جثث هامدة لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا يملكون لغيرهم نفعًا ولا ضرًا قال الله تعالى (قُلْ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَوَاتِ وَلا فِي الأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ وَلا تَنفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلاَّ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ) وقال الله ﵎ (وَالَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ مَا يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ (١٣) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ) وقال الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وليعلم أهلك وغيرهم ممن يدعون الأموات أن هؤلاء الأموات لا يستجيبون ولا ينفعون ولا يضرون وأنهم هم بأنفسهم محتاجون لمن يدعو لهم أسأل الله أن ينير قلوبنا بالتوحيد والإخلاص والإيمان إنه على كل شيء قدير. ***
تذكر أنها فتاة وبحكم علا قتها بالأسرة والعائلة والأقارب العديد منهم لا يصلى فكيف يكون التعامل معهم علما بأنهم يعلمون أن الصلاة واجبة إنما هو تكاسل فكيف تكون العلاقة معهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلاقة مع هؤلاء الذين لا يصلون بتاتًا المناصحة قبل كل شيء بالكلام وبالرسائل وبالأشرطة الدينية فإن انتهوا فإن الله غفور رحيم وإن أبوا إلا أن يكونوا على ما هم عليه وجب هجرهم والبعد عنهم لأنهم في هذه الحال لا حق لهم إذ أن تارك الصلاة مرتد خارج عن الإسلام ليس له حق كما قال الله ﷿ لنوح ﵊ لما قال (رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِينَ) وكان ابن نوح كافرا قال (قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ) فهذه الحال هي التي يجب أن تعاملي بها هؤلاء الأقربين. ***
يا فضيلة الشيخ ليس في مقدور العائلة ولو كانوا يعرفون أن ابنهم هذا لا يصلى أو لا يأتي بشيء من شعائر الدين لا يستطيعون أن يرموه مثلًا في حفرة أو يذهبوا به من دون تغسيل ولا تكفين ولا صلاة عليه لأن هذا يحرجهم جدًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبحان الله وما الذي يمنع ما السبب؟ لأن الواجب على العائلة إذا كان من أبنائهم من هو بهذه الصفة، الواجب عليهم أن لا يحبوه، لأنهم إذا أحبوه فقد أحبوا أعداء الله لأن الكافر عدو لله فقد قال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ) وقال تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ) فأصلًا يعني العطف أو المودة أو المحبة لمثل هذا الذي هو عدو لله هذا لا يجوز، وهو ينافي الإيمان، وكيف يدعي محبة الله من يحب أعداء الله، هذا لا يمكن. ***
ألفاظ وعبارات
ما هي العبارة الصحيحة فيما يأتي اللهم أعوذ بك من علمٍ لا ينفع والثاني يقول ناقل الكفر ليس بكافر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع علم مقيد بهذا أن لا يكون نافعًا وذلك لأن العلم إما نافعٌ وإما ضار لقول رسول الله ﷺ (القرآن حجةٌ لك أو عليك) فالعلم بالشريعة لا يمكن أن يخرج عن أحد هذين الأمرين إما نافعٌ لصاحبه إذا عمل به عملًا وتعليمًا ودعوة وإما ضارٌ له إذا لم يقم بواحدٍ من هذه الأمور الثلاثة فقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ لا ينفع كقولك اللهم إني أعوذ بك من علمٍ يضر. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول ناقل الكفر ليس بكافر هل هذا صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هو إن قصد أنه حديث فليس بحديث وإن قصد أنه كلام لأهل العلم فهذا صحيح أن ناقل الكفر ليس بكافر بمعنى أن الإنسان الذي يحكي قول الكفار لا يكفر وهذا أمرٌ معلوم لأهل العلم وحسب النظر أيضًا فإنك إذا قلت قال فلانٌ إن الله ثالث ثلاثة أو ما أشبه ذلك فإنه لا يعد ذلك كفرًا منك لأنك إنما تحكي قول غيرك. ***
بارك الله فيكم ما حكم قول فلان غفر الله له إن شاء الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به أيضًا لا بأس به، أي لا بأس به أن يقول فلان غفر الله له إن شاء الله وذلك لأن هذه الجملة تفيد الرجاء وليست خبرًا إذ أن الخبر بهذه الصيغة لا يجوز لأنه خبر عن أمر غيبي لا يعلمه إلا الله فلا يجوز الإخبار بأن الله غفر لفلان أو رحم فلانًا أو ما أشبه ذلك لأن هذا لا يعلم إلا بطريق الوحي ولا وحي بعد موت رسول الله ﷺ ولكن هذه الجملة يقصد بها الرجاء أي أرجو إن شاء الله أن يغفر الله لفلان هذا هو معناها عند كل من يتكلم بها. ***
بارك الله فيكم من المنطقة الشرقية السائل عبد الرحمن الرويلي يقول كثير من الناس يقولون اللهم إننا لا نسألك رد القضاء ولكن نسألك اللطف فيه فما الحكم في ذلك جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا نرى الدعاء هذا بل نرى أنه محرم وأنه أعظم من قول الرسول ﵊ (لا يقل أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت) وذلك لأن الدعاء مما يرد الله به القضاء كما جاء في الحديث (لا يرد القضاء إلا الدعاء) والله ﷿ يقضي الشيء ثم يجعل له موانع فيكون قاضيا بالشيء وقاضيا بأن هذا الرجل يدعو فيرد القضاء والذي يرد القضاء هو الله ﷿ فمثلا الإنسان المريض هل يقول اللهم إني لا أسألك الشفاء ولكني أسألك أن تهون المرض لا بل يقول اللهم إنا نسألك الشفاء فيجزم بطلب المحبوب إليه دون أن يقول يا رب أبق ما أكره لكن الطف بي فيه خطأ هل الله ﷿ إلا أكرم الأكرمين وأجود الأجودين وهو القادر على أن يرد عنك ما كان أراده أولا بسبب دعائك فلهذا نحن نرى أن هذه العبارة محرمة وأن الواجب أن نقول اللهم إني أسألك أن تعافيني أن تشفيني أن ترد علي غائبي وما أشبه ذلك. ***
بارك الله فيكم يقول المستمع هذا السؤال ما رأيكم فضيلة الشيخ بقول الداعي في دعائه اللهم لا تعاملنا بعدلك بل عاملنا بعفوك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقول اللهم عاملنا بعفوك وفضلك وأن يدع قوله اللهم لا تعاملنا بعدلك لأنه لا داعي لها وإلا فمن المعلوم لو أن الله عامل الناس بعدله لأهلكهم جميعًا قال الله تعالى (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ) ثم إن الله تعالى لو عامل الإنسان بعدله لكانت نعمة واحدة تستوعب جميع أعماله التي عملها بل لكانت أعماله الصالحة التي عملها نعمة من الله تستحق المكافأة والشكر كما قيل: إذا كان شكري نعمة الله نعمة عليّ له في مثلها يجب الشكر فكيف بلوغ الشكر إلا بفضله وإن طالت الأيام واختصر العمر فلا داعي أن يقول الداعي اللهم لا تعاملنا بعدلك ولكن عاملنا بفضلك بل نقول قل اللهم عاملنا بفضلك ولا تعاملنا بسوء أفعالنا فإنك ذو الفضل العظيم ونحن ذوو الإساءة ونستغفرك اللهم ونتوب إليك. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائل يقول ن. س القحطاني هل من سأل الله ﷿ بقوله اللهم إني أسألك بحق نبيك الذي أرسلت وبحق كتابك الذي أنزلت هل هذا الدعاء صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء غير صحيح لأن حق النبي ﵊ هل المراد حق النبي عليَّ أو حق النبي على الله أم ماذا لا ندري فهو مبهم فحق النبي على الله ﷿ بل حق كل مسلم موحد أن لا يعذب من لا يشرك بالله شيئا كما قال النبي ﷺ في حديث معاذ (حق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئا) وحق النبي علينا هو توقيره واحترامه وتصديق أخباره وامتثال أمره واجتناب نهيه وكل هذا لا يصح أن يكون وسيلة للعبد لكن يقول اللهم إني أسألك بأني آمنت برسولك واتبعته أن تغفر لي أو ما أشبه ذلك كقول المؤمنين (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) وبهذه المناسبة أود من إخواني المسلمين عموما أن يحرصوا على الأدعية الواردة في القرآن والسنة فإنها خير وهي جامعة ولا يعتري الإنسان فيها شك ولا شك أنها خير من جميع الأدعية التي صنفت بعد والتي تعتمد على السجع وما يثير النفس من البكاء وغيره ويكون بها الإعراض عن الأدعية المشروعة التي جاءت في الكتاب والسنة. ***
بارك الله فيكم هذه مستمعة للبرنامج أختكم ن. ع. الأردن عمان تقول دعاء بعض العامة بقولهم الله لا يمتحنا أو الله لا يبتلينا وضحوا لنا ذلك في حكمه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المحنة والابتلاء معناهما متقارب وتكون في الخير وتكون في الشر قال الله تعالى (وَنَبْلُوكُمْ بِالشَّرِّ وَالْخَيْرِ فِتْنَةً وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ) وقال تعالى (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتَّى نَعْلَمَ الْمُجَاهِدِينَ مِنْكُمْ وَالصَّابِرِينَ) ولكن دعاء الناس بقولهم اللهم لا تمتحنا أو لا تبلنا إنما يريدون بذلك الامتحان في الشر والابتلاء في الشر، ولا حرج أن يقول الإنسان اللهم لا تمتحنا بهذا المعنى أو اللهم لا تبلنا بهذا المعنى لأن الإنسان يسأل الله أن لا يبتليه بالشر خوفًا مما إذا وقع الشر لم يستطع الخلاص منه. ***
بعض الناس يقولون يا شيخ فلان يا شيخ فلان والشيخ هذا ميت وحينما نقول لهم بأن هذا لا يجوز يقولون نحن لا نقصد دعاء ذلك فما حكم هذا القول مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما معنى يا شيخ فلان إلا أقول ليس معناه إلا النداء فلا يحل لأحد أن يقول يا شيخ فلان نعم لو أن أحدًا أثنى عليه بشيء وقال القائل رحمك الله يا شيخ مثلًا هذا لا بأس به وأما أن يدعوه ويقول يا شيخ أنجني من كذا يا شيخ أعطني كذا فهذا شركٌ أكبر والعياذ بالله. ***
أحسن الله إليكم في الآية يقول (سَلامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ) يقول هذا بعض الناس عند سماع خبر أو حادث محزن أو شيء مستغرب هل هذا جائز يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير مناسب لأن هذا مما يقال لأهل الجنة لكن إذا سمع حادثًا أو شيئًا مفزعًا فليقل اللهم اجعله سلامًا اللهم الطف بنا في قضائك أو كلمات نحوها. ***
فضيلة الشيخ هل تصح كلمة المرحوم للأموات مثلًا أن نقول المرحوم فلان أرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قال قائل وهو يتحدث عن الميت المرحوم أو المغفور له أو ما أشبه ذلك إذا قالها خبرًا فإنه لا يجوز لأنه لا يدري هل حصلت له الرحمة أم لم تحصل له والشيء المجهول لا يجوز للإنسان الجزم به ولأن هذا شهادةٌ له بالرحمة أو المغفرة من غير علم والشهادة من غير علم محرمة وأما إذا قال ذلك على وجه الدعاء والرجاء بأن الله تعالى يغفر له ويرحمه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه ولا فرق بين أن تقول المرحوم أو فلانٌ ﵀ لأن كلتا الكلمتين صالحتان للخبر وصالحتان للدعاء فهو على حسب نية القائل ولا شك أن الذين يقولون فلانٌ مرحوم أو فلانٌ مغفور له لا يريدون بذلك الخبر والشهادة بأن فلانٌ مرحوم ومغفور له وإنما يريدون بذلك الرجاء والتفاؤل والدعاء ولهذا تكون هذه الكلمة ليس فيها حرجٌ ولا بأس. ***
بارك الله فيكم هذا السائل يقول يا فضيلة الشيخ حكم الشرع في نظركم في عبارة بالرفاء والبنين للعروسين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي أرى أن هذا عدول عما جاءت به السنة في التهنئة بالزواج فإن النبي ﷺ كان إذا رق إنسانًا تزوج قال له (بارك الله لك وبارك عليك وجمع بينكما في خير) فلا ينبغي للإنسان العدول عما جاءت به السنة إلى ما كان الناس عليه في الجاهلية وعلى هذا فنقول لمن رق متزوجًا بهذه العبارة بالرفاء والبنين لقد أخطأت حين عدلت عما جاءت به السنة إلى ما كان عليه أهل الجاهلية. ***
هل يجوز أن يسمى الإنسان بالعزيز والحكيم والعادل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يسمى الإنسان بهذه الأسماء بشرط أن لا يلاحظ فيها المعنى الذي اشتقت منه بأن تكون مجرد علم فقط ومن أسماء الصحابة الحكم وحكيم بن حزام وكذلك اشتهر بين الناس اسم عادل وليس بمنكر أما إذا لوحظ فيه المعنى الذي اشتقت منه هذه الأسماء فإن الظاهر أنه لا يجوز لأن النبي ﷺ غير اسم أبي الحكم الذي تكنى به لكون قومه يتحاكمون إليه وقال ﷺ إن الله هو الحكم وإليه الحكم ثم كناه بأكبر أولاده شريح وقال له أنت أبو شريح وذلك أن هذه الكنية التي تكنى بها هذا الرجل لوحظ فيها معنى الاسم فكان هذا مماثلًا لأسماء الله ﷾ لأن أسماء الله ﷿ ليست مجرد أعلام بل هي أعلام من حيث دلالاتها على ذات الله ﷾ وأوصاف من حيث دلالاتها على المعنى الذي تتضمنه وأما أسماء غيره فإنها مجرد أعلام إلا أسماء النبي ﷺ فإنها أعلام وأوصاف وكذلك أسماء كتب الله ﷿ فهي أعلام وأوصاف أيضًا. ***
المستمع أيضًا من جمهورية مصر العربية يقول أرى بعضًا من الناس يكتب في خطاباته لأخيه مثلًا أو لوالده فيقول مثلًا والدي العزيز أو أخي القدير أو أختي الكريمة وغير ذلك من أسماء الله الحسنى هل هذا العمل فيه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا ليس فيه شيء ليس فيه شيء بل هو من الجائز قال الله تعالى (لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وقال تعالى (وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ) وقال النبي ﷺ (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف) فهذا دليل على أن مثل هذه الأوصاف تصح لله ولغيره لكن اتصاف الله بها لا يماثله شيء من اتصاف المخلوق بها فإن صفات الخالق تليق به وصفات المخلوق تليق به وقول القائل لأبيه أو أمه أو صديقه العزيز يعني أنك عزيز عليّ غال عندي وما أشبه ذلك ولا يقصد بها أبدًا الصفة التي تكون لله وهي العزة التي لا يقر بها أحد وإنما يريد أنك عزيز عليّ وغالٍ عليّ وما أشبه هذا. ***
يقول اسمي محسن وهو من أسماء الله الحسنى وكل من يعرفني يناديني يا محسن ولم أستطع تغييره لأنه مسجل بأوراق رسمية فهل هذا حرام أم مكروه وعلى من يقع الذنب في هذا على من سماني بهذا الاسم أم علي أفيدوني أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المحسن من صفات الله ﷾ ولا أعلم أنه ورد من أسمائه فالإحسان صفة فعل الله سبحانه وبحمده ولا يحرم التسمي به ما دام الإنسان قصد مجرد العلمية فإن من أصحاب النبي ﷺ من يعرف بحكيم،وحكيم من أسماء الله ومع ذلك ما غيرها النبي ﷺ فإذا كان هذا الاسم الذي تسميت به أو سميت به مجرد علم فلا حرج عليك في الاستمرار في التسمية به. ***
يقول في أحد أسئلته قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك مع أن الله هو الحارث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن التسمي بعبد الحارث فيه نسبة العبودية إلى غير الله ﷿ فإن الحارث هو الإنسان كما قال النبي ﷺ (كلكم حارث وكلكم همام) فإذا أضاف الإنسان العبودية إلى المخلوق كان هذا نوعًا من الشرك لكنه لا يصل إلى درجة الشرك الأكبر ولهذا لو سمي رجل بهذا الاسم لوجب أن يغير فيضاف إلى اسم الله ﷾ أو يسمى باسم آخر غير مضاف وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن واشتهر عند العامة قولهم (خير الأسماء ما حمد وعبد) ونسبتهم ذلك إلى رسول الله ﷺ فليس ذلك بصحيح أي ليست نسبته إلى النبي ﷺ صحيحة فإنه لم يرد عن النبي ﷺ بهذا اللفظ وإنما ورد (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وأما قول السائل في سؤاله مع أن الله هو الحارث فلا أعلم اسمًا لله تعالى بهذا اللفظ وإنما يوصف ﷿ بأنه زارع كما في قوله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ أَأَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزَّارِعُونَ) . ***
المستمعة من السودان تقول قرأت في بعض الكتب أن التسمي بعبد الحارث من الشرك قولكم في ذلك يا فضيلة الشيخ مع بيان كيف يكون من الشرك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمي بعبد الحارث من باب إضافة العبودية للمخلوق لأن الحارث من أوصاف المخلوق قال الله تعالى (أ َفَرَأَيْتُمْ مَا تَحْرُثُونَ) وقال النبي ﷺ (أصدق الأسماء حارث وهمام) والتعبيد لغير الله تعالى شرك لأن العبودية لا تكون إلا لله وحده فلا يجوز للإنسان أن يسمي ولده معبدًا لغير الله قال ابن حزم ﵀ أجمعوا على تحريم كل اسم معبد لغير الله حاشا عبد المطلب يعني فإنهم مختلفون فيه والصحيح أنه لا يجوز التعبيد ولا لعبد المطلب وأما قول النبي ﷺ (أنا بن عبد المطلب أنا النبي لا كذب) هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية ولهذا لو قدر أن أحدًا له والد معبد لغير الله وكان هذا الوالد لا يمكن تغيير اسمه فإنه يصح أن يقال هو فلان بن عبد فلان أو بن عبد الشيء الفلاني لأن هذا من باب الإخبار وليس من باب إنشاء التسمية والمعروف عند أهل العلم أن باب الإخبار أوسع من باب الإنشاء. ***
هناك أناس يسمون الممرضات ملائكة الرحمة ما حكم هذه التسمية يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه التسمية حرام لأن الملائكة عليهم الصلاة والسلام أكرم من أن تطلق أسماؤهم على أسماء نساء ممرضات ثم إن هذا الوصف لا ينطبق على كل ممرضة كم من ممرضة سيئة التمريض لا ترحم مريضا ولا تخاف الخالق ﷿ فالمهم أن إطلاق ملائكة الرحمة على الممرضات محرم لا يجوز بل ولا على الممرضين أيضا أن يطلق عليهم ملائكة الرحمة. ***
بارك الله فيكم يقول في هذا السؤال هل قول العقيدة الطحاوية أو العقيدة الواسطية فيه شيء فقد ذكر لي أحد الزملاء بأن ذلك لا يجوز لأنه يخالف السنة والتوحيد ولماذا لا يقال عقيدة المسلمين أو عقيدة أهل السنة مثلا أرجو توضيح ذلك بالتفصيل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج أن يقال العقيدة الواسطية أو العقيدة الطحاوية لأنها من باب نسبة المصنف إلى مصنفه وليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي أو عقيدة ابن تيمية ﵀ المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي والعقيدة التي كتبها شيخ الإسلام ﵀ إجابة لأحد قضاة واسط ولا حرج في ذلك ونظيرها سورة البقرة مثلا ما هي سورة البقرة هي سورة ذكرت فيها البقرة ولهذا لما كان الحجاج يقول السورة التي يقال فيها التي تذكر فيها البقرة السورة التي تذكر فيها النساء بدلا عن سورة البقرة والنساء ردوا عليه فقالوا إن النبي ﷺ سماها سورة البقرة وكذلك سماها الصحابة وسموها سورة النساء وما أشبه ذلك المهم أنه ليس المراد بذلك عقيدة الطحاوي المراد العقيدة التي كتبها الطحاوي وهي عقيدة المسلمين وكذلك العقيدة الواسطية. ***
هذه رسالة وردتنا من صلاح عبد الرحمن آل عبد الله من الرياض يقول كلمة الأديان السماوية هل يجوز إطلاق هذه الكلمة علمًا أننا إذا أطلقناها فقد أقررنا بأن هناك أديان أرضية وهل تدخل هذه الكلمة في باب البدع لأنها لم تؤثر عن المصطفى ﵊؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم نقول الأديان السماوية لأن هناك أديانًا أرضية لأن الدين مادان به العبد ربه سواء كان من شريعة الله ﷾ أم من شرائع البشر ومن المعلوم أن هناك أناسا يدينون بغير دين شرعي يعتقدون ديانة أن يسجدوا للبقر وأن يسجدوا للصنم وغير ذلك والله تعالى لم يشرع هذا في أي كتاب كان ولا على لسان أي رسول كان وعلى هذا فهذه الديانة التي يدينون بها ليست من شريعة الله فليست سماوية وأما الأديان السماوية فهي التي شرعها الله ﷿ لأنها نزلت من السماء إلا أنه يجب أن يعلم السائل وغيره أن جميع الأديان السماوية منسوخة بالدين الإسلامي وأنها الآن ليست مما يدان به لله ﷿ لأن الذي شرعها ووضعها دينًا هو الذي نسخها بدين محمد ﷺ وكما أن النصارى مُقرُّون بأن دين المسيح قد نَسَخَ شيئًا كثيرًا من دين موسى ﵊ وأنه يجب على أتباع موسى ﵊ أن يتبعوا عيسى فإننا كذلك أيضًا نقول إن الإسلام ملزم للنصارى أن يدينوا به ولجميع الأمم أن يدينوا بالإسلام لأن العبرة للمتأخر فالمتأخر من شريعة الله وقد قال الله تعالى عن عيسى إنه قال لقومه (يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّرًا بِرَسُولٍ يَأْتِي مِنْ بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) وهذه البشارة من عيسى ﵊ لمحمد ﷺ تدل على أنه يجب على بني إسرائيل من النصارى واليهود وغيرهم أن يتبعوه إذ أنه لو لم تكن الرسالة التي جاء بها محمد ﷺ شاملة لهم لم يكن لبشراهم بها فائدة فلولا أنهم ينتفعون من هذه الرسالة باتباعها ما كان لهم فيها فائدة إطلاقًا والمهم أنني أقول يجب أن يعلم السائل وغيره أننا وإن عَبَّرنا بالأديان السماوية فليس معنى ذلك أننا نقر بأنها باقية بل نقول إنها منسوخة بدين واحد فقط هو دين الإسلام وأن الدين القائم الذي يرضى الله تعالى أن يدين به العباد له إنما هو دين الإسلام وحده فقط قال الله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وقال تعالى (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) والله الموفق. فضيلة الشيخ: على هذه يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز لنا أن نقول الأديان السماوية ولكن ليس على أنها الآن ثابتة، إطلاق هذه الكلمة يجوز لكن إذا كان يفهم منها أن هذه الأديان باقية وأنها مرضية عند الله فإنه لا يجوز إطلاقها إلا مقرونة ببيان الحال بأن يقال معنى أنها سماوية يعني أنها مما أنزله الله تعالى على الرسل لكنه نسخ - ماعدا الإسلام - بالإسلام. فضيلة الشيخ: ولكن هذه الأرضية على غير حق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وحتى الأديان السماوية التي كانت في وقتها حقًا هي الآن منسوخة بالإسلام. ***
بعض الناس يسمي مكة المكرمة ببلد الديانات السماوية هل هذا التعبير صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعبير باطل لأن أنبياء بني إسرائيل الذين من جملتهم موسى وعيسى إنما كانوا في الشام وليسوا في مكة لكن مكة بلد مبعث النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمدينة مهجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفيها أسست الدولة الإسلامية وفيها أقيم علم الجهاد وفيها توطد الدين الإسلامي فمكة مبتدأ البعث والمدينة منتهى البعث يعني منتهى الدين الذي بعث به النبي ﷺ في مكة. ***
بارك الله فيكم هذا السائل يقول فضيلة الشيخ من الواجب علينا بأنه إذا مر ذكر الصحابي أثناء قراءتنا أننا نقول ﵁ ولكن إذا مر تابعي أو من السلف وقلنا أيضًا ﵁ هل في ذلك حرج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من الواجب علينا أن نقول كلما مر بنا ذكر صحابيٍ ﵁ هذا ليس من الواجب لكن من حق الصحابة علينا أن ندعو الله لهم كما قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) أما أن نترضى عنهم كلما ذكر اسم واحدٍ منهم فهذا ليس بواجب والترضي يكون عن الصحابة ويكون عن التابعين ويكون عن تابعي التابعين ويكون عمن كان عابدًا لله على الوجه الذي يرضاه إلى يوم القيامة ودليل ذلك قوله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) وقوله ﵎ (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ جَزَاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ) ذلك لمن خشي ربه إلى يوم القيامة لكن جرت عادة المحدثين ﵏ أن يخصوا الصحابة بالترضي عنهم ومن بعدهم بالترحم عليهم فيقولوا في الصحابي ﵁ ويقولون فيمن بعد الصحابة ﵀ ولكن لو أنك قلت للصحابي ﵀ وفي غيره ﵁ فلا حرج عليك إلا إذا خشيت أن يتوهم السامع بأن التابعي صحابيٌ والصحابي تابعي فهنا لا بد أن تبين فتقول قال عبد الله بن مسعودٍ وهو من الصحابة ﵀ أو قال مجاهد وهو من التابعين ﵁ حتى لا يتوهم أحدٌ أن ابن مسعودٍ من التابعين ومجاهدًا من الصحابة. ***
علي إبراهيم يقول نحن نقول للصحابة ﵃ لكن التابعين وتابعي التابعين ومن جاء بعدهم هل نقول ﵃ أو ﵏؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نقول رضي الله عن كل مؤمن كما قال الله تعالى (وَالسَّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن المعروف عند أهل العلم تخصيص الصحابة ﵃ بقولهم فيهم ﵃ وأما من بعد الصحابة من التابعين إلى زمننا هذا يقولون فيهم ﵀ وإن كان بعض العلماء قد يقول ﵁ في الأئمة الكبار كالإمام أحمد قال الإمام أحمد ﵁ قال الإمام الشافعي ﵁ قال الإمام أبو حنيفة ﵁ قال الإمام مالك ﵁ لكن عامة المعروف بين أهل العلم أن الترضي يكون للصحابة والترحم يكون لمن بعدهم وإذا كان هذا هو المعروف المصطلح عليه عند عامة العلماء فإن الإنسان إذا ترضى عن شخص من غير الصحابة أوهم السامع بأن هذا الشخص من الصحابة فينبغي أن نتجنب ذلك أو أن يقول قال فلان وهو من التابعين ﵁ قال فلان وهو من تابعي التابعين ﵁ حتى لا يظن أحد أن هذا من الصحابة. ***
يقول هذا السائل هل يجوز أن نقول ﵁ لأي مسلمٍ أم هي خاصة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هي عامة لكل أحد نسأل الله له الرضا قال الله ﷿ (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) لكن جرى الاصطلاح العرفي بين العلماء أن الترضي يكون على الصحابة فقط والترحم على من بعدهم فيقال عن عمر ﵁ ويقال لعمر بن عبد العزيز ﵀ ولا يقال ﵁ هذا في الاصطلاح عند العلماء وهو اصطلاحٌ عرفي ليس اصطلاحًا شرعيًا بمعنى أنه ليس من إرشاد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن نقول للصحابة ﵃ ولغيرهم ﵏ بل هذا شيء جرى عليه الناس فلا ينبغي أن يخرج الإنسان عن المألوف لأنه لو قال مثلًا عمر بن عبد العزيز ﵁ لفهم السامع أنه صحابي بناءً على العرف المطرد. ***
جزاكم الله خيرًا السائلة ف. ق. القحطاني المنطقة الجنوبية تسأل عن بعض العبارات العامية التي تتردد على بعض الألسنة وهل يجوز التلفظ بها مثل (عليك وجه الله أن تعطيني هذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز أن تقول عليك وجه الله لأنها تستشفع بالله على خلق الله والله تعالى أعظم وأجل من أن يستشفع به على خلقه فلا يحل لها هذا اللفظ. فضيلة الشيخ: قول (الله لا يستحي منك) . فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز أيضًا فإنه قد جاء في الحديث عن النبي ﷺ (إن الله حييٌ كريم يستحي من عبده إذا رفع إليه يديه أن يردهما صفرا) نعم إذا قالت إن الله لا يستحي من الحق فهذا حق ولا بأس به. فضيلة الشيخ: قول (يا وجه الله) عند التعب والنصب والغضب. فأجاب رحمه الله تعالى: ما يجوز يجب أن تقول يا ألله لا يا وجه الله يعني إذا قال يا وجه الله فمعنى هذا أنها دعت الصفة منفردةً عن موصوفها وهذا حرام. فضيلة الشيخ: تقول السائلة وكذلك أقول عند الغضب من والدي (حسبي الله) . فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان إذا ظلم أن يقول حسبي الله كما قال الله ﷿ (الَّذِينَ قَالَ لَهُمْ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَانًا وَقَالُوا حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ) ***
بارك الله فيكم يردد بعض العامة (يا هادي) (يا دليل) (لا سمح الله) (لا قدر الله) فما الحكم أيضًا في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما (يا هادي يا دليل) فهذه من أوصاف الله ﷿ فهو يهدي من يشاء إلى الصراط المستقيم وهداية الله تعالى نوعان هداية دلالة وهداية توفيق فإذا قال يا هادي يا دليل فالمعنى متقارب أو واحد وهو ينادي الله تعالى بوصفه لا باسمه وأما (لا سمح الله) فهي كلمةٌ لا ينبغي أن تقال لأن ظاهرها يقتضي أن الله ﷾ له مكره على أن يسمح أو لا يسمح وأما قوله (لا قدر الله) فهي عبارةٌ صحيحة ومعناها الدعاء يعني أن الإنسان يسأل أن لا يقدر الله ذلك ولو أن الذين يستعملون لا سمح الله يجعلون بدلها لا قدر الله لكان ذلك جائزًا ولا شبهة فيه ولا كراهة فيه لكن لا سمح الله ينبغي أن يعدل عنها لأنها توهم معنىً لا يليق بالله ﷾ فيعدل عنها إلى قوله لا قدر الله. ***
يقول بأنه يسمع من الإخوة في الندوات الطيبة الدينية قولهم الحمد لله وكفى فأرجو التكرم بتوضيح هذه العبارة عن كلمة (وكفى) مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قولهم الحمد لله وكفى يعني أن الله تعالى كافٍ عبده كما قال الله تعالى (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) وقال تعالى (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ) أي كافيه شؤونه وأموره فالفاعل في قوله وكفى هو الله ﷿ وليس معنى قوله وكفى أي كفى قولي بل المعنى الحمد لله وكفى الله أي إن الله تعالى كافٍ عبده كما في الآيات التي قال الله فيها (أَلَيْسَ اللَّهُ بِكَافٍ عَبْدَهُ) . ***
بارك الله فيكم يقول عبارة (حمل إلى مثواه الأخير) هل في هذه العبارة شيء يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه فيها الشيء الكثير لو كان الناس يفهمون معناها وأرادوها، لأن قول القائل إنه حمل إلى مثواه الأخير يفيد أن القبر هو آخر مرحلة وآخر منزلةٍ للإنسان وليس الأمر كذلك بل إن القبر يعتبر ممرًا ومزارًا والمثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار وهذه العبارة لو أخذنا بظاهرها لكانت تتضمن إنكار البعث وإنكار البعث كفر لأن الإيمان هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره لكن غالب الناس يطلقها وهو لا يدري ما معناها أو يريد ما يفهمه المسلمون كلهم من أن هذه القبور ممرٌ وزيارة وليست مثوىً أخيرا ولذلك نرى أنه لا يجوز للإنسان أن يطلقها حتى وإن كان يريد بها ما يعلمه المؤمنون بالضرورة من الدين وهو أنه لا بد من البعث ولا بد من الخروج من هذه المقابر وأنا قلت إن المقابر مزار لقول الله ﵎ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يذكر أن أعرابيا سمع قارئًا يقرأ بهذه الآية يقول (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فقال الأعرابي والله ما الزائر بمقيم والله إن هناك شيئًا وراء هذه المقابر. ***
هذه الرسالة وردتنا من الجمهورية العراقية محافظة التأميم بعث بها أحد السادة من هناك يقول إنني عسكري وموجود عندنا كلمة سيدي للعسكري الضابط تتكرر في اليوم عدة مرات فهل يوجد سيد عدا سيدنا محمدًا ﷺ وهل يمُّسنا ذنب أم لا نرجو التوضيح وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السيد على سبيل الإطلاق هو الله ﷿ وأما السيد مضافًا فإنه يصح لأنه يكون سيادة خاصة بشرط أن يكون المقول له ذلك أهلًا للسيادة فيجوز مثلًا أن يقول الإنسان لأبيه هذا سيدي ولأخيه الكبير هذا سيدي ويقول العبد لمالكه هذا سيدي كما قال النبي ﷺ (وليقل سيدي ومولاي) وكذلك قال النبي ﵊ للأوس حين أقبل سعد بن معاذ ﵁ (قوموا إلى سيدكم) فالمهم أن الإنسان يجوز له أن يصف من هو أهل للسيادة بأنه سيده أما إذا كان هذا المقول له ليس أهلًا للسيادة لكونه فاسقًا أو كافرًا فإنه لا يستحق ولا ينبغي للمسلم أن يقول له سيدي لأن هذا إذلال للمسلم والمسلم يعلو بإسلامه على غيره من بني البشر. ***
هذا مستمع للبرنامج سعيد صالح يقول في هذا السؤال درج على كثير من ألسنة الناس عبارة (شورك وهداية الله) تقال هذه العبارة عندما يتشاور بعض الناس في شيء ماذا تقولون في هذا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أقول في هذا إن مقصود السائل أنه يستشير هذا الرجل ويسأل الله الهداية فكأنه قال أنا أنتظر مشورتك وآمل هداية الله ﷿ وهذا المعنى لا بأس فيه ولا حرج فيه فالإنسان يستهدي ربه ويسأله الهداية ويشاور إخوانه بما يشكل عليه ولكن الذي ينبغي أن يبدأ بهداية الله أولًا فيقول هداية الله وشورك أي مشورتك وإن فصل بثم فهو أولى وأحسن فيقول هُدى الله ثم مشورتك. ***
حفظكم الله هذه السائلة جواهر س. م. م. من الأفلاج تقول هل يجوز أن نقول كلمة شكرًا لمن عمل لصاحبه معروفًا أم أنها من خصائص الله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن نقول لمن أسدى إلينا معروفًا شكرًا أو شكر الله إليك أو ما أشبه ذلك قال الله تعالى (أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ) فأثبت الله الشكر له وللوالدين لكن خيرٌ منها أن تقول له جزاك الله خيرًا لأن هذا الذي وردت به السنة وشكرًا ماذا يستفيد منها الذي أسدى المعروف لا يستفيد شيئًا إلا أن الذي حصل له المعروف يتشكر من هذا فقط لكن إذا قال جزاك الله خيرًا أو جزاك عني خيرًا صارت في هذا فائدة للطرفين للمسدي المعروف وللمسدى إليه. ***
يقول بعض العامة عساك تبارك ما حكم هذه العبارة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حسب ما يريدون بها والعامة إذا قالوا عساك تبارك معناه أنهم يسألون الله تعالى أن ينزل فيه البركة وليسوا يقصدون بها المعنى الذي اختص الله به في قوله تعالى (تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا) (تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ) وما أشبهها إنما يريدون بذلك سؤال الله أن ينزل في هذا البركة. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع محمد أ. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في هذه العبارات (من حسن الطالع أن يحصل كذا وكذا) ثانيًا (رب صدفة خير من ميعاد) وثالثًا (هذا اليوم نحس) نرجو بهذا إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما العبارة الأولى وهي قول القائل من حسن الطالع كذا وكذا فإن هذا يعبر به أصحاب النجوم الذين يعتمدون في تقدير النحس والخير للمرء على طوالع النجوم وهي عبارة لا ينبغي للإنسان أن يقولها بل هي إلى التحريم أقرب منها إلى الكراهة وأما قول القائل ورب صدفة خير من ميعاد فلا بأس بها لأن وصف الشيء بالصدفة إذا كان من فعل الإنسان لا بأس به لأن الإنسان تأتيه الأمور بالمصادفة لا يقدر لها تقديرًا ولا يحسب لها حسبانًا وأما بالنسبة لفعل الله فإنه لا يجوز إضافة الصدفة إلى فعل الله لأن الله تعالى يعلم ما يفعله جل وعلا من قبل أن يفعله وهو على صراط مستقيم في كل ما يفعله ﷾ فصارت الصدفة إن أضيفت إلى فعل العبد وحال العبد فلا بأس بها وإن أضيفت إلى الله ﷿ فإنها لا تجوز وأما العبارة الثالثة وهي هذا يوم النحس فلا بأس به إذا لم يقصد السب والعيب وإنما قصد الإخبار لقول لوط ﵊ لما جاءته الملائكة (وَقَالَ هَذَا يَوْمٌ عَصِيبٌ) فوصف الأيام بما تستحقه من وصف إذا لم يكن على سبيل الذم والتقبيح لا بأس به لأن هذا خبر والخبر عن الواقع حق، لعل الاقرب منه الاستشهاد بقوله تعالى: (إنا أرسلنا عليهم ريحًا صرصرًا في يوم نحس مستمر)] القمر:١٩ [ ***
فضيلة الشيخ هذا المستمع فهد بن علي الصعب يقول في هذا السؤال يوجد أناس يقولون بعض الكلمات ولا نعلم عن جوازها وحرمتها مثلًا شخص يبحث عن زميل له فلما وجده قال له (ما صدقت على الله إني أجدك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكلمة لا بأس بها لأن معناها ما ظننت أنني أجدك ولم يقل إني ما صدقت الله بل يقول ما صدقت على الله أي إنني ما ظننت أن هذا يقع ومادام هذا هو المراد فإن التعبير إذا لم يكن فيه محذور شرعي بنفسه يكون جائزًا فالذي نرى أن هذه العبارة لا بأس بها ولا حرج فيها لأن المقصود منها واضح وهي في تركيبها لا تدل على معنى فاسد ***
ما هي صلاة الإشراق وما حكم قول البعض (ما صدقت على الله إني حصلت كذا وكذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإشراق هي التي يصلىها الإنسان إذا أشرقت الشمس يعني ارتفعت وبرزت وظهرت وهي ما يعرف بصلاة الضحى ووقتها من ارتفاع الشمس قيد رمح ويساوي اثنتي عشرة دقيقة أو ربع ساعة بعد طلوع الشمس إلى قبيل الزوال بنحو عشر دقائق كل هذا وقت صلاة الاشراق أو صلاة الضحى وأما قول القائل ما صدقت على الله كذا وكذا فالمعنى ما ظننت أن الله تعالى يقدره وهي كلمة لا بأس بها لأن المقصود باللفظ هو المعنى وهذا اللفظ نعلم من استعمال الناس له أنهم لا يريدون أنهم لم يصدقوا الله أبدًا والله تعالى لم يخبر بشيء حتى يقولوا صدقوه أو لم يصدقوه ولكن يظن أن الله لا يقدر هذا الشيء فيقول ما صدقت على الله أن يكون كذا وكذا أي ما ظننت أن الله يقدر هذا الشيء والعبرة في الألفاظ بمعانيها ومقاصدها. ***
بارك الله فيكم يسأل عن عبارة (أنا على باب الله) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه العبارة يطلقها بعض الناس يريد أن يبين أنه ليس عنده شيء من هذا الذي سئل عنه مثل أن يقال له هل عندك مال فيقول أنا على باب الله أو هل تعرف كذا أو هل أنت طالب علم فيقول أنا على باب الله هل أنت متزوج فيقول أنا على باب الله يعني ليس عندي شيء ولكني أسأل الله ﷾ أن ييسر لي هذا، هذا هو معنى العبارة عند الناس وليس فيها شيء. ***
مستمع للبرنامج يقول بعض الناس فضيلة الشيخ يلزمون الضيف لوجه الله مثل (عليك وجه الله أن تأخذ واجبك عندي) إلى غير ذلك ما حكم الشرع في نظركم في مثل هذه الأقوال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي للإنسان في معاملته إخوانه أن لا يحرجهم فيما يريد أن يكرمهم به فإن إكرام المرء حقيقة أن تيسِّر له الأمر وأن تمهله وألا تثقل عليه بالتلزيم أو بالإلزام والمبالغة في الإكرام إهانة وكم من إنسان حصل له مثل هذه الحال أي أنه ألزم أو لزم عليه بالشيء يفعله أو يدعه فيقع في حرج وربما تضرر بموافقة صاحبه الذي ألزمه أو لزم عليه ولهذا لا ينبغي للإنسان أن يحرج أخاه فيوقعه في الحرج بمثل هذه الأمور بل يعرض عليه الأمر عرضًا فإن وافق فذاك وإن لم يوافق فهو أدرى بنفسه وأعلم،وقد ذكر أهل العلم ﵏ أن الرجل إذا علم أن المهدي أو الواهب له قد أهداه أو وهبه شيئًاَ حياء وخجلًا لا مروءة وطوعًا فإنه يحرم عليه قبول هديته أو هبته فكذلك هذا الرجل الذي ألزم صاحبه أو لزم عليه قد يكون أثم بإحراج أخيه وشر من ذلك بما يقع من بعض الناس بطريقة التلزيم أو الإلزام حيث يحلف بالطلاق فيقول علي الطلاق أن تفعل كذا أو أن لا تفعل كذا أو ما أشبه ذلك وحينئذ يقع في حرج في نفسه وإحراج لغيره فقد يمتنع صاحبه عن موافقته فيقع هذا الذي حلف بالطلاق في حرج وربما يفتى بما عليه جمهور أهل العلم من أن زوجته تطلق إذا تخلف الشرط وربما تكون هذه الطلقة هي آخر ثلاث تطليقات فتبين بها المرأة والمهم أن الذي أنصح به إخواني المسلمين ألا يشقوا على غيرهم ويوقعوهم في الحرج بل يعرضوا الإكرام عرضًا فإن وفقوا فذاك وإلا فليدعوا الإنسان في سعة أما بالنسبة للسؤال بوجه الله ﷿ فإن وجه الله تعالى أعظم من أن يسأل به الإنسان شيئًا من الدنيا ويجعل سؤاله بوجه الله ﷿ كوسيلة يتوسل بها إلى حصول مقصوده من هذا الرجل الذي توسل إليه بذلك فلا يقدمن أحد على مثل هذا السؤال أي لا يقول وجه الله عليك أو أسألك بوجه الله أو ما أشبه ذلك. ***
أنا أحب مشاهدة المصارعة الحرة لأنها ترفه عني وتذهب الملل عن نفسي وكنا سابقًا نقضي بعض الوقت في السباق والرحلات والصيد وقد تعقدت الآن أمور المعيشة فأصبحنا لا نملك الوقت الكافي للعمل واللهو المباح ونظرًا إلى أني لا أملك جهاز تلفاز فإني أذهب في وقت المصارعة إلى أحد المنتزهات أو المقاهي لمشاهدتها وذات مرة جاء أحد المصارعين بحركات مثيرة لجمهور المشاهدين فأخذوا يتصايحون تشجيعًا لهم فإذا بأحدهم يقول يا حبيب النبي استر عليه يا رب يا رب خليه وسؤالي هو هل يجوز إطلاق كلمة يا حبيب النبي لشخص غير مسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة قبل أن نجيب على هذا السؤال نود أن ننصح الأخ وغيره من المستمعين إلى أن يعرفوا أن الوقت ثمين وأن الإنسان إنما خلق لعبادة الله ﷿ ولا ينبغي أن يضيع وقته في مثل هذه المشاهدات التي لا تعينه على طاعة الله ولا تكسبه مصلحةً في دنياه وإنما هي مضيعة وقت لا سيما إذا كانت في منتزهاتٍ عامة فإن الغالب أن هذه المنتزهات العامة لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم هذا حسب ما نظن أنها لا تخلو من مشاهدة أو سماع ما يحرم من أغاني وكلامٍ فاحش بذيء ومن شرب دخانٍ أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي لا يجوز للإنسان الجلوس للمتلبسين بها فننصحه أن يراجع الكتب النافعة القيمة ما دام إنسانا صاحب جدٍ وعمل وكذلك يراجع بعض الصحف التي تبحث في أمورٍ نافعة أو التي فيها أخبار يطلع الإنسان فيها على أحوال المسلمين وما أشبه ذلك وأما إطلاق حبيب النبي على رجلٍ لا يعرف أهو مسلمٌ أو كافر فإنه لا ينبغي إذا علم أنه كافر لا يجوز إطلاقًا وإذا عرف أنه مسلم فهذا يجوز إذا كان هذا المسلم ملتزمًا بإسلامه حقيقةً وإذا كان مشكوكًا فيه والغالب أن الذين يتصارعون هذه المصارعة الحرة الغالب أنهم يكونون غير مسلمين فلا ينبغي إطلاق هذا في قومٍ تجهل حالهم لأن حبيب النبي من كان حبيبًا لله ﷿ والله تعالى إنما يحب المؤمنين والمتقين والمحسنين وغيرهم ممن علق الله محبته بما يتصفون به من صفاتٍ يحبها الله.
فرق وملل
هذا السائل أبو عبد الله يقول نعرف أن هناك بدعًا منحرفة مثل الخوارج والمعتزلة فما هو الضابط الذي نعرف به الفرقة الخارجة عن الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدع أنواع منها ما يخرج من الإسلام ومنها مالا يخرج والضابط الرجوع إلى الكتاب والسنة فما دل القرآن والسنة على أنه بدعة مكفرة كالذي يعتقد أن من أوليائه من يدبر الكون وينزل المطر ويدخل الجنة وينجي من النار وما أشبه ذلك هذا بدعته مكفرة ولا ينفعه إلا أن يتوب منها قبل أن يموت وبعض البدع لا تصل إلى حد الكفر بل تكون شركًا أصغرًا أو كبيرة من كبائر الذنوب أو معصية من المعاصي لكن البدع خطيرة كلها. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ من هم المعتزلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعتزلة هم طائفة مبتدعة يقولون في الله وفي كلام الله وفي أفعال الله ما يخالف مذهب أهل السنة والجماعة ورئيسهم عمرو بن عبيد وواصل بن عطاء وسموا معتزلة لأنهم اعتزلوا مجلس الحسن البصري حيث كان يقرر أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان بل هو مؤمن ناقص الإيمان أو مؤمن بإيمانه فاسق بكبيرته فاعتزلوا هذا المجلس مجلس الحسن البصري وقالوا بقولتهم المشهورة إن فاعل الكبيرة في منزلة بين منزلتين فليس مؤمنا وليس كافرا لكنه مع ذلك مخلد في النار فهم يلتقون بالخوارج في القول بأن فاعل الكبيرة مخلد في النار لكن الخوارج يصرحون بأنه كافر خارج عن الإسلام وهؤلاء يصرحون بأنه خارج عن الإسلام لكنهم لا يجرؤون أن يقولوا إنه كافر بل يقولون إنه في منزلة بين منزلتين فأثبتوا هذه المنزلة المخالفة لكلام الله ﷿ حيث قال ﵎ (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) وليس هناك قسم ثالث ليس بكافر ولا مؤمن إلا على قول هؤلاء المعتزلة الذين ابتدعوا في دين الله وشريعته ما ليس منها. ***
أسعد أ. أسوريا يقول من هم الصابئة هل هم الذين خرجوا عن دين الله أو من دين الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف فيهم العلماء ﵏ قيل إن الصابئة على دين خرجوا عن دين قومهم وقيل إن الصابئة من لا دين لهم ولم يتحرَ عندي أي القولين أصح فالله أعلم. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ السائل م. ح. ج. يقول فضيلة الشيخ نقرأ ونسمع عن أهل الكلام والمتفلسفة عن كثيرٍ من العلماء فمن هم هؤلاء وما هو الكلام المنسوب إليهم أرجو بهذا إفادة جزاكم الله خيرا فأجاب رحمه الله تعالى: الإفادة في هذا أن أهل الكلام هم الذين اعتمدوا في إثبات العقيدة على العقل وقالوا إن ما اقتضى العقل إثباته من صفات الله ﷿ والعقيدة فهو ثابت وما لم يقتضِ العقل إثباته فإنه لا يثبت ويسلكون في ذلك إحدى طريقين فإن كان يمكنهم الطعن في هذا الدليل أي في ثبوت هذا الدليل طعنوا فيه فلو كان هناك حديث يدل على صفةٍ من صفات الله وهم لا يثبتونها حاولوا أن يطعنوا في الحديث حتى يقولوا إنه غير صحيح ولا يعتمد على غير الصحيح والطريق الثاني إذا صح الدليل من حيث الثبوت حاولوا إنكاره من حيث التأويل فأولوه بأنواعٍ من التأويلات الباردة التي لا تغني من الحق شيئًا فمثلًا هناك مبتدعة لا يثبتون أن الله تعالى موصوفٌ بالرحمة ومعلومٌ أن القرآن مملوءٌ من هذه الصفة لله ﷿ مثل قوله تعالى (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ) ومثل قوله تعالى (وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) والآيات في هذا كثيرة فيقولون أن الله تعالى ليس له رحمة ولا يجوز أن يوصف بالرحمة والمراد برحمة الله تعالى إحسانه إلى الخلق فقط فيفسرون هذه الصفة بآثارها دون اتصاف الله تعالى بها أو يقولون المراد بالرحمة إرادة الإحسان إلى الخلق ومعلومٌ أن إرادة الإحسان ثمرةٌ من ثمرات الرحمة فهؤلاء لا يمكنهم إنكار رحمته من حيث الثبوت لكن انكروها من حيث التأويل وقالوا المراد بها كذا وكذا وكذلك قالوا في قوله تعالى (وَجَاءَ رَبُّكَ) أن المراد جاء أمر الله لأن الله تعالى لا يمكن أن يأتي فلا يمكنهم أن يردوا هذا الدليل من حيث الثبوت لأنه في القرآن لكنهم حاولوا رده من حيث التأويل وقالوا (وَجَاءَ رَبُّكَ) أي جاء أمر ربك ولا شك أن التأويل الذي لا دليل عليه يسمى تحريفًا هذا هو الأحق به لأنه صرف كلام الله ورسوله إلى غير ما أراد الله ورسوله فيكون ذلك تحريفًا للكلم عن مواضعه فالمتكلمون هم الذي أثبتوا عقائدهم فيما يتعلق بالله تعالى وفي أمور الغيب بالعقول لا بالمنقول أما المتفلسفة فهم الذين انتحلوا ملة الفلسفة الموروثة عن اليونان والفرس ونحوهم وهي أيضًا بعيدةً من الحق لكن ما وافق الحق منها فهو حق ولا ينبغي أن ينسب إلى آراء هؤلاء المتفلسفة بل إلى كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن الله تعالى أرسل رسوله بالهدى ودين الحق وما كان منها باطلًا فلا خير فيه. ***
المستمع أحمد محمد حسن مصري أرسل برسالة يقول فيها نسأل عن الناس الذين يعطون الناس العهود مثل الطرق الشاذلية والصوفية والرفاعية والبيومية ويقيمون الأذكار في موالد أولياء الله الصالحين مثل سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيد البدوي والكثير من أولياء الله الصالحين فما حكم الشرع في نظركم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى في هذه الطرق وغيرها من الطرق والنحل والمذاهب أنه يجب تعرض على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ فما كان منها حقًا قبل وما كان منها باطلًا وجب رده وعدم الاعتماد عليه والتمسك به وهذه الطرق التي عددها السائل تنبني على ما أشرنا إليه من وجوب عرضها على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ وإذا اشتملت هذه الطرق على دعاء الأولياء وتقديم محبتهم على محبة الله ورسوله والتعلق بهم ودعائهم كان ذلك داخلًا في الشرك وقد يكون شركًاَ أكبر مخرجًا عن الملة فلا ينتفعون بهذه الطرق وإن نصيحتي لهم ولغيرهم أن يرجعوا في أمرهم وشؤون دينهم إلى ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه فإن ذلك هو الخير وهو الذي ينفعهم عند الله وأما هذه الأمور التي يتعلقون بها فإنها لا أصل لها. ***
ماهو موقف الإسلام من الصوفية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصوفية كلمة قيل إنها مشتقة من الصفا وقيل إنها مشتقة من الصفوة وقيل إنها مشتقة من الصوف وهو الأقرب لأنهم كانوا إبان ظهورهم يرتدون الألبسة من الصوف تقشفًا وتزهدًا والصوفية لها طرق متعددة تصل بهم أحيانًا إلى الكفر الصريح حيث إنهم يصلون إلى القول بوحدة الوجود وأنهم لا يشاهدون إلا الرب ويعتقدون أن كل شيء مشاهد من آيات الله ﵎ فإنه هو الله ولا شك أن هذا كفر صريح ومنهم من يشذ عن الإسلام دون ذلك وهم على درجات متفاوتة وأنا أنصح السائل أن يقرأ كتاب هذه هي الصوفية للشيخ عبد الرحمن الوكيل ﵀ لأنه بين في هذا الكتاب ما كان عليه الصوفية الذين يدَّعون أنهم أهل الصفاء والمعرفة بالله ﷿ وهم في الحقيقة أجهل الناس بالله لأن أعلم الناس بالله رسولُ الله ﷺ ثم خلفاؤه الراشدون في هذه الأمة ثم التابعون لهم بإحسان هؤلاء هم أعرف الناس وكل من سلك سبيلًا غير سبيلهم فإن فيه من الجهل بالله بمقدار ما نأى به عن طريق النبي ﷺ وخلفائه الراشدين. ***
بارك الله فيكم، من محافظة بيالي العراق مستمعة غريبة الأصلاني تقول في سؤالها عندنا الكثير من كتب التصوف فما رأي الشرع في نظركم يا فضيلة الشيخ في هذه الكتب وبالتصوف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في التصوف كغيره مما ابتدع في الإسلام ما بينه رسول الله ﷺ لأمته حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فالتصوف المخالف لهدي الرسول ﷺ بدعة وضلالة يجب على المسلم أن يبتعد عنها وأن يأخذ طريق سيره إلى الله من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ، وأما كتب الصوفية فإنه لا يجوز اقتناؤها ولا مراجعتها إلا لشخص يريد أن يعرف ما فيها من البدع من أجل أن يرد عليها فيكون في نظره إليها فائدة عظيمة وهي معالجة هذه البدعة حتى يسلم الناس منها، ومن المعلوم أن النظر في كتب الصوفية وغيرها من البدع من أجل أن يعرف الإنسان ما عندهم حتى يرد عليهم، من المعلوم أن هذا أمر مرغوب فيه إذا أمن الإنسان على نفسه من أن ينحرف من هذه الكتب. ***
المستمع نظام الدين باكستاني يقول ما قولكم فضيلة الشيخ في التصوف والصوفية مع العلم أن التاريخ الإسلامي قد حفظ لنا من خريجي التصوف من غير حصرٍ رجالًا لا تلهيهم تجارةٌ ولا بيعٌ عن ذكر الله وهذه حقيقة لا تحتاج إلى مزيدٍ من البحث فنرجو منكم الإجابة حول هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمدٍ ﷺ وشر الأمور محدثاتها وكل محدثةٍ بدعة وكل بدعةٍ ضلالة وكل ضلالةٍ في النار) لعل هذه الخطبة كافيةٌ في الجواب عن هذا السؤال وذلك أن الطريق الصوفي طريقٌ مبتدع ما أنزل الله به من سلطان فليس عليه رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا الأئمة المهديون وهو أي الطريق الصوفي على درجاتٍ متفاوتة منها ما يوصل إلى الكفر الصريح ومنها ما يوصل إلى الفسق ومع ذلك فهو يتفاوت تفاوتًا كبيرًا ولا يمكن أن نحكم عليه حكمًا عامًا يشمل جميع درجاته ولكني أقول بدلًا من أن يتعب الإنسان نفسه في هذا الطريق الصوفي وتصوره والعمل بمصطلحاته ليتعب نفسه في طريق النبي ﷺ وخلفائه الراشدين والأئمة المهديين حتى يتبين له الحق ويتبعه ويعبد الله على علم وبصيرة لأن الطريقة الصوفية مبنية إما على جهل بالشريعة فتكون عمًا وضلالًا وإما على إصرارٍ وعناد فتكون استكبارًا واستنكافًا فكل ذلك لا يرضاه المسلم في دينه وإنني أشير بل أنصح أخي السائل أن يتجنب هذا الطريق وأن ينظر إلى الطريق السليم المبني على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وفيه كفاية وهداية وما سواه من الطرق فإنه ضلالٌ وعماية نسأل الله السلامة. ***
يا شيخنا الفاضل كثرت الفرق الضالة في زماننا هذا ومن هذه الفرق الضالة الصوفية والتجانية حيث أن لها أنصارًا يدعون أنهم على طريقة صحيحة وأنهم على حق نرجو منكم يا شيخ محمد معالجة هذه الطرق الباطلة وإبانة الحق لأولئك المنخدعين والمغرورين بهذه الطرق الضالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن الجواب على هذا السؤال مأخوذ مما ثبت في صحيح مسلم من حديث جابر ﵁ أن النبي ﷺ كان يقول في خطبته أعني خطبة الجمعةكان يقول في خطبته (أما بعد فإن خير الحديث كتاب الله وخير الهدي هدي محمد وشر الأمور محدثاتها وكل بدعة ضلالة) وللنسائي (وكل ضلالة في النار) . فهذه الطرق التي أشار إليها السائل وغيرها من الطرق الأخرى هل تنطبق على هدي النبي ﷺ أو لا تنطبق فإن كانت منطبقة فهي صحيحة وهي خير الهدي وهي الطريق الموصل إلى الله ﷿ وهي الهدى والشفاء والصلاح والإصلاح والاستقامة وإن كانت مخالفة لهدي النبي ﷺ فهي ضلال وشقاء على أصحابها وعذاب عليهم لا يستفيدون منها إلا التعب في الدنيا والعذاب في الآخرة وكلما كانت أشد مخالفة لهدي النبي ﷺ كانت أكثر ضلالًا وقد تصل بعض هذه الطرق إلى الكفر البواح مثل أولئك الذين يقولون إنهم:وصلوا إلى حد يعلمون به الغيب أو أن أولياءهم يعلمون الغيب أو أن فلانا ينجي من الشدائد أو يجلب الخير أو ينزل الغيث أو ما أشبه ذلك ما يدعى لهؤلاء الذين يزعمون أنهم أولياؤهم وأئمتهم فإن الله ﷿ يقول في كتابه (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ) فمن ادعى أن أحدًا يعلم الغيب فقد كذب هذه الآية الكريمة فمن ادعى أنه يعلم الغيب أو أن أحدًا من الناس يعلم الغيب فقد كذب بهذه الآية الكريمة ويقول الله تعالى آمرًا نبيه أن يعلن للملأ أن يقول (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وفي قوله تعالى (إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) دليل على أنه ﷺ عبد مأمور وقد كان ﷺ كذلك أنه أعظم الناس عبودية لله وأتقاهم له وأقومهم بدين الله صلوات الله وسلامه عليه ويقول الله تعالى لنبيه محمدٍ ﷺ آمرًا إياه (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا (٢١) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) فإذا كان هذا في حق النبي ﷺ فما بالك بمن دونه من الخلق بل ما بالك بمن ادعى أنهم أولياء وأنهم هداة وهم في الحقيقة أعداء وضلال وطغاة وبغاة فنصيحتي لهؤلاء ولغيرهم ممن خرجوا ببدعهم من هدي النبي ﷺ أن يتوبوا إلى الله ﷿ وأن يرجعوا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ التي هي تفسير للقرآن وبيان له وليرجعوا إلى هديه صلوات الله وسلامه عليه الذي هو تطبيق لشريعة الله تمامًا وإلى هدي الصحابة وعلى رأسهم الخلفاء الراشدون أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ أما هذه الطرق وهذه البدع المخالفة لدين الله فإنها ضلال مهما اطمأن إليها قلب الإنسان ومهما انشرح صدره بها ومهما زينت له فإن العمل السيئ قد يزين للإنسان كما قال الله تعالى (أَفَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَنًا فَإِنَّ اللَّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) وقد ينشرح الصدر للكفر كما قال الله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فلا يقولن أصحاب هذه البدع إن صدورنا تنشرح بهذه البدع وإن قلوبنا تطمئن لأن هذا ليس بمقياس ولكن المقياس كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وما كان عليه النبي ﵊ وخلفاؤه الراشدون من الحق والهدى ولهذا أمرنا النبي ﷺ أن نتبعه وأن نتبع سنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فقال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور) وهم أعني أصحاب هذه البدع سواء كانت في الطرق والمنهاج أم في العقيدة هم إذا رجعوا إلى الحق سيجدون سرورًا للنفس ونعيمًا للقلب وسلوكًا جامعًا بين القيام بحق الله وحق النفس وحق العباد أفضل مما هم عليه بكثير وسيتبين لهم أن ما كانوا عليه من قبل شر وضلال ومحنة وعذاب. ***
لقد زعم بعض الصوفية أن لأهل القبور كرامات واستدلوا بقوله تعالى في سورة الكهف (وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ) الآية وقالوا أيضًا لولا أن أباهما كان صالحًا ما خرج الكنز وعدوا هذه من الكرامات له بعد موته فضيلة الشيخ أرجو الشرح والتوضيح لإزالة الغموض ونرجو الرد ورد دعوى الصوفية الباطلة التي أضلت العباد شيخ محمد أيضًا في ملحوظة في نهاية رسالته يقول نحن في السودان نعيش في مجتمع تكثر فيه الشركيات والخرافات والبدع نسأل الله الإنقاذ وبرنامجكم هذا له الدور العظيم في الإنقاذ وكثيرًا من الأسر اتجهت إليه نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال سؤال عظيم وجوابه يحتاج إلى بسط بعون الله ﷿ فنقول إن أصحاب القبور ينقسمون إلى قسمين قسم توفي على الإسلام ويثني الناس عليه خيرًا فهذا يرجى له الخير ولكنه مفتقر لإخوانه المسلمين يدعون الله له بالمغفرة والرحمة وهو داخل في عموم قوله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو بنفسه لا ينفع أحدًا إذ أنه ميت جثة لا يستطيع أن يدفع عن نفسه الضر ولا عن غيره ولا أن يجلب لنفسه النفع ولا لغيره فهو محتاج إلى نفع إخوانه غير نافع لهم والقسم الثاني من أصحاب القبور من أفعاله تؤدي إلى فسقه الفسق المخرج من الملة كأولئك الذين يدَّعون أنهم أولياء ويعلمون الغيب ويشفون من المرض ويجلبون الخير والنفع بأسباب غير معلومة حسًا ولا شرعًا فهؤلاء الذين ماتوا على الكفر لا يجوز الدعاء لهم ولا الترحم عليهم لقول الله تعالى (مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ وَمَا كَانَ اسْتِغْفَارُ إِبْرَاهِيمَ لأَبِيهِ إِلاَّ عَنْ مَوْعِدَةٍ وَعَدَهَا إِيَّاهُ فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ عَدُوٌّ لِلَّهِ تَبَرَّأَ مِنْهُ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ لأَوَّاهٌ حَلِيمٌ) وهم لا ينفعون أحدًا ولا يضرونه ولا يجوز لأحد أن يتعلق بهم وإن قدر أن أحدًا رأى كرامات لهم مثل أن يتراءى له أن في قبورهم نورًا أو أنه يخرج منها رائحة طيبة أو ما أشبه ذلك ومعروفون أنهم ماتوا على الكفر فإن هذا من خداع إبليس وغروره ليفتن هؤلاء العباد بأصحاب هذه القبور وإنني أحذر إخواني المسلمين من أن يتعلقوا بأحد سوى الله ﷿ فإنه ﷾ هو الذي بيده ملكوت السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله ولا يجيب دعوة المضطر إلا الله ولا يكشف السوء إلا الله قال الله (وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنْ اللَّهِ ثُمَّ إِذَا مَسَّكُمْ الضُّرُّ فَإِلَيْهِ تَجْأَرُونَ) ونصيحتي لهم أيضًا ألا يقلدوا في دينهم ولا يتبعوا أحدًا إلا رسول الله ﷺ لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) ويجب على جميع المسلمين أن يزنوا أعمال من يدعي الولاية بما جاء في الكتاب والسنة فإن وافق الكتاب والسنة فإنه يرجى أن يكون من أولياء الله وإن خالف الكتاب والسنة فليس من أولياء الله وقد ذكر الله تعالى في كتابه ميزانًا قسطًا عدلًا في معرفة أولياء الله حيث قال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا ومن لم يكن كذلك فليس بولي لله وإن كان معه بعض الإيمان والتقوى كان فيه شيء من الولاية ومع ذلك فإننا لا نجزم لشخص بعينه بشيء ولكننا نقول على سبيل العموم كل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا لقول الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليعلم أن الله ﷿ قد يفتن الإنسان بشيء من مثل هذه الأمور قد يتعلق الإنسان بالقبر فيدعو صاحبه أو يأخذ من ترابه يتبرك به فيحصل مطلوبه ويكون ذلك فتنة من الله ﷿ لهذا الرجل لأننا نعلم بأن هذا القبر لا يجيب الدعاء وإن هذا التراب لا يكون سببًا لزوال ضرر أو جلب نفع، نعلم ذلك لقول الله تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) وقال تعالى (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) والآيات في هذا المعنى كثيرة تدل على أن كل من دعي من دون الله فلن يستجيب الدعاء ولن ينفع الداعي ولكن قد يحصل المطلوب المدعو به عند دعاء غير الله فتنة وامتحانًا ونقول إنه حصل هذا الشيء عند الدعاء أي عند دعاء هذا الذي دعي من دون الله لا بدعائه وفرق بين حصول الشيء بالشيء وبين حصول الشيء عند الشيء لأننا نعلم علم اليقين أن دعاء غير الله ليس سببًا في جلب النفع أو دفع الضرر في الآيات الكثيرة التي ذكرها الله ﷿ في كتابه ولكن قد يحصل هذا الشيء عند هذا الدعاء فتنة وامتحانًا والله تعالى قد يبتلي إنسانًا بأسباب المعصية ليعلم ﷾ من كان عبدًا لله ومن كان عبدًا لهواه ألا ترى إلى أصحاب السبت من اليهود حيث حرم الله عليهم أن يصطادوا الحيتان في يوم السبت فابتلاهم الله ﷿ فكانت الحيتان تأتي يوم السبت بكثرة بكثرة عظيمة وفي غير يوم السبت تختفي فطال عليهم الأمد وقالوا كيف نحرم أنفسنا هذه الحيتان ثم فكروا وقدروا ونظروا فقالوا نجعل شبكة نضعها في يوم الجمعة ونأخذ الحيتان منها يوم الأحد فأقدموا على هذا الفعل الذي هو حيلة على محارم الله فقلبهم الله تعالى قردة خاسئين قال الله تعالى (وَاسْأَلْهُمْ عَنْ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) وقال ﷿ (وَلَقَدْ عَلِمْتُمْ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا وَمَوْعِظَةً لِلْمُتَّقِينَ) فانظر كيف يسر الله لهم هذه الأسباب أو كيف يسر الله لهم هذه الحيتان في اليوم الذي منعوا من صيدها ولكنهم والعياذ بالله لم يصبروا فقاموا بهذه الحيلة على محارم الله فلننظر لما حصل لأصحاب النبي ﷺ حيث ابتلاهم الله تعالى وهم محرمون بالصيود المحرمة على المحرم فكانت في متناول أيديهم ولكنهم ﵃ لم يجرؤوا على شيء منها فقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبْلُوَنَّكُمْ اللَّهُ بِشَيْءٍ مِنْ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنْ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ) كانت الصيود العادية الطائرة في متناول أيديهم يمسكون الصيد العادي باليد وينالون الصيد الطائر بالرماح فيسهل عليهم جدًا ولكنهم ﵃ خافوا الله ﷿ فلم يقدموا على أخذ شيء من الصيود وهكذا يجب على المرء إذا هيأ الله له أسباب الفعل المحرم أن يتقي الله ﷿ وألا يقدم على هذا الفعل المحرم وأن يعلم أن تيسير الله له أسبابه من باب الابتلاء والامتحان فليحجم وليصبر فإن العاقبة للمتقين. ***
يقول الصوفية في زعمهم أن الأولياء تنكشف عنهم الحجب ويتلقون علمًا مباشرًا من الله يسمونه العلم اللدني وعندما عارضناهم استشهدوا بما رآه عمر بن الخطاب وهو على المنبر من بعض سراياه وهو في ميدان القتال وحذرهم من الجبل الذي كان خلفهم وأن العلم الإلهي الذي يأتيهم هو مما يختص الله بعض عباده به؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول كل إنسانٍ يدعي علم الغيب فإنه كافر وكل إنسان يصدقه في ذلك فإنه كافر لأن الله تعالى يقول (قُلْ لا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلاَّ اللَّهُ وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ) وغيب الله ﵎ لم يطلع عليه أحدًا إلا من ارتضى من رسول كما قال الله تعالى (عَالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَدًا (٢٦) إِلاَّ مَنْ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ) وهؤلاء الأولياء الذين يزعمون ليسوا برسل وليسوا أيضًا بأولياء لله ما داموا يَّدعون ما يكون فيه تكذيبٌ للقرآن لأن ولي الله هو من جمع الوصفين اللذين ذكرهما الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء الذين يسمونهم أولياء إذا ادعوا علم الغيب فليسوا بأولياء بل هم أعداءٌ لله لأنهم مكذبون له ولما ثبت من شريعة رسوله محمدٍ ﷺ وأما احتجاجهم بما أكرم الله به أمير المؤمنين ﵁ فهذه ليست من أمور الغيب لأن هذا أمرٌ محسوس مشاهد لكنه بعيدٌ عن مكان عمر فكشفه الله له فليس هذا من باب علم الغيب لكنه من باب الأمور التي يُطلْع الله عليها من يشاء وهي أمورٌ واقعة ثم إن أمير المؤمنين ﵁ لا شك أنه من أولياء الله لاجتماع الوصفين فيه الإيمان والتقوى لكن هؤلاء الأولياء الذين يدعون الولاية وهم منها براء هؤلاء لا يُصّدقون ثم إن قُدّر أنهم أخبروا بخبر ووقع الأمر كما أخبروا به فإنما هم من أخوان الكهان إن لم يكونوا كهانًا تنزل عليهم الشياطين فيخبرونهم بالخبر ويكذبون معه ما شاؤوا من الكذبات. ***
فضيلة الشيخ محمد هذه الرسالة وردتنا من السودان من المرسل عمر عثمان بود مدني تاجر بالسوق يقول أولًا مسألة الطرق وكثرة مشايخها مما تجعل الإنسان يعيش في حيرةٍ من أمره فهل لهذه الطرق داع أو أن الإنسان إذا كان على مذهبٍ من المذاهب الأربعة لا يلزمه الاهتمام بهذه الطرق أفتونا جزاكم الله عنا خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نحمد الله تعالى أننا لا نعيش مع هذه الطرق ومشايخها ونسأل الله تعالى لنا ولإخواننا المسلمين الثبات على الحق أما فيما يتعلق بسؤال الأخ فإني أتلو عليه آية من القرآن تبين صحة هذه الطرق أو بطلانها يقول الله ﵎ (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ) صراطٌ واحد؛ (صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ) والسبل جمع سبيل بمعنى طريق والمراد بها كل ما خالف طريق الله ﷿ فإنه طريقٌ منهيٌ عنه داخلٌ في عموم قوله السبل ثم قال (ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فهذه الطرق التي يشير إليها السائل يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وهدي خلفائه الراشدين فإن وافقتها فهي حق وإن خالفتها فهي باطلٌ يجب ردها مهما كان الشيخ الذي يقول بها ومهما كانت شعبيته ومهما كان أتباعه ولا تغتر أيها السائل بكثرة التابعين لهؤلاء المشايخ لأن الله يقول (وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ) وقولك إنه يلزم واحدًا من المذاهب الأربعة الحقيقة أن الإسلام مذهبٌ واحد وأن هذه المذاهب الأربعة التي إئتم بها من إئتم من الناس هي عبارة عن أقوال مجتهدين يتحرّون بذلك كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وليست طرقًا مستقلةً عن الدين الإسلامي إذ لو كانت كذلك لم يكن بينها وبين أصحاب الطرق الذين ذكرت عنهم فَرْق ولكنهم يتحرون موافقة الكتاب والسنة ويدعون إلى اتباع الكتاب والسنة وإن خالف ذلك أقوالهم فأنت يجب عليك إذا أردت النصح لنفسك وإستقامة دينك أن تبحث عن سنة النبي ﷺ وخلفائه الراشدين الذين أمر النبي ﷺ باتباعهم حيث قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وأن تقيس ما عليه هؤلاء المشايخ وما عليه غيرهم أيضًا تقيسه بكتاب الله وسنة الرسول ﷺ وخلفائه الراشدين. ***
أنا أسلك طريقة صوفية ولا أعتقد في الشيخ أي اعتقاد يخالف الشريعة وكل الأمر أنني أرى في الشيخ أستاذًا يهدي لطريق الشرع اتفاقًا مع الشريعة الغراء فقط ولكنه ينظم أذكارا شرعية فيها الخير ولا يقول بغير ما جاءت به السنة أو جاء به الكتاب فما رأيكم في إتباعها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن المؤمن يجب عليه أن يجعل متبوعه رسول الله ﷺ قبل كل شيء لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) فإذا كان هذا هو الهدف وهو الأصل عند هذا الرجل وكان لا يستطيع أن يصل إلى الحق بنفسه لقصور علمه أو فهمه واعتمد على شخص يدله على الشرع وعلى الخير فإن ذلك لا بأس به ولكن من غير أن يكون هذا الشخص منتميا إلى طريقة معينة من الطرق بل يكون منتميا إلى مذهب السلف وما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ والأذكار المنظمة التي ينظمها بعض العباد هذه الأذكار إن كانت مما ورد على هذا الوجه الذي يفعلونه المنظم لها رسول الله ﷺ وليس هؤلاء وإن كانت على خلاف ما ورد فإنها بدعة وإن كان أصل الذكر مشروعا لكن تنظيمه على وجه معين يعتبر من البدع ولذلك نقول إن العبادة تفتقر إلى دليل في سببها وفي جنسها وفي نوعها وفي قدرها وفي وقتها وفي مكانها فلابد من أن تكون العبادة التي يفعلها العبد مطابقة للشرع في هذه الأمور أن يكون سببها معلومًا بالشرع وأن يكون جنسها معلومًا بالشرع وأن يكون نوعها معلومًا بالشرع وأن يكون قدرها معلومًا بالشرع وأن يكون زمانها معلومًا بالشرع وأن يكون مكانها معلومًا بالشرع فإذا اختلفت هذه الأمور الستة فإن العبادة يكون فيها بدعة حسب ما خرجت به عن السنة فعليك يا أخي باتباع السلف الصالح والحرص على منهاجهم ودع الطرق التي أحدثت فإن رسول الله ﷺ يقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) . ***
هذه الرسالة بعث بها المستمع يقول من العراق محافظة الأنبار نايف عبيد سابر يقول في رسالته أهدي أجمل تحياتي واحترامي إلى برنامجكم الموقر والذي أفادنا وأفاد المسلمين كافة من إفتاء المعلومات الدينية والاجتماعية وعلى هذا الأساس أرسلت رسالتي هذه وفيها بعض الأسئلة أرجو عرضها على أصحاب الفضيلة والعلماء لديكم وأرجو الإجابة منهم مع الشكر أنا شخصٌ أنعم الله عليه بالهداية وسلكت الطريق الصحيح للإسلام وطبقت جميع الشروط من صلاةٍ وصوم ... الخ والتزمت أكثر من اللازم حيث التجأت إلى أحد الشيوخ الصوفية وأصبحت تلميذًا من تلاميذه حيث أمرني بالحضور لحلقة الذكر يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع وأن أصلى وأسلم على الرسول ﷺ ألف مرة يوميًا وتسابيح أخرى فأرجو إرشادي على أن طريقة الصوفية هل صحيحة في الشريعة الإسلامية وتعاليمها أم غير صحيحة أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول اعلم أن الطرق صوفيةً كانت أم غير صوفية يجب أن تعرض على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فما كان موافقًا لهما فهو حق وما كان مخالفًا فهو باطل والغالب في الطرق الصوفية أنها طرقٌ مبتدعة وربما يصل بعضها إلى الكفر وبعضها دون ذلك ومن هذا الابتداع ما ذكرت عن شيخك أنه كان يأمرك بأن تصلى على النبي ﷺ كل يومٍ ألف صلاة وبتسابيح أخرى فهذه التسابيح الأخرى التي ذكرت لا ندري ما هي حتى نحكم بأنها حقٌ أم باطل وأما الأمر بأن يصلى على النبي ﷺ كل يومٍ ألف صلاة فهذا بلا شكٍ بدعة لا أصل له في سنة النبي ﷺ والذي أنصحك به أن تتطلب عالمًا من علماء السنة المعروفين باتباع السلف الصالح وتأخذ دينك منه وتدع الطرق التي تشير إليها من صوفيةٍ أو غيرها. ***
المستمع أبو حذيفة من مكة المكرمة بعث بهذا السؤال يقول فيه نرى كثيرًا من علماء السوء والضلال الذين لا همَّ لهم سوى أكل أموال الناس بالباطل وهم الذين أوقعوا الناس في شرك يلبسون العمائم الخضر ويتسمون بسمات أهل الصلاح ولكنهم لا يصلون وإذا سئلوا لماذا لا تصلون يقولون نحن نصلى في المسجد الحرام بمكة ويأتي من المريدين من أتباعهم فيزكونهم ويقولون إنكم لا ترونه عندما يذهب إلى مكة لأنه من أهل الخطوة ولأن بينكم وبينه حجابًا فلا ترونه وإذا سئلوا عن الصيام قالوا هذا من فضل الله علينا فنحن لسنا بحاجة إلى الصيام لأننا من أصحاب الأموال والصيام هو للفقراء الذين لا يملكون المال وإذا سئلوا عن الحج قالوا هذا أيضًا من فضل الله ويعتذرون ويقولون إن مكة بلد حارة وكلها جبال ولا يوجد أشجار أو ظلال وفي المقابل نرى البعض من الناس ممن يتبعون لهم عندما يؤدون العمرة أو الحج نراهم يطوفون لهم ويدعون لهم ويودون الصلاة لهم في كل جزء من المسجد الحرام فما حكم فعل هؤلاء وما حكم تصديقهم فيما يقولون وهل أعمالهم مقبولة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الجواب على هذا السؤال أحب أن أوجه نصيحة إلى أولئك الشيوخ الذين وصفهم هذا السائل بما وصفهم به أقول أيها الشيوخ إن الواجب عليكم التوبة إلى الله ﷿ والرجوع عما أنتم عليه مما وصف فيكم وأن تلتزموا طريق النبي ﷺ وأصحابه وأن تقوموا بما أمركم الله به من العبادات الظاهرة والباطنة حتى تكونوا أئمة هدى وصلاح وإصلاح وأما بقاؤكم على ما أنتم عليه مما وصف السائل فهو خسارة لكم في دينكم ودنياكم وهو ضلال وكفر بالله ﷿ ولا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور لا يغركم أن السُّذَّج من الخلق يأتون إليكم يقبلون أيديكم وأرجلكم ويتمسحون بثيابكم وعمائمكم إن هذا غرور من الشيطان يبعث إليكم هؤلاء السذج من أجل أن تستمرئوا ما أنتم عليه وتستمروا على هذه الطريقة الباطلة فاتقوا الله في أنفسكم واتقوا الله في عباد الله واخشوا يومًا لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جاز عن والده شيئًا واعلموا أن من دعا إلى ضلالة كان عليه إثم هذه الدعوة وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة وباب التوبة مفتوح إن عليكم أن ترجعوا إلى الله وأن تبينوا أن طريقتكم الأولى التي أنتم عليها طريقة ضلال وأنكم خاطئون فيها ولكنكم تتوبون إلى الله تعالى منها أما بالنسبة لما ذكره السائل من أحوالهم فإن إنكارهم الصوم وقولهم إن الصوم إنما يجب على الفقراء هذا كفر وردة،كفر وردة عن الإسلام لأن الصوم واجب على كل مكلف (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمْ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) فمن أنكر وجوب الصيام على الأغنياء وقال إنه واجب على الفقراء فقط فقد كفر بالقرآن وكفر بالسنة وكذب إجماع المسلمين وهو كافر بلا شك وكذلك من استكبر عن الحج وقال إن مكة حارة وفيها جبال وليس فيها أشجار فإنه كافر مستكبر عن عبادة الله ﷿ لأنه كره ما أنزل الله بهذا من فريضة الحج على عباده وتعليله هذا كالمستهزئ بشريعة الله ﷾ والله ﷿ فرض الحج على عباده على المستطيع منهم وهو يعلم حال هذه البلاد التي فرض الحج إليها كما قال الله عن إبراهيم خليله (رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنْ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنْ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ) والمغرور بهؤلاء الشيوخ الذين هذه صفتهم والذين هم يصدون عن الإسلام المغرور بهم مخدوع فلا يجوز لأحد أن يدعوا الله لهم إلا بالهداية وأما أن يحج لهم أو يعتمر لهم أو يأخذ بقولهم ويصدقهم فيما يقولون ويتبعهم فيما إليه يذهبون فإنه كافر لأن كل من صدق أن الصوم لا يجب إلا على الفقراء فقط أو أن تكليف الناس الحج تكليف لهم بما لا يطاق لأن مكة جبال وحارة فإنه يعتبر كافرًا لاعتراضه على حكم الله وحكمته وإنكاره ما فرض الله تعالى على عباده من الصوم إلا أن يكون جاهلًا لا يعرف وإنما سقط في أحضان هؤلاء وضللوه ولم يهيأ له من يقول له إن هذا كذب وباطل فهذا ينظر في أمره وأما من صدقهم وهو يعرف ما المسلمون عليه فإنه يكون كافرًاَ بتصديقهم لأنه صدقهم في إنكارهم فرض الصيام كذلك زعمهم أي زعم هؤلاء الشيوخ إذا أمروا بالصلاة أنهم يصلون في المسجد الحرام زعم كاذب باطل فكيف يصلى في المسجد الحرام من كان في إفريقيا أو شرق آسيا أو ما أشبه ذلك هذا أمر لا يمكن ولكنهم يغرون العامة بمثل هذه الكلمات فهم لا يصلون في المسجد الحرام وإنما يريدون التملص والتخلص من الاعتراض عليهم وعلى كل حال فإني أحذر إخواني المسلمين من الاغترار بأمثال هؤلاء وأدعوهم إلى نبذ هؤلاء وإلى البعد عنهم ولكن لا يمنع ذلك من مناصحتهم والكتابة إليهم لعلهم يرجعون إلى الحق. ***
رسالة من المستمع صالح الحموي من دمشق سوريا بعث برسالةٍ يقول فيها إنني أقوم بتدريس مجموعةٍ من الناس الفقه الحنفي والتصوف ونقوم بممارسة الذكر الحضرة ودليلنا على هذا هو أن النبي صلوات الله وسلامه عليه عندما هاجر إلى المدينة المنورة استقبله الناس بالإنشاد وضرب الدفوف فأقرهم على ذلك ولم ينكر عليهم وكذلك ورد في القرآن قوله تعالى (قُلْ اللَّهُ) وكذلك فإنني أعلم تلامذتي ضرورة طاعة الشيخ ومحبته وعدم الاتجاه إلى شيخٍ غيره عملًا بقول النبي ﷺ (من لا شيخ له فشيخه الشيطان) ولكن أحد تلامذتي قد أخذ يجادلني مؤخرًا في هذه الأمور وينكر علي ذلك بحجة أنها بدع وأنها تخالف هدي النبي ﵊ فقد أصبحت في حيرةٍ من أمري ولما سألت عن تصرفاته تلك قيل لي إن الشاب الذي يجادلني متأثرٌ بالوهابية وقالوا بأن هذه الفكرة الوهابية بدعةٌ تدعو إلى التطرف وتحرم المدائح النبوية والمولد وتقول عن كثيرٍ من الأمور المستحسنة إنها من البدع فقد أشكل عليّ الأمر أرجو إرشادكم وتوضيح هذه الحقيقة لي وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فإن هذا السؤال سؤالٌ عظيم اشتمل على مسائل في أصول الدين ومسائل تأريخية ومسائل عملية أما المسائل العملية فإنه ذكر أنه يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ﵀ أحد المذاهب الأربعة المتبوعة المشهورة ولكن ليعلم أن هذه المذاهب الأربعة لا ينحصر الحق فيها بل الحق قد يكون في غيرها فإن إجماعهم على حكم مسألةٍ من المسائل ليس إجماعًا للأمة والأئمة أنفسهم ﵏ ما جعلهم الله تعالى أئمة لعباده إلا حيث كانوا أهلًا للإمامة حيث عرفوا قدر أنفسهم وعلموا أنه لا طاعة لهم إلا فيما كان موافقًا لطاعة النبي ﷺ وكانوا يحذرون عن تقليدهم إلا فيما وافق السنة سنة رسول الله ﷺ ولا ريب أن مذهب الإمام أبي حنيفة ومذهب الإمام أحمد ومذهب الإمام الشافعي ومذهب الإمام مالك وغيرهم من أهل العلم أنها قابلةٌ لأن تكون خطأ أو صوابًا فإن كل أحدٍ يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ وعلى هذا فإنه لا حرج عليه أن يفقه تلامذته على مذهب الإمام أبي حنيفة بشرط إذا تبين له الدليل في خلافه تبع الدليل وتركه ووضح لطلبته أن هذا هو الحق وأن هذا هو الواجب عليهم أما ما يتعلق بمسألة الصوفية وغنائهم ومديحهم وضربهم بالدف والغبيراء وما أشبهها، الغبيراء التي يضربون الفراش ونحوه بالسوط فما كان أكثر غبارًا فهو أشد صدقًا في الطلب وما أشبه ذلك مما يفعلونه فإن هذا من البدع المحرمة التي يجب عليه أن يقلع عنها وينهى أصحابه عنها وذلك لأن خير القرون وهم القرن الذين بعث فيهم الرسول ﵊ لم يتعبدوا لله بهذا التعبد ولأن هذا التعبد لا يورث القلب إنابةً إلى الله ولا انكسارًا لديه ولا خشوعًا لديه وإنما يورثه انفعالاتٍ نفسية يتأثر بها الإنسان من مثل هذا العمل كالصراخ وعدم الانضباط والحركة الثائرة وما أشبه ذلك وكل هذا يدل على أن هذا التعبد باطل وأنه ليس بنافعٍ للعبد وهو دليلٌ واقعي غير الدليل الأثري الذي قال فيه الرسول ﵊ (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعةٍ ضلالة) فهذا من الضلال المبين الذي يجب على المرء أن يقلع عنه وأن يتوب إلى الله وأن يرجع إلى ما كان عليه النبي ﵊ وخلفاؤه الراشدون فإن هديهم أكمل هدي وطريقهم أحسن طريق قال الله تعالى (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنْ الْمُسْلِمِينَ) ولا يكون العمل صالحًا إلا بأمرين الإخلاص لله والموافقة لرسوله ﷺ وأما استدلاله باستقبال أهل المدينة رسول الله ﷺ بالدف والأناشيد فهذا إن صح فإنهم ما اتخذوا ذلك عبادة وإنما اتخذوا ذلك فرحًا بمقدم الرسول ﷺ وليس من هذا الباب في شيء وأما ما ذكره من مجادلة الطالب له وقول بعضهم إنه رجلٌ وهابي وأن الوهابية لا يقرون المدائح النبوية وما إلى ذلك فإننا نخبره وغيره بأن الوهابية ولله الحمد كانوا من أشد الناس تمسكًا بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ ومن أشد الناس تعظيمًا لرسول الله ﷺ واتباعًا لسنته ويدلك على هذا أنهم كانوا حريصين دائمًا على اتباع سنة الرسول ﵊ والتقيد بها وإنكار ما خالفها من عقيدةٍ أو عمل قوليٍ أو فعلي ويدلك على هذا أنهم جعلوا الصلاة على النبي ﷺ ركنًا من أركان الصلاة لا تصح الصلاة إلا بها فهل بعد هذا من شكٍ لتعظيمهم رسول الله ﷺ وهم أيضًا إنما قالوا بأنها ركن من أركان الصلاة لأن ذلك هو مقتضى الدليل عندهم فهم متبعون للدليل لا يغلون بالنبي ﵊ في أمرٍ لم يشرعه الله ورسوله ثم إن حقيقة الأمر أن إنكارهم للمدائح النبوية المشتملة على الغلو في رسول الله ﷺ حقيقة الأمر أن هذا هو التعظيم لرسول الله ﵊ وهو سلوك الأدب بين يدي الله ورسوله حيث لم يقدموا بين يدي الله ورسوله فلم يغلوا لأن الله نهاهم عن ذلك فقال النبي ﵊ (أيها الناس قولوا بقولكم أو بعض قولكم ولا يغرنكم الشيطان) وهو ﵊ نهى عن الغلو فيه كما غلت النصارى في المسيح بن مريم نعم قال (لا تطروني كما أطرت النصارى عيسى ابن مريم إنما أنا عبد فقولوا عبد الله ورسوله) والمهم أن طريق الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ وأتباعه وهو الإمام المجدد طريقته هي ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه لمن تتبعها بعلمٍ وإنصاف وأما من قال بجهل أو بظلمٍ وجور فإنه لا يمكن أن يكون لأقواله منتهى فإن الجائر أو الجاهل يقول كل ما يمكنه أن يقول من حقٍ وباطل ولا انضباط لقوله وإذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت ومن أراد أن يعرف الحق في هذا فليقرأ ما كتبه الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ وأحفاده والعلماء حتى يتبين له الحق إذا كان منصفًا ومريدًا للحق ثم إن المدائح النبوية التي يشير إليها الأخ مدائح لا شك أن رسول الله ﵊ لا يرضى بها بل إنما جاء بالنهي عنها والتحذير منها فمن المدائح التي يحرصون عليها ويتغنون بها ما قاله الشاعر يا أكرم الخلق ما لي من ألوذ به سواك عند حدوث الحادث العمم فإن من جودك الدنيا وضرتها ومن علومك علم اللوح والقلم وأشباه ذلك مما هو معلوم ومثل هذا بلا شك كفرٌ بالرسول ﷺ وإشراكٌ بالله ﷿ فإن رسول الله ﷺ بشر لا يعلم من الغيب إلا ما أعلمه الله ﷿ والدنيا وضرتها وهي الآخرة ليست من جود رسول الله ﷺ بل هي من خلق الله ﷿ هو الذي خلق الدنيا والآخرة وهو الذي جاد فيهما بما جاد على عباده ﷾ وكذلك علم اللوح والقلم ليس من علوم الرسول ﵊ بل إن علم اللوح والقلم إلى الله ﷿ ولا يعلم منه رسول الله ﵊ إلا ما أطلعه الله عليه هذا هو حقيقة الأمر وهذا وأمثاله هي المدائح التي يتغنى بها هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله ﷺ ومن العجائب أن هؤلاء الذين يدعون أنهم معظمون لرسول الله ﵊ تجدهم معظمين له كما زعموا في مثل هذه الأمور وهم في كثيرٍ من سنته فاترون معرضون والعياذ بالله فأنصح هذا الأخ الذي يسأل هذا السؤال أنصحه بأن يعود إلى الله ﷿ وأن لا يطري رسول الله ﷺ كما أطرت النصارى عيسى بن مريم وأن يعلم أن رسول الله ﷺ بشر يمتاز عن غيره بالوحي الذي أوحاه الله إليه وبما خصه الله به من المناقب الحميدة والأخلاق العالية ولكنه ليس له من المتصرف في الكون شيء وإنما التصرف في الكون والذي يدعى ويرجى ويُؤَلَّه هو الله ﷿ وحده لا إله إلا هو سبحانه عما يشركون. ***
المستمع عبد الحكيم علي محمد مصري يعمل بالعراق يقول ومن خلال متابعتي الدائمة لبرنامجكم الكريم وخلال إجابة الأسئلة الخاصة بالتصوف سمعت إجابات مختلفة من أساتذة أفاضل وقد أجمعوا تقريبًا على ذم هذا الأمر بدون استثناء وإني لأعجب أشد العجب من ذلك لأن في اعتقادي والله أعلم أن الأحكام في ديننا العظيم لا تأتي على التعميم في أمور الدين فمثلًا إذا كان هناك شخص سوء في مكان مّا، لا يمكن أن أحكم على جميع من فيه بأنهم أشرار فعندما نحكم على التصوف بأنه سيئ هل معنى ذلك أن التصوف كمبدأ سيئ أم هناك من يدعي الصوفية وهو ليس من أهلها وإذا كان التصوف كذلك فماذا نقول عن أئمة التصوف والذين أفادونا في الدين أعظم إفادة من خلال علمهم وعملهم أمثال الإمام الغزالي وكذلك ابن عطاء الله وعبد القادر الجيلاني والشيخ السنوسي وزواياهم معروفة وفي العصر الحديث الدكتور عبد الحليم محمود ﵀ وماذا يقول الدين عن التصوف في أبسط معانيه والتي نفهمها وهو يتمثل في الزهد في الدنيا مع عدم ترك ما أحل الله لعباده وإخلاص العمل والنية لله تعالى وذكره كثيرًا واستغفاره وحمده مع نبذ كل ما يلتصق بالدين والتصوف من خرافات وبدع وأشياء تؤدي إلى الكفر أعوذ بالله من ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول متداخل وفيه شيء يحتاج إلى تصنيف فالذين سمعهم يذمون التصوف ويطلقون إنما يريدون أن إثبات طريقة على نحو معين تنفرد عن طريقة أهل السنة والجماعة هذا من حيث هو مذموم بلا شك فالذي ينبغي لجميع المسلمين أن يكونوا طائفة واحدة ألا وهي طائفة السلف الصالح أهل السنة والجماعة سواء كان ذلك في العقيدة أو كان ذلك في الأعمال الظاهرة أعمال الجوارح فالذي يذم مطلقًا أن تحدث طريقة معينة يقال لها هذه طريقة القوم إذ أن كل طريق أو كل طريقة تخالف ما كان عليه النبي ﷺ فإنها مذمومة مهما كانت أما بالنسبة للأعمال التي تحدثها هذه الطائفة فإنه ينظر إن وافقت ما جاء به النبي ﵊ فهي حق لكن لا ينبغي أن يقال إنها من طريق الصوفية أو من صنع الصوفية أو من تنظيم الصوفية أو ما أشبه ذلك بل يقال هذه سنة الرسول ﷺ ولا تنسب إلى هذه الطائفة بعينها وحينئذ يخرج من اللقب الذي قد يوجب الذم وأما ما يتعلق بالزهد في الدنيا فلا ريب أن الزهد بالدنيا الذي لا يتضمن ترك ما أحل الله ﷿ أو لا يتضمن ترك ما ينفع في الآخرة لا ريب أنه محمود وأن الإنسان ينبغي له أن تكون الدنيا وسيلة إلى الآخرة لا يكون كل همه وقصده بالدنيا والإنسان إذا أراد الدنيا فقط فإنه قد يضيع الدنيا والآخرة لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا) وأما الأذكار والأوراد التي أحدثها أهل التصوف فإنه لاشك أن ما خالف الشرع منها بكيفيته أو وقته أو عدده أو سببه فإنه بدعة ينكر على صاحبه لأنه لا تكون العبادة عبادة حتى يقوم دليل شرعي على الأمور التالية على سببها وجنسها ونوعها وهيئتها وزمانها ومكانها وقدرها فإذا لم يكن دليل على هذه الأمور فإنها تكون بدعة ويكون فيها من البدع أو من البدعية بحسب ما فارقت السنة فيه. ***
هذه الرسالة وردت من الخليفة مهدي عبد الستار من العراق محافظة صلاح الدين يقول فيها إني مهدي عبد الستار أحد خلفاء الطريقة الرفاعية سؤالي حول موضوع الطرائق الصوفية إني سمعت من فضيلة العلماء أنهم يشكون في الطرائق في برنامجكم هذا ويقول بعض العلماء إن الطريقة بدعة حيث أنها لم ترد عن رسول الله ﷺ حيث أني أخذت الطريقة عن شيخي وأن شيخي أخذ الطريقة عن أبيه وأبوه عن جده وهكذا إلى سيدنا الكبير سيد أحمد الرفاعي أما السيد أحمد الرفاعي فهو ابن السيد سلطان بن علي وستة أظهر ينتسب إلى سيدنا الحسين بن علي بن أبي طالب وهو الذي له الطريقة الرفاعية وتنسب إليه وهو الذي أسس ضرب الحراب والسيوف والدخول في النار وعمل الرفاعي كيف تنكرون هذا وقال الله ﷾ (يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ) وقد خص الله سيد أحمد الرفاعي بالكرامات والشواهد التي جاءت بها الكتب الصوفية مثل قوله أمام حضرة الرسول ﷺ يا مصطفى أنت من أسرار منزلها إلى أخره فمد يدك أو فمد يمينك لأقبلها لكي تحظى بها شفتي وظهرت يد الرسول فقبلها سيد أحمد الرفاعي هل هذا حق أفتونا فيها وشكرًا لكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة مسألة عظيمة وهي مسألة الطرق التي ابتدعها من ابتدعها بواسطة الدعاية له إما من جهة النسب ودعواه أنه يتصل بنسب شريف وإما من جهة ما يدعيه من الكرامات التي اختصه الله بها فيلبس بذلك على عامة الناس ويبتدع في دين الله تعالى ما ليس منه ونحن نذكر جملة عامة أمام الطريقة الرفاعية وغيرها فنقول إن الله ﵎ جعل المشرعين في دين الله تعالى ما ليس منه جعلهم بمنزلة الأصنام اللاتي تتخذ من دون الله تعالى شركاء فقال (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) واليهود والنصارى اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابًا من دون الله لأنهم تابعوهم في تشريع ما يخالف شريعة الله ﷾ ورسول الله ﷺ حذر من البدع تحذيرًا بالغًا حتى إنه في خطبة الجمعة يحذر منها ويقول (كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وهذه الطرق التي يبتدعها أهلها ليتقربوا بها إلى الله ولم تكن في سنة النبي ﷺ نقول عنها إنها بدع محرمة وإنها لا تزيدهم من الله إلا بعدًا وأن ما يدعّونه من نسب شريف أو من كرامات يختصهم الله بها فإنه لا أساس لها من الصحة ماداموا مخالفين في ذلك لشريعة النبي ﷺ فإن الكرامات لا تكون إلا لأولياء الله ﷾ وأولياء الله ﵎ بينهم الله سبحانه في كتابه في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فنحن نعرض حال هذا الرجل الذي يدعي الكرامات نعرضها على كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا ومن أعظم التقوى أن يتقي الإنسان البدعة في دين الله أن يشرع في دين الله ما ليس منه فإذا علم أن الرفاعي أو غيرهم من زعماء البدع ابتدعوا طريقة ليس عليها رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون عُلم أنها طريقة بدعية ضالة وأنه لا يجوز التمسك بها وأن ما يدّعون من كرامات فليست كرامات في الحقيقة وإنما هي أشياء يموهون بها على العامة يتخذونها بطرق حسية لا بطرق إلهية غيبية ويدّعون أنها الكرامات فالدخول في النار مثلًا هناك أشياء يستعملها الإنسان فيدهن بها ويدخل بها النار ولا يحترق فيأتي هذا الرجل الذي يدعي أنه ولي وأنه يدخل في النار ولا تضره كما دخل إبراهيم ﵊ النار ألقى فيها ولم تضره يدهن بهذه الأشياء المضادة للاحتراق لكنه لا يدهن بها أمام هذه العوام بل يدهن بها خفية ثم يأتي أمام الناس ويدخل في النار ويزعم أنه ولي لم يحترق بالنار إلى غير ذلك مما يفعله المشعوذون فإذا قال هذا الرجل إن ما حصل من كرامة من الله ﷿ فإنما يجب أن ننظر حاله إن كان مؤمنًا تقيًا فإن ما ادعاه من الكرامات قد يكون حقًا وإن كان ليس بمؤمن تقي بل هو صاحب بدعة وخرافة وتشريعات لم يأذن به الله ﷿ علمنا أنه كاذب وأنه ليس من أولياء الله بل هو من أبعد الناس عن ولاية الله ﷾ هذه جملة عامة أزفها للرفاعية ولغيرهم من أهل البدع وإنني أناشدهم الله ﷿ أن يرجعوا إلى دين النبي ﷺ وإلى شريعته وأن يعلموا أن دين الله تعالى كامل وأن الله تعالى يقول (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وليعلم كل مبتدع أنه مع تحريم سلوكه وابتداعه هو متنقص لدين الله ﷿ حيث زعم أن ما ابتدعه مما تدعوا الحاجة إليه في دين الله ﷿ وهذا معناه أن دين الله تعالى ناقص ويكون بهذا مكذبًا لقول الله ﷿ (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) فكل ما خالف هذا الدين الذي أكمله الله على يدي رسوله ﷺ فإن الله لا يرضاه فإن الله يقول (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) فقط وقال (وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ) فكل بدعة فإنها ليست من الإسلام بشيء فأناشد هؤلاء الذين يسلكون هذه الطرق من الرفاعية والقادرية والنقشبندية وغيرهم أناشدهم الله ﷿ أن يرجعوا إلى دين الله وإلى سنة رسول الله ﷺ وأن يعلموا أنهم ملاقو الله ﷿ ومحاسبهم على ذلك (يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلاقِيهِ) وليتأملوا كثيرًا قول الله ﷿ (قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاَّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا) إلى أن قال (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) ولو أن المسلمين اجتمعوا على السنة ولم يتفرقوا شيعًا في عقائدهم ومناهجهم وسلوكهم لو أنهم اجتمعوا على ذلك لحصل للأمة الإسلامية من النصر والتأييد والعز والتمكين ما لم يكن كما هم عليه اليوم من الوضع المشين وذلك بسبب بعدهم عن دينهم وتمسكهم به والله أسأل أن يصلح المسلمين وولاة أمورهم وبطانتهم إنه جواد كريم. فضيلة الشيخ: لكن بالنسبة لرؤية يد الرسول ﷺ كما ذكر هذا الشخص وتُرى مثلًا واضحة أيضًا أمام الحضور هذا أيضًا نريد التعليق عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا نقول إن هذه القصة بل وكل قصة وكل خبر فإنه لا يغني ثبوته إلا إذا وصل إلينا من طريق العدول ثم إذا وصل إلى غاية السند فإننا ننظر أيضًا من هو هذا الرجل الذي تحدث بأنه رأى الرسول ﷺ هل هو مقبول الخبر أو غير مقبول الخبر ثم كذلك أيضا ننظر كيف رأى النبي ﷺ أو شيئًا من جسمه ﵊ هل هو على الوصف المعروف الذي ثبت من أوصاف الرسول ﷺ أو لا لأن من رأى النبي ﷺ في المنام فقد رآه حقًا ومن رآه حقًا فإنما يكون على حسب ما هو عليه في الحياة الدنيا ﷺ ثم إن من رأى يدًا قيل له أو وقع في نفسه أنها يد الرسول ﵊ فليس بِمُسلِّم أن تكون هي يد الرسول ﷺ لأن النبي ﵊ إذا رئي فإنما يرى على الوصف الذي هو عليه وهذه القصة كما قلت أولًا يشك في خبرها ويشك في المَخْبِر بها ويشك أيضًا فيما رآه فليست بمُسلّمة إطلاقًا. ***
الأولياء
السائلة أم مصعب تقول ما هي صفات الأولياء أولياء الله وكيف يكون المسلم وليًا لله ﷿؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولياء الله ﵎ هم الذين تولوا أمره وقاموا بشريعته وآمنوا به جل وعلا وكانوا من أنصار دينه وقد بين الله ذلك في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) (يونس: ٦٢) فهؤلاء هم أولياء الله الذين آمنوا بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره آمنوا إيمانًا تامًا ويقينًا صادقًا وكانوا يتقون يتقون معاصي الله فيقومون بالواجب ويَدَعون المحرم فهم صالحون ظاهرًا وباطنًا وما أجمل العبارة التي قالها شيخ الإسلام ﵀ (من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا) ومن ولاية الله الحب في الله والبغض في الله بأن يحب المرء لا يحبه إلا لله ويبغض المرء لا يبغضه إلا لله وأما ما يذكره بعض الناس الذين يدّعون أنهم أولياء وهم فسقة فجرة فهذا كذب وخداع وقد يُجري الله على أيدي هؤلاء من خوارق العادات ما يكون به فتنة والخوارق هذه التي تأتي لغير الأولياء إنما هي من الشياطين تأتي للمرء بأخبار الناس أو تحمله في الهواء أو ما أشبه ذلك ويقول هذا من ولاية الله وكل من ادعى ولاية الله ودعا الناس إلى تعظيمه وتبجيله فليس من أولياء الله لأن هذا تزكية للنفس وإعجاب بها وتزكية النفس من المحرمات قال الله ﵎ (فَلا تُزَكُّوا أَنفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ اتَّقَى) (النجم: من الآية٣٢) أي لا تدّعوا زكاءها قد يدعي الإنسان أنه زكي أو يتصور أنه زكي وهو ليس كذلك وأما قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) فليس المراد من زكاها بلسانه وقال إنه زكي أو اعتقد زكاءه بقلبه وإنما المراد بقوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا) أي فعل ما به تزكو نفسه وإنني بهذه المناسبة أحذر إخواني الذين عندهم من يدعي الولاية وهو أبعد الناس عنها لمحادته الله ورسوله فليحذر إخواني من هؤلاء وأمثالهم أهل الشعبذة واللعب بعقول الناس فإنهم لا ولاية لهم عند الله ﷿. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ في هذا الزمن كثر من يدعي أنه من أولياء الله بحقٍ أو بغير حق فهل هناك تحديدٌ أو صفاتٌ معينة بأولياء الله لكي نفرق بين الولي والدجال نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك تحديدٌ لا تحديد أوضح منه ولا أبين منه وهو ما ذكره الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهؤلاء هم أولياء الله الذين جمعوا بين الإيمان الحقيقي في قلوبهم والتقوى الحقيقية في ظواهرهم فهم أصلحوا البواطن والظواهر فإذا رأيت الإنسان مؤمنًا بالله والإيمان له علامات ظاهرة متقيًا الله فهذا هو الولي وإذا رأيته دجالًا كذابًا فهذا ليس بولي وإن ادعى الولاية. ***
بارك الله فيكم السائل من المغرب فضيلة الشيخ يقول أسمع عن الأولياء وأسمع عن الكرامات التي تحصل لبعض الأتقياء فهل لكم أن تحدثونا عن صحة ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعلم من هم أولياء الله فنقول أولياء الله تعالى من ذكرهم الله في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا سواءٌ أشهره العامة وزعموه وليًا أم كان خفيًا على الناس لا يحب أن يظهر فالولي هو المؤمن التقي هذه واحدة ثانيًا هل لكل وليٍ كرامة والجواب لا ليس لكل وليٍ كرامة بل من الأولياء من يعطيه الله تعالى كرامة محسوسة يشهدها بنفسه ويشهدها الناس ومن الناس من يجعل الله كرامته زيادة إيمانه وتقواه وهذه الكرامة أعظم من الكرامة الأولى الحسية لأن هذه الكرامة أنفع للعبد من الكرامة الأولى إذ أن الكرامة الأولى سببٌ لزيادة الإيمان والتقوى وأما زيادة الإيمان والتقوى فهي الغاية ولهذا نجد أن الصحابة ﵃ تقل فيهم الكرامات بالنسبة للتابعين لأن كرامات الصحابة في زيادة إيمانهم وتقواهم والتابعون ليسوا مثل الصحابة في ذلك ولهذا كثرت الكرامات في عهدهم أكثر من الكرامات في عهد الصحابة ﵃ والكرامات إما أن تكون في العلوم والمكاشفات وإما أن تكون في ظهور التأثيرات والقدرات فأما الأول فكأن يكشف للإنسان عن شيء لا يعلمه غيره كما ذكر عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه كان يخطب الناس يوم الجمعة على منبر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسمعه الناس يقول الجبل يا سارية الجبل يا سارية فتعجبوا من ذلك فكان الأمر أن أحد القواد حوصر في مواجهةٍ بينه وبين أعدائه فكشف لعمر ﵁، عنه وهو على المنبر فخاطبه يقول الجبل يا سارية فسمعه القائد فانحاز إلى الجبل فهذا توجيه من القائد الأعلى عمر بن الخطاب ﵁ إلى قائد السرية أو الجيش من مكانٍ بعيد وسمعه وليس في ذلك الوقت تلفونات هوائية ولاسلكية ولكنها قدرة الله ﷿ هذه كرامة في المكاشفات كشف الله له ما لم يكن لغيره ومن ذلك أيضًا الكرامة في القدرة بأن يجعل الله تعالى للإنسان قدرةً لم تكن لغيره ومن ذلك ما يذكر في غزوات سعد بن أبي وقاص ﵁ أنه كان يغزو الفرس فيفتح الله عليه بلادهم بلدًا بعد بلد حتى وصل إلى نهر دجلة فلما وصل إلى النهر وجد أن الفرس قد أغرقوا السفن وكسروا الجسور وهربوا إلى الجانب الشرقي من النهر فتوقف سعد ﵁ ماذا يصنع فدعا سلمان الفارسي ﵁ وكان ذا خبرة في أحوال الفرس وما يصنعونه عند القتال فاستشاره أي أن سعدًا استشار سلمان الفارسي ماذا يصنع فقال له يا سعد ليس هناك شيء يمكن أن نصنعه إلا أن ننظر في الجيش هل عندهم من الإيمان والتقوى ما يؤهلهم للنصر أو لا، فدعني أسبر القوم وأنظر حالهم فأمهله سعد فجعل يذهب إلى الجيش ويتفقد أحوالهم وينظر أعمالهم فوجدهم ﵃ بالليل يبيتون لربهم سجدًا وقيامًا وفي النهار يصلحون أحوالهم ويستعدون للقتال فرجع بعد ثلاثٍ إلى سعد بن أبي وقاص وأخبره الخبر وقال إن قوم موسى ليسوا أحق بالنصر منا فقد فلق الله لهم البحر وأنجاهم من فرعون وقومه ونحن سوف نعبر هذا النهر بإذن الله فأذّن سعدٌ ﵁ بالرحيل والتقدم إلى النهر وقال إني مكبرٌ ثلاثًا فإذا كبرت الثالثة فسموا واعبروا ففعلوا فجعلوا يدخلون الماء كأنما يمشون على الصفا خيلهم ورجلهم وإبلهم حتى عبروا النهر وهو يجري يقذف بزبده فلما رآهم الفرس قال بعضهم لبعض إنكم لا تقاتلون إنسًا وإنما تقاتلون جنًا فهربوا من المدائن وهي عاصمتهم حتى دخلها المسلمون وفتح الله عليهم هذه كرامة قدروا على أمرٍ لا يقدر عليه البشر بمقتضى قدراتهم حيث خاضوا الماء والنهر يمشي هكذا ذكر المؤرخون هذه القصة هذه كرامة في القدرة وقصة عمر كرامة في المكاشفات أن الله يكشف له ما لا يدركه غيره، وتكون الكرامة في العلم بأن يفتح الله على الإنسان من العلم ما لا يفتحه على غيره ومن هؤلاء فيما نظن ما فتح الله به على شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من العلم العظيم العلم بالنقل والعلم بالعقل حتى إنك لتكاد أن تشك في هذه القدرة العظيمة التي أقدره الله عليها وفتح الله عليه من العلم،ومن الكرامات ما حصل لمريم ﵍ حين حملت بعيسى بن مريم ﷺ فأجاءها المخاض إلى جذع النخلة فجلست إلى هذا الجذع وقالت (يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) قال هزي إليك وهي امرأة ماخض تهز بجذع النخلة فيهتز فرعها ومن المعلوم أن الهز بجذع النخلة حسب العادة لا يمكن أن يهتز به فرع النخلة لكن اهتز فرع النخلة وتساقط منه الرطب والنخلة لا شك أنها فوق قامة الإنسان لأنها لو كانت بقدر القامة لتناولت الرطب بيدها هذا من آيات الله وهو من كرامة مريم ﵍. ***
بارك الله فيكم يسري حامد من جمهورية مصر العربية طنطا يقول فضيلة الشيخ نسمع عن الكرامات لبعض الناس ونسمع كثيرا في بلدنا عن هذا الموضوع بأن هذا الرجل من أولياء الله الصالحين فما حكم ذلك أيضا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكرامات خوارق للعادة يجريها الله ﷿ على يد الرجل الصالح تكريما له أو إقامة دليل على أن ما عليه فهو حق فالكرامات إما لمصلحة الشخص نفسه أو لمصلحة الدين ولكنها لا تكون إلا للأولياء المتقين قال الله تعالى (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فهذا هو الولي الذي قد يظهر الله على يديه من الكرامات ما يدل على صدقه وصحة منهجه وهذه الكرامات موجودة في الأمم السابقة وموجودة في هذه الأمة ولاتزال موجودة فيها إلى يوم القيامة فمن الكرامات للأمم السابقة ما جرى لمريم بنت عمران حينما حملت بعيسى بن مريم ﵊ (فَأَجَاءَهَا الْمَخَاضُ إِلَى جِذْعِ النَّخْلَةِ قَالَتْ يَا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هَذَا وَكُنتُ نَسْيًا مَنْسِيًّا فَنَادَاهَا مِنْ تَحْتِهَا أَلاَّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا وَهُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) فأنت ترى هذه الكرامة امرأة في فلاة من الأرض حامل أتاها المخاض يسر الله لها هذا الطعام والشراب (قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا) وفي الطعام قال (هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُسَاقِطْ عَلَيْكِ رُطَبًا جَنِيًّا) امرأة نفساء والمرأة ضعيفة تؤمر بأن تهز بجذع النخلة لا في رأسها والهز بالجذع لا يحرك النخلة لكن كرامة لها تحركت النخلة ثم لما تحركت تساقط الرطب رطبا جنيا لم يتأثر بسقوطه على الأرض مع أن الغالب أن الرطب إذا سقط من أعلى فإنه يفسد يتمزق بسقوطه على الأرض لكن هذا الرطب الذي تساقط على مريم تساقط عليها رطبا جنيا لم يتأثر بالأرض ولم يتمزق بها (فَكُلِي وَاشْرَبِي وَقَرِّي عَيْنًا) يعني كلي واشربي قريرة العين من غير خوف ولا حزن هذا من الكرامة، ومن الكرامات في الأمم السابقة ما جرى لأصحاب الكهف فتية آمنوا بربهم كرهوا ما عليه قومهم من الشرك بالله ﷿ خرجوا عن البلد فآووا إلى غار وناموا به أتدري كم ناموا ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعا وهم نيام لا يحتاجون إلى أكل ولا إلى شرب ولا إلى بول ولا إلى غائط ولم تتمزق ثيابهم ولم تنم شعورهم ولا أظفارهم بل بقوا على ما هم عليه كل هذه المدة يقلبهم الله تعالى ذات اليمين وذات الشمال لئلا يتحجر الدم على اليمين إن بقوا على اليمين دائما أو على اليسار إن بقوا على اليسار دائما ثم إنهم في كهف (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فلا تدخل عليهم الشمس فلا يسخنون لا يفسدون من الحر ولا البرد وهذه آية من آيات الله ﷿ كرامة من كرامات الله ومن الكرامة كرامات هذه الأمة ما يذكر عن عمر بن الخطاب ﵁ أنه أرسل سرية إلى العراق وعليها رجل يقال له سارية بن الجمير فحصره العدو فكشف لعمر بن الخطاب وهو يخطب الناس يوم الجمعة عن حال هذا القائد فسمعه الناس يقولون الجبل يا سارية الجبل يا سارية فسمع ذلك سارية فانحاز بالناس إلى الجبل فسلم وصارت العاقبة للمسلمين يقول: فأنت ترى الآن كرامة واضحة بالنسبة لعمر وبالنسبة لسارية، عمر ﵁ كلم الرجل سارية وسارية سمع كلامه وليس هناك هاتف ولا برقية ولكنها قدرة الله ﷿ وإذا أردت أن تعرف هذه الكرامات فراجع كتاب شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ الكتاب المسمى الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان وليعلم أن كثيرا ممن يدعي الولاية اليوم تكون دعواه كذبًا لأنك إذا فتشت عن حاله وجدته من أعداء الله لا من أولياء الله فكيف يدعي أنه وليٌ لله ونراه يجري على يديه الكرامات فإن قال قائل نعم إنه تجري على أيديهم خوارق قلنا هذا من أعمال الشياطين تعمل لهم الخوارق من أجل أن يضل الناس بغير علم بل من أجل أن يضل الناس عن علم ولهذا نقول إن الكرامة لا تكون إلا لولي والولي بينه الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فأنت إذا أردت أن تزن الرجل وهل هو ولي أو عدو فعليك بهذه الآية (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فإذا كان مؤمنا تقيا فهو ولي وإلا فهو دعي وليس بولي. ***
رسالة وردت من أحد الاخوة المستمعين يقول سؤالي عن الكرامات والولاية أرجو من فضيلة الشيخ أن يبين لي النقاط التالية ما عليه الناس اليوم من إطلاق لفظ الولاية على كل أحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الولاية لا يصح إطلاقها إلا على حسب الوصف الذي جاء في كتاب الله ﷿ وقد بين الله تعالى في كتابه حيث يقول (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فبين الله ﷾ أن ولايته لا تنال إلا بهذين الوصفين أولهما الإيمان بما يجب الإيمان به وثانيهما التقوى ففي الوصف الأول صلاح القلب وفي الوصف الثاني صلاح الجسد فمن ادعى ولاية الله ﷿ وقد فاته الوصفان أو أحدهما فإنه كاذب فلو وجدنا شخصا يجيز لنفسه أن يركع الناس له وأن يسجد الناس له أو يجيز لنفسه أن يستخدم الشياطين بأنواع من الشرك ثم يدعي بعد هذا أنه ولي لله فإننا نقول له إنك كاذب لأن أعمالك هذه تنافي الإيمان والتقوى وما يحصل على يديه من خوارق العادات فإن ذلك لخدمة الشياطين له لأن الشياطين تقوى على ما لا يقوى عليه البشر فيستخدم الشياطين لينال مأربه في إضلال عباد الله عن سبيل الله وعلى هذا فمن ادعى الولاية ولم يكن متصفا بالوصفين اللذين ذكرهما الله ﷿ وهما الإيمان والتقوى فإنه كاذب في دعواه. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم النقطة الثانية في رسالة المستمع يقول يا فضيلة الشيخ من يطلق عليهم الأولياء اليوم عند الصوفية وما ينسب إليهم من الكرامات الباطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه فقرة بينها جواب الفقرة التي قبلها فما ينسب إليهم من الكرامات وهم على ضلال فإنها إهانات في الحقيقة وليست بكرامات لأنها استدراج من الله ﷿ لهم وهي في الحقيقة ليست كرامة بل هي مما يخدمهم بها الشياطين من أجل إضلال عباد الله. ***
بارك الله فيكم المستمع ع. أ. أ. سوداني مقيم بالرياض يقول يوجد لدينا في السودان فئة من الناس تسمي نفسها أهل بيت النبي ﷺ وهذه الفئة تقوم بأعمال لا أصل لها في الشرع حيث أنهم يزعمون أنهم أولياء صالحون ومن وقت لآخر يطوفون في ربوع أرجاء الوطن ويستقبلون من العامة بالهتافات والترحيب فيقدمون لهم الهدايا والقرابين مع العلم أنهم في أشد الحاجة إليها معتقدين أنها تعود عليهم بالبركة والخير من هذه الفئة فهل يوجد في زماننا هذا بقية لأهل بيت النبي ﷺ وهل هذه الأعمال التي يقومون بها جائزة وكذلك المظاهر التي يقابلون بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بكل بساطة أن نقول لهؤلاء المدعين أنهم من نسل رسول الله ﷺ أكدوا لنا ذلك ببرهان قاطع من الناحية التاريخية ومن المعلوم أن رسول الله ﷺ لم يبق له أولاد بلغوا وتزوجوا وأنجبوا وإنما أولاده الذين ينسبون إليه ليسوا من أولاده لصلبه وعلى هذا فنقول لكل من ادعى أنه من آل البيت من هؤلاء أكدوا لنا ذلك من الناحية التاريخية فإن عجزوا عن الإثبات تبين بطلان قولهم وكذبهم وإن ثبت ذلك من الناحية التاريخية فإننا نقول ليس كونكم من الذرية أو من آل النبي ﷺ بِمُجدٍ عنكم شيئًا إذا لم تكونوا على شريعته فإن المهم أن تكونوا على شريعة النبي ﷺ وإذا كنتم على شريعته حقًا فإن لكم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول ﷺ ومجرد القرابة من رسول الله ﷺ لا تغني شيئًا فهذا أبو لهب عم النبي ﷺ أخو أبيه لم يغن عنه قربه من النبي ﷺ شيئًا بل أنزل الله تعالى سورة كاملة من القرآن في فضيحته إلى يوم القيامة (تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ مَا أَغْنَى عَنْهُ مَالُهُ وَمَا كَسَبَ سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ) والحاصل أننا نحتاج في هذه الدعوى إلى إثباتها من الناحية التاريخية ثم إذا ثبتت ننظر إلى حال هؤلاء فإن كانوا صالحين حقًا يتمشون على شريعة النبي ﷺ ظاهرًا وباطنًا فإن لهم حق الإسلام وحق القرابة من الرسول ﷺ وإن لم يكونوا كذلك فإنهم دجالون ولا يستحقون شيئا ولا بركة في أعمالهم ولا في أحوالهم والظاهر مادام هؤلاء الجماعة يمشون على القرى وعلى السُّذَّج من الناس ويدعون ما يدعون الظاهر أنهم كاذبون فيما ادعوا لأنهم غير مستقيمين أيضًا على ما ينبغي منهم في شريعة الله ﷾ وحينئذ فلا يستحقون شيئًا من التعظيم أو الإكبار أو إتحافهم بالهدايا وغيرها. ***
هذا السائل أبو أحمد يقول هل صحيح أن الصالحين والأولياء تنكشف لهم من أسرار القرآن ما لا ينكشف لغيرهم وما ليس بموجود في كتب التفاسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك أحد مخصوص في فهم القرآن بل فهم القرآن يكون لكل أحد لكن كل من كان بالله أعلم وله أتقى كان أقرب إلى فهم القرآن لقول الله ﵎ (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) ولما قيل لعلي بن أبي طالب ﵁ هل عهد إليكم رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بشيء يعني من جهة الخلافة قال لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة إلا فهمًا يؤتيه الله تعالى أحدًا من عباده في كتاب الله وما في هذه الصحيفة قالوا وما في هذه الصحيفة قال العقل وفكاك الأسير وأن لا يقتل المسلم بالكافر لكن هناك أناس يدعون أنهم أولياء وأنه يفتح لهم في القرآن معانٍ باطنة لا يعرفها أحد ويجعلون ألفاظ القرآن رموزًا وإشارات لمعانٍ لا تفهم من ألفاظ القرآن بمقتضى اللغة العربية ولا بمقتضى الحقيقة الشرعية وهم الذين يسمون أنفسهم أهل العلم بالباطن فهؤلاء لا يقبل قولهم في تفسير القرآن لأنه كذب على الله ﵎ هل فسروا كلامه بما لا يدل عليه باللسان الذي نزل به وهو اللغة العربية قال الله ﵎ (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وقال الله ﵎ في القرآن الكريم (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بلسان عربي مبين) أي بلغة عربية فصيحة وإنني بهذه المناسبة أحث إخواني ولا سيما طلبة العلم على الحرص على فهم معاني القرآن الكريم لأن القرآن الكريم نزل للتعبد بتلاوته ولتدبر معناه والعمل به قال الله ﵎ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وكثير من طلاب العلم حريصون على فهم السنة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بحثًا وتدقيقًا ومراجعة لكلام العلماء ولكنهم مقصرون في تفسير القرآن وفهمه وكان الصحابة ﵃ إذا قرؤوا عشر آيات من كتاب الله لا يتجاوزونها حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا إني أكرر الوصية لإخواني طلاب العلم أن يعتنوا بفهم القرآن الكريم وأن يراجعوا عليه كلام العلماء في تفاسيرهم وأعني بالعلماء العلماء الموثوق بهم كتفسير ابن جرير وابن كثير والقرطبي والشوكاني وما أشبههم وكذلك تفسير شيخنا عبد الرحمن بن سعدي ﵀ وإن كان يوجد في مثل تفسير القرطبي بعض الشيء الذي ليس على ما ينبغي وكذلك يوجد في تفسير ابن جرير آثار ضعيفة لكن البصير يعرف كيف يتصرف. ***
هل إذا مات شخص صالح ولي هل ينفع أو يضر بعد موته يعني موت هذا الشخص الولي إذا توفي هل ينفع الناس أو يضرهم أو ماذا يكون بعد وفاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن أحق الناس بالولاية وأعظمهم ولاية هو النبي ﷺ وقد قال الله له آمرًا إياه أن يبلغ الأمة بأنه لا يملك لنفسه نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله وقد قال ﵎ (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ) وأمره كذلك أن يقول للناس بأنه لا يملك لهم مثل ذلك فقال (قل إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا) فإذا كان هذا في أعظم الناس ولاية وأقربهم من الله ﵎ وهو محمد ﷺ فما بالك بمن دونه من الأولياء فكل ولي أو نبي أو ملك فإنه لا يملك لأحد نفعًا ولا ضرًا إلا ما شاء الله والذي يملك ذلك ويدبر الخلق هو الله ﷿ فإذا كان الولي لا يملك الضرر ولا النفع في حياته فكذلك أيضًا لا يملك النفع ولا الضرر بعد موته من باب أولى، لهذا الأولياء ليس لهم حق في تدبير الكون ولا في نفع الخلق ولا في ضرر الخلق والواجب على الإنسان أن يعلق ذلك بالله ﷿ وحده لأنه هو المالك له ثم إنني أقول لهذا الأخ ولغيره أنه يجب التحقق من انطباق وصف الولاية على من يوصف بها فقد يقال هذا ولي لله وهو عدو لله ﷿ لأنه يضل الناس ويصدهم عن دين الله الحق ويغريهم بما يكون على يديه من الخرافات والخزعبلات وغيرها وميزان الولاية هو ما ذكره الله تعالى بقوله: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فمن كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًّا فإذا قيل عن شخص ما إنه ولي نظرنا في إيمانه وفي تقواه لله ﷿ وهل هو مستقيم على شريعة الله ﷿ حريص على اتباع النبي ﷺ منفذ لشرع الله تعالى في قوله وفعله وإلا فإنه ليس لله بولي وإن زعم أنه ولي فإذا كان يأتي بأمور محدثه في العبادة أوفي العقيدة ويزعم أنه ولي فهو كاذب في زعمه هذا لأنه ليس بتقي والولي هو المؤمن التقي. ***
بارك الله فيكم ما يعتقده بعض الناس في الأولياء من النفع والضر وكشف الكربات وقضاء الحاجات سواء الأحياء أو أصحاب القبور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الإعتقاد باطل لأن الذي بيده النفع والضرر وكشف الكربات هو الله ﷿ وليس الأولياء فالأولياء لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فضلا عن غيرهم سواء كانوا أحياء أم أمواتا وإنما الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء هو الله ﷿ فإذا كان الأنبياء وهم سادات الأولياء وفوق مرتبة الأولياء إذا كانوا هم لا يملكون لأنفسهم نفعا ولا ضرا فما بالك بغيرهم قال الله تعالى عن نوح (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ إِنِّي مَلَكٌ) وقال الله تعالى لنبيه محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ) وقال له (قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَدًا. إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنْ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا) وقال تعالى (قُلْ لا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلا ضَرًّا إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ وَلَوْ كُنتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لاسْتَكْثَرْتُ مِنْ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِي السُّوءُ إِنْ أَنَا إِلاَّ نَذِيرٌ وَبَشِيرٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) فالأولياء لا يملكون لأحد شيئا لا نفعا ولا ضرا سواء كانوا أحياء أو أمواتا فلا يملكون أن يهدوا ضالا ولا أن يغنوا فقيرا ولا أن يشفوا مريضا وإنما ذلك إلى الله ﷿ هم بأنفسهم إذا أصابهم الضرر لا يملكون دفعه ولا يملكون رفعه بل هم عاجزون عن ذلك فكيف يملكون لغيرهم ذلك. ***
ماحكم الشرع في نظركم في زيارة قبور الأولياء والصالحين هل هو محرم وهل يجوز لنا أن نزورهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا يجب أن نعرف من هو الولي الولي بينه الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا وليس كل من ادعى الولاية يكون وليًا وهذه نقطة يجب أن يعرفها كل أحد وذلك لأن بعض الناس يستغفلون العامة ويدعون أنهم أولياء وربما يؤيدون دعواهم بخدمة الشياطين لهم فيظن العامة أن هذا من باب الكرامات وهو في الحقيقة من باب الإهانات ثانيًا بالنسبة لزيارة القبور زيارة القبور عمومًا مستحبة فعلها النبي ﵊ وأمر بها وأخبر عن فائدتها فقال (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة) والإنسان إذا زار القبر بل إذا زار القبور تذكر الآخرة حيث يتذكر أن هذا هو مثواه وأنه لا بد أن يحله كما حله من قبله ويتذكر أن هؤلاء الذين صاروا مرتهنين في قبورهم كانوا بالأمس على ظهر الأرض يمشون عليها ويتمتعون بما فيها من نعم الله كما يمشي عليها هو الآن ويتمتع بما فيها من نعم الله فيتذكر ويخاف ويعمل لهذا اليوم المحتوم الذي لا بد منه ولهذا كانت زيارة القبور سنة مستحبة ولكن يجب أن نعلم أن زيارة القبور ليس من أجل أن ننتفع بزيارتهم انتفاعًا ماديًا من كشف الكربات وإغاثة اللهفات وانتفاء المضرات ولكن من أجل أن ندعو الله لهم لأننا نقول عند زيارة القبور السلام عليكم دار قوم مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم وأما دعاء أصحاب القبور فهو شرك أكبر مخرج عن الملة لأن هؤلاء لا يملكون لأنفسهم نفعًا ولا ضرًا ولا لغيرهم وأما التبرك بترابهم أو التمسح بقبورهم فإنه بدعة منكرة وقد تصل إلى حد الكفر بحسب اعتقاد الفاعل وزيارة القبور سنة بالنسبة للرجال فقط أما النساء فلا يسن لهن زيارة القبور بل إن النبي ﷺ (لعن زائرات القبور) ولا يرد على هذا ما أخرجه مسلم من حديث عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ أمرها أن تقول السلام عليكم دار قوم مؤمنين إلى آخره) فإن المراد بذلك من مرت بمقبرة بدون قصد الزيارة فإنه لا حرج عليها أن تسلم على أهل القبور وتدعو لهم والشأن فيمن خرجت من بيتها إلى زيارة المقبرة فإن هذا حرام عليها بل من كبائر الذنوب (لأن النبي ﷺ لعن زائرات القبور) . ***
هذا مستمع من المملكة المغربية يقول في هذا السؤال هل زيارة الأولياء تجوز أم لا وإذا كانت تجوز كيف الزيارة وكيف يكون لنا أن نترحم عليهم؟ فأجاب ﵀: نعم أولًا لا بد أن نعلم من هم الأولياء هل الولي من أطال الشعر وكبَّر العمامة وزاد في حبات المسبحة أو ما أشبه ذلك مما يصطنعه من يدعون أنهم أولياء أم ماذا؟ الجواب على هذا أن نقول إن الولي قد بينه الله ﷿ في كتابه فقال (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) فالولي حقيقةً هو المؤمن بالله ﷿ المؤمن بكل ما يجب الإيمان به المتقي لله والتقوى اتخاذ الوقاية من عذاب الله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فإذا علمنا أن رجلًا بهذا الوصف فهو متق وزيارته إن كان حيًا لا بأس بها بل قد تكون مطلوبة لما في الجلوس معه من الخير فإن الولي المؤمن التقي جليسٌ صالح وقد حث النبي ﵊ على الجلوس معه فقال ﵊ (مثل الجليس الصالح كحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه رائحةً طيبة) وأما زيارة قبورهم فإن كان الإنسان يزورها على سبيل التبرك بها فإن ذلك بدعة وذريعةٌ إلى الشرك وإن كان يزورها ليدعو لهم فهذا لا بأس به فإن زيارة القبور للدعاء لأهل القبور جائزة وهي من الإحسان إليهم وإن كان يزورها أي يزور قبور الأولياء ليدعو الأولياء ويستغيث بهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لا يقبل من صاحبه صيامٌ ولا صلاةٌ ولا صدقة ولا حج لأنه مشركٌ شركًا أكبر فإن الله ﷿ يقول (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ويقول ﷾ (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ (٥) وَإِذَا حُشِرَ النَّاسُ كَانُوا لَهُمْ أَعْدَاءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ كَافِرِينَ) ويقول ﷿ (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) إلى غير ذلك من الآيات الدالة على التحذير من دعاء غير الله وعلى أنه كفرٌ وشرك مخرجٌ من الملة فصارت زيارة هؤلاء الأولياء على ثلاثة وجوه زيارة للدعاء لهم والاتعاظ بأحوالهم وهذه جائزة بل مطلوبة،زيارة للتبرك بهم وهذه وسيلة إلى الشرك، زيارة لدعائهم والاستغاثة بهم وهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة ثم إن القسم الثاني وهو التبرك بهم إن كان يعتقد أن هؤلاء يجعلون البركة في سعيه وفي أهله وفي ماله من أجل زيارتهم فهذا شركٌ أكبر مخرجٌ عن الملة لأن هؤلاء لا يقدرون على هذا، أمواتٌ غير أحياء فلا يقدرون على أن ينفعوا أحدًا في دنياه بكشف الضر أو جلب النفع. ***
بارك الله فيكم في سؤال المستمع محمد الطيب يقول ما حكم زيارة الأولياء سواءٌ كانوا أحياء أم أمواتًا نرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة الأولياء لا ينبغي أن نطلقها إلا على من تحققت فيه الولاية التي بينها الله ﷿ في قوله (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وليست الولاية بالدعاية أو بملابس معينة أو بهيئةٍ معينة ولكنها بالإيمان والتقوى وكثيرٌ ممن يدعي الولاية يكون دجالًا كذابًا يدعو إلى تعظيم نفسه وإلى سيطرته على عقول الخلق بغير الحق فمثل هذا لا يستحق أن يزار ولا أن تلبى دعوته حتى يستقيم على أمر الله ويرجع إلى دين الله ويسلم الناس من شره ودجله وإذا عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذي لا يزكي نفسه ولا يدعي الولاية كان له حق على إخوانه المسلمين أن يحبوه في الله وأن يحترموه الاحترام اللائق به حتى يكون ذلك تشجيعًا له على مضيه فيما هو عليه من الإيمان والتقوى وحثًا لغيره أن يكون مثله في إيمانه وتقواه وأما زيارة الأولياء بعد الموت كما قال السائل فإن الأولياء الصادقين المتصفين بالإيمان والتقوى إذا ماتوا كانت زيارتهم كغيرهم لا تختلف عن غيرهم لأنهم هم محتاجون إلى الدعاء لهم كما أن غيرهم من المسلمين محتاجٌ إلى الدعاء له وليس في زيارة قبورهم مزيةٌ على زيارة غيرهم من حيث النفع أو الضرر لأنهم هم بأنفسهم محتاجون إلى عفو الله ومغفرته وليس لهم من الأمر شيء وما يفعله بعض العامة الجهلة من التردد على قبور من يسمونهم أولياء أو يعتقدونهم أولياء للاستشفاء بتراب القبر أو التبرك بالدعوة عنده أو ما أشبه ذلك فكل هذا من البدع بل قد تكون وسيلةً إلى الشرك بهم ودعائهم مع الله ﷿. ***
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول فضيلة الشيخ في أغلب الأوقات عندما أستمع لأحد العلماء وهو يؤدي الصلاة من خلال المذياع يخطر في قلبي بأنه سيقرأ في الركعة الأولى خواتيم سورة البقرة مثلا وفي الركعة الثانية خواتيم سورة التوبة وأتكلم بذلك فيأتي كما قلت وهذا يحدث لي كثيرا ولا أقول بأني أعلم الغيب حاشا فلا يعلم الغيب إلا الله ﷿ ولكن هل تعتبر هذه مكرمة لي من الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه ليست مكرمة وليست علم غيب ولكنها ظن يقع في قلب الإنسان أن يكون كذا وكذا فيكون ولا سيما إذا كان هذا الإمام قد اعتاد أنه إذا قرأ خواتيم سورة البقرة قرأ خواتيم سورة التوبة فإن سامعه يتوقع أنه بعد قراءته لخواتيم سورة البقرة أن يقرأ خواتيم سورة التوبة وليس كل ظن يقع كما ظنه الظان يكون كرامة للإنسان أو علم غيب لأن الكرامة أمر خارق للعادة يظهره الله ﵎ على يد ولي من أوليائه وهذا الظن الذي يستفاد من القرائن ليس بأمر خارق للعادة. ***
الصحابة
جزاكم الله خيرًا يقول هذا السائل في سؤاله يا فضيلة الشيخ ما الواجب علينا نحو الصحابة الكرام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب علينا محبتهم واحترامهم والذود عن أعراضهم والسكوت عمّا جرى بينهم من القتال واتهام من سبهم بالنفاق وذلك بأنه لا أحد يجرؤ على سب الصحابة ﵃ إلا من غمسه النفاق والعياذ بالله وإلا فكيف يسب الصحابة وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) وقال (لا تسبوا أصحابي) ثم إن سب الصحابة قدح في الصحابة وقدح في الشريعة وقدح في الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وقدح في حكمة الله ﷿ أما كونه قدحًا للصحابة فواضح وأما كونه قدحًا في الشريعة فلأن الذين نقلوا إلينا الشريعة هم الصحابة وإذا كان ناقلو الشريعة على الوصف الذي يسبهم به من سبهم لم يبق للناس ثقة بشريعة الله لأن بعضهم والعياذ بالله يصفهم بالفجور والكفر والفسوق ولا يبالي أن يسب هذا السب على أشرف الصحابة أبي بكر وعمر ﵄ وأما كونه قدح برسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلأن الصاحب على حسب حال صاحبه بالنسبة لاعتباره ومعرفة قدره ولذلك تجد الناس إذا رأوا هذا الشخص صاحبا لفاسق نقص اعتباره عندهم وفي الحكمة المشهورة بل وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (المرء على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وفي الحكمة المشهورة المنظومة: عن المرء لا تسأل وسل عن قرينه فكل قرين بالمقارن يقتدي وأما كونه طعنًا في حكمة الله فهل من الحكمة أن يختار الله لأشرف خلقه محمد ﷺ هؤلاء الأصحاب الفجرة الكفرة الفسقة والله ليس من الحكمة. ***
4 / 2
_________
علوم القرآن والتفسير
_________
Unknown page
فضائل القرآن
5 / 1
بارك الله فيكم هذه السائلة من الأردن تقول فضيلة الشيخ نحن نعلم بأن الدار التي تقرأ فيها سورة البقرة لا يدخلها شيطان فهل تقرأ مرة واحدة أم كل ثلاثة أيام وهل تقرأ هذه السورة في الغرفة أم يكتفى أن تقرأ في مكان واحد من البيت؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن البيت إذا قرئت فيه البقرة أول مرة اكتفي بها وأنه لا يشترط أن تقرأ في كل حجرة بل تقرأ في صالة البيت أو في السطح أو في مكان عام من البيت ويكتفى بذلك.
***
ما حكم المداومة على قراءة سورة الكهف في كل جمعة وهل الاستمرار عليها وعدم تركها يعتبر بدعة فأجاب رحمه الله تعالى: الاستمرار عليها جائز ولا شك فيه لأن في قراءتها كل جمعة فضلًا كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ماذا ورد في قراءة سورة يس في كل ليلة وأيضًا سورة الدخان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا سنة وإنما ورد السنة بقراءة سورة الملك كل ليلة وكذلك قراءة آية الكرسي وقراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(المعوذتين) وأما ما ذكره السائل فلا أعلم له أصلا. ***
يقول ما حكم المداومة على قراءة سور معينة يتخذها الإنسان كورد بجانب تلاوة القران يوميا حيث علمنا من بعض الأحاديث بأن قراءة هذه السور لها فضل عظيم كسورة يس وسورة حم الدخان والفتح والملك وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لم يرد به النص من قراءة بعض السور أو الآيات فإنه لا يجوز للإنسان أن يقرأه معتقدا أن قراءة هذا الشيء المعين سنة لأنه لو فعل ذلك لشرع في دين الله ما ليس منه وأما ما ثبت به الحديث عن النبي ﵊ أو جاء عن الرسول ﷺ على وجه تثبت به الحجة فإنه لا بأس أن يداوم عليه على الوجه الذي جاء إن كان جاء بالمداومة يكون مداوما وإن كان جاء بغير المداومة يكون غير مداوم والمهم أنه ينبغي بل يجب على العباد وأصحاب الأوراد يجب عليهم أن يتحروا ما جاء في السنة عن النبي ﷺ وألا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه فإنه حتى القرآن إذا خص الإنسان منه شيئًا معينا يتخذه دينا بالمداومة عليه أو ما أشبه ذلك وهو لم يرد عن الرسول صلى الله وسلم على وجه يكون حجة فإنه لا يجوز له أن يفعل ذلك بل يكون مبتدعا في دين الله ما ليس منه. ***
يقول السائل سمعت بأن هناك سورا منجيات يوم القيامة مثل الملك والدخان والواقعة ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم عن هذا شيئا. ***
سورة الإخلاص يقال إنها تمثل أو تعدل ثلث القرآن فهل صحيح هذا وأن من يقرؤها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن ثبت ذلك عن النبي ﷺ في صحيح البخاري وغيره ولكن ليس معنى المعادلة أنها تجزئ عن القرآن فإن المعادلة قد لا تكون مجزئة وانظر إلى ما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ من أن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات يعدل عِتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ومع ذلك لو قال الإنسان هذا الذكر مائة مرة لم يجزئه عن العتق رقبة في كفارة فمعادلة الشيء بالشيء لا تقتضي إجزاء الشيء عن الشيء فنحن نقول كما قال النبي ﷺ (إن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) لكننا نقول إن قراءتها لا تجزئ عن قراءة القرآن بل لابد من هذا وهذا ولذلك لو أن الإنسان قرأها في صلاته ثلاث مرات ولم يقرأ الفاتحة ما صحت صلاته ولو كانت تجزئ عن القرآن لقلنا إنك إذا قرأتها ثلاث مرات في الصلاة أجزأتك عن الفاتحة ولا قائل بذلك من أهل العلم. ***
الناسخ والمنسوخ
ماهي الآيات الناسخة والمنسوخة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الإحاطة بها، هذه لها مجلس علم لكن هنا مسألة وهي أن بعض أهل العلم ﵏ يتساهلون في مسألة النسخ فقد يكون الأمر ليس بنسخ بل هو تخصيص ويقولون إنه نسخ وهذا وإن كان يطلق عليه اسم النسخ في عرف المتقدمين أي إنهم يسمون التخصيص نسخا لكن النسخ بالمعنى المصطلح عليه بعض الناس يتساهل فيه فتجده يعد آيات كثيرة منسوخة وأحاديث كثيرة منسوخة مع إمكان الجمع والأحكام المنسوخة لا تتجاوز عشرة أحكام أو نحوها تزيد قليلا فما يفعله بعض العلماء ﵏ من كونه كلما عجز عن الجمع بين النصين قال منسوخ فهذا تهاون في النسخ والتهاون في النسخ ليس بالأمر الهين لأن لازمه إبطال أحد النصين وإبطال النص أمر صعب لا يمكن فالواجب الجمع ما أمكن فإذا تعذر الجمع نظرنا إلى التاريخ ولا بد من علم التاريخ فالمتقدم منسوخ والمتأخر ناسخ. ***
رسالة من الصومال يقول مرسلها عبد علي نور الصومالي تنزانيا، لي سؤال سألته من قبل بعض علماء هذا الوطن لكني لم أجد حتى الآن جوابًا مقنعًا أطلب أن تجيبوا لي برسالة وبالإذاعة أيضًا قد قرأت خطبة لعمر بن الخطاب إن الله بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى، إلى آخر الخطبة، فبحثت عن آية الرجم فوجدت في كتاب بلوغ المرام ص ٢٧١ وهي قوله تعالى الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والعجب أن هذه الآية لا توجد في الكتاب كما قال عمر بن الخطاب في خطبته هذه، والسؤال من الذي خرجها في الكتب، وما السبب، وهل هناك جناح في قراءتها وفي أي سورة كانت وما الآية التي كانت قبلها والآية التي بعدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره السائل عن عمر ﵁ ثابت عنه في الصحيحين وأن الآية نزلت في كتاب الله وقرأها الصحابة ووعوها وحفظوها وطبقت في عهد النبي ﷺ وعهد الخلفاء بعده، وهي حق بلا شك، لكن هذه الآية مما نسخ لفظه وبقي معناه، وقد ذكر أهل العلم أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر ما وقع في القرآن، والثاني ما نسخ لفظه وبقي حكمه، والثالث ما نسخ لفظه وحكمه، فمثال الأول قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ثم قال بعدها ناسخًا لها (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) فهذا نسخ حكمه وبقي لفظه، بقي لفظه تذكيرًا للأمة بما أنعم الله عليهم من التخفيف وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته، أما القسم الثاني وهو ما نسخ لفظه وبقي حكمه فمثل هذه الآية، آية الرجم فإن حكمها باقٍ إلى يوم القيامة وكانت مقروءة وموجودة لكنها نسخ لفظها، والحكمة في نسخ لفظها والله أعلم بيان فضل هذه الأمة على الأمة اليهودية التي كتمت أو حاولت أن تكتم ما كان موجودًا في كتابها وهي آية الرجم حينما جاؤوا إلى النبي ﷺ يستفتونه في قضية اليهوديين حينما زنى رجل بامرأة منهم فجاؤوا بالتوراة ووضع القارئ يده على آية الرجم حتى قال عبد الله بن سلام ارفع يدك، فالأُمَّة اليهودية كان رجم الزاني ثابتًا عندها في التوراة لفظًا وحكمًا فحاولوا كتمه وعدم العمل به، هذه الأمة نسخ لفظ التلاوة التي تثبت رجم الزاني لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخًا مما يدل على فضلها وعلى امتثالها لأمر الله ﷿ وعدم تحايلها على إبطال شريعته هذا هو الذي يظهر لي من الحكمة في نسخ لفظها، وإن كان قد روي أن الحكمة هو أن الآية التي أشار إليها الأخ في السؤال وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما لا تطابق الحكم الثابت الآن، لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، والآية إن صحت الشيخ والشيخة تعلق الحكم بالشيخوخة لا بالإحصان، وبينهما فرق فقد يكون الشيخ غير محصن يعني لم يتزوج ومع ذلك لا يرجم ومقتضى الآية أن يرجم لأنه شيخ، وقد يكون المحصن شابًا فيرجم ومقتضى الآية إن صحت أنه لا يرجم، ولذلك هذه الآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم، في القلب من صحتها شيء وإن كانت قد وردت في السنن وفي المسند وفي ابن حبان، لكن في القلب منها شيء لأن حديث عمر رضى الله عنه الذي أشار إلى آية الرجم قال وإن الرجم حق ثابت في كتاب الله على من زنى إذا أحصن، إذا أحصن فمقتضى هذا اللفظ الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، ولهذا يجب التحرز من القول بأن الآية المنسوخة بهذا اللفظ أي بلفظ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة لأن إثبات أن هذه هي الآية المنسوخة معناها إثبات أنها من كلام الله، وكلام الله ﷾ حسب الحكم الشرعي الثابت الآن مقيد بالإحصان لا بالشيخوخة وهو في الحديث الذي في الصحيحين عن عمر يدل أيضًا على أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، على كل حال في نفسي وفي قلبي شيء من صحة هذا اللفظ أي لفظ الآية التي كانت منسوخة وهي أن لفظها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم فلا أستطيع أن أجزم بأن هذه هي الآية أي أن هذا هو لفظها، لأنها كما أشرنا إليه لا تطابق الحكم الشرعي الثابت الآن، ولا تطابق أيضًا الحديث الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة على من زنى إذا أحصن، ففي القلب من صحتها شيء، أما قول الأخ أنه لم يجدها فصدق فهي غير موجودة في المصحف آية الرجم، وأما أين السورة التي ذكرت فيها ففي صحيح ابن حبان أنها كانت في سورة الأحزاب، والله أعلم بذلك، هل هي في سورة الأحزاب أو في سورة النور، الله أعلم، لأن الحديث يجب النظر فيه، والخلاصة أن قوله والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وإن كان مشهورًا ومعروفًا في السنن ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان فإن في نفسي من صحته شيئًا أولًا لأنه يخالف الحكم الشرعي الثابت إذ الحكم معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، ثانيًا أن لفظ حديث عمر الثابت في الصحيحين ذكر أن الرجم على من زنى إذا أحصن فمقتضى ذلك أن الآية المنسوخة تعلق الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، وهذا مما يدل على ضعف هذا الحديث المروي فيجب التثبت فيه، إذن هذا القسم الثاني من المنسوخ ما نسخ لفظه وبقي حكمه، الثالث ما نسخ لفظه وحكمه، ومثلوا له بحديث عائشة رضى الله عنها الثابت في صحيح مسلم كانت فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن هذه فإن هذا العشر نسخت لفظًا وحكمًا ثم استقر الحكم على خمس معلومات. ***
التفسير والمفسرون
هل كل شخص يفسر القرآن برأيه أم الراسخون في العلم فقط وما الدليل على ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التفسير بالرأي لا يجوز لا لأهل العلم ولا لغيرهم ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومعنى التفسير بالرأي أن الإنسان يحمل معاني كتاب الله ﷿ على ما يراه لا على ما تقتضيه دلالتها وأما التفسير بمقتضى الدلالة فإن كان عند الإنسان قدرة على ذلك بحيث يكون عنده علم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه وقواعد الملة فلا بأس أن يفسر القرآن بما يقتضيه ذلك وإن لم يكن عنده علم فإنه لا يجوز أن يفسره لأن الأمر خطير ومفسر القرآن مترجم عن الله ﷾ فليحذر أن يترجم كلام الله بما لا يريده الله فإن الأمر شديد وعظيم. ***
السائل يقول عندما يسألني سائل عن تفسير آية من القرآن وأنا لا أعلم بتفسيرها أقوم بتفسيرها على ضوء نص الآية فهل يجوز ذلك أم أن ذلك يكون من التكلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كنت طالب علم وعندك شيء من علم اللغة وأفتيته بما تقتضيه اللغة أي فسرت له القرآن بما تقتضيه اللغة فأرجو أن لا يكون في هذا بأس وأما إذا كنت عاميًّا فلا تتحدث عن تفسير القرآن لأنك تكون حينئذ قلت في القرآن برأيك ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. ***
أحيانًا يسأل أحدنا سؤالًا عن تفسير آية أو كلمة في القرآن فالبعض منا يفسر الآية على ما يغلب عليه ظنه فهل في ذلك بأس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي فسر الآية على حسب ظنه من أهل اللغة العربية العارفين بها فلا بأس وأما إذا كان يتخرص خرصًا فلا يجوز لأن المفسر للقرآن شاهدٌ على الله تعالى بأنه أراد كذا وكذا وهذا أمرٌ فيه خطورةٌ عظيمة فإن الله تعالى سيسأله يوم القيامة كيف شهدت عليَّ بأني أردت كذا وكذا بدون علم ولهذا جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي وأن من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب أما الإنسان الذي عنده معرفة باللغة العربية وفسر القرآن بمقتضى اللغة العربية فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك يراجع ما قاله المفسرون في تفسير الآية أما إذا كان هذا القول في مناقشةٍ بين طلبة العلم وسيرجعون في النهاية إلى كتب التفسير فهذا لا بأس به لأن هذا ليس قولًا مستقرًا لكنه عرض رأيٍ سوف يراجع فيما بعد. ***
بماذا ترشدون من أراد أن يقرأ في كتب التفسير لا سيما وأن بعضها يشتمل على تحريف الصفات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرشده إلى أن يتجنب جميع الكتب التي فيها التحريف ثم إذا ترعرع فيما بعد وأحب أن يطلع ويرى ما ابتلي به بعض الناس من التحريف فلا حرج أما في بداية الأمر فأخشى عليه الضلال إذا طالع الكتب التي فيها التحريف كتحريف (اسْتَوَى) بمعنى استولى (وَجَاءَ رَبُّكَ) بمعنى جاء أمر ربك (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أي نعمتاه وما أشبه ذلك من التحريف الباطل هذا لا يمكن أن يقرأه المبتدئ لأنه يضل ويهلك ونحن نؤمن بأن الله يجيء نفسه لأن الله أضاف الفعل إلى نفسه جاء ربك وأنه استوى على عرشه حقا وبأن له يدين حقيقيتين قال الله ﷿ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالأمر واضح ولله الحمد الأمر مثل الشمس في رابعة النهار لكني أقول من لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ***
أقرأ في بعض التفاسير وأخشى أن يكون بعضهم يخالف قول أهل السنة والجماعة ومذهب أهل السنة فبماذا تنصحونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال أقول إن بعض المفسرين ينحون مذهب من يخرج النصوص على ظاهرها فيما يتعلق بصفات الله فيجب الحذر من هذا المذهب لأن حقيقته تحريف الكلم عن مواضعه وليس تأويلًا صحيحًا مرادًا لله ﷿ لأن الله تعالى لو خاطب الناس بما يريد منهم خلاف ظاهره لم يكن هذا من البيان الذي التزم الله به في قوله لرسول الله ﷺ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وفي قوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ولا يجوز لنا أن نعدل بكلام الله أو كلام رسوله ﷺ لا في باب العقيدة ولا في باب الأحكام العملية عن ظاهره إلا بدليل لأن الله خاطبنا باللسان العربي المبين فيجب علينا أن نجري اللفظ بمقتضى هذا اللسان العربي المبين إلا إذا جاء دليل من المتكلم به على أنه لا يريد ظاهره فحينئذٍ نفسر كلامه بعضه ببعض وأما مجرد الأوهام والتخيلات التي تكون عند بعض أهل العلم من أن إثبات هذه الصفة يقتضي التمثيل أو التشبيه فإن هذه لا يجوز لنا أن نحكم بها على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ لأنها أوهام ذهب إليها من ذهب ظنًا منه أن صفات الله يحذى بها حذو صفات المخلوقين فيكون هذا الذي نفى الصفة يكون ممثلًا أولًا ومعطلًا ثاينًا فهو ممثل أولًا بحسب ظنه ووهمه معطلٌ ثانيًا لأنه نفى الصفة التي يدل عليها ظاهر كلام الله ورسوله. ***
ما تنصحون بقراءته من كتب التفسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير في الواقع كثيرة ومتشعبة والعلماء ﵏ كل يأخذ بجهة من جهات القرآن الكريم فمنهم من يغلب عليه تفسير المعاني بقطع النظر عن الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه مسائل الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه استنباطات من الآيات العلمية والعملية فهم يختلفون لكن من خير ما يكون من التفاسير فيما أعلم تفسير ابن كثير ﵀ فإنه تفسير جيد سلفي لكن يؤخذ عليه أنه يسوق بعض الإسرائيليات في بعض الأحيان ولا يتعقبها وهذا قليل عنده ومن التفاسير الجياد تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر بن سعدي ﵀ فإنه تفسير سلفي سهل المأخذ ينتفع به حتى العامي ومن التفاسير الجياد تفسير القرطبي ﵀ ومنها تفسير محمد الأمين الشنقيطي الجكني لا سيما في الجزء الذي أدركه ومن التفاسير الجياد في البلاغة والعربية تفسير الزمخشري لكن احذره في العقيدة فإنه ليس بشيء ومن التفاسير الجياد تفسير ابن جرير الطبري لكنه لا ينتفع به إلا الراقي في العلم هناك تفاسير أخرى لا نعرفها إلا بالنقل عنها لكن الإنسان يجب عليه أنه إذا لم يفهم الآية من التفاسير أن يسأل عنها أهل العلم حتى لا يفسر القرآن بغير مراد الله تعالى به. ***
آداب القرآن وأحكامه (حفظ القرآن وتعاهده)
هل صحيح بأن من حفظ القرآن كاملًا حرمه الله على النار فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن حفظ القرآن كاملًا أو حفظ بعضه فإن القرآن إما حجة له أو حجة عليه وليس كل من حفظ القرآن يكون القرآن حجة له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجة لك أو عليك) فإن عمل به الإنسان مصدقًا بأخباره متبعًا لأحكامه صار القرآن حجة له وإن تولى وأعرض كان القرآن حجة عليه قال الله تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) ولكن مع ذلك أحث إخواني المسلمين من ذكور وإناث أن يحفظوا كتاب الله لأن كتاب الله ﵎ ذخر وغنيمة وإذا حفظه الإنسان استطاع أن يقرؤه في كل وقت وفي كل مكان إلا في الأوقات والأماكن التي ينهى عن القراءة فيها فيقرؤه وهو على فراشه يقرأه وهو يسير في سوقه إلى المسجد أو إلى المدرسة أو إلى حلقة الذكر أو إلى البيع والشراء ثم إن القرآن الكريم ليس كغيره فالقرآن الكريم في كل حرف منه حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ثم إن القرآن الكريم كلما تدبره الإنسان ازداد محبة لله تعالى وتعظيمًا له وصار القرآن كأنه سليقة له يسر بتلاوته ويحزن بفقده فنصيحتي لإخواني المسلمين عمومًا أن يحرصوا على حفظ القرآن ولا سيما الصغار منهم لأن حفظ الصغير له فائدتان الفائدة الأولى أن الصغير أسرع حفظًا من الكبير والثانية أن الصغير أبطأ نسيانًا من الكبير فهاتان فائدتان الأولى والثانية نسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته. ***
ما هو الدعاء المفضل لحفظ القرآن الكريم وما الطريقة التي تنصحون به لحفظ كتاب الله ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف دعاءً يحفظ به القرآن الكريم ولكن الطريق إلى حفظه هو أن يواظب الإنسان على تحفظه وللناس في تحفظه طريقان أحدهما أن يحفظه آية آية أو آيتين آيتين أو ثلاثا ثلاثا حسب طول الآية وقصرها. والثاني أن يتحفظه صفحة، صفحة والناس يختلفون منهم من يفضل أن يتحفظه صفحة صفحة يعني يقرأ ويرددها ويرددها حتى يحفظها ومنهم من يفضل أن يحفظ الآية ثم يرددها حتى يحفظها ثم يحفظ آية أخرى كذلك وهكذا حتى يتمم ثم إنه أيضًا ينبغي سواءً حفظ بالطريقة الأولى أو بالثانية أن لا يتجاوز شيئًا حتى يكون قد أتقنه لئلا يبني على غير أساس وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم خصوصًا في الصباح فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درسًا جديدًا. ***
ما هو السن المناسب في تحفيظ الأبناء للقرآن الكريم وما رأيكم أيضا في الأناشيد الإسلامية من أجل تحفيظها للأطفال وتعويدهم على ترديدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى من السؤال وهي السن التي ينبغي أن يبتدأ فيها بتحفيظ الطفل كتاب الله ﷿ فإن الغالب أن سن السابعة يكون فيه الطفل مستعدا لحفظ ما يلقى إليه ولهذا كانت السابعة عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء هي سن التمييز ويوجد بعض الأطفال يكون عنده تمييز قبل سن السابعة ويوجد بعض الأطفال لا يكون عنده تمييز إلا في الثامنة فما فوق فالمهم أن هذا يرجع إلى استعداد الطفل لحفظ القرآن وغالب ذلك سبع سنوات أما الأناشيد الإسلامية فتحتاج إلى أن نسمعها لأن بعض الأناشيد الإسلامية تسمى إسلامية لكن فيها بعض الأخطاء هذا إذا كانت مجردة عن الموسيقى والطبول والدفوف أما إذا صحبها شيء من آلات المعازف فهي حرام لما صحبها منها من آلات العزف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وهذا نص صريح في أن المعازف حرام. ***
المستمع خضر يقول أسأل عن آداب تلاوة القرآن الكريم وأرجو أن ترشدوني لبعض الأدعية المستجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن الكريم أن يكون الإنسان عند قراءة القرآن متطهرًا وأن يكون متخشعًا وأن يكون متدبرًا لكلام الله ﷿ وأن يكون مستحضرًا لكون القرآن كلام الله حروفه ومعانيه حتى يحصل له من تعظيم الله ﷿ حال قراءة القرآن ما لا يحصل له لو كان غافلًا وينبغي للإنسان أن يجعل له في كل يوم حزبًا معينًا يحافظ عليه حتى لا تضيع عليه الأوقات لأن الإنسان إذا ضاعت عليه الأوقات فإنه لا يتمكن من العمل الذي يرضى به عن نفسه أي أن الإنسان إذا أهمل نفسه بدون تقيد ضاعت عليه أوقاته وخسر وقتًا كبيرًا بخلاف ما إذا ما وقت لنفسه وضبط نفسه فإنه يحصل على خير. ***
ما حكم الشرع في نظركم في الطالب الذي يقرأ القرآن ثم يحفظه ثم ينساه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حفظ الإنسان القرآن ثم نسيه فإن كان عن هجر للقرآن ورغبة عنه فإنه قد عرض نفسه لإثم عظيم وإن كان بمقتضى السجية والطبيعة البشرية أو أتاه ما يشغله عن تعهده فإنه لا يأثم بذلك لأن النسيان من طبيعة الإنسان كما قال النبي ﵊ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) فإذا كان النسيان بمقتضى طبيعة البشرية أو من أجل أنه تشاغل بأمور واجبة أوجبت نسيان شيء من القرآن فإن ذلك لا يكون سببًا لإثمه. ***
لقد كنت أحفظ من القرآن الكريم ما يقارب من عشرة أجزاء ومنذ ثلاث سنوات نسيت ما كنت أحفظه إلا قليلًا وذلك بسبب دراستي فهل علي إثم في ذلك وهل أدخل في قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدخل في هذه الآية لأن قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) المراد فتركتها يعني فتركت العمل بها ولم ترفع بها رأسا ولم تر في مخالفتها بأسا هذا معنى النسيان هنا والنسيان يأتي بمعنى الترك كما في قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركهم لأن الرب ﷿ لا ينسى النسيان الذي هو ضد الذكر ولكن لا ينبغي لمن من الله عليه بحفظ القرآن أن يهمله حتى ينساه بل يحافظ عليه ويتعهده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك فقال (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) فإذا أمكنك الآن وأرجو أن يمكنك أن تعيد ما مضى فإن استعادته سهلة فاستعن بالله والتفت إلى القرآن واستذكر ما نسيت واسأل الله أن يفتح عليك وأن يذكرك ما نسيت. ***
سالم محمد سالم مصري يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وهل ينطبق معناها على من حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه بسبب الإهمال وقلة الفراغ وعدم المداومة على قراءته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) أن كل من أعرض عن ذكر الله وهذا يشمل الإعراض عن ذكره الذي هو القرآن والوحي الذي أنزله على أنبيائه ورسله ويشمل الذكر الذي هو ذكر الله تعالى بالقلب وباللسان وبالجوارح فمن أعرض عن هذا وهذا فإنه يعاقب بهذه العقوبة العظيمة فإن له معيشةً ضنكا وهذه المعيشة الضنك قيل إن المراد بها تضييق القبر عليه بعد موته وقيل إن المراد بها ما هو أعم وحتى وإن بقي في دنياه فإنه لا يكون منشرح الصدر ولا يكون مطمئن القلب وذلك لأنه لا عيش أنعم ولا أطيب من عيش من آمن بالله وعمل صالحًا كما قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال بعض السلف لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف لأن الإيمان مع العمل الصالح يوجب للإنسان الانشراح والطمأنينة ويكون في قلبه نور ويكون راضيًا بقضاء الله وقدره في المكاره والمحاب فلا يوجد أحدٌ أنعم منه وهذا القول أقرب إلى الصواب أن المعيشة الضنك تشمل هذا وهذا في القبر وكذلك في الدنيا أما بعد الحشر فإنه يحشر والعياذ بالله يوم القيامة أعمى كما قال الله تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) وحينئذٍ يسأل لا سؤال استعتاب ولكن سؤال استظهار لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا وهذا لأجل إقامة الحجة عليه وخزيه والعياذ بالله يوم القيامة فيقول الله له (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (١٢٦) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ) . ***
يقول السائل إنني مواظب على قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ولكنني كثيرًا ما أنسى ولا أستطيع أن أحفظ هل علي إثم في هذا أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن من نعمة الله على العبد أن يوفقه الله تعالى لحفظ كتابه عن ظهر قلب لما في ذلك من المصالح العظيمة فإن الإنسان إذا كان حافظًا لكتاب الله عن ظهر قلب أمكنه أن يتلوه على كل حال إلا في المواضع التي لا ينبغي فيها تلاوة القرآن أو في الأحوال التي لا يمكن فيها قراءة القرآن كحال الجنابة وإذا كان حافظًا للقرآن عن ظهر قلب أمكنه أن يتدبر معانيه وأن يتفكر فيه كل وقت ولهذا ينبغي للإنسان أن يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ما استطاع وإذا حرص على ذلك ولكنه نسي شيئًا منه بغير تفريط فإن ذلك لا حرج عليه فيه وقد ثبت أن النبي ﷺ صلى بأصحابه ذات يوم بل ذات ليلة فقرأ وأسقط آية من القرآن نسيها فذكره أبي بن كعب بها بعد سلامه فقال (هلا كنت ذكرتنيها) فإذا نسي الإنسان شيئًا مما حفظ من كتاب الله دون استهانة به فإن ذلك لا حرج عليه فيه لأنه من طبيعة البشر أعني أن نسيان الإنسان لما حفظه أمر طبيعي لا يلام الإنسان عليه إلا ما كان من استهانة وعدم مبالاة فهذا له حال أخرى. ***
المستمعة أختكم في الله غ ح م المملكة تقول في رسالتها لقد سمعت حديثًا عن الرسول الكريم ﷺ معناه أن من حفظ سورة أو آية من القرآن الكريم ونسيها بعد ذلك بأنه قد ارتكب ذنبًا ما مدى صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي ﵊ من الوعيد الشديد على من حفظ آية من كتاب الله ثم نسيها وهذا الحديث إن صح فالمراد به من نسي هذه الآية تهاونًا وإعراضًا عن كتاب الله ﷿ وعدم مبالاة به وأما من نسيها بمقتضى الطبيعة أو بانشغاله بما يجب عليه من شؤون حياته وحياة أهله فإنه لا إثم عليه وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه نسي آية في صلاة فذكره بها أبي بن كعب ﵁ بعد أن سلم فقال هلا كنت ذكرتنيها يعني من قبل وثبت عنه أنه مر برجل يقرأ في بيته فقال (رحم الله فلانًا لقد ذكرني آية كنت نسيتها) والنسيان من طبيعة البشر كما قال النبي ﵊ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) والعجيب أن بعض الناس لتهيبه من عقوبة الله ﷿ لعب به الهوى حتى قال لن أحفظ شيئًاَ من كتاب الله أخشى أن أحفظه فأنساه فمنع نفسه من الخير بهذه الحجة التي لا أساس لها من الصحة ونحن نقول احفظ كتاب الله ﷿ وتعهده ما استطعت كما أمر بذلك النبي ﵊ فإنه أمر بتعهد القرآن وقال (إنه أشد تفلتًا من الإبل في عقلها) فأنت احفظ القرآن وتعهده وإذا نسيت بمقتضى الطبيعة لا للإعراض عن كتاب الله ولا للتهاون به فإن ذلك لا يضرك وليس عليك إثم. ***
يقول السائل قرأت في يوم من الأيام حديثًا معناه أن الرسول الكريم ﷺ قال (من قرأ القرآن ونسيه يأتي يوم القيامة وهو أجذم) وأنا في الحقيقة إنسان أنسى بسرعة ولا أتذكر شيئًا إلا بشق الأنفس وهذا ما يخيفني وحاولت العلاج وعرضت نفسي على عدد من الأطباء فبماذا تنصحونني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن نسيان القرآن ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون سببه إعراض القارئ وإهماله وتفريطه فهذا قد يكون آثمًا لكونه أهدر نعمة الله عليه بحفظ كتابه حتى أضاعه ونسيه وأما القسم الثاني فهو أن يكون نسيانه عن غير إعراض وغفلة ولكنه بآفة كسرعة النسيان أو لكونه ينشغل بأمور لا بدّ له منها في دينه ودنياه فينسى بذلك فهذا لا يضر ولا يؤثر وقد صلى النبي ﷺ ذات يوم بأصحابه فقرأ بهم ونسي آية من القرآن فلما انصرف ذكره بها أبي بن كعب فقال له النبي ﷺ (هلا كنت ذكرتنيها) يعني في الصلاة ومر بقاريء يقرأ ليلًا فقال (رحم الله فلانًا لقد ذكرني آية كنت أُنسيتها) فالنسيان الذي يأتي بمقتضى طبيعة البشر لا يلام الإنسان عليه. ***
السائلة تقول تركت قراءة القرآن علمًا بأنني أقرؤه بشكل مستمر في شهر رمضان وذلك لانشغالي فما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء عليك إذا كان هذا الانشغال لا تتمكنين فيه من قراءة القرآن ومن المعلوم أن المؤمن لا يمكن أن يدع قراءة القرآن لأنه سوف يقرأ القرآن في الصلاة يقرأ الفاتحة وما تيسر ويقرأ الأوراد من الآيات الكريمة كآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وآيتين من آخر سورة البقرة وما أشبه ذلك لكن مع هذا ينبغي أن تحافظي ولو على نصف جزء في اليوم وهذا أمر لا يشق فقراءة نصف الجزء في عشر دقائق لا تشغل الإنسان شغلًا كثيرًا فلتستعيني بالله ﷿ ولتحافظي على ورد معين تقرئينه كل يوم ولو عند النوم. ***
هل تجوز قراءة القرآن بدون معلم علما بأننا بحثنا في المدينة التي أسكن فيها ولم أجد من يعلمنا أحكام القرآن أو حفظ القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن من نعمة الله ﷾ على هذه الأمة ومن تمام حفظه لكتابه العزيز أن قيض للمسلمين هذه المصاحف التي كتب فيها القرآن وطبع فيها القرآن على وجه معرب تمام الإعراب في الحركات والسكنات والمدات وغير ذلك وهذا داخل في قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فإذا كان الإنسان باستطاعته أن يقرأ القرآن من هذه الصحف المعربة المشكولة ولو شق عليه ذلك ولو تتعتع فيه فإنه يجوز له أن يفعل وإن لم يكن له قارئ يقرئه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) فأنت أخي السائل اقرأ القرآن وتهجه حرفا حرفا وكلمة كلمة مع إتقان الحركات والسكنات وهذا كافٍ وفيه خير عظيم ولك مع المشقة أجران كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قراءة القرآن على وجه التجويد المعروف فإن ذلك ليس بواجب لأن التجويد إنما يراد به تحسين القراءة فقط وليس أمرا واجبا حتما يأثم الإنسان بتركه بل الواجب الحتم أن يقيم الحركات والسكنات ويبرز الحروف. ***
احترام المصحف
المستمع زكي عبد الله مصري يقول كيف يكون تعاهد القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعاهد القرآن يكون بمداومة تلاوته حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة فقد يكون الإنسان ضعيفًا في حفظه في كتاب الله وهذا نقول له أكثر من تلاوته ومعاهدته لئلا يضيع منه شيء وتارة يكون حفظه لكتاب الله قويًا وهذا لا نلزمه من المعاهدة والمحافظة كما نلزم الأول فهي تكون بحسب الحال أي بحسب حال حافظ القرآن وضابطها أن يتعاهد القرآن على وجه يأمن فيه من نسيانه ويختلف هذا باختلاف الناس. ***
هل نسيان القرآن فضيلة الشيخ من كبائر الذنوب مع الدليل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي ﵊ ومن المعلوم أن النبي ﵊ أشد الناس تعهدًا لكتاب الله ﷿ والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي ﷺ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتًا ثبوتًا يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثمًا فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير. ***
يقول السائل هل نسيان القرآن من كبائر الذنوب مع الدليل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي ﵊ ومن المعلوم أن النبي ﵊ أشد الناس تعهدًا لكتاب الله ﷿ والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي ﷺ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتًا ثبوتًا يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثمًا فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير. ***
ما حكم وضع المصحف على الأرض فوق فرش المسجد فقد أفتى بعضهم بأن وضعه يؤدي إلى الكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به ولا حرج فيه إذا وضعه على وجه ليس فيه إهانة مثل أن يضعه بين يديه أو إلى جنبه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس بكفر أما لو وضعه بين قدميه وحاشا لأحد أن يفعل ذلك وهو مؤمن فهذا لا شك أنه إهانة لكلام الله ﷿ وإنني بهذه المناسبة أحذر من أن يفتي الإنسان بغير علم لأن الفتوى بغير علم قول على الله بغير علم وقد قرن الله القول عليه بغير علم بالشرك فقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وجاء في الحديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) ولا يحل لأحد أن يتكلم عن شريعة الله إلا بعلم يعلم به أن هذا من شريعة الله أو أن هذا مخالف لشريعة الله ولا يحل لأحد أيضًا إذا كان جريئًا أن يجرؤ على التكفير إلا بدليل واضح صريح لأن التكفير معناه إخراج الرجل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر فالأمر عظيم وإذا كان ليس بإمكان أحد أن يقول عن الشيء الحلال إنه حرام أو عن الشيء الحرام إنه حلال فليس بإمكان أحد أن يقول للشخص المسلم إنه كافر بل قد يكون هذا أعظم لأنه يترتب على القول بالكفر مسائل كبيرة عظيمة فالكافر مثلًا لا يزوج ولا يكون وليًا في زواج ولا يكون وليًا على أولاده وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يورث عند أكثر أهل العلم فالأمر ليس بالهين فالتكفير صعب فعلى كل حال نصيحتي لإخواني أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم فلا يقولوا على الله ما لا يعلمون ولا يتكلمون بشيء لا طاقة لهم به وإذا كانوا يستعجلون الرئاسة في العلم والإمامة في الدين فقد أخطؤوا فإن من تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه بل ينظروا ويصبروا حتى يكونوا أهلًا للإمامة في دين الله وحينئذٍ يفتون الناس ثم إني أحذر أيضًا العامة أن يستفتوا إلا من علم بأنه أهل للفتيا لأنهم إذا استفتوا من لا يعلمون أنه أهل للفتيا فقد يضلون بما أفتوا به من الضلال وإذا كان الإنسان لو مرض لم يذهب إلى أي واحد ليطلب العلاج عنده وإنما يذهب إلى الأطباء المعروفين فكذلك في دين الله إذا أشكل عليه شيء لا يذهب إلى أي واحد من الناس ويستفتيه وما أكثر ما يُعرض من الفتاوى الخاطئة فأحذر إخواني هؤلاء وأقول أسأل الله أن يجعلكم أئمة في الدين وأنتم تستحقون الإمامة واحرصوا على أن تتعلموا أولًا ثم تعلموا ثانيًا وتفتوا الناس فتكونوا أئمة للناس في دينهم وفي صلواتهم وكذلك أيضًا أحذر إخواني الذين منّ الله عليهم بشيء من العلم ولكنهم ما زالوا في الطلب وفي أول الدرجة أحذرهم ألا يتعجلوا في الفتيا فيضلوا الناس بغير علم ويندموا هم بأنفسهم إذا كبروا ورأوا أنهم قد ضلوا فسوف يندمون وحينئذٍ لا ينفع الندم لأن الفتيا إذا انتشرت صعب جدًا أن تختفي وقد يقول من وافقت الفتيا هواه قد يقول بأني لا أرجع عن هذه الفتيا ولو رجع المفتي بها لأنني لا أدري الصواب في أول قوليه أو في آخرهما فالأمر خطير للغاية فنسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن رأى الحق حقًا واتبعه ورأى الباطل باطلًا واجتنبه إنه جواد كريم. ***
ما حكم وضع القرآن الكريم على الأرض في حال الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مما لا شك فيه أن القرآن كلام الله ﷿ تكلَّم به ﷾ ونزل به جبريل الأمين على قلب رسول الله ﷺ وأنه يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ولهذا لا يجوز للمسلم أن يمسَّ القرآن إلا وهو طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولا يجوز أن يوضع القرآن في مكانٍ يكون فيه إهانةٌ له وأما وضع القرآن على الأرض أثناء السجود للمصلى فلا بأس بذلك لأنه ليس فيه إهانة لكنه يجب أن يبعد عن ما يقرب من القدمين بمعنى أنه لا ينبغي بل لا يجوز أن يضعه الإنسان عند قدمه وهو قائم مثلًا وإنما يجعله بين يديه أو قدّام موضع سجوده كذلك أيضًا لا يجوز أن يوضع بين النعال كما لو كان الناس يضعون نعالهم في مكان فيأتي هذا الإنسان ويضعه بين النعال فإن هذا لا يجوز لأنه إهانةٌ للقرآن الكريم. ***
يقول السائل ماحكم كتابة القرآن على الجدار أو تعليق آيات من القرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما تعليق القرآن أو كتابته على الجدران فليس من هدي السلف ﵃ وهذا الذي كتبه يسأل لماذا كتبته أتريد أن يقرأ فإن من المعلوم أن الجالس لا يقرؤه إلا على سبيل الفرجة فقط لا يقرؤه تعبدًا وهل هو على سبيل التبرك فالتبرك على هذا الوجه بدعة وهل هو على سبيل الحماية على أنه ورد فكذلك أيضًا لم يرد الاحتماء بالقرآن على هذا الوجه وهل هو على سبيل النصيحة فإن الغالب أن الناس لا يهتمون بذلك ولنضرب لهذا مثلًا لو كتب آية (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) هل الجالس إذا قرأ الآية تهيب عن الغيبة ووقف ثم هل كل مجلس يكون فيه غيبة إذا كان بعض المجالس ليس فيها غيبة فما الفائدة من كتابة الآية إذا كان أهل المجلس لا يهتمون بالغيبة فإن هذه الآية المكتوبة أو المعلقة لم تنفعهم على كل حال يكفينا في هذا أن نقول تعليق القرآن الكريم على الجدران أو كتابته على الجدران ليس من هدي السلف الصالح ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ***
ماحكم كتابة البسملة على السبورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتابة البسملة على السبورة إن كان سيُكتب على السبورة شيء فحسن أما إذا لم يكتب على السبورة شيء فلا فائدة منها وغالب السبورات تكون وراء المدرس إذا قام يدرس. ***
هل يجوز كتابة آية كريمة على شكل رجل يصلى كما يحصل من بعض من يجيدون الخط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أنه لا يجوز وأن هذا من التعمق والتنطع وقد قال النبي ﷺ (هلك المتنطعون) ثم إن الكتابة العربية بالحروف العربية لا بد أن يحصل فيها تغيير إذا هي عُصفت حتى تكون على هيئة مصلٍّ ثم إن هيئة المصلى قد يكون فيها أو من جملة الهيئات أن يكون ساجدًا وحينئذٍ يكون أعلى القرآن أو أعلى الصحيفة وأسفلها مختلفًا ويكون القرآن معبرًا عن ساجدٍ وقد قال النبي ﵊ (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا) فكل شيء يوهم أن هذا القرآن في منزلةٍ أسفل فإنه منهيٌ عنه وإذا كان النبي ﵊ نهى أن يقرأ الإنسان القرآن راكعًا أو ساجدًا لأن هيئته هيئة ذلٍ بالغ والقرآن ينبغي أن يكون في محل القيام الذي يكون محل انتصابٍ وارتفاع فالحاصل أن هذه الكتابة نرى أنها لا تجوز ثم إن من المغالاة أن يدعى الناس إلى شريعة الله بمثل هذه الأمور وبهذه المناسبة أود أن أنبه أيضًا إلى ما يُعلَّق من بعض الآيات في المجالس فإنه هذا أيضًا من الأمور المبتدعة المحدثة التي وإن كان فاعلوها يقصدون إما التبرك وإما التذكير فهذا لا ينبغي لأن التبرك على هذا الوجه بالقرآن الكريم لم يرد وأما التذكير فإنها في الحقيقة لا تذكر في الغالب بل إنك تجد في هذا المجلس الذي عُلِّقت فيه هذه الآيات تجد فيه من السباب واللغو والشتم أو من الأفعال المنكرة من شرب دخان أو من استماع إلى ما لا يجوز الاستماع إليه أو ما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه يكون كالاستهزاء بآيات الله تعالى حيث تكون آيات الله تعالى فوق رؤوس الناس الجالسين وهم ينابذون الله تعالى بالمعاصي وبالسباب والشتم والغيبة ونحو ذلك فلهذا نرى أن للمسلمين غنىً عن هذه الأمور التي تلقيت عن غير روية ومن غير تأمل وخير هدي هدي النبي ﷺ وسلف هذه الأمة الصالح والذي أنصح به إخواني المسلمين أن لا يعلقوا مثل هذه الآيات في بيوتهم لأن فيها من المفاسد ما اشرنا إليه آنفًا والحمد لله في المصاحف غنىً عن هذا ومن أراد كلام الله والتمتع بتلاوته أو التدبر لآياته وجده مكتوبًا في المصاحف والله الموفق. ***
هل يجوز جعل أحد قصص القرآن الكريم مثل قصة يوسف على شكل شعر أفيدونا ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القران الكريم كلام الله ﷿ ويجب أن يعظم بأنه كلام الله وهو قرآن مجيد وقرآن عظيم وقرآن كريم فلا يجوز أن يعدل به عن الطريقة التي أنزله الله تعالى عليها لا سيما تحويله إلى شعر فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم الجرأة على الله ﷿ والقرآن إنما نزل للاتعاظ والتذكر ولم ينزل لأن يجعل أغاني وشعرًا فمحاولة هذا الشيء من أعظم الجرأة على الله تعالى وأعظم المنكرات وهي حرام بلا شك. ***
سعيد محمود هل يجوز حمل القرآن الكريم إلى مكان بعيد لتلاوته وما حكم ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعله يريد بالمكان البعيد بلاد الكفر فنقول لا بأس أن يحمل الإنسان القرآن إلى بلاد غير إسلامية لأن أهل العلم إنما ذكر بعضهم تحريم السفر بالقرآن إلى دار الحرب التي يخشى أن يستولي هؤلاء الأعداء على هذا المصحف فيهينوه وأما بلاد بينها وبين بلدك معاهدة كما هو الجاري المعروف الآن بين الدول فإنه لا حرج أن يستصحب الإنسان كتاب الله ليقرأ به وليقرئه غيره من المسلمين هناك فيحصل النفع للجميع والله الموفق. ***
بارك الله فيكم المستمعة تقول ما حكم الاستناد على المصحف عند الكتابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستناد يعني الاتكاء على المصحف عند الكتابة لا بأس به إذا لم يقصد بذلك الإهانة والغالب أن الكاتب لا يقصد الإهانة لكن خير من ذلك أن يجعل المصحف أمامه بين يديه ويكتب عليه إذا كان يريد أن ينقل من المصحف شيئًا أما إذا كان يريد أن يكون المصحف متكأً للورقة التي يريد أن يكتب عليها فإننا نقول لا تفعل لأن في هذا استخدامًا للمصحف قد يكون مشتملًا على شيء من الإهانة وليأت الإنسان بشيء آخر يتكئ عليه عند الكتابة. ***
هل يجوز رمي الأشرطة التي تحمل تسجيلات لبعض الآيات القرآنية الكريمة وبعض الأحاديث الشريفة في سلة المهملات وإذا كان ذلك لا يجوز فماذا يجب أن نفعل بعد تلفها أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الأشرطة التي تتضمن شيئًا من الآيات الكريمة أو من الأحاديث النبوية لا يظهر فيها أثر بالنسبة للآيات ولا للأحاديث أي لا يظهر للآيات ولا للأحاديث صورة بهذا الشريط وإنما هي حبيبات ٌ أو نبرات إذا مرت بالبكرات التي في المسجل حصل منها هذا الصوت فلا يثبت لها أحكام الورق الذي يكتب فيه شيء من القرآن أو من الأحاديث النبوية فإذا رماها الإنسان في أي مكان بشرط أن لا يقصد إهانتها فإنه لا حرج عليه في ذلك كما أنه لو دخل فيها مكان قضاء الحاجة فإنه ليس في ذلك بأس لأن الآيات أو الأحاديث لا تظهر في هذه الأشرطة. ***
بارك الله فيكم المستمع عبد الله العربي يقول نرى في بعض من التجار وأصحاب الأعمال يستعملون أجزاء غير مكتملة من الآيات ويضعونها على مداخل الأبواب مثل صاحب الطعام يكتب (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) صاحب الشراب (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) صاحب المكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) إلى آخر هذه الاستعمالات والتي تبدو أحيانًا تجاوزت الحد الكثير نرجو بهذا التوجيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تعليق هذه الآيات ينقسم إلى قسمين فتارةً يقصد بها التحرز والتحصن مثل الذين يعلقون آية الكرسي أو المعوذات أو نحو ذلك وهذا لا شك أنه غير مشروع وأنه أمرٌ لا ينبغي لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه يوجب للإنسان أن يعتمد عليه ويدع قراءة هذه الآيات التي يكون بها التحصن اعتمادًا على ما علق وتارةً يقصد بها التنبيه كما ذكر السائل يكتب أمام الداخل على مكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) وما أشبه ذلك وهذا قد يقول قائل إنه غير مشروع لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه قد ينتفع به وقد لا ينتفع وكثيرًا ما يعلق آية من القرآن تنهى عن شيء ويكون الجالسون في هذا المكان يفعلون نفس الشيء الذي نهي عنه كما لو كتب في المجلس (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فإن الجالسين هل ينتفعون بما كتب قد ينتفعون وقد لا ينتفعون ربما يغتابون الناس وكلام الله ﷿ فوق رؤوسهم يقول الله فيه (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فلا ينتفعون بهذا المكتوب وتارةً يعلق القرآن لكونه مكتوبًا على وجهٍ مطرز وكأنه نقوش ووشم حتى إن بعضهم يكتب على هيئة قصر وعلى هيئة منارة وما أشبه ذلك فهذا أشبه ما يكون باللعب بكتاب الله ﷿ والعلماء ﵏ اختلفوا هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني أي على حسب القواعد المعروفة أو لا يجوز على ثلاثة أقوال فمنهم من منعه مطلقًا ومنهم من أجازه مطلقا ومنهم من فصل وقال إذا كتبناه لمن يجيد قراءة القرآن بالرسم العثماني فلا بأس وإذا كتبناه بالرسم العثماني لشخصٍ يخشى أن ينطق بالقرآن على حسب الحروف المكتوبة فإننا لا نكتبه مثلًا (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) مكتوبة بالواو فإذا كتبناها بالواو لشخصٍ لا يعرف النطق بالقرآن ربما يقول وحرم الربو الصلاة كذلك مكتوبة بالواو ربما إذا كتبناها بالرسم العثماني بالواو لشخصٍ لا يحسن التلاوة لفظًا ربما يقول الصلوة وهكذا المهم أن بعض العلماء فصل في هذا المقام وقال إن كتب لشخصٍ لا يخشى منه تحريف القرآن تبعًا للحروف فإنه يجب أن يبقى على الرسم العثماني وإن كتب لشخص يخشى أن يحرف القرآن بناءً على كتابة الحروف فإنه يكتب بالقاعدة المعروفة بين الناس فإذا كان العلماء اختلفوا في الخروج عن الرسم العثماني فكيف نجوز لشخص أن يكتب كلام الله ﷿ على صفة قصور أو منارات أو ما أشبه ذلك هذا لا شك في تحريمه والواجب على من عنده شيء مكتوبٌ على هذا الوجه أن يطمسه وأن يحوله إلى كتابةٍ على حسب الرسم العثماني هذا إذا قلنا بجواز تعليق الآيات على الجدران القسم الرابع من يعلق آياتٍ لا علاقة لها بالموضوع والسلامة من تعليق الآيات على الجدر أسلم وأبرأ للذمة وأحوط للإنسان فهو في غنىً عن تعليق الآيات على الجدر أما تعليق بعض الحكم على الجدران فهذا لا بأس به ولا حرج فيه. ***
يستشهد بعض الناس فضيلة الشيخ ببعض الآيات والأحاديث في أمورهم الدنيوية مثلا (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) وحولها نونون وما أشبه ذلك نرجو الفتوى في مثل هذه الأمور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يستشهد بالقرآن على الحادثة لا أن يجعل القرآن بدلا من الكلام فمثلا إذا قام يلاعب أولاده أو صار يتاجر في ماله فقال (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فلا بأس بذلك لأنه يستشهد بالآية على ما نزلت فيه وأما إذا جعلها بدلا من الكلام بحيث يعبر بالقرآن عن المعنى الذي يريده فإن هذا لا يجوز كهذا الرجل الذي قال اذكرني عند ربك فإن الآية لم تنزل بهذا ولا يحل له أن يجعلها بدلا عن كلامه بل يقول له اذكرني عند فلان أو نبه على فلان أو ما أشبه ذلك فهذا هو التفصيل في هذه المسألة إن جعل القرآن بدلا عن الكلام يعني أنه نوى شيئا أن يتكلم فيه فجعل القرآن بدلا عنه فهذا حرام وأما إن استشهد بالقرآن على حادثة وقعت كما جاء في القرآن فلا بأس به. ***
حرق المصحف
ما حكم جمع الأوراق المتناثرة من المصاحف والممزقة وحرقها حتى لا تتعرض للامتهان وهل الأفضل في ذلك حرقها أم دفنها كما هي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أحد من المسلمين يشك أن القرآن الكريم يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ومنع تعرضه للإهانة وهذه الأوراق الممزقة التي سأل عنها السائل والتي لا يمكن أن ينتفع بها بقراءة له فيها طريقتان الطريقة الأولى أن يدفنها في مكان نظيف طاهر لا يتعرض للإهانة في المستقبل حسب ظن الفاعل الطريقة الثانية أن يحرقها وإحراقها جائز لا بأس به فإن الصحابة ﵃ لما وحدوا المصاحف على حرف قريش في عهد عثمان ﵁ أحرقوا ما سوى هذا الموحد وهذا دليل على جواز إحراق المصحف الذي لا يمكن الانتفاع به ولكني أرى إن أحرقها أن يدقها حتى تتفتت وتكون رمادًا ذلك لأن المحروق من المطبوع تبقى فيه الحروف ظاهرة بعد إحراقه ولا تزول إلا بدقِّه حتى يكون كالرماد. فضيلة الشيخ: أما إذا مزقت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مزقت تبقى هذه طريقة ثالثة لكنها صعبة لأن التمزيق لابد أن يأتي على جميع الكلمات والحروف وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقًا دقيقًا جدًا بحيث لا تبقى صورة الحرف فتكون هذه طريقة ثالثة وهي جائزة. ***
المستمعة ن. أ. ب. من جدة تقول عندي أوان كثيرة تحمل آيات قرآنية كريمة والبعض من الأدعية المأثورة وقال لي بعض الناس إن استعمالها أو امتلاكها حرام ويجب علي أن أحرقها فقمت بإحراقها خشية لعقاب الله ﷿، وبعد أن أحرقت البعض منها ومزقت البعض الأخر لم أعرف أين أضع المخلفات، هل أقوم بدفنها أم أرميها بسلة مهملات أرجو التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن هذه الأوراق التي كانت فيها آيات من كتاب الله ﷿ وأحرقتها بمشورة من بعض الناس يمكن أن تكمل إحراقها أيضًا ثم تدفنها لأن ذلك أبلغ في البعد عن إمتهانها، اللهم إلا أن تمزقها تمزيقًا كاملًا بحيث لا يبقى من الكلمات شيء فإنه يغني عن إحراقها ولكنها ذكرت أنها أحرقت أوراقًا فيها أدعية، والأوراق التي فيها الأدعية يفصل فيها، فيقال إن كانت أدعية مشروعة فالحفاظ عليها أولى وإبقاؤها أولى ينتفع بها وإن كانت أدعية غير مشروعة فإتلافها واجب بالإحراق أو التمزيق تمزيقًا كاملًا، قد يقول قائل لماذا فصلتم في الأوراق التي فيها أدعية ولم تفصلوا في الأوراق التي فيها آيات قرآنية، والجواب على هذا أن نقول إن الأوراق التي فيها آيات قرآنية لو بقيت لكان هذا عرضة لامتهانها إن بقيت هكذا مهملة وإن علقت على الجدر فإن تعليق الآيات على الجدر ليس من الأمور المشروعة التي كان عليها السلف الصالح رضى الله عنهم والمعلق لها لا يخلو من أحوال الحال الأولى أن يعلقها تبركًا بها وهذا ليس بمشروع وذلك لأن التبرك بالقرآن على هذا النحو لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه وما لم يرد عن النبي ﷺ مما اتخذ على وجه تعبدي أو على وجه وسيلي فإنه لا يكون مشروعًا لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) وإما أن يتخذها على سبيل الحماية بحيث يعتقد أنه إذا علق هذه الآيات حمته من الشياطين وهذا أيضًا لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة ﵃ والسلف الصالح، وفيه محذور وهو أن الإنسان يعتمد عليها ولا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من قراءة الآيات التي فيها الحماية والتحرز من الشيطان الرجيم لأن نفسه ستقول له ما دمت قد علقت آية الكرسي مثلًا في بيتك فإنه يغني عن قرائتها، ما دمت علقت سورة الإخلاص والمعوذتين فإنه يكفيك عن قرائتها وهذا لا شك أنه يصد الإنسان عن الطريق الصحيح للاحتماء والاحتراز بالقرآن الكريم، فهاتان حالان. الحال الثالثة أن يعلق هذه الأوراق التي فيها القرآن من أجل الذكرى والموعظة وهذا إن قدر أن فيه نفعًا في بعض الأحيان فإن فيه ضررًا أكثر وذلك أن كثيرًا من المجالس تكون فيها هذا الآيات القرآنية ولكن لا ينتفع أهل المجلس بها، قد يكون من المعلق ورقة فيها قوله تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فتجد الناس في نفس هذا المكان يغتاب بعضهم بعضًا، ولا ينتفعون بهذه الآية، وكون الآية فوق رؤوسهم تنهى عن الغيبة وهم يغتابون الناس يشبه أن يكون هذا من باب التحدي وعدم المبالاة بما نهى الله عنه، وربما تجد في بعض المجالس ورقة فيها قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ومع هذا لا أحد يلتفت لها ولا يرفع رأسه إليها ولا يذكر الله ولا يسبحه، وهذا كثير، إذا فالعظة والتذكر بهذه الآيات التي تكتب على أوراق وتعلق قليلة ثم إن التذكير والعظة بهذه الطريقة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ولا شك أن هديهم خير من هدينا وأقرب إلى الصواب منا، ولهذا قال النبي ﵊ (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ولهذا حبذنا عمل هذه المرأة التي أحرقت الأوراق التي عندها فيها آيات من كتاب الله وفصلنا في الأدعية. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم يا شيخ محمد هل ينطبق هذا على الأحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا عندي أن الأحاديث أهون، أهون من الآيات كثيرًا، ولكن مع هذا لو عدل الناس عندها لكان خيرًا، ولو بقيت فلا بأس. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم، الحِكَم وغيرها أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس فيها بأس لأنها ليست من كلام الله ولا رسوله في الغالب. ***
السائل أم ن يقول فضيلة الشيخ يكثر في أماكن تجمعات الطلاب بعض الأوراق التي تحمل لفظ الجلالة أو اسم الرسول ﷺ والبعض يرميها غير مبال بها فهل يتعيّن على كلّ شخص أن يضع هذه على الأرض أو أن يحملها وإن كانت كثيرة ومبعثرة على الأرض أين توضع إن لم يجد مكانًا مناسبًا لها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أنه لا يلزم كلّ إنسان وجد قراطيس في الأرض أن يأخذها ويفتشها وينظر هل فيها آية أو حديث لأن هذا شاق نعم لو رأى بعينه أن في هذه القرطاسة آية من كتاب الله أو حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحينئذ يأخذه ولكني أنصح إخواني الذين يلقون هذه الأوراق أن يتفقدوها قبل إلقائها فإذا وجدوا فيها آية آو حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمسكوا بها وأحرقوها والنار تأكل ما وضع فيها وأن لا يتهاونوا في هذا الأمر ولقد بلغني أن بعض السفهاء يلقون مقرر التفسير الذي فيه الآيات وبيان معناها يلقونه في الزبالة والعياذ بالله غير مبالين بما فيها وهذا على خطر عظيم لأن القرآن له من الحرمة ما هو جدير به فالقرآن كلام الله ﵎ تكلّم به جلّ وعلا كلامًا بصوت وحرف وألقاه على جبريل وجبريل ألقاه على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان عربي مبين فكيف يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر آن يلقي كلام الله في الزبل سبحان الله هذا فعل قبيح نسأل الله لنا ولإخواننا الهداية والتوفيق وفي هذه الحالة نقول اجمع ما لا يمكن استعماله عندك من الكتب التي فيها الآيات والأحاديث اجمعها واحرقها اخرج إلى جهة من الجهات من البر ثم احرقها. ***
هل يجوز رمي الكتب المدرسية والجرائد في النفايات علما بأن البلدية تقوم بإحراق جميع النفايات وعلما بأننا نضعها في كيس وحدها حتى لا تختلط مع النفايات الأخرى فإن لم يكن ذلك فماذا نفعل علما بأن الكتب تحوي آيات وأحاديث أفيدونا ووجهونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن كلام الله ﷿ وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلام شريف نفيس يجب العناية به ويجب تعظيمه ولا يحل أن يلقى في القاذورات والأشياء النجسة مهما كان الأمر لكن في بعض البلاد نرى أن بعض البلديات وفقهم الله يضعون صندوقا خاصا للصحف والمجلات والكتب فإذا حصل مثل هذا فهو خير فمن كان عنده شيء زائد من الكتب فإنه يذهب به إلى هذا الصندوق المعيّن ويكون قد أدّى ما عليه والمسؤولية بعد وضعها في هذا الصندوق على البلدية والبلدية تكون مشكورة إذا فعلت ذلك ومأجورة عند الله ﷿ أما الصناديق العادية التي يلقى فيها القذر والإنتان وغيرها من الأشياء المستقذره فلا يمكن أن يوضع فيها كلام الله وكلام رسوله ﵊ لكن إذا كان عمال البلدية عندهم فهم ووعي وجعلته في كيس ووضعته وحده إلى جنب الصندوق حتى يعرف العمال أنه لا يدخل مع النفايات الأخرى فهذا أرجو ألا يكون به بأس وإلا بأن تخشى أن يكون العمال ليس عندهم علم كما هو الغالب في عمال البلديات فإنك تبقيه عندك في البيت فإذا خرجت إلى البر في يوم من الأيام اخرج به معك واحرقه وادفنه هذا بالنسبة للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة أما بقية الجرائد وغيرها فلا حرج أن تجعلها مع ما تأخذه البلدية. ***
هل يجوز حرق أوراق ممزقة من القرآن أو فيها اسم الله ﷿ لأنني سمعت أن من يحرق ورقة يكوى بها يوم القيامة أرجو من الله التوفيق ومنكم الإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحريق أوراق المصحف إذا كان لا ينتفع بها جائز ولا حرج فيه، فإن عثمان رضى الله عنه لما وحَّد المصاحف على لغة قريش أمر بإحراق ما عداها فأحرقت ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وكذلك أيضًا ما كان فيه اسم الله لا بأس بإحراقه إلا أنه حسب الأمر الواقع في المصاحف المقطوعة إذا أحرقت فإن لون الحروف يبقى بعد الإحراق، لون الحرف يبقى ظاهرًا في الورقة بعد الإحراق، فلابد بعد إحراقها من أحد أمرين إما أن تدفن وإما أن تدق حتى تكون رمادًا لئلا تبقى الحروف فيطير بها الهواء فتداس بالأقدام، وأما ما سمعه أن من أحرق ورقة كوي بها يوم القيامة فلا أصل له. ***
بارك الله فيكم المستمعة ف. و. من بنغازي ليبيا تقول في هذا السؤال ما رأي الشرع في نظركم في استعمال الجرائد العربية التي قد يكون مكتوبًا فيها أسماء لله ﷾ وذلك بقصد استعمالها في المسح والتغليف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحف أو الجرائد التي فيها كتب وفيها كتابة باللغة العربية تشتمل على آية من كتاب الله أو على أقوال من سنة الرسول ﷺ لا ينبغي أن تستعمل في التغليف تغلف بها الثياب أو الأواني أو الحوائج الأخرى لأن في ذلك امتهانًا لها فإن غلف بها أشياء قذرة نجسة كان ذلك أشد وأعظم وأدهى وإذا كان ذلك يعد امتهانا واضحًا لهذه الصحف والجرائد وتيقن الإنسان أن فيها آياتٍ من كتاب الله أو أحاديث عن الرسول ﷺ فإن ذلك محرم لأنه لا يجوز امتهان كلام الله وكلام رسوله ﷺ ومن العجب أن هؤلاء الذين يغلفون بهذه الصحف والجرائد يسهل عليهم وتيسير أن يشتروا الأوراق البيضاء التي تعد لمثل هذا الأمر ولكنهم يعدلون عنها إلى هذه الجرائد والصحف الله ﷾ قد جعل لنا غنىً عن هذه الصحف والجرائد بهذه الأوراق التي تملأ الأسواق. ***
آداب قراءة القرآن
يقول السائل لا شك أن لتلاوة القرآن الكريم آدابًا يجب أن يتحلى بها القارئ والمستمع حدثونا عن هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى بتلاوته فينوي بذلك التقرب إلى الله ﷾ حتى لو أراد مع ذلك أن يثبت حفظه إذا كان حافظًا فإن هذه نيةٌ صالحة لا تنافي الإخلاص لله ﷿. ومن الآداب أن يستحضر الثواب الذي رتب على تلاوة القرآن ليكون محتسبًا بذلك على ربه ﷿ راجيًا ثوابه مؤملًا مرضاته. ومن الآداب أيضًا أن يكون متطهرًا وذلك لأن القرآن أشرف الذكر وقد قال النبي ﵊ لرجل سلم عليه فلم يرد ﵇ حتى توضأ قال (إني لست على وضوء أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهارة) ولكن إن كان الإنسان جنبًا فإنه لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا إذا قرأ شيئًا يريد به الذكر وهو من القرآن فلا بأس أو يريد به الدعاء وهو من القرآن فلا بأس فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يريد بذلك البسملة والتبرك بذكر اسم الله لا يريد التلاوة فلا بأس بهذا ولو قال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد بذلك الدعاء لا القراءة فلا بأس أما إذا كان يريد القراءة فإن القرآن لا تحل قراءته للجنب وأما من به حدثٍ أصغر فيجوز أن يقرأ القرآن لكن لا يمس المصحف لأن المصحف لا يمسه إلا طاهر لقوله ﷺ في الكتاب الذي كتبه إلى عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر الطاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولقول الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن الإنسان قبل الوضوء والغسل والتيمم غير طاهر وأما من قال إنه لا يجوز مس المصحف إلا لطاهر واستدل بقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فاستدلاله بهذه الآية ضعيف لأن المراد بـ (الْمُطَهَّرُونَ) في الآية الكريمة الملائكة ولو أراد المطهرون يعني الذين على طهارة لقال إلا المتطهرون أو إلا المطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أما من قال إنه يجوز أن يمس المصحف بدون طهارة مستدلًا بالبراءة الأصلىة وأنه لا دليل على ذلك وحمل قوله ﷺ في حديث عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) على أن المراد بالطاهر المؤمن لقوله ﷺ (إن المسلم لا ينجس) فجوابه عن ذلك ضعيف لأنه ليس من عادة النبي ﵊ أن يعبر عن المؤمن بالطاهر وإنما يعبر عن المؤمن بالإيمان والواجب حمل خطاب المتكلم على المعهود في كلامه الغالب فيه لا على أمرٍ لا يقع في كلامه إلا نادرًا على كل حال من آداب قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهرًا قال بعض أهل العلم ومن آدابها أي من آداب قراءة القرآن أن يتسوك عند قراءة القرآن لتنظيف فمه وتطهيره بالسواك حيث تمر الحروف من هذا الفم فيحصل أن لا تمر إلا من طريقٍ مطهر ومن آداب قراءة القرآن أن يقرأ بتدبر وتمهل وخشوع بقدر ما يستطيع فأما حفظ القرآن والسرعة فيه فإن كان يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك حرام لأنه يخرج الكلمات عن صورتها والحروف عن صورتها وإن كان لا يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك لا بأس به سواءٌ قرأه بالتجويد أو بغير تجويد لأن قراءته بالتجويد من باب تحسين الصوت وليس من باب الأمر الواجب فإن حسن صوته بالقرآن بالتجويد فهذا خير وإن لم يفعل فلا إثم عليه أما بالنسبة لاستماع القرآن فإن من الآداب أن يكون المستمع منصتًا متابعًا لقول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ولا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عنده وهو غافلٌ لاهٍ أو متحدثٌ مع غيره بل الأفضل والأولى أن يستمع وينصت لتناله الرحمة وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عند قومٍ يرى أنه لا تعجبهم القراءة في ذلك الوقت لأنه بهذا يشق عليهم ويحملهم ما لا يستطيعون لكن إن رأى منهم محبةً لقراءته أو طلبوا منه ذلك فهذا طيب أن يقرأ فيعمر المكان بقراءة القرآن أما أن يرهقهم بالقراءة وهم لا يريدونها في هذا المكان وفي هذا الوقت فهذا ليس بجيد ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ولذلك لم يكن النبي ﵊ يرهق أصحابه بقراءة القرآن كلما جلس معهم بل كان ﵊ يراعي أحوالهم ويفعل ما يرى أنه أصلح لهم في دينهم ودنياهم وأنت إذا قرأت على قومٍ لا يحبون قراءة القرآن في هذا المكان أو في هذا الزمن فربما تحملهم على كراهة القرآن فيأثمون وتأثم أنت لأنك أنت السبب ولكن يقرأ القرآن إذا ما ائتلفت عليه القلوب وأحبته ومن آداب القرآن للقارئ والمستمع إذا مر بآية سجدة أن يسجد فإن السجود عند آية السجود من السنن المؤكدة حتى قال بعض أهل العلم إن السجدة واجبة ولكن القول الراجح أنها أعني سجدة التلاوة ليست بواجبة إن سجد فقد فعل خيرًا وإن ترك فلا شيء عليه لأنه ثبت في الصحيح عن عمر ﵁ أنه قرأ على المنبر آية السجدة في سورة النحل فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد وقال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء يعني لكن إن شيءنا سجدنا وإن شيءنا لم نسجد قال هذا بمحضرٍ من الصحابة ﵃ فالسجود للتلاوة سنة وليس بواجب. ***
هل هناك صفات يجب أن تتوفر فيمن يقرأ على المرضى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القارئ الذي يقرأ بكتاب الله ﷿ أو بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرضى من المعلوم أنه لابد أن يكون مؤمنا وأن يكون مقتنعا بأن هذه القراءة تنفع ولكن لابد مع ذلك أن يكون المقروء عليه قابلا بهذه القراءة مؤمنا بأنها نافعة مؤملا من الله ﷾ النفع بها ولابد أيضا من أن تكون القراءة قراءة شرعية فهذه ثلاثة أمور صحة القراءة وإيمان القارئ وإيمان المقروء عليه فإذا تمت هذه الشروط فإن القراءة تنفع بإذن الله وقد قرأ أحد الصحابة ﵃ على رجل لدغته عقرب قرأ عليه سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقارئ (وما يدريك أنها رقية) أي الفاتحة وهي من أفضل ما يرقى به على المرضى ومن أنفع ما يكون للمريض لكن إذا اجتمعت الشروط الثلاثة إيمان القارئ وإيمان المقروء عليه وكون القراءة شرعية وهي شرعية بالفاتحة لا شك. ***
كيف يكون القرآن حجةً على حامله أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كتاب الله ﷿ أنزله الله تعالى على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون للعاملين نذيرًا وجعل سماعه حجةً ملزمة فقال جل وعلا (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) فمن سمع كلام الله وهو يعرف اللغة العربية فقد قامت عليه الحجة وإذا قامت عليه الحجة فإما أن يقوم بموجب ما تقتضيه هذه الحجة وإما أن يخالف ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (القرآن حجةٌ لك أو عليك) وعلى من قرأ القرآن إذا لم يفهم معناه أن يتفهمه من أهل العلم لأن الله لم ينزل الكتاب العزيز لمجرد تلاوته بل لتدبره والعمل به قال الله ﵎ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وما ضر الناس اليوم إلا أنهم لا يفكرون في معرفة معاني القرآن الكريم إلا قليلًا فتجد أكثر المسلمين يقرؤون القرآن تعبدًا بتلاوته واحتسابًا لأجره لا يتدبرونه ولا يتأملونه ويسألون عن معناه فهم والأميون على حدٍ سواء قال الله ﵎ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) فجعل الله تعالى الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي إلا قراءة جعلهم أميين فعلى المرء أن يتدبر معاني كتاب الله وأن يتعظ بما فيها حتى يكون القرآن حجةً له لا عليه. ***
الإنصات عند استماع القرآن
يقول السائل ماحكم الإنصات إلى تلاوة القرآن هل هو واجب أو مستحب وكيف يعمل من كان يعمل في بقالة أو في محل عمله وهو يستمع إلى القرآن الكريم ويتحرك ويخاطب الناس ويسير ويرجع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى قراءة القارئ مأمور بها إذا كان المستمع تابعا لهذا القارئ كالمأموم الذي خلف الإمام الذي يصلى صلاة جهرية ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قال أجمعوا أن هذا في الصلاة وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وفيه (وإذا قرأ فأنصتوا) وأما الذي يقرأ إلى جنبك فلا يلزمك أن تستمع إليه بل لك أن تقرأ وحدك وأن تذكر الله وحدك وأن تراجع ما بين يديك من الكتب ولو كان القارئ إلى جنبك لأنك لا تريد الاستماع له وأما ما يصنعه بعض الناس من وضع مسجل في الدكان يقرأ القرآن وضجيج الأصوات من هذا الدكان وربما يكون اللغو والكلام المحرم فلا أرى هذا وأخشى أن يكون هذا من إهانة القرآن ويغني عن هذا أن يسجل حكما مأثورة ثم يستمع إليها لأن القرآن أشرف وأعظم من أن يجعل في مثل هذا المكان الذي يكثر به اللغو والكلام الباطل فننصح إخواننا الذين يستمعون إلى المسجلات في دكاكينهم وهم يريدون الخير إن شاء الله ألا يفعلوا لأني أخشى أن يكون هذا من باب امتهان القرآن. ***
هل تجوز قراءة القرآن أثناء القيام بأعمال البيت أرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن عبادة من أفضل العبادات تقرب العبد من ربه ويحصل بها على ثوابٍ جزيل لأن من قرأ القرآن فله بكل حرفٍ عشر حسنات وقراءة القرآن يقصد بها مع التعبد لله ﷿ فهم معانيه ليتمكن الإنسان من العمل به ومن أجل هذا أنزل هذا القرآن المبارك قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وإذا كان كذلك فإنه ينبغي للإنسان الذي يقرأ القرآن أن يستحضر ما يقرأ ويتدبر معناه وأن لا يشغل قلبه وجوارحه بغيره لا بأعمال البيت ولا بأعمالٍ أخرى وإذا كان الله تعالى أمر من سمع القرآن أن يستمع له وينصت حتى يحضر قلبه ويتدبر ما يسمع فإن القارئ من باب أولى فلهذا نقول للمرأة التي تشتغل بأعمال البيت وبغيرها كالخياطة ونحوها لا تقرأ القرآن في حال انشغالها بل تتفرغ إذا أرادت قراءة القرآن لتتدبر معنى كلام الله ﷿ فإذا كانت تحبّ أن تستغل وقتها بما يقرّب إلى الله بالإضافة إلى القيام بعمل البيت فلديها ذكر الله ﷿ تذكر الله تحمد الله تسبّح الله تكبّر الله تستغفر الله فإن هذه الأذكار يحضر القلب فيها عند ذكرها في حال العمل لأن كل كلمة تمثل معنى مستقلًا فتجد الإنسان يستحضر المعنى لهذه الكلمات أعني التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار ولو كان يعمل وخلاصة الجواب أن نقول إذا كانت المرأة تشتغل بأعمال بيتها أو غيرها من الأعمال فلا تقرأ القرآن لأنه ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضرًا له حين قراءته والقرآن أجلّ من أن يشتغل اللسان به مع غفلة القلب عنه أما الأذكار فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس إذا كان يشتغل بعمل أن يذكر الله تعالى وهو في حال انشغاله. فضيلة الشيخ: الاستماع إلى القرآن والأشرطة والإذاعة وهي في العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أهون من القراءة لأن الإنسان ليس يعمل ولكنه يستمع والاستماع ليس بواجب ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إنّ هذا في حال الصلاة أما في غير الصلاة فالإنسان حرّ إن شاء استمع إذا قرأ القارئ وإن شاء لم يستمع واشتغل بشيء آخر غير أنه لا ينبغي له أن يشتغل في حال سماع القرآن بما لا يتلاءم مع القرآن لأنه إن فعل ذلك أشبه قول المشركين (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) . وبهذه المناسبة أود أن أذكّر أن بعض المتاجر جزاهم الله خيرًا ووفقهم يفتحون المسجل على قارئ من القراء والناس عندهم في متجرهم مشتغلوه بالمماكسة والكلام الذي قد يكون لغوًا لا يتناسب مع صوت القارئ وقراءته ولهذا ننصح إخواننا أصحاب المتاجر أن لا يفعلوا ذلك لأن كتاب الله ﷿ أجلّ من أن يسمع في مكانٍ لا يستمع إليه ولا يؤبه به بل ربما حصل لغوٌ منافٍ للقرآن. ***
إذا كنت مشغولًا بأداء واجب مدرسي وفتحت المذياع ووجدت فيه قرآنًا يتلى فأقع في حيرة إن استمررت في أداء واجبي والقرآن يتلى فإن هذا تساهل عن القرآن وإن أغلقت المذياع كان هذا أمرًا لا أرتاح له لأنه إعراض عن ذكر الله سبحانه هل أترك واجباتي وأستمع أم ماذا وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تترك واجباتك وتستمع بل لا بأس أن تغلق المذياع وتوقف القراءة فإنه ثبت عن النبي ﷺ أنه استمع إلى قراءة عبد الله بن مسعود ﵁ حتى وصل إلى قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال له النبي ﷺ (حسبك) وأوقفه عن القراءة فيجوز للإنسان إذا استمع إلى القرآن أن يغلقه ويقتصر على ما استمع منه إذا لم يكن ذلك ناشيءًا عن كراهية القرآن وإنما أوقفه لغرض مقصود شرعًا كما في سؤال هذا السائل وكونه يقول أيضًا لا أحب أن أبقيه يقرأ وأنا مشتغل بواجباتي هذا صحيح فإن من الخطأ ما يفعله بعض الناس يجعلون القرآن يتلى بواسطة المذياع وهم يتكلمون ويمزحون ويقولون أو يطالعون في أمور أخرى أو يكونون في دكاكينهم وفي محلاتهم يبيعون ويشترون والمسجل يقرأ القرآن أو الراديو يقرأ القرآن فإن هذا لا ينبغي وهو خلاف قول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فنقول إما أن تنصتوا للقرآن وأما أن تغلقوه فلا حرج عليكم وقد رأيت كثيرًا من محبي الخير وهم يفعلون هذا يتكلمون ويبيعون ويشترون في محلاتهم والقرآن يتلى وهذا خطأ منهم لا ينبغي لهم ذلك. ***
السائلة من المنطقة الجنوبية أبها ل. ع.أتقول ما حكم الاستماع للقرآن والفتاة تقرأ في أي كتاب من الكتب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عمل لا ينبغي ولا يُرْضَى فإن الله تعالى قال في كتابه (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وقال جل وعلا (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فإذا كانت المرأة تريد أن تطالع في كتاب آخر فإنها تغلق الاستماع إلى قراءة القرآن الكريم لئلا تقع في الإثم من حيث لا تشعر أما إذا كانت فارغة ليس لها عمل لا عمل فكري ولا عمل بدني وأرادت أن تستمع إلى القرآن المسجل فإن ذلك لا بأس له لأنه ينفع المستمع لكن لو مر هذا القارئ عبر المسجل بآية سجدة فهل يسجد المستمع الجواب لا لسببين السبب الأول أنه لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ لأن القارئ متبوع لا تابع فإذا لم يسجد فإنه لا يسجد وقد ذكر زيد بن ثابت ﵁ (أنه قرأ على النبي ﷺ سورة النجم فلم يسجد فيها) والظاهر والله أعلم أن النبي ﷺ لم يسجد فيها لأن زيدا وهو القارئ لم يسجد السبب الثاني أن ما يسمع عبر المسجل ليس هو الصوت المباشر للقارئ وإنما هو حكاية صوته فلا يشرع السجود حينئذ وبقولي إنه حكاية صوت وليس صوتًا يتبين أن ما يفعله بعض الناس من فتح المسجل عند حلول وقت الآذان ليسمع عبر الميكروفون خطأ ولا تحصل به الكفاية لأن هذا حكاية صوت وما فائدته إلا التنبيه إلى دخول الوقت فقط ومن المعلوم أن الأذان ذِكرٌ مشروع من أفضل العبادات والطاعات بل هو فرض كفاية كما هو معلوم فلا يمكن أن يستغنى بحكاية الصوت عن صوت المؤذن المباشر. ***
المستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بسعاد س. م. المدينة النبوية تقول ما حكم التحدث إلى الآخرين والقرآن يتلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ يقرأ للجماعة فإنه لا يحل لهم أن يتلهوا عن القرآن بكلام أو غيره وإذا كان يقرأ لنفسه فهم مخيرون إن شاؤوا أنصتوا له واستمعوا له وإن شاؤوا لم ينصتوا وإذا لم ينصتوا بأن كانوا يتحدثون بما يتحدثون به فإن على القارئ أن يلاحظ ذلك وأن لا يرفع صوته بالقراءة لئلا يلقي على أسماع المشتغلين بغيره ما يحرجهم فيه. ***
طالب في مدرسة يقول في الإذاعة المدرسية ترغب الإدارة أن يبدأ البرنامج بالقرآن الكريم يوميا ولكننا لا نفعل ذلك نرجو التوجيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي أن لا يتخذ ذلك سنة دائمة أعني البداءة بالقرآن الكريم عند فتح الإذاعة لأن البداءة بالقرآن الكريم عبادة والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدئ خطابتها ومحاضراتها وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم لكن إذا ابتدأ أحد بقراءة ما يناسب المحاضرة مثلا تقدمة لها ولعل المحاضر يتكلم على معاني الآيات التي قرأها فإن هذا طيب لا بأس به مثل أن تكون المحاضرة عن الصيام فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدء المحاضرة أو تكون المحاضرة في الحج فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج فإن هذا لا بأس به لأنه مناسب فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات أما اتخاذ هذا سنة راتبة كلما أراد المحاضرة أو كلما أردنا كلاما قرأنا القرآن فهذا ليس بسنة. ***
هل يجوز الاستماع إلى القرآن أثناء العمل في البيت أم أن ذلك لا يجوز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن الإنسان إذا أراد أن يستمع إلى القرآن فليستمع إليه وهو فارغ البال غير مشغولٍ بعمل لأن استماعه إلى القرآن وهو يشتغل بالعمل يعني أنه لن يتأمل ما يسمع ولن يهتم به لذلك ننصح من يحب الاستماع إلى القرآن أن لا يستمع إليه إلا وهو فارغ القلب فارغ البدن حتى يستمع إلى كتاب الله ﷿ على وجهٍ ينتفع به. ***
مس المحدث للقرآن وقراءته
ماحكم تلاوة القرآن بدون وضوء وبدون لمس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن بلا وضوء جائزة ولا حرج فيها إلا أن يكون الإنسان جنبًا فإنه لا يجوز له أن يقرأ القرآن وهو جنب بل عليه أن يغتسل ثم إن شاء قرأ وأما الحائض فإنه اختلف العلماء ﵏ في جواز قراءتها للقرآن فمنهم من قال إنه حرام لأحاديث وردت في ذلك ومنهم من قال إنه ليس بحرام لأن الأحاديث الواردة في هذا إما صحيحةٌ غير صريحة وإما صريحةٌ غير صحيحة وليس هناك حديثٌ صحيحٌ صريح يدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فلها أن تقرأ القرآن ولكنني أرى أن الأحوط أن لا تقرأ القرآن إلا إذا كانت لحاجة كامرأة تقرأ من القرآن وردها أو امرأةٍ تعلم أولادها أو امرأةٍ تخشى نسيان القرآن الذي حفظته أو امرأة تؤدي اختبارًا أو ما أشبه ذلك مما تدعو الحاجة إليه فهذا لا بأس به أما لمجرد حصول الأجر فالأحوط أن تمتنع منه اتباعًا لقول أكثر أهل العلم وأما مس المصحف فالصحيح أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء لقوله ﷺ في الحديث المشهور حديث عمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر هنا الطاهر من الحدث لقوله تعالى في سورة المائدة حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) دل هذا على أن الإنسان ما دام على حدث فليس بطاهر وحمل الطاهر هنا على المؤمن غير صحيح وذلك لأنه لم تجرِ العادة بالتعبير بطاهر عن مؤمن فإن كل من تتبع الكتاب والسنة وجد أنه يعبر فيهما عن المؤمن باسم الإيمان والتقوى وما أشبه ذلك وأما كلمة طاهر فلم يعبر بها فيما نعلم عن المسلم أو المؤمن. ***
المستمعة بالمدينة المنورة تقول ما حكم مس الأطفال للمصحف يا فضيلة الشيخ أرجو بهذه افادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ في جواز مس المصحف للمحدث فمن أهل العلم من يقول إن مس المصحف للمحدث جائز وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في منع المحدث من مس المصحف والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام ومن العلماء من قال إنه لا يحل مس المصحف إلا على طهارة لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي ﷺ (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) ولقوله تعالى في الحيض (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) وهذا القول أصح من القول الأول لأن كلمة طاهر وإن كانت مشتركة بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية لكن المعهود من خطاب الشارع أن لا يعبر بكلمة طاهر لمن كان طاهرًا طهارة معنوية والطاهر طهارة معنوية هو المسلم والنجس هو المشرك قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وقال النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) وإذا كان لم يعهد التعبير بالطاهر عن المؤمن فإنه يحمل على المعنى الثاني أو يترجح حمله على المعنى الثاني وهو الطاهر من الحدث. ولكن يبقى النظر هل يشمل الحكم الصغار الذين يتعلمون القرآن فتلزمهم بالوضوء أو لا يشملهم لأنهم غير مكلفين في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال إن الصغير لا يلزمه أن يتوضأ لمس المصحف لأنه غير مكلف ومنهم من قال إنه يلزمه فيلزم بأن يتوضأ وهذا لا شك أنه أحوط وفيه من المصلحة أننا نغرس في قلوبهم إكرام كلام الله ﷿ وأنه أهل لأن يتطهر الإنسان لمسه فإذا كان في إلزامهم بذلك صعوبة فإنه من الممكن أن يمس المصحف من وراء حائل فإن مس المصحف من وراء حائل جائز للمحدث وغير المحدث. ***
هل يجوز للطفل غير المميز أن يمسك بالقرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الصبي غير المميز ليس له وضوء لأنه من شرط صحة الوضوء التمييز وإذا لم يكن له وضوء فإنه لا يجوز له مس القرآن لأن مس القرآن لا يجوز إلا بوضوء لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما كتبه لعمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) أي إلا متوضئ. ***
هل قراءة القرآن من المصحف يشترط أن يكون الإنسان فيها طاهرًا ومتوضئًا مع العلم بأن هذا قد يكون شاقا على البعض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا يمس المصحف إلا طاهر سواء قرأ أو لم يقرأ وإذا قرأ في مصحف بدون مس كأن يكون على يديه قفازان أو منديل أو ما أشبه ذلك لا يمسه بواسطتها فلا بأس وإذا قرأ القرآن عن ظهر قلب فلا بأس أن يقرأ وإن لم يتوضأ. ***
ما هو الجزء من المصحف الذي يحرم لغير الطاهر مسه هل هو غلاف المصحف أم أوراق المصحف أم الآيات من المصحف فأجاب رحمه الله تعالى: كل المصحف لا يجوز مسه بغير وضوء سواء الذي فيه كتابة أو ليس فيه كتابة أما الجراب الذي يوضع فيه المصحف أو الكيس الذي يوضع فيه المصحف فإنه يجوز مسه لأنه منفصل عنه. ***
يقول السائل ما حكم قراءة التفسير بغير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءة التفسير من غير وضوء فلا بأس به لأن التفسير لا يسمى مصحفا أو قرآنًا إلا أن هناك طبعات تطبع المصحف في جوف الورقة والتفسير على الهامش ويكون القرآن أكثر من تفسيره فهذا له حكم المصحف لا يمسه إلا بطهارة وأما المرأة الحائض فلها أن تقرأ التفسير ولها أيضا أن تنظر إلى القرآن وتقرأه بقلبها دون أن تنطق به أما نطقها بالقرآن فالاحتياط أن لا تنطق به إلا فيما دعت الحاجة إليه كالآيات التي فيها ورد كآية الكرسي فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليله لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. المرأة الحائض إن قرأت القرآن تعبدا بتلاوته فالأفضل أن لا تفعل لأن العلماء مختلفون في أن ذلك إثم أو أجر وأما إذا كان لحاجة كما لو كانت تقرأ آيات الورد أو تقرأ لئلا تنسى ما حفظته أو تقرئ ابنتها أو ولدها أو الطالبة تسمع في المدرسة فكل هذا حاجة لا بأس أن تفعله الحائض. ***
تجويد القرآن
هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن دون الانضباط ببعض أحكام التجويد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ذلك إذا لم يلحن فيه فإن لحن فيه فالواجب عليه تعديل اللحن وأما التجويد فليس بواجب التجويد تحسين للفظ فقط وتحسين اللفظ بالقرآن لا شك أنه خير وأنه أتم في حسن القراءة لكن الوجوب بحيث نقول من لم يقرأ القرآن بالتجويد فهو آثم قول لا دليل عليه بل الدليل على خلافه بل إن القرآن نزل على سبعة أحرف حتى كان كل من الناس يقرؤه بلغته إلا أنه بعد أن خيف النزاع والشقاق بين المسلمين وحد المسلمون في القراءة على لغة قريش في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ وهذا من فضائله ومناقبه وحسن رعايته في خلافته أن جمع الناس على حرف واحد لئلا يحصل النزاع والخلاصة أن القراءة بالتجويد ليست بواجبة وإنما الواجب إقامة الحركات والنطق بالحروف على ما هي عليه فلا يبدل الراء لاما مثلا ولا الذال زايًا وما أشبه ذلك هذا هو الممنوع. ***
هل يلزم قارئ القرآن أن يكون ملمًا بأحكام التجويد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم لقارئ القرآن أن يكون ملمًا بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد بل هو مأجور مثاب على قراءته الحروف على ما هي عليه والحركات على ما هي عليه وإن لم يراع قواعد التجويد لكن التجويد في بعضه تحسين للفظ وتزيين للصوت ومن المعلوم أنه ينبغي للمرء أن يحسن صوته بكتاب الله العزيز. ***
بالنسبة لقراءة القرآن بدون تجويد هل عليها أجر كوني لا أعرف القراءة بالتجويد وهل إذا وضع المصحف في مسجد يعتبر صدقة جارية أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القراءة بالتجويد ليست واجبة وإنما هي سنة لتحسين الصوت بالقرآن لأنه ينبغي على الإنسان أن يحسن صوته بتلاوة كتاب الله ومن التحسين التجويد وأما كونه واجبا فلا إذا كان الإنسان يقيم الحركات يرفع المضموم ويفتح المنصوب ويكسر المجرور ويسكن الساكن فليس عليه إثم في ذلك وأما وضع المصحف في المسجد فهو إن شاء الله تعالى من الخير ويجري أجره على صاحبه ما دام الناس ينتفعون به فإذا تلف انقطع الأجر لكن أريد أن أنبه على أمر مهم وهو اللحن الذي يحيل المعنى فإن بعض الناس ولا سيما كبار السن لا يبالون به ويقرؤون القرآن بهذا اللحن وهذا حرام عليهم ولا يصح أن يكونوا أئمة في المساجد ولو كان لهم مدة طويلة في الإمامة فإنه لا يجوز إبقاء إمامتهم إذا لم يقيموا ألسنتهم بكتاب الله مثال ذلك أن بعضهم يقرأ قول الله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بفتح التاء فيضمها فيقول صراط الذين أنعمت عليهم وهذا لحن يحيل المعنى ويجب على الإنسان أن يقوم لسانه عنه فإذا قال أنا لا أستطيع أنا لا أقدر إلا هذا قلنا إذن لا تصل في الناس إماما لأن لحنك هذا يحيل المعنى ومثل أن يقول إياكي نعبد وإياكي نستعين هذا أيضا يحيل المعنى إحالة فاحشة فيجب عليه أن يقوم لسانه فيقول إياك نعبد فإن لم يستطع فإنه لا يجوز أن لا يكون إماما للناس وعليه أن يتنحى وإن كان له مدة طويلة في الإمامة. ***
هل يأثم من يقرأ القرآن الكريم بدون تطبيق لأحكام التجويد وذلك لجهله فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأثم بهذا لأن أحكام التجويد إنما هي لتحسين القراءة فقط وليست واجبة فمن أقام الكلمات والحروف على ما هي عليه فقد قام بالواجب. ***
يقول السائل ماحكم من قرأ القرآن ولم يرتل لعدم قدرته على الترتيل أفيدونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ترتيل القرآن على وجهين الوجه الأول ما يكون به بيان الحروف وإظهارها بحيث لا يسقط شيئًا من الحروف فهذا واجب ولا يجوز للإنسان أن يقرأ على وجه يسقط فيه الحروف كما يفعله بعض الناس من السرعة العظيمة التي يخفي فيها الواو أحيانًا أو الفاء أحيانًا أو اللام أحيانًا أو أي حرف من الحروف لأنه إذا تلاه على هذا الوجه فقد تلاه على غير ما أنزل فيخشى أن يكون ممن يلوون ألسنتهم بالكتاب. أما الثاني فهو الترتيل الذي يكون أكثر من إظهار الحروف بحيث يكون اللفظ محسنًا بالتجويد أو يقف عند كل آية فهذا الترتيل ليس بواجب ولكنه مستحب إن فعله الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يفعله فلا حرج عليه. ***
مستمع رمز لاسمه بـ ح. أ. م. يعمل في المملكة يقول في رسالته بأنه شابٌ مؤمنٌ بالله ﷾ ومصدق لنبيه ﷺ ومحافظ على الصلوات المكتوبة ويكثر من قراءة القرآن ولله الحمد ولكن يقول عندما أقارن بين قراءتي وبين قراءة المقرئين من خلال المذياع أجد أنني أرتكب أخطاءً كثيرة فهل علي إثمٌ لما أرتكبه من أخطاء من غير قصد أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الله ﷾ أنزل على عبده محمد ﷺ الكتاب بلسانٍ عربيٍ مبين كما قال الله ﵎ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فيجب على الإنسان أن يقرأ هذا القرآن باللسان العربي فيرفع المرفوع وينصب المنصوب ويجر المجرور ويجزم المجزوم ولا يجوز له أن يغير الحركات فإذا كان يغيرها فالواجب عليه أن يتعلم وأن يكرر بقدر استطاعته ولا يجوز أن يتهاون في هذا الأمر ويقول سأبقى على ما أنا عليه من الخطأ وأما ما لا تتغير به الحركات من صفات الحروف فهذا ليس بواجب مثل المد والقصر وما أشبه ذلك إلا أن يؤدي ترك المد إلى إسقاط حرف أو يؤدي القصر إلى إسقاط حرف هذا لا يجوز لأن إسقاط الحرف كتغيير حركته والمصاحف ولله الحمد متوفرة وبالإمكان أن يأخذ الإنسان مصحفًا يقرؤه كلمةً كلمة حتى يأتي به على وجه الصواب. ***
رسالة المستمع من الباحة سعد علي يقول بأنه يحب قراءة القرآن حبًا عظيمًا والحمد لله ويقول أنا لا أجيد حقيقة القراءة جيدًا وهناك شباب أحسن مني في قراءتهم لكنهم لا يطبقون أحكامه ويقولون لو أنت مطوع لكنت أحسن منا فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن الفائدة من قراءة القرآن هي تدبر القرآن والاتعاظ به والعمل به فأنت أحق منهم بالقرآن وذلك لأنك تعمل به حسبما قلت ومعلومٌ أن الذي يجيد قراءة القرآن ولكنه لا يعمل به يكون شبيهًا بمن قال الله فيهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) فالحامل سيئ والمحمول حسن فقل لهم إذا قالوا لك مثل هذا القول قل وأنتم لو كنتم من أهل القرآن لعملتم به فإعراضكم عن القرآن مع أن الله حملكم إياه أشد من كونكم لا تحملون القرآن أما بالنسبة لك أنت فأنت إذا قرأت القرآن وأنت تتعتع فيه وهو شاقٌ عليك فإن لك أجرين كما قال النبي ﷺ (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) ومع ذلك فلا تيأس وحاول مرةً بعد أخرى واعلم أنه لا يلزمك أن تقرأ بالتجويد المهم أن تقيم الكلمات والحروف على الشكل المرسوم فلا تضم المنصوب ولا تنصب المرفوع وإنما تتمشى على حسب الشكل المرسوم سواءٌ كان ذلك بطريق التجويد أو بغير طريق التجويد لأن التجويد لا يراد به إلا تحسين اللفظ فقط وتحسين اللفظ ليس بواجب إنما هو من كمال القراءة فلا عليك إذا قرأت القرآن بغير تجويد ولكن لا بد من ملاحظة الشكل. ***
المستمعة من العراق تقول تعلمت قراءة القرآن والكتابة في مدراس شعبية دون مراعاة للحركات وأصبحت حين أقرأ القرآن أخطئ كثيرًا فأنصب المرفوع وأجر المنصوب إلى غير ذلك من الأخطاء الكثيرة فهل أستمر في القراءة على هذا اللحن الشنيع أم الترك أفضل أرجو التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تتركي القراءة من أجل هذا الغلط ولكن حاولي بقدر المستطاع إصلاح هذا الغلط وما دامت هذه السائلة تقول إني أرفع المنصوب وأنصب المرفوع فإن هذا يدل على أنها تعرف هذا الشيء وإذا عرفته فلتصحح، وقد جاء عن النبي ﷺ (أن الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) . ***
المستمع من الأردن يقول فضيلة الشيخ ما الفرق بين حديث أم المؤمنين عائشة ﵂ الذي ما معناه (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) ومعنى الحديث الذي يقول (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا تعارض بين الحديثين إن صح الثاني وهو قوله (ربَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) فإن المراد بالحديث الأول الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق المراد به الرجل الحريص على قراءة القرآن فيحرص على قراءة القرآن ولو كان يتتعتع فيه أي يشق عليه النطق به على وجه سليم ومع ذلك فيحافظ على قراءة القرآن فإن هذا له أجران أجر التلاوة وأجر المشقة في التلاوة أما الثاني إن صح فالمراد بقارئ القرآن الذي يلعنه القرآن هو القارئ يقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن بأخباره ولا يعمل بأحكامه يكذب الأخبار يحرفها يستكبر عن الأحكام فيخالفها فمثل هذا القارئ يكون قارئًا للقرآن لكن القرآن في الحقيقة برئ منه بتكذيبه القرآن أو استكباره عن العمل بأحكامه ولا فرق بين من يكذب القرآن جملة أو يكذب خبرًا واحدًا من أخباره وبين أن يرفض أحكامه جملة أو يرفض حكمًا من أحكامه لأن الله ﷾ جعل الكفر ببعض الشريعة كفرًا بها كلها فقال تعالى ناعيًا على أهل الكتاب (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وجعل الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض كافرين بالجميع فقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) فهذا هو القول في ما ذكره السائل وبه يتبين أنه ليس هناك تعارضٌ أصلًا بين ما ذكره السائل. ***
يقول السائل أنا أقرأ القرآن ولكني لست ماهرًا بقراءته فقد يحدث مني أخطاء بتحريف بعض الآيات بدون قصد فهل عليَّ إثم في ذلك وهل أترك قراءته لهذا السبب أم أقرأ على حسب علمي ومقدرتي وليس علي إثم فيما أخطأت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تقرأ القرآن كما هو موجود في المصحف معربًا محركًا بحركاته وهذا أمر ميسر لمن كان يعرف الحروف والحركات ولا يجوز لك أن تتهاون وتقرأ على حسب ما كنت تقرأ بل يجب عليك أن تقف عند الآية أو عند الكلمة حتى تنطق بها نطقًا صحيحًا لأن هذا القرآن كلام الله ﷿ تكلم الله به لفظًا فهو كلامه لفظًا ومعنى والواجب أن تقرأه كما هو في المصحف ولو تتعتعت فيه فإن ذلك أجر لك كما جاء في الحديث (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) فمرن نفسك على التلاوة الصحيحة ولا تتهاون ولا تفرط. فضيلة الشيخ: لكن إذا كان المستوى الذي يقرأ عليه هو غاية علمه وقد يخطئ وهو لا يدري أنه يخطئ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يتعلم لأن الأمر ليس بالسهل فإن بعض الناس يقرأ على سجيته أو طبيعته من دون أن يحاول التعلم والتمرن على النطق بالكلمات صحيح أن بعض الناس قد تكون لهجته لا توافق النطق العربي على الوجه الصحيح لكن عليه أن يحاول بقدر ما يستطيع ولا يتكلم بالقرآن كأنما يتكلم بكلام آخر عادي. ***
م ع م من الزلفي تقول أنا اقرأ القرآن وأعرف الحروف الهجائية ولم أتعمق في معرفتها فلا أعرفها معرفة تامة فيحصل لي عند قراءتها بعض الغلط في بعض الكلمات هل يجوز لي قراءتها مع ذلك مع حرصي على القراءة الجيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن إذا كان لا يعرف إلا بتعلم فالمواطن التي لا تعرفينها من القرآن الكريم لا تقرئيها حتى تتخذي معلمة تعلمك إياها فإذا عرفتيها فاقرئيها أما المواطن الأخرى التي تعرفينها وتخرجينها على ما في كتاب الله فلا حرج عليك في قراءتها وإذا حصل للقارئ سهو أو غلط أو تغيير في كلمة فإنه لا حرج عليه إذا كان غير متعمد. فضيلة الشيخ: حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه (من قرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة ومن قرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع به فله أجران) ألا يكون مثلًا يوافق قراءة هذه السائلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا لأن الذي يتتعتع يقول (من قرأ القرآن) والمغير للكلمات والحروف ما قرأ القرآن أبدل كلمة بكلمة أو حرفًا بحرف لكن معنى يتتعتع يعني يشق عليه يخرج الكلمة شيئًا فشيئا مثل أن تجده مثلًا يقول قل أعوذ أعوذ أعوذ يعني مشقة يتهجاها تهجيًا فيتتعتع وأما أن يغير فلا ثم إنه إذا كان يغير وعنده معلم يقومه فلا حرج أيضًا لأن هذه هي طريقة التعلم لكن الرجل يعرف أنه يغير ولا يحاول أن يتعلم على قارئ فهذا خطأ ولا يجوز. ***
تقول قال النبي ﷺ (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ما معنى الغناء بالقرآن هنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ في معنى قوله (لم يتغن بالقرآن) فقيل المعنى أن يستغني به عن غيره لأن من لم يستغن بالقرآن عن غيره واتبع غير القرآن على خطر عظيم ربما خرج من الإسلام بذلك وقيل المعنى من لم يحسن صوته بالقرآن احتقارًا للقرآن فليس منا ومن المعلوم أنه ليس على ظاهره بمعنى أن من لم يقرأ القرآن على صفة الغناء فليس من الرسول في شيء ليس هذا مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطعا. ***
يقول هل قراءة القرآن بالتجويد المعروف الآن من السنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن قراءة القرآن بالتجويد الموجود الآن من تحسين التلاوة ولكنه ليس بواجب وإنما الواجب إظهار الحروف والحركات لكن إذا أتى به على النحو المعروف الآن في التجويد كان هذا من تحسين الصوت بشرط ألا يبالغ في مخارج الحروف فإن بعض الناس يبالغ في مخارج الحروف حتى إنه يتكلف إخراج حروف القلقلة وأشباهها. ***
أخذ الأجرة على قراءة القرآن
من العراق محافظة القادسية المستمع شوقي محمد أبو سعد يقول بالنسبة لمتخذ قراءة القرآن الكريم مهنة يعتمد عليها في حياته في المآتم مثلًا مقابل مبلغ كبير من المال رأي الشرع في نظركم يا شيخ محمد في هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هؤلاء أن عملهم هذا محرم وأن هذه الطريقة التي يتوصلون بها إلى اكتساب المال طريق غير مشروعة إذ إن كلام الله ﷿ إنما نزل ليتقرب به إلى الله ﷾ بتلاوته وفهم معانيه والعمل به فإذا حوله الإنسان إلى أن يصطاد به شيئًا من الدنيا فقد أخرجه عن مقتضاه وعما أراده الله ﷿ فيه ويكون كسبه بهذه الطريق كسبًا محرمًا يأثم به ويأثم به أيضًا كل من ساعده على ذلك وبذل له هذا العوض لأن مساعدته وبذل العوض له من باب معاونته على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وليعلم أن هؤلاء المستأجرين الذين يستأجرون عند موت الأموات ليقرؤوا لهم بشيء من القرآن أو يقرؤوا لهم كل القرآن ليعلم أن هؤلاء ليس لهم أجر يصل إلى الميت لأن عملهم حابط مردود عليهم لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولقول النبي ﷺ (من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهذا القارئ لم ينل من قراءته أجرًا سوى ما أخذه من حطام الدنيا وما أخذه من حطام الدنيا لا يصل إلى الميت ولا ينتفع به الميت وعلى هذا فيكون في ذلك خسارة على أهل الميت خسارة دنيوية بإضاعة هذا المال الذي صرفوه إلى هذا القارئ المعطل في قراءته وخسارة أخروية لأنهم أعانوا هذا الآثم على إثمه فشاركوه في ذلك فعلى إخوتي المسلمين أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذه الأعمال وأن يسلكوا عند المصائب ما سلكه رسول الله ﷺ وأرشد أمته إليه من الصبر والتحمل وأن يقول الإنسان عند مصيبته إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها حتى يدخل في قوله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) ومن قال هذا بصدق ورجاء ثواب واحتساب من الله ﷿ فإنه يوشك أن يخلف الله عليه خيرًا من مصيبته. ***
أخذ الأجرة مقابل تلاوة القرآن وخصوصًا الذين يقرؤون القرآن في المناسبات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام وذلك لأن قراءة القرآن لا تقع إلا قربة وكل عمل لا يقع إلى قربة فإن أخذ الأجرة عليه حرام والقارئ إذا أخذ الأجرة على هذه القراءة فإن الأجرة عليه حرام ولا ثواب له من هذه القراءة وبهذا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يستأجرون من يقرأ لميتهم في أيام وفاته فإني أقول لهم إن عملكم هذا عمل بائر ليس فيه فائدة بل فيه مضرة لأنكم أعنتم هذا القارئ على الإثم حيث أخذ أجرةً على قراءته ولأن هذه الدراهم قد تكون مأخوذة من تركة الميت وقد يكون فيها وصية وقد يكون في الورثة صغار فيظلمون بأخذ شيء مما يستحقونه من هذه التركة ثم إن ميتكم لن ينتفع بهذه القراءة إطلاقًا وذلك لأن هذه القراءة ليس فيها ثواب عند الله وإذا لم يكن فيها ثواب فمن أين تأتي الفائدة لهذا الميت إذن فالواجب البعد عن هذا العمل والتحذير منه والتناصح بين المسلمين من أجل القضاء عليه وإخلاء المسلمين منه. ***
يقول السائل نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قاريء يقرأ القرآن فهل يجوز للقاريء أن يأخذ أجرًا على قراءته وهل يأثم من يدفع له الأجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن استئجار باطل لا يحل لا للباذل ولا للآخذ والقارئ الذي يقرأ ليس له أجر ينتفع به المقروء له لأنه أراد بعمله الدنيا وقد قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فمن استأجر شخصًا يقرأ القرآن على روح الميت مثلا كما يقولون فإن هذا الاستئجار باطل والقارئ ليس له أجر حتى يصل إلى الميت وما يأخذه القارئ فإنه أكل للمال بالباطل فلا يحل لأحد أن يستأجر له شخصا يقرأ القرآن لا لنفسه ولا لميت من أمواته وأما إذا كانت قراءة القرآن لغير الثواب ولكن للنفع المتعدي كما لو استأجرنا شخصا يعلمنا القرآن وصار يتلو علينا للتعليم أو استأجرنا شخصا يقرأ على مريض ليشفى فإن هذا لا بأس به وقد قال رسول الله ﵌ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيجب أن نعرف الفرق بين هذا وهذا من استأجرا لثواب القراءة فلا ثواب له ولا تحل الإجارة ومن استأجر لنفع متعد كالتعليم والقراءة على المريض وما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه. ***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في أولئك الذين يتلون القرآن في مناسبات الزواج يعملون لهم خيامًا ويقومون بتجهيز مكبرات الصوت وبإيجار الساعة الواحدة بمبلغ كبير من المال وهذه الظاهرة متوفرة في بعض البلدان هل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أن النبي ﷺ يعظم كلام الله تعالى أكثر مما نعظمه نحن ولاشك أن النبي ﷺ أحرص منا على الخير وعلى التعبد بكتاب الله ومع هذا لم يكن هذا من هديه أبدا أن يحضر الناس في أيام الزواج من أجل أن يتلو عليهم القرآن وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه مردود على صاحبه لذلك ننصح إخواننا المسلمين من مثل هذه الأعمال التي يقصد بها التعبد لله ﷿ وهي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هل يجوز لشخص أن يقرأ الفاتحة وبعد إكمال التعزية يقبض مالًا من صاحب التعزية فهل المال يعتبر حلالًا أم حرامًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا يجوز للمرء أن يأخذ شيئًا على تلاوة القرآن وإنما يجوز الأخذ على تعليم القرآن لأن التعليم عمل يتعدى نفعه إلى الغير بخلاف القراءة المجردة هذا من حيث أخذ المال وعليه فيجب على أخينا السائل أن يرد ما أخذه على صاحبه وأما قوله عن قراءة الفاتحة عند التعزية فنقول له إن هذا من البدع فلم يكن رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه يقرؤون الفاتحة عند التعزية وإنما كانوا يعزون المصاب بالميت بما يليق بحاله أي بما يكون سببًا لتقويته على تحمل هذه المصيبة لأن التعزية معناها التقوية وقد عزى رسول الله ﷺ إحدى بناته بقوله لرسول أرسلته إلى رسول الله ﷺ قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فمثل هذه الكلمات العظيمة لاشك أنها تؤثر على المصاب تأثيرًا بالغًا يتحمل به المصيبة ويصبر عليها حيث يؤمن بأنه إذا احتسب على الله ﵎ أُجر الصبر على هذه المصيبة ووفاه أجره بغير حساب وكذلك بأن لله تعالى ما أخذ وله ما أبقى فالملك ملكه يتصرف فيه كما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى لا يتعداه ولا يتقدم عليه فلا فائدة من الجزع وإن كان الإنسان بلا شك سوف يحزن كما قال رسول الله ﷺ عند موت ابنه إبراهيم (القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولكن على المرء أن يصبر ولا يحدث قولًا ولا فعلًا ينم عن التضجر وعدم الصبر. ***
يقول السائل الذين يقرؤون ويأخذون مبالغ كبيرة ما حكمهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ الذي يقرأ إنما قرأ من أجل ما يأخذ فإن ذلك حرام عليه ولا يحل له لأنه لم ينتفع بقراءته أحد إنما النفع له وهو إذا أخذ عليه أجرا من الدنيا حرم أجره في الآخرة وأما إذا كان يعلم الناس بأجرة يحفظ الإنسان مثلا سورة البقرة وهو يقول سورة البقرة عليه كذا وكذا من المقدار فالصحيح أن ذلك جائز يعني أنه يجوز أن يأخذ أجرا على تعليم القرآن لا على قراءة القرآن لأن قراءة القرآن نفعها لا يتعدى والتعليم يتعدى نفعه إلى المعلم ولهذا قال النبي ﵊ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) يعني تعليمه فإذا كان الإنسان يعلم الناس القرآن بأجرة سواء كانت على المقدار أو على الزمن على المقدار بأن يقول كل جزء بكذا وكذا أو كل سورة بكذا وكذا أو على الزمان كل ساعة بكذا وكذا فهذا لا بأس به للحديث الذي ذكرت. ***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في القارئ يستأجر في ليالي رمضان يقرأ بأجر يقوم هو بتحديده وهل على الذي يقوم بالتأجير في شهر رمضان إثم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن لا يجوز أي أنه لا يجوز أن تستأجر شخصا يقرأ القرآن عليك للتعبد بالاستماع إليه وذلك لأن قراءة القرآن قربة تقرب إلى الله ﷿ وكل شيء يقرب إلى الله فهو عبادة والعبادة لا يجوز أخذ الأجر الدنيوي عليها سواء كان ذلك في رمضان أو في غير رمضان وبذلك يتبين لنا خطأ ما يفعله بعض الناس إذا مات لهم الميت استأجروا قارئا يقرأ القرآن يزعمون على روح الميت فإن هذا محرم ولا أجر للقارئ على قراءته هذه وعلى هذا فيكون استئجاره إضاعة للمال بدون فائدة وقد سئل الإمام أحمد ﵀ عن رجل قال لقوم أنا لا أصلى بكم في رمضان إلا بكذا وكذا فقال ﵀ نعوذ بالله من يصلى خلف هذا وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو على قراءته على مريض او لديغ أو ما أشبه ذلك فلا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيفرق بين من يستأجر لمجرد التلاوة وبين من يستأجر لعمل يحصل بالقراءة أي بقراءة القرآن فالثاني جائز والأول غير جائز. ***
هل يجوز أخذ مكافأة على تعليم القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يأخذ الإنسان مكافأة على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) لكن لا يجوز أخذ مكافأة على مجرد القراءة أي مجرد قراءة القرآن لأن مجرد القراءة للقرآن لا يقع إلا عبادة والعبادة لا يؤخذ عليها أجر وبهذا نعرف خطأ من إذا مات ميتهم جمعوا القراء أو أتوا بقاريء واحد يقرأ القرآن يزعمونه نافعًا للميت وهو لا ينفع الميت إذا كان بعوض لأن قاري القرآن بعوض لا أجر له في الآخرة ولا ثواب له عند الله وإذا لم يكن له ثواب عند الله لم ينتفع الميت من ذلك بشيء فهذا الفعل محرم لأنه إعانة على الإثم والعدوان وربما يكون عوض هذه القراءة مأخوذًا من التركة والتركة قد يكون فيها وصايا للميت وقد يكون في الورثة من هم قصر فيؤخذ من مالهم ومن الوصية بغير حق فهذا عدوان ظاهر وبهذا ننصح إخواننا الذين يموت لهم ميت بأن يتجنبوا هذه الأمور وأن يتحلوا بالصبر والاحتساب فإن النبي ﷺ قال لإحدى بناته وقد مات لها طفل أو قارب الموت قال للرسول الذي أرسلته (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) . ***
سماع القرآن عبر المذياع
ع. خ. م. من بلاد بني عمرو قرية فران يقول هناك مدرس يقول الذي يستمع للقرآن الكريم من الراديو حرام فقلت قال الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فقال ما دام أنت تعرف اقرأ في المصحف مع من هو الحق وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى القراءة المسجلة لا شك أنه استماعٌ إلى صوتٍ محكي ومثبت على هذا الشريط وهو أمرٌ لا يعارض الآية الكريمة (وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فالاستماع إليه لا بأس به بل قد يكون مستحبًا إذا كان الإنسان لا يحسن القراءة بنفسه ويحب أن يستمع إلى القرآن من المسجل فيكون مأمورًا به فالصواب معك في أنه لا بأس بالاستماع إلى القراءة من المسجل لأن هذه من الوسائل التي أنعم الله بها علينا الآن حيث نحفظ كتاب الله بكتابته بالأحرف وبتسجيله بالصوت ولكن ليعلم أن ما يقال في التسجيل ليس كما يقوله الشخص بنفسه لا سيما إذا كانت العبادة مقصودةً من الفاعل أقول هذا لئلا يظن ظانٌ أننا لو ركبنا مسجلًا على مكبر الصوت في المنارة عند الأذان وسمع منه الأذان من هذا المسجل فإن هذا لا يجزئ عن الأذان من الإنسان نفسه لأن الأذان عبادة يجب أن يفعله الفاعل بنفسه بخلاف الشيء المسجل فإنه حكاية صوت الفاعل أو القارئ أو المسجل فليس هو فعله ولهذا قد نفتح المسجل فيحكي لنا صوت إنسانٍ ميت فإذا لم يكن هو فعله وكان الآذان مشروعًا من الفاعل فإنه لا يجزئ الأذان بمكبر الصوت عن أذان الإنسان نفسه. ***
المستمع عبد الله العربي من مصر يقول هل يجوز أن يستمع الإنسان للقراءة من المذياع أو خلاف ذلك على سبيل المثال عند قيادة السيارة وهل يجوز أن يستمع للقرآن مضطجعًا وهل عليه شيء إن نام أثناء ذلك والقارئ يقرأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى كتاب الله ﷿ عبادة لأن الله تعالى أمر بها فقال ﷿ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذه العبادة وهي الاستماع إلى كتاب الله جاءت مطلقة في كتاب الله لم تقيد بحالٍ دون أخرى فيجوز للإنسان أن يستمع إلى كتاب الله ﷿ وهو قائمٌ أو قاعدٌ أو مضطجع ويجوز أن يستمع إلى كتاب الله وهو يعمل لكن بشرط أن لا يلهيه العمل عن الاستماع فإن كان يلهيه عن الاستماع وذلك حيث يكون العمل يحتاج إلى تفكير فإنه لا ينبغي أن يستمع إليه وهذا إذا كان الأمر بيده واختياره مثل أن يكون مستمعًا إلى القرآن من شريط تسجيل فنحن نقول له إذا كنت مشتغلًا بشغلٍ يشغل قلبك فالأولى أن لا تفتح المسجل لتستمع لأنك في هذه الحال لا يمكنك أن تقبل على عملك مع إقبالك على كلام الله ﷿ لكن الذي يظهر لي أن الاستماع إلى القرآن حال قيادة السيارة يمكن لأن القيادة لا تشغل الإنسان كثيرًا لا سيما في الخطوط السريعة التي لا يخشى الإنسان فيها حادثًا أو خطأً يمينًا أو شمالًا فالقاعدة أنه متى أمكنك الاستماع لكتاب الله على وجهٍ تصغي إليه وتنتفع بما تسمع فاستمع إليه على أي حالٍ كنت قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا لعموم قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أما إذا كان لا يمكنك لانشغال قلبك بما أنت متلبسٌ به فلا يحسن أن تستمع إليه لأن الله تعالى يقول (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) . ***
أ. ع. خ. من الأردن إربد يقول: هل سماع القرآن عبر المذياع يوميًا يغني عن قراءته وهل أجر القارئ والمستمع سواء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يغني عن قراءته لكن لا شك أن المستمع له أجر وأنه مشارك للقارئ في أجره ولهذا إذا مر القارئ بآية سجدة سجد هو والمستمع ولكن أحيانا يكون الإنسان عنده كسل وتعب فيحب أن يسمع القرآن من غيره فإذا رأى من نفسه أن سماعه من غيره أشد استحضارا وأقوى تدبرا وأنفع لقلبه ففعله فلا حرج وأما أن يتخذ ذلك ديدنًا له ويدع القراءة بنفسه فإن هذا لا ينبغي ولا يغني عن القراءة بالنفس وأما أيهما أكثر أجرا فلا شك أن قراءة الإنسان بنفسه أكثر أجرا لأن فيها عملا واستماعا في نفس الوقت فالإنسان يحرك مخارج الحروف بالنطق وهذا عمل ويسمع قراءته ويستمع إليها وهذا السماع ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل بحيث يكون تدبره ووعيه في قراءة غيره أكثر من تدبره إذا قرأ هو بنفسه ولكل مقام مقال لكن بالنظر إلى العمل من حيث هو عمل فإن القراءة أفضل من السماع. ***
قراءة القرآن قراءةً جماعية
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد وما مدى حقيقة وضع القارئ في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن بصوت واحد من جماعة هذا جائز إذا لم يتضمن محظورًا فمن المحظور أن يحصل به تشويش على من حولهم فيمنع عن ذلك، لأن الرسول ﷺ خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال ﷺ (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) . ومنها أيضًا أي من المحاذير أن يتخذ هذا على سبيل الطرب وهز الظهور، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الناس أصحاب الطرق فهذا أيضًا يمنع منه، ومنها أيضًا أن يحصل به إعراض عن تلاوة الإنسان لنفسه يعني الذين يألفون هذه الطريقة حتى لا يستطيع المرء منهم أن يقرأ القرآن لنفسه فإن هذا محظور يجب تجنبه، فإذا سلم من هذه المحاذير فلا بأس به، وإذا كان الرجل إذا قرأ وحده صار أقرب إلى استحضاره وإلى تدبره كان ذلك أولى من القراءة للجمع. ***
بعض الناس بعد الانتهاء من قراءة القرآن يقولون الفاتحة ويقرؤون الفاتحة بصوتٍ جماعي علمًا بأن ذلك في المسجد هل هذا من البدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يختم قراءته بالفاتحة بل كان يبتدئ قراءته بالفاتحة في الصلاة فأول ما يقرأ في الصلاة بعد الاستفتاح الفاتحة وكما قال السائل إن بعض الناس يختتم القراءة بالفاتحة وأقول إن بعض الناس أيضًا يختتم كل شيءٍ بالفاتحة حتى في الدعاء إذا دعا قرأ الفاتحة حتى في كل مناسبة يقول الفاتحة وهذا من البدع قد يقول قائل أكثرت علينا من البدع كل شيء بدعة فأقول لا ليس كل شيء بدعة البدعة هي التعبد لله ﷿ بغير ما شرع وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات بل ما أحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام ولا يقال إنه بدعة فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعًا وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة من ذلك مكبر الصوت مكبر الصوت ليس موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيرًا إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد فيكون خيرًا ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها ومن ذلك ما حدث أخيرًا في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثًا ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع فيكون جائزًا أو مشروعًا لغيره ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط فكانوا يعانون مشكلات إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخر أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب الآن والحمد لله يقول الإمام سووا صفوفكم على الخطوط توسطوا منها فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد لكنه ليس بدعة من حيث الشرع لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعًا فالمهم أنه لا ينبغي لأحد أن يعترض علينا أو لغيرنا عندما نقول إن هذا بدعة وهو حقيقةٌ بدعة ولنرجع إلى الضابط الذي ذكرنا وهو أن البدعة شرعًا والتي عليها الذم هي التعبد لله تعالى بما لم يشرعه سواءً في العقيدة أو في القول أو في العمل. ***
هذه رسالة من ليبيا من بعض الأخوات يقلن نحن أخواتكم في الله من ليبيا لنا بعض القضايا السؤال الأول يقلن نقوم أحيانًا بختم القرآن ختمةً جماعية حيث تقوم كلٌ منا بقراءة جزء أو أكثر في بيتها فنختم في ليلةٍ واحدة فهل ما نفعله صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاجتماع على ختم القرآن في البيت له أصلٌ من فعل الصحابة ﵃ فإنه روي عن أنس بن مالك ﵁ أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا فإن فعلن ذلك فأرجو أن لا يكون فيه حرج وإن تركن ذلك فهو أسلم وأبعد من حدوث البدعة لأنه ربما تتطور هذه المسألة ويحدث منها ما لا يمكن أن نقول إنه من فعل الصحابة. ***
هل تجوز قراءة حزب من القرآن جماعة في المسجد في كل يوم بعد صلاتي الصبح والمغرب وما حكمهما في الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج أن يجتمع جماعة بعد صلاة الفجر أو المغرب أو الظهر أو العصر ويقرؤوا فيما بينهم حزبا من القرآن لكن لا على سبيل جماعي بل يقرأ واحد ويستمع الباقون ثم يقرأ الثاني ويستمع الباقون وهكذا. ***
قول (صدق الله العظيم) عند الفراغ من القراءة
فيصل الدعجاني من القصب يقول ما حكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة ﵃ وإنما حدث أخيرًا ولا ريب أن قول القائل صدق الله العظيم ثناءٌ على الله ﷿ فهو عبادة وإذا كان عبادةً فإنه لا يجوز أن نتعبد لله به إلا بدليلٍ من الشرع وإذا لم يكن هناك دليل من الشرع كان ختم التلاوة به غير مشروع ولا مسنون فلا يسن للإنسان عند انتهاء القرآن أن يقول صدق الله العظيم فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فالجواب بلى قد قال الله ذلك ونحن نقول ذلك لكن هل قال الله ورسوله إذا أنهيتم القراءة فقولوا صدق الله وقد صح عن النبي ﵊ أنه كان يقرأ ولم ينقل عنه أنه كان يقول صدق الله العظيم وقرأ عليه ابن مسعود ﵁ من سورة النساء حتى بلغ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال النبي ﵊ (حسبك) ولم يقل قل صدق الله ولا قاله ابن مسعود أيضًا وهذا دليل على أن قول القائل عند انتهاء القراءة صدق الله ليس بمشروع نعم لو فرض أن شيئًا وقع مما أخبر الله به ورسوله فقلت صدق الله واستشهدت بآيةٍ من القرآن هذا لا بأس به لأن هذا من باب التصديق لكلام الله ﷿ كما لو رأيت شخصًا منشغلًا بأولاده عن طاعة ربه فقلت صدق الله (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وما أشبه ذلك مما يستشهد به فهذا لا بأس به. ***
يقول السائل ماحكم قول صدق الله العظيم عند نهاية كل قراءة من القرآن الكريم فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين ما ذكره أهل العلم قاطبة بأن العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين أحدهما الإخلاص لله ﷿ والثاني المتابعة لرسول الله ﷺ أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة فلا يقصد جاهًا ولا مالًا ولا رئاسة ولا أن يمدح بين الناس بل لا يقصد إلا الله والدار الآخرة فقط وأما الشرط الثاني فهو الاتباع للنبي ﷺ بحيث لا يخرج عن شريعته لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولقول النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه النصوص النصية تدل على أنه لا بد لكل عمل يتقرب به الإنسان لله ﷿ بأن يكون مبينًا على الإخلاص. الإخلاص لله موافقًا لشريعة الله ﷿ ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها وزمانها ومكانها فمن تعبد لله تعالى عبادة معلقة بسبب لم يجعله الشرع سببًا لها فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع فلا تكون مقبولة وإذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة وقد قال النبي ﵊ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين فإننا نقول إن قول الإنسان عند انتهاء قراءته صدق الله العظيم لاشك أنه ثناء على الله ﷿ بوصفه ﷾ بالصدق (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا) والثناء على الله بالصدق عبادة والعبادة لا يمكن أن يتقرب الإنسان بها إلا إذا كانت موافقة للشرع وهنا ننظر هل جعل الشرع انتهاء القراءة سببًا لقول العبد صدق الله العظيم إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا بل أن الشرع لم يجعل انتهاء القارئ من قراءته سببًا لأن يقول صدق الله العظيم فها هو رسول الله ﷺ قال لعبد الله بن مسعود ﵁ (اقرأ) قال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل قال (إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأ حتى بلغ قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال النبي ﷺ (حسبك) ولم يقل عبد الله بن مسعود صدق الله العظيم ولم يأمره النبي ﷺ بذلك وهكذا أيضًا (قرأ زيد بن ثابت على النبي ﷺ سورة النجم حتى ختمها) ولم يقل صدق الله العظيم وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع صدق الله العظيم فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها فإذا انتهيت من قراءتك فاسكت واقطع القراءة أما أن تقول صدق الله العظيم وهي لم ترد لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه فإن هذا قول يكون غير مشروع قد يقول قائل أليس الله تعالى قال (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فنقول بلى إن الله تعالى قال قل صدق الله ونحن نقول صدق الله لكن هل قال الله تعالى قل عند انتهاء قراءتك قل صدق الله الجواب لا إذا كان كذلك فإننا نقول صدق الله ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلق بسبب لم ي جعله الشارع سببًا له لأنه كما أشرنا من قبل لا تتحقق المتابعة في العبادة حتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها وزمانها ومكانها وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول صدق الله العظيم. ***
يقول السائل سمعت من بعض الإخوة أن كلمة صدق الله العظيم بعد التلاوة بدعة هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ختم تلاوة القرآن بقول صدق الله العظيم بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا يختمون قراءتهم بقول صدق الله العظيم وقد ثبت عن النبي ﵊ أنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وعلى هذا فينبغي للقارئ إذا انتهى من قراءته أن ينهيها بآخر آية يتلوها بدون أن يضيف إليها شيئًا. ***
تقول السائلة عند الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والسورة التي تليها هل يجوز قول صدق الله العظيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد انتهاء التلاوة في الصلاة أو في غيرها بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا إذا انتهوا من القراءة قالوا صدق الله ومن المعلوم أن قول القائل صدق الله عبادة لأنه ثناء على الله بالصدق وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أن نشرع من العبادات ما لم يشرعه الله ورسوله فإن فعلنا ذلك كان بدعة وكل بدعة ضلالة وعلى هذا فالقارئ إذا انتهى من قراءته يسكت ولا يقول صدق الله العظيم ولا غيرها لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ﵃ وقد قرأ ابن مسعود ﵁ على النبي ﷺ شيئًا من سورة النساء حتى إذا بلغ قول الله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) قال النبي ﷺ (حسبك) قال فالتفت فإذا عيناه تذرفان صلوات الله وسلامه عليه ولم يقل ابن مسعود صدق الله ولا أمره النبي ﷺ بذلك وكذلك قرأ عنده زيد بن ثابت سورة النجم حتى ختمها ولم يقل النبي ﷺ له قل صدق الله العظيم ولا قالها أيضًا فدل هذا على أنه ليس من هدي النبي ﷺ ولا هدي أصحابه أن يقولوا عند انتهاء القراءة صدق الله العظيم لا في الصلاة ولا خارج الصلاة. ***
أسمع في الإذاعة كثيرًا من المقرئين يقرؤون القرآن ببطء ويقف بين الآية والأخرى فترة يخيل للمستمع أنه انتهى ثم يعاود القراءة مرة أخرى كذلك عند نهاية القراءة وأخيرًا يختمون بصدق الله العظيم ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى وهي كونهم يقفون عند كل آية وربما يبطئون في الوقف فهي طريقة يستعملها بعض الناس من أجل شد أذهان الناس إليهم وتشويقهم إلى القراءة فإن القارئ إذا وقف ثم تأخر كثيرا لا يزال السامع متشوقا لقراءته فهم يستعملون هذا من أجل هذا وأما ختم القراءة بصدق الله العظيم فهذه لا أصل لها من سنة الرسول ﷺ ولا من عمل سلف هذه الأمة وإنما هي محدثة ولا ينبغي للإنسان أن يختم بها تلاوته لأن هذه الجملة ثناء على الله ﷿ والثناء على الله عبادة والعبادة موقوفة على الشرع فإذا كان النبي ﵌ يقرا القرآن ويقف ولا يقول صدق الله العظيم ويقرأ عليه القرآن فيقف القارئ ولا يقول صدق الله العظيم علم أن هذا ليس من السنة وأنه من الأشياء المحدثة التي حذر النبي ﷺ من جنسها فقال (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) قلنا بلى ونحن نقول صدق الله ويجب علينا أن نؤمن بأن كلام الله أصدق الكلام ولكن هل كان الرسول ﵊ يختم بهذه الجملة كلما قرأ هذا هو محل هو بيت القصيد وهذا هو محل النقاش وإذا كان الرسول ﵊ لم يختم قراءته بهذه الجملة دل ذلك على أنها ليست من السنة ***
ختم القرآن الكريم
بارك الله فيكم المستمعة أم هند من عسير بالمملكة العربية السعودية تقول ما حكم تجميع ختمات القرآن الكريم في أيام معينة مثل أن يقرأ القرآن حتى الجزء الثلاثين ليبدأ مرة أخرى حتى الجزء الثلاثين ثم يقرأ الجزء الثلاثين في ليلة السابع والعشرين من رمضان فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال غير واضح كما ينبغي لكن ينبغي أن يعلم أن الإمام الذي يصلى بالناس في قيام رمضان لا يطلب منه أن يقرأ القرآن كله على سبيل الوجوب بل يقرأ ما تيسر فإن تمكن من قراءة القرآن كله فهذا طيب حتى يسمع الناس جميع القرآن في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن وإن لم يتمكن من ذلك واقتصر على بعض القرآن فلا حرج عليه لعموم لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) وقول النبي ﷺ (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وأهم شيء في هذا الباب أن يكون المصلى بالناس في قيام رمضان مطمئنًا في صلاته في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وتشهده حتى يتمكن الناس من الطمأنينة في هذا القيام وإنك لتعجب من بعض الناس ولاسيما في الصلاة في أول الليل التراويح فتعجب من بعض الناس الذين يسرعون إسراعًا عظيمًا بحيث لا يتمكن من وراءهم من فعل الواجب أي فعل واجب الطمأنينة وفعل واجب الأذكار وهذا حرام عليهم لأن الإمام في إمامته ولي متبوع لقول النبي ﵊ (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فإذا كان وليًا متبوعًاَ فإن الواجب عليه أن يراعي الأمانة فيمن ولاه الله عليهم وجعلهم تابعين له وأن لا يسرع إسراعًا يمنعهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والأذكار وقد صرح أهل العلم ﵏ بأنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يجب فليتق الله هؤلاء الأئمة وليقوموا بما يجب عليهم من مراعاة المأموم بحيث تكون صلاتهم موافقة لما تقتضيه الشريعة ولا يخفى على كثير من طلبة العلم أن النبي ﷺ قال (إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء) فإن الرسول ﵊ أوجب على الإمام أن يراعي الناس وجعله إذا صلى بنفسه حرًا يطول ما شاء وقد يستدل بعض الناس بهذا الحديث على هذا التخفيف وهذه السرعة التي تمنع المأمومين أو بعضهم فعل ما يجب أو يسن ولكن استدلاله بهذا الحديث غير صحيح لأن النبي ﷺ إنما قاله في حق من يطيل إطالة زائدة عن المشروع فأما الإطالة الموافقة للمشروع فإنها إطالة مشروعة مستحبة ولهذا يأتي بعض الأئمة يقول أن بعض الناس يقول لي لا تقرأ في الفجر يوم الجمعة سورة ألم تنزيل السجدة في الركعة الأولى وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية هذا يطول علينا يأتي بعض الأئمة يشكو من بعض أهل المسجد من مثل هذا الأمر ولكن الحقيقة الذي ينبغي أن يشكى هم أهل المسجد لا الإمام فالإمام إذا قرأ هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة لا يعد مطيلًا بل يعد ذا طَوْل أي ذا فضل على الجماعة لكونه أتى بالسنة التي شرعها النبي ﷺ كذلك بعض الناس في صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام سورة الجمعة والمنافقون صار يشكو من الإمام ويقول أطال بنا مع أن هذا مما ثبتت به السنة عن رسول الله ﷺ ولا يعد إطالة بل هو طَوْل وفضل من الإمام يتفضل به على نفسه وعلى من وراءه حيث أتى بالقراءة المشروعة عن النبي ﷺ وربما نقول ينبغي للإمام أن يراعي حال الناس في أيام الصيف وأيام الشتاء الباردة فإذا رأى بأنه لو قرأ بهاتين السورتين في الجمعة في أيام الصيف لحق الناس من الغم والحر ما يزعجهم ويشغلهم عن صلاتهم ففي هذه الحال يعدل إلى سور أخرى وكذلك في أيام الشتاء الباردة إذا رأى أن بعض الناس قد يكون محتاجًا إلى قضاء الحاجة بسبب البرد وطول المكث في المسجد فإنه يعدل إلى قراءة سور أخرى ***
يقول السائل من العادات والتقاليد في مدينتنا عند ختم كتاب الله يأتون بأنواع من الأكل والشراب فهل هذا ثابت في السنة أو هي بدعة؟ وهل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشرع شيء من مثل هذا عند ختم كتاب الله ﷿ فلا يشرع حفلات ولا طعام ولا غيره فلو قرأ الإنسان القرآن كله ثم أراد عند ختمه أن يصنع وليمة يدعو إليها الناس أو أن يتصدق بطعام على الفقراء أو أن يعمل حفل كلمات وخطب فإن هذا كله ليس من السنة وإذا لم يكن من السنة وصنع بمناسبة دينية وهي ختم القرآن فإنه يكون من البدعة وقد قال أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق بلاغة ونطقًا محمد رسول الله ﷺ قال (كل بدعة ضلالة) كل بدعة وكل للعموم ولم يستثن النبي ﷺ بدعة من البدع تكون حسنة وبهذه الكلية الجامعة المانعة نعلم أن تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة خطأ عظيم وقول على الله بلا علم فليس هناك بدعة تكون حسنة أبدًا ومن ظن أن في البدع ما يكون حسنًا فإن ذلك على وجهين الوجه الأول أن يكون ظنه أنها حسنة ليس بصحيح لأنه متى تحققنا أنها بدعة فإنها سيئة الوجه الثاني أن يكون ظنه أنها بدعة خطأ فهو يظن أنها بدعة وليست ببدعة أما إذا تحققنا أنها بدعة فإننا نتحقق أنها سيئة وليست بحسنة هذا هو ما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من كلام سيد المرسلين محمد ﷺ (كل بدعة ضلالة) وتقسيم بعض العلماء البدعة إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة يتنزل على ما قلت آنفًا وهو أنه إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة وهم ظنوه أنه بدعة وإما أن يكون هذا الشيء ليس بحسن وهم ظنوه أنه حسن وأما مع تيقن أن هذا الشيء بدعة فإنه لن يكون حسنًا أبدًا فإن قال قائل أليس قد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في رمضان على إمام واحد أليس قد قال: نعمت البدعة هذه. فنقول بلى قال هكذا لكن هل أراد عمر أنها بدعة في دين الله؟ لا ما أراد هذا وعمر من أشد الناس تمسكًا بالسنة وتحريًا لها لكنه أراد أنها بدعة بالنسبة لما قبلها من الزمن فقط وذلك أن النبي ﷺ قام بأصحابه في رمضان ليلتين أو ثلاثًا يصلى بهم جماعة ثم ترك ذلك خوفًا من أن تفرض على أمته فشرع الصلاة جماعة في قيام رمضان لكن تركه خوفًا من مفسدة أعظم وهي إلزام الناس بهذه الصلاة جماعة ولما توفي رسول الله ﷺ أمن من هذه المضرة وهي إلزام الناس بهذا القيام لأنه انقطع الوحي أمن بذلك لكن خلافة أبي بكر الصديق ﵁ لم تدم طويلًا إذ أنها سنتان وأشهر وكان ﵁ مشغولًا بأحوال الجهاد وتنظيم الأمة الإسلامية بعد أن حصل ما حصل من بعضهم من مخالفات بعد وفاة الرسول ﷺ ولما كان زمن عمر وانتفت الموانع وتفرغ الناس بعض الشيء خرج ذات يوم ﵁ فوجد الناس يصلون أوزاعًا يصلى الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى ﵁ أن يجمع الناس على إمام واحد فجمعهم على إمام واحد ثم خرج ذات ليلة وهم مجتمعون على إمامهم يصلون بصلاته فقال: نعمت البدعة هذه. إذًا هي بدعة باعتبار ما سبقها من الزمن وليست بدعة باعتبار مشروعيتها إذ أن مشروعيتها قد ثبتت في عهد النبي ﷺ وعلى هذا فيكون إطلاق البدعة عليها إطلاقًا نسبيًا أي إنها بدعة بنسبتها لما سبقها من الزمن وبه ينقطع الحبل الذي تمسك به أهل البدع وابتدعوا في دين الله ما ليس منه وشرعوا في دينه ما لم يأذن به واحتجوا بمثل هذه العبارة التي لها وجه غير الوجه الذي يريدونه وتوجيهها إلى الوجه الذي قلته فهو الموافق لقول النبي ﷺ (كل بدعة ضلالة) إذ لا يليق بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يثني على بدعة وصفها النبي ﷺ بالضلالة بأنها نعمت البدعة هي ولقد انفتح أبواب من الشرور وبدع من قبيل المحظور بهذه الحجة وهي تقسيم بعض العلماء عفا الله عنهم وغفر لهم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ولو أننا تمسكنا بقول المعصوم محمد ﷺ (كل بدعة ضلالة) لكان أحرى بنا أن نكون أتبع لرسول الله ﷺ مما لو قسمنا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة. ***
كثيرٌ من أئمة المساجد يقرؤون قراءة متسلسلة من البقرة وحتى سورة الناس في غير رمضان وقيل إن هذا بدعة ويحتج بعضهم بالمراجعة وضبط الحفظ وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قلَّ أن يسمعوها فما رأي فضيلتكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر العلماء ﵏ أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل وفي صلاة المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه والمفصل أوله سورة ق وآخره آخر القرآن وطواله من ق إلى عم وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن وأوساطه من عم إلى الضحى هكذا قال أهل العلم والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه وسهل عليهم حفظه ولم أعلم أن أحدًا من أهل العلم قال إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلًا ليسمع الناس جميع القرآن ولا يمكن أيضًا أن يسمع الناس جميع القرآن لأنه سيبقى مدة إلى أن ينتهي إلى آخر القرآن وسيتغير الناس يذهبون ويجيئون ولا يسمعون كل القرآن وإذا لم يكن هذا من السنة والعلماء ذكروا أن السنة القراءة في المفصل فالأولى للإنسان أن يتبع ما كان عليه العلماء والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها لا تدرك بما إذا قرأ الإنسان القرآن من أول القرآن إلى آخره فالأولى العدول عن هذا وأن يقرأ كما يقرأ الناس. ***
متفرقات في علوم القرآن
يقول السائل لقد أنزل الله القرآن على نبينا محمد ﷺ باللغة العربية ولكن علمت أن لهذا القرآن عدة قراءات فما هي أفضل هذه القراءات ثم ما حكم القراءة في المصحف بدون أن يمد الكلمة التي فوقها مد أو يغن أو يقلقل ما ينبغي قلقلته أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكر السائل وهو أن هذا القرآن الكريم نزل باللغة العربية كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ولا شك أيضًا أن في القرآن قراءات متعددة والقراءات المشهورة هي السبع والسنة لمن كان عالمًا بها أن يقرأ بهذه مرة وبهذه مرة لأن القراءات السبع كلها متواترة ثابتة عن النبي ﷺ وإذا كانت كلها ثابتة عن النبي ﷺ كان المشروع أن يقرأ بهذه تارة وبهذه تارة كما نقول في العبادات الواردة على وجوه متنوعة إنه ينبغي أن يفعلها على كل وجه وردت فيفعل هذا الوجه مرة وهذا الوجه مرة ليكون قد أتى بالسنة كلها ولكن هذا لمن كان عالمًا بالقراءات لا لمن كان متخرصًا يظن أن في هذه الآية قراءة وليس فيها فإن هذا لا يجوز بل من لم يكن عالمًا بالقراءات فليقتصر على ما كان في مصاحفه التي بين يديه وقوله هل يجوز لمن قرأ في المصحف أن يدع المد أو الغنة أو القلقلة أو ما أشبه ذلك فالصواب في هذه المسألة عندي أنه يجوز له ذلك وأن القراءة بالتجويد على حسب القواعد المعروفة إنما هي على سبيل الاستحباب والأكمل وأما الواجب فإنه إقامة الحروف فقط بحيث لا يسقط حرفًا أو يزيد حرفًا وأما أوصاف الحروف من مدٍ وغنة وقلقلة وما أشبه ذلك فإنه من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب على ما أراه في هذه المسألة. ***
تقول السائلة ما معنى أن نقول هذه التلاوة برواية حفص عن عاصم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القراءات المعروفة سبع ولها رواة مخصوصون وكل قراءة تختص براوٍ فإذا قيل هذه قراءة فلان عن فلان فيعني أن القراءات الأخرى بخلافها. ***
تقول السائلة هل كل آية موجهة للمؤمنين مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) هل الإشارة هنا تمثل الذكر والأنثى أم الذكر فقط وهل المرأة الصالحة المتمسكة بشرع الله تكون إن شاء الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما جاء في الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول ليُعلم أن الأصل في خطابات القرآن الكريم أو السنة النبوية عمومها للرجال والنساء فما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل وأكثر خطابات القرآن والسنة موجهة إلى الرجال الذكور وإنما كانت كذلك لأن الرجل أرجح عقلًا من المرأة وأكبر تحملًا للمسؤولية وأقوى في تنفيذ أوامر الله ورسوله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فلهذا تجد خطابات القرآن الكريم والسنة النبوية أكثرها موجه للرجال لكن أحيانًا يوجه للنساء أو يتحدث بها عن النساء لأنه الغالب فيهن مثل قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) فإنه أضاف ذلك إلى النفاثات وهن النساء لأن ذلك الأكثر فيهن وإن كان يحتمل أن المعنى ومن شر النفوس النفاثات في العقد ولكن المشهور أن النفاثات هن الساحرات كذلك أيضًا قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) فذكر المحصنات ومعلومٌ أن رمي الرجال مثلهم فالحكم فيه واحد لكن أضاف ذلك إلى النساء لأن الغالب أن النساء هن اللاتي يقدحن والخلاصة أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل هذه هي الخلاصة وعليه فالخطابات الموجهة إلى الرجال في الكتاب والسنة تشمل الإناث مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) كما جاء في السؤال نقول والمؤمنات أيضًا ومثل قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) يدخل فيها النساء ومثل قوله ﷺ (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) هذا يشمل المرأة إذا اتصفت بما تتصف به من هذه الصفات فمثلًا (إمامٌ عادل) لا يمكن أن تتصف به المرأة لأن المرأة لا يمكن أبدًا أن تتولى ولاية عامة تشمل الرجال والنساء صحيح أنها يمكن أن تتولى ولاية عامة بالنسبة لقسم النساء كمديرة المدرسة وما أشبه ذلك أما إمام فلا يمكن أن تكون إمامًا ولا يمكن أن تكون رئيسة ولا يمكن أن تكون وزيرة في حكم الشرع وذلك لأن المرأة ليست كالرجل في القوة والحزم والفكر (وشابٌ نشأ في طاعة الله) هذا يمكن للمرأة أن تكون كذلك أن تكون شابة نشأت في طاعة الله (ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد) هذا لا يمكن بالنسبة للمرأة لأن المرأة مسجدها بيتها لكن إذا كان قلبها معلقًا بالصلوات كلما صلت فريضة تشوفت إلى فريضة أخرى فنرجو أن تكون مثل الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) هذا يمكن أن تتصف به المرأة (ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله) هذا يمكن أيضًا أن تتصف به المرأة وقد لا تتصف به تتصف به المرأة بحيث إذا دعاها رجل ذو منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله ويمكن أن لا تكون كذلك لأن قوة الطلب في الرجال أكثر من قوة الطلب في النساء فإذا كان الرجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله فهو أعظم من قول المرأة في رجلٍ طلبها ذي منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله يعني أنا أتردد أن تلحق بهذا في هذه الخصلة أو لا (ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) هذا أيضًا يدخل فيه النساء لأنه قد يقع منهن (ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) هذا يدخل فيه النساء أيضًا. ***
تقول السائلة هل الخطابات التي وردت في آيات القرآن تشمل النساء والرجال أم هي للرجال فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هي للرجال والنساء فإذا ورد خطاب باسم النساء فهو للرجال وإذا ورد للرجال فهو للنساء إلا ما قام الدليل على أنه خاص بأحد الجنسين فيؤخذ بالدليل. ***
هل الحوار في القرآن الكريم الذي يكون الطرف الثاني فيه إنسانًا رده في الحوار لفظًا ومعنى من عنده أم المعنى منه واللفظ من الله ﷾؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن ما يحكيه الله ﷿ عمن سبق من الأمم إنما يحيكه سبحانه بالمعنى واللفظ من الله ﷾ ذلك لأن هذا القرآن بلسان عربي مبين ومن المعلوم أن من يحكي الله عنهم أقوالهم ممن سبق ليسوا من أهل اللغة العربية فلغتهم لغة أخرى ومع ذلك يحكي الله قولهم باللغة العربية وهذا دليل على أن الله تعالى يحكي ما يقولون بمعنى ما يقولون لا باللفظ الذي يقولونه وهذا ظاهر. ***
تقول السائلة سور القرآن الكريم لم تكتب بالترتيب الذي نزلت به فما هي الأسباب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا صادر عن اجتهاد من الصحابة ﵃، لا أعرف لذلك سببًا إلا أنه صدر عن اجتهاد منهم فإما أن يكون بتوقيف من الرسول ﵊، وإما أن يكون عن اجتهاد مجرد لأن سور القرآن ترتيب بعضها توقيفي من الشارع من النبي ﵊ كما كان يقرأ مثلًا سورة سبح والغاشية في صلاة الجمعة، وكما كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقون فمثل هذا رتبه النبي ﵊، وفيه أشياء اجتهادية من الصحابة رضى الله عنهم في ترتيب السور ومع ذلك لا نستطيع أن نجزم بالحكمة، إنما يبدو لنا أن السور المتجانسة في الطول والقصر والموضوع تجدها مرتبة بعضها مع بعض، والسور الأخرى المخالفة تجدها مرتبة بعضها مع بعض أيضًا، فمثلًا السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، تجدها متسلسلة، وتجد السور القصيرة وهو ما يسمى بالمفصل تجدها أيضًا متسلسلة. ***
متفرقات في أحكام القرآن
المستمع علي نجمي جازان يقول ما حكم تقبيل القرآن قبل وبعد القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل القرآن إذا وقع من شخص فإنما يقع على وجه التعظيم لكتاب الله ﷿ ولا شك أن تعظيم كتاب الله من أفضل القربات لأن كتاب الله ﷿ هو كلامه فقد تكلّم الله ﷾ بهذا القرآن بكلام سمعه منه جبريل فنزل به إلى رسول الله ﷺ قال الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) وقال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فالقرآن كلام الله ﷾ حقيقة تكلم به وسمعه جبريل ونزل به على قلب النبي ﷺ فتعظيم هذا القرآن العظيم من تعظيم الله ﷿ ولكن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن اتباع الرسول ﷺ لا بأن يتبع الإنسان هواه فهذه القاعدة ينبغي للإنسان أن يعتبرها وهي أن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن الاتباع لرسول الله ﷺ وكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله كان أدل على ما في قلبه من تعظيم الله ومن محبة الله قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ينقص من محبته لله وتعظيمه لله بقدر ما حصل من هذه البدعة من المخالفة وبناء على هذه القاعدة نقول تقبيل المصحف عند ابتداء التلاوة وعند انتهائها أو عند الابتداء فقط أو عند الانتهاء فقط أو في غير هذه المناسبة ليس مشروعًا بل هو بدعة فلم يكن معروفًا في عهد الرسول ﵊ أن تقبل الرقاع التي كتب فيها شيء من القرآن وليس معروفًا في عهد الصحابة بعد جمع القرآن في المصحف أن يقبلوا هذا المصحف ولا شك أن خير الهدي هدي محمد ﷺ وأن من ابتدع بدعة ولو استحسنها فهي قبيحة ولو ظن أنها هدى فهي ضلالة ولو ظن أن فيها ثوابًا فهي في النار لقول النبي ﵊ (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وعلى هذا فإني أنصح أخي هذا السائل من أن يقوم بتقبيل المصحف لا في ابتداء القراءة ولا في انتهائها ولا في مناسبات أخرى ويكفيه تعظيمًا للمصحف أن يؤمن بما أخبر الله فيه وأن يعمل بما أمر الله به فيه وأن ينتهي عما نهى الله عنه فيه هذا هو التعظيم الحقيقي الذي يدل على صدق قصد الإنسان وإخلاصه لله ﷿ وعلى صحة شهادته لرسول الله ﷺ بالرسالة لأن من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ألا تعبد الله إلا بما شرعه هذا الرسول الكريم ﵊. ***
تقول السائلة ماحكم تقبيل المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل المصحف بدعة لأن هذا المقبل إنما أراد التقرب إلى الله ﷿ بتقبيله ومعلوم أنه لا يتقرب إلى الله إلا بما شرعه الله ﷿ ولم يشرع الله تعالى تقبيل ما كتب فيه كلامه وفي عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب القرآن لكنه لم يجمع إنما كتب فيه آيات مكتوبة ومع ذلك لم يكن يقبلها صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يكن الصحابة يقبلونها فهي بدعة وينهى عنها ثم إن بعض الناس أراه يقبله ويضع جبهته عليه كأنما يسجد عليه وهذا أيضا منكر. ***
يقول السائل هل من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة وليس من شروط قراءة القرآن أن يكون الإنسان على طهر إلا إذا كان يقرأ بالمصحف فإنه لا يمس المصحف إلا وهو طاهر فإن أراد أن يمس المصحف وهو ليس بطاهر فليجعل بينه وبين المصحف حائلًا من منديلٍ أو غيره وليقرأ لكن الجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل. ***
بعض الناس يصلون الفرائض ويصومون رمضان ولا يقرؤون القرآن إلا في رمضان ويحتجون لذلك بأنهم ينشغلون طوال الأيام من السنة ما رأيكم بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا أنه لا حرج عليه في ذلك لأنه وإن فعلوا هذا لم يهجروا القرآن فهم يقرؤون كتاب الله في صلواتهم يقرؤونه أيضا في أورادهم اليومية يسمعونه من غيرهم فلا حرج عليهم في هذا لكني أخبرهم بأنهم حرموا خيرا كثيرا لأن القرآن الكريم إذا تلاه التالي فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها فليحرصوا على تلاوة القرآن وإن حصل أن يجعلوا لأنفسهم شيئا معينا يوميا يحافظون عليه لئلا تضيع عليهم الأوقات فهذا خير. ***
يقول السائل هل يجوز لقاريء القرآن أن يتحدث مع من سأله أثناء القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج على الإنسان أن يتحدث إلى الشخص إذا حدثه وهو يقرأ القرآن لكن ينبغي للغير أن لا يشغل الإنسان عن قراءته القرآن لأن بعض الناس إذا حدث وهو يقرأ القرآن ضاع موقفه من السورة لا سيما إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فيقطع المحدث قراءته عليه هذا بالنسبة لتحديث القارئ أما هو نفسه إذا أراد أن يكلم أحدا فلا حرج عليه أيضًا لكن ينبغي أن لا يقطع قراءته لمحادثة الناس إلا أن يكون هناك فائدة. ***
يقول السائل توجد في بعض الأشرطة تلاوة لبعض القراء بحيث يكمل القارئ الثاني ما بدأه الأول دون استعاذة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعاذة تكون في أول التلاوة فإذا استعاذ أول القارئين كفى عن المستمعين الآخرين لكن أرى أن الأفضل أن يستعيذ كل منهم عند أول قراءة له فيستعيذ الأول فإذا فرغ استعاذ الثاني فإذا فرغ استعاذ الثالث فإذا عادت إلى الأول قرأ بدون استعاذة هذا الذي أراه في هذه المسألة أن يستعيذ كل منهم عند ابتداء أول القراءة. ***
السائل عثمان علي العميرين من الثانوية التجارية بالرياض يقول هل يثاب الإنسان الذي يقرأ القرآن ولو لم يفهم معانيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فالإنسان مأجور على قراءته سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآنًا مكلفًا بالعمل به بدون أن يفهم معناه فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلًا ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها وتشرح له بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها فما بالك بكتاب الله ﷾ الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه ولهذا كان الصحابة ﵃ لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما من التفاسير التي تعتني بالتفسير الأثري المروي عن الصحابة والتابعين ﵃. ***
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن من المصحف والشخص مستلقٍ أو متكئ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها فإن النبي ﷺ (كان يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر عائشة ﵂ وهي حائض) فإذا قرأ الإنسان القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب وهو متكيء أو مضطجع فلا حرج عليه في هذا. ***
السائل محمد عبد الغني محمد يقول ما حكم قراءة القرآن بالمصحف وأنا نائم أي راقد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في ذلك فقد (كان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن وهو متكئ في حَجِْر عائشة ﵂ وهي حائض) فكذلك الإنسان إذا اضطجع في فراشه وأخذ المصحف وصار يتلو القرآن فلا حرج عليه في ذلك. ***
هل تصح الاستعاذة عند آيات العذاب وسؤال الله ﷿ عند آيات الرحمة والفضل في الصلاة المكتوبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز هذا يجوز للإنسان إذا مر بآية رحمة أو آية وعيد أن يسأل عند آية الرحمة ويستعيذ عند آية الوعيد في الفريضة والنافلة لكنها في النافلة السنة لا سيما في صلاة الليل لقول حذيفة ﵁ (صلىت مع النبي ﷺ ذات ليلة فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران لا يمر بأية رحمة إلا سأل ولا بأية عذاب إلا تعوذ ولا بأية تسبيح إلا سبح) لكن هذا في صلاة الليل ففي صلاة الليل بل في جميع النوافل يسن أن يسبح إذا مر بآيات التسبيح ويسأل إذا مر بآيات رحمة ويتعوذ إذا مر بآيات وعيد أما في الفرائض فجائز لكن تركه أفضل لأن الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكونوا يقولون إنه يسبح عند آيات التسبيح ويتعوذ عند آيات الوعيد ويسأل عند آيات الرحمة. ***
هل يجوز لكل من يقرأ في المصحف الشريف إذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من النار أو العذاب وإذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وهكذا في باقي الآيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من السؤال أن هذا القارئ يقرأ في غير صلاة وعلى هذا فنقول نعم يجوز له إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وإذا مر بآية وعيد أن يتعوذ بالله من ذلك الوعيد وإذا مر بآية فيها عبرة وعظة يقول سبحان الله وما أشبه ذلك لأن هذا مما يعين الإنسان على تدبر القرآن والتفكر في معانيه وأما إذا كان الإنسان في صلاة فإن كان في نفل فإنه يسن أن يسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية الوعيد ولاسيما في صلاة الليل لأنه ثبت ذلك عن النبي ﷺ كما في حديث حذيفة قال (صلىت مع النبي ﷺ ذات ليلة فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية وعيد إلا تعوذ) وأما في الفريضة فإن الظاهر من حال النبي ﷺ أنه لا يفعل ذلك في الفريضة لأن الواصفين لصلاته ﷺ لم يذكروا أنه كان يتعوذ عند آية الوعيد أو يسأل عند آية الرحمة ومع هذا لو فعل فليس عليه إثم. ***
بعض الناس يقرؤون القرآن في المسجد ويقولون بين السكتة والسكتة بين الآيات الله الله أو الله يفتح عليك يا عمنا أو مثل هذه العبارات ما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا أنه من البدع المنكرة لأن تلاوة القرآن عبادة من أفضل العبادات الحرف فيها بحسنة والحسنة بعشر أمثالها وليست لعبًا حتى يقال كلما فرغ من آية وكان صوته جميلًا الله الله يعني يتعجب فهذا من البدع التي أحدثها من أحدثها من الناس نعم إذا مر الإنسان بآية وعيد فليتعوذ وإذا مر بآية وعد فليسأل وإذا مر بآية تسبيح فليسبح وإذا مر بآية تعجيب فليتعجب ويقول الله أكبر وأما الله الله أو مثلًا يا سلام يا سلام فهذا من البدع. ***
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم عدة مواضع للسجدة فهل في كل موضع من هذه المواضع يتم فيها السجود وهل يكون السجود والقارئ على غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم السجدات التي في القرآن كلها موضع سجود يسجد فيها الإنسان إذا قرأها سواء كان في صلاة أم في غير صلاة إلا أنه لا يسجد إلا على وضوء احتياطا وسجود التلاوة ليس فرضا وإنما هو سنة كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ (أنه قرأ آية السجدة وهو يخطب الناس يوم الجمعة فنزل فسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) لكن لا ينبغي للإنسان تركها إذا كان على وضوء. ***
يقول السائل أيهما أفضل تلاوة القرآن نظرًا في رمضان أو محاولة ترديد سور منه لأجل الحفظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقرأ القرآن كله نظرًا، وأن يحافظ على ما كان حفظه عن ظهر قلب لئلا ينساه، وذلك لأن القرآن كله قراءته مفيدة للإنسان لأنه يمر به كل كلام الله ﷿ وينتفع بما في آياته من الأحكام والأخبار، وهذا يفوته إذا اقتصر على سور معينة كان حفظها عن ظهر قلب، وإذا لازم السور المعينة التي كان يحفظها عن ظهر قلب استفاد منها ليرتبط بها، ولكن هذا لا يفوته إذا حرص على هذه السور التي حفظها في وقت آخر، لأن السور المحفوظة يمكن للإنسان أن يقرأها سواء في بيته أو في المسجد أو في أي مكان، فالأولى أن يحافظ على قراءة القرآن كله، ثم يزيد بعناية ما كان يحفظه عن ظهر قلب. ***
يقول السائل هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة فالقراءة من المصحف أولى لأنه أقرب إلى الضبط وإلى الحفظ إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحضر إلى القلب وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب وأما في الصلاة فإن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب الورق وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلى عن ظهر قلب على قراءته من المصحف وإذا كنا نرجح هذا للإمام وهو أن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب لئلا يحصل له ما ذكرناه فإننا كذلك نقول بالنسبة لبعض المأمومين الذين نشاهدهم خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام فإن هذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور التي ذكرناها آنفًا ولأنه لا حاجة بهم إلى أن يتابعوا الإمام نعم لو فرض أن الإمام ليس بجيد الحفظ وقال لأحد من المأمومين صلِّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت ورد علي فهذا لا بأس به للحاجة. ***
يقول السائل هل الأفضل في تلاوة القرآن في المسجد أن تكون جهرًا أم سرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في المسجد الأفضل أن يقرأ القران فيه سرًا إلا إذا لم يكن فيه أحدٌ يشوش عليه أو كان الحاضرون يرغبون أن يقرأ جهرًا لكونهم لا يعرفون القراءة بأنفسهم ويحبون أن يسمعوها من غيرهم فهذا لا بأس به لكن بشرط أن لا يكون أحد من أهل المسجد منشغلًا بغير الاستماع إليه فإن ذلك لا يجوز أي لا يجوز للرجل أن يجهر بالقرآن في المسجد وحوله من يشوش عليه لأن النبي ﷺ خرج إلى أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال ﷺ (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القران أو قال في القراءة) وهذا حديث صحيح كما قاله ابن عبد البر. ***
هل يجوز لي أن أقرأ القرآن بدون النطق بالحروف ولكن بالمتابعة بالنظر والقلب من المصحف طبعا فهل يحصل الأجر بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك أجر يعني لا يحصل الإنسان أجر القراءة إلا إذا نطق بالقرآن ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان وأما من جعل ينظر إلى الأسطر والحروف بعينه ويتابع بقلبه فإن هذا ليس بقارئ ولا ينبغي للإنسان أن يُعَوِّد نفسه هذا لأنه إذا اعتاد ذلك صارت قراءته كلها على هذا الوجه كما هو مشاهد من بعض الناس تجده يقلب الصفحة ويومئ هكذا برأسه يمينا وشمالا ليتابع الأسطر وإذا به قد قلب الصفحة الثانية في مدة يسيرة تعلم علم اليقين أنه لم يقرأ قراءة نطق والخلاصة أن مَنْ لم يقرأ قراءةً ينطق بها فإنه لا يُثاب ثواب القارئ هذا واحد، ثانيا ننصح إخواننا عن هذه الطريق أعني أن يقرؤوا بأعينهم وقلوبهم فقط لأنهم إذا اعتادوا ذلك حرموا خيرا كثيرا. ***
السائلة ص م ع من القصيم تقول هل الدعاء بعد قراءة القرآن مستحب وهل رفع الأيدي بعد ذلك جائز أم لا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا قرأ القران وانتهى من قراءته دعا أو أتى بذكر آخر وما لم يرد عن النبي ﷺ فعله مع قيام سببه فإنه لا يكون من السنة بل يكون تركه هو السنة وعلى هذا فإذا انتهى الإنسان من قراءته أقفل المصحف إن كان يقرأ من مصحف وانتهت القراءة ولا دعاء بعدها وكذلك إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فإن القراءة تنتهي ولا ذكر بعد ذلك ولا دعاء لكن لو قال الإنسان اللهم تقبل مني أو كلمة نحو ذلك فارجو ألا يكون في ذلك بأس. ***
يقول السائل هل الجلوس في المنزل ٍبعد صلاة الفجر لقراءة القرآن والذكر حتى تطلع الشمس له نفس الأجر في المسجد ثم يقوم هذا الشخص ويصلى ركعتين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يشير لحديث ورد في ذلك (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله ﷿ حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين يعني بعد ارتفاع الشمس قيد رمح فإنه يكون كأجر حجة وعمرة) أو كما جاء في الحديث لكن هذا الحديث قد اختلف العلماء في صحته والأخذ به إلا أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه (كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنة) جاء ذلك في صحيح مسلم وأما ترتيب الأجر على ذلك فهذا إن صح به الحديث أخذنا به وفضل الله واسع وإن لم يصح فقد كفيناه. ***
تقول السائلة هل يصح للمرأة قراءة القرآن قراءة صامتة أم الواجب عليها الترتيل بالقراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الترتيل في القراءة ليس بواجبٍ لا على المرأة ولا على الرجل لكنه من آداب القراءة ومن حسن القراءة أن يرتل الإنسان ويتدبر المعنى ويتفهمه وله أن يقرأ قراءةً سريعة بشرط أن لا يكون فيها حذفٌ للحروف أو بعضها وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها فهذا على حسب حال الإنسان إن كان إذا جهر يكون أنشط وأخشع فليجهر ما لم يؤذِ أحدًا وإن كان إذا أسر صار أخشع فليكن مسرًا وإن تساوى الأمران فهو مخير هذا بالنسبة للرجل والمرأة لكن بشرط أن لا يؤذي أحدًا كما لو كان بالمسجد وجهر جهرًا يشوش به على الناس في صلاتهم وقراءتهم فلا يجهر وكذلك أيضًا إذا كانت المرأة حولها رجال فإنه من الأفضل أن تسر لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر صوتها عند الرجال إلا عند الحاجة. ***
يقول السائل هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف وذراعاها مكشوفتان وكذلك القدمان لأنه لا يشترط لقراءة القرآن ما يشترط في الصلاة من السترة. ***
يقول السائل السنترال يكون فيه قرآن عند الانتظار فإذا قام بتحويله إلى الشخص المطلوب ورفعت السماعة انقطعت الآية في موقف غير مناسب ما حكم ذلك فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى أن يجعل القرآن الكريم في السنترال من أجل أن يحول المتكلم إلى الرقم الخاص لمن طلبه لأن في هذا نوع ابتذال للقرآن حيث كان كما يقول النحويون حرف جاء لمعنى ولأنه قد يسمعه من لا يحب استماعه من منافق أو كافر ولأنه كما قال السائل قد ينقطع عند كلمة لا يحسن الوقوف عليها فالذي أرى وأنصح به إخواننا المسلمين أن يجعلوا الانتظار حكمة من الحكم التي تقال إما من كلام التابعين أو من كلام من بعدهم أو من كلام بعض الشعراء من أمثال المتنبي فقد قال بيتًا قد ينطبق على حالنا التي نتكلم عنها الآن قال ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى وأما أن يجعل كلام الله ﷿ حرفًا جاء لمعنى فقط لأجل الانتظار وربما يكون كافرًا يكره القرآن وربما يتكلم بكلام بذيء فالحاصل أن من نصيحتي لإخواني أن يعدلوا عن هذا وأن يجعلوا بدله شيئًا من الحكم من النظم أو من النثر. ***
تقول السائلة نحن في المدرسة وتلقى المحاضرات والاحتفالات ودائمًا نستفتح بالقرآن الكريم فقد يطلبو مني أنا أن افتتح لهم بالقرآن علمًا بأن القراءة تكون بمكبر الصوت ويوجد في الاحتفال أو المحاضرة عدد من الرجال فهل في هذا إثم وإذا قرأنا القرآن هل صوت المرأة عورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن عدة أسئلة أولًا افتتاح المحاضرات والندوات بالقرآن الكريم هل هذا من الأمور المشروعة لا أعلم في هذا سنة عن رسول الله ﷺ والنبي ﵊ كان يجمع أصحابه كثيرًا حين يريد الغزو أو للأمور المهمة التي تهم المسلمين ولا أعلم أنه ﷺ كان يفتتح هذه الاجتماعات بشيء من القرآن لكن لو كانت المحاضرة أو الندوة تشتمل على موضوع معين وأراد أحد أن يقرأ شيئا من الآيات التي تتعلق بهذا الموضوع ليكون بها افتتاح ذلك الموضوع فإن هذا لا بأس به وأما اتخاذ افتتاح المحاضرات أو الندوات بآيات من القرآن دائمًا كأنها سنة مشروعة فهذا لا ينبغي المسألة الثانية في هذا السؤال كون المرأة تقرأ القرآن بمكبر الصوت فيسمعها الناس من قريب ومن بعيد حيث ينتهي مدى صوت هذا المكبر هذا أمر لا ينبغي لأن المرأة مأمورة بالتستر والاختفاء عن الرجال وكونها تعلن صوتها بمكبر الصوت ينافي ذلك. وأما المسألة الثالثة فهي هل صوت المرأة عورة والجواب أن صوت المرأة ليس عورة فإن النساء كنّ يأتين إلى الرسول ﵊ يسألنه بحضرة الرجال ولم ينكر ﷺ عليهن ذلك ولو كان صوتها عورة لأنكره النبي ﵊ فصوت المرأة ليس بعورة لكن لا يجوز للرجل أن يتلذذ به سواء كان ذلك التلذذ تلذذ شهوة جنسية أو تلذذ استمتاع وراحة نفس وإنما يستمع إليها بقدر ما تدعو الحاجة إليه فقط إذا كانت أجنبية منه. ***
يقول السائل هل هناك جلسة خاصة عند تلاوة القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا جلسة معينة بل كان النبي ﷺ يقرأ القرآن في حجر عائشة ﵂ متكئًا وهي حائض فالقرآن يقرأ على كل حال سواء كان الإنسان قاعدًا أو مضطجعًا أو واقفًا إلا أنه ينهى عن قراءة القرآن في حال الركوع أو السجود في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) . ***
يقول السائل بالنسبة للسرعة في قراءة القرآن الكريم هل هي محرمة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السرعة نوعان سرعة يلزم منها إسقاط بعض الحروف أو الحركات فهذه لا تجوز وسرعة أخرى مع المحافظة على الحروف والكلمات والإعراب فهذه جائزة. ***
التفسير - الاستعاذة
المستمع عبد العزيز يقول يرى البعض من مدرسي القرآن الكريم بأن الإستعاذة وهي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه خاصة بالصلاة وليس عند قراءة القرآن الكريم هل هذا صحيح فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح إذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم وزاد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه فإن ذلك لا بأس به لأن الاستعاذة في الصلاة استعاذة قبل القراءة فهي داخلة في امتثال أمر الله بقوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ومع هذا ورد عن النبي ﷺ أنه يقول (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفحه ونفثه) فإذا قالها الإنسان فلا حرج عليه وإذا اقتصر على الجزء الأول منها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى. ***
الفاتحة
يقول السائل هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنها ليست من الفاتحة لكنها آية من كتاب الله ﷿ مستقلة ويدل لهذا الخبر والعمل أما الخبر فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ولم يذكر البسملة وأما العمل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بالفاتحة في الصلاة الجهرية ولا يجهر بالبسملة ولو كانت منها لجهر بها كما يجهر في بقية آياتها فالصواب أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها بل هي آية مستقلة تبتدأ بها السور إلا سورة براءة. ***
ع. ي. س. من مكة المكرمة يقول يقول هذا السائل يوجد من الناس من يقول إن سورة الفاتحة لا تكتمل آياتها سبعًا إلا بالبسملة معتبرين البسملة أول آيات السورة مستشهدين بقوله تعالى (ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم) فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ومن الناس من يقول إن الفاتحة تستكمل سبع آيات بدون البسملة وهذا القول الثاني هو الصواب ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية ويجهر بالحمد لله رب العالمين ... الخ ولو كانت البسملة من الفاتحة لجهر بها كسائر آياتها ودليل آخر حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال (قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فبدأ بالحمد وأما كونها سبع آيات فليستمع هذا السائل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأولى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الثانية (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الثالثة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الرابعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الخامسة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) السادسة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) السابعة وهذا لا شك أنه الأقرب لأجل أن تتناسب الآيات في الطول فإنك إذا جعلت (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) آيةً واحدة صارت طول بقية الآيات مرتين وأيضًا الفاتحة بين الله وبين العبد منها ثلاث آيات حقٌ لله ثلاث آيات حقٌ للآدمي وآيةٌ بينهما (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) كل هذه حقٌ لله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) حقٌ للإنسان (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بينهما وهي الآية الرابعة التي بين ثلاث وثلاث فالتناسب ظاهر فعلى هذا فلو قرأ الإنسان الفاتحة بدون البسملة فصلاته صحيحة لأنه قرأ الفاتحة بآياتها السبع. ***
البقرة وآل عمران
يقول السائل ما معنى أنَّ سورتي البقرة وآل عمران تقدمان السور يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان السورتان هما أعظم السور وسماهن النبي ﷺ الزهراوين لكن (قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن وسورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وهي أي سورة الفاتحة السبع المثاني التي نص الله عليها في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) . ***
البقرة
من العراق محافظة داهوك المستمع عزت يوسف طه يسأل عن أوائل السور يقول في كثير من السور في بدايتها (الم) (كهيعص) (حم) (عسق) ما معنى هذه الآيات أفيدونا جزاكم الله خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات هي الحروف الهجائية ابتدأ الله تعالى بها في بعض السور واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال إنها أسماء لهذه السور ومنهم من قال إنها رموز وإشارات إلى أسماء الله ﷿ ومنهم من قال إنها أو إن بعضها اشارات إلى حوادث ستقع ومنهم من قال الله أعلم بما أراد بها ومنهم من قال إنها حروف هجائية ليس لها معنى ولكن لها مغزى قالوا ليس لها معنى لأن الله ﷾ يقول في هذا القرآن الكريم (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ويقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفي آية أخرى يقول (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذه الحروف الهجائية باللسان العربي ليس لها معنى وعلى هذا فنقول هذه الحروف الهجائية لا معنى لها ولكن لها مغزى وحكمة عظيمة هذه الحكمة هي بيان أن هذا القرآن العظيم المجيد الذي أعجز أمراء الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بمثله بل قال الله تعالى (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) هذا القرآن الذي أعجز الثقلين أن يأتوا بمثله هو من هذه الحروف التي يركب هؤلاء القوم كلامهم منها ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي هو من هذه الحروف ولهذا لا تكاد تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وجدت بعدها ذكرًا للقرآن (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) (المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) وهكذا وأما قوله تعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وقوله (الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فهذه وإن لم يكن فيها ذكر للقرآن لكن فيها ذكر لأخبار صادقة لا يعلمها النبي ﷺ من قبل أن يوحى إليه هذا القرآن وأخبار مستقبلة لا يعلم بها إلا الله ﷿ ومن أطلعه الله عليها في قوله (غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فإن أحدًا لا يعلم أن الروم الذين غلبوا سيغلبون في بضع سنين إلا الله ﷿ وأما قوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) فإن فيها إشارة إلى القرآن حيث إن النبي ﷺ الذي أوحي إليه هذا القرآن وصف ونعت بهذه النعوت الجليلة بل قد يقال إن فيه أشارة أيضًا: (والقلم وما يسطرون) فإن القرآن كما يحفظ في الصدور يكتب بالأقلام أيضًا. ***
من العراق محافظة صلاح الدين المستمع أحمد محمد صالح المستمع يقول قال الله ﵎ في كتابه العزيز (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) السؤال فضيلة الشيخ كيف عرفت الملائكة أن آدم وذريته سوف يفسدون في الأرض ويسفك بعضهم دم بعض وهل يدل ذلك على أن هناك بشرًا خلقوا قبل آدم علمًا بأن الملائكة عندما عرض الله تعالى عليهم الأسماء قالوا لا نعلم وهذا ما جاء في قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الكريمة في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) اختلف فيها المفسرون فمنهم من قال إن معنى قوله خليفة أي خالفًا لمن سبقه وكان في الأرض عمار قبل آدم وكان هؤلاء العمار يحصل منهم سفك الدماء والإفساد في الأرض واستدل هؤلاء بقول الملائكة عليهم الصلاة والسلام أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وبأن الجن قد خلقوا قبل الإنس كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) ومنهم من قال بل إن المراد بقوله خليفة أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا فيذهب أناس ويأتي آخرون وعندي أن الأقرب الأول لموافقته لظاهر الآية وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم على الأرض وأن الملائكة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض وفي الآية الثانية التي ساقها السائل وهي قول الملائكة لما قال الله لهم أعلموني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فيه دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه فإنه يقول مثل هذا القول فيقول الله أعلم أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله أو ما أشبه ذلك من الكلام فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم لأن ذلك من كبائر الذنوب قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا) ولقد كثر في الناس اليوم القول في دين الله تعالى بلا علم من عامة ومن طلبة علم لم يتحققوا مما يقولون ويفتون به وهذا أمر خطير جدًا ليس على المفتي وحده ولا على المستفتي وحده بل على المفتي والمستفتي بل وعلى الإسلام لأن الفتوى بلا علم يكثر فيها الاختلاف إذ أنها مبنية على مجرد نظر قاصر وكل إنسان له نظره ومزاجه والمقياس والميزان كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإذا تكلم الناس كل بما عنده اختلفت الآراء وكثر النزاع وتذبذب العامة وشكوا فيما هم عليه من الحق وقالوا ما لهذا الدين كل يقول كذا وكل يقول كذا والتبس الأمر وحصل بذلك مفسدة كبيرة عظيمة فأنصح نفسي وإخواني بأن نقف على حدود الله ﷿ وألا نتكلم في دين الله بما لا نعلمه من دينه وبما لا نعلم أنه يجوز لنا الكلام فيه ولقد سمعنا أشياء كثيرة من هذا النوع يأتي الإنسان فيسمع حديثًا عامًا يأخذ بعمومه وقد دلت الأدلة الواضحة الصريحة على تخصيصه بل ربما يحكم بدليل قد نسخ ورفع حكمه من أصله وربما يأخذ بآثار وأحاديث ضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة المدونة في كتب الإسلام المشهورة في الحديث فلهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي إخوانه المسلمين وليس يضيره شيء إذا سئل عن شيء وقال لا أعلم إذا كان لا يعلمه بل هذا مما يزيده رفعة عند الله وعند الناس ويثق الناس بقوله إذا كان يقول عما لا يعلم إني لا أعلم لأن الناس سيعرفون منه الورع وأنه لا يتكلم إلا بعلم أما إذا كان يتكلم عن كل ما سئل عنه ثم يتبين خطؤه مرة أخرى فإن الناس لا يثقون به وأسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين. ***
يقول المستمع م ع م: أحد الإخوة يقول بأن الشجرة التي أكل منها آدم هي شجرة القمح ويقول إنني وجدت ذلك في كتاب اسمه بدائع الزهور في وقائع الدهور يقولون بأن الشجرة هي الحنطة فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الشجرة غير معلومة لنا بعينها وذلك لأن الله تعالى أبهمها في كتابه وما أبهمه الله في كتابه فإنه لا يجوز لنا أن نعينه إلا بدليل عن معصوم عن النبي ﷺ وما عدا ذلك فإنه لاعبرة به والأخبار الإسرائيلية اختلفت في تعيين هذه الشجرة ولو كان لنا فائدة من تعيينها لعينها الله ﷾ لنا لكن الفائدة كل الفائدة في القصة والقضية وليس في نوع الشجرة هل هي حنطة أو غير حنطة. ***
محمد الطيب سوداني يقول أرجو تفسير هذه الآية الكريمة (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن من الناس الذين أعطاهم الله العلم بآياته من يشتري ثمنًا قليلًا بهذه الآيات أي يحابوا الناس في دين الله من أجل الدنيا أو يحافظ على البقاء أو يحافظ على بقاء جاهه ورئاسته من أجل الدنيا ويدع دين الله فمثلًا يكون هناك عالم يعلم أن هذا الشيء حرام لكن لا يقول إنه حرام يخشى أن العامة تنصرف عنه وتقول إنه متشدد أو يخشى أن السلطان ينقصه من راتبه أو ينحيه عن منصبه حيث قال إن هذا حرام فيذهب ويقول إنه حلال ليشتري به ثمنًا قليلًا وهو الجاه عند العامة أو البقاء في المنصب عند السلطان المهم أن الآية معناها العام أن من الناس من يدع دين الله لشيء من أمور الدنيا. ***
مامعنى قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) لماذا قدم الصبر على الصلاة مع أن الصلاة هي عماد الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قدم الله ﵎ الصبر على الصلاة لأن الصبر أوسع فالصلاة عبادة معينة لكن الصبر أوسع ومن الصبر الصلاة لأن الصلاة طاعة لله ﷿ وقد ذكر العلماء ﵏ أن الصبر ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله وهو حمل النفس على الطاعة وصبر عن معصية الله وهو كف النفس عن المعصية وصبر على أقدار الله المؤلمة وهو كف النفس عن التسخط من قضاء الله وقدره فيكون هذا من باب عطف الخاص على العام لأن الصلاة صبر فالإنسان يصبر نفسه عليها ويحملها على أن تقوم بها أي بالصلاة. ***
مامعنى قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يقول الله ﷿ منبهًا على هذا الوعد الذي وعده موسى ﵊ وكان الله تعالى قد واعد موسى لكلامه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وكلمه الله ﷿ بعد ذلك وخاطبه بما أراد وفي غيابه هذه المدة ابتلي قومه باتخاذ العجل إلهًا ولهذا قال (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) فصنعوا من حُلي آل فرعون تمثالًا على شكل العجل وقال السامري لبني إسرائيل (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) فأضلهم بعد أن نصحهم هارون ﵊ ولكنهم (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) والقصة مبسوطة في سورة طه. ***
من السودان حسن علي يسأل عن معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية فيها الوعيد على قوم من أهل الكتاب حرفوا الكتاب فزادوا فيه ونقصوا وكان مما يزيدون فيه أنهم يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله هذا كتاب الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا من الجاه والرئاسة وغير ذلك من عوارض الدنيا يقول الله ﷿ فويل لهم مما كتبت أيديهم من هذه الفعلة المحرمة وويل لهم مما يكسبون من هذا الكسب المبني على محرم فصاروا آثمين من ناحيتين من ناحية الفعل ومن ناحية ما نتج عنه من المكاسب الخبيثة وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تصنع مثل ما صنع هؤلاء ومن المعلوم أنه لن يستطيع أحد أن يصنع مثل هذا في كتاب الله لأن الله تعالى قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لكن من الناس من يصنع مثل هذا في معاني كلام الله فيكتب في تفسير الآية ما ليس تفسيرًا لها لينال بذلك عرضًا من الدنيا فليبشر مثل هذا بهذا الوعيد التي توعد الله به من سبقنا: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم ما يكسبون) . ***
يقول الله تعالى في سورة البقرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ما معنى هذه الآية وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ توعد أولئك الذين يفترون عليه كذبًا فيكتبون بأيديهم كلامًا ثم يقولون للناس هذا من عند الله من أجل أن ينالوا به حظًا من الدنيا إما جاهًا أو رئاسة أو مالًا أو غير ذلك ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعًا على كتابتهم الباطلة وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة أما الذين يكتبون الحجب وهو ما يعلق على المريض لشفائه من المرض أو على الصحيح لوقايته من المرض فإنه ينظر هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها أو كتب فيها أشياء محرمة كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك فإن تعليقها لا يحل بكل حال وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم والراجح أنه لا يحل تعليقها وذلك لأن التعبد لله ﷾ بما لم يشرعه الله بدعة ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سببًا لم يجعله الله سببًا نوع من الشرك وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء لا من القرآن ولا من غيره ولا أن يعلق على الصحيح شيء لا من القرآن ولا من غيره وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك فإنه لا يجوز. ***
لماذا ذكر المفسرون مثل الإمام ابن كثير أن جميع آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم موجهة إلى الكفار خاصةً علمًا بأن بعض المسلمين قد يأتي ببعض الذنوب التي توجب الدخول في سياق هذه الآيات وعلمًا بأن بعض الآيات لم يرد فيها تحديد الكافر من المسلم العاصي ومع ذلك فقد نسبها المفسرون إلى الكفار خاصةً مثل قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول هذا السائل إن المفسرين حملوا آيات الوعيد الواردة في القرآن على الكفار ليس بصحيح وما علمت أحدًا قال ذلك لا ابن كثيرٍ ولا غيره ولا يمكن لأحدٍ أن يقول هذا لأن آيات الوعيد في القرآن منها ما يكون للكافرين ومنها ما يكون لغير الكافرين فمثلًا قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) هذه لا تختص بالكافرين حتى من كان مؤمنًا فإنه يلحقه هذا الوعيد ولكن كل ما ورد من الوعيد على فعل المعاصي التي هي دون الكفر فإنها داخلة تحت عموم قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فتكون عقوبة هذا العاصي داخلةً تحت مشيئة الله ﷿ قد يغفر الله له يوم القيامة بمنِّه وكرمه وقد يغفر له بواسطة الشفاعة أو بغير ذلك من الأسباب والمهم أن آيات الوعيد وكذلك أحاديث الوعيد لا تختص بالكافر بل قد تكون للمؤمن أيضًا ولكن المؤمن يكون بالنسبة إلى هذا الوعيد داخلًا تحت مشيئة الله ﷿ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول في رسالته ما الحكمة بأن الله ﷾ لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله ﷾ حاكم على عباده شرعًا وقدرًا وهو ﷾ ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله ﷾ أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلمه ومن الحكم ما لا نعلم منه شيئًا لأن الله تعالى يقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلِّم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) ولما سئلت عائشة ﵂ عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت (كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله ﷿ والرضا بأحكامه نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله ﷾ لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) هذا إبطال لهذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله ﷿ وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد ﷺ لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله ﷾ ويكون في ذلك إرشاد للنبي ﷺ أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضًا لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلًا من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله ﷿ إيمانًا صادقًا فزادهم الله تعالى هدى لأن الله ﷿ إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علمًاَ وتوفيقًا وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا والله ﷿ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله ﷿ تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر كذلك لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة. هؤلاء القوم في قصصهم أو في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله ﷿ من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل ﷾ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله ﷿ بكون من اطلع عليهم يولي فرارًا ويملأ منهم رعبًا والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله ﷿ فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله ﷿ والقيام بطاعته وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضًا عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرَّم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله ﷿ حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعًا على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرَّم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكًا في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذا الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيها أيضًاَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية إلى ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرَّم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا وقد بين الله ﷾ أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلًا إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن المنكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضًا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله ﷿. ***
سوداني ومقيم بالرياض يقول ما صحة قصة الملكين هاروت وماروت بعد ما كلفهما الله ﷿ بأمره ونهاهما عما نهاهما عنه ما الإثم الذي ارتكباه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن هذه قصة مفتعلة مأخوذة عن بني إسرائيل وما أكثر أخبار بني إسرائيل التي لا أساس لها من الصحة وإني أنصح أخي السائل وغيره أن يقتصروا في القصص على ما جاء في القرآن والسنة فقط والسنة الصحيحة أيضا وذلك لقول الله ﵎ (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) فإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن الواجب أن نتلقى أخبارهم من الله ﷾ من القرآن أومن السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وربما كان في هذه القصص ما يقدح في التوحيد من حيث لا يعلم الإنسان وأضرب للسائل مثلا في قصة داود ﵊ في قول الله ﵎ (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) يزعم بعض القصاص أن داود ﵊ أعجبته امرأة رجل عنده وكان داود ﵊ عنده تسع وتسعون امرأة فأعجبته هذه المرأة وهي مع زوج ففكر ماذا يصنع للوصول إليها فأمر هذا الرجل أن يذهب للغزو في سبيل الله لعله يقتل فيتزوجها داود من بعده وهذا من أعظم المنكرات هذا لا يليق برجل عاقل فضلا عن مؤمن فضلا عن نبي من الأنبياء فهي قصة مكذوبة تخدش بالعقيدة داود ﵊ مبرأ من هذا الخلق الذميم والقصة على ظاهرها خصمان اختصما عند داود ﵊ وكان داود قد انفرد يعبد الله ﵎ في محرابه وأغلق عليه الباب اجتهادا منه وكان داود ﵊ هو الذي يحكم بين الناس والحاكم بين الناس يجب أن يفتح لهم الباب وأن يفسح لهم المجال حتى يختصموا ويحكم بينهم ففتنه الله ﷿ وذلك بأن اختبره ﷾ لما انفرد في محرابه وأغلق الباب بعث الله إليه هذين الخصمين فتسوروا المحراب يعني أنهم قفزوا من فوق الجدار ففزع منهم كيف يدخلون عليه والباب مغلق فقالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض وذكر الباغي فقال (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) والنعجة هنا ليست المرأة كما قيل بل هي الشاة (وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) أي هبها لي لأجل أن أكمل مائة فيبقى هو عنده مائة نعجة وهذا ليس عنده شيء يقول عزني في الخطاب يعني غلبني كأنه فصيح ذو بيان شديد فقال داود ﵊ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فهنا القصة تجد فيها أولا أن داود ﵊ انفرد في محرابه في عبادته الخاصة دون أن يفتح بابه للحكم بين الناس ثانيا أنه استمع إلى الخصم دون أن يأخذ حجة الخصم الآخر ثالثا أنه حكم بقول الخصم دون أن ينظر ما عند الخصم الآخر فلذلك علم داود أن الله تعالى اختبره وفتنه فخر راكعا وأناب وتاب إلى الله ﷿ من كونه انفرد في محرابه وأغلق الباب عليه وكونه أخذ بقول الخصم دون أن يسأل الخصم الآخر وكونه حكم له دون أن ينظر ما عند الآخر من مدافعة هذه هي القصة وهي واضحة في القرآن ولا حاجة أن نصطنع قصصًا مكذوبة وفيها خدش للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمثال هذا كثير لذلك أنصح إخواننا الذين يقرؤون في كتب التفسير المشحونة بهذه الإسرائيليات أنصحهم من أن يتمادوا في هذا وأقول لهم اتركوا هذه التفاسير وإن كان فيها خير كثير لكن هذا الشر الذي لا يعلم عنه إلا العلماء قد يغتر به بعض العامة الذين يطالعون هذه الكتب. ***
السائل سليم بن عبد الله من اليمن يقول ما تفسير الآية الكريمة في قوله تعالى (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله ﷾ بين أنه لا ينسخ حكما من أحكام الشريعة إلا أتى بخير منه للعبد أو مثله. ***
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ما هي المحبة المقصودة في الآية هل هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه فأجاب رحمه الله تعالى: المحبة في القلب وكل أحد يعرف المحبة والبغض والكراهة لكن من آثار محبة الله أن يقوم الإنسان بطاعة الله ﷿ طلبًا للوصول إليه ﵎ فالذين آمنوا أشد حبًا لله من هؤلاء الكفار لأصنامهم لأنهم يعبدون الله على بصيرة أو أنه أشد حبًا لله من هؤلاء لله إن كان في قلوب هؤلاء العابدين للأصنام محبة لله ﷿. ***
يقول السائل ما تفسير الآية الكريمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأمة التي أشار الله إليها هي الأمم التي بعث إليهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب والرسل السابقون فإن هؤلاء لهم دينهم وانتهوا وخلوا ولكم أنتم أيها المخاطبون في عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ما كسبتم فأنقذوا أنفسكم ولا تقولوا نحن أبناء هذه الأمة أبناء الرسل وما أشبه ذلك فإن لهؤلاء ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقد قالت اليهود إن إبراهيم كان يهوديا وقالت النصارى ان إبراهيم كان نصرانيا وصاروا يحاجون المسلمين ولكن إبراهيم كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ﵊. ***
الطيب محمد من السودان يقول ما معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إلى آخر الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) هو أن اليهود لما توجه النبي ﷺ إلى الكعبة بدلًا من بيت المقدس وكان الرسول ﷺ أول ما قدم المدينة يصلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا وكان يحب ﷺ أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة فيقلب وجهه في السماء ترقبًا لنزول جبريل بذلك فأنزل الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى آخر ما ذكره الله ﷾ في هذا الموضوع فتوجه النبي ﷺ إلى الكعبة فكان اليهود ينتقدون ذلك وهو أنه اتجه أولًا إلى بيت المقدس ثم إتجه ثانيًا إلى الكعبة فبين الله تعالى أن الاتجاه إلى المغرب أو إلى المشرق ليس هو البر ولكن البر طاعة الله ﷾ والإيمان به (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) إلى آخر الآية والمعنى ولكن البر هو بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين الإيمان الذي يستلزم امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه فهذه هي حقيقة البر. ***
يقول السائل كيف نوفق بين قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) والآية الأخرى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهل الرواية التي عن ابن عباس ﵁ في قراءة وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين واردة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نوفق بين الآيتين اللتين أشار إليهما السائل وهي قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وبين قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) بأن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن الصيام أول ما فرض كان الإنسان مخيرًا بين أن يصوم ويفدي ثم أنزل الله تعالى الصيام عينًا وبقي الفداء لمن لا يستطيع الصيام على وجه مستمر فإن العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًا كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه يكون عليه بدلًا عن الصوم فدية طعام مسكين وأما ما أشار إليه السائل من قراءة ابن عباس ﵄ وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فهذه لا أعلمها عن ابن عباس ولكنه قول لبعض المتأخرين وتفسير الآية به تفسير ضعيف جدًا لأنه يقتضي تفسير الشيء المثبت بشيء منفي وهذا ضد التفسير تمامًا وإنما جاء عن ابن عباس في الآية الكريمة وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين أي يبلغون طاقتهم فيشق عليهم ولكن الصحيح في الآية ما أشرنا إليه أولًا لصحة الحديث به وهو أنه كان الصوم حين فرض أولًاَ يخير فيه الإنسان بين أن يفدي وأن يصوم ويدل لذلك قوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وهذا دليل على أن الآية نزلت فيمن يستطيع الصوم فيخير بين أن يصوم ويفدي ثم تعين الصيام بعد ذلك خلاصة لما سبق يكون في الآية الكريمة ثلاثة أوجه الوجه الأول أنها فيمن يطيقون الصوم فلهم أن يصوموا ويفدوا ولكن الصوم خير لهم وهذا القول وهذا الوجه هو الصواب لدلالة الحديث الصحيح عليه والوجه الثاني أن معنى الآية وعلى الذين يطوِّقونه أي يبلغوا طاقتهم ويشق عليهم وهذا الوجه مروي عن عبد الله بن عباس ﵄ والوجه الثالث أن معنى الآية وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين وهذا الوجه قاله بعض المتأخرين وهو وجه ضعيف لا يتناسب وتفسير القرآن والوجه الأول هو الصحيح لثبوت الحديث به. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يتبين معناها بمعرفة مانزلت فيه وذلك أنهم كانوا أول ما فرض الصيام إذا نام الإنسان منهم أو صلى صلاة العشاء حرم عليه الأكل والشرب والجماع حتى تغرب الشمس من اليوم التالي ثم منّ الله تعالى على عباده فأحل لهم الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر فقال جل ذكره (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إي الإفضاء إليهنّ وهذا يعني الجماع ثم بين الله ﷾ أن المرأة لباس لزوجها وأن زوجها لباس لها لأن كل واحد منهما يحصل به تحصين فرج صاحبه وحمايته وحفظه (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي باشروا نساءكم بالجماع (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لكم) من الولد الصالح والعمل الصالح في هذه الليلة التي أبيح لكم فيها الجماع بحيث لا يلهيكم الجماع عن طاعة الله ﷿ ولا تريدوا بالجماع مجرد التلذذ والشهوة أو مجرد التلذذ وإدراك الشهوة فباشروهنّ بالجماع مبتغين ما كتب الله لكم من الأعمال الصالحة والولد الصالح (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) أي حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس لقول النبي ﷺ (إذا أقبل الليل من هاهنا -يعني المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -يعني المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) ثم لما كان إحلال المرأة ليلة الصيام عامًا شاملًاَ استثنى الله تعالى أو خص الله ﷾ زمن الاعتكاف فإنه لا يحل للزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف فقال (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والاعتكاف هو التعبد لله ﷾ بلزوم المساجد للتفرغ لطاعته وقد (كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده) ثم بين الله ﷾ أن هذه الأحكام المشتملة على المنهيات وعلى الأوامر بأنها حدود الله ونهى عن قربانها والنهي عن القربان يختص بالحدود المحرمة والنهي عن الاعتداء يختص بالحدود الواجبة فإذا قال الله ﷾ تلك حدود الله فلا تعتدوها أي لا تتجاوزوها فالمراد بها الواجبات وإذا قال تلك حدود الله فلا تقربوها فالمراد بها المحرمات وهنا يقول ﷿ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي مثل هذا البيان يبين الله ﷾ آياته الشرعية للناس حتى يعلموها وتقوم عليهم الحجة بها وفي آخر الآية دليل على أن الله ﷿ قد بين لعباده كل ما يحتاجون إليه في أمور الشريعة إما في كتاب الله وإما في سنة رسوله الله ﷺ لكن هذا البيان قد يخفى على بعض الناس إما لقصوره وإما لتقصيره وإلا فإن القرآن كما وصفه الله ﷿ بقوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فهذا هو معنى الآية الكريمة. ***
فائز فرج عبد الرزاق كلية الهندسة بغداد يسأل عن قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى أباح لنا أن نأكل ونشرب كل الليل حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر والخيط الأبيض هو بياض النهار والخيط الأسود هو سواد الليل أي إن الله ﷿ أباح لنا أن نأكل ونشرب حتى نرى الفجر بأعيننا فإذا رأيناه متبينًا ظاهرًا وجب علينا الإمساك حينئذ من ذلك الوقت إلى الليل وقد بين النبي ﷺ الغاية في قوله (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) هذا هو معنى الآية الكريمة وقد ثبت في الحديث الصحيح حديث عدي بن حاتم ﵁ أنه فهم الآية على أن المراد بالخيط الأبيض الحبل الأبيض وبالخيط الأسود الحبل الأسود فجعل ﵁ عقالين تحت وسادته وجعل يأكل ويشرب فلما تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود أمسك فلما أصبح غدا إلى رسول الله ﷺ فأخبره فقال له النبي ﷺ (إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) . ***
عبد الباسط سالم من ليبيا قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) ما تفسير هذه الآية الكريمة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ) خطاب من الله ﷾ لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجيب الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحكمة في هذه الأهلة فبين الله ﷾ أنها مواقيت للناس ومواقيت للحج مواقيت للناس في معاملاتهم وعباداتهم وغير ذلك مما يحتاجون فيه إلى التوقيت وكلمة الناس عامة تشمل جميع بني آدم فتحديد الشهور الذي وضعه الله تعالى لعباده إنما هو بالأهلة لأن الله قال هي مواقيت للناس وعمم وقال ﷾ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقد اتفق العلماء على أن المراد بهذه الشهور هي الشهور الهلالية اعتمادا على ما جاءت به السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي مواقيت للناس في العبادات وفي المعاملات في العبادات شهر رمضان يصام إذا رئي هلاله ويفطر منه إذا رئي هلال شوال، وفي المعتدات المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام بالأهلة، المطلقات اللاتي لا يحضن لصغر أو إياس يعتددن بثلاثة أشهر بالأهلة، الناس يؤجلون ديونهم وغير ديونهم بالأشهر بالأهلة وهكذا جميع ما يحتاج إلى تأجيل بالشهر يكون الاعتماد فيه على الأهلة وقوله تعالى (وَالْحَجِّ) يعني أن الحج مربوط بالهلال أيضا لأن ابتداء الحج يكون من اليوم الثامن من ذي الحجة وينتهي باليوم الثالث عشر منه وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كما قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) وهذه الأشهر الهلالية منها أربعة حرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية ورجب منفرد بين جمادى وشعبان والأهلة مقرونة بالقمر يبدو في الغرب صغيرا ثم لا يزال ينمو رويدا رويدا إلى أن يتكامل نموه في نصف الشهر ثم يعود إلى الاضمحلال حتى يتم ثم يعود مرة ثانية فيخرج من المغرب وخروجه من المغرب هو ابتداء الهلال هذا هو معنى الآية الكريمة. ***
أحمد محمد جمهورية مصر العربية يقول قال الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) من هم حاضروا المسجد الحرام هل هم أهل مكة أم أهل الحرم أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله ﷾ فيمن تمتع فقال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هم أهل مكة ومن كان من الحرم دون مسافة القصر على اختلاف العلماء في تحديدها هؤلاء هم حاضرو المسجد الحرام فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلًا في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا لأنه من حاضري المسجد الحرام ولو أن أحدًا فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا ويمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفًا أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرمًا بعمرة ناويًا أن يحج من سنته ثم يحج فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام ومثال القران أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارنًا بينهما فهذا قارن ولا هدي عليه أيضًا لأنه من حاضري المسجد الحرام. ***
ما معنى قوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) يعني أنه كان أهل مكة لا يقفون بعرفة في الحج يقفون في مزدلفة ويقولون نحن أهل الحرم لا يمكن أن نقف إلا بالحرم فيقفون في مزدلفة فقال الله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) أي من المكان الذي أفاض الناس منه وهو عرفة ولهذا قال جابر ﵁ وهو يصف حج النبي ﷺ أجاز رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تشك قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المشعر الحرام كما كانت قريشٌ تفعل في الجاهلية ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجاوزها ونزل بنمرة ثم لما زالت الشمس ذهب إلى عرفة ووقف هناك فأمر الله تعالى الناس جميعًا ومنهم قريش أن يفيضوا من حيث أفاض الناس (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) يعني اسألوا الله المغفرة والمغفرة هي ستر الذنب والعفو عنه (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) وذلك لأن الإنسان إذا فرغ من العبادة ربما يلحقه كسل أو ملل فيغفل عن ذكر الله فأمر الله تعالى أن يذكر الإنسان ربه إذا قضى نسكه وهذا كقوله تعالى في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فأمر بذكره لأن الإنسان مظنة الغفلة إذا خرج من الصلاة ثم سعى في التجارة فإنه مظنة الغفلة فلهذا قال (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم قسم الله تعالى الناس إلى قسمين منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا وليس له همٌ في الآخرة ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيبٌ مما كسبوا والله سريع الحساب. ***
م. ع من الرياض يقول ما هي المنافع الواردة في هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المنافع للناس ما يحصل من الاتجار في الخمر ومن المكاسب بالميسر وما يحصل من النشوة والطرب في الخمر وما يحصل من الفرح والسرور في الكسب في الميسر وما يحصل كذلك من الحركة في العمال الذين يباشرون هذه الأعمال ولكن هذه المنافع وإن عظمت وكثرت فإن الإثم أعظم منها وأكبر كما قال الله تعالى (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وتأمل هذه الآية الكريمة حيث قال (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فذكر المنافع بصيغة منتهى الجموع الدالة على الكثرة ومع ذلك فإن كثرتها ليست بشيء بالنسبة لما فيهما من الإثم الكبير وقد كان الخمر حلالا في أول الإسلام لقوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) ثم أنزل الله آية البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ثم نزلت آية النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فامتنع الناس عن الشرب وقت الصلاة وكان في هذا نوع فطام لهم ثم نزلت آية المائدة وهي آخر ما نزل بشأن الخمر والميسر فقال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) فانتهى الناس عن ذلك وصار تحريم الخمر بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ولهذا قال العلماء من استحل الخمر فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام ومن شربها معتقدا تحريمها فهو آثم وعاص لله ولرسوله ويجب على ولي الأمر أن يقيم عليه العقوبة التي جاءت بها السنة وصحت عن الخلفاء الراشدين ﵃ وذهب بعض العلماء إلى أنه أي شارب الخمر إذا شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب الرابعة فإنه يقتل لحديث ورد في ذلك وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ يقتل إذا لم ينته الناس بدون القتل يعني بمعنى أن الناس انهمكوا فيها حتى صار الإنسان منهم يجلد ثلاث مرات ولا يتوب ففي هذه الحال يقتل لأن مصلحة قتله خير من مصلحة بقائه لكن جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل ولو جلد ثلاث مرات بدعوى أن الحديث الوارد في ذلك إما منسوخ أو ضعيف وعلى كل حال فإن الواجب على المسلم أن يكون مؤمنا بالله قائما بأمر الله مجتنبا لهذه القاذورات التي إن كان فيها نشوة ساعة من زمان ففيها مضرة أياما وشهورا والخمر مفتاح كل شر وأم الخبائث وكم من إنسان سكر فطلق زوجته وكم من إنسان سكر فزنى بمحارمه والعياذ بالله وكم من إنسان سكر وقتل نفسا وربما يقتل نفسه فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يتجنب مثل هذه القاذورات وأن يتقي الله ﷿ وأن يحمد الله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا. ***
يقول السائل المال الذي تريد الزوجة أن تفتدي به نفسها من زوجها هل يرجع أمر تحديده إلى الزوج برغبته وما معنى قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وهل لابد أن يكون مالًا أم لا يشترط ذلك بل بما يرضي الزوج أيًا كان ومن ذلك أن رجلًا اشترط على زوجته شرطًا هو أنها إذا طلبت الطلاق سيكون ثمن ذلك هو أن ما عندها وقت الطلاق من الأطفال يكونون معه بدون شرط ولا حساب وإلا فلن يطلقها حتى يبلغ الأطفال سبع سنين فهو يقول لأهلها سأقبل تسريحها إذا هي أرادت إذا كان ولدي المنفطم بيدي آخذه متى شيءت بلا شرط ففداؤها عدم حضانتها فهل يصح مثل هذا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة تسمى مسألة الخلع أو الطلاق على عوض كما هو عند أكثر أهل الفقه وإن كان بعض أهل العلم يقول إن الطلاق على عوض خلع ولو وقع بلفظ الطلاق وذلك أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع الزوج ولم يرغب أن يطلقها بدون عوض فلا جناح عليهما فيما افتدت به، واختلف أهل العلم هل يجوز أن يطلب منها في الخلع أكثر مما أعطاها أو لا يجوز فمنهم من قال إنه لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها بل ليس له الحق إلا أن يأخذ ما أعطاها فقط وذلك لأن أخذه أكثر مما أعطاها فيه شيء من الظلم لها واستدلوا بأن هذا الرجل أخذ مقابل ما أعطاها بما استحل من فرجها فإذا أخذ منها أكثر كان ظلمًا وقال بعض أهل العلم إنه يجوز أن يخالعها بأكثر مما أعطاها لعموم قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وما اسم موصول فهو من صيغ العموم إلا أن القائلين بأنه لا يأخذ أكثر قالوا إن هذا الاستثناء عائد على ما سبق وهو قوله (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) مما أعطاها ولاشك أن هذا القول أعنى أنه لا يأخذ أكثر مما أعطاها أبرأ لذمته وأسلم اللهم إلا أن يكون قد تزوجها في وقت المهور فيه رخيصة ولو اقتصر على ما أعطاها لم يجد به زوجة وهو لا يجد ما يكمل المهر فهنا قد نقول بأنه لا حرج عليه في طلب أكثر مما أعطاها أما ما ذكره السائل من كون العوض إسقاط حقها من حضانتها فظاهر الآية أنه يصح لعموم قوله (فيما افتدت به) ولكن المعروف عند أهل العلم أنه لا يصح إلا بالمال بما يصح مهرًا وإسقاط حقها من الحضانة ليس من هذا الباب وعلى هذا فنقول إذا أراد أن يخالعها فليجعل عوضًا ولو يسيرًا لو عشرة دراهم أوما أشبهها وحينئذ يتم الخلع وإذا أسقطت حقها من الحضانة فلا حرج في ذلك. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) وما المقصود بالصلاة الوسطى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالصلاة الوسطى هنا صلاة العصر وقد ثبت تفسيرها عن النبي ﷺ حيث قال في غزوة الخندق (شغلونا يعني الأحزاب عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) وإذا فسّر النبي ﵊ القرآن بشيء فإن تفسيره هو الواجب قبوله ولا قول لأحد بعد قول الرسول ﷺ والعلماء مختلفون في هذه المسألة ولكن الراجح هو ما ذكرنا لدلالة السنة عليه. ***
هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ أ. أ. يقول في هذا السؤال أرجو توضيح كلمة القنوت بالتفصيل حتى نكون إن شاء الله من القانتين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القنوت لعله يريد قول الله ﵎ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وهو يطلق على معانٍ متعددة منها السكوت ولهذا قال راوي الحديث (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ومعلوم أن المراد بالسكوت أي بالسكوت عن كلام الناس لا بالسكوت عن كل شيء لأن الصلاة كلها أقوال وأفعال لا بد منها فالقنوت يطلق على ترك ما ينافي الصلاة ويطلق أيضا على إطالة القيام والقراءة ويطلق أيضا على كمال الخشوع لله ﷿ ويطلق على الدعاء كما قنت النبي صلى الله وعليه وسلم للمستضعفين وقنت يدعو على أقوام آخرين. ***
يقول ما فضل آية الكرسي وفيم تذكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: آية الكرسي ثبت عن النبي ﷺ أنها أعظم آية في كتاب الله وأن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح وهذا فضل عظيم وحماية عظيمة من الله ﷾ لمن قرأها ويستحب أيضًا أن تقرأ في أدبار الصلوات المكتوبة هذا ما أعرفه حول هذا الموضوع. فضيلة الشيخ: لكن هل هناك أشياء تذكر فيها مثلًا إنسان سيدعو على إنسان آخر أو سيطلب منه شيئًا هل يقرأ هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ما يقرؤها يعني يجعلها مقدمة لحاجته، لا ليس بمشروع. ***
في الآية الكريمة في سورة فاطر (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وتفسير الآية في سورة البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) هل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى وكيف تكون التقوى بدون علم بناء على ما جاء في تفسير الآية الكريمة (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) والخشية قوة الخوف من الله ﵎ لكمال عظمته وسلطانه وهذا لا يتأتى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته ولهذا قال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) أي ما يخشاه الخشية التامة إلا العلماء والمراد العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله لكن المراد بالعلماء هنا العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته والخشية مبنية على العلم فكلما كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبة له ﵎. وأما قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فإن كثير من الناس يظنون أن قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) مبني على قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وليس كذلك بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله وقد ترجم البخاري ﵀ على هذا المعنى في قوله في صحيحه باب العلم قبل القول والعمل ثم استدل لذلك بقول الله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين لأن قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أمر مستقل بالتقوى ولا يمكن أن يتقي الإنسان ربه إلا إذا علم ما يتقيه أما قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فهي جملة مستأنفة تفيد أن العلم الذي نناله إنما هو من عند الله وحده فلا علم لنا إلا ما علمنا الله ﵎ وتعليم الله إيانا نوعان غريزي وكسبي. فالغريزي هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلم أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد وأما التعليم الكسبي فهو ما يورثه الله العبد بتعلمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلم على المشايخ ومن بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التسجيل وغير ذلك ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح ما هي؟ مع أنها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلا بها أمر الله نبيه أن يقول (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الروح كأنه قال الروح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح ولهذا قال (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) والحاصل أن قوله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى وأما آية البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فليس فيها أن التقوى مقدمة على العلم لأنه لا يمكن تقوى إلا بعلم ما يتقى وأن الجملة (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) ليس لها ارتباط بما قبلها. ***
يقول السائل ما تفسير قول الله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية حينما نزلت على الصحابة ﵃ شق عليهم ذلك وجاؤوا إلى النبي ﷺ جاثين على ركبهم يرجون التخفيف فقال النبي ﷺ (قولوا سمعنا وأطعنا) فقالوا (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فخفف الله عنهم وأنزل قوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فرفع الله عنهم التكليف إلا فيما كان تحت طاقتهم ولهذا قال النبي ﵊ (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فحديث النفس مهما بلغ من الفحش والقبح لا يضر ما دام الإنسان كارها له غير راكن إليه فإنه لا يضره لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . ***
يقول السائل كيف نجمع بين قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وبين معنى الحديث الشريف الذي هو (إن الله تجاوز عن أمة محمدٍ ﷺ ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الذي أشرت إليه هو في قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) فما كان بوسع الإنسان فإنه مؤاخذٌ به وما كان ليس بوسعه فهو غير مؤاخذ به فقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) جاءت الآية بعده (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) فالخواطر التي ترد على المرء ولا يركن إليها ولا يطمئن لها وإنما هو حديث نفسٍ عابر لا يركن إليه ولا يأخذ به هذا لا يؤاخذ به لأنه فوق طاقة المرء أما إذا كانت الهواجس التي ترد على القلب يطمئن إليها الإنسان ويأخذ بها فإنه عمل يؤاخذ به العبد ولهذا قال النبي ﵊ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وأخبر ﵊ عن الرجل يقاتل أخاه المسلم فقال ﵊ (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه) فالمهم أن ما يرد على القلب إذا اطمأن إليه الإنسان وأخذ به واعتبره فإنه يؤاخذ عليه أما الهواجس التي تطرأ ويحدِّث الإنسان نفسه فيها ولكنه لا يركن إليها فلا يؤاخذ بها مثل لو كان يحدث الإنسان نفسه هل يطلق زوجته أو لا نقول إن الزوجة لا تطلق حتى لو نوى أن يطلقها فإنها لا تطلق لأن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بما يدل عليه من الفعل كالكتابة ولا يؤاخذ بهذا وكذلك لو نوى أن يتصدق بهذه الدراهم وعزم ولكنه ما دفعها إلى الآن فإنه لا يلزمه التصدق بها سواءٌ نواها لشخصٍ معين أو نواها صدقةً ولم يعين من يتصدق بها عليه فإنه لا تلزمه الصدقة. ***
يقول السائل ماهي فوائد قراءة آية الكرسي وآخر آية في سورة البقرة عند الخروج من البيت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا سنة حتى نقول ما هي الفوائد فلا يسن للإنسان إذا خرج من بيته أن يقرأ آية الكرسي أو الآيتين اللتين في آخر سورة البقرة. ***
سورة آل عمران
يقول السائل ماتفسير الآية الكريمة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) مع التمثيل لكلٍ من الآيات المحكمات والمتشابهات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) قسم الله ﵎ القرآن الكريم إلى قسمين محكم ومتشابه والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها هذا محكم لأنه لا اشتباه في معناه وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط لكن كيف الإقامة هذا يعرف من دليل آخر والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه فيبقى في حيرةٍ من أمره وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه ومن أمثلة المتشابه قول الله ﵎ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) فيأتي الإنسان ويقول هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) فيضرب الآيات بعضها ببعض ليوقع الناس في حيرة لكن الراسخين في العلم يقولون كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله ويقولون إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة فتتغير الأحوال وتتبدل فتنزل هذه على حال وهذه على حال. ***
المستمعة رمزت لاسمها ف. ق. ط. من مدينة جدة المملكة العربية السعودية تقول في رسالتها ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية في سورة آل عمران وقد بين الله ﷾ أنه أنزل الكتاب على نبيه ﷺ وجعله على نوعين فقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فجعله ﷾ على قسمين أو على نوعين نوع محكم واضح المعنى لا اختلاف فيه ولا احتمال وهذا هو (أُمُّ الْكِتَابِ) أي مرجع الكتاب الذي يرجع إليه بحيث يحمل المتشابه على المحكم ليكون جميعه محكمًا، (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) وإنما أنزله الله تعالى كذلك امتحانًا للعباد حيث يعلم ﷾ من يريد الفتنة وصد الناس عن دينهم والتشكيك في كتاب الله ومن كان مؤمنًا خالصًا يعلم أن القرآن كله من الله وأنه لا تناقض فيه ولا اختلاف يقول الله تعالى (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي متشابهات في المعنى ليست صريحة واضحة بل تحتاج إلى تأمل ونظر وحمل لها على ما كان واضحًا بينًاَ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق واتباع للهوى (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي يتابعونه ويتتبعونه حتى يجعلوا ذلك وسيلة إلى الطعن في كتاب الله ﷿ ولهذا قال (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) يعني صد الناس عن دينهم كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) يعني إن الذين صدوا المؤمنين عن دينهم وفتنوهم (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أي طلب تحريف القرآن وتغييره عن مكانه وعن ما أراد الله به يقول الله ﷿ (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والتأويل هنا اختلف فيه أهل العلم بناء على اختلاف الطريقتين وصلًا ووقفا فإن في الآية طريقتين طريقة الوصل (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فيكون المراد بالتأويل هنا التفسير ولهذا روي عن ابن عباس ﵄ أنه (قال أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله) أي يعلمون تفسيره وكان ابن عباس ﵄ من أعلم الناس بتفسير كلام الله أما الطريقة الثانية فهي طريقة الوقف على قوله (إِلاَّ اللَّهُ) وعلى هذا فيكون المراد بالتأويل العاقبة التي يؤول إليها ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فإن حقائق هذه الأمور لا يعلمها إلا الله ﷾ وعليه فيكون الوقف على قوله (إِلاَّ اللَّهُ) وهذا هو ما ذهب إليه أكثر السلف في القراءة ويكون معنى قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أن الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه ويقولون إنه (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإذا كان كلٌ من عند الله فإنه لا يمكن أن يكون فيه تناقض أو تعارض لقول الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ثم ختم الله الآية بقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) أي ما يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا من كان ذا عقل يحجزه عن المحرمات وإتباع الشبهات والشهوات. ***
يقول السائل قال الله ﵎ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) الآية وفي آيةٍ أخرى قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهل المقصود بالبنبين في الآية الأولى والبنون في الآية الثانية الأولاد عامة أم الذكور خاصة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بـ (وَالْبَنُونَ) في هاتين الآيتين وفي غيرهما أيضًا من كلام العرب عامة المراد بهم الذكور فقط لأنه يقال بنون ويقال بنات فالبنات هم نوع من البشر والبنون هم النوع الآخر من البشر فهما نوعان من البشر قال الله تعالى (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ) ومن المعلوم أن تعلق الإنسان بالبنين أكثر من تعلقه بالبنات ومع هذا فإنه يجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده الذكور والإناث كما قال النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه يجب على الإنسان في عطية أولاده أن يعدل بينهم فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر مائة ريالٍ مثلًا فليعط الأنثى خمسين ريالًا هذا بالنسبة للعطايا التي هي تبرع محض وأما النفقات فالعدل فيها أن ينفق على كل واحدٍ منهم بما يحتاج إليه وهذا يختلف باختلاف حال الولد فإذا كان لديك أولادٌ قد بلغوا سن الزواج واحتاجوا إليه وجب عليك أن تزوجهم إذا كان لديك قدرةٌ على ذلك ولا تعطِ الآخرين الذين لم يبلغوا سن الزواج مثلما أعطيت هؤلاء في الزواج لأن هذا من باب دفع الحاجة وكذلك لو مرض أحد الأبناء واحتاج إلى علاج وأنفقت عليه في علاجه فإنه لا يلزمك أن تعطي الآخرين مثلما أنفقت على هذا المريض لأن هذا من باب دفع الحاجة فالمهم أن الواجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده في عطية التبرع وأما ما يراد به دفع الحاجة فإن كل واحدٍ منهم تعطيه ما يحتاج إليه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن هؤلاء استهموا أيهم يكفل مريم واستهموا بالأقلام والكيفية لا أعرفها فهم استهموا على كيفية معينة أيهم غلب تكون عنده مريم. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الملأ الذين كفروا بعيسى بن مريم ﵇ من بني إسرائيل أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه فحضروا إليه فألقى الله تعالى شبهه على رجل منهم ورفع عيسى إليه إلى السماء فقتلوا هذا الرجل الذي ألقي شبه عيسى عليه وصلبوه وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وقد أبطل الله دعواهم تلك في قوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم حين جاؤوا إلى عيسى بن مريم ﵊ ليقتلوه فألقى الله شبهه على رجل منهم فقتلوه وصلبوه وظنوا أنهم أدركوا مرامهم فهذا من مكر الله تعالى بهم والمكر هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر وهو أعني المكر صفة مدح إذا كان واقعًا موقعه وفي محله ولهذا يذكره الله ﷿ واصفًا نفسه به في مقابلة من يمكرون بالله وبرسله فهنا قال (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فالمكر صفة مدح في محله لأنه يدل على القوة وعلى العظمة وعلى الإحاطة بالخصم وعلى ضعف الخصم وعدم إدراكه ما يريده به خصمه بخلاف الخيانة فإن الخيانة صفة ذم مطلقا ولهذا لم يصف الله بها نفسه حتى في مقابلة من خانوا رسول الله ﷺ أو أرادوا خيانته وانظر إلى قول الله تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) ولم يقل فقد خانوا الله فخانهم بل قال (فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) وعلى هذا فلو قال قائل هل يصح أن يوصف الله بالمكر فالجواب أن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق لا يجوز وأما وصف الله بالمكر في موضعه في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسله فإن هذا جائز لأنه في هذه الحال يكون صفة كمال وبهذا يعلم أن ما يمكن من الصفات بالنسبة إلى الله ﷿ على ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز أن يوصف الله به مطلقا كصفات النقص والعيب مثل العجز والتعب والجهل والنسيان وما أشبهها فهذا لا يوصف الله به بكل حال وقسم يوصف الله به بكل حال وهو ما كان صفة كمال مطلقًا ومع ذلك فإنه لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه والقسم الثالث من الصفات ما يوصف الله به في حال دون حال وهو ما كان كمالًا في حال دون حال فيوصف الله به حين يكون كمالًا ولا يوصف الله به حين يكون نقصًا وذلك مثل المكر والكيد والخداع والاستهزاء وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى في هذه الآية الكريمة مبينًا حال رسول الله ﷺ إنه ﵊ رسول قد خلت من قبله الرسل أي مضت من قبله الرسل فبلغوا الرسالة ثم كان مآلهم إلى الفناء لأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام قد خلت من قبله الرسل ومضت في إبلاغ دعوتها إلى الله ﷿ ثم ماتوا كسائر البشر ثم ينكر الله ﷿ على من تغيرت حاله لو مات النبي ﷺ أو قتل فيقول (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) أي ارتددتم عن الإسلام إلى الكفر إلى الوراء بعد أن تقدمتم إلى الإسلام ومن ينقلب على عقبيه فيكفر بعد ردته فإنه لن يضر الله شيئًا لأن الله ﷾ غني عن عباده ولم يأمرهم ﷾ بعبادته إلا لمصلحتهم لا لمصلحته هو أو لمنفعته فإنهم لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) فمن ينقلب على عقبيه بعد إسلامه فإنه لن يضر الله شيئًا وإنما يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين أي القائمين بطاعته أي الذين قاموا بحقيقة الشكر لأن حقيقة الشكر القيام بطاعة المنعم حيث ما تعلقت بالقلب أو باللسان أو بالجوارح وهذه الآية نزلت حين صاح الشيطان في المسلمين في غزوة أحد أن النبي ﷺ قتل فضعفت نفوس بعض المسلمين من أجل هذه الشائعة الكاذبة الخاطئة فأنزل الله تعالى هذه الآية إشارة إلى أنه يجب على المسلمين وإن مات نبيهم أو قتل أن يذودوا عن شريعته وعن سنته في حياته وبعد مماته وفي هذه الآية دليل على أن الكفر هو التأخر والرجعية والانقلاب على العقب وأما الإسلام فإنه التقدم والمضي إلى الإمام فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه ويشهد لهذا قوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبهذا عرف سبب نزول هذه الآية الكريمة وعرف المراد بها وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا منتصرين لدينهم سواء كان ذلك في حياة نبيهم أو بعد مماته صلوات الله وسلامه عليه. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) والسؤال ما الفرق بين القلب والصدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه لا فرق بينهما لكن القرآن الكريم جاء على أوسع ما يكون من البلاغة فيعبر عن المعنى الواحد بألفاظٍ مختلفة حسب ما تقتضيه البلاغة في اللغة العربية لأن القرآن كما قال الله ﷿ نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . ***
سورة النساء
السائلة التي رمزت لاسمها بـ م ص هـ من الرياض تقول ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وما علاقة اليتامى بالنساء في هذه الآية وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت حين كان الناس لا يعدلون في النساء اليتامى بل يحبس الرجل اليتيمة إما لابنه إن كانت لا تحل له وإما لنفسه إن كانت تحل له ولا يزوجها من يخطبها من الأكفاء فقال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) أي إن خفتم عدم العدل في اليتامى فالنساء سواهن كثير (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) وبهذا عرفنا صلة آخر الآية بأولها. ***
يقول السائل مامعنى هاتين الآيتين الكريمتين (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) والآية الثانية (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى فمعناها أن لا تعقدوا النكاح على من عقد عليها النكاح آباؤكم من الأب أب الصلب أو الأجداد الذين فوقه سواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب فلا يجوز للرجل أن يتزوج من عقد عليها أبوه أو جده سواء كان جده من قبل الأب أو من قبل الأم وقوله تعالى (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف في الجاهلية من هذا الفعل فإنه معفو عنه وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فمعناه أن الله حرم أن نجمع بين الأختين من نسب أو رضاع (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف لكم في الجاهلية فلا حرج عليكم فيه والجمع بين الأختين محرم فان تزوجهما في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتي فكلا العقدين باطل وان سبق أحدهما الآخر فالسابق هو الصحيح فلو زوج ابنته رجلا في أول النهار ثم زَوَّجَهُ أختها في آخر النهار مع بقاء الأولى فنكاح الثانية باطل وكذلك لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها فهؤلاء ثلاث لا يجمع بينهن الأختان والعمة وبنت أخيها والخالة وبنت أختها وما عدا ذلك من الأقارب فإنه يجوز الجمع بينهن فيجوز الجمع بين ابنتي العم وبين ابنتي الخالة لكن لا ينبغي أن يجمع بين القريبات لان ذلك قد يفضي إلى قطيعة الرحم بينهما إذ إن المعروف عادة أن الضرة تغار من ضرتها ويحصل بينهما عداوة وبغضاء. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في سورة النساء (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) إلى قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية الكريمة بين الله ﷿ المحرمات في النكاح وأسباب التحريم يعود في هاتين الآيتين إلى ثلاثة أشياء النسب والرضاع والمصاهرة فقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يفيد أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج من تزوجها أبوه أو جده وإن علا سواء كان الجد من قبل الأم أو من قبل الأب وسواء دخل بالمرأة أم لم يدخل بها فإذا عقد الرجل على امرأة عقدًا صحيحًا حرمت على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا وفي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) بيان ما يحرم بالنسب وهنّ سبع: الأمهات وإن علونّ من الجدات من قبل الأب أو من قبل الأم والبنات وإن نزلن من بنات الابن وبنات البنات وإن نزلن (وَأَخَوَاتُكُمْ) سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم (وَعَمَّاتُكُمْ) وهن أخوات الآباء والأجداد وإن علون سواء كن عمات شقيقات أو عمات لأب أو عمات لأم فالعمات الشقيقات أخوات لأبيك من أمه وأبيه والعمات لأب أخواته من أبيه والعمات لأم أخواته من أمه والخالات هن أخوات الأم والجدة وإن علت سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم فالخالات الشقيقات أخوات أمك من أمها وأبيها والخالات لأب أخواتها من أبيها والخالات لأم أخواتها من أمها واعلم أن كل خالة لشخص أو كل عمة لشخص فهي عمة له ولمن تفرع منه وخالة له ولمن تفرع منه فعمة أبيك عمة لك وخالة أبيك خالة لك وكذلك عمة أمك عمة لك وخالة أمك خالة لك (وَبَنَاتُ الأَخِ) وإن نزلنّ سواء كان الأخ شقيقًا أو لأب أو لأم فبنت أخيك الشقيق أو لأب أو لأم حرام عليك وبنت بنتها حرام عليك وبنت ابنها حرام عليك وإن نزلن وكذلك نقول في بنات الأخت هؤلاء سبع من النسب (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) وإن شيءت حصرها فقل يحرم على الإنسان من النساء الأصول وإن علون والفروع وإن نزلن وفروع الأب والأم وإن نزلن وفروع الجد والجدة من صلبهم خاصة وفي قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) إشارة إلى ما يحرم بالرضاعة وقد قال النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فما يحرم من النسب يحرم نظيره من الرضاع وهنّ الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فنظير هؤلاء من الرضاع محرم لقول النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فهؤلاء الثلاث محرمات بالصهر فقوله (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) يعني أنه يحرم على الرجل أم زوجته وجدتها وإن علت سواء من قبل الأب أم من قبل الأم وتحرم عليه بمجرد العقد فإذا عقد الرجل على امرأة حرمت عليه أمها وصار من محارمها وإن لم يدخل بها يعني وإن لم يدخل بالبنت فلو قدر أنها ماتت البنت أو طلقها فإن أمها تكون محرمًا له ولو قدر أنه تأخر دخوله بهذه المرأة التي تزوجها فإن أمها تكون محرمًا له تكشف له ويسافر بها ويخلو بها ولا حرج عليه لأن أم الزوجة وجداتها يحرمن بمجرد العقد لعموم قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وقوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) المراد بذلك بنات الزوجة وبنات أولادها وإن نزلن فمتى تزوج الإنسان امرأة فإن بناتها من غيره حرام عليه ومن محارمه وكذلك بنات أولادها من ذكور وإناث أي إناث الأولاد سواء كان الأولاد ذكورًا أم إناثًا فبنت ابنها وبنت بنتها كبنتها ولكن الله ﷿ اشترط هنا شرطين قال (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فاشترط في تحريم الربيبة أن تكون في حجر الإنسان واشترط شرطًا آخر أن يكون دخل بأمها أي جامعها أما الشرط الأول فهو عند جمهور أهل العلم شرط أغلبي لا مفهوم له ولهذا قالوا إن بنت الزوجة المدخول بها حرام على زوجها الذي دخل بها وإن لم تكن في حجره وأما الشرط الثاني وهو قوله تعالى (اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فهو شرط مقصود ولهذا ذكر الله تعالى مفهومه ولم يذكر مفهوم قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) فدل هذا على أن قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) لا يعتبر مفهومه أما من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقد اعتبر الله مفهومه فقال (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) وأما قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فالمراد بذلك زوجة الابن وإن نزل حرام على أبيه بمجرد العقد وزوجة ابن الابن حرام على جده بمجرد العقد ولهذا لو عقد شخص على امرأة عقدًا صحيحًا ثم طلقها في الحال كانت محرمًا لأبيه وجده وإن علا لعموم قوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) والمرأة تكون حليلة لزوجها بمجرد العقد فهذه ثلاثة أسباب توجب التحريم النسب والرضاع والمصاهرة فالمحرمات بالنسب سبع والمحرمات بالرضاع نظير المحرمات بالنسب لقول النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والمحرمات بالصهر أربع قوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ) والرابعة قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فهذا التحريم ليس تحريمًا مؤبدًا لأن التحريم هو الجمع فليست أخت الزوجة محرمة على الزوج ولكن المحرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها ولهذا قال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) ولم يقل وأخوات نسائكم فإذا فارق الرجل امرأته فرقة بائنة بأن تمت العدة فله أن يتزوج أختها لأن المحرم الجمع وكما يحرم الجمع بين الأختين فإنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها كما ثبت ذلك في الحديث عن رسول الله ﷺ فاللاتي يحرم الجمع بينهن ثلاث الأختان والمرأة وعمتها والمرأة وخالتها وأما بنات العم وبنات الخال يعني أن تكون امرأة بنت عم لأخرى أو بنت خال لأخرى فإنه يجوز الجمع بينهما. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخاطب الله تعالى المؤمنين بوصف الإيمان فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وخاطبهم بهذا الوصف لحثهم على تلقي ما يأتي إليهم من أوامر أو نواه ولهذا يروى عن ابن مسعود ﵁ أنه قال إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين أمنوا فأرع لها سمعك فإما خيرًا تؤمر به وإما شرًا تنهى عنه، فينادي الله ﷾ عباده المؤمنين ويقول لهم (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وهذا قبل تحريم الخمر فقد كان الناس في أول الأمر يشربون الخمر ثم حرمت، وكان الرجل يشرب الخمر ثم يصلى فيأتي يما يأتي به السكران من أقوال لا تحل في الصلاة أو أفعال فنهاهم أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، ونهاهم أيضًا أن يقربوا الصلاة وهم جنب إلا عابري سبيل وهذه الآية تنطبق تمامًا على المسجد لأنه محل الصلاة فلا يحل للمرء أن يبقى في المسجد ويمكث فيه وهو جنب إلا أن يكون عابر سبيل أي إلا إذا كان مارًا بالمسجد فإن ذلك لا بأس به مثل أن يدخل المسجد وهو على جنابة ليأخذ كتابًا له في المسجد أو ليعبر من باب إلى باب أو ما أشبه ذلك، ورخص كثير من أهل العلم للجنب إذا توضأ أن يمكث في المسجد، وقوله تعالى حتى تغتسلوا أي غسل الجنابة وهو معروف، (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) يعني إذا كان الإنسان مريضًا ولم يتمكن من الغسل، أو كان مسافرًا ولم يجد ماءً فإنه يتيمم أي يقصد أرضًا طيبة طاهرة فيضرب يديه عليها ويمسح بهما وجهه وكفيه وبذلك تتم طهارته، ويصلى بهذا التيمم كما يصلى بطهارة الماء تماما، حتى يجد الماء فإذا وجد الماء عاد فتطهر به. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في آية القتل الخطأ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) أرشدونا كيف تصوم المرأة هذه الأيام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ليت هذه المرأة لم تمثل بالقتل لأنه يمكن أن يلزم المرأة صيام شهرين متتابعين في غير القتل ولكن قد يكون من المرأة قتل خطأ فيما لو كان صبيها إلى جنبها في الفراش ثم انقلبت عليه وهي نائمة فقتلته ففي هذه الحال يجب عليها الكفارة لله ﷿ ويجب على عاقلتها الدية لورثة هذا الطفل لقول الله ﵎ (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) والمرأة إذا لزمها صيام شهرين متتابعين وحاضت فإنها تفطر في حال الحيض ثم إذا طهرت تستمر في الصيام ولا يبطل صيامها الأول فمثلا إذا حاضت في الشهر الأول سبعة أيام وفي الشهر الثاني سبعة أيام لزمها أن تضيف إلى الشهرين اللذين تخللهما الحيض أربعة عشر يوما ليتم صوم الشهرين المتتابعين وكذلك يقال في كفارة اليمين لو أن المرأة لزمتها كفارة يمين ولم تجد كفارة الإطعام إطعام عشرة مساكين أو الكسوة أو تحرير الرقبة فإنها يلزمها أن تصوم ثلاثة أيام متتابعة فإذا صامت أول يوم ثم حاضت فإنها تفطر وإذا طهرت صامت يومين فقط بناءً على اليوم الأول وهكذا يقال في من انقطع تتابعه لعذر آخر كمرض أو سفر فإنه إذا زال عذره يبني على ما سبق. ***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) إلى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) ويقول الله تعالى في سورة المائدة (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يقول السائل ما معنى هاتين الآيتين عن النبي عيسى بن مريم وهل توفاه الله تعالى أو ما زال حيًا وإذا كان حيًا فما معنى قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات في عيسى بن مريم يبين الله تعالى فيها كذب دعوى اليهود في قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله فإن اليهود ادَّعوا ذلك ولكن الله أكذبهم بقوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي أن الله ألقى شبهه على رجل كان هناك فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وادعوا أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم وصلبوه ولكن الله تعالى كذبهم ثم قال مؤكدًا ذلك (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) فعيسى بن مريم لم يقتل ولم يمت بل رفعه إليه الله ﷾ حيًا على القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه رفع حيًا أما أن اليهود لم يقتلوه فإنه نص القرآن ومن ادعى أنهم قتلوه فقد كذب القرآن ومن كذب القرآن فهو كافر بالله ﷿ فإن الله يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) أي قولًا متيقنًا أنهم لم يقتلوا المسيح عيسى بن مريم يبقى النظر في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) وقوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) وما أشبه ذلك فكيف يجمع بين هذه الآيات والجواب أن الجمع بينها هو أن المراد بالوفاة في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) إما القبض، قبض الشيء يسمى توفيًا ومنه قولهم توفى حقه أي قبضه وافيًا كاملًا وإما أن يراد بالوفاة النوم فإن النوم يسمى وفاة كما قال الله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى) ويكون معنى ذلك أن الله تعالى ألقى عليه النوم ثم رفعه من الأرض نائمًا وليس المراد بالوفاة وفاة الموت لأن عيسى ﵊ لم يكن قد مات الآن وسينزل في آخر الزمان ينزل إلى الأرض فيحكم بين الناس بشريعة النبي ﷺ ولا يقبل الجزية ولا يقبل إلا الإسلام وبهذا تبين أنه لا منافاة بين قوله (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وبين قوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) . فضيلة الشيخ: يعني نزول النبي ﵇ عيسى إلى الأرض وحكمه بشريعة الإسلام هل من كان غير مؤمن بشريعة الإسلام قبل نزول عيسى ﵇ ثم آمن به بعد نزوله هل يعد هذا مؤمنًا حقيقيًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعد مؤمنًا حقيقة. فضيلة الشيخ: يعني لا تنتهي التوبة إلى هذا الوقت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما تنتهي التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. ***
يقول السائل في قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) هل تفهم الآية على ظاهرها أم أن هناك معنى آخر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفهم هذه الآية وغيرها من الآيات على ظاهرها اللائق بالله ﷿ فمن هذه الآية نفهم أن الله ﷾ كلم موسى وقد بين في آية أخرى أنه كلمه بصوت مسموع فقال (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) والنداء يكون بالصوت العالي من بعيد والمناجاة بالصوت الخفي القريب ومن هنا نعلم أن الله ﷾ يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة ولكن يجب أن نعلم بأن كلام الله ﷾ لا يشبه كلام الآدميين بأصواتهم لأن الله يقول في محكم كتابه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ويقول بصيغة الاستفهام المشعر بالتحدي والنفي (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) يعني ليس له شبيه ولا نظير ولا أحد يساويه في جميع صفات الكمال وهذه القاعدة أعني الأخذ بظاهر القرآن هي الواجبة لأن الله تعالى خاطبنا بالقرآن وقال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آيتان من كتاب الله بين الله ﷾ أنه أنزل القرآن وجعله باللسان العربي من أجل أن نفهمه ونعقل معناه وعلى هذا فيجب علينا الإيمان بظاهره حسب ما يقتضيه اللسان العربي إلا أن يكون هناك دليل شرعي يوجب صرفه عن مقتضى اللغة إلى مقتضى الشرع فإنه يجب اتباع ما دل عليه الشرع في ذلك وما حصل الضلال بالتأويلات البعيدة إلا بسبب تحكيم الناس عقولهم فيما يجب لله وما يجب عليه وما يمتنع عليه فحصل بذلك من تأويل نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته ما هو معلوم وما هو متضمن للخروج عما كان عليه السلف الصالح ﵃ في إجراء كلام الله ﷾ على ظاهره وحقيقته على الوجه الذي يليق به من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف. ***
سورة المائدة
سوداني ومقيم بعرعر ع. ع. يقول أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية من سورة المائدة في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) والمحرِّم هو الله ﷿ وليس التحريم عائدًا إلينا ولا التحليل عائدًا إلينا ولا الحكم بالكفر عائدًا إلينا ولا الحكم بالإيمان عائدًا إلينا كل ذلك إلى الله ﷿ وحده يقول (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) وإنما بني الفعل لما لم يسمَّ فاعله لأنه معلوم كما في قوله تعالى (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ومن المعلوم أن الخالق هو الله ﷿ فهنا (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) ومن المعلوم أن المحرم هو الله ﷿ والميتة كل ما لم يذك ذكاةً شرعية بأن مات حتف أنفه أو ذبح على غير الطريقة الإسلامية فهو ميتة ويستثنى من ذلك الجراد فميتته حلال وكذلك السمك على جميع أنواعه فإنه حلال قال الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) وقال النبي ﷺ فيما يروى عنه (أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال) وقوله الدم يريد بذلك الدم المسفوح كما قيدته الآية الثانية (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) وأما الدم الذي يبقى في العرق بعد التذكية فإنه حلالٌ طاهر حتى لو ظهرت حمرته في الإناء فإنه حلالٌ طاهر لأنه ليس الدم المسفوح (لَحْمَ خِنزِيرٍ) وهو حيوانٌ معروفٌ خبيث معروفٌ بأكل العذرة أي أكل الغائط وفيه أيضًا دودة شريطية مؤثرة الرابع ما أهل لغير الله به أي ما سمي عليه غير اسم الله بأن يقال باسم المسيح باسم موسى باسم محمد باسم جبريل وما أشبه ذلك هذا أيضًا محرم لا يحل أكله (وَالْمُنْخَنِقَةُ) التي انخنقت إما بشد الحبل على رقبتها حتى ماتت أو بإغلاق الحجرة عليها وتسليط الدخان أو ما أشبهه عليها (وَالْمَوْقُوذَةُ) وهي المضروبة بعصا ونحوه حتى تموت (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) وهي التي تتردى من جبل من فوق أو من جدار أو ما أشبه ذلك فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) وهي التي ناطحت أخرى من البهائم فماتت (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما أكله الذئب أو نحوه (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) قوله (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) مستثنى من قوله (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) فهذه لا شيء إذا أدركتها حية وذكيتها فهي حلال (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) أي ما ذبح على الأصنام أي ذبح لصنم ولو ذكر اسم الله عليه فإنه حرام هذا معنى الآية الكريمة. ***
يقول السائل في الآية الكريمة من سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ما علاقة ذلك بالدم الذي ينقل من شخصٍ إلى آخر وهل هناك إثمٌ في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كانوا في الجاهلية يأكلون الدم إذا كان الإنسان مسافرًا وجاع جوعًا ليس فيه اضطرار فصد عرق ناقته وشرب منه فبين الله ﷾ أنه حرم علينا هذا لأنه رجس نجس ولكن هل يشمل ذلك نقل دم من شخصٍ لآخر ظاهر الآية الكريمة العموم وعليه فلا يجوز أن ينقل دم من شخص إلى آخر إلا إذا اضطر المريض إلى الدم فإنه ينقل إليه بشرط أن يكون المنقول منه لا يتضرر بسحب الدم منه فإن كان يتضرر فإنه لا يجوز أن نسحبه منه فنقل الدم من شخصٍ لآخر يجوز بشرطين: الشرط الأول اضطرار المنقول إليه. الشرط الثاني انتفاء الضرر عن المنقول عنه. ونزيد شرطًا ثالثًا وهو أن ينتفع المنقول إليه بهذا الدم أما إذا كان لا ينتفع فلا فائدة من نقله إليه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن ابني آدم لصلبه على رأي أكثر المفسرين قرَّبا قربانا إلى الله ﷿ فتقبل الله تعالى قربان واحد منهما ولم يتقبل قربان الآخر والذي لم يتقبل منه حسد أخاه كيف يتقبل من أخيه ولم يتقبل منه فهدده بالقتل قال لأقتلنك حسدا وبغيا فقال له أخوه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) فكأنه يقول لو اتقيت الله لقبل منك ثم بين له أخوه أنه لن يبسط يده إليه ليقتله قال (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وفي النهاية طوعت له نفسه قتل أخيه فقتل أخاه فأصبح من الخاسرين وقلق ماذا يصنع بهذه الجنازة فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يحرثها بمنقاره أو بأظفاره من أجل أن يريه كيف يدفن أخاه فقال (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ) . وأما ما ذكر في الإسرائيليات من أن آدم ﵊ يأتيه بنتان في بطن وابنان في بطن وأن ابن هذا البطن يأخذ بنت البطن الآخر وما أشبه ذلك من الإسرائيليات فهذا لا أصل له يعني في الإسرائيليات يقول أن آدم يأتيه ذكر وأنثى في بطن وذكر وأنثى في بطن فالذكر الذي في البطن الأول يأخذ الأنثى التي في البطن الثاني والذكر الذي في البطن الثاني يأخذ الأنثى التي في البطن الأول هكذا قيل في الإسرائيليات فهذا لا أصل له. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وهل إذا تسبب شخص بموت شخص آخر ثم تسبب بإحياء شخص آخر كانت مثل هذه الكفارة لتلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) أي من كان سببا في رفع قتل الظلم عن شخص مظلوم كان كمن أحيا الناس جميعا ومن قتلها بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا هذا ما كتبه الله على بني إسرائيل كما قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ومن قتل نفسا بغير حق ثم أحيا نفسا أخرى غير مستحقة للقتل فإن الثانية لا تكون كفارة للأولى من حيث ما يجب في كفارة القتل أما من جهة الثواب فأمره إلى الله ﷿. ***
علي المغربي من جمهورية مصر العربية يقول أريد تفسيرًا لهذه الآية الكريمة قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبين الله تعالى في هذه الآية أن الإنسان الذي لا يحكم بما أنزل الله فإنه يكون كافرًا وذلك لأنه أعرض عن كتاب الله وعما أنزله على رسله إلى حكم طاغوت مخالف لشريعة الله ولكن هذا حسب النصوص مقيد بما إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله يعتقد أن الحكم أفضل من حكم الله ﷿ وأنفع للعباد وأولى بهم وأن حكم الله غير صالح بأن يحكم به بين العباد فإذا كان على هذا الوجه صار كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة أما إذا حكم بغير ما حكم الله اتباعًا لهواه أو قصدًا للإضرار بالمحكوم عليه أو محاباةً للمحكوم له ونحو ذلك فإنه فإن كفره يكون كفرًا دون كفر ولا يخرج بذلك من الملة لأنه لم يستبدل بحكم الله غيره زهدًا في حكم الله ورغبةً عنه واعتقادًا أن غيره أصلح وإنما فعل هذا لأمرٍ في نفسه إما لمحاباة قريب أو لمضارة عدو أو ما أشبه ذلك المهم أن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل. ***
ما معنى قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) ومن هم الذين قالوا ذلك يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذين قالوا ذلك هم النصارى قالوا إن الله ثالث ثلاثة، الله والمسيح بن مريم وأمه فكفَّرهم الله تعالى بذلك لأنهم جعلوا مع الله شريكًا والله سبحانه تعالى إله واحد كما قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . ***
ما معنى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعجبني مثل هذا السؤال أعني السؤال عن آيات الله ﷿ وذلك لأن القرآن الكريم لم ينزل لمجرد التعبد بتلاوته بل نزل للتعبد بتلاوته وتدبر آياته وتفكر معانيه وللعمل به واسمع إلى قول الله ﷿ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فيعجبني ويسرني أن يعتني المسلمون بكتاب الله ﷿ حفظًا وفهمًا وعملًا وأنا أشكر الأخ السائل على هذا وأمثاله فنقول في جوابه قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) هذه الآية نزلت مخاطبًا الله بها من كانوا في عهد النبوة الذي هو عهد التحليل والتحريم والإيجاب والحل فإنه ربما يسأل الإنسان في عهد النبوة عن شيء لم يحرم فيحرم لمسألته أو عن شيء ليس بواجب فيوجب من أجل مسألته فلهذا قال الله ﷿ تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) أما بعد وفاة النبي ﷺ فليسأل الإنسان عن كل ما أشكل عليه بشرط أن لا يكون هذا من التعمق في دين الله ﷿ فإن كان من التعمق والتنطع فإنه منهيٌ عنه لأن التعمق والتنطع لا يزيد الإنسان إلا شدة فلو أراد الإنسان أن يسأل عن تفاصيل ما جاء عن اليوم الآخر من الحساب والعقاب وغير ذلك وقال كيف يعاقب الإنسان هل هو قائم أو قاعد وما أشبه ذلك من الأسئلة التي ليست محمودة فهنا لا يسأل أما شيء مفيد ويريد أن يستفيد منه فليسأل عنه ولا ينهى عن السؤال. ***
يقول السائل مامعنى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ أمر المؤمنين بأن يعتنوا بأنفسهم ويقوموا بما أوجب الله عليهم وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنه لا يضرهم من ضل ومما يلزمهم أي المؤمنين أن يدعوا إلى الله وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فإذا دعوا إلى الله أو أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر ولم يجبهم أحد إلى ذلك فإن ذلك لا يضرهم لأن هؤلاء الذين دعوا أو أمروا أو نهوا إذا ضلوا فإنما يضلون على أنفسهم كما قال الله تعالى (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) . ***
في القرآن الكريم مراجعة بين الله ﷾ وعيسى بن مريم عندما سأله جل شأنه (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية هل هذه المراجعة حدثت في الدنيا قبل رفعه أم ستحدث يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر سياق الآيات أن هذه المراجعة يوم القيامة كما ستسمع (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ) الخ فقوله تعالى (هذا يوم يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) يدل على أن هذهالمراجعة التي كانت بين الله وبين عيسى بن مريم كانت في الآخرة. ***
الأنعام
من العراق محافظة نينوى المستمع يوسف جندي إبراهيم يقول ما تفسير الآية الكريمة (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) والآية الأخرى (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الأولى أن الله ﷾ يخبر عنه نفسه بأنه رب المشرقين ورب المغربين والمراد بهما مشرقا الصيف والشتاء مشرق الصيف حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الشمال ومشرق الشتاء حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الجنوب ونص الله على ذلك لما في اختلافهما من المصالح العظيمة للخلق ولما في اختلافهما من الدلالة الواضحة على تمام قدرة الله ﷾ وكمال رحمته وحكمته إذ لا أحد يقدر على أن يصرف الشمس من مشرق إلى مشرق ومن مغرب إلى مغرب إلا الله ﷿ ولهذا قال (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فأشار في تعقيبه هذه الآية السابقة إلى أن هذا من آلاء الله ونعمه العظيمة على عباده إذًا فالمراد بالمشرقين والمغربين مشرقا الشمس في الصيف والشتاء ومغرباها في الصيف والشتاء وقد قال الله تعالى في آية أخرى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فجمع المشرق والمغرب وقال تعالى في آية أخرى آية ثالثة (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) ولا تناقض بين هذه الآيات الكريمة فالمراد بأية التثنية ما أسلفناه والمراد بآية الجمع أن مشارق الشمس ومغاربها باعتبار مشرقها ومغربها كل يوم لأن كل يوم لها مشرق ومغرب غير مشرقها ومغربها بالأمس أو أن المراد بالمشارق والمغارب مشارق النجوم والكواكب والشمس والقمر وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فالمراد بها الناحية أي أنه مالك كل شيء ورب كل شيء سواء أكان ذلك الشيء في المشرق أو في المغرب وليعلم أن كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ لا يمكن أن يكون فيه تناقض لا فيما بينها من النصوص ولا فيما بينها وبين الواقع فإنْ توهم واهم التناقض أو التعارض فذلك إما لقصور في علمه أو نقص في فهمه أو تقصير في تدبره وتأمله وإلا فإن الحقيقة الواقعة أنه ليس بين نصوص الكتاب والسنة تناقض ولا بينها وبين الواقع أيضًا وأما قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) وهو الذي سأل عنه السائل أو هو الفقرة الثانية من سؤاله فمعناه أن هذه الشمس العظيمة التي جعلها الله تعالى سراجًا وهاجًاَ عظيم الحرارة عظيم النور هذه الشمس تجري بإذن الله ﷿ أي تسير لمستقر لها أي لغاية حددها الله ﷿ بعلمه ولهذا قال (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فهو لعزته ﵎ وقهره خلق هذه الشمس العظيمة وسخرها تجري بأمره وبمقتضى علمه وحكمته إلى حيث أراد الله ﷿ والمستقر هو مستقرها تحت العرش حيث أنها تذهب كل يوم إذا غربت وتسجد تحت العرش عرش الرحمن جل وعلا وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت وخرجت من مغربها وهذا هو ما يشير إليه قوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) فإن الناس إذا رأوها خرجت من المغرب آمنوا أجمعون ولكن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا كذلك تجري لمستقر آخر وهو منتهاها يوم القيامة الدال عليه قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الشمس تدور على الأرض وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن وهو الذي نعتقده وندين الله به حتى يأتينا دليل محسوس ظاهر يسوغ لنا أن نؤول ظاهر الآية أما ما يقال الآن بأن اختلاف الليل والنهار وطلوع الشمس وغروبها إنما هو باختلاف إنما هو بسبب دوران الأرض فإنه لا يحل لأحد أن يعدل عن ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل يكون حجة له أمام الله ﷿ يوم القيامة يسوغ له أن يصرف ظاهر القرآن والسنة إلى ما يطابق ذلك الشيء المدعى وما دمنا لم نر شيئًا محسوسًا تطمئن إليه نفوسنا ونراه مسوغًا لنا جواز صرف القرآن عن ظاهره فإن الواجب علينا معشر المؤمنين أن نؤمن بظاهر القرآن والسنة وأن لا نلتفت إلى قول أحد خالفهما كائنًا من كان وإلى الآن لم يتبين لي صحة ما ذهب إليه هؤلاء من أن اختلاف الليل والنهار في الشروق والغروب كان بسبب دوران الأرض وعليه فإن عقيدتي التي أدين الله بها أن الشمس هي التي يحصل بها اختلاف الليل والنهار وهي التي تدور على الأرض والله على كل شيء قدير ألم تر إلى قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) أو لم تر إلى قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أولم تر قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) ففي هذه الآيات المتعددة إضافة الطلوع والغروب وإضافة التزاور إلى الشمس وإضافة التواري أيضًا إلى الشمس فما بالنا نصرف هذه الأفعال المسندة إلى الشمس عن ظاهرها إلى قول لم يتبين لنا أنه واقع حسًا إن هذا لا يجوز أبدًا فيجب علينا أن نعتقد ما دل عليه ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل محسوس يستطيع الإنسان أن يواجه ربه به يوم القيامة ويقول يا رب إني رأيت الأمر المحسوس يخالف ظاهر ما خاطبتنا به وأنت أعلم وأحكم وكتابك منزه عن أن يناقض الواقع المحسوس فإذا تبين بالحس الواضح البين أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن فهمي يكون خطأ وأما ما دام الأمر هكذا مجرد أقاويل فإني أعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يخالف ظاهر الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور وخلاصة القول إن معنى قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) أن الله يخبر بأن الشمس تسير بإذن الله ﷿ في مستقر لها لغاية تنتهي إليها وهو يوم القيامة ولمستقر لها ولغاية تنتهي إليه يوميًا وهو سجودها تحت العرش كما صح ذلك عن النبي ﷺ من حديث أبي ذر الذي رواه البخاري وغيره. ***
عبد العزيز الحاج الخرطوم السودان يقول ما معنى قوله تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية وما بعدها يبين الله تعالى فيها أصناف الأنعام التي أحلها الله لنا يبين ﷾ أنها ثمانية أصناف ذكر وأنثى من الضان، وذكر وأنثى من المعز، وذكر وأنثى من الإبل، وذكر وأنثى من البقر ثم يقول ﷿ (قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ) ويرد بذلك على المشركين الذين حرموا من هذه الأصناف ما شاءوا وأباحوا ما شاءوا فقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء وتشير الآية الكريمة إلى أنه لا يحل لأحد أن يحلل أو يحرم شيئًا إلابإذن الله ﷿ فإن التحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب كله إلى الله ﷿ ليس لأحد أن يتقدم فيه بين يدي الله ورسوله (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وبهذه المناسبة أود أن أذكر المستمع بقاعدتين مهمتين دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأجمع المسلمون عليهما القاعدة الأولى أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية والقاعدة الثانية أن الأصل فيما سوى ذلك الحل والإباحة حتى يقوم دليل على المنع دليل القاعدة الأولى قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وقول النبي ﷺ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ودليل الثانية قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) وقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) وقول النبي ﷺ (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودًا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها) وقال ﷺ (ما سكت عنه فهو عفو) وعلى هذا فكل من تعبد لله تعالى بشيء من الأقوال أو الأفعال أو العقائد ولم يكن له دليل من كتاب أو سنة فإنه تعبده هذا مردود عليه بل هو آثم به قال النبي ﷺ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وكل من حرم شيئًا سوى العبادات فإننا نقول له هات الدليل على ما قلت وإلا فقد قلت ما ليس لك به علم. ***
أحمد سعيد سالمين من مكة المكرمة يقول ما معنى قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله يخبر بأنه حرم على الذين هادوا وهم اليهود حرم عليهم كل ذي ظفر من البهائم وذو الظفر قال أهل العلم هو الذي ليس فيه شق في يديه ولا في رجليه يكون يداه ورجلاه طبقة واحدة بمعنى أنه يكون كخف بعير مثلا غير مشقوق لأن الأرجل في البهائم منها ما هو مشقوق كالماعز والبقر ومنها ما هو غير مشقوق كالإبل فحرم عليهم كل ذي ظفر وحرم عليهم من البقر والغنم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم فإنه حلال لهم وبين الله ﷾ أن هذا التحريم إنما هو ببغيهم وعدوانهم وأنهم لما بغوا واعتدوا حرم عليهم بعض الطيبات كما قال تعالى في آية أخرى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) وهو نوع من العقاب (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وهنا الضمير يعود إلى الله ﷿ وأن ما جاء في الذم للتعظيم وهو ﷾ أصدق القائلين وأعدل الحاكمين ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة أن الإنسان بمعصيته لربه وببغيه قد يحرم بعض الطيبات إما شرعا كما حصل لليهود وإما قدرا فإن الإنسان قد يصاب بآفات تمنعه من تناول بعض الطيبات بسبب عدوانه وبغيه وكذلك أيضا قد يحدث الله تعالى الجدب والقحط وقلة الثمار بسبب المعاصي والذنوب فرزق الله ﷿ والطيبات التي أحلها للعباد إذا بغوا واعتدوا فقد يحرمونها إما شرعا وإما كونا وقدرا لكن لو أن الناس فعلوا ما أمر به الله ورسوله وقاموا بطاعة ربهم فإن الله يقول (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) نسأل الله تعالى أن يحقق للمسلمين الإيمان والتقوى. فضيلة الشيخ: هذا التحريم هل هو خاص باليهود فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم خاص باليهود لقوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا) لم ينسخ هذا إلى يوم القيامة. لكن الشريعة كلها شريعة اليهود وشريعة النصارى وكل الشرائع نسخت بشريعة النبي ﷺ ولكن ما داموا متمسكين بدينهم وهم معتقدون أنهم على دينهم فإن هذا محرم عليهم. ***
عبده حسن من اليمن يقول في الآية الكريمة في سورة الأنعام (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي سورة الإسراء (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ماذا يفيد الاختلاف في هذا الترتيب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاختلاف في هذا التعبير مبنيٌ على اختلاف الحالين ففي آية الأنعام يقول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) يعين من فقر يعني إذا كنتم فقراء فلا تقتلوا أولادكم ثم قال (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فبدأ بالآباء لأنهم فقراء فبدأ بذكر رزقهم قبل ذكر رزق الأولاد المقتولين أما في الآية الأخرى آية الإسراء (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خشية إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) فلأن الآباء القاتلين هنا ليسوا فقراء بل هم أغنياء لكن يخشون الفقر فكان الأنسب أن يبدأ بذكر رزق الأولاد قبل ذكر رزق الآباء لأن الآباء رزقهم موجود فقال (نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) . ***
سورة الأعراف
مَن هم هؤلاء القوم الذين أرسل الله عليهم هذا العقاب المذكور في هذه الآية (فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء فرعون وقومه أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم أما الطوفان فهو الماء الذي يغرق زروعهم وأما الجراد فهو معروف يرسله الله تعالى فيأكل الزرع وهو أخضر وأما القمل فإنه دودة تأكل الحب بعد أن يدخر وأما الدم فالصواب فيه أنه نزيف يخرج من أبدانهم وأما الضفادع فإنها ذلك الحيوان المشهور المعروف يفسد عليهم المياه فيكون الله تعالى قد أصابهم بطعامهم وشرابهم بل حتى بمادة حياتهم وهي الدم وهذا والعياذ بالله من العقوبات التي تصيبهم بل التي أصابتهم حتى لجؤُوا إلى موسى ﵊ وطلبوا منه أن يسأل الله تعالى أن يرفع ذلك عنهم. ***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول ما الحكمة من أن الله ﷾ لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله ﷾ حاكم على عباده شرعًا وقدرًا وهو ﷾ ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله ﷾ أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلم منه ومن الحكم ما لا نعلم منها شيئًا لأن الله تعالى يقول (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) ولما سئلت عائشة ﵂ عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة (قالت كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله ﷿ والرضا بأحكامه ثم نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله ﷾ لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) هذا إبطال هذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله ﷿ وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم به أو لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد ﷺ لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله ﷾ ويكون في ذلك إرشاد للنبي ﷺ أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضًا لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلًا من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله ﷿ إيمانًا صادقًا فزادهم الله تعالى هدى لأن الله ﷿ إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تقواهم) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علمًاَ وتوفيقًا وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا والله ﷿ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله ﷿ تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر هكذا لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة هؤلاء القوم في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله ﷿ من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل ﷾ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله ﷿ بكون من اطلع عليهم يولي فرارًا ويملأ منهم رعبًا والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله ﷿ فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله ﷿ والقيام بطاعته. وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضًا عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله ﷿ حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعًا على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكًا في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذه الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيه أيضًاَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) وقد بين الله ﷾ أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلًا إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن منكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضًا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله ﷿. ***
عبده علي يقول ما تفسير قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير هذه الآية الكريمة أن الله أمر نبيه محمدا ﷺ أن يتلو على الناس قصة هذا الرجل الذي آتاه الله آياته أي علمه أحكام شريعته وبينها له ولكنه والعياذ بالله انسلخ منها وتركها فتبعه الشيطان فأغواه قال الله ﷿ (وَلَوْ شيءنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) أي ولو شيءنا لرفعناه بآياتنا فجعلناه يعمل بها ويقوم بواجبها فإذا فعل ذلك رفعه الله تعالى بها ولكنه أي هذا الذي أتاه الله الآيات ليس أهلًا لأن يرفعه الله بها لأنه أخلد إلى الأرض ومال إليها وصار أكبر همه أن ينال حظوظه من الدنيا سواء كان يريد الجاه أو المال أو المرتبة أو غير ذلك واتبع هواه فيما أخلد إليه فمثله كمثل الكلب يلهث دائمًا سواء حملت عليه أم لم تحمل فمن هذا الرجل الذي له هذا المثل قال الله تعالى (ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فهذا هو الكافر الذي آتاه الله تعالى العلم وبين له الشرع على أيدي رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ولكنه أبى إلا أن يتبع هواه ويخلد إلى الأرض فصار هذا مآله نسأل الله العافية. ***
السائل أبو عبد الله يقول في قصة آدم وحواء المذكورة في تفسير آية الأعراف قال بعض العلماء إنها قصة باطلة لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ ذكرها في كتاب التوحيد فما رأيكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القصة غير صحيحة وقد بينا في كتابنا شرح كتاب التوحيد الأوجه الدالة على أنها غير صحيحة ولا ندري لماذا وضعها الشيخ ﵀ في كتابه. ***
الأنفال
أم فيصل الشمري من الرياض تقول ما تفسير قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بهذا الكفار كما قال ﷿ في آية أخرى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال الله تعالى عنهم (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) فهم صم لا يسمعون الحق سماع انتفاع به بكم لا يتكلمون بالحق عمي لا يرون الحق فهؤلاء شر الدواب عند الله ﷿ وهم الكفار عموما حتى اليهود والنصارى بعد بعثة الرسول ﷺ يدخلون في هذه الآية (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) . ***
الأخت أم عبد الله تقول ما معنى قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله ﷾ يحول بين المرء وقلبه فيريد الإنسان شيئًا ويعزم عليه وإذا به ينتقض عزمه ويتغير اتجاهه فيكون الله تعالى حائلًا بين المرء وقلبه وفي هذا تحذيرٌ للعباد من أن يحول الله تعالى بين العبد وقلبه فيزل ويهلك فعلى المرء أن يراقب قلبه دائمًا وينظر ما هو عليه حتى لا يزل ويهلك. ***
التوبة
ما حكم البسملة في أول سورة التوبة ولماذا لم تكتب فيها أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البسملة في أول سورة التوبة غير مشروعة لأن الصحابة ﵃ حين كتبوا المصحف لم يكتبوها وهذا يدل على أنها لم تنزل أعني البسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة ولهذا عدل الصحابة ﵃ عنها ولم يكتبوها. ***
صالح حمزة من السودان يقول في رسالته لماذا لم تفتتح سورة التوبة بالبسملة مثل جميع السور في القرآن الكريم وما تفسير قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم تفتتح هذه السورة بالبسملة لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ ولو ورد عن النبي ﷺ لكان محفوظًا وباقيًا وقد ورد عن الصحابة ﵃ أنه أشكل عليهم هل سورة براءة بقية سورة الأنفال أو أنها سورة مستقلة وذلك لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ ورود البسملة بينها وبين الأنفال فلهذا جعلوا بينهما فاصلًا وسموا كل واحدة منهما باسمها الخاص ولم يجعلوا بينهما بسملة وكان هذا من الحكمة لأنهم لو كتبوا البسملة لكان ذلك واضحًا ولو تيقن الصحابة ﵃ أنهما سورة واحدة لما جعلوا بينهما فاصلًا وكأنهم ﵃ رأوا أن يجعلوا هذا الفاصل دون أن يضعوا بسم الله الرحمن الرحيم وأما قوله ما معنى قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) فالمعنى أن هؤلاء الذين جرى بينهم وبين النبي ﷺ عهد معفون من قتالهم مبرؤون منه ولهذا قال (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وهذا إذا كان بين المسلمين والمشركين عهد دعت الحاجة إلى عقده فإنه يجب على المسلمين ألا يتعرضوا للكفار في هذا العهد الذي جرى بينهم. ***
أبو بكر حبيب الحاتمي من الصومال بينسور يقول لماذا لم تبتدأ سورة التوبة بالبسملة كغيرها من السور فإننا إذا أردنا قراءتها نقول قبل البدء فيها أعوذ بالله من النار ومن شر الكفار ومن غضب الجبار والعزة لله ولرسوله ثم نبدأ في السورة فهل هذا مشروع أم مخالف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي ذكرت عند بداية سورة براءة هذا مبتدع لا أصل له ولا يجوز للإنسان أن يبتدئ به السورة وقد رأيت وأنا صغير هذا مكتوبا على هامش بعض المصاحف والواجب لمن اطلع عليه أن يطمسه وأن يزيله لأن هذا من البدع الذي لم ترد عن النبي ﵊ وأما بالنسبة لشق السؤال الأول وهو أنه لم تبتدأ هذه السورة بالبسملة فلأنها هكذا جاءت وأنه لو كانت البسملة منزلة فيها لكانت محفوظة ولكانت موجودة لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقد أشكل على الصحابة ﵃ فيما يروى عن عثمان هل هي سورة مستقلة أم آخر سورة الأنفال فوضعوا بينهما فاصلًا بدون بسملة ووضع الفاصل هنا حكم بين حكمين لأنه لو ثبت أنه من بقية الأنفال لم يكن هناك فاصل ولا بسملة ولو ثبت أنها مستقلة لكان بالبسملة والفاصل فلما لم يثبت هذا ولا هذا جعلوا فاصلًا وكان هذا من الاجتهادات الموافقة للصواب فإني أعلم علم اليقين أن لو كانت البسملة نازلة أمام هذه السورة لكانت باقية بلا شك لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وعلى هذا فلا يشرع للإنسان إذا ابتدأ بسورة براءة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم. ***
هاشم يوسف مصري يقول هل الأشهر الحرم ما زالت حرمًا عند الله تعالى أم تم نسخها وما الدليل على ذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الأشهر الحرم أربعة كما قال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وهي ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب هذه الأشهر الحرم لها مزيد عناية في تجنب الظلم سواء كان ظلمًا فيما بين الإنسان وبين ربه أو ظلمًا فيما بينه وبين الخلق ولهذا قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) واختلف العلماء ﵏ في القتال في هذه الأربعة الحرم هل هو باقٍ تحريمه أم منسوخ فجمهور أهل العلم على أنه منسوخ لأن الله تعالى أمر بقتال المشركين كافة على سبيل العموم وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن التحريم أي تحريم القتال في هذه الأشهر باق وأنه لا يجوز لنا أن نبتدئ الكفار بالقتال فيها لكن يجوز لنا الاستمرار في القتال وإن دخلت الأشهر الحرم وكذلك يجوز لنا قتالهم إذا بدؤونا هم بالقتال في هذه الأشهر فالمسألة إذًا خلافية هل يجوز ابتداء القتال فيها أي في هذه الأشهر الأربعة الحرم أو لا يجوز والأمر في هذا موكول إلى ولاة الأمور الذين يدبرون أمور الحرب والجهاد ***
من الجزائر يقول ما هو النسيء في قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) النسيء هو أن الأربعة الأشهر الحرم يحرم فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا القتال في المحرم وهم يعتقدون أنه حرام قالوا نؤجل تحريم هذا الشهر أعني شهر المحرم إلى صفر فيؤجلونه ويقاتلون في المحرم ويقولون نحن حرمنا بدله صفر وهذا تأخيرٌ للتحريم من شهر محرم إلى شهر صفر وقد قال الله تعالى عنه زيادة في الكفر لأنه تغييرٌ لما حرم الله ﷿ ونقلٌ للتحريم من زمن إلى زمنٍ آخر ولهذا قال الله تعالى إنه (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) فيقولون نحن حرمنا القتال في أربعة أشهر من السنة (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يحلوا القتال في المحرم مثلًا. ***
من اليمن توفيق عبد الواسع ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النسيء بمعنى التأخير كانت العرب في جاهليتها لتلاعبها كانت أحيانا تجعل المحرم صفرا وصفرا محرما وشهر المحرم معروف أنه شهر لا يجوز فيه القتال فيكيفون هذا على رغبتهم إن كانت رغبتهم أن يقاتلوا في المحرم قاتلوا وأخروا تحريمه إلى صفر فأخروا التحريم إلى شهر آخر بعده يقول ﷿ إن هذا زيادة في الكفر (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يأتوا بشهر واحد محرم فيحلوا ما حرم الله وفي الآية الكريمة دليل على أن الكفر يزيد وينقص كالإيمان يزيد وينقص فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والكفر يزيد بالسيئات الزائدة على أصل الكفر ولهذا يعاقب الكافر عليها أي على السيئات الزائدة على الكفر كما قال الله ﵎ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنْ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) يعني يقولون لهم ما أدخلكم في النار (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصلىنَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) وهذا دليل على أن لتركهم الصلاة وإطعام المسكين أثرا في تعذيبهم في سقر. ***
عويض عميش العتيبي من الطائف يقول ما معنى قول الله تعالى في سورة التوبة (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) النسيء معناه التأخير وكانوا في الجاهلية يعتقدون تحريم شهر المحرم لأنه أحد الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في قوله (إ نَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهي ثلاثة متوالية وشهر منفرد فالمتوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والمنفرد هو شهر رجب فكانوا في الجاهلية يؤخرون شهر المحرم يحلونه ويجعلون التحريم في شهر صفر ويقولون نحن جعلنا أربعة أشهر في السنة محرمة فوافقنا ما حرم الله ولكنهم في الحقيقة أحلوا ما حرم الله تعالى وهو شهر المحرم وتأخيرهم له إلى صفر هذا ضلال منهم وزيادة في الكفر ولهذا قال الله ﷿ (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) . ***
سوداني معار بالجمهورية العربية اليمنية يقول في سؤاله الأول أخرجت زكاة مالي البقر وأعطيتها لزوجتي باعتبار أنها زكاة وعلى حسب ظني أنها تدخل في نطاق العاملين عليها بمعنى أنها تعينني في رعاية تلك الأبقار وتعد الطعام للعمال الذين يقومون برعاية وسقي تلك الأبقار فهل يصح ذلك وإذا كان غير صحيح فهل علي أن أخرج تلك الزكاة التي مر عليها أربع سنوات مرة أخرى وما معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) أي على الزكاة والمراد بذلك الطائفة الذين تقيمهم الدولة لقبض الزكاة ممن تجب عليهم وصرفها في مستحقيها هؤلاء هم العاملون عليها وليس المراد بالعاملين عليها العاملين على المال الزكوي كما ظنه هذا السائل وعلى هذا فإخراج زكاته إلى زوجته بهذه النية لا يجزئه والواجب عليه أن يعيد ما أخرجه بمعنى أن يزكي ماله عن السنة التي أخرج الزكاة فيها إلى زوجته بهذه النية فإذا كان قد أعطاها بقرة أو بقرتين فإنه يخرج الآن بقرة أو بقرتين المهم أنه يضمن الزكاة أو يضمن ما دفعه لامرأته فيخرجه الآن وإني أنصح هذا الرجل وغيره وأقول إن الواجب على المسلم أن يعلم أحكام الله تعالى في عبادته قبل أن يفعلها ليعبد الله تعالى على بصيرة أما كونه يتعبد لله تعالى بالجهل فإن هذا نقص عظيم وربما يفعل شيئًا يحبط العمل وهو لا يدري وربما يترك شيئًا لا بد من وجوده في العمل وهو لا يدري فالواجب على المرء أن يتعلم من أحكام دينه ما تدعو الحاجة إليه والله المستعان. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ) وقوله تعالى (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) من هم الثلاثة الذين خلفوا وما سبب نزول هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فإن هذه الآية يعد الله ﷾ فيها أنه سيري هؤلاء المكذبين لرسول الله ﷺ سيريهم آياته أي العلامات الدالة على صدق نبيه ﷺ وصحة رسالته والسين هنا للتنفيس والتحقيق وهو وقوع الشيء عن قرب وقوله (فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) الآفاق جمع أفق وهي النواحي سيريهم الله ﷿ الآيات الدالة على صدق النبي ﷺ في الآفاق في فتحه للبلاد وإسلام أهلها وربما تكون الآفاق هنا أوسع من الفتوحات فيكون كل ما يظهر من الأمور الأفقية شاهدًا لما جاء به القرآن فإنه يكون دليلًا على صدق رسالة النبي الله ﷺ وصحة نبوته وقوله (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي في أنفس هؤلاء المكذبين حيث تكون الدولة عليهم فيغلبون وتكون الغلبة لرسول الله ﷺ وقوله: (حتى يتبين لهم أنه الحق) أي حتى يظهر ويبين أن ما جاء به النبي ﷺ هو الحق ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يعني أو لم تكف شهادة الله تعالى على كل شيء عن كل آية فإن شهادة الله على الشيء أعظم من شهادة غيره وكفى بالله شهيدا وشهادة الله تعالى لرسوله بالحق نوعان شهادة قولية وشهادة فعلية. أما الشهادة القولية فإن الله تعالى قال في القرآن الكريم (لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) فهذه شهادة قولية بما أنزل الله على رسوله ﷺ. وأما الشهادة الفعلية فهي تمكين الله تعالى لرسوله محمد ﷺ في الأرض ونصره إياه وإدالته على أعدائه فإنه إن كان ﷺ غير صادق فيما جاء به من الرسالة والنبوة ما مكن الله له لأن الله تعالى لا يمكن أن يمكن لظالم في أرضه كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) ولهذا كل من ادعى النبوة بعد رسول الله ﷺ فإن الله تعالى لا يمكن له ولا ينصره بل يخذله ويبين كذبه حتى يظهر للناس أمره وذلك لأن النبي ﷺ خاتم النبيين فلا نبي بعده ﷺ وأما الآية الثانية وهي قول السائل من هؤلاء الثلاثة الذين خلفوا الثلاثة هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع هؤلاء الثلاثة تخلفوا عن غزوة تبوك التي قادها النبي ﵊ وكانت في وقت حار والثمار قد طابت والظل محبوب للنفوس ولهذا بين النبي ﵊ في هذه الغزوة أنه سيذهب إلى كذا وكذا فبين للناس جهة قصده مع أنه كان من عادته إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها ﵊ لكن لما كانت هذه الغزوة بعيدة المسافة وكان الذين يقابلون المسلمين بها جمع كثير من الروم بيَّن النبي ﷺ وجهة قصده حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، تخلف هؤلاء الثلاثة ﵃ عن هذه الغزوة بدون عذر فأنزل الله تعالى فيهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وكان من قصتهم أن النبي ﷺ لما قدم المدينة راجعًا من تبوك جاء إليه المنافقون يعتذرون وكان النبي ﷺ يقبل ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله ﷿ فيستغفر لهم حين يقولون إن لنا عذرًا بكذا وبكذا وبكذا فيستغفر لهم أما كعب بن مالك وصاحباه ﵃ فقد صدقوا النبي ﷺ وأخبروه بالخبر الصحيح بأنهم تخلفوا بلا عذر فأرجأ النبي ﷺ أمرهم حتى يحكم الله فيهم وأمر الناس بهجرهم وعدم إيوائهم وعدم الكلام معهم حتى إن كعب بن مالك ﵁ جاء إلى أبي قتادة وكان ابن عمه فتسور عليه حائطه وسلم عليه ولكنه لم يرد ﵇ لأن النبي ﷺ أمر بهجرهم وكان هو أي كعب يأتي إلى النبي ﷺ فيسلم عليه يقول فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا مع كمال حسن خلق النبي ﷺ ولما بقوا أربعين ليلة أمر النبي ﷺ أن يعتزلوا نساءهم كل هذا مبالغة في هجرهم وتعزيرًا عن تخلفهم حتى يقول الله تعالى في أمرهم ما يريد وكان في هذه القصة التي بلغت منهم هذا المبلغ العظيم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أي أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه حتى إن كعب بن مالك يقول تنكرت لي الأرض فلم تكن الأرض التي أنا أعرفها وتنكر له الناس لا يؤوونه ولا يسلمون عليه ولكن بعد أن مضى خمسون ليلة أنزل الله تعالى الفرج بتوبته عليهم فلما صلى النبي ﵊ الصبح أخبر الناس أن الله قد أنزل توبتهم فزال هذا الغم الشديد والكرب العظيم الذي أصابهم في هذه المحنة وكانت هذه المحنة محنة عظيمة في عاقبتها حيث صبروا على ما قضى به النبي صلى لله عليه وسلم من هجرهم وصبروا على هذه النكبة العظيمة مع أن كعب بن مالك ﵁ أتاه كتاب من ملك غسان يقول فيه إنه قد بلغنا أن صاحبك قد هجرك أو قد قلاك يعني النبي ﷺ فالحق بنا نواسك يعني ائت إلينا نواسك ونجعلك مثلنا ولكنه ﵁ لقوة إيمانه لما أتاه هذا الكتاب عمد إلى التنور فسجره به وأحرقه وصبر وإلا فإن الفرصة مواتية له لو كان يريد الدنيا لكنه يريد الآخرة فكانت النتيجة هذه النتيجة العظيمة التي تعتبر من أعظم المفاخر أنزل الله فيهم كتابًا يتلى إلى يوم القيامة (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ومعنى قوله (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني خلفهم النبي ﷺ وأرجأ أمرهم فلم يقض فيهم بشيء سوى أن أمر بهجرهم وليس معنى (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني تخلفوا عن الغزوة ولو كان هذا هو المراد لقال الله ﷿ وعلى الثلاثة الذين تخلفوا لكنه قال (الَّذِينَ خُلِّفُوا) أي خلف النبي ﵊ أمرهم وأرجأه حتى يقضي الله فيه ما أراد وفي قوله ﷾ (أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) دليل على كثرة توبة الله ﷿ على عباده لأن التواب صيغة مبالغة تعني الكثرة وعلى أنه ﷿ يحب التوبة على عباده وهذا ظاهر في النصوص من الكتاب والسنة كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال النبي ﵊ (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته) وذكر ﷺ (أن هذا الرجل أضاع راحلته في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فطلبها فلم يجدها فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت لأنه أيس من الحياة فاستيقظ وإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة فأخذ بخطامها وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) فإذا كان الله ﷿ يحب التوبة من عبده فهو كذلك يحب التوبة على عبده والعبد يتوب إلى الله والله ﷿ يتوب على العبد نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى إخواننا المسلمين. ***
سورة يونس
من العراق صفوان خليل سعيد محافظة نينوى ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخبر الله أن الناس كانوا أمة واحدة أي على دين واحد وهو دين الفطرة ولكن اختلفوا حين طال بهم الزمن فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فانقسم الناس في قبول هؤلاء الرسل قسمين منهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ﷿ لقضى بينهم في الدنيا فأهلك الكافرين وأبقى المؤمنين وصارت الدولة لهم وحينئذ تبقى الأمة واحدة على الإيمان فتفوت الحكمة العظيمة من اختلاف الأمة وانقسامها إلى مؤمن وكافر وهذه هي الكلمة التي سبقت من الله ﷿ أن يبقى الناس على قسمين مؤمن وكافر حتى يكون للنار أهلها وللجنة أهلها. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية جزء من آية كريمة ذكرها الله ﷿ في سورة يونس في قوله (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ففي هذه الآية الكريمة يضرب الله مثل الدنيا وما فيها من الزخارف والزهوة والزينة وغيرها يضربه الله بماء أنزله من السماء إلى أرض يابسة هامدة فاختلط به نبات الأرض أي أنبتت هذه الأرض من كل زوج بهيج ومن كل صنف واختلط النبات بعضه ببعض لوفرته ونموه مما يأكل الناس والأنعام أي من طعام الآدميين وطعام البهائم والثمار التي يأكلها الآدميون والزروع هكذا حتى أصبحت بهجة للناظرين ولما أخذت الأرض زخرفها وازينت وطابت ثمارها ونضجت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وأنهم سوف يجنونها عن قرب وبكل سهولة أتاها أمر الله تعالى إما ليلًا وإما نهارًا رياح عاصفة أو ثلوج أو صواعق أو غير ذلك مما أهلكها ودمرها فكانت حصيدا كأن لم تغن بالأمس أي كأن لم تكن موجودة على ذلك الوجه البهيج الذي يسر الناظر أصبحت حصيدًا هامدًا هكذا الحياة الدنيا تزهو لصاحبها وتتطور ويصبح صاحبها كأنه لن يموت كأنه سيبقى فيها لما حصل له من الغرور في هذه الدنيا ثم بعد ذلك يفجؤه الموت فإذا هو ذاهب وإذا المال مبعثر في الورثة وكل ما كان كأن لم يكن والله ﷿ إنما ضرب هذا المثل لئلا نغتر بالدنيا لأجل أن نحترز منها ومن غرورها وألا نقدمها على الآخرة لأنها فانية زائلة لا خير فيها إلا ما كان عونًا على طاعة الله ﷾ ولهذا أعقب ذلك المثل بقوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) أي إلى الجنة التي هي دار السلام السالمة من كل نقص وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفيها النعيم المقيم التي من دخلها ينعم ولا يبأس ويصح ولا يمرض ويحيا ولا يموت وهم في سرور دائم وفي نعيم مقيم فانظر أيها الإنسان وقارن بين دار السلام السالمة من كل آفة وبين الدنيا التي مهما تطورت وازدهرت وازدانت فإنها عند التمام يكون الفناء واعتبر يا أخي ببقائك في هذه الدنيا فإن عمل الآخرة أقل وأهون وأكثر فائدة من عمل الدنيا وأنا أضرب لك مثلًا واحدًا يكفيك عن غيره من الأمثال أنفقت درهمًا في سبيل الله درهمًا واحدًا في سبيل الله ﷿ ابتغاء مرضاته هذا الدرهم يضاعف إلى عشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الدرهم يكون عشرة والعشرة تكون إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة لا يحصيها إلا الله ﷿ وأنت لم تعمل عملًا شاقًا غاية ما هنالك أنك أوصلت هذا الدرهم إلى مستحقيه ابتغاء وجه الله لكن انظر إلى الدنيا تجوب الفيافي وتضرب الأخطار من أجل أن تربح خمسة دراهم إلى العشرة أو أقل من خمسة دراهم في العشرة مع المشقة والعناء وربما لا تربح أيضًا أي العملين أهون وأي العملين أكثر فائدة وأعظم نتيجة وأضمن وأسلم أعتقد أن الجواب هو أن عمل الآخرة أهون وأسهل وأعظم نتيجة وأوثق كذلك تصلى في بيتك يكتب لك أجر وتصلى في المسجد يضاعف لك الأجر فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة عمل يسير والربح كثير والناس الآن لو قيل لهم أنكم تربحون الواحد بخمسة لذهب الإنسان إلى بلاد بعيدة من أجل هذا الربح القليل الذي قد يكون مضمونًاَ وقد يكون غير مضمون لكنه لا يذهب إلى المسجد إلا من هدى الله ﷿ مع أن الربح مضمون وكثير وبهذا تتبين مناسبة قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بعد ذكر مثل الحياة الدنيا وما تؤول إليه وتأمل قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) حيث عمم في الدعوة بأن الله تعالى يدعو كل أحد إلى دار السلام ولكنه في الهداية قال (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فليس كل من سمع دعوة الله أجاب الدعوة ولكن يجيبها من وفقه الله ﷿ وهداه إلى صراط مستقيم اللهم نسألك أن تهدينا وإخواننا المسلمين صراطك المستقيم. ***
من أثيوبيا أخوكم في الله محمد زين الدين خليل يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) وأيضًا الآية (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات لا تتعارض فإن الله تعالى بعث في كل أمة رسولًا كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وقال الله ﷿ (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فلابد لكل أمة من رسول ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله ﷿ ويبشرها برحمته لمن أطاع وأما قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) فالمراد أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيرًا قبل محمد ﷺ ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد ﷺ وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل حيث قال ﵊ أعني إبراهيم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فلم يبعث الله ﷿ نذيرًا إلى العرب إلا محمدًا ﷺ بعثه الله تعالى نذيرًا ولكافة الناس كما قال الله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْييِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ***
السائل يعقوب بابكر عمر من السودان له سؤال عن آية كريمة يقول في سؤاله يقول الله ﵎ في كتابه العزيز (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) من هم هؤلاء الأولياء وما هي صفاتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الأولياء تكفل الله ﷿ ببيانهم فقال (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وهذه أوصافهم من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا وليست الولاية بطول الأكمام ولا بكبر العمامة ولا بطول المسواك الولاية بالإيمان والتقوى فمتى عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذين لم يجرب عليهم معاصٍ لا بترك واجب ولا بفعل محرم مع الاستقامة عرفنا أنهم من أولياء الله ولكن هل أولياء الله ينفعون الإنسان بعد موته -أي- بعد موت الولي الجواب لا. لا ينفعونه ولهذا لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى قبر من يقال إنه ولي ويقول يا سيدي أنا فقير فأغنني إن قال هذا كفر وأشرك بالله ولا كما يقال تأتي المرأة وتأخذ ترابًا من قبر من يقال إنه ولي ثم تجعله في ماءٍ وتشربه من أجل أن يأتيها الولد كل هذا لا حقيقة له ولا صحة له ولا يجوز والولي لا ينفع إلا نفسه فقط في الحياة ربما يدعو للشخص ويستجاب له أو لا يستجاب أما بعد الموت فلا ينفع أحدًا. ***
أبو إبراهيم يقول ما معنى قوله تعالى (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى اجعلوا بيوتكم مكانا تستقبلون فيه الناس لأن في ذلك تأليفا بالناس وفيه أيضا كرم وخير فالمعنى اجعلوها قبلة يعني قبلة للناس يأتمون يأتون إليها ويشهدون ما أنتم عليه من الحق. ***
سورة هود
محمد زين الدين من أثيوبيا ما هو التوفيق بين الآيتين الكريمتين في سورة هود أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) والآية الأخرى في سورة الإسراء (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين الآيتين هو أن نقول إن آية هود مقيدة بآية الإسراء فقوله تعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) أي إذا شيءنا وتكون الآية هذه مقيدة بقوله تعالى (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) وحينئذ ليس بين الآيتين تعارض وبالمناسبة أقول إن كل نصين صحيحين لا يمكن التعارض بينهما فالنصان من كتاب الله لا يمكن التعارض بينهما والنصان من كلام الرسول ﷺ الثابتة عنه لا يمكن التعارض بينهما فإذا وقع مايوهم في التعارض فإما أن يكون الرجل الذي ظن التعارض واهمًا وإما أن يكون جاهلًا إما أن يكون واهمًا حيث ظن حسب فهمه أن بينهما تعارضًا وليس بينهما تعارض أو يكون جاهلًا بحيث يكون بينهما تعارض لكن كان هناك تخصيص أو تقييد لا يفهمه هو أولا يعلمه فيكون بذلك جاهلًا أما أن يقع التعارض حقيقة بين نصين من كتاب الله أو نصين من سنة رسول الله ﷺ الثابت عنه فهذا أمر لا يمكن أبدًا لأن كلام الله كله حق وكلام النبي ﷺ الثابت عنه كله حق والحقان لا يمكن أن يتعارضا لأن فرض تعارضهما يستلزم أن يكون أحدهما حقًا والثاني باطلًا وهذا منتفٍ في كلام الله وكلام رسوله ﷺ وحينئذ إذا ظننت التعارض بين نصين فعليك أن تتدبر النصين فإن ظهر لك الجمع فذاك والا فاسأل أهل العلم لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإن لم يتيسر لك ذلك فعليك أن تتوقف وتقول سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فإن هذا هو شان الراسخين في العلم قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) . ***
صالح علوش حسن من العراق نينوى يقول هل معنى قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أنه أمر لنوح ﵇ أن يحمل معه من كل كائن حي زوجين للمحافظة على بقاء الكائنات الحية على الأرض إذا كان الأمر كذلك فلماذا نرى أن الكثير من الكائنات الحية قد انقرضت والبعض الآخر في طريقه للانقراض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الآية الكريمة كما ذكر السائل أن الله أمره أن يحمل فيها من كل يعني من كل شيء من الأشياء زوجين اثنين وذلك لبقاء هذا النوع ولا يلزم أن يبقى هذا النوع إلى يوم القيامة فإن الله ﷾ قد يقدر عليه انقراضًا أو قلة أو انقراضًا في بعض الأماكن ووجودًا في بعض الأماكن يعني بقاءً في بعض الأماكن وهذا لا ينافي الآية الكريمة لأن الله تعالى لم يذكر فيها أن هذا المحمول في السفينة سيبقى نوعه إلى يوم القيامة حتى نقول إن هذا يخالف الواقع بل إنه شفق لبقاء هذا النوع المحمول إلى أن يأذن الله تعالى بانقراضه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن الله تعالى قسم الناس في يوم القيامة قسمين قال الله تعالى (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ومعنى الآية أن هؤلاء الذين شقوا وهم الكفار فإنهم مخلدون في نار جهنم التخليد الأبدي كما قال الله ﵎ في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) وقوال تعالى في سورة الأحزاب (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) وقال تعالى في سورة الجن (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقوله (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني إلا ما شاء ربك مما زاد على دوام السماوات والأرض لأن دوام السماوات والأرض له أجل محدود وليس أبديا وأما أهل النار فإنهم خالدون فيها تخليدا مؤبدا وأما قوله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فهو كالجواب عن سؤال يقال فيه لماذا عذَّب الله تعالى أهل النار بالخلود فيها فقال (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فلا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل. ***
سورة يوسف
من جيزان ق. ن. م. يقول في الآية الكريمة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما هو البرهان في هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البرهان ما جعله الله في قلبه من إنكار هذا الفعل وكثيرًا ما يهم الإنسان بالشيء فإذا لم يبق إلا التنفيذ فتح الله له نورا وتراجع وهذا هو الذي حصل ليوسف ﵊ أن إيمانه الذي في قلبه وهو البرهان من الله ﷿ منعه أن ينفذ ما أمرت به سيدته وهذا غاية ما يكون من العفة امرأة تكبره مرتبةً في هذا الموضع امرأة جميلة امرأة أوصدت جميع الأبواب وخلت به خلوةً تامة ودعته لنفسها وامتنع هذا غاية ما يكون من العفة وانظر إلى قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عنها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم توسل الأول ببر والديه وتوسل الثاني بأمانته وأداء الأمانة توسل الثالث بالعفة لأنه كان له بنت عم وكان يحبها حبًا شديدًا وكان يراودها عن نفسها فتأبى فألمت بها سنةٌ من السنين واحتاجت وأتت إليه تطلبه المؤونة فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ولضرورتها وافقت فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فغلبته التقوى وقام عنها وهي أحب الناس إليه انظر كمال العفة الأمور أمامه متوفرة والإنسان في أشد ما يكون شوقا للفعل لأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته لكن لما ذكرته بالله ﷿ قام وهي أحب الناس إليه فيوسف ﵊ توفرت له جميع الوسائل لكن ما في قلبه من الإيمان والعفة والعصمة عن سفاسف الأمور أوجب له أن يدعها. ***
من العراق يقول في سورة يوسف يقول الله ﵎ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما معنى البرهان هنا وما المقصود منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وبرهان ربه الذي حال بينه وبين تنفيذ ما حصل فيه الهم هو الإيمان والخشية والخوف من الله ﷿ فإن الإنسان يحميه إيمانه بالله ﷿ وخوفه منه وخشيته له يحميه أن يقع في أمر حرمه الله ﷿ وكل من كان أعلم بالله كان منه أخوف وأشد منه خشية قال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فهو ﵊ رأى برهان الله ﷿ وهو النور الذي قذفه الله تعالى من الإيمان والخشية فمنعه ذلك من حصول ما كان فيه الهم وأما القول بأن والده تراءى له في مخيلته يحذره من ذلك فهو قول ضعيف لا تدل عليه الآية وما ذكرناه هو المتعين واللائق في مقام يوسف ﵊. ***
يقول السائل ورد في سورة يوسف اسم العزيز فمن هو العزيز هل هو فرعون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا العزيز ليس هو فرعون ويوسف ﵊ قبل فرعون بأزمان ولهذا ذكَّر المؤمن من آلِ فرعون آلَ فرعون بمجيء يوسف أو برسالة يوسف حيث قال لهم (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ) ويوسف بينه وبين موسى أزمان كثيرة فليس العزيز هنا فرعون وإنما العزيز ملك من ملوك مصر في ذلك الزمن. ***
سورة الرعد
السؤال التالي للمستمع إبراهيم محمد يونس ملة من العراق نينوى يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) من سورة الرحمن وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الآية الأولى معناها أن الله ﷾ يخبر إخبارًا يَعِد به من خاف مقام ربه بأن له جنتين وهاتان الجنتان بين الله تعالى ما فيهما من النعيم المقيم من المأكول والمشروب والمنكوح ترغيبًا لخوف الإنسان مقام ربه أي لخوفه من المقام الذي يقف فيه بين يدي الله ﷿ هذا الخوف الذي يوجب له الاستقامة على دين الله وعبادة الله تعالى حق عبادته لأن من خاف الله ﷿ راقبه وحذر من معاصيه والتزم بطاعته وثواب من أطاع الله ﷾ وأتقاه ثوابه الجنة كما قال الله ﵎ (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) إلى آخر ما ذكر الله من أوصافهم وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فمعناها أن الإنسان إذا استقام على طاعة الله فإن الله تعالى ينعم عليه ويزيده من نعمه لقوله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فأما إذا انحرف عن طاعة الله ﷾ فإن الله تعالى يقول (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ويقول ﷾ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فمادام الإنسان على طاعة الله قائمًا بأمره مجتنبا لنهيه فليبشر بالخير وبكثرة النعم وبتحقيق قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأما إذا غير ما بنفسه من الإنابة إلى الله والإقبال عليه وبارز الله تعالى بالعصيان بفعل المحظورات وترك المأمورات فإن الله تعالى يغير عليه هذه النعمة. ***
سورة إبراهيم
من اليمن يقول في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) ما المقصود بالكلمة الطيبة والشجرة الطيبة فأجاب رحمه الله تعالى: أما المقصود بالكلمة الطيبة فهي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله وأما المقصود بالشجرة الطيبة فهي النخلة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها كذلك كلمة الإخلاص تؤتي ثمرتها بالعمل الصالح المقرب إلى الله ﷿ فهي أصل وفروعها الأعمال الصالحة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فلابد أن يأتي بالأعمال الصالحة التي تتم بها هذه الكلمة ولهذا قال أهل العلم في تفسير كون كلمة الإخلاص مفتاح الجنة إن المفتاح لا يكون إلا بأسنان فلو أدخلت المفتاح وهو خشبة لتفتح به الباب لم يفتح إلا بأسنان وأسنانها الأعمال الصالحة ولهذا كان القول الراجح المؤيد بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أن تارك الصلاة تركًا مطلقًا كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة ولو اعتقد وجوبها وفرضيتها وقد بينا في غير هذه الحلقة الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على كفر تارك الصلاة كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة وأنه يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية فليحذر المسلم أن يرتد كافرًا بعد إسلامه بتركه الصلاة تهاونًا فماذا بقي معه من الإسلام إذا ترك الصلاة لا يمكن لإنسان أن يحافظ على ترك الصلاة وفي قلبه إيمان أبدًا وهو يعرف مقدار الصلاة في الإسلام وأهميتها عند الله وأن الله فرضها على رسوله في السماوات العلا وفرضها خمسين صلاة ثم جعلها خمس صلوات بالفعل لكنها خمسون في الميزان وما ورد فيها من الفضائل والثواب حتى إن الله تعالى يبتدئ الأعمال الصالحة بها ويختمها بها كما في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وفي سورة المعارج (إِلاَّ الْمُصلىنَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ؟) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فتبدأ الأعمال بها وتختم بها وفضائلها كثيرة لا يتسع المقام لذكرها فكيف يقال إن أحدًا يعلم بهذا أو بعضه ثم يحافظ على تركها ولا يصلى أبدًا كيف يقال إنه مسلم. ***
سورة الإسراء
أسعد ع. م. من جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الآية وكيف كانت صفة الإسراء بالنبي ﷺ من مكة إلى بيت المقدس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يسبح نفسه عن كل نقص وعيب فإن سبحان اسم مصدر من سبح يسبح والتسبيح هو التنزيه والله ﷿ منزه عن كل نقص وعيب منزه عن مماثلة المخلوقين منزه عن الأنداد قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وقد أسرى الله تعالى بعبده محمد ﷺ من المسجد الحرام مسجد الكعبة الذي بمكة المكرمة ليلًا إلى المسجد الأقصى الذي في فلسطين في القدس وكيفية الإسراء أن جبريل ﵊ أتى إلى النبي ﷺ بدابة يقال لها البراق دون البغل وفوق الحمار يضع خطوه في منتهى بصره بمعنى أن خطوته بعيدة جدًا تكون بقدر منتهى بصره فوصل النبي ﵊ إلى بيت المقدس ثم عرج به من هناك إلى السماء الدنيا بصحبة جبريل ولما بلغ السماء استفتح جبريل فقيل له من هذا فقال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبًا به فنعم المجيء جاء ثم ما زال جبريل يعرج به سماء بعد سماء حتى وصل إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم الخليل ﵊ وهناك رفعه الله أي رفع الله نبيه محمدًا ﷺ حتى بلغ سدرة المنتهى وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة كل يوم وليلة فقبل واستسلم ﵊ حتى نزل راجعًا فمر بموسى فأخبره بما فرض الله عليه وعلى أمته من الصلوات فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك واسأله التخفيف فما زال النبي ﵊ يراجع الله ﷿ ويسأله التخفيف حتى صارت الصلوات الخمسون خمس صلوات بالفعل لكنها في الميزان خمسون صلاة ثم رجع النبي ﷺ من ليلته إلى مكة واختلفت الروايات هل صلى الفجر في مكة أو صلى في بيت المقدس وأصبح النبي ﷺ يحدث الناس به فاتخذت قريش من ذلك فرصة لإظهار كذب النبي ﷺ وقالوا كيف يمكن ذلك ولكن النبي ﷺ ألقمهم حجرًا حين قالوا إن كنت صادقًا فصف لنا بيت المقدس فرفع جبريل له بيت المقدس حتى كأن النبي ﷺ يشاهده فيصفه لقريش فألقموا حجرًا بتكذيبهم النبي ﷺ وتبين بذلك صدق النبي ﷺ وأما قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فهذا بيان للحكمة من الإسراء برسول الله ﷺ أن الله يريه من آياته العظيمة الدالة على قدرته وحكمته وتمام سلطانه وقد رأى من آيات ربه الكبرى ما يكون عبرة للمعتبرين وقوله (إنه هو السميع البصير) يعني إن الله تعالى هو السميع البصير الذي وسع سمعه كل صوت قالت عائشة ﵂ حين أنزل الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) قالت ﵂ تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي طرف الحجرة وإنه ليخفي علي بعض حديثها والرب ﷿ على عرشه فوق سبع سماوات يسمع كلام هذه المرأة التي تجادل النبي ﷺ في زوجها وتشتكي إلى الله فهو ﷿ يسمع كل صوت وإن كان خفيًا قال الله تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) وإذا آمن الإنسان بهذه الصفة العظيمة صفة السمع فإن إيمانه بذلك يقتضي أن لا يُسمع الله تعالى ما يكون سببًاَ لغضبه على عبده وأما قوله البصير فالبصير معناه الذي أدرك بصره كل شيء وهو ﷾ قد جمع بين هاتين الصفتين السمع والبصر وهما من كمال صفاته جل وعلا فما من شيء إلا والله ﷿ يراه وإن دق وخفي. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الطائر هنا بمعنى العمل يعني كل إنسان ألزمه الله ﷿ عمله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) وفي يوم القيامة يخرج الله له كتابًا يلقاه منشورا أي مفتوحًا يقرؤه ويسهل عليه قراءته هذا الكتاب قد كتبت فيه أعماله كما قال تعالى (كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وقال تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) فهذا المكتوب يخرج يوم القيامة في كتاب يقرؤه الإنسان ويقال له اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال بعض السلف والله لقد أنصفك من جعلك حسيبًا على نفسك يعني أنه قال للإنسان هذا الكتاب كتب عليك حاسب نفسك أنت هل عملت خيرًا فتجازى به أو عملت شرًا فتجازى به إذن المراد بالطائر هو العمل. ***
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله ﷾ نهى الإنسان أن يجعل يده مغلولة إلى عنقه وهذا يعني لا تقبض اليد وتغلها إلى عنقك فتمنع من البذل الواجب أو المستحب فتكون بخيلا ولا تبسطها كل البسط فتمدها وتبذل المال في غير وجهه وذلك أن الناس في الإنفاق ينقسمون إلى ثلاثة أقسام قسم مقتر. وقسم مبذر. وقسم متوسط. والثالث منهم هو الذي على الحق وعلى الهدى ولهذا امتدحهم الله ﷿ في قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) . ***
ما معنى الآية الكريمة (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينهى الله ﷾ عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والنفس التي حرم الله قتلها أربعة أصناف المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن هؤلاء أربعةٌ من الناس نفوسهم معصومة لا يجوز لأحدٍ أن يعتدي عليهم قال الله تعالى (إِلاَّ بِالْحَقِّ) يعني إذا قتلتم النفس التي حرم الله بالحق كالقصاص مثلًا فإن ذلك جائز قال الله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) ... الخ وقوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) يعني أن الإنسان إذا قتل ظلمًا فلوليه أي ولي المقتول أن يقتل القاتل والسلطان هنا يشمل السلطان الكوني والقدري الشرعي أما الشرعي فهو ما أباحه الله تعالى من القصاص وأما القدري فإن الغالب أن القاتل لا بد أن يقتل لا بد أن يعثر عليه ويقتل ومن أمثال العامة السائرة قولهم القاتل مقتول يعني لا بد أن الله تعالى يسلط عليه حتى يعثر عليه ويقتل وقوله (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي فلا يسرف ولي المقتول في القتل أي في قتل القاتل بل يقتله كما قتل هو المقتول الأول وبه نعرف أنه يقتص من القاتل بمثل ما قتل فمثلًا إذا قتله بالذبح ذبحناه وإذا قتله بالرصاص رميناه بالرصاص وإذا قتله برض رأسه بين حجرين رضضنا رأسه بين حجرين وهكذا وليعلم أن القصاص لا يستوفى إلا بحضرة السلطان ولي الأمر أو من ينيبه لئلا يعتدي أولياء المقتول في القصاص. ***
م. ن. أ. من العراق يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) وما المراد بالعمى في الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالعمى في الآية عمى البصيرة يعني فمن كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق لا يبصره ولا يلتفت إليه ولا يقبل عليه فإنه في الآخرة يكون أشد عمىً وأضل سبيلًا فلا يهتدي إلى طريق أهل الجنة وإنما يكون مصيره النار والعياذ بالله. ***
في سورة الإسراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) كم عدد ركعات التهجد والنفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التهجد هو قيام الليل (وكان رسول الله ﷺ لا يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة لا في رمضان ولا في غيره وربما صلى ثلاث عشرة ركعة) هذا هو العدد الذي ينبغي للإنسان أن يقتصر عليه ولكن مع تطويل القراءة والركوع والسجود فقد كان رسول الله ﷺ يطيل القراءة في صلاة الليل كما جاء ذلك في حديث حذيفة وحديث عبد الله بن مسعود ﵄ (فقد روى حذيفة ﵁ أنه صلى مع النبي ﵌ ذات ليلة فقرأ بسورة البقرة ثم بسورة النساء ثم بسورة آل عمران) (وكذلك صلى معه ابن مسعود ﵁ ذات ليلة فقام طويلًا حتى قال عبد الله بن مسعود لقد هممت بأمر سوء قالوا بم هممت يا أبا عبد الرحمن قال هممت أن أجلس وأدعه) فهذا يدل على أن النبي ﷺ يطيل في صلاة الليل وهذا هو الأفضل وهو السنة فإن كان يشق عليه أي على الإنسان أن يطيل فليصل ما استطاع وأما النفل فإن التهجد من النفل لأن النفل في الأصل هو الزيادة وكل تطوع في العبادة من صلاة أو صيام أو صدقة أو حج فهو نافلة لأنه زائد على ما أوجب الله على العبد وليعلم أن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة فالتطوع في الصلاة تكمل به فريضة الصلاة والتطوع في الصدقة تكمل به الزكاة والتطوع في الصيام تكمل به صيام رمضان والتطوع في الحج تكمل به الحج لأن الإنسان لا يخلو من نقص في أداء ما أوجب الله عليه من العبادات فشرع الله تعالى له هذه النوافل رحمة به وإحسانًا إليه والله ذو الفضل العظيم. ***
عامر جودي حربي من العراق بغداد يقول من خلال قراءتي للقرآن الكريم وتكراره تبين لي أنه قد ورد ذكر النفس بكثرة في عدة سورٍ من القرآن بينما ذكر الروح لم يكن بتلك الكثرة والروح التي يراد بها روح الإنسان لم ترد إلا مرةً واحدة في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) فهل هناك فرق بين الروح والنفس وما هو؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الروح في الغالب تطلق على ما به حياة سواءٌ كان ذلك حسًا أو معنى فالقرآن يسمى روحًا لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) لأن به حياة القلوب بالعلم والإيمان والروح التي يحيا بها البدن تسمى روحًا كما في الآية التي ذكرها السائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيرًا كما في قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه فيقال مثلًا هذا جاء فلان نفسه وكلمني نفس فلان وما أشبه ذلك فتكون بمعنى الذات فهما يفترقان أحيانًا ويتفقان أحيانًا بحسب السياق وينبغي من هذا أن يعلم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها فقد تكون الكلمة الواحدة لها معنىً في سياق ومعنىً آخر في سياق فالقرية مثلًا تطلق أحيانًا على نفس المساكن وتطلق أحيانًا على الساكن نفسه ففي قوله تعالى عن الملائكة الذين جاؤوا إبراهيم (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) المراد بالقرية هنا المساكن وفي قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا) المراد بها الساكن وفي قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) المراد بها المساكن وفي قوله (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) المراد بها الساكن فالمهم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها وبحسب ما تضاف إليه وبهذه القاعدة المهمة المفيدة يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم من أن القرآن الكريم ليس فيه مجاز وأن جميع الكلمات التي في القرآن كلها حقيقة لأن الحقيقة هي التي يدل عليها سياق الكلام بأي صيغةٍ كان فإذا كان الأمر كذلك تبين لنا بطلان قول من يقول إن في القرآن مجازًا وقد كتب في هذا أهل العلم وبينوه ومن أبين ما يجعل هذا القول صوابًا أن من علامات المجاز صحة نفيه بمعنى أن تنفيه وتقول هذا ليس هذا وهذا لا يمكن أن يكون في القرآن فلا يمكن لأحدٍ أن ينفي شيئًا مما ذكره الله تعالى في القرآن. ***
من الأحساء وردتنا هذه الرسالة، مرسلها عبد الرحمن بن يوسف الواصلى يقول: أنا شاب مسلم ولكن في بعض الأحيان أفكر تفكيرًا أخشى منه، فقد عرفت أن القرآن يزيد المؤمن إيمانًا ويزيد الكافر كفرًا وعصيانًا، ثم أجلس وأقول أليس القرآن واحدًا والإنسان أصله واحد، فكيف يحصل هذا التناقض أرجو إقناعي مع ضرب الأمثلة للتقريب، وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل من كون القرآن يزيد المؤمن إيمانًا ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، هذا صحيح دل عليه الأمر الواقع كما نطق به القرآن، أما الأمر الواقع فوجه ذلك أن المؤمن إذا قرأ القرآن واعتبر بما فيه من مواعظ وقصص وصدق الأخبار واعتبر بالقصص وامتثل للأحكام ازداد بذلك إيمانه بلا شك، والكافر أو المتمرد إذا قرأ القرآن فإنه يكذب بالخبر، أو يشك فيه، ولا يعتبر بالقصص ويرى أنها أساطير الأولين، وكذلك في الأحكام لا يمتثل لأمر، ولا ينزجر عن النهي وكل هذا من موجبات نقص الإيمان، فينقص إيمانه ويزداد خسارًا لأن القرآن كما قال النبي ﷺ (حجة لك أو عليك) هذا مثال يوضح كيف يزيد إيمان المؤمن بالقرآن وكيف يزيد الظالمين خسارًا أما الأمثلة على ذلك من الأمور الحسية فإننا نرى صاحب الجسم السليم يأكل هذا النوع من الطعام فينتفع به جسمه وينمو ويزداد ويأكله صاحب العلة الذي في جسده مرض فيزيد علته وربما يهلكه ويقتله، مع أن الطعام واحد ومع ذلك اختلف تأثيره بحسب المحل، وكذلك القرآن واحد ويختلف تأثيره بحسب المحل. ***
ما معنى قوله ﷾ (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في النبي ﵊ وهو في مكة حين كان يقرأ القرآن ويرفع صوته بذلك فلحقه بهذا أذى من قريش فأنزل الله عليه هذه الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) فأرشده الله ﷿ إلى ما فيه الخير والسلامة من أذى هؤلاء المشركين وقال لا تجهر بصلاتك الجهر الذي يحصل به أذية عليك ولا تخافت بها المخافتة التي تفوت بها المصلحة بل اجعل هذا وسطًا بين ما تحصل به الأذية وبين ما تحصل به المصلحة فلا تجهر الجهر الذي يؤذي ولا تخافت المخافتة التي يفوت بها أو التي تفوت بها المصلحة. ***
سورة الكهف
يقول السائل ماحكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وهل يداوم الإنسان على قراءة هذه السورة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنة وفيها أجر والمداومة على ذلك سنة لأنها من الأمور المشروعة في يوم الجمعة فهي كالمداومة على التبكير يوم الجمعة وعلى ما يسن يوم الجمعة. ***
يقول السائل هل صحيح أن من يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة يضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح لكنه ورد حديث في فضل قراءتها يوم الجمعة لا ليلة الجمعة ولهذا ينبغي للإنسان أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة والاحتياط أن يكون ذلك من بعد طلوع الشمس ولا فرق بين أن يقرأها قبل الصلاة أو بعد الصلاة. ***
تقول السائلة هل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها عمل مندوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عمل مندوب إليه وفيه فضل ولا فرق في ذلك بين أن يقرأها الإنسان من المصحف أو عن ظهر قلب واليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى هذا فإذا قرأها الإنسان بعد صلاة الجمعة أدرك الأجر بخلاف الغسل يوم الجمعة لأن الغسل يكون قبل الصلاة لأنه اغتسال لها فيكون مقدمًا عليها. ***
يقول السائل قال الله تعالى (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) فهل معنى الآية كما فهمت أن المؤمنين يحل لهم الذهب في الآخرة كما يحل لهم الخمر في الآخرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال أن نقول نعم إن المؤمنين في الجنة يحل لهم أن يتحلوا بالذهب واللؤلؤ وأن يلبسوا الحرير وأن يشربوا الخمر وهذا وإن كان محرمًا في الدنيا لما يترتب عليه في الدنيا من الانصراف عن عبادة الله تعالى وطاعته بالاشتغال بهذه الأمور أما في الآخرة فإن الآخرة دار جزاء لا دار تكليف وإن كان أهل الجنة يسبحون الله ﷿ ويحمدونه ويثنون عليه بما هو أهله على وجه الشكر والمحبة في الثناء على الله ﷿ وقد ذكر الله تعالى في حلية أهل الجنة أنها من لؤلؤ وذهب وفضة كما قال تعالى (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وإذا اجتمعت هذه الأصناف على المكان الذي يتحلى فيه كان لها منظرٌ عجيب ورونقٌ بديع وهذا من تمام سرورهم ونعيمهم نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا منهم بمنه وكرمه ***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) فما هي الباقيات الصالحات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الباقيات الصالحات هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وأمثالها مما يقرب إلى الله ﷿ وإن شيءت فقل الباقيات الصالحات كل الأعمال الصالحة لأنها تبقى للإنسان بعد موته يجدها يوم القيامة أمامه فهذه الباقيات الصالحات خيرٌ من الدنيا وما فيها خيرٌ ثوابًا وخيرٌ أملا ***
يقول السائل يقول الله تعالى في سورة الكهف (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) فما معنى هذه الآية وإلى ماذا تشير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تشير هذه الآية إلى بيان عظمة الله ﷿ وأنه ﷾ لم يزل ولا يزال متكلمًا لأنه لم يزل ولا يزال فعالًا وكل فعل فإنه بإرادة منه جل وعلا وإذا أراد أن يخلق شيئًا فإنما يقول له كن فيكون ومخلوقات الله ﷿ لا تزال باقية فإن الجنة فيها خلود ولا موت والنار فيها خلود ولا موت وحينئذ يكون الله ﷿ دائمًا أزلًا وأبدًا ولا حصر لكلماته ولا منتهى لكلماته فلو كان البحر مدادًا لكلمات الله أي حبرًا تكتب به كلمات الله ﷿ لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لأن البحر له أمد ينتهي إليه وكلمات الله ﷿ لا أمد لها وقد قال الله تعالى في آية أخرى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ***
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) السائل هنا قريش سألوا النبي ﷺ عن (ذِي الْقَرْنَيْنِ) وكانت قصته مشهورة ولاسيما عند أهل الكتاب وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم ﵊ ويقال إنه طاف معه بالبيت فالله أعلم، هذا الرجل الصالح مكَّن الله له في الأرض وأتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار وقهر أعدائه فأتبع سببًا يعني سلك طريقًا يوصله إلى مقصوده (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) فاستولى عليهم وخيره الله فيهم (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) فحكم بينهم بالعدل قال (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْر) ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) يحول بينهم وبين حرها ليس عندهم بناء ولا أشجار وإنما يعيشون في النهار في السراديب وفي الكهوف ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش وكان الله ﷿ في جميع أحوال هذا الرجل عالمًا به يسير بعلم من الله ﷿ وهداية كما قال تعالى (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا) ثم مضى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم ولا يفهمون لغة غيرهم ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض وهما أمتان من بني آدم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين أعني في يأجوج ومأجوج كلها لا أصل لها من الصحة وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم وعلى شكل بني آدم كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال (يقول الله تعالى يعني يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعثًا إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار إلا واحدًا من الألف فكبر ذلك على الصحابة فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد فقال النبي ﵊ أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا دليل واضح وصريح على أنهم أعني يأجوج ومأجوج من بني آدم سيكون شكلهم وأحولهم كأحوال بني آدم تمامًا لكنهم من قوم طبعوا والعياذ بالله على فساد في الأرض وتدمير مصالح الخلق وقتلهم وغير ذلك مما يكون فسادًا في أرض الله ﷿ فقالوا له هل نجعل لك خرجًاَ أي مالًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فأخبرهم بأن الله ﷾ أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه (قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بقوة عملية عمال وأدوات وما أشبه ذلك (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) ثم طلب منهم زبر الحديد أي قطع الحديد فصف بعضها على بعض حتى بلغت رؤوس الجبلين (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا) فأوقدوا عليه النار ونفخوها حتى صار الحديد نارًا يلتهب فأفرغ عليه قطرًا أي نحاسًا مذابًا حتى تماسكت هذه القطع من الحديد وصارت جدارًا حديديًا صلبًا (فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي يظهروا فوقه (وَمَا اسْطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي أن ينقبوه من أسفل فكان ردمًا بين يأجوج ومأجوج وبين هؤلاء القوم وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها فمن أراد أن يعرف المزيد من علمها فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة ***
سورة (مريم)
س. ج. م. من سلطنة عمان صحار ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) الضمير (هَا) يعود إلى النار (وَإِنْ) بمعنى ما أي ما منكم أحد إلا وارد على النار ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا. واختلف العلماء ﵏ في الورود المذكور في هذه الآية فمنهم من قال إن الورود الدخول فيها، أي أن جميع الناس يدخلونها ولكن المؤمنين لا يحسون بحرها بل تكون عليهم بردًا وسلامًا كما كانت النار في الدنيا على إبراهيم ﵊ بردًا وسلامًا واستدل هؤلاء بأن الورود يأتي بمعنى الدخول استدلوا بقوله تعالى عن فرعون: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وبقوله تعالى: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) وما أشبه ذلك وقال بعض أهل العلم المراد بالورود في قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) المراد به العبور على الصراط لأن الصراط يمد فوق جهنم فيعبر الناس فيه على قدر أعمالهم فهذا العبور على هذا الصراط هو الورود المذكور في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) وأيدوا قولهم بأن النبي ﷺ قال أنه (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وذلك في صلح الحديبية حين بايع النبي ﷺ أصحابه تحت شجرة هناك وبأنه ثبت في الصحيحين من حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فقوله (حرم على النار) وقوله في الحديث الذي قبله (لا يدخل النار أحد) يدل على أن المؤمنين لا يدخلون النار وإذا كان كذلك تعين أن يكون المراد بالورود هو الورود فوقها وكلا القولين له وجه والعلم عند الله تعالى ولكن المهم أن نعلم علم اليقين أن من مات من أهل الكبائر فإنه إذا دخل النار يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج منها إن شاء الله تعالى أن يعذبه وقد يغفر الله له لأن الله تعالى يقول (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ولكن ينبغي للإنسان بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من كل معصية لأنه لا يدري فربما لا يكون داخلًا تحت مشيئة الله المغفرةُ له فإن من مات بدون توبة من كبائر الذنوب غير الكفر والشرك فإنه يخشى ألا يغفر الله له لأن الله قيد المغفرة له بالمشيئة فقال (لمن يشاء) فلا ينبغي أن يتخذ بعض الناس هذه الآية سبيلًا إلى التهاون بالتوبة وعدم المبالاة بفعل الكبائر إذ لا يدري أيدخل فيمن شاء الله أن يغفر له أم لا يدخل فهو على خطر حتى يتوب إلى الله توبة نصوحًا. ***
نورة من القصيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ما معنى هذه الآية الكريمة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى يقول ما منكم أحد إلا وارد للنار وهذا الخبر كان حتمًا على الله ﷿ مقضيًا لا بد منه ولكن بعد هذا الورود ينقسم الناس قسمين قسم قد اتقى الله ﷿ وقام بما يلزمه من شرائع الله في الدنيا فينجيه الله ﷿ من النار وقسم آخر ظالم لنفسه مضيع لحق الله ﷿ فهذا يترك في النار جاثيًا واختلف العلماء في المقصود بالورود هنا فمنهم من قال إن المراد بالورود المرور على متن جهنم على الصراط الذي يوضع على متن النار فيكردس من كان ظالمًا في النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج ومن كان متقيًا فإنه ينجو ولا يكردس في النار ومنهم من قال إن الورود هو الوقوع في النار نفسها وإن كل واحد يدخل النار ولكن المتقين لا تضرهم النار شيئًا ولا يجدون شيئًا من عذابها. ***
يقول السائل ما معنى الورود في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نشكر السائل على سؤاله عن معنى هذه الآية الكريمة ونرجو أن يحتذي المسلمون حذوه في البحث عن معاني آيات القرآن الكريم وذلك لأن الله أنزل الكتاب وبين الحكمة من إنزاله فقال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فوصف الله تعالى القرآن بأنه مبارك لبركته في آثاره وفي ثوابه وبين الحكمة من إنزاله وجعل ذلك في شيئين الأول ليدبروا آياته أي يتفهموها ويتفكروا في معانيها مرةً بعد أخرى حتى يصلوا إلى المراد منها والأمر الثاني أن يتذكر أولو الألباب والتذكر يعني الاتعاظ والعمل بما علم الإنسان من معاني الآيات الكريمة ولا يمكن العلم في معاني آيات القرآن الكريم إلا بالبحث ومراجعة أهل العلم وعلى هذا فنقول أنه ما منكم من أحد إلا وارد النار أي سيردها واختلف العلماء في الورود المقصود من هذه الآية فقيل معنى الورود أن الإنسان يقع في النار لكنها لا تضره بشيء كما أن إبراهيم ﵊ ألقي في النار فقال الله تعالى (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فكانت بردًا وسلامًا عليه فيرد الناس النار ويسقطون فيها وإذا كانوا لا يستحقون العقوبة بها لم تضرهم شيئًا وقال بعض العلماء المراد بالورود العبور على الصراط والصراط هو الجسر الموضوع على جهنم أعاذنا الله والمستمعين وإخواننا المسلمين منها فيمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم وهو ممرٌ دحضٌ ومزلة وعليه الكلاليب تخطف الناس بأعمالهم والمرور عليه بحسب العمل في الدنيا فمن الناس من يمر كالبرق ومنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم وهذا المرور على قدر قبول الإنسان لشريعة الله في الدنيا فمن قبلها بانشراح واطمئنان وسارع فيها وتسابق إليها فإنه سوف يمر على هذا الصراط سريعًا ناجيًا ومن كان دون ذلك فعلى حسب عمله فصار في معنى الورود المذكور في الآية قولان القول الأول الوقوع في جهنم لكن لا تضر من لم يكن مستحقًا للعذاب فيها والثاني العبور على الصراط الموضوع على جهنم. ***
ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) هل معنى ذلك أن الكافر والمسلم لا بد أن يردوها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ورود الكافر النار فهذا أمر ظاهر ولا إشكال فيه كما قال الله تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وأما المؤمنون فإن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) فقد اختلف أهل التفسير في المراد بالورود هنا فقال بعض المفسرين إن المراد بالورود ورود الناس على الصراط لأن الصراط منصوب على جهنم فإذ مر الناس عليه فهذا ورود لجهنم وإن لم يكونوا في داخلها والورود يأتي بمعنى القرب من الشيء كما في قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) أي قرب حوله وليس معناه أنه دخل في وسط الماء وقال بعض المفسرين إن المراد بالورود دخول النار لكن من دخلها من غير المذنبين فإنه لا يحس بها فتكون عليه بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم أي كما كانت نار الدنيا بردًا وسلامًا على إبراهيم والله أعلم. ***
سورة (طه)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) ما تفسير ذلك وما هي المآرب الأخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير ذلك أن الله ﷿ سأل موسى ﵊ عن العصا التي معه وهو ﷾ يعلم ولا يخفى عليه ذلك لكن ليبين لموسى أن هناك شأنًا أعظم مما كان يستعملها فيه فبين موسى ﵊ مقاصده بهذه العصا فقال هي عصاي أتوكأ عليها يعني أعتمد عليها عند الحاجة وأهش بها على غنمي يعني أنني أهش ورق الشجر على الغنم حتى تأكله وأن له مآرب أخرى فيها يعني حاجات أخرى كالدفاع عن النفس فيما لو صال عليه أحد وكقتل المؤذيات من حيةٍ أو عقرب وكضرب الناقة أو الجمل التي يركبها وغير ذلك مما هو معلوم من مصالح العصا ثم قال ﷿ (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) وهذه هي النتيجة من سؤال الله تعالى له عن هذه العصا وأن هناك شأنًا أعظم وأشد مما كان يتخذ هذه العصا له وهي أنه يلقيها فتكون حية تسعى ذات روح وقد حصل لهذه الحية أنها التقطت كل ما صنعه السحرة الذين جمعهم فرعون ليكيد بهم موسى ﵊ قال الله تعالى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . ***
سورة (الحج)
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدن جمع بدنة وهي الإبل جعلها الله تعالى من شعائر دينه يتقرب بها المسلم إلى ربه بنحرها والأكل منها وتوزيعها ولهذا أمر الله تعالى أن نذكر اسم الله عليها وذلك عند نحرها تنحر صواف أي على ثلاث قوائم لأن السنة في الإبل أن تنحر وهي قائمة معقولة اليد اليمنى فيأتيها الناحر من الجانب الأيمن ويطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ثم تسقط بعد ذلك ولهذا قال (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) أي سقطت على الأرض (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع الفقير الذي لا يسأل والمعتر الفقير الذي يسأل (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني مثل هذا لتسخير والتذليل سخرها الله ﷿ وذللها ولو سلطها لكنا لا نستطيعها لكبر جسمها وقوتها ولكن الله تعالى ذللها لعباده وسخرها لهم قال الله ﵎ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) ذللها الله لنا نركبها ونأكل منها أرأيت الذئب أصغر منها جسما وأقل منها قوة ومع ذلك حيث لم يسخر لنا لا نستطيع أن ننتفع به بل ربما يعدو علينا ويضرنا وهذه الإبل مع قوتها وكبر جسمها مذللة حتى إن الصبي يقودها بمقودها إلى منحرها وهي مطيعة ذليلة والإبل يتقرب إلى الله تعالى بنحرها في الهدي والأضحية وأما العقيقة عن المولود فمن العلماء من قال إنه يعق بها عن المولود لكنها لا تجزئ إلا عن شاة واحدة ومنهم من قال لا يعق لأن العقيقة إنما وردت في الضأن والمعز ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يعق الإنسان عن ابنه بناقة أو جمل أو بقرة أو ثور لكن الشاة أفضل منها. ***
أحمد حسن جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية معناها أن الله ﷾ شبه المشرك بالله بمن خر من السماء من فوق من مكان عالٍ ولكنه لم يستقر على الأرض لم يكن له قرار هوت به الريح أو خطفه الطير ولم يكن له قرارٌ على الأرض التي قصدها وهكذا المشرك بالله ﷿ لا يستفيد ممن أشرك به شيئًا ولا يصل به إلى مقصوده لأن هذا الوثن الذي عبده من دون الله ﷾ لا يغني عنه من الله شيئًا فهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا نصر عابديهم ولا يملكون لهم نفعًا ولا ضرا وقد شبه الله ﷾ هؤلاء المعبودين عابديهم بباسط يده إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه كالرجل يمد يده إلى الماء وهو باسطٌ لها ليصل الماء إلى فمه وهذا لا يمكن وكذلك شبه عبادة الأصنام مع معبوديها بالعنكبوت اتخذت بيتًا قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فكل من تعلق بغير الله وعبده وتقرب إليه بالعبادة أو استغاث به أو استعانه في أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله فإنه مشركٌ بالله ﷿ شركًا أكبر مخرجًا عن الملة فعليه أن يتوب إلى ربه وأن يخلص العبادة له قبل أن يفجأه الموت فلا تنفعه التوبة. ***
سورة (المؤمنون)
علي الأحمد مامعنى الآية الكريمة (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ) ما هي هذه الشجرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الشجرة شجرة الزيتون فإنها مباركة يخرج منها إدامًا هذا الدهن الزيت يكون صبغا للآكلين يعني إيداما لهم. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله أمر نبيه محمدًا ﷺ أن يستعيذ ربه من همزات الشياطين وهي ما تلقيه في قلب الإنسان من الوساوس والإيرادات السيئة وأن يستعيذ ربه من أن يحضروه في أفعاله في عبادته في مأكله في مشربه في جميع أحواله وأخص شيء في ذلك حضورهم عند الموت فإن الشيطان يحضر عند الموت ويحرص غاية الحرص على أن يضل بني آدم لأنه في تلك اللحظة تكون السعادة أو الشقاوة نسأل الله أن يختم لنا وللمسلمين بحسن الخاتمة وأمر الله تعالى نبيه ﷺ أمر له وللأمة لأن النبي ﷺ هو الرسول المتبع والإمام المطاع وعلى هذا فيكون مشروعًا لنا أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين ومن أن يحضرونا. ***
سورة النور
عادل محمد فهد من العراق الناصرية يقول ما معنى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال هذا الرجل من أجود الأسئلة وأحبها إلي وذلك أنه سؤال عن تفسير آية من كلام الله ﷾ الذي هو خير الكلام والذي أود من جميع إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم أن يعتنوا به فإن العلوم تشرف بحسب معلوماتها ولاشك أن أفضل المعلومات وأشرفها هو العلم بكتاب الله ﷾ فأدعو جميع المسلمين ولا سيما طلبة العلم إلى أن يتفهموا كلام الله ﷾ حتى يستطيعوا تنفيذه والعمل به فإن النبي ﷺ قال (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أما الآية التي سأل عنها فإن الله ﵎ يأمر أن نجلد الذين يرمون المحصنات ومعنى يرمونهن أي يقذفونهن بالزنى فيقولون هذه المرأة زانية وما أشبه ذلك والمحصنة هي المرأة الحرة العفيفة عن الزنى فإذا قذفها الإنسان بالزنى فإنه يكون بذلك مدنسًا لعرضها مفتريًا عليها وحينئذٍ يجلد ثمانين جلدة وإنما قلت مفتريًا عليها مع أنه قد يكون صادقًا لأنه إذا لم يأت بأربعة شهداء فهو كاذب عند الله كما قال الله تعالى (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) وفي الآية الكريمة التي سأل عنها الأخ رتب الله ﷾ على القذف ثلاثة أمور الأمر الأول (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) والأمر الثاني (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) والأمر الثالث (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فهم يجلدون ثمانين جلدة حد القذف ولا تقبل شهادتهم بعد ذلك أبدًا على أي شيء شهدوا وهم فاسقون يحكم بفسقهم ولا يتولون أمرأً تشترط فيه العدالة إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنهم يزول عنهم وصف الفسق وكذلك يزول عنهم منع الشهادة على القول الراجح وأما الحد فلا يسقط عنهم بتوبتهم لأنه حق لآدمي فلابد من أن ينفذ. ***
أم أحمد من البحرين تقول ما المقصود بقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهل لبس القفازات واجب على المرأة حيث أنني ألبس القفازات وزوجي يرفض لبس القفازات بحجة أنها ليست واجبة أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله ﵎ (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النهي أي نهي النساء أن يظهرن زينتهن أي لباسهن الذي تتزين به المرأة (إلا ما ظهر منها) يعني إلا الذي لابد من ظهوره وهو العباءة والملاءة التي تكون فوق القميص ونحوه هذا هو القول الراجح في معنى الآية الكريمة ومن ذلك أي من عدم إظهار الزينة ألا تظهر المرأة ما تلبسه من الحلي وشبهه لقول الله ﵎ (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) وأما لبس القفازين فإن ذلك من عادة نساء الصحابة ﵃ ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى المحرمة أن تلبس القفازين) وهذا يدل على أن من عادتهن أي من عادة نساء الصحابة أن يلبسن القفازين وعلى هذا فينبغي للزوج أن يفرح بِلُبْسِكِ القفازين لأن هذا من عادة نساء الصحابة ﵃ فإن أبى إلا أن تمتنعي من لباس القفازين فاستري يديك بطرف العباءة ونحو ذلك. ***
يقول السائل ما المراد بالآية الكريمة في قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أنه كان أناس في الجاهلية يكرهون فتياتهن أي مملوكاتهن من الإماء على الزنى من أجل الاكتساب من وراءهن فنهاهم الله عن ذلك وقال (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي قوله (أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) إظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد الذين يكرهون إماءهم على الزنى فإنه قال كيف تكون هذه الأمة وهي أمة تريد التحصن ثم تكرهها أنت على الزنى من أجل عرض الدنيا ففيه من اللوم والتوبيخ ما هو ظاهر وليس شرطًا في الحكم بمعنى أنها لو لم ترد التحصن فلك أن تكرهها لا ولكن هذا المقصود به أظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد بالنسبة لإكراههم فتياتهم على البغاء وفي قوله (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أن من أكرهت على هذا الأمر فإن الله تعالى يغفر لها إذا ثبت الإكراه ولهذا قال (مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن المكره لا إثم عليه سواء مكره على قول أو على فعل إذا لم يفعله بعد الإكراه رغبة منه. فضيلة الشيخ: إذًا المغفرة والرحمة هنا عائدة على الفتيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المغفرة والرحمة عائدة على الفتيات. ***
يفسر بعض العلماء الآية الكريمة (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) بأنه نور المؤمن فما الصواب في هذا علمًا بأنهم يقولون إذا فسر بنور الله صار فيه تشبيه ونحن نعلم بأن الضمير كما يقول علماء اللغة بأنه يعود على أقرب مذكور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد عن السلف في قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ) أي مثل النور الذي يؤتيه في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح وهذا لا يخرج عن نطاق اللغة العربية لأن الله قد يضيف المخلوق إليه من باب التشريف والتكريم كما في بيت الله وناقة الله ومساجد الله فيكون معنى مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح ... الخ والمشكاة كوة تكون في الجدار مقوسة يوضع فيها المصباح وهذا المصباح في زجاجة الزجاجة صافية كأنها كوكبٌ دري وهذا النور يوقد من شجرةٍ مباركة زيتونة لا شرقية تنحجب عن الشمس عند غروبها ولا غربيةً تنحجب عن الشمس عند شروقها بل هي في أرضٍ واسعة فلاة لأن هذا يؤدي إلى أن يكون زيتها من أجود الزيوت وهذا تفسيرٌ واضح لا إشكال فيه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن القواعد وهن العجائز اللاتي قعدن في البيوت ولا يرجون نكاحا يعني ما يأملن أن يتزوجهن أحد لكبر سنهن ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن يعني الثياب التي تستر المرأة كلها فلها أن تكشف الوجه والكفين والرجلين بشرط ألا تكون متبرجة بزينة بمعنى ألا تلبس ثيابا تفتن بها غيرها (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) أي فلا يضعن ثيابهن بل تستر المرأة نفسها كلها عن الرجال غير المحارم (خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هذا وهن القواعد كيف بالشابات اللاتي يكشفن وجوههن وأكفهن وأقدامهن عند إخوان أزواجهن أو أبناء أعمامهم أو ما أشبه ذلك مما جرت به عادة بعض الناس أو تكشف هذا للأجانب في الأسواق وغيرها لكن لبعد الناس عن تدبر القرآن والسنة ولتحكم العادات فيهم صار ما صار من التبرج وعدم المبالاة نسأل الله أن يردنا جميعا إلى ما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا وفي الآخرة. ***
سورة الشعراء
يقول السائل قال الله تعالى في كتابه العزيز (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وقال في موضعٍ آخر (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وقال (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فما معنى هذه الآيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات كما سمعنا جميعًا ذكر بعضها بالإفراد وبعضها بالتثنية وبعضها بالجمع وقد يفهم الإنسان بادئ ذي بدء أن هناك تعارضًا بين هذه الآيات وأقول إنه لا تعارض في القرآن الكريم أبدًا فالقرآن الكريم لا يتعارض بعضه مع بعض ولا يتعارض مع ما صح عن النبي ﷺ فإذا وجدت شيئًا متعارضًا فاطلب وجه الجمع بين هذه التي تظن أنها متعارضة فإن اهتديت إلى ذلك فذلك المطلوب وإن لم تهتد إليه فالواجب عليك أن تقول كما يقول الراسخون في العلم (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) واعلم أنه إنما يتوهم التعارض بين القرآن أو بينه وبين ما صح عن النبي ﷺ من كان قاصرًا في العلم أو مقصرًا في التدبر وإلا فإن الله يقول (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) وإنما قدمت هذه المقدمة لأجل أن تعم الفائدة أما الجواب على السؤال فنقول إن الإفراد في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشرِقِ وَالْمَغرِبِ) يراد به الجنس وما أريد به الجنس فإنه لا ينافي التعدد وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) فإن المراد بالمشرقين ما يكون في الصيف وفي الشتاء يعني آخر مشرق للشمس في أيام الصيف وآخر مشرق للشمس في أيام الشتاء يعني معناه مدار الشمس أو انتقال الشمس من مدار الجدي إلى مدار السرطان تكون في آخر هذا في أيام الصيف وفي آخر هذا في أيام الشتاء هذا أكبر دليل على قدرة الله ﷿ حيث ينقل هذا الجرم العظيم وهذه الشمس العظيمة ينقلها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وبالعكس وهذا من تمام قدرة الله ﷿ أن تنتقل من الشمال إلى الجنوب فهذا معنى المشرقين أي مشرقا الصيف والشتاء وأما قوله (الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) بالجمع فقيل إن المراد مشرق الشمس ومغربها كل يوم فإن لها في كل يوم مشرقًا ومغربًا غير المشرق والمغرب في اليوم الذي قبله أو اليوم الذي يليه والله تعالى على كل شيء قدير وقيل المراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس والنجوم والقمر فإنها تختلف فيكون الجمع هنا باعتبار ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وعلى كل حال فالله تعالى رب هذا كله وهو المدبر ﷾ والمتصرف فيه كما تقتضي حكمته. ***
ما معنى هذه الآية الكريمة (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من دعاء إبراهيم ﵊ سأل الله تعالى أن يجعل له لسان صدق في الآخرين أي أن يجعل له من يثني عليه في الآخرين ثناء صدق وقد استجاب الله تعالى دعاءه فكان إبراهيم ﵊ محل الثناء في كتب الله ﷿ وفي ألسنة رسله حتى إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ) فالثناء على إبراهيم حصل في الآخرين حتى إن اليهود قالوا إن إبراهيم كان يهوديا والنصارى قالوا إن إبراهيم كان نصرانيا فأنكر الله ذلك وقال (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) والمقصود أن هذه الأمم كلها تفتخر أن يكون إبراهيم ﵊ منها لكنها كاذبة ما عدا المسلمين، واليهود والنصارى ليسوا على هذا الوصف بل هم كفار. (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) وقد كذبهم الله تعالى في ذلك في قوله (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ) وفي سورة الإخلاص قال الله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) . ***
في كتاب الله ورد (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ) هل الغاوون هم الشياطين وما معنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغاوون جمع الغاوي وهو كل من خالف طريق الرشد ومعنى يتبعهم الغاوون أي يأخذون بهم بأقوالهم وشعرهم من المدح والذم والرثاء والهجاء وغير ذلك مما يكون مخالفًاَ للشرع من أقوال الشعراء فتجد أهل الغواية يتبعون هؤلاء ويعتدون بأقوالهم ويسبون الناس بما يقولون من هذه الأشعار ولكن هذا ليس عامًا لكل شاعر ولهذا قال الله تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) . ***
سورة النمل
س. ع. ع. من العراق محافظة البصرة تقول ما معنى قوله تعالى في سورة النمل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن سليمان ﵊ لما علم بملكة سبأ المشركة التي تسجد هي وقومها للشمس من دون الله أرسل إليها والقصة معروفة في سورة النمل فجاءت إلى سليمان ﵊ فبنى صرحًا من قوارير زجاج يحسبه الرائي ماءً فجاءت هذه المرأة فحسبته ماءً فكشفت عن ساقيها فقال إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير وإنما قصد سليمان والله أعلم أن يبين لها ضعفها حتى ينكسر منها لواؤها ويتبين لها أنها ضعيفة ولهذا قالت (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . ***
ابتسام محمد أحمد من العراق الأنبار تقول ما معنى قوله تعالى (وترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وهل يستدل بهذه الآية على صحة القول بدوران الأرض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لسؤال المرأة عن قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فهذه الآية في يوم القيامة لأن الله ذكرها بعد ذكر النفخ في الصور وقال (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها وليست في الدنيا وقوله تحسبها جامدة أي ساكنة لا تتحرك ولكنها تمر مر السحاب لأنها تكون هباءً منثورًا يتطاير وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض فليس كذلك هذا الاستدلال غير صحيح لما ذكرنا من أنها تكون يوم القيامة ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم لأنها ليست مسألة يتعين على العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة بيانًا ظاهرًا لا خفاء فيه وحيث إن الأمر هكذا فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس فإن الله يقول في القرآن الكريم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فقال تجري فأضاف الجريان إليها وقال (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فهنا أربعة أفعال كلها أضافها الله إلى الشمس إذا طلعت تزاور وإذا غربت تقرضهم هذه الأفعال الأربعة المضافة إلى الشمس ما الذي يقتضي صرفها عن ظاهرها وأن نقول إذا طلعت في رأي العين وتتزاور في رأي العين وإذا غربت في رأي العين وتقرضهم في رأي العين ما الذي يوجب لنا أن نحرف الآية عن ظاهرها إلى هذا المعنى سوى نظريات أو تقديرات قد لا تبلغ أن تكون نظرية لمجرد أوهام والله تعالى يقول (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ) والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلًا وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه كما قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه كما قال الله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فنحن نقول إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس هذه النظرية باطلة لمخالفتها لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق ﷾ وهو أعلم بخلقه وأعلم بما خلق فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضًا أهل النظر فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة وأن الشمس تدور عليها لم يزل سائدًا إلى هذه العصور المتأخرة ثم إننا نقول إن الله تعالى ذكر أنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل والتكوير بمعنى التدوير وإذا كان كذلك فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس لأنه يكون كذلك بالتكوير ثم إن النبي ﷺ ثبت عنه أنه قال لأبي ذر ﵁ وقد غربت الشمس (أتدري أين تذهب قال الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) إلى آخر الحديث وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض لقوله (أتدري أين تذهب) وفي الحديث المذكور قال (فإن أذن لها وإلا قيل ارجعي من حيث جئت فتخرج من مغربها) وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض وهذا الأمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده عملًا بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة والتي سيدور الزمان عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية هذا ما نعتقده في هذه المسألة أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولًا ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتًا أو نفيًا لكان الله تعالى يبينها بيانًا ظاهرًا لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه خلاف الحق ونعلم أن النبي ﷺ يتكلم كذلك عن علم ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق ولا يمكن أن يكون يأتي في أمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده ﷺ فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله ﷺ اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علمًا يقينيًا بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبدًا إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض. ***
سورة القصص
عبد القادر عبد الله من جمهورية السودان الديمقراطية يقول يقول الله ﵎ في الآية العشرين من سورة يس (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وفي الآية العشرين أيضًا من سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ) السؤال من هما الرجلان وما تفسير هذه الآية بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال ينبغي أن نعلم أنه إذا جاء المسمى مبهمًا في القرآن أو في السنة فإن الواجب إبقاؤه على إبهامه وأن لا نتكلف في البحث عن تعيينه لأن المهم هو القصة والأمر الذي سيق من أجله الكلام للاعتبار والاتعاظ وكونه فلانًا أو فلانًا لا يهم فالمهم الأمر الواقع فالقرآن الكريم لم يبين الله تعالى فيه هذا الرجل في الآيتين الكريمتين بل قال في سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) وفي سورة يس قال وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) فقدم الرجل في سورة القصص وأخره في سورة يس ولم يبين ذلك ومحاولة الوصول إلى تعيينه ليس وراءها فائدةٌ تذكر وعلى هذا فلا ينبغي أن يشغل الإنسان نفسه بتعيين مثل هذه المسميات بل تبقى الآيات والأحاديث على إبهامها ويوجه المخاطب إلى أن المقصود الاعتبار لما في القصة من أحكامٍ ومواعظ. أما تفسير الآيتين ففي سورة القصص غيّب الله ﷾ لموسى رجلًا ناصحًا جاء من أقصى المدينة يخبر موسى ﵊ بأن الملأ وهم الأشراف والأكابر في المدينة يتشاورون ماذا يصنعون بموسى ﵊ الذي قتل أحدهم أي أحد الأقباط وكان هذا من تيسير الله ﷿ لموسى ﷺ ولهذا أرشده الرجل بأن يخرج قال فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفًا يترقب وذكر الله تمام القصة أما في سورة يس فإن الله ﷾ أرسل إلى أهل القرية رسولين فكذبوهما وأنكروا رسالتهما فأرسل الله تعالى رسولًا ثالثًا يعززهما به أي يقويهما به ولكن مع ذلك أصروا على الإنكار وجرى بينهم وبين أهل هذه القرية ما جرى فجاء من أقصى المدينة وهنا قدم الأقصى من أقصى المدينة للاهتمام بهذا الأمر وقال من أقصى المدينة يعني مع بعده جاء إلى قومه (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى تمام القصة كان هذا ناصحًا لقومه مرشدًا لهم وكان عاقبته أن قيل له ادخل الجنة (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) . ***
سعد عبد الوهاب من خميس مشيط يقول ذكر في القرآن الكريم في سورة القصص مدين التي ذهب إليها رسول الله موسى عليه أفضل الصلاة والسلام فأين تقع مدين مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه يظهر والله أعلم أنها تقع في صحراء مصر لأنه قال (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وأرجو من الأخ السائل أن يرجع إلى كلام أهل العلم في هذا. ***
سورة العنكبوت
الأخ س. أ. ب. من بلدة المحاني يقول ما معنى كلمة الحيوان في قوله تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وما معنى الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية تدل على أن الدنيا ليست إلا لهوا في القلوب وغفلة ولعبا في الجوارح من المرح والبطر وما أشبه ذلك إلا ما كان طاعة لله ﷿ فإن ما كان طاعة لله ﷿ فإنه حق وليس لهوا ولا لعبا بل هو حق ثابت يكون الإنسان فيه مثابا عند الله ﷿ ومأجورا عليه لكن الدنيا التي هي الدنيا ليست إلا لعبا ولهوا ولهذا تجد الإنسان فيها لاهيا لاعبا حتى يأتيه اليقين وكأنها أضغاث أحلام أما قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فالمعنى أن الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الثابتة التي ليس فيها لمن دخل الجنة تنغيص ولا تنكيد ولا خوف ولا حزن وقوله (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) يعني لو كانوا يعلمون الحقيقة ما اشتغلوا بالدنيا التي هي لهو ولعب عن الآخرة التي هي الحيوان فإن الإنسان لو كان عنده علم نافع في هذا الأمر لكان يؤثر الآخرة على الدنيا ولا يؤثر الدنيا على الآخرة ومع هذا فإن نصيب الإنسان من الدنيا لا يمنع منه إذا لم يشغله عن نصيبه في الآخرة فلا حرج على الإنسان أن يأخذ من الدنيا ما أحل الله له بل إن الامتناع من الطيبات بغير سبب شرعي مذموم وليس من طريقة أهل الإسلام إنما ما ألهى عن طاعة الله من هذه الدنيا فإنه لا خير فيه. ***
أحمد سعد من دمشق يستفسر عن الآية الكريمة (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله ﷾ قبل هذا (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لعب بالأبدان ولهو بالقلوب وبين أن الدار الآخرة هي الحيوان يعني الحياة الكاملة التي ليس فيها نقص وهذا كقوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) فالحياة الحقيقية هي حياة الآخرة لأنها حياة ليس بعدها موت فصارت هي الحياة الحقيقية وهذا هو معنى قوله (لَهِيَ الْحَيَوَانُ) أي لهي الحياة الكاملة من كل وجه. ***
سورة الروم
ما معنى قوله تعالى (الم (١) غُلِبَتْ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية بين الله ﷿ أن الروم وكانوا يدينون بدين النصرانية قبل بعثة النبي ﷺ وهم أقرب إلى الحق من خصومهم الفرس فيقول الله تعالى (غُلِبَتْ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الأَرْضِ) أي المراد به أقربها لأنهم كانوا في الشام (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ستكون الدائرة لهم بعد أن كانت عليهم لكن في بضع سنين والبضع ما بين الثلاث إلى التسع وإذا أخبر الله ﷿ خبرًا وقع الأمر كما أخبر لأن هؤلاء الروم الذين غلبوا سوف تكون الغلبة لهم في هذه المدة وقد كان الأمر كما أخبر الله ﷾ فغلبت الروم بعد ذلك الفرس وفرح المؤمنون بنصر الله ﵎ لهؤلاء الروم على الفرس. ***
المطر الذي ينزل من السماء من أين مصدره أهو كما يقال من بخار البحر أم هو من السماء وكيف ينشأ البرق والرعد إن كان في القرآن ما يشير إلى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) فهذا المطر ينزل من السحاب والسحاب قد أثارته الرياح بأمر الله ﷿ وليس لديّ علم بأكثر من ذلك لكن إذا علم أن هنالك أسبابا طبيعية فإنه لا حرج في قبولها إذا صحت فإن الله تعالى قد يجعل الشيء له سببان سبب شرعي وسبب كوني قدري مثل الكسوف كسوف الشمس أو القمر له سبب شرعي وهو ما ذكره النبي ﵊ في قوله (يخوف الله بهما من شاء من عباده) وهذا هو الذي ينبغي للمرء أن يعلمه وجهله نقص وأما السبب الكوني للكسوف فهو حيلولة القمر بين الشمس والأرض في كسوف الشمس ولهذا لا يكون كسوف الشمس إلا في الاستسرار في آخر الشهر لإمكان ذلك وسبب خسوف القمر هو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر وهذا لا يكون إلا في ليالي الإبدار لإمكان ذلك والمهم أن السبب الشرعي هو النافع الذي يكون سببا لصلاح القلوب وعلى هذا فنقول إن سبب نزول المطر هو ما ذكره الله تعالى في القرآن وأما الرعد والبرق فإنه ورد في الحديث أن الرعد (صوت ملك موكل بالسحاب وأن البرق سوطه) ولكن لا يحضرني الآن صحة هذا الحديث فإن صح وجب القول بموجبه وإن لم يصح فالله أعلم. ***
سورة (لقمان)
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان وهل أوتي النبوة وما معنى كلمة سورة باللغة العربية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه وتلك الوصايا التي ذكرها له والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحيانًا كما يقال سورة البقرة سورة آل عمران سورة الإسراء وما أشبه ذلك. والصحيح أن لقمان ليس بنبي وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم وقولنا مع العلم للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم والصواب أنه ليس من الأنبياء وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. ***
سورة (السجدة)
أبو مصعب محمد سليمان مقيم بالرياض يقول أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول ﷺ تعارض أبدًا وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه وإلا فكتاب الله وما صح عن رسوله ﷺ ليس فيهما تعارض إطلاقًا قال الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله أو حديثين عن رسول الله ﷺ أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع فإن عجزت عن ذلك فاعلم أنه إما لقصور فهمك أو لنقص علمك ولا تتهم كتاب الله ﷿ وما صح عن رسوله ﷺ بتعارض وتناقض أبدا وبعد هذه المقدمة أقول إن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وقوله في سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) الجمع بينهما أن آية السجدة في الدنيا فإنه ﷾ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر مقداره ألف سنة مما نعد لكنه يكون في يوم واحد ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة وقد قال بعض أهل العلم إن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي ﵊ (أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة) فإذا نزل من السماء ثم عرج من الأرض فهذا ألف سنة وأما الآية التي في سورة المعارج فإن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) فقوله (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه لقوله (الْمَعَارِجِ) وقوله (في يوم) ليس متعلقًا بقوله تعالى (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) لكنه متعلق بما قبل ذلك وقوله (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة وهو قوله (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) هي جملة معترضة وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة (أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم. ***
سورة (الأحزاب)
عبد الله حاج يسأل عن قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في هذه الآية الكريمة يخبر الله ﷿ أنه عالم بالمعوقين من هؤلاء يعني عن الجهاد الذين يخذلون الناس ويرجفون بالأعداء ويقولون للناس مثلًا لا حاجة للجهاد أو يقولون العدو كبير أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تثبط الناس عن الجهاد وهؤلاء مع تثبيطهم عن الجهاد يدعون الناس إلى أن يكونوا مثلهم في الكسل والتهاون يقولون هلم إلينا وهم بأنفسهم أيضًا لا يأتون الحرب ويقابلون العدو إلا قليلًا والقليل هنا إما يكون بمعنى المعدوم أو بمعنى القليل جدًا على كل حال في هذه الآية وعيد لمن كان يثبط الناس عن الجهاد في سبيل الله ويعوقهم عنه وهذا الوعيد مأخوذٌ من قوله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) . ***
يقول تعالى (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى آخر الآية من هي هذه المرأة وما هي قصتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) هذه نكرة لا تخص امرأة بعينها ولكن مع ذلك قد حصل (أن امرأة جاءت إلى النبي ﵊ فقالت يا رسول الله إني وهبت نفسي لك فردد فيها النظر ﵊ ولكنها لم تعجبه فقام رجل فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها إلى آخر الحديث) وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ﵁ وأما الآية فلا تدل على امرأة معينة. ***
السائل منصور اللحياني يقول قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقال ﷺ (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) السؤال كيف تكون صلاة الله والملائكة على النبي ﷺ وكيف تكون صلاة الله على العبد وإذا تليت هذه الآية في الصلاة فهل يجب علي أن أصلى على النبي ﷺ أم أنصت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الله تعالى على رسوله وصلاة الملائكة على رسوله تعني الثناء عليه قال أبو العالية ﵀ (صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى) فهذا معنى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أي يثنون عليه في الملأ الأعلى وأما صلاتنا نحن عليه إذا قلنا اللهم صل على محمد فهو سؤالنا الله ﷿ أن يثني عليه في الملأ الأعلى وإذا مرت هذه الآية في الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فلا حرج أن تصلى ﵊ وإذا لم تصل عليه فلا حرج أيضا أولًا لأنك مأمور باستماع قراءة إمامك وثانيا لأنه يمكنك أن تنوي بقلبك أنك ستصلى عليه ﷺ في مواطن الصلاة عليه والحاصل أنه إذا مرت بك وأنت في الصلاة فإن شيءت فصل عليه وإن شيءت فلا تصل. ***
السائل من سوريا أ. أ. يقول في الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ما كيفية الصلاة على النبي ﷺ وما معنى الصلاة في الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية الصلاة أن يقول اللهم صلِّ على محمد والكامل منها أن يقول اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد لا سيما إذا كان يصلى فهذه هي الكيفية المطلوبة والصلاة من الله ﷿ قيل إنها الثناء على المصلى عليه في الملأ الأعلى وقيل إنها منزلة عالية فوق الرحمة ولكننا لا ندري ما هي وقيل إن الصلاة من الله هي الرحمة لكن هذا القول ضعيف لقوله تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فعطف الرحمة على الصلوات فدل هذا على أنها ليست هي الرحمة أما الإنسان إذا دعا الله أن يصلى على نبيه فمعناه أن يجعل عليه صلاته. ***
يقول السائل ما معنى الآية الكريمة (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعليل لما سبق حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) يعني أنهن إذا أدنين من جلابيبهن عرف أنهن حرائر فلا يحصل من أحد أذية لهن بخلاف الإماء فإن الإماء ربما يتعرض أحد لأذيتهن. ***
ع ع ح الأحمدي المدينة النبوية تقول ما المقصود في قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا جواب لسؤال الناس الذين يسألون الرسول ﵊ متى الساعة فقال الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) يعني ما يعلمك أيها الإنسان أو ما يعلمك أيها النبي أن الساعة تكون قريبا وصدق الله ﷿ فإن كل آت قريب وانظر إلى نفسك تتطلع إلى الشيء تطلُّع البعيد فإذا به وقد حل يفطر الناس من رمضان ويقولون متى يأتي رمضان الثاني وإذا بهم يحل بهم رمضان الثاني وكأن أيامه دقائق أو لحظات فالساعة قريبة مهما طال الزمن وفي الآية دليل واضح على أنه لا أحد يعلم متى تكون الساعة فمن ادعى أنه يعلم الساعة متى تكون فقد كذب القرآن وهو كافر مرتد عن دين الإسلام وفي حديث عمر بن الخطاب ﵁ المشهور حين جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له متى الساعة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) يعني إذا كنت لا تعلم فأنا لا أعلم وإذا كان هذان الرسولان الكريمان أفضل الرسل فإن جبريل أفضل الملائكة ومحمد أفضل البشر إذا كان هذان الرسولان الكريمان لا يعلمان متى الساعة فمن دونهما من باب أولى فمن ادعى علم الساعة فهو كاذب مكذب لله ﷿ ولرسوله فإن علم الساعة عند الله تعالى لكنه ليس ببعيد بل هو قريب لأن كل آت قريب والماضي هو البعيد فيومك الأمس أبعد عليك من ألف يوم يأتي لك إن قدر الله لك البقاء. ***
من جمهورية مصر العربية رمز لاسمه بي م ح خ يعمل في العراق يقول يقول الله ﷾ في آخر سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما المقصود بالأمانة هنا هل هي أمانة العقل أو ما اؤتمن عليه الإنسان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالأمانة هنا كل ما كلف به الإنسان من العبادات والمعاملات فإنها أمانة لأنه مؤتمن عليها وواجب عليه أداؤها فالصلاة من الأمانة والزكاة من الأمانة والصيام من الأمانة والحج من الأمانة والجهاد من الأمانة وبر الوالدين من الأمانة والوفاء بالعقود من الأمانة وهكذا جميع ما كلف به الإنسان فهو داخل في الأمانة هذه الأمانة أو هذا الالتزام لا يكون إلا بالعقل ولهذا كان الإنسان حاملًا لهذه الأمانة بما عنده من العقل وليست البهائم ونحوها حاملة للأمانة لأنه ليس لها عقل فهي غير مكلفة فالله ﷿ عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وهذه المخلوقات العظيمة إذا أبت أن تحمل الأمانة وأشفقت منها وخافت فإن حمل الإنسان لها دليل على ظلمه وجهله ولكن الموفق الذي يقوم بهذه الأمانة فيمتثل ما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه يكون أفضل من السماوات والأرض لأنه قبل تحمل هذه الأمانة وقام بها على الوجه الذي طلب منه فكان له فضل الحمل أولًا ثم فضل الأداء ثانيًا أما إذا لم يتحمل هذه الأمانة ولم يقم بواجبها فإن الله يقول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) ويقول ﷿ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فالإنسان الذي لم يقم بواجب هذه الأمانة هو شر الدواب عند الله وهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا وإنما شبهه بالحمار لبلادته وعدم تقديره للأمور حتى يقوم بما يجب عليه. ***
آدم عبده إسماعيل من الصومال يقول ما المقصود بالأمانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ولماذا كان الإنسان ظلومًا جهولا بحمله الأمانة وما هو معنى الآية إجمالًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمانة هي تحمل المسئولية في العبادات التي أمر الله بها ورسوله وفي اجتناب المحرمات التي نهى الله عنها ورسوله هذه هي الأمانة وأداؤها أن نقوم بذلك على الوجه الأكمل ولما كانت السماوات والأرض والجبال لم يكن لها من العقل والإدراك مثلما للإنسان صار المتحمل لها الإنسان بما أعطاه الله تعالى من العقل والتفكير والتمييز وبما أنزل الله عليه من الكتب وأرسل إليه من الرسل فإن الإنسان قد قامت عليه الحجة بعقله وبالوحي الذي أنزله الله إليه وعلى هذا فإن الإنسان بتحمله هذه الأمانة كان ظلومًا جهولًا لجهله بما يترتب على هذا التحمل ولظلمه نفسه بتحملها (إِنَّهُ) أي الإنسان وهذا باعتبار الإنسان من حيث هو الإنسان أما إذا كان مؤمنًا فإنه يزيل عن نفسه هذا الوصف لأنه سوف يهتدي بالوحي فيكون عالمًا وسوف يتقي الله ﷿ فيكون غير ظالم لنفسه فالإنسان في الآية الكريمة من حيث هو إنسان على أن يعض المفسرين قال إن المراد بالإنسان هو الكافر ولكن ظاهر الآية العموم وأن الإنسان من حيث هو إنسان ظلوم جهول ولو وكل إلى نفسه لكان ظالمًا جاهلًا ولكن الله تعالى منّ عليه بالهدى والتقى فانتشل نفسه من هذين الوصفين الذميمين الظلم والجهل إذا كان مؤمنًا. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما المقصود بهذه الأمانة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بالأمانة ما ائتمن الله عباده عليه من طاعته فإن الله ﷾ ألزمهم بالطاعة بامتثال أمره واجتناب نهيه فالتزموا بالعهد الذي بينهم وبينه بما فطرهم عليه من الإيمان به والإقرار به وبما أعطاهم من العقل وبما أرسل إليهم من الرسل فهنا فطرة وهنا عقل وهنا رسالة وبهذه الأمور الثلاثة كان تحمل الأمانة من الإنسان وكلف بها وعليه أن يقوم بهذه الأمانة ويعرف قدرها حيث عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ولكن الإنسان تحملها وحملها فعليه أن يقوم بها وهي طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه فيما يتعلق بعبادته وفيما يتعلق بحقوق عباده. ***
سورة (فاطر)
ع. م. من الرياض تقول أرجو أن تشرحوا لي الآية الكريمة (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خشية الله ﷿ هي الخوف منه مع إجلاله وتعظيمه وهذه الخشية لا تكون إلا من عالم بالله فمن كان بالله أعلم كان لله أخشى وكلما قوي العلم بالله وبأسمائه وصفاته قويت خشية الله ﷿ في قلب العبد فمعنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) يعني ما يخشى الله حق خشيته إلا العلماء بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وشرعه هؤلاء هم أشد الناس خشية لله ﷿ وكلما ضعف علم الإنسان بربه ضعفت خشيته له. ***
الأخ كحلاوي أحمد يقول يقول الله ﵎ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فكيف يعرف العالم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعرف العالم بكونه يقول في الأشياء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشهادة الناس له بأنه عالم أما الخشية فمحلها القلب وكم من عالم قد سلب من قلبه الهدى فلم يخشع لله واستكبر عن عبادة الله والعياذ بالله لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجةٌ لك أو عليك) لكن العالم حقًا لا بد أن يخشى الله ﷿ إذا عرف قوته وسلطانه وشدة عقابه للمخالف خشي الله وخاف منه ولهذا تجد أكثر الناس ورعًا من كان أعلم ومن المقولة المشهورة من كان بالله أعرف كان منه أخوف. ***
أ. ر. ج. العراق بغداد يسأل ويقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أنه لا يخشى الله ﷿ والخشية هي الخوف المقرون بالعلم والتعظيم لا يخشى الله ﷿ من عباده إلا العلماء والمراد بالعلماء العلماء بالله تعالى وما له من الأسماء والصفات والأفعال الحميدة والأحكام المتضمنة للحكمة وهي شريعة الله ﷿ هؤلاء هم العلماء الذين يخشون الله ﷾ لأنهم علموا ما له من الكمال وأما العلماء بأحوال الدنيا فإنهم قد يخشون الله وقد لا يخشونه وما أكثر الذين عندهم علم كثير من علم الدنيا ومع ذلك فهم من أبعد الناس عن خشية الله وأشدهم استكبارًا عن الحق ولقد ظن بعض الجهلة أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بأحوال الكون مما أوتوه من علمه كالذين يعرفون الفلك ويعرفون الأرض وما أشبه ذلك وهذا خطأ فهؤلاء إن أدت معرفتهم إلى خشية الله ﷾ والإنابة إليه والقيام بطاعته فهم على خير وإن لم تؤدِ إلى ذلك فليس فيهم خير. ***
مصري يقول ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يقول أرجو إيضاح هذه الأقسام الثلاثة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) يعني بهم هذه الأمة أورثهم الله الكتاب فكان كتابهم وهو القرآن الكريم آخر كتاب أنزله الله تعالى على أهل الأرض لأنه نزل على محمد ﷺ خاتم النبيين أورثهم الله الكتاب وبيَّن الله في هذه الآية أنه اصطفى هذه الأمة على غيرها من الأمم وقسم هذه الأمة ثلاثة أقسام ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات فالظالم لنفسه هو الذي ظلم نفسه بفعل ما لا يجوز أو بترك ما يجب والمقتصد هو الذي اقتصر على فعل الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو الذي قام بالواجب وبما زاد عليه من التطوع، وتجنب الحرام والمكروه والمباح الذي لا يستفيد منه شيئًا، مثال الأول الظالم لنفسه رجل كان يصلى لكنه لا يأتي بما يجب في الصلاة من شروط وأركان أو واجبات فهذا ظالم لنفسه، رجل يزكي لكنه لا يحتاط ولا يزكي جميع ما تجب فيه الزكاة من ماله فهذا ظالم لنفسه، ومثال الثاني رجل يصلى لكنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ولا يأتي بمكملاتها يقتصر التسبيح على واحدة، يقتصر على قراءة الفاتحة، يقتصر في الركوع والسجود على أدنى ما يجب وهكذا، وفي الصدقة يأتي بالواجب من الزكاة ولا يزيد عليه، وأما الثالث السابق بالخيرات فهو الذي يأتي بالواجبات ويفعل ما يكملها من المستحبات فيصلى الصلاة على أكمل وجه وأتمه ويأتي بالرواتب التابعة لها ويصلى التطوع، وكذلك يؤدي الزكاة ويتصدق بما زاد على ذلك هذا هو السابق بالخيرات، ثم ختم الآية بقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي ذلك السبق في الخيرات هو الفضل الكبير فإنه لا فضل أكبر من أن يمن الله تعالى على الإنسان بالمسابقة إلى الخير وفعل ما يستطيع من الطاعات الواجبة والمستحبة. ***
سورة (يس)
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يبين كمال قدرته وعزته وحكمته ورحمته بعباده حيث قدر هذا القمر منازل كل يومٍ له منزلة غير المنزلة الأخرى فيعود في آخر الشهر كما هو في أوله كالعرجون القديم والعرجون هو غصن ثمر النخل لأنه إذا قدم يلتوي ويضعف وهكذا القمر فإنه يبدو في أول الشهر هلالًا ضعيفًا ثم ينمو شيئًا فشيئًا حتى يمتلئ نورًا في منتصف الشهر ثم يعود في النقص شيئًا فشيئًا حتى يعود كعرجون النخل القديم ملتويًا ضعيفًا والله ﷾ قدره هذه المنازل لنعلم بذلك عدد السنين والحساب ويتضح لنا الأمر كما قال الله ﷿ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ولهذا لا شك ولا ريب أن التوقيت العالمي في العالم هو بهذه الأهلة لأن الله يقول (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) عمومًا. ***
سورة (فصلت)
ما معنى قوله تعالى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في الكافرين أعداء الله ﷿ الذين قال الله عنهم (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأعداء الله وهم الكفار هم أعداء للمسلمين أيضًا كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وقال ﷿ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فأعداء الله تعالى أعداء لكل عباده المؤمنين في كل زمان ومكان فالله تعالى يذكر عباده بهذه الحال العظيمة حتى يكونوا من أولياء الله ويبتعدوا عن أعداء الله ﷿ يقول الله ﷿ (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يساقون إليها ويحبس أولهم على أخرهم يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله فإذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم يقول (حتى إذا ما جاؤوها) ما هذه زائدة للتوكيد وكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة كما قيل يا طالبًا خذ فائدة (ما) بعد (إذا) زائدة حتى إذا ما جاؤوها أي إذا جاؤوها (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) فيشهد السمع على صاحبه بما سمع من الأقوال المحرمة المنكرة التي استمع إليها صاحب هذا السمع وركن إليها وقام بموجبها (وأبصارهم) بما شاهدوا من الأمور المنكرة التي أقروها ورضوا بها (وجلودهم) بما مسوا فيشمل كل ما مست أيديهم وأرجلهم وفروجهم من الأمور المنكرة المحرمة تشهد عليهم بكل ما مست وهذا أعم من السمع والبصر ولهذا أنكروا على الجلود دون السمع والبصر فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين فيوم القيامة يختم على الألسنة وتتكلم الجوارح قال الله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فتشهد الجلود وعلى كل ما مست من أمر محرم وكذلك السمع والبصر وحينئذ لا يبقى للإنسان عذر بل يكون مقرًا رغم أنفه بما جرى منه من الكفر والمعاصي نسأل الله العافية. ***
سورة (الزخرف)
ن. ع. ف. أرسل برسالة يقول فيها أرجو شاكرا ومقدرًا تفسير قوله تعالى (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) في سورة الزخرف أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى قوله تعالى (وما كنا له مقرنين) أي ما كنا له مطيقين لولا أن الله سخره لنا فهذه الإبل لولا أن الله سخرها لك ما استطعت أن تركب عليها ولا أن تقودها حيث شيءت ولهذا أشار الله إلى هذه النعمة في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) وهي أي كلمة مقرنين مأخوذة من قرن ومنه الأقران الذين يتساوون في أمر من الأمور والقِرْن مساوٍ لك في القوة وأنت معه على حد سواء لكن الأنعام لست مساويًا لها في قوتها فما أنت لها بمقرن. ***
س. م. يقول قال الله تعالى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) ما معنى هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله ﷾ فضل الناس بعضهم على بعض في العقل والذكاء والعلم والعمل والجسم طولًا وقصرًا وجمالًا وقبحًا وغير ذلك وهذه ذكرت في القرآن في آيات منها قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) القريتان الطائف ومكة يعني أن المشركين قالوا محمد ﵊ ليس أهلًا للرسالة وإنزال القرآن عليه فلولا نزل على رجل عظيم قال الله ﷿ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) والجواب لا ثم قال (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهذا غني وهذا فقير وهذا متوسط (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَت رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قريش تقول هذا وهي تعلم أن الرسول ﵊ من خير العرب يعني من قبيلةٍ هي خير العرب فبنو هاشم لهم مركزٌ عظيم في قريش وهم كانوا يسمونه الأمين قبل أن يوحى إليه لكن هكذا دعوى المبطل يدعي ما يعلم هو بنفسه أنها دعوى باطلة. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) هذا تحدٍ للذين قالوا إن الله له ولد فاليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله والمشركون قالوا الملائكة بنات الله فيقول ﷿ لنبيه (قُلْ) يعني لهؤلاء المدعين أن لله ولدًا (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) يعني فأنا أول من يعبد هذا الولد ولن أستنكف عن عبادته ولكن لا يمكن أن يكون له ولد لأن الله تعالى قال (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) وإذا كان كذلك فإنه يمتنع أن يكون لله ولد فهو يقول لو كان للرحمن ولد فلن أترككم تسبقونني إليه فكنت أنا أول من يعبده ولكنه ليس له ولد لذلك أنا أنكر عليكم أن تتخذوا لله ولدًا. ***
سورة (الدخان)
ما معنى قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني انتظر يوم تأتي السماء بدخان مبين وهذا الدخان قيل إنه ما أصاب قريشًا من القحط حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل الله عليهم السنوات سبعًا كسني يوسف فأصابهم جدب عظيم فكان الواحد ينظر إلى السماء وكأن بها دخانًا من الغبرة وعدم السحب وقيل أن المراد بالدخان الدخان الذي يكون من علامات الساعة ولم يأت بعد. ***
سورة (الحجرات)
في قوله تعالى (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) أيهما أكمل الإسلام أم الإيمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) يعني لم يدخل بعد الإيمان في قلوبكم ولكنه قريب من الدخول ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان كما في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل مؤمن وكافر فإن الإيمان يشمل الإسلام أما إذا ذكرا جميعا كما في آية الحجرات فإن الإيمان في القلب والإسلام في الجوارح والإيمان أكمل. ***
سورة (الطور)
ما هو تفسير الآية الكريمة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: لما ذكر الله ﷾ منَّته على أهل الجنة وأنهم متكئون على سرر مصفوفة ثم قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ) فكان ذكر الذرية بعد ذكر الزوجات من أنسب ما يكون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) يعني بذلك أن الذرية الذين اتبعوا آباءهم بالإيمان يلحقهم الله بآبائهم في درجات الجنة وإن كانت الذرية أدنى مرتبة من الآباء وإذا ألحق الله الذرية بالآباء في الجنة فإن ذلك لا ينقص من درجات الآباء شيئا (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما نقصنا الآباء من عملهم من شيء حين ألحقنا بهم الذرية والمراد بالذرية هنا والله أعلم من لم يتزوج فلم يكن له ذرية فأما من تزوج وكان له ذرية فهو مستقل بنفسه مع ذريته في درجته التي كتبها الله له لأننا لو لم نقل بذلك لزم أن يكون أهل الجنة كلهم في درجة واحدة وقوله تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) فيه دليل على أن الإنسان لا يظلم من عمله شيئا لكن قد يزاد في أجره تفضلا من الله مثل زيادة أجر الذرية حتى يلحقوا بآبائهم فإن هذا فضل لكن الآباء لا ينقصون في مقابل هذه الزيادة لأن كل امرئ بما كسب رهين. ***
سورة (النجم)
ما هي قصة الغرانيق الواردة في بعض كتب السيرة مع شرح قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) وما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قصة الغرانيق هي أنه ذكر بعض المفسرين على قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ذكر بعض المفسرين أن هذه القصة كانت حين قرأ الرسول ﵊ (أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) أن الشيطان ألقى في قراءته تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى وهذه القصة أنكرها كثير من أهل العلم وقالوا إنه لا يمكن أن يقع ذلك من النبي ﷺ وطعنوا في إسنادها ومن العلماء من لم ينكرها وقال إن هذا ليس من كلام الرسول ﷺ فإن الله يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى) يعني قرأ (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فالذي ألقى هذا الكلام هو الشيطان وليس النبي ﷺ وإذا كان هو الشيطان فإن ذلك لا يقدح في مقام رسول الله ﷺ ولهذا قال (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) إلى آخر الآيات وهذا لا يقدح في مقام النبوة وفي مقام رسول الله ﷺ وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) فإن الضمير في قوله وما ينطق يرجع إلى رسول الله ﷺ أي أنه ﷺ ما يقوله عن ربه وما يبلغه من الوحي فإنه لا ينطقه عن هوى منه أو تقول على الله ﷿ بلا علم وإنما هو وحي يوحيه الله إليه ولهذا قال (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى) فأتى بعن الدالة على أن المعنى ما ينطق نطقا صادرا عن هوى وإنما هو ﵊ ينطق عن الوحي الذي أوحاه الله إليه. فضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة يقول ما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا ومن غيره من الإسرائيليات أن يعرض هذه الإسرائيليات على ما في الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو حق لا لأنه من خبر بني إسرائيل بل لأنه موافق للكتاب والسنة وما خالفه فهو باطل وما لم يخالفه ولم يوافقه يعني ما لم تعلم مخالفته ولا موافقته فإنه يتوقف فيه ولا يحكم بصدقه ولا بكذبه. ***
ما معنى الآية (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) يعني جبريل ﵇ دنا من الرسول ﷺ فتدلى من فوق (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) أي كان قريبًا فأوحى أي جبريل إلى عبده أي إلى عبد الله وهو محمد ﷺ ما أوحى وأبهم الموحى تعظيمًا له وتفخيمًا لأن الإبهام يأتي في موضع التفخيم كما قال الله تعالى (فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) أي أوحى إلى رسول الله ﷺ عبد الله ما أوحى من الوحي العظيم. ***
سورة (القمر)
ما تفسير قوله تعالى (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷾ يخبر أن الساعة قد اقتربت لأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو آخر الأنبياء لا نبي بعده ويخبر جل وعلا أن القمر انشق أي انفلق فلقتين وقد شاهده الناس ورأوه تفرق حتى رأوا ذلك بأعينهم وأبصارهم وقد ثبتت الأحاديث في ذلك وقد أنكر بعض الناس أن يكون القمر قد انشق وقالوا إن الأفلاك السماوية لا تتغير ولكن إنكاره هو المنكر لأنه إذا ثبت ذلك فالله على كل شيء قدير والله تعالى هو خالق السماوات والأرض وإذا كان خالق السماوات والأرض فهو قادر على أن يفرق ما اجتمع وأن يجمع ما تفرق. ***
سورة (الرحمن)
ما معنى قوله تعالى (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يكون يوم القيامة فإن هذه السماوات العظيمة الواسعة الأرجاء الكبيرة إذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى يطويها كطي السجل للكتب كما قال الله تعالى (يوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وقال تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وأما الآية التي سألت عنها فإن الله تعالى أخبر بأن السماء تنشق وذلك بنزول الملائكة كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا) فالظاهر والله أعلم أن قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ) إشارة إلى هذا وقوله (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أي تكون كحمرة الورد والدهان قيل إنه الجلد الأحمر وقيل إن الدهان ما ينظر من الدهن يكون متلونًا بألوانٍ متعددة وعلى كل حال فالآية تشير إلى أن هذه السماء سوف تكون بهذا اللون وعلى هذه الصفة في ذلك اليوم العظيم وجواب إذا في قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) محذوف وإنما حذف لأجل التهويل والتفخيم أي كان من الهول ما يكون وما هو أمرٌ عظيم ولهذا قال بعدها (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ) . ***
سورة (الحديد)
علي بشير من محافظة نينوى يقول قال الله تعالى في كتابه العزيز (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يقول هذه الأيام من أيام الدنيا أم من أيام الآخرة نرجو بذلك إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وأطلق الله تعالى هذه الأيام وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي صيرناه بلغة العرب لتعقلوه وتفهموا معناه وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال ﷿ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فإذا أطلق الله تعالى شيئًا في كتابه ولم يكن له معنى شرعي يرجع إليه فإنه يجب أن يحمل على ما تقتضيه اللغة العربية والأيام هنا مطلقة قال في ستة أيام فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة المعروفة لنا وهي هذه الأيام التي نعدها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فهذه ستة أيام خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض قال الله تعالى مفسرًا ذلك في سورة فصلت (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) ففصل الله تعالى هذه الأيام في هذه السورة تفصيلًا بينًا واضحًا فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة التي يعرفها الناس في هذه الدنيا أما أيام الآخرة فإن الله تعالى قال عن يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة ***
من الأمارات العربية المتحدة العين يقول كيف تفسر المعية في قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معية الله ﵎ لخلقه حقيقية أضافها الله إلى نفسه في عدة آيات وهي أنواع معية تقتضي النصر والتأييد مع الإحاطة مثال ذلك قول الله ﵎ لموسى وهارون (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وقول الله ﵎ عن نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وصاحبه هنا هو أبو بكر الصديق ﵁ بالإجماع ومعيةٌ أخرى تقتضي التهديد والتحذير ومثاله قوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) ومعيةٌ تقتضي العلم والإحاطة بالخلق كما في قول الله تعالى (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) هذه المعية الحقيقية لا تعني أن الله تعالى مع الخلق في الأرض كلا والله فإن الله ﷾ فوق كل شيء كما قال الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) وقد دل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله ﵎ وأنه فوق كل شيء وتنوعت الأدلة من الكتاب والسنة على علو الله ﵎ واستمع قال الله تعالى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) قالها في أعظم آيةٍ من كتاب الله وهي آية الكرسي والعلي من العلو وقال تعالى (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) والأعلى وصف تفضيل لا يساميه شيء وقال الله ﵎ (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) وقال تعالى (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) والآيات في هذا كثيرة والسنة كذلك دلت على علو الله تعالى قولًا من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعلًا وإقرارًا فكان يقول ﷺ (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) وكان يقول (سبحان ربي الأعلى) ولما خطب الناس يوم عرفة وهو أكبر اجتماعٍ للنبي ﷺ بأصحابه قال (ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد) يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس (اللهم) يشير إلى الله ﷿ في السماء (اشهد) يعني على الناس أنهم أقروا بالبلاغ أي بتبليغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياهم وأتي إليه بجارية مملوكة فقال لها (أين الله قالت في السماء فقال لسيدها أعتقها فإنها مؤمنة) وأقرها على قولها إن الله في السماء وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسانٍ وأئمة الهدى من بعدهم فكلهم مجمعون على علو الله تعالى وأنه فوق كل شيء لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أن الله ليس في السماء أو ليس فوق عباده ولهذا يجب على المؤمن أن يعتقد بقلبه اعتقادًا لا شبهة فيه بعلو الله تعالى فوق كل شيء وأنه نفسه جل وعلا فوق كل شيء وكيف يعقل عاقل فضلًا عن مؤمن أن يكون الله تعالى مع الإنسان في كل مكان أيمكن أن يتوهم عاقل بأن الإنسان إذا كان في الحمام يكون الله معه إذا كان في المرحاض يكون الله معه إذا كان واحد من الناس في الحجرة في بيته وآخر من الناس في المسجد يكون الله هنا وهناك الله واحدٌ أم متعدد إن الإنسان الذي يقول الله في كل مكان بذاته يلزمه أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعتقد أن الله متعددٌ بحسب الأمكنة وإما أن يعتقد أنه أجزاءٌ بحسب الأمكنة وحاشاه من ذلك لا هذا ولا هذا إنني أدعو كل مؤمنٍ بالله أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الله ﵎ في السماء لا يحصره مكان وإني أخشى على من لم يعتقد ذلك أن يلقى الله تعالى وهو يعتقد أن الله في كل مكان أن يلقى الله على هذه الحال فيكون مجانبًا للصواب والصراط المستقيم عباد الله لا تلفظوا بأقوال من أخطؤوا من أهل العلم اقرؤوا القرآن بأنفسكم واعتقدوا ما يدل عليه هل يمكن أن يقرأ قارئ (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ثم يعتقد أنه في المكان الذي هو فيه يعني الذي الإنسان فيه لا يمكن أبدًا وأما قول هؤلاء الذين أخطؤوا وجانبوا الصواب وخالفوا الصراط إن المراد بذلك علو المكانة فكلا والله إن هؤلاء أنفسهم إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى السماء إلى من دعوا وهل هذا إلا فطرة مفطورٌ عليها كل الخلق العجوز في خدرها تؤمن بأن الله تعالى فوق كل شيء فالفطرة إذًا دالة على علو الله تعالى نفسه فوق كل شيء العقل كذلك يدل على هذا فإنه من المعلوم أن العلو صفة كمال وأن السفول صفة نقص وأيهما أولى أن نصف رب العالمين بصفة الكمال أو بصفة النقص كل مؤمن يقول له صفة الكمال المطلق ولا يمكن أن يوصف بالنقص بأي حالٍ من الأحوال إذا علمت ذلك فقد يتراءى لك أن هذا ينافي قول الله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) فأقول لك أيها الأخ المسلم إنه لا ينافيه لأن الله ﷾ ليس كعباده ليس كالمخلوق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهو أعلى وأجل مما يتصوره الإنسان ولا يمكن أن يحيط الإنسان بالله علمًا كما قال عن نفسه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) فهو وإن كان في السماء فوق كل شيء فهو مع العباد لكن ليس معناه أنه في أمكنتهم بل هو محيطٌ بهم علمًا وقدرةً وسلطانًا وغير ذلك من معاني ربوبيته فإياك يا أخي المسلم أن تلقى الله على ضلال اقرأ قول الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) ثم اقرأ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ثم آمن بهذا وهذا واعلم أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الله فوق كل شيء بأن الله نفسه فوق كل شيء بأنه ليس حالًا في الأرض ولا ساكنًا فيها ثم يؤمن مرةً أخرى بأنه تعالى له عرشٌ عظيم قد استوى عليه أي علا عليه علوًا خاصًا غير العلو المطلق علوًا خاصًا يليق به جل وعلا وقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من القرآن كلها بلفظ (استوى على) واللغة العربية التي نزل بها القرآن تدل على أن (استوى على) أي علا عليه كما في قول الله ﵎ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) وقد أجمع الصحابة ﵃ على أن استواء الله على العرش استواءٌ حقيقي وهو علوه جل وعلا على عرشه لم يرد عن أحدٍ منهم تفسيرٌ ينافي هذا المعنى أبدًا وهنا أعطيك قاعدة وهي أنه إذا جاء في الكتاب والسنة لفظٌ يدل على معنى ولم يرد عن الصحابة خلافه فهذا إجماعٌ منهم على أن المراد به ظاهره وإلا لفسروه بخلاف ظاهره ونقل عنهم ذلك وهذه قاعدةٌ مفيدة في تحقيق الإجماع في مثل هذه الأمور وأما من فسر (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأنه استولى عليه فتفسيره خطاٌ ظاهر وغلطٌ واضح فإن الله استولى على العرش وغيره فكيف نقول إنه استوى على العرش خاصة يعني استولى عليه ثم إن الآيات الكريمة تأبى ذلك أشد الإباء اقرأ قول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فلو فسرت استوى بمعنى استولى لكان العرش قبل ذلك ليس ملكًا لله بل هو ملكٌ لغيره وهل هذا معقول هل يمكن أن يتفوه بهذا عاقل فضلًا عن مؤمن أن العرش كان مملوكًا لغير الله أولًا ثم كان لله ثانيًا ألا فليتقِ الله هؤلاء المحرفون للكلم عن مواضعه وليقولوا عن ربهم كما قال ربهم عن نفسه جل وعلا فهم والله ليسوا أعلم بالله من نفسه وليسوا أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنه أنه فسر هذا اللفظ بما فسر به هؤلاء وليسوا أعلم بالله وصفاته من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنهم أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء على العرش ألا فليتقِ الله امرؤ ولا يخرج عن سبيل المؤمنين بعد ما تبين له الهدى فإنه على خطرٍ عظيم إن العلماء الذين سبقوا وأتوا من بعد الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفسروا الاستواء بالاستيلاء نرجو الله ﵎ أن يعفو عن مجتهدهم وأن يتجاوز عنهم وليس علينا أن نتبعهم بل ولا لنا أن نتبعهم فيما أخطؤوا به ونسأل الله لهم العفو عما أخطؤوا به بعد بذل الاجتهاد ونرجو الله أن يوفقنا للصواب وإن خالفناهم ولا يغرنك أيها الأخ المسلم ما تتوهمه من كثرة القائلين بهذا أي بأن استوى بمعنى استولى فإنهم لا يمثلون شيئًا بالنسبة للإجماع السابق فالصحابة كلهم مجمعون على أن (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أي علا عليه لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أنه استولى عليه فهم مجمعون على هذا وكذلك الأئمة من بعدهم أئمة المسلمين وزعماؤهم كالإمام أحمد وغيره إن بينك وبين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أزمنة وعلماء لا يحصيهم إلا الله ﷿ فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من خلف فالخير كل الخير فيمن سلف وليس فيمن خلف أيها الأخ المسلم المستمع إنني لم أطل عليك في هذين الأمرين علو الله ﷿ واستوائه على عرشه والأمر الثالث معيته لخلقه إلا لأن الأمر خطير ولأنه قد ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من أخطأ ممن خلف أسأل الله أن يوفقنا جميعًا للصواب وأن يتوفانا على العقيدة السليمة الخالصة من كل شوب. ***
سورة (المجادلة)
نصر علي زهرة مصري يعمل بالأفلاج يقول ما سبب نزول قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وما معنى هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبب هذه الآية أن امرأةً لأوس بن الصامت ﵁ وعنها ظاهر منها زوجها أوس والظهار أن يقول الإنسان لزوجته أنتِ علي كظهر أمي وكان الظهار طلاقًا في الجاهلية فجاءت تشتكي إلى النبي ﷺ فسمع الله تعالى شكواها وأنزل حل قضيتها على نبيه ﷺ فقال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) أي تجادلك في شأنه تريد منك حلًا له والسمع هنا من الله ﷿ سمعٌ حقيقي سمع الله قولها وهو فوق سماواته على عرشه ولهذا قالت عائشة ﵂ تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها والله جل وعلا فوق عرشه عالٍ على خلقه سمع قولها ثم بين الله ﷿ أن الله يسمع تحاورها مع النبي ﷺ لأنه تعالى سميعٌ بصير قد وسع سمعه الأصوات فما من صوتٍ خفيٍ ولا بين إلا وهو يسمعه ﷾ وما من شيء يُرى إلا وهو يراه ﷾ سواءٌ كان خفيًا أم بينًا ثم بين الله تعالى حكم هذه القضية وهي الظهار بأنها منكرٌ من القول وزور فهي كذبٌ من أشد الكذب إذ كيف تكون زوجتك التي أحل الله لك جماعها مثل أمك التي حرم الله عليك جماعها فتحريم الأم أي تحريم جماعها من أشد ما يكون إثمًا وتحريمًا وتحليل الزوجة من أبلغ ما يكون حلًا وإباحة فكيف يشبّه هذا بهذا وهو قولٌ منكر لأنه محرم مضادٌ لحكم الله ﷿ ولكن مع هذا فإن الله عفوٌ غفور إذا طلب الإنسان من ربه العفو والمغفرة غفر له ﷾ أما من جهة حكمه من جهة الزوجة فإنه لا يجوز له أي لزوجها أن يمسها حتى يفعل ما أمر الله به حتى يعتق رقبة فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين قبل أن يمسها فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا قبل أن يمسها وفي هذه العقوبة الشديدة بل في هذه الكفارة الشديدة دليلٌ على عظم الظهار وتحريمه وكبره وأنه يجب على المرء أن يطهر لسانه منه وأن يتقي الله تعالى في نفسه فلا يظاهر من زوجته لما فيه من المنكر والزور والإضرار بها وبزوجها والله المستعان. ***
من السودان أ. هـ. ع. لقد أمر الله ﷾ بصلة الرحم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ولكن كيف تتفق هذه الآيات مع قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) الآية وبما أن الكفر والشرك محادة لله ولرسوله فكذلك قاطع الصلاة مثلًا أو الذين لهم اعتقادات فاسدة كالتوسل بالأولياء وغير ذلك وكممارستهم للباطل في أفراحهم ومآتمهم فكيف نعاملهم أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا معارضة بين أمر الله تعالى بصلة الرحم وبين قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وذلك لأن الصلة لا يلزم منها الموادة فالموادة معناها تبادل المودة والمودة هي أعلى أو هي خالص المحبة وعلى هذا فإنه من الممكن أن تصل هؤلاء الأقارب وأنت لا تحبهم بل تكرههم على ما هم عليه من الباطل من الشرك فما دونه ولهذا قال الله ﷿ (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فأمر الله ﷾ أن نصاحب الوالدين في الدنيا معروفًا وإن كانا كافرين مشركين بل وإن كان قد بذلا جهدهما في أن يكون ابنهما مشركًا بالله ﷿ أو في أن يكون ولدهما من ذكر أو أنثى مشركًا بالله ﷿ ومن الممكن عقلًا وشرعًا أن تصل شخصًا وقلبك يكرهه تصله بما بينك وبينه من القرابة أو من الجوار إذا كان جارًا لك ولكنك تكرهه بقلبك على ما عنده من محادة الله ورسوله. ***
سورة (الحشر)
ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية ظاهر وهو أن الله حكم بالفلاح على من وقاه الله تعالى شح نفسه أي طمعها فيما ليس لها أو طمعها بحيث تمنع ما يجب عليها لأن الشح مداره على أمرين إما طمع فيما ليس لك أو فيما ليس من حقك وإما منع لما يجب عليك بذله فمن وقاه الله شح نفسه بحيث لا يطمع فيما لا يستحق ولا يمنع ما يجب عليه فإن هذا من أسباب الفلاح فمثلًا إذا وقي الإنسان شح نفسه في الزكاة وصار يخرج جميع ما يجب عليه منها ويسره الله تعالى للبذل في الصدقات وما يقرب إلى الله عز جل فهذا قد وقي شح نفسه في بذل ما يحبه الله ﷿ وعدم منع ما يجب عليه ومن وقاه الله تعالى أخذ أموال الناس بالباطل من سرقة أو خيانة أو ما أشبه ذلك فقد وقاه الله شح نفسه فيكون وقاية شح النفس بأن يحمي الله ﷿ المرء من الطمع فيما لا يستحق أو من منع ما يجب عليه بذله فمن وقي ذلك كان من المفلحين والفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب وزوال المكروه. ***
سورة (الممتحنة)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية وكان من جملة الصلح الذي جرى بين النبي ﷺ وبين قريش أن من جاء من قريش مؤمنًا رده النبي ﷺ إليهم فأنزل الله هذه الآية استثناء من ذلك الصلح لأنه إذا جاءت المرأة مؤمنة مهاجرة فإنها لا ترد إلى الكفار بعد أن تمتحن وتختبر ليتبين صدق هجرتها من زيفها (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة: من الآية١٠) هذا بالنسبة للمتزوجات فإنها لا تحل لزوجها بعد أن أسلمت وهو باقٍ على الكفر لا تحل له لأن الكافرة لا تحل للمؤمن وكذلك المؤمنة لا تحل للكافر إلا أنه يستثنى من الكافرة في حلها للمؤمن إن كانت من أهل الكتاب لقوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقوله (وآتوهم ما أنفقوا) أي آتوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن لأنهن خرجن منهم بغير اختيار منهم فعوضوا بالنفقة ثم بين الله ﷿ أنه يحل للمؤمنين أن يتزوجوا هؤلاء النساء اللاتي خرجن مهاجرات من أزواجهن فقال (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) والمراد بالأجور هنا الصداق وسماه الله أجرًا لأنه عوض عن استمتاع الرجل بالمرأة فكأنه عوض في الإجارة. ***
سورة (الصف)
السائلة ريم من ليبيا تستفسر عن الآية الكريمة (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) هل يدخل في هذه الآية جهاد النفس الأمارة بالسوء وجهاد الهوى والشيطان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يقول اله تعالى فيها (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) واعلم أن الله تعالى إذا صَدَّرَ الكلام بقوله (يا أيها الذين آمنوا) فإنه ينبغي لك أن تستمع إلى هذا النداء الموجه من الله ﷿ إليك لأنه إذا ناداك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خير تنتفع به ولهذا يروى عن ابن مسعود ﵁ أنه قال إذا قال الله تعالى (يا أيها الذين أمنوا) فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وأما شر تنهى عنه وقوله (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) هذا استفهام بمعنى التشويق يعني أن الله تعالى يشوقنا إلى هذه التجارة وهي التجارة الرابحة تجارة الآخرة (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) والمراد بالجهاد في سبيل الله هنا هو جهاد الأعداء أي بذل الجهد في قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأما جهاد النفس فهو داخل في قوله (تؤمنون بالله ورسوله) إذ أن من كمال الإيمان وتحقيق الإيمان أن يجاهد الإنسان نفسه عن فعل المعاصي وعلى فعل الواجبات. ***
سورة (المنافقون)
ما هو الاسم الكامل لرأس المنافقين الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وما اسم الابن الذي منعه من دخول المدينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) هو عبد الله بن أُبي رأس المنافقين وأما الذي منعه من دخول المدينة حتى يقول إنه الأذل ورسول الله ﷺ الأعز هو ابنه عبد الله ﵁ وهذا يدل على حكمة الله ﷿ في خلقه حيث يخرج من الخبيث الطيبَ كما يخرج من الطيب الخبيثَ فهاهو نوح ﵊ كان أحد أبنائه كافرًا وهذا المنافق عبد الله بن أبي كان ابنه مؤمنًا فالله ﷿ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والعالم من الجاهل والجاهل من العالم كل هذا يدلنا دلالة واضحة على أن المدبر لهذا الكون هو الله ﷿ بحكمته وليس مجرد طبيعة تتفاعل وتنظم نفسها بل لها خالق مدبر ذو سلطان عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض. ***
سورة (التغابن)
من سور القرآن الكريم سورة التغابن فما معنى (التغابن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التغابن هو الغلبة بالغبن وقد ذكر الله ﷿ في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة قال الله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) التغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة حيث يكون فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة ولهذا قال الله تعالى (أنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) . ***
سورة (التحريم)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ) ما هو المقصود بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بهذا (أن النبي ﷺ حرم على نفسه أكل العسل وقال لا آكل العسل) فبين الله له ﷾ أنه لا ينبغي أن يحرم ما أحل الله له من أجل طلب مرضاة زوجاته ولكنه ﷾ بيّن له ما يزول به هذا التحريم فقال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وبناء عليه لو حرم الإنسان شيئًا مما أحل الله له فإنه يُنهى عن هذا ولكنه إذا فعل فإن لهذا الفعل حلًا وهو أن يُكَفِّر كفارة يمين ثم يعود إلى ما حرمه على نفسه مثال ذلك لو قال حرام علي أن أدخل بيت فلان ثم أراد أن يدخله نقول ادخل البيت وكَفِّر كفارة يمين لأن الله قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وكذلك لو قال حرام علي أن أكلم فلانًا نقول كلمه وكفر كفارة يمين فكل شيء أحله الله إذا حرمه الإنسان فإن له حكم اليمين يكفر كفارة اليمين ثم يفعله. ***
سورة (الملك)
خلفان محمد ناصر البورسعيدي من سلطنة عمان يقول ما هو الأفضل في الدعاء الإسرار به أم الجهر وهل هو المراد بقوله تعالى (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان يدعو لنفسه ولغيره فإنه يجهر بالدعاء كدعاء الإمام في القنوت فإنه يجهر به لأنه يدعو لنفسه ولغيره وكذلك يأتي به بصيغة الجمع فيقول مثلا اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ولا يقول اللهم اهدني فيمن هديت لأنه إذا خص نفسه بالدعاء وهم يستمعون ويؤمنون فإن هذا من الخيانة ذلك لأن الدعاء إذا كان لنفسك ولغيرك دعاء مشترك فتخصيص نفسك به نوع من الخيانة فعلى هذا نقول إذا كان الدعاء مما هو مشترك للداعي ولغيره فإنه يجهر به ولكن الدعاء المشترك الذي هو للداعي ولغيره موقوف على ما ورد به الشرع فلا يجوز إحداث أدعية جماعية بدون ورود الشرع بها لأن إحداث مثل هذه الأمور من البدع التي ينهى عنها أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه فهذا محل تفصيل إن كان في صلاة الجماعة فإنه لا يجهر به لأن ذلك يشوش على من حوله ولهذا تجد بعض المأمومين يجهرون بما يدعون الله به إما بين السجدتين وإما في السجود وإما في التشهد وهذا لا ينبغي منهم فقد خرج النبي ﵊ على أصحابه يوما وهم يصلون ويجهرون بالقرآن فنهاهم أن يجهر بعضهم على بعض أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه وليس حوله أحد فإنه ينظر ما هو أصلح لقلبه إن كان الأصلح أن يسر أسر وإن كان أصلح أن يجهر جهر لكن في حال جهره لا ينبغي أن يشق على نفسه فإن النبي ﵊ قال لأصحابه وقد رفعوا أصواتهم بالذكر قال (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وانما تدعون سميعا قريبا وهو معكم إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) والله ﷾ قريب مجيب وهو ﷾ فوق عرشه على جميع خلقه. ***
سورة (الجن)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) فما هي هذه الطريقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يعني وأنهم لو استقاموا على الطريقة وهي صراط الله المستقيم الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه لو أن الخلق استقاموا عليها لأسقاهم الله ماءً غدقًا أي ماءً كثيرًا تنبت به الزروع ثم تدر بهذه الزروع الضروع وتحصل الخيرات والبركات كما قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) فلو استقام الناس على الطريقة التي شرعها الله لهم على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام لحصلت لهم الخيرات والبركات من السماء والأرض. ***
سورة (المدثر)
أم حسان تقول قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) من سورة المدثر ما المقصود في الآية بأصحاب اليمين ولماذا لا يرتهنون بذنوبهم فأجاب رحمه الله تعالى: كل نفسٍ بما كسبت رهينة أي مرهونة محبوسة على ما كسبت أما قوله (إلا أصحاب اليمين) فإلا هنا ليست استثناءً بل هي بمعنى لكن فهو استثناءٌ منقطع فالمعنى كل نفسٍ بما كسبت رهينة أصحاب اليمين وغير أصحاب اليمين ثم قال لكن أصحاب اليمين في جناتٍ يتساءلون عن المجرمين فإلا هنا بمعنى لكن لأن الاستثناء منقطع. ***
سورة (القيامة)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه جملة قسم معطوفة على جملة سابقة فيها قسم أيضًا (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ومعنى الآية أن الله تعالى يقسم بالنفس اللوامة وهي النفس التي تلوم الإنسان على فعل الخير وهذه هي النفس الأمارة بالسوء أو تلوم الإنسان على فعل الشر وهي النفس المطمئنة وذلك أن للإنسان نفسين نفسا أمارة بالسوء ونفسا مطمئنة فالنفس المطمئنة تأمره بالخير وتنهاه عن الشر والنفس الامارة بالسوء تأمره بالسوء وتلح عليه والنفس اللوامة جامعة بين هذا وهذا وصف للنفسين جميعًا فالنفس المطمئنة تلوم الإنسان على ترك الخير وفعل الشر والنفس الامارة بالسوء تلومه على فعل الخير وعلى ترك الشر فاللوم وصف للنفسين جميعًا فيقسم الله بالنفس اللوامة لأن النفس اللوامة هي التي تحرك الإنسان وتغير اتجاهاته إلى خير أو شر. ***
ما معنى الآية الكريمة في سورة القيامة (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآيتين أن الله تعالى ينكر على من يظن أن الله لا يجمع عظامه ولا يعيده يوم القيامة ويقول ﷿ (بلى) أي نحن قادرون على ذلك قادرون على أن نسوي بنانه أي أطراف أصابعه أن نسويها أي أن نعيدها كما كانت سوية مع أن الرجل قد يكون أكلته الأرض وذهب كل جسده ولكن الله تعالى قادر على أن يخلق حتى بنانه الذي هو أطراف أصابعه يخلقه الله تعالى سويا كما كان وهذا أيضا ليس بالأمر الصعب على الله ﷿ وليس بالأمر الذي يتأخر قال الله ﵎ (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) وقال تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) ***
ما معنى قوله تعالى (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية ذكرها الله تعالى جوابًا على قوله (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) وذلك عند البعث فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة فبين الله تعالى أن هذا الظن باطل وأنه ﷾ قادر على أن يخلقه على أتم خلق بحيث يخلقه تامًا حتى بنانه يكون مستويًا تامًا ليس فيه نقص والبنان هي الأصابع كما يقال يشار إلى فلان بالبنان أي بالأصابع فهذه الأصابع أدنى جزء من أعضاء البدن وإذا كان الله تعالى قادرًا على أن يسويها فما فوقها من باب أولى. ***
سورة (الإنسان)
ما معنى الآيتين الكريمتين (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) والآية الأخرى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) أي بينا له السبيل ووضحناها له سواء كان شاكرا أم كفورا فبين الله السبيل ثم انقسم الناس إلى شاكر وكفور ثم بين الله في هذه السورة جزاء الكافرين وجزاء الشاكرين أما قوله (وهديناه النجدين) فقيل إن معناه بينا له طريقي الخير والشر فيكون كهذه الآية أو قريبا منها وقيل معنى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) أي هديناه إلى ثديي أمه لأن الصبي من حين ما يخرج من بطن أمه ثم يلقم الثدي يعرف أنه ثدي فيمصه من قال له هذا؟ أقالته أمه لو قالته ما فهم لكن هذا من الله ﷿ هداه ﷾ بفطرة هذا الصبي أن يعرف أن هذين العضوين في الأم فيهما غذاؤه فيمص والآية مادامت صالحة للقولين فهي لهما جميعا لأننا نحب أن نقول لإخواننا المستمعين أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما على الآخر ولا منافاة بينهما فإنه يجب أن تحمل عليهما جميعا لأن الذي يتكلم بها وهو الله ﷿ عالم بما تحتويه من المعاني. ***
سورة (التكوير)
أرجو تفسير الآية من سورة التكوير في قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) والآية الأخرى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) فإن الله ﷾ يذكر الأحوال يوم القيامة وأن من جملة الأحوال أن العشار وهي الإبل الحوامل تعطل ولا يلتفت إليها وذلك لأن كل امرئٍ له شأنٌ يغنيه عن غيره حتى إن الإنسان ليفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فلا يهتم بأنفَس الأموال عند العرب وهي العشار وأما الآية الثانية فإن الموؤودة فهي الفتاة التي تدفن وهي حية وكان من العرب في الجاهلية من يدفن البنات خوفًا من العار كما قال الله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) هذه الموؤدة إذا كان يوم القيامة فإنها تسأل بأي ذنبٍ قتلت ومن المعلوم أنه لا ذنب لها ولكنها تسأل توبيخًا وتقريعًا وتلويمًا لمن وأدها وهذا كما تقول للشخص المظلوم أمام ظالمه بأي شيء اعتدى عليك بأي شيء أخذ مالك وما أشبه ذلك مما يكون فيه تقريعٌ وتوبيخٌ للفاعل وتبرئةٌ للمفعول به. ***
سورة (المطففين)
ما غرض الإستفهام في الآيتين (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ) (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من باب تفخيم الأمر وتعظيمه. ***
سورة (البروج)
بارك الله فيكم المستمع من اليمن يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ في سورة البروج (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) السؤال يا فضيلة الشيخ كيف يكون الافتتان بين المؤمنين والمؤمنات أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) معناه أن الذين صدوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم إما بإيراد الشبه وإما بالقوة ثم لم يتوبوا من ذلك فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ومن الفتنة أي فتنة المؤمنين في دينهم أن يهون عليهم المعصية فيقول هذا أمر هين هذا جرى عليه الناس هذا يفعله الناس افعل هذا واستغفر الله، وما أشبه ذلك من الأمور التي تهون المعصية على المؤمنين فيكون بذلك فاتنًا لهم عن دينهم فكل عمل قولي أو فعلي يقتضي صد الناس عن دينهم وتهوين الدين عليهم فإنه من الفتنة فيكون داخلًا في هذه الآية ولكن لا شك أن الفتنة التي تؤدي إلى الكفر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل كبيرة من الكبائر وأن الفتنة التي تؤدي إلى كبيرة من الكبائر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل صغيرة من الصغائر وكل شيء له درجته ومنزلته ***
سورة (الأعلى)
ما المقصود بالآية الكريمة (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود منها ما هو معلومٌ من ظاهرها أن الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرئه القرآن ولا ينساه والمراد لا تنسى نسيانًا دائمًا وإلا فقد وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم النسيان في بعض الآيات التي يقرؤها ولكنه ﷺ يتذكرها إما بسماعها من أحد وإما بتنبيهه إياه بعد ذلك ولهذا قال (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (٦) إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) ***
قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ما المراد بالذكر هنا أهو التهليل أم غيره أرشدوني والمسلمين أعد الله لكم أجرًا عظيمًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي من تطهر من الشرك فما دونه من الذنوب (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) هذا يشمل كل ذكر لله ﷿ والصلاة معروفة وقد ذهب بعض أهل العلم من المفسرين إلى أن المراد بذكر الله هنا خطبة الجمعة والصلاة صلاة الجمعة قالوا لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) والصواب أن الآية عامة لكل من ذكر اسم الله تعالى ثم صلى سواء في الجمعة أو في غيرها وذكر اسم الله تعالى يكون بقول لا إله إلا الله بقول سبحان الله والحمد لله بل وبفعل العبادات أيضًا لأن العبادات في الحقيقة ذكر لله ﷿.
فضيلة الشيخ: هناك من يقيد هذه الآية برمضان والعيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يروى عن عمر بن عبد العزيز ﵀ أنه كان يجعلها دالة على زكاة الفطر لقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ولكن هذا ليس بتقييد للآية بل هو من جملة ما تدل عليه. ***
سورة (الفجر)
من اليمن الشمالي الأخ فريد عبد الله يسأل عن الآيات الكريمات في سورة الفجر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها من آيات الله ﷿ الدالة على كمال قدرته وعظمته فالفجر الساطع المنفلق بعد الظلمة الدامسة من آيات الله ﷿ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بالشمس التي هذا مقدم ضوئها إلا الله ﷿ وفي الفجر من آيات الله تغير الأفق وانفتاح النور على الناس وفتح باب معايشهم وغير ذلك من الأمور التي يخفى علينا كثير منها لكنه من آيات الله العظيمة أما الليالي العشر فإنها إما الليالي العشر من رمضان التي فيها ليلة القدر وليلة القدر خير من ألف شهر وفي كل ليلة من الليالي العشر وغيرها أيضًا ينزل الله ﷿ حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا على وجه لا يعلم كيفيته إلا هو ﷾ فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وإما أن تكون الليالي العشر عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول ﵊ (ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) فإن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في أيام عشر رمضان بهذا الحديث وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين باغتنام الفرصة في هذه الأيام العشرة فإن أكثر المسلمين في غفلة عن فضلها وفضل العمل فيها ولهذا تمر عليهم وكأنها أيام عادية لا تختص بفضل فينبغي في عشر ذي الحجة كثرة الطاعة والعمل الصالح بالصلاة والصدقة والصيام وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى وأما الشفع والوتر فقيل إنه إقسام بالمخلوق والخالق فالشفع المخلوق والوتر الله ﷿ كما قال النبي ﵊ (إن الله وتر يحب الوتر) وأما الشفع فهو المخلوق لقوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وأما قوله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) فهو إقسام بالليل عند سريانه وشيوع ظلمته وهو أيضًا من آيات الله وهو مقابل الإقسام بالفجر فإن لليل ظلمة يسكن فيه الناس ويستجدون نشاطهم بالنوم الذي جعله الله تعالى سباتًاَ ليقطعوا التعب السابق وليجددوا القوة للعمل اللاحق فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء وقال بعدها (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) وهذا الاستفهام للتقرير أي أن هذا قسم عظيم يعرفه كل ذي حجر والحجر هنا بمعنى العقل كل عاقل يتدبر ما في هذه الأشياء التي أقسم الله بها يتبين له عظمة هذا القسم وأما المقسم عليه فقد اختلف فيه النحويون وليس هذا موضع بسطه لكن أحب أن أنبه على فائدة مهمة لطالب العلم وهي أن الله تعالى ﷿ أحيانًا يقسم بأشياء دالة على عظمته وقدرته ليبين بهذا القسم عظمة هذه الأشياء وأنها من آيات الله ﷾ العظيمة وإن لم يكن هناك شيء مقسم عليه ومن ذلك مثلًا قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) فإن بعض النحويين يقول إن في المقسم به دليل على المقسم عليه فلا يحتاج إلى مقسم عليه ومن أراد التوسع في هذا فعليه بقراءة التبيان بأقسام القرآن لشمس الدين ابن قيم الجوزية أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ﵏. ***
سورة (القدر)
فائز فرج عبد الرزاق يقول في الآية الكريمة (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لا أفهم كيف تكون ليلة القدر خير من ألف شهر أرجو توضيح هذا المعنى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: توضيح قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أن الله ﷾ بفضله وكرمه جعل هذه الليلة في فضلها وكثرة ثواب العمل فيها خيرًا من ألف شهر بمعنى أن الإنسان لو عمل عملًا صالحًا ألف شهر ليس فيه ليلة القدر كانت ليلة القدر خيرًا منه لما فيها من الثواب العظيم الجليل والخير والبركات. ***
سورة (الزلزلة)
وما معنى قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يذكر عباده بيوم القيامة الذي تزلزل فيه الأرض زلزالها كما قال الله تعالى (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وأما إخراج الأرض أثقالها فإن الله تعالى يبعث من في القبور فيخرج الناس من قبورهم على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها (وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا) يعني أي شيء حدث وذلك من شدة الفزع والأهوال وفي ذلك اليوم يقول الله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) فتشهد بما عمل عليها من خير أو شر فالآيات هذه تصور مشهدًا من مشاهد يوم القيامة. ***
سورة (التكاثر)
الطيب حسن الدوادمي يعمل في الدوادمي يقول أرجو أن تفسروا الآية الكريمة في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا أشكر أخي السائل الذي سأل عن معنى الآية الكريمة وذلك لسروري بتفكر الناس في معاني القرآن الكريم وطلبهم تفسيرها لأن هذا يدل على العناية بكلام الله ﷿ ثانيًا معنى قوله تعالى (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ) أنه ﷿ يخاطب الناس ويبين لهم أن التكاثر بينهم في الأموال والأولاد ألهاهم عن طاعة الله وشغلهم عن ذكره حتى ماتوا وهذا معنى قوله (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يعني حتى متم وسمى الله ﵎ الدفن أي دفن الميت زيارة لأنه لا بد من بعثه ولهذا لما سمع أعرابيٌ قارئًا يقرأ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) قال والله إن وراء ذلك لشيئًا آخر أو كلمة نحوها فإن الزائر يقول الأعرابي ليس بمقيم وصدق فإن وراء ذلك البعث والزائر على اسمه زائر ليس بمقيم وبقاء الناس في القبور وإن طالت المدة هو شيء يسير بالنسبة إلى الآخرة وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمةٍ يقولها بعض الناس غافلًا عن مدلولها وهي أنه إذا مات الإنسان قالوا انتقل إلى مثواه الأخير وهذه الكلمة في معناها الظاهر من لفظها كلمةٌ خطيرة لأن مضمونها ومدلولها أنه لا بعث وأن القبر هو المثوى الأخير ومن المعلوم أن هناك بعثًا وأن المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة فلا يحل للإنسان أن يقول في الميت إذا دفن إنه رجع إلى مثواه الأخير قد يقول قائل إن هذا مثواه الأخير بالنسبة للدنيا فإن الإنسان مهما طالت مدته في الدنيا فإن مآله إلى القبر نقول نعم هذا هو مراد الناس فيما يظهر لا سيما المسلمين منهم فإن كل مسلمٍ يؤمن باليوم الآخر لكن ما دام اللفظ يحتمل معنىً فاسدًا هو ظاهر اللفظ أيضًا فإنه يجب اجتنابه. ***
سورة (العصر)
ما تفسير قوله تعالى (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷿ يقسم بالعصر الذي هو الدهر لأن الدهر زمن الحوادث والوقائع المختلفة ومن ثم أقسم الله به أقسم على أن الإنسان في خسر والإنسان هنا يراد به الجنس فكل إنسان فإنه في خسر لا يستفيد من حياته شيئًا ولا من عصره شيئًا إلا من جمعوا هذه الأوصاف الأربعة (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (آمَنُوا) أي صدقوا بما يجب التصديق به مع القبول والإذعان فالإيمان الشرعي ليس هو مجرد تصديق بل هو تصديق خاص مستلزم للقبول والإذعان (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني عملوا الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة ما استجمع فيها شرطان الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ فإن اختل أحد الشرطين لم تكن من الأعمال الصالحة لو أن الإنسان عمل عملًاَ موافقًا للسنة تمامًا في ظاهره لكنه لم ينوِ بذلك وجه الله بل عمل ذلك رياء وسمعة فإن عمله لا يقبل ولا يسمى صالحًا ففي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ أن الله قال (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ومن أخلص لله ﷿ ولم يبتغ سوى وجه الله لكنه لم يتبع النبي ﷺ وعدم اتباع النبي ﷺ يكون بأمرين إما بعدم فعل ما يشرع فعله مما يكون فواته مبطلًا للعبادة وإما بابتداع شيء في دين الله لم يشرعه النبي ﷺ مثال الأول لو أن رجلًا صلى الظهر ولكنه تعمد ترك التشهد الأول فإننا نقول إن هذا العمل باطل لأنه لم يتبع فيه النبي ﷺ حيث ترك التشهد الأول عن عمد وكذلك لو صلى الظهر وترك سجدة من السجدات أو ركوعًا من الركوعات فإنه لا يكون عمله صحيحًا لأنه لم يكن متابعًا للنبي ﷺ في ذلك ولو ابتدع في دين الله ما ليس منه كما لو أحدث تسبيحات أو تهليلات أو تكبيرات أو تحميدات على وجه معين لم تأت به الشريعة أو أحدث صلوات على النبي ﷺ على وجه معين لم تأت به الشريعة كان عمله غير صالح ولا مقبول لأنه لم يتبع النبي ﷺ في عمله والعبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا إذا كانت موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها فإن اجتمعت في العبادة هذه الأوصاف أو إذا تحققت الموافقة للشريعة في هذه الأمور الستة تحققت المتابعة وإن اختل واحد منها لم تتحقق المتابعة إذًا فمعنى قوله تعالى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي عملوا الأعمال الصالحة التي تحقق فيها شرطان وهما الإخلاص لله والمتابعة لرسوله ﷺ الأمر الثالث (وتواصوا بالحق) أي صار بعضهم يوصي بعضًا بالحق والحق هو ضد الباطل فكل ما خالف الشرع فهو باطل وكل ما وافق الشرع فهو حق والحق هنا يشمل التواصي بفعل المعروف والتواصي بترك المنكر أي أن الحق فعل المعروف وترك المنكر فيتواصون بفعل المعروف وبترك المنكرات (وتواصوا بالصبر) الصبر هو حبس النفس وتحميلها وهو أن كل إنسان يعمل أو يدعو إلى الله ﷿ فلا بد أن يواجه شيئًا قد يثني عزمه فليصبر فهم يتواصون بالصبر يوصي بعضهم على أن يصبر على الإيمان وعلى العمل الصالح والتواصي بالحق وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر في عدة مواضع من القرآن مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومثل قوله تعالى (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ومثل قوله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وذكر أهل العلم أن الصبر ينقسم ثلاثة أقسام صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله المؤلمة وأعلاها الأول ثم الثاني ثم الثالث فالصبر على طاعة الله هو حبس النفس على قبول أمر الله ورسوله وعلى تنفيذ أمر الله ورسوله وفيه أمران وهما حبس النفس على قبول ذلك ثم تنفيذه أما الصبر عن معصية الله فهو حبس النفس عن فعل المعصية وليس فيه إلا شيء واحد وهو حبس النفس عن المعصية ولهذا كان الأول أكمل منه أما الثالث فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة فإن الإنسان في هذه الدنيا بين الضراء والسراء وبين الخوف والأمن وبين الضيق والسعة وبين الفقر والغنى وبين الصحة والمرض فيحتاج إلى صبر على ذلك والصبر هذا هو أقل الأنواع شأنا لأن هذا الصبر لا يفعل الإنسان فيه المصبور عليه باختياره وإنما يقع عليه بغير إرادته فهو كما قال بعض السلف إما أن يصبر صبر الكرام وإما أن يسلوَ سلْو البهائم بخلاف القسمين الأولين فإن فيهما نوعًا من الاختيار إذ أن الإنسان لو شاء لكف عن الشيء ولو شاء لم يكف ولو شاء لفعل الشيء ولو شاء لم يفعله بخلاف أقدار الله ﷿ فإنها تأتي للإنسان وتصيبه بغير اختياره ولهذا كان هذا النوع أقل شأنا أو كان هذا القسم أقل شأنا من القسمين السابقين. ***
سورة (الماعون)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلْمُصلىنَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ويل هذه كلمة وعيد وتهديد، والمصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون هم الذين يصلون ولكن لا يبالون بصلاتهم يغفلون عنها فيؤخرونها عن وقتها ولا يأتون بواجباتها وأركانها وشروطها فهم يصلون ولكنهم ساهون عن صلاتهم لا يقيمونها على الوجه المطلوب منهم، وأما (الذين يراءون) فهم الذين يراءون الناس في عبادة الله يتعبدون لله أمام الناس ليراهم الناس ويمدحوهم على عبادتهم لله ﷿، وأما الذين يمنعون الماعون فهم الذين يمنعون الأواني وشبهها مما يستعيره الناس في العادة والإنسان مستغنٍ عنه، فتجده لبخله يمنع حتى إعارة الماعون، فوصف الله هؤلاء بأنهم غافلون عن صلاتهم مراؤون في عباداتهم بخلاء في أموالهم. ***
عمر أحمد عوض سوداني مقيم في الكويت يقول ما تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷿ توعد المصلىن الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون عنها لا يؤدونها على الوجه المطلوب منهم فيضيعون أوقاتها ويضيعون واجباتها ويدعون صلاة الجماعة مع وجوبها عليهم إلى غير ذلك مما يوجب غفلتهم عن صلاتهم وإذا كان هذا الوعيد على من صلى مع سهوه عن صلاته فكيف بمن لم يصلِّ أصلًا فإنه أعظم وأشد وقد بينا في غير مرة من حلقات هذا البرنامج أن من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا فإنه يكون كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة. ***
سورة (الكوثر)
محمد ناصر من جمهورية اليمن الديمقراطية محافظة لحج بعث بسؤالين يقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه السورة العظيمة أن الله تعالى يخبر بما امتن به على نبيه محمدٍ ﷺ حيث أعطاه هذا الكوثر وهو الخير الكثير العظيم كما قال الله تعالى (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ومنه الكوثر الذي في الجنة وهو نهرٌ أعطيه النبي ﷺ ويصب منه ميزابان في حوضه ﷺ الحوض المورود يوم القيامة الذي يرده المؤمنون من أمته صلوات الله وسلامه عليه ثم إن الله تعالى لما ذكر ما امتن به عليه من هذا الخير الكثير أمره أن يصلى وينحر له فقال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فالصلاة هي الصلاة المعروفة وهي التعبد لله تعالى بالأفعال والأقوال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم والنحر هو التقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والضحايا وما يشرع من الذبائح فالجمع بين الصلاة والنحر يكون جمعًا بين عبادةٍ بدنية وعبادةٍ مالية وقوله (إن شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك الذي يبغضك هو الأبتر المقطوع الذي لا خير فيه ولا بركة وهذا كما يشمل من أبغض رسول الله ﷺ شخصيًا فإنه يدخل فيه أيضًا من أبغض سنته وهديه فإن من أبغض سنته وهديه لا شك أنه مبتورٌ مقطوع وأن الخير كل الخير في إتباع هدي النبي ﵊ ومحبته وتعظيمه بما هو أهلٌ له صلوات الله وسلامه عليه. ***
ما معنى قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) في سورة الكوثر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله أمر نبيه ﷺ حين ذكر منته عليه بإعطائه الكوثر وهو نهر عظيم في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض المورود لرسول ﷺ في القيامة لما ذكر الله منته عليه بهذا الكوثر أمره أن يصلى لربه وينحر والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بتلك الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأما النحر فهو الذبح لله ﷿ كالأضاحي والهدي والعقيقة هذا هو معنى قوله تعالى (فصل لربك وانحر) . ***
سورة (الإخلاص)
محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول لماذا سميت سورة قل هو الله أحد بسورة الإخلاص وما وجه دلالتها واشتمالها على أنواع التوحيد الثلاثة أرجو توضيح ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سورة الإخلاص هي قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وسميت سورة الإخلاص لأمرين الأمر الأول أن الله أخلصها لنفسه فليس فيها إلا الكلام عن الله ﷾ وصفاته والثاني أنها تخلص قائلها من الشرك إذا قرأها معتقدا ما دلت عليه ووجه كونها مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات أما توحيد الألوهية ففي قوله (قل هو الله) (فهو الله) يعني هو الإله المعبود حقًا الذي لا يستحق أن يعبد أحد سواه فهذا هو توحيد الألوهية وأما توحيد الربوبية والأسماء والصفات ففي قوله (الله الصمد) فإن قوله (الله الصمد) معناه الكامل في صفاته الذي تصمد إليه جميع مخلوقاته فكماله في الصفات هو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات وافتقار مخلوقاته كلها إليه وصمودها إليه يدل على أنه هو الرب الذي يقصد لدفع الشدائد والمكروهات وحصول المطالب والحاجات وفي قوله (أحد) توحيد في الأمور الثلاثة لأنه وحده ﷾ هو المتصف بذلك الألوهية وبالصمدية ﷾ وفي قوله (لم يلد ولم يولد) رد على النصارى الذين قالوا إن المسيح ابن الله وعلى اليهود الذين قالوا إن عزير ابن الله وعلى المشركين الذين قالوا إن الملائكة بنات الله وهو ﷾ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإنما قال (لم يكن له كفوا أحد) لكمال صفاته لا أحد يكافئه أو يماثله أو يساويه. ***
ما حكم المداومة على قراءة سورة الكهف في كل جمعة وهل الاستمرار عليها وعدم تركها يعتبر بدعة فأجاب رحمه الله تعالى: الاستمرار عليها جائز ولا شك فيه لأن في قراءتها كل جمعة فضلًا كما صحت بذلك السنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ماذا ورد في قراءة سورة يس في كل ليلة وأيضًا سورة الدخان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا سنة وإنما ورد السنة بقراءة سورة الملك كل ليلة وكذلك قراءة آية الكرسي وقراءة الآيتين الأخيرتين من سورة البقرة وقراءة (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(المعوذتين) وأما ما ذكره السائل فلا أعلم له أصلا. ***
يقول ما حكم المداومة على قراءة سور معينة يتخذها الإنسان كورد بجانب تلاوة القران يوميا حيث علمنا من بعض الأحاديث بأن قراءة هذه السور لها فضل عظيم كسورة يس وسورة حم الدخان والفتح والملك وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لم يرد به النص من قراءة بعض السور أو الآيات فإنه لا يجوز للإنسان أن يقرأه معتقدا أن قراءة هذا الشيء المعين سنة لأنه لو فعل ذلك لشرع في دين الله ما ليس منه وأما ما ثبت به الحديث عن النبي ﵊ أو جاء عن الرسول ﷺ على وجه تثبت به الحجة فإنه لا بأس أن يداوم عليه على الوجه الذي جاء إن كان جاء بالمداومة يكون مداوما وإن كان جاء بغير المداومة يكون غير مداوم والمهم أنه ينبغي بل يجب على العباد وأصحاب الأوراد يجب عليهم أن يتحروا ما جاء في السنة عن النبي ﷺ وألا يبتدعوا في دين الله ما ليس منه فإنه حتى القرآن إذا خص الإنسان منه شيئًا معينا يتخذه دينا بالمداومة عليه أو ما أشبه ذلك وهو لم يرد عن الرسول صلى الله وسلم على وجه يكون حجة فإنه لا يجوز له أن يفعل ذلك بل يكون مبتدعا في دين الله ما ليس منه. ***
يقول السائل سمعت بأن هناك سورا منجيات يوم القيامة مثل الملك والدخان والواقعة ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم عن هذا شيئا. ***
سورة الإخلاص يقال إنها تمثل أو تعدل ثلث القرآن فهل صحيح هذا وأن من يقرؤها ثلاث مرات كأنه قرأ القرآن كله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صحيح أن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن ثبت ذلك عن النبي ﷺ في صحيح البخاري وغيره ولكن ليس معنى المعادلة أنها تجزئ عن القرآن فإن المعادلة قد لا تكون مجزئة وانظر إلى ما ثبت به الحديث عن النبي ﷺ من أن قول لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات يعدل عِتق أربعة أنفس من ولد إسماعيل ومع ذلك لو قال الإنسان هذا الذكر مائة مرة لم يجزئه عن العتق رقبة في كفارة فمعادلة الشيء بالشيء لا تقتضي إجزاء الشيء عن الشيء فنحن نقول كما قال النبي ﷺ (إن (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن) لكننا نقول إن قراءتها لا تجزئ عن قراءة القرآن بل لابد من هذا وهذا ولذلك لو أن الإنسان قرأها في صلاته ثلاث مرات ولم يقرأ الفاتحة ما صحت صلاته ولو كانت تجزئ عن القرآن لقلنا إنك إذا قرأتها ثلاث مرات في الصلاة أجزأتك عن الفاتحة ولا قائل بذلك من أهل العلم. ***
الناسخ والمنسوخ
ماهي الآيات الناسخة والمنسوخة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمكن الإحاطة بها، هذه لها مجلس علم لكن هنا مسألة وهي أن بعض أهل العلم ﵏ يتساهلون في مسألة النسخ فقد يكون الأمر ليس بنسخ بل هو تخصيص ويقولون إنه نسخ وهذا وإن كان يطلق عليه اسم النسخ في عرف المتقدمين أي إنهم يسمون التخصيص نسخا لكن النسخ بالمعنى المصطلح عليه بعض الناس يتساهل فيه فتجده يعد آيات كثيرة منسوخة وأحاديث كثيرة منسوخة مع إمكان الجمع والأحكام المنسوخة لا تتجاوز عشرة أحكام أو نحوها تزيد قليلا فما يفعله بعض العلماء ﵏ من كونه كلما عجز عن الجمع بين النصين قال منسوخ فهذا تهاون في النسخ والتهاون في النسخ ليس بالأمر الهين لأن لازمه إبطال أحد النصين وإبطال النص أمر صعب لا يمكن فالواجب الجمع ما أمكن فإذا تعذر الجمع نظرنا إلى التاريخ ولا بد من علم التاريخ فالمتقدم منسوخ والمتأخر ناسخ. ***
رسالة من الصومال يقول مرسلها عبد علي نور الصومالي تنزانيا، لي سؤال سألته من قبل بعض علماء هذا الوطن لكني لم أجد حتى الآن جوابًا مقنعًا أطلب أن تجيبوا لي برسالة وبالإذاعة أيضًا قد قرأت خطبة لعمر بن الخطاب إن الله بعث محمدًا بالحق وأنزل عليه الكتاب فكان فيما أنزل الله عليه آية الرجم قرأناها ووعيناها وعقلناها فرجم رسول الله ﷺ ورجمنا بعده فأخشى إن طال بالناس زمان أن يقول قائل ما نجد الرجم في كتاب الله فيضل بترك فريضة أنزلها الله، وإن الرجم حق في كتاب الله تعالى، إلى آخر الخطبة، فبحثت عن آية الرجم فوجدت في كتاب بلوغ المرام ص ٢٧١ وهي قوله تعالى الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما والعجب أن هذه الآية لا توجد في الكتاب كما قال عمر بن الخطاب في خطبته هذه، والسؤال من الذي خرجها في الكتب، وما السبب، وهل هناك جناح في قراءتها وفي أي سورة كانت وما الآية التي كانت قبلها والآية التي بعدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره السائل عن عمر ﵁ ثابت عنه في الصحيحين وأن الآية نزلت في كتاب الله وقرأها الصحابة ووعوها وحفظوها وطبقت في عهد النبي ﷺ وعهد الخلفاء بعده، وهي حق بلا شك، لكن هذه الآية مما نسخ لفظه وبقي معناه، وقد ذكر أهل العلم أن النسخ في كتاب الله ينقسم إلى ثلاثة أقسام الأول ما نسخ حكمه وبقي لفظه، وهذا أكثر ما وقع في القرآن، والثاني ما نسخ لفظه وبقي حكمه، والثالث ما نسخ لفظه وحكمه، فمثال الأول قوله تعالى (إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفًا مِنْ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ) ثم قال بعدها ناسخًا لها (الآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنكُمْ وَعَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفًا فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صَابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ) فهذا نسخ حكمه وبقي لفظه، بقي لفظه تذكيرًا للأمة بما أنعم الله عليهم من التخفيف وكذلك إبقاءً لثوابه بتلاوته، أما القسم الثاني وهو ما نسخ لفظه وبقي حكمه فمثل هذه الآية، آية الرجم فإن حكمها باقٍ إلى يوم القيامة وكانت مقروءة وموجودة لكنها نسخ لفظها، والحكمة في نسخ لفظها والله أعلم بيان فضل هذه الأمة على الأمة اليهودية التي كتمت أو حاولت أن تكتم ما كان موجودًا في كتابها وهي آية الرجم حينما جاؤوا إلى النبي ﷺ يستفتونه في قضية اليهوديين حينما زنى رجل بامرأة منهم فجاؤوا بالتوراة ووضع القارئ يده على آية الرجم حتى قال عبد الله بن سلام ارفع يدك، فالأُمَّة اليهودية كان رجم الزاني ثابتًا عندها في التوراة لفظًا وحكمًا فحاولوا كتمه وعدم العمل به، هذه الأمة نسخ لفظ التلاوة التي تثبت رجم الزاني لكن الأمة الإسلامية طبقت هذا الحكم على الرغم من كون اللفظ منسوخًا مما يدل على فضلها وعلى امتثالها لأمر الله ﷿ وعدم تحايلها على إبطال شريعته هذا هو الذي يظهر لي من الحكمة في نسخ لفظها، وإن كان قد روي أن الحكمة هو أن الآية التي أشار إليها الأخ في السؤال وهي الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما لا تطابق الحكم الثابت الآن، لأن الحكم الثابت الآن معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، والآية إن صحت الشيخ والشيخة تعلق الحكم بالشيخوخة لا بالإحصان، وبينهما فرق فقد يكون الشيخ غير محصن يعني لم يتزوج ومع ذلك لا يرجم ومقتضى الآية أن يرجم لأنه شيخ، وقد يكون المحصن شابًا فيرجم ومقتضى الآية إن صحت أنه لا يرجم، ولذلك هذه الآية الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم، في القلب من صحتها شيء وإن كانت قد وردت في السنن وفي المسند وفي ابن حبان، لكن في القلب منها شيء لأن حديث عمر رضى الله عنه الذي أشار إلى آية الرجم قال وإن الرجم حق ثابت في كتاب الله على من زنى إذا أحصن، إذا أحصن فمقتضى هذا اللفظ الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، ولهذا يجب التحرز من القول بأن الآية المنسوخة بهذا اللفظ أي بلفظ الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة لأن إثبات أن هذه هي الآية المنسوخة معناها إثبات أنها من كلام الله، وكلام الله ﷾ حسب الحكم الشرعي الثابت الآن مقيد بالإحصان لا بالشيخوخة وهو في الحديث الذي في الصحيحين عن عمر يدل أيضًا على أن الآية المنسوخة قد علقت الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، على كل حال في نفسي وفي قلبي شيء من صحة هذا اللفظ أي لفظ الآية التي كانت منسوخة وهي أن لفظها الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما ألبتة نكالًا من الله والله عزيز حكيم فلا أستطيع أن أجزم بأن هذه هي الآية أي أن هذا هو لفظها، لأنها كما أشرنا إليه لا تطابق الحكم الشرعي الثابت الآن، ولا تطابق أيضًا الحديث الثابت في الصحيحين أن الآية المنسوخة على من زنى إذا أحصن، ففي القلب من صحتها شيء، أما قول الأخ أنه لم يجدها فصدق فهي غير موجودة في المصحف آية الرجم، وأما أين السورة التي ذكرت فيها ففي صحيح ابن حبان أنها كانت في سورة الأحزاب، والله أعلم بذلك، هل هي في سورة الأحزاب أو في سورة النور، الله أعلم، لأن الحديث يجب النظر فيه، والخلاصة أن قوله والشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة، وإن كان مشهورًا ومعروفًا في السنن ومسند الإمام أحمد وصحيح ابن حبان فإن في نفسي من صحته شيئًا أولًا لأنه يخالف الحكم الشرعي الثابت إذ الحكم معلق بالإحصان لا بالشيخوخة، ثانيًا أن لفظ حديث عمر الثابت في الصحيحين ذكر أن الرجم على من زنى إذا أحصن فمقتضى ذلك أن الآية المنسوخة تعلق الحكم بالإحصان لا بالشيخوخة، وهذا مما يدل على ضعف هذا الحديث المروي فيجب التثبت فيه، إذن هذا القسم الثاني من المنسوخ ما نسخ لفظه وبقي حكمه، الثالث ما نسخ لفظه وحكمه، ومثلوا له بحديث عائشة رضى الله عنها الثابت في صحيح مسلم كانت فيما أنزل من القرآن عشر رضعات معلومات يحرمن هذه فإن هذا العشر نسخت لفظًا وحكمًا ثم استقر الحكم على خمس معلومات. ***
التفسير والمفسرون
هل كل شخص يفسر القرآن برأيه أم الراسخون في العلم فقط وما الدليل على ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم التفسير بالرأي لا يجوز لا لأهل العلم ولا لغيرهم ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار ومعنى التفسير بالرأي أن الإنسان يحمل معاني كتاب الله ﷿ على ما يراه لا على ما تقتضيه دلالتها وأما التفسير بمقتضى الدلالة فإن كان عند الإنسان قدرة على ذلك بحيث يكون عنده علم من اللغة العربية وعلم من أصول الفقه وقواعد الملة فلا بأس أن يفسر القرآن بما يقتضيه ذلك وإن لم يكن عنده علم فإنه لا يجوز أن يفسره لأن الأمر خطير ومفسر القرآن مترجم عن الله ﷾ فليحذر أن يترجم كلام الله بما لا يريده الله فإن الأمر شديد وعظيم. ***
السائل يقول عندما يسألني سائل عن تفسير آية من القرآن وأنا لا أعلم بتفسيرها أقوم بتفسيرها على ضوء نص الآية فهل يجوز ذلك أم أن ذلك يكون من التكلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما إذا كنت طالب علم وعندك شيء من علم اللغة وأفتيته بما تقتضيه اللغة أي فسرت له القرآن بما تقتضيه اللغة فأرجو أن لا يكون في هذا بأس وأما إذا كنت عاميًّا فلا تتحدث عن تفسير القرآن لأنك تكون حينئذ قلت في القرآن برأيك ومن قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار. ***
أحيانًا يسأل أحدنا سؤالًا عن تفسير آية أو كلمة في القرآن فالبعض منا يفسر الآية على ما يغلب عليه ظنه فهل في ذلك بأس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي فسر الآية على حسب ظنه من أهل اللغة العربية العارفين بها فلا بأس وأما إذا كان يتخرص خرصًا فلا يجوز لأن المفسر للقرآن شاهدٌ على الله تعالى بأنه أراد كذا وكذا وهذا أمرٌ فيه خطورةٌ عظيمة فإن الله تعالى سيسأله يوم القيامة كيف شهدت عليَّ بأني أردت كذا وكذا بدون علم ولهذا جاء التحذير من تفسير القرآن بالرأي وأن من فسر القرآن برأيه فقد أخطأ وإن أصاب أما الإنسان الذي عنده معرفة باللغة العربية وفسر القرآن بمقتضى اللغة العربية فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك يراجع ما قاله المفسرون في تفسير الآية أما إذا كان هذا القول في مناقشةٍ بين طلبة العلم وسيرجعون في النهاية إلى كتب التفسير فهذا لا بأس به لأن هذا ليس قولًا مستقرًا لكنه عرض رأيٍ سوف يراجع فيما بعد. ***
بماذا ترشدون من أراد أن يقرأ في كتب التفسير لا سيما وأن بعضها يشتمل على تحريف الصفات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرشده إلى أن يتجنب جميع الكتب التي فيها التحريف ثم إذا ترعرع فيما بعد وأحب أن يطلع ويرى ما ابتلي به بعض الناس من التحريف فلا حرج أما في بداية الأمر فأخشى عليه الضلال إذا طالع الكتب التي فيها التحريف كتحريف (اسْتَوَى) بمعنى استولى (وَجَاءَ رَبُّكَ) بمعنى جاء أمر ربك (بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ) أي نعمتاه وما أشبه ذلك من التحريف الباطل هذا لا يمكن أن يقرأه المبتدئ لأنه يضل ويهلك ونحن نؤمن بأن الله يجيء نفسه لأن الله أضاف الفعل إلى نفسه جاء ربك وأنه استوى على عرشه حقا وبأن له يدين حقيقيتين قال الله ﷿ (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ) فالأمر واضح ولله الحمد الأمر مثل الشمس في رابعة النهار لكني أقول من لم يجعل الله له نورا فما له من نور. ***
أقرأ في بعض التفاسير وأخشى أن يكون بعضهم يخالف قول أهل السنة والجماعة ومذهب أهل السنة فبماذا تنصحونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: على كل حال أقول إن بعض المفسرين ينحون مذهب من يخرج النصوص على ظاهرها فيما يتعلق بصفات الله فيجب الحذر من هذا المذهب لأن حقيقته تحريف الكلم عن مواضعه وليس تأويلًا صحيحًا مرادًا لله ﷿ لأن الله تعالى لو خاطب الناس بما يريد منهم خلاف ظاهره لم يكن هذا من البيان الذي التزم الله به في قوله لرسول الله ﷺ (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِه (١٦) إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ (١٧) فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ (١٨) ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ) وفي قوله تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) ولا يجوز لنا أن نعدل بكلام الله أو كلام رسوله ﷺ لا في باب العقيدة ولا في باب الأحكام العملية عن ظاهره إلا بدليل لأن الله خاطبنا باللسان العربي المبين فيجب علينا أن نجري اللفظ بمقتضى هذا اللسان العربي المبين إلا إذا جاء دليل من المتكلم به على أنه لا يريد ظاهره فحينئذٍ نفسر كلامه بعضه ببعض وأما مجرد الأوهام والتخيلات التي تكون عند بعض أهل العلم من أن إثبات هذه الصفة يقتضي التمثيل أو التشبيه فإن هذه لا يجوز لنا أن نحكم بها على كتاب الله وسنة رسول الله ﷺ لأنها أوهام ذهب إليها من ذهب ظنًا منه أن صفات الله يحذى بها حذو صفات المخلوقين فيكون هذا الذي نفى الصفة يكون ممثلًا أولًا ومعطلًا ثاينًا فهو ممثل أولًا بحسب ظنه ووهمه معطلٌ ثانيًا لأنه نفى الصفة التي يدل عليها ظاهر كلام الله ورسوله. ***
ما تنصحون بقراءته من كتب التفسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتب التفسير في الواقع كثيرة ومتشعبة والعلماء ﵏ كل يأخذ بجهة من جهات القرآن الكريم فمنهم من يغلب عليه تفسير المعاني بقطع النظر عن الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه مسائل الإعراب والبلاغة وما أشبه ذلك ومنهم من يغلب عليه استنباطات من الآيات العلمية والعملية فهم يختلفون لكن من خير ما يكون من التفاسير فيما أعلم تفسير ابن كثير ﵀ فإنه تفسير جيد سلفي لكن يؤخذ عليه أنه يسوق بعض الإسرائيليات في بعض الأحيان ولا يتعقبها وهذا قليل عنده ومن التفاسير الجياد تفسير الشيخ عبد الرحمن الناصر بن سعدي ﵀ فإنه تفسير سلفي سهل المأخذ ينتفع به حتى العامي ومن التفاسير الجياد تفسير القرطبي ﵀ ومنها تفسير محمد الأمين الشنقيطي الجكني لا سيما في الجزء الذي أدركه ومن التفاسير الجياد في البلاغة والعربية تفسير الزمخشري لكن احذره في العقيدة فإنه ليس بشيء ومن التفاسير الجياد تفسير ابن جرير الطبري لكنه لا ينتفع به إلا الراقي في العلم هناك تفاسير أخرى لا نعرفها إلا بالنقل عنها لكن الإنسان يجب عليه أنه إذا لم يفهم الآية من التفاسير أن يسأل عنها أهل العلم حتى لا يفسر القرآن بغير مراد الله تعالى به. ***
آداب القرآن وأحكامه (حفظ القرآن وتعاهده)
هل صحيح بأن من حفظ القرآن كاملًا حرمه الله على النار فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم هذا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن حفظ القرآن كاملًا أو حفظ بعضه فإن القرآن إما حجة له أو حجة عليه وليس كل من حفظ القرآن يكون القرآن حجة له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجة لك أو عليك) فإن عمل به الإنسان مصدقًا بأخباره متبعًا لأحكامه صار القرآن حجة له وإن تولى وأعرض كان القرآن حجة عليه قال الله تعالى (فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنْتُ بَصِيرا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى * وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَأَبْقَى) ولكن مع ذلك أحث إخواني المسلمين من ذكور وإناث أن يحفظوا كتاب الله لأن كتاب الله ﵎ ذخر وغنيمة وإذا حفظه الإنسان استطاع أن يقرؤه في كل وقت وفي كل مكان إلا في الأوقات والأماكن التي ينهى عن القراءة فيها فيقرؤه وهو على فراشه يقرأه وهو يسير في سوقه إلى المسجد أو إلى المدرسة أو إلى حلقة الذكر أو إلى البيع والشراء ثم إن القرآن الكريم ليس كغيره فالقرآن الكريم في كل حرف منه حسنة والحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة ثم إن القرآن الكريم كلما تدبره الإنسان ازداد محبة لله تعالى وتعظيمًا له وصار القرآن كأنه سليقة له يسر بتلاوته ويحزن بفقده فنصيحتي لإخواني المسلمين عمومًا أن يحرصوا على حفظ القرآن ولا سيما الصغار منهم لأن حفظ الصغير له فائدتان الفائدة الأولى أن الصغير أسرع حفظًا من الكبير والثانية أن الصغير أبطأ نسيانًا من الكبير فهاتان فائدتان الأولى والثانية نسأل الله أن يجعلنا ممن يتلون كتاب الله حق تلاوته. ***
ما هو الدعاء المفضل لحفظ القرآن الكريم وما الطريقة التي تنصحون به لحفظ كتاب الله ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف دعاءً يحفظ به القرآن الكريم ولكن الطريق إلى حفظه هو أن يواظب الإنسان على تحفظه وللناس في تحفظه طريقان أحدهما أن يحفظه آية آية أو آيتين آيتين أو ثلاثا ثلاثا حسب طول الآية وقصرها. والثاني أن يتحفظه صفحة، صفحة والناس يختلفون منهم من يفضل أن يتحفظه صفحة صفحة يعني يقرأ ويرددها ويرددها حتى يحفظها ومنهم من يفضل أن يحفظ الآية ثم يرددها حتى يحفظها ثم يحفظ آية أخرى كذلك وهكذا حتى يتمم ثم إنه أيضًا ينبغي سواءً حفظ بالطريقة الأولى أو بالثانية أن لا يتجاوز شيئًا حتى يكون قد أتقنه لئلا يبني على غير أساس وينبغي أن يستعيد ما حفظه كل يوم خصوصًا في الصباح فإذا عرف أنه قد أجاد ما حفظه أخذ درسًا جديدًا. ***
ما هو السن المناسب في تحفيظ الأبناء للقرآن الكريم وما رأيكم أيضا في الأناشيد الإسلامية من أجل تحفيظها للأطفال وتعويدهم على ترديدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى من السؤال وهي السن التي ينبغي أن يبتدأ فيها بتحفيظ الطفل كتاب الله ﷿ فإن الغالب أن سن السابعة يكون فيه الطفل مستعدا لحفظ ما يلقى إليه ولهذا كانت السابعة عند كثير من العلماء أو أكثر العلماء هي سن التمييز ويوجد بعض الأطفال يكون عنده تمييز قبل سن السابعة ويوجد بعض الأطفال لا يكون عنده تمييز إلا في الثامنة فما فوق فالمهم أن هذا يرجع إلى استعداد الطفل لحفظ القرآن وغالب ذلك سبع سنوات أما الأناشيد الإسلامية فتحتاج إلى أن نسمعها لأن بعض الأناشيد الإسلامية تسمى إسلامية لكن فيها بعض الأخطاء هذا إذا كانت مجردة عن الموسيقى والطبول والدفوف أما إذا صحبها شيء من آلات المعازف فهي حرام لما صحبها منها من آلات العزف فقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال ليكونن أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف) وهذا نص صريح في أن المعازف حرام. ***
المستمع خضر يقول أسأل عن آداب تلاوة القرآن الكريم وأرجو أن ترشدوني لبعض الأدعية المستجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن الكريم أن يكون الإنسان عند قراءة القرآن متطهرًا وأن يكون متخشعًا وأن يكون متدبرًا لكلام الله ﷿ وأن يكون مستحضرًا لكون القرآن كلام الله حروفه ومعانيه حتى يحصل له من تعظيم الله ﷿ حال قراءة القرآن ما لا يحصل له لو كان غافلًا وينبغي للإنسان أن يجعل له في كل يوم حزبًا معينًا يحافظ عليه حتى لا تضيع عليه الأوقات لأن الإنسان إذا ضاعت عليه الأوقات فإنه لا يتمكن من العمل الذي يرضى به عن نفسه أي أن الإنسان إذا أهمل نفسه بدون تقيد ضاعت عليه أوقاته وخسر وقتًا كبيرًا بخلاف ما إذا ما وقت لنفسه وضبط نفسه فإنه يحصل على خير. ***
ما حكم الشرع في نظركم في الطالب الذي يقرأ القرآن ثم يحفظه ثم ينساه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا حفظ الإنسان القرآن ثم نسيه فإن كان عن هجر للقرآن ورغبة عنه فإنه قد عرض نفسه لإثم عظيم وإن كان بمقتضى السجية والطبيعة البشرية أو أتاه ما يشغله عن تعهده فإنه لا يأثم بذلك لأن النسيان من طبيعة الإنسان كما قال النبي ﵊ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) فإذا كان النسيان بمقتضى طبيعة البشرية أو من أجل أنه تشاغل بأمور واجبة أوجبت نسيان شيء من القرآن فإن ذلك لا يكون سببًا لإثمه. ***
لقد كنت أحفظ من القرآن الكريم ما يقارب من عشرة أجزاء ومنذ ثلاث سنوات نسيت ما كنت أحفظه إلا قليلًا وذلك بسبب دراستي فهل علي إثم في ذلك وهل أدخل في قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنْسَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تدخل في هذه الآية لأن قوله تعالى (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا) المراد فتركتها يعني فتركت العمل بها ولم ترفع بها رأسا ولم تر في مخالفتها بأسا هذا معنى النسيان هنا والنسيان يأتي بمعنى الترك كما في قول الله تعالى (نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ) أي تركهم لأن الرب ﷿ لا ينسى النسيان الذي هو ضد الذكر ولكن لا ينبغي لمن من الله عليه بحفظ القرآن أن يهمله حتى ينساه بل يحافظ عليه ويتعهده لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بذلك فقال (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) فإذا أمكنك الآن وأرجو أن يمكنك أن تعيد ما مضى فإن استعادته سهلة فاستعن بالله والتفت إلى القرآن واستذكر ما نسيت واسأل الله أن يفتح عليك وأن يذكرك ما نسيت. ***
سالم محمد سالم مصري يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) وهل ينطبق معناها على من حفظ شيئًا من القرآن ثم نسيه بسبب الإهمال وقلة الفراغ وعدم المداومة على قراءته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا) أن كل من أعرض عن ذكر الله وهذا يشمل الإعراض عن ذكره الذي هو القرآن والوحي الذي أنزله على أنبيائه ورسله ويشمل الذكر الذي هو ذكر الله تعالى بالقلب وباللسان وبالجوارح فمن أعرض عن هذا وهذا فإنه يعاقب بهذه العقوبة العظيمة فإن له معيشةً ضنكا وهذه المعيشة الضنك قيل إن المراد بها تضييق القبر عليه بعد موته وقيل إن المراد بها ما هو أعم وحتى وإن بقي في دنياه فإنه لا يكون منشرح الصدر ولا يكون مطمئن القلب وذلك لأنه لا عيش أنعم ولا أطيب من عيش من آمن بالله وعمل صالحًا كما قال الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقال بعض السلف لو يعلم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف لأن الإيمان مع العمل الصالح يوجب للإنسان الانشراح والطمأنينة ويكون في قلبه نور ويكون راضيًا بقضاء الله وقدره في المكاره والمحاب فلا يوجد أحدٌ أنعم منه وهذا القول أقرب إلى الصواب أن المعيشة الضنك تشمل هذا وهذا في القبر وكذلك في الدنيا أما بعد الحشر فإنه يحشر والعياذ بالله يوم القيامة أعمى كما قال الله تعالى (وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وَجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا) وحينئذٍ يسأل لا سؤال استعتاب ولكن سؤال استظهار لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيرا وهذا لأجل إقامة الحجة عليه وخزيه والعياذ بالله يوم القيامة فيقول الله له (كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (١٢٦) وَكَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِآيَاتِ رَبِّهِ) . ***
يقول السائل إنني مواظب على قراءة القرآن الكريم والأحاديث النبوية الشريفة ولكنني كثيرًا ما أنسى ولا أستطيع أن أحفظ هل علي إثم في هذا أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن من نعمة الله على العبد أن يوفقه الله تعالى لحفظ كتابه عن ظهر قلب لما في ذلك من المصالح العظيمة فإن الإنسان إذا كان حافظًا لكتاب الله عن ظهر قلب أمكنه أن يتلوه على كل حال إلا في المواضع التي لا ينبغي فيها تلاوة القرآن أو في الأحوال التي لا يمكن فيها قراءة القرآن كحال الجنابة وإذا كان حافظًا للقرآن عن ظهر قلب أمكنه أن يتدبر معانيه وأن يتفكر فيه كل وقت ولهذا ينبغي للإنسان أن يحفظ كتاب الله عن ظهر قلب ما استطاع وإذا حرص على ذلك ولكنه نسي شيئًا منه بغير تفريط فإن ذلك لا حرج عليه فيه وقد ثبت أن النبي ﷺ صلى بأصحابه ذات يوم بل ذات ليلة فقرأ وأسقط آية من القرآن نسيها فذكره أبي بن كعب بها بعد سلامه فقال (هلا كنت ذكرتنيها) فإذا نسي الإنسان شيئًا مما حفظ من كتاب الله دون استهانة به فإن ذلك لا حرج عليه فيه لأنه من طبيعة البشر أعني أن نسيان الإنسان لما حفظه أمر طبيعي لا يلام الإنسان عليه إلا ما كان من استهانة وعدم مبالاة فهذا له حال أخرى. ***
المستمعة أختكم في الله غ ح م المملكة تقول في رسالتها لقد سمعت حديثًا عن الرسول الكريم ﷺ معناه أن من حفظ سورة أو آية من القرآن الكريم ونسيها بعد ذلك بأنه قد ارتكب ذنبًا ما مدى صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي ﵊ من الوعيد الشديد على من حفظ آية من كتاب الله ثم نسيها وهذا الحديث إن صح فالمراد به من نسي هذه الآية تهاونًا وإعراضًا عن كتاب الله ﷿ وعدم مبالاة به وأما من نسيها بمقتضى الطبيعة أو بانشغاله بما يجب عليه من شؤون حياته وحياة أهله فإنه لا إثم عليه وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه نسي آية في صلاة فذكره بها أبي بن كعب ﵁ بعد أن سلم فقال هلا كنت ذكرتنيها يعني من قبل وثبت عنه أنه مر برجل يقرأ في بيته فقال (رحم الله فلانًا لقد ذكرني آية كنت نسيتها) والنسيان من طبيعة البشر كما قال النبي ﵊ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون) والعجيب أن بعض الناس لتهيبه من عقوبة الله ﷿ لعب به الهوى حتى قال لن أحفظ شيئًاَ من كتاب الله أخشى أن أحفظه فأنساه فمنع نفسه من الخير بهذه الحجة التي لا أساس لها من الصحة ونحن نقول احفظ كتاب الله ﷿ وتعهده ما استطعت كما أمر بذلك النبي ﵊ فإنه أمر بتعهد القرآن وقال (إنه أشد تفلتًا من الإبل في عقلها) فأنت احفظ القرآن وتعهده وإذا نسيت بمقتضى الطبيعة لا للإعراض عن كتاب الله ولا للتهاون به فإن ذلك لا يضرك وليس عليك إثم. ***
يقول السائل قرأت في يوم من الأيام حديثًا معناه أن الرسول الكريم ﷺ قال (من قرأ القرآن ونسيه يأتي يوم القيامة وهو أجذم) وأنا في الحقيقة إنسان أنسى بسرعة ولا أتذكر شيئًا إلا بشق الأنفس وهذا ما يخيفني وحاولت العلاج وعرضت نفسي على عدد من الأطباء فبماذا تنصحونني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن نسيان القرآن ينقسم إلى قسمين أحدهما أن يكون سببه إعراض القارئ وإهماله وتفريطه فهذا قد يكون آثمًا لكونه أهدر نعمة الله عليه بحفظ كتابه حتى أضاعه ونسيه وأما القسم الثاني فهو أن يكون نسيانه عن غير إعراض وغفلة ولكنه بآفة كسرعة النسيان أو لكونه ينشغل بأمور لا بدّ له منها في دينه ودنياه فينسى بذلك فهذا لا يضر ولا يؤثر وقد صلى النبي ﷺ ذات يوم بأصحابه فقرأ بهم ونسي آية من القرآن فلما انصرف ذكره بها أبي بن كعب فقال له النبي ﷺ (هلا كنت ذكرتنيها) يعني في الصلاة ومر بقاريء يقرأ ليلًا فقال (رحم الله فلانًا لقد ذكرني آية كنت أُنسيتها) فالنسيان الذي يأتي بمقتضى طبيعة البشر لا يلام الإنسان عليه. ***
السائلة تقول تركت قراءة القرآن علمًا بأنني أقرؤه بشكل مستمر في شهر رمضان وذلك لانشغالي فما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شيء عليك إذا كان هذا الانشغال لا تتمكنين فيه من قراءة القرآن ومن المعلوم أن المؤمن لا يمكن أن يدع قراءة القرآن لأنه سوف يقرأ القرآن في الصلاة يقرأ الفاتحة وما تيسر ويقرأ الأوراد من الآيات الكريمة كآية الكرسي وقل هو الله أحد والمعوذتين وآيتين من آخر سورة البقرة وما أشبه ذلك لكن مع هذا ينبغي أن تحافظي ولو على نصف جزء في اليوم وهذا أمر لا يشق فقراءة نصف الجزء في عشر دقائق لا تشغل الإنسان شغلًا كثيرًا فلتستعيني بالله ﷿ ولتحافظي على ورد معين تقرئينه كل يوم ولو عند النوم. ***
هل تجوز قراءة القرآن بدون معلم علما بأننا بحثنا في المدينة التي أسكن فيها ولم أجد من يعلمنا أحكام القرآن أو حفظ القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن من نعمة الله ﷾ على هذه الأمة ومن تمام حفظه لكتابه العزيز أن قيض للمسلمين هذه المصاحف التي كتب فيها القرآن وطبع فيها القرآن على وجه معرب تمام الإعراب في الحركات والسكنات والمدات وغير ذلك وهذا داخل في قوله تعالى (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) فإذا كان الإنسان باستطاعته أن يقرأ القرآن من هذه الصحف المعربة المشكولة ولو شق عليه ذلك ولو تتعتع فيه فإنه يجوز له أن يفعل وإن لم يكن له قارئ يقرئه وقد ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) فأنت أخي السائل اقرأ القرآن وتهجه حرفا حرفا وكلمة كلمة مع إتقان الحركات والسكنات وهذا كافٍ وفيه خير عظيم ولك مع المشقة أجران كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأما قراءة القرآن على وجه التجويد المعروف فإن ذلك ليس بواجب لأن التجويد إنما يراد به تحسين القراءة فقط وليس أمرا واجبا حتما يأثم الإنسان بتركه بل الواجب الحتم أن يقيم الحركات والسكنات ويبرز الحروف. ***
احترام المصحف
المستمع زكي عبد الله مصري يقول كيف يكون تعاهد القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعاهد القرآن يكون بمداومة تلاوته حسب ما تقتضيه المصلحة والحاجة فقد يكون الإنسان ضعيفًا في حفظه في كتاب الله وهذا نقول له أكثر من تلاوته ومعاهدته لئلا يضيع منه شيء وتارة يكون حفظه لكتاب الله قويًا وهذا لا نلزمه من المعاهدة والمحافظة كما نلزم الأول فهي تكون بحسب الحال أي بحسب حال حافظ القرآن وضابطها أن يتعاهد القرآن على وجه يأمن فيه من نسيانه ويختلف هذا باختلاف الناس. ***
هل نسيان القرآن فضيلة الشيخ من كبائر الذنوب مع الدليل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي ﵊ ومن المعلوم أن النبي ﵊ أشد الناس تعهدًا لكتاب الله ﷿ والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي ﷺ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتًا ثبوتًا يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثمًا فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير. ***
يقول السائل هل نسيان القرآن من كبائر الذنوب مع الدليل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نسيان القرآن ليس من كبائر الذنوب وليس فيه إثم إذا كان الإنسان قد أتى بما يجب عليه من تعهد القرآن فإن النسيان وقع للنبي ﵊ ومن المعلوم أن النبي ﵊ أشد الناس تعهدًا لكتاب الله ﷿ والنسيان من طبيعة البشر لقول النبي ﷺ (إنما أنا بشر مثلكم أنسى كما تنسون فإذا نسيت فذكروني) أما إذا كان النسيان لتهاون الإنسان بتعهد القرآن الواجب فإنه يأثم بذلك لأنه ترك ما يجب عليه من التعاهد الواجب والحديث الوارد في الوعيد على ذلك فيه مقال كثير لا يستطيع الإنسان أن يجزم بوقوع الوعيد المذكور لأنه لم يكن ثابتًا ثبوتًا يبني الإنسان عليه معتقده فلهذا نقول إن النسيان الذي يكون سببه الإهمال أي إهمال ما يجب عليه من تعاهد القرآن يكون الإنسان آثمًا فقط أما الجزم بأنه من كبائر الذنوب فإن هذا ينبني على صحة الحديث. والحديث فيه مقال كثير. ***
ما حكم وضع المصحف على الأرض فوق فرش المسجد فقد أفتى بعضهم بأن وضعه يؤدي إلى الكفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به ولا حرج فيه إذا وضعه على وجه ليس فيه إهانة مثل أن يضعه بين يديه أو إلى جنبه فإن ذلك لا بأس به ولا حرج فيه وليس بكفر أما لو وضعه بين قدميه وحاشا لأحد أن يفعل ذلك وهو مؤمن فهذا لا شك أنه إهانة لكلام الله ﷿ وإنني بهذه المناسبة أحذر من أن يفتي الإنسان بغير علم لأن الفتوى بغير علم قول على الله بغير علم وقد قرن الله القول عليه بغير علم بالشرك فقال تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وجاء في الحديث (أجرؤكم على الفتيا أجرؤكم على النار) ولا يحل لأحد أن يتكلم عن شريعة الله إلا بعلم يعلم به أن هذا من شريعة الله أو أن هذا مخالف لشريعة الله ولا يحل لأحد أيضًا إذا كان جريئًا أن يجرؤ على التكفير إلا بدليل واضح صريح لأن التكفير معناه إخراج الرجل من دائرة الإسلام إلى دائرة الكفر فالأمر عظيم وإذا كان ليس بإمكان أحد أن يقول عن الشيء الحلال إنه حرام أو عن الشيء الحرام إنه حلال فليس بإمكان أحد أن يقول للشخص المسلم إنه كافر بل قد يكون هذا أعظم لأنه يترتب على القول بالكفر مسائل كبيرة عظيمة فالكافر مثلًا لا يزوج ولا يكون وليًا في زواج ولا يكون وليًا على أولاده وإذا مات لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه ولا يدفن مع المسلمين ولا يورث عند أكثر أهل العلم فالأمر ليس بالهين فالتكفير صعب فعلى كل حال نصيحتي لإخواني أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتقوا الله في إخوانهم فلا يقولوا على الله ما لا يعلمون ولا يتكلمون بشيء لا طاقة لهم به وإذا كانوا يستعجلون الرئاسة في العلم والإمامة في الدين فقد أخطؤوا فإن من تعجل شيئًا قبل أوانه عوقب بحرمانه بل ينظروا ويصبروا حتى يكونوا أهلًا للإمامة في دين الله وحينئذٍ يفتون الناس ثم إني أحذر أيضًا العامة أن يستفتوا إلا من علم بأنه أهل للفتيا لأنهم إذا استفتوا من لا يعلمون أنه أهل للفتيا فقد يضلون بما أفتوا به من الضلال وإذا كان الإنسان لو مرض لم يذهب إلى أي واحد ليطلب العلاج عنده وإنما يذهب إلى الأطباء المعروفين فكذلك في دين الله إذا أشكل عليه شيء لا يذهب إلى أي واحد من الناس ويستفتيه وما أكثر ما يُعرض من الفتاوى الخاطئة فأحذر إخواني هؤلاء وأقول أسأل الله أن يجعلكم أئمة في الدين وأنتم تستحقون الإمامة واحرصوا على أن تتعلموا أولًا ثم تعلموا ثانيًا وتفتوا الناس فتكونوا أئمة للناس في دينهم وفي صلواتهم وكذلك أيضًا أحذر إخواني الذين منّ الله عليهم بشيء من العلم ولكنهم ما زالوا في الطلب وفي أول الدرجة أحذرهم ألا يتعجلوا في الفتيا فيضلوا الناس بغير علم ويندموا هم بأنفسهم إذا كبروا ورأوا أنهم قد ضلوا فسوف يندمون وحينئذٍ لا ينفع الندم لأن الفتيا إذا انتشرت صعب جدًا أن تختفي وقد يقول من وافقت الفتيا هواه قد يقول بأني لا أرجع عن هذه الفتيا ولو رجع المفتي بها لأنني لا أدري الصواب في أول قوليه أو في آخرهما فالأمر خطير للغاية فنسأل الله أن يجعلنا جميعًا ممن رأى الحق حقًا واتبعه ورأى الباطل باطلًا واجتنبه إنه جواد كريم. ***
ما حكم وضع القرآن الكريم على الأرض في حال الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مما لا شك فيه أن القرآن كلام الله ﷿ تكلَّم به ﷾ ونزل به جبريل الأمين على قلب رسول الله ﷺ وأنه يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ولهذا لا يجوز للمسلم أن يمسَّ القرآن إلا وهو طاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولا يجوز أن يوضع القرآن في مكانٍ يكون فيه إهانةٌ له وأما وضع القرآن على الأرض أثناء السجود للمصلى فلا بأس بذلك لأنه ليس فيه إهانة لكنه يجب أن يبعد عن ما يقرب من القدمين بمعنى أنه لا ينبغي بل لا يجوز أن يضعه الإنسان عند قدمه وهو قائم مثلًا وإنما يجعله بين يديه أو قدّام موضع سجوده كذلك أيضًا لا يجوز أن يوضع بين النعال كما لو كان الناس يضعون نعالهم في مكان فيأتي هذا الإنسان ويضعه بين النعال فإن هذا لا يجوز لأنه إهانةٌ للقرآن الكريم. ***
يقول السائل ماحكم كتابة القرآن على الجدار أو تعليق آيات من القرآن الكريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما تعليق القرآن أو كتابته على الجدران فليس من هدي السلف ﵃ وهذا الذي كتبه يسأل لماذا كتبته أتريد أن يقرأ فإن من المعلوم أن الجالس لا يقرؤه إلا على سبيل الفرجة فقط لا يقرؤه تعبدًا وهل هو على سبيل التبرك فالتبرك على هذا الوجه بدعة وهل هو على سبيل الحماية على أنه ورد فكذلك أيضًا لم يرد الاحتماء بالقرآن على هذا الوجه وهل هو على سبيل النصيحة فإن الغالب أن الناس لا يهتمون بذلك ولنضرب لهذا مثلًا لو كتب آية (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) هل الجالس إذا قرأ الآية تهيب عن الغيبة ووقف ثم هل كل مجلس يكون فيه غيبة إذا كان بعض المجالس ليس فيها غيبة فما الفائدة من كتابة الآية إذا كان أهل المجلس لا يهتمون بالغيبة فإن هذه الآية المكتوبة أو المعلقة لم تنفعهم على كل حال يكفينا في هذا أن نقول تعليق القرآن الكريم على الجدران أو كتابته على الجدران ليس من هدي السلف الصالح ولن يصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها. ***
ماحكم كتابة البسملة على السبورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتابة البسملة على السبورة إن كان سيُكتب على السبورة شيء فحسن أما إذا لم يكتب على السبورة شيء فلا فائدة منها وغالب السبورات تكون وراء المدرس إذا قام يدرس. ***
هل يجوز كتابة آية كريمة على شكل رجل يصلى كما يحصل من بعض من يجيدون الخط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أنه لا يجوز وأن هذا من التعمق والتنطع وقد قال النبي ﷺ (هلك المتنطعون) ثم إن الكتابة العربية بالحروف العربية لا بد أن يحصل فيها تغيير إذا هي عُصفت حتى تكون على هيئة مصلٍّ ثم إن هيئة المصلى قد يكون فيها أو من جملة الهيئات أن يكون ساجدًا وحينئذٍ يكون أعلى القرآن أو أعلى الصحيفة وأسفلها مختلفًا ويكون القرآن معبرًا عن ساجدٍ وقد قال النبي ﵊ (ألا إني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا) فكل شيء يوهم أن هذا القرآن في منزلةٍ أسفل فإنه منهيٌ عنه وإذا كان النبي ﵊ نهى أن يقرأ الإنسان القرآن راكعًا أو ساجدًا لأن هيئته هيئة ذلٍ بالغ والقرآن ينبغي أن يكون في محل القيام الذي يكون محل انتصابٍ وارتفاع فالحاصل أن هذه الكتابة نرى أنها لا تجوز ثم إن من المغالاة أن يدعى الناس إلى شريعة الله بمثل هذه الأمور وبهذه المناسبة أود أن أنبه أيضًا إلى ما يُعلَّق من بعض الآيات في المجالس فإنه هذا أيضًا من الأمور المبتدعة المحدثة التي وإن كان فاعلوها يقصدون إما التبرك وإما التذكير فهذا لا ينبغي لأن التبرك على هذا الوجه بالقرآن الكريم لم يرد وأما التذكير فإنها في الحقيقة لا تذكر في الغالب بل إنك تجد في هذا المجلس الذي عُلِّقت فيه هذه الآيات تجد فيه من السباب واللغو والشتم أو من الأفعال المنكرة من شرب دخان أو من استماع إلى ما لا يجوز الاستماع إليه أو ما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه يكون كالاستهزاء بآيات الله تعالى حيث تكون آيات الله تعالى فوق رؤوس الناس الجالسين وهم ينابذون الله تعالى بالمعاصي وبالسباب والشتم والغيبة ونحو ذلك فلهذا نرى أن للمسلمين غنىً عن هذه الأمور التي تلقيت عن غير روية ومن غير تأمل وخير هدي هدي النبي ﷺ وسلف هذه الأمة الصالح والذي أنصح به إخواني المسلمين أن لا يعلقوا مثل هذه الآيات في بيوتهم لأن فيها من المفاسد ما اشرنا إليه آنفًا والحمد لله في المصاحف غنىً عن هذا ومن أراد كلام الله والتمتع بتلاوته أو التدبر لآياته وجده مكتوبًا في المصاحف والله الموفق. ***
هل يجوز جعل أحد قصص القرآن الكريم مثل قصة يوسف على شكل شعر أفيدونا ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القران الكريم كلام الله ﷿ ويجب أن يعظم بأنه كلام الله وهو قرآن مجيد وقرآن عظيم وقرآن كريم فلا يجوز أن يعدل به عن الطريقة التي أنزله الله تعالى عليها لا سيما تحويله إلى شعر فإن هذا من أعظم المنكرات ومن أعظم الجرأة على الله ﷿ والقرآن إنما نزل للاتعاظ والتذكر ولم ينزل لأن يجعل أغاني وشعرًا فمحاولة هذا الشيء من أعظم الجرأة على الله تعالى وأعظم المنكرات وهي حرام بلا شك. ***
سعيد محمود هل يجوز حمل القرآن الكريم إلى مكان بعيد لتلاوته وما حكم ذلك وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعله يريد بالمكان البعيد بلاد الكفر فنقول لا بأس أن يحمل الإنسان القرآن إلى بلاد غير إسلامية لأن أهل العلم إنما ذكر بعضهم تحريم السفر بالقرآن إلى دار الحرب التي يخشى أن يستولي هؤلاء الأعداء على هذا المصحف فيهينوه وأما بلاد بينها وبين بلدك معاهدة كما هو الجاري المعروف الآن بين الدول فإنه لا حرج أن يستصحب الإنسان كتاب الله ليقرأ به وليقرئه غيره من المسلمين هناك فيحصل النفع للجميع والله الموفق. ***
بارك الله فيكم المستمعة تقول ما حكم الاستناد على المصحف عند الكتابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستناد يعني الاتكاء على المصحف عند الكتابة لا بأس به إذا لم يقصد بذلك الإهانة والغالب أن الكاتب لا يقصد الإهانة لكن خير من ذلك أن يجعل المصحف أمامه بين يديه ويكتب عليه إذا كان يريد أن ينقل من المصحف شيئًا أما إذا كان يريد أن يكون المصحف متكأً للورقة التي يريد أن يكتب عليها فإننا نقول لا تفعل لأن في هذا استخدامًا للمصحف قد يكون مشتملًا على شيء من الإهانة وليأت الإنسان بشيء آخر يتكئ عليه عند الكتابة. ***
هل يجوز رمي الأشرطة التي تحمل تسجيلات لبعض الآيات القرآنية الكريمة وبعض الأحاديث الشريفة في سلة المهملات وإذا كان ذلك لا يجوز فماذا يجب أن نفعل بعد تلفها أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذه الأشرطة التي تتضمن شيئًا من الآيات الكريمة أو من الأحاديث النبوية لا يظهر فيها أثر بالنسبة للآيات ولا للأحاديث أي لا يظهر للآيات ولا للأحاديث صورة بهذا الشريط وإنما هي حبيبات ٌ أو نبرات إذا مرت بالبكرات التي في المسجل حصل منها هذا الصوت فلا يثبت لها أحكام الورق الذي يكتب فيه شيء من القرآن أو من الأحاديث النبوية فإذا رماها الإنسان في أي مكان بشرط أن لا يقصد إهانتها فإنه لا حرج عليه في ذلك كما أنه لو دخل فيها مكان قضاء الحاجة فإنه ليس في ذلك بأس لأن الآيات أو الأحاديث لا تظهر في هذه الأشرطة. ***
بارك الله فيكم المستمع عبد الله العربي يقول نرى في بعض من التجار وأصحاب الأعمال يستعملون أجزاء غير مكتملة من الآيات ويضعونها على مداخل الأبواب مثل صاحب الطعام يكتب (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) صاحب الشراب (وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا) صاحب المكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) إلى آخر هذه الاستعمالات والتي تبدو أحيانًا تجاوزت الحد الكثير نرجو بهذا التوجيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تعليق هذه الآيات ينقسم إلى قسمين فتارةً يقصد بها التحرز والتحصن مثل الذين يعلقون آية الكرسي أو المعوذات أو نحو ذلك وهذا لا شك أنه غير مشروع وأنه أمرٌ لا ينبغي لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه يوجب للإنسان أن يعتمد عليه ويدع قراءة هذه الآيات التي يكون بها التحصن اعتمادًا على ما علق وتارةً يقصد بها التنبيه كما ذكر السائل يكتب أمام الداخل على مكتبة (وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا) وما أشبه ذلك وهذا قد يقول قائل إنه غير مشروع لأنه لم يرد عن السلف الصالح ولأنه قد ينتفع به وقد لا ينتفع وكثيرًا ما يعلق آية من القرآن تنهى عن شيء ويكون الجالسون في هذا المكان يفعلون نفس الشيء الذي نهي عنه كما لو كتب في المجلس (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فإن الجالسين هل ينتفعون بما كتب قد ينتفعون وقد لا ينتفعون ربما يغتابون الناس وكلام الله ﷿ فوق رؤوسهم يقول الله فيه (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فلا ينتفعون بهذا المكتوب وتارةً يعلق القرآن لكونه مكتوبًا على وجهٍ مطرز وكأنه نقوش ووشم حتى إن بعضهم يكتب على هيئة قصر وعلى هيئة منارة وما أشبه ذلك فهذا أشبه ما يكون باللعب بكتاب الله ﷿ والعلماء ﵏ اختلفوا هل يجوز أن يكتب القرآن بغير الرسم العثماني أي على حسب القواعد المعروفة أو لا يجوز على ثلاثة أقوال فمنهم من منعه مطلقًا ومنهم من أجازه مطلقا ومنهم من فصل وقال إذا كتبناه لمن يجيد قراءة القرآن بالرسم العثماني فلا بأس وإذا كتبناه بالرسم العثماني لشخصٍ يخشى أن ينطق بالقرآن على حسب الحروف المكتوبة فإننا لا نكتبه مثلًا (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا) مكتوبة بالواو فإذا كتبناها بالواو لشخصٍ لا يعرف النطق بالقرآن ربما يقول وحرم الربو الصلاة كذلك مكتوبة بالواو ربما إذا كتبناها بالرسم العثماني بالواو لشخصٍ لا يحسن التلاوة لفظًا ربما يقول الصلوة وهكذا المهم أن بعض العلماء فصل في هذا المقام وقال إن كتب لشخصٍ لا يخشى منه تحريف القرآن تبعًا للحروف فإنه يجب أن يبقى على الرسم العثماني وإن كتب لشخص يخشى أن يحرف القرآن بناءً على كتابة الحروف فإنه يكتب بالقاعدة المعروفة بين الناس فإذا كان العلماء اختلفوا في الخروج عن الرسم العثماني فكيف نجوز لشخص أن يكتب كلام الله ﷿ على صفة قصور أو منارات أو ما أشبه ذلك هذا لا شك في تحريمه والواجب على من عنده شيء مكتوبٌ على هذا الوجه أن يطمسه وأن يحوله إلى كتابةٍ على حسب الرسم العثماني هذا إذا قلنا بجواز تعليق الآيات على الجدران القسم الرابع من يعلق آياتٍ لا علاقة لها بالموضوع والسلامة من تعليق الآيات على الجدر أسلم وأبرأ للذمة وأحوط للإنسان فهو في غنىً عن تعليق الآيات على الجدر أما تعليق بعض الحكم على الجدران فهذا لا بأس به ولا حرج فيه. ***
يستشهد بعض الناس فضيلة الشيخ ببعض الآيات والأحاديث في أمورهم الدنيوية مثلا (اذْكُرْنِي عِنْدَ رَبِّكَ) (وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) وحولها نونون وما أشبه ذلك نرجو الفتوى في مثل هذه الأمور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يستشهد بالقرآن على الحادثة لا أن يجعل القرآن بدلا من الكلام فمثلا إذا قام يلاعب أولاده أو صار يتاجر في ماله فقال (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) فلا بأس بذلك لأنه يستشهد بالآية على ما نزلت فيه وأما إذا جعلها بدلا من الكلام بحيث يعبر بالقرآن عن المعنى الذي يريده فإن هذا لا يجوز كهذا الرجل الذي قال اذكرني عند ربك فإن الآية لم تنزل بهذا ولا يحل له أن يجعلها بدلا عن كلامه بل يقول له اذكرني عند فلان أو نبه على فلان أو ما أشبه ذلك فهذا هو التفصيل في هذه المسألة إن جعل القرآن بدلا عن الكلام يعني أنه نوى شيئا أن يتكلم فيه فجعل القرآن بدلا عنه فهذا حرام وأما إن استشهد بالقرآن على حادثة وقعت كما جاء في القرآن فلا بأس به. ***
حرق المصحف
ما حكم جمع الأوراق المتناثرة من المصاحف والممزقة وحرقها حتى لا تتعرض للامتهان وهل الأفضل في ذلك حرقها أم دفنها كما هي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أحد من المسلمين يشك أن القرآن الكريم يجب على المسلم احترامه وتعظيمه ومنع تعرضه للإهانة وهذه الأوراق الممزقة التي سأل عنها السائل والتي لا يمكن أن ينتفع بها بقراءة له فيها طريقتان الطريقة الأولى أن يدفنها في مكان نظيف طاهر لا يتعرض للإهانة في المستقبل حسب ظن الفاعل الطريقة الثانية أن يحرقها وإحراقها جائز لا بأس به فإن الصحابة ﵃ لما وحدوا المصاحف على حرف قريش في عهد عثمان ﵁ أحرقوا ما سوى هذا الموحد وهذا دليل على جواز إحراق المصحف الذي لا يمكن الانتفاع به ولكني أرى إن أحرقها أن يدقها حتى تتفتت وتكون رمادًا ذلك لأن المحروق من المطبوع تبقى فيه الحروف ظاهرة بعد إحراقه ولا تزول إلا بدقِّه حتى يكون كالرماد. فضيلة الشيخ: أما إذا مزقت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مزقت تبقى هذه طريقة ثالثة لكنها صعبة لأن التمزيق لابد أن يأتي على جميع الكلمات والحروف وهذه صعبة إلا أن توجد آلة تمزق تمزيقًا دقيقًا جدًا بحيث لا تبقى صورة الحرف فتكون هذه طريقة ثالثة وهي جائزة. ***
المستمعة ن. أ. ب. من جدة تقول عندي أوان كثيرة تحمل آيات قرآنية كريمة والبعض من الأدعية المأثورة وقال لي بعض الناس إن استعمالها أو امتلاكها حرام ويجب علي أن أحرقها فقمت بإحراقها خشية لعقاب الله ﷿، وبعد أن أحرقت البعض منها ومزقت البعض الأخر لم أعرف أين أضع المخلفات، هل أقوم بدفنها أم أرميها بسلة مهملات أرجو التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال أن هذه الأوراق التي كانت فيها آيات من كتاب الله ﷿ وأحرقتها بمشورة من بعض الناس يمكن أن تكمل إحراقها أيضًا ثم تدفنها لأن ذلك أبلغ في البعد عن إمتهانها، اللهم إلا أن تمزقها تمزيقًا كاملًا بحيث لا يبقى من الكلمات شيء فإنه يغني عن إحراقها ولكنها ذكرت أنها أحرقت أوراقًا فيها أدعية، والأوراق التي فيها الأدعية يفصل فيها، فيقال إن كانت أدعية مشروعة فالحفاظ عليها أولى وإبقاؤها أولى ينتفع بها وإن كانت أدعية غير مشروعة فإتلافها واجب بالإحراق أو التمزيق تمزيقًا كاملًا، قد يقول قائل لماذا فصلتم في الأوراق التي فيها أدعية ولم تفصلوا في الأوراق التي فيها آيات قرآنية، والجواب على هذا أن نقول إن الأوراق التي فيها آيات قرآنية لو بقيت لكان هذا عرضة لامتهانها إن بقيت هكذا مهملة وإن علقت على الجدر فإن تعليق الآيات على الجدر ليس من الأمور المشروعة التي كان عليها السلف الصالح رضى الله عنهم والمعلق لها لا يخلو من أحوال الحال الأولى أن يعلقها تبركًا بها وهذا ليس بمشروع وذلك لأن التبرك بالقرآن على هذا النحو لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه وما لم يرد عن النبي ﷺ مما اتخذ على وجه تعبدي أو على وجه وسيلي فإنه لا يكون مشروعًا لقول الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) وإما أن يتخذها على سبيل الحماية بحيث يعتقد أنه إذا علق هذه الآيات حمته من الشياطين وهذا أيضًا لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة ﵃ والسلف الصالح، وفيه محذور وهو أن الإنسان يعتمد عليها ولا يقوم بما ينبغي أن يقوم به من قراءة الآيات التي فيها الحماية والتحرز من الشيطان الرجيم لأن نفسه ستقول له ما دمت قد علقت آية الكرسي مثلًا في بيتك فإنه يغني عن قرائتها، ما دمت علقت سورة الإخلاص والمعوذتين فإنه يكفيك عن قرائتها وهذا لا شك أنه يصد الإنسان عن الطريق الصحيح للاحتماء والاحتراز بالقرآن الكريم، فهاتان حالان. الحال الثالثة أن يعلق هذه الأوراق التي فيها القرآن من أجل الذكرى والموعظة وهذا إن قدر أن فيه نفعًا في بعض الأحيان فإن فيه ضررًا أكثر وذلك أن كثيرًا من المجالس تكون فيها هذا الآيات القرآنية ولكن لا ينتفع أهل المجلس بها، قد يكون من المعلق ورقة فيها قوله تعالى (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا) فتجد الناس في نفس هذا المكان يغتاب بعضهم بعضًا، ولا ينتفعون بهذه الآية، وكون الآية فوق رؤوسهم تنهى عن الغيبة وهم يغتابون الناس يشبه أن يكون هذا من باب التحدي وعدم المبالاة بما نهى الله عنه، وربما تجد في بعض المجالس ورقة فيها قول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا (٤١) وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا) ومع هذا لا أحد يلتفت لها ولا يرفع رأسه إليها ولا يذكر الله ولا يسبحه، وهذا كثير، إذا فالعظة والتذكر بهذه الآيات التي تكتب على أوراق وتعلق قليلة ثم إن التذكير والعظة بهذه الطريقة لم تكن معروفة في عهد السلف الصالح ولا شك أن هديهم خير من هدينا وأقرب إلى الصواب منا، ولهذا قال النبي ﵊ (خير الناس قرني ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) ولهذا حبذنا عمل هذه المرأة التي أحرقت الأوراق التي عندها فيها آيات من كتاب الله وفصلنا في الأدعية. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم يا شيخ محمد هل ينطبق هذا على الأحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا عندي أن الأحاديث أهون، أهون من الآيات كثيرًا، ولكن مع هذا لو عدل الناس عندها لكان خيرًا، ولو بقيت فلا بأس. فضيلة الشيخ: بارك الله فيكم، الحِكَم وغيرها أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس فيها بأس لأنها ليست من كلام الله ولا رسوله في الغالب. ***
السائل أم ن يقول فضيلة الشيخ يكثر في أماكن تجمعات الطلاب بعض الأوراق التي تحمل لفظ الجلالة أو اسم الرسول ﷺ والبعض يرميها غير مبال بها فهل يتعيّن على كلّ شخص أن يضع هذه على الأرض أو أن يحملها وإن كانت كثيرة ومبعثرة على الأرض أين توضع إن لم يجد مكانًا مناسبًا لها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أنه لا يلزم كلّ إنسان وجد قراطيس في الأرض أن يأخذها ويفتشها وينظر هل فيها آية أو حديث لأن هذا شاق نعم لو رأى بعينه أن في هذه القرطاسة آية من كتاب الله أو حديثا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحينئذ يأخذه ولكني أنصح إخواني الذين يلقون هذه الأوراق أن يتفقدوها قبل إلقائها فإذا وجدوا فيها آية آو حديثًا عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمسكوا بها وأحرقوها والنار تأكل ما وضع فيها وأن لا يتهاونوا في هذا الأمر ولقد بلغني أن بعض السفهاء يلقون مقرر التفسير الذي فيه الآيات وبيان معناها يلقونه في الزبالة والعياذ بالله غير مبالين بما فيها وهذا على خطر عظيم لأن القرآن له من الحرمة ما هو جدير به فالقرآن كلام الله ﵎ تكلّم به جلّ وعلا كلامًا بصوت وحرف وألقاه على جبريل وجبريل ألقاه على قلب النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بلسان عربي مبين فكيف يليق بمن يؤمن بالله واليوم الآخر آن يلقي كلام الله في الزبل سبحان الله هذا فعل قبيح نسأل الله لنا ولإخواننا الهداية والتوفيق وفي هذه الحالة نقول اجمع ما لا يمكن استعماله عندك من الكتب التي فيها الآيات والأحاديث اجمعها واحرقها اخرج إلى جهة من الجهات من البر ثم احرقها. ***
هل يجوز رمي الكتب المدرسية والجرائد في النفايات علما بأن البلدية تقوم بإحراق جميع النفايات وعلما بأننا نضعها في كيس وحدها حتى لا تختلط مع النفايات الأخرى فإن لم يكن ذلك فماذا نفعل علما بأن الكتب تحوي آيات وأحاديث أفيدونا ووجهونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن كلام الله ﷿ وكلام رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم كلام شريف نفيس يجب العناية به ويجب تعظيمه ولا يحل أن يلقى في القاذورات والأشياء النجسة مهما كان الأمر لكن في بعض البلاد نرى أن بعض البلديات وفقهم الله يضعون صندوقا خاصا للصحف والمجلات والكتب فإذا حصل مثل هذا فهو خير فمن كان عنده شيء زائد من الكتب فإنه يذهب به إلى هذا الصندوق المعيّن ويكون قد أدّى ما عليه والمسؤولية بعد وضعها في هذا الصندوق على البلدية والبلدية تكون مشكورة إذا فعلت ذلك ومأجورة عند الله ﷿ أما الصناديق العادية التي يلقى فيها القذر والإنتان وغيرها من الأشياء المستقذره فلا يمكن أن يوضع فيها كلام الله وكلام رسوله ﵊ لكن إذا كان عمال البلدية عندهم فهم ووعي وجعلته في كيس ووضعته وحده إلى جنب الصندوق حتى يعرف العمال أنه لا يدخل مع النفايات الأخرى فهذا أرجو ألا يكون به بأس وإلا بأن تخشى أن يكون العمال ليس عندهم علم كما هو الغالب في عمال البلديات فإنك تبقيه عندك في البيت فإذا خرجت إلى البر في يوم من الأيام اخرج به معك واحرقه وادفنه هذا بالنسبة للقرآن الكريم والأحاديث الشريفة أما بقية الجرائد وغيرها فلا حرج أن تجعلها مع ما تأخذه البلدية. ***
هل يجوز حرق أوراق ممزقة من القرآن أو فيها اسم الله ﷿ لأنني سمعت أن من يحرق ورقة يكوى بها يوم القيامة أرجو من الله التوفيق ومنكم الإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تحريق أوراق المصحف إذا كان لا ينتفع بها جائز ولا حرج فيه، فإن عثمان رضى الله عنه لما وحَّد المصاحف على لغة قريش أمر بإحراق ما عداها فأحرقت ولم يعلم له مخالف من الصحابة رضى الله عنهم، وكذلك أيضًا ما كان فيه اسم الله لا بأس بإحراقه إلا أنه حسب الأمر الواقع في المصاحف المقطوعة إذا أحرقت فإن لون الحروف يبقى بعد الإحراق، لون الحرف يبقى ظاهرًا في الورقة بعد الإحراق، فلابد بعد إحراقها من أحد أمرين إما أن تدفن وإما أن تدق حتى تكون رمادًا لئلا تبقى الحروف فيطير بها الهواء فتداس بالأقدام، وأما ما سمعه أن من أحرق ورقة كوي بها يوم القيامة فلا أصل له. ***
بارك الله فيكم المستمعة ف. و. من بنغازي ليبيا تقول في هذا السؤال ما رأي الشرع في نظركم في استعمال الجرائد العربية التي قد يكون مكتوبًا فيها أسماء لله ﷾ وذلك بقصد استعمالها في المسح والتغليف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحف أو الجرائد التي فيها كتب وفيها كتابة باللغة العربية تشتمل على آية من كتاب الله أو على أقوال من سنة الرسول ﷺ لا ينبغي أن تستعمل في التغليف تغلف بها الثياب أو الأواني أو الحوائج الأخرى لأن في ذلك امتهانًا لها فإن غلف بها أشياء قذرة نجسة كان ذلك أشد وأعظم وأدهى وإذا كان ذلك يعد امتهانا واضحًا لهذه الصحف والجرائد وتيقن الإنسان أن فيها آياتٍ من كتاب الله أو أحاديث عن الرسول ﷺ فإن ذلك محرم لأنه لا يجوز امتهان كلام الله وكلام رسوله ﷺ ومن العجب أن هؤلاء الذين يغلفون بهذه الصحف والجرائد يسهل عليهم وتيسير أن يشتروا الأوراق البيضاء التي تعد لمثل هذا الأمر ولكنهم يعدلون عنها إلى هذه الجرائد والصحف الله ﷾ قد جعل لنا غنىً عن هذه الصحف والجرائد بهذه الأوراق التي تملأ الأسواق. ***
آداب قراءة القرآن
يقول السائل لا شك أن لتلاوة القرآن الكريم آدابًا يجب أن يتحلى بها القارئ والمستمع حدثونا عن هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من آداب قراءة القرآن أن يخلص الإنسان نيته لله تعالى بتلاوته فينوي بذلك التقرب إلى الله ﷾ حتى لو أراد مع ذلك أن يثبت حفظه إذا كان حافظًا فإن هذه نيةٌ صالحة لا تنافي الإخلاص لله ﷿. ومن الآداب أن يستحضر الثواب الذي رتب على تلاوة القرآن ليكون محتسبًا بذلك على ربه ﷿ راجيًا ثوابه مؤملًا مرضاته. ومن الآداب أيضًا أن يكون متطهرًا وذلك لأن القرآن أشرف الذكر وقد قال النبي ﵊ لرجل سلم عليه فلم يرد ﵇ حتى توضأ قال (إني لست على وضوء أحببت أن لا أذكر الله إلا على طهارة) ولكن إن كان الإنسان جنبًا فإنه لا يجوز أن يقرأ القرآن إلا إذا قرأ شيئًا يريد به الذكر وهو من القرآن فلا بأس أو يريد به الدعاء وهو من القرآن فلا بأس فإذا قال بسم الله الرحمن الرحيم يريد بذلك البسملة والتبرك بذكر اسم الله لا يريد التلاوة فلا بأس بهذا ولو قال ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب يريد بذلك الدعاء لا القراءة فلا بأس أما إذا كان يريد القراءة فإن القرآن لا تحل قراءته للجنب وأما من به حدثٍ أصغر فيجوز أن يقرأ القرآن لكن لا يمس المصحف لأن المصحف لا يمسه إلا طاهر لقوله ﷺ في الكتاب الذي كتبه إلى عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر الطاهر من الحدثين الأصغر والأكبر ولقول الله تعالى حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن الإنسان قبل الوضوء والغسل والتيمم غير طاهر وأما من قال إنه لا يجوز مس المصحف إلا لطاهر واستدل بقوله تعالى (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فاستدلاله بهذه الآية ضعيف لأن المراد بـ (الْمُطَهَّرُونَ) في الآية الكريمة الملائكة ولو أراد المطهرون يعني الذين على طهارة لقال إلا المتطهرون أو إلا المطهرون كما قال تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) أما من قال إنه يجوز أن يمس المصحف بدون طهارة مستدلًا بالبراءة الأصلىة وأنه لا دليل على ذلك وحمل قوله ﷺ في حديث عمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) على أن المراد بالطاهر المؤمن لقوله ﷺ (إن المسلم لا ينجس) فجوابه عن ذلك ضعيف لأنه ليس من عادة النبي ﵊ أن يعبر عن المؤمن بالطاهر وإنما يعبر عن المؤمن بالإيمان والواجب حمل خطاب المتكلم على المعهود في كلامه الغالب فيه لا على أمرٍ لا يقع في كلامه إلا نادرًا على كل حال من آداب قراءة القرآن أن يكون الإنسان متطهرًا قال بعض أهل العلم ومن آدابها أي من آداب قراءة القرآن أن يتسوك عند قراءة القرآن لتنظيف فمه وتطهيره بالسواك حيث تمر الحروف من هذا الفم فيحصل أن لا تمر إلا من طريقٍ مطهر ومن آداب قراءة القرآن أن يقرأ بتدبر وتمهل وخشوع بقدر ما يستطيع فأما حفظ القرآن والسرعة فيه فإن كان يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك حرام لأنه يخرج الكلمات عن صورتها والحروف عن صورتها وإن كان لا يؤدي إلى إسقاط الحروف فإن ذلك لا بأس به سواءٌ قرأه بالتجويد أو بغير تجويد لأن قراءته بالتجويد من باب تحسين الصوت وليس من باب الأمر الواجب فإن حسن صوته بالقرآن بالتجويد فهذا خير وإن لم يفعل فلا إثم عليه أما بالنسبة لاستماع القرآن فإن من الآداب أن يكون المستمع منصتًا متابعًا لقول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) ولا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عنده وهو غافلٌ لاهٍ أو متحدثٌ مع غيره بل الأفضل والأولى أن يستمع وينصت لتناله الرحمة وكذلك لا ينبغي للإنسان أن يقرأ القرآن عند قومٍ يرى أنه لا تعجبهم القراءة في ذلك الوقت لأنه بهذا يشق عليهم ويحملهم ما لا يستطيعون لكن إن رأى منهم محبةً لقراءته أو طلبوا منه ذلك فهذا طيب أن يقرأ فيعمر المكان بقراءة القرآن أما أن يرهقهم بالقراءة وهم لا يريدونها في هذا المكان وفي هذا الوقت فهذا ليس بجيد ولا ينبغي للإنسان أن يفعل ولذلك لم يكن النبي ﵊ يرهق أصحابه بقراءة القرآن كلما جلس معهم بل كان ﵊ يراعي أحوالهم ويفعل ما يرى أنه أصلح لهم في دينهم ودنياهم وأنت إذا قرأت على قومٍ لا يحبون قراءة القرآن في هذا المكان أو في هذا الزمن فربما تحملهم على كراهة القرآن فيأثمون وتأثم أنت لأنك أنت السبب ولكن يقرأ القرآن إذا ما ائتلفت عليه القلوب وأحبته ومن آداب القرآن للقارئ والمستمع إذا مر بآية سجدة أن يسجد فإن السجود عند آية السجود من السنن المؤكدة حتى قال بعض أهل العلم إن السجدة واجبة ولكن القول الراجح أنها أعني سجدة التلاوة ليست بواجبة إن سجد فقد فعل خيرًا وإن ترك فلا شيء عليه لأنه ثبت في الصحيح عن عمر ﵁ أنه قرأ على المنبر آية السجدة في سورة النحل فنزل وسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد وقال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء يعني لكن إن شيءنا سجدنا وإن شيءنا لم نسجد قال هذا بمحضرٍ من الصحابة ﵃ فالسجود للتلاوة سنة وليس بواجب. ***
هل هناك صفات يجب أن تتوفر فيمن يقرأ على المرضى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القارئ الذي يقرأ بكتاب الله ﷿ أو بما صح من سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم على المرضى من المعلوم أنه لابد أن يكون مؤمنا وأن يكون مقتنعا بأن هذه القراءة تنفع ولكن لابد مع ذلك أن يكون المقروء عليه قابلا بهذه القراءة مؤمنا بأنها نافعة مؤملا من الله ﷾ النفع بها ولابد أيضا من أن تكون القراءة قراءة شرعية فهذه ثلاثة أمور صحة القراءة وإيمان القارئ وإيمان المقروء عليه فإذا تمت هذه الشروط فإن القراءة تنفع بإذن الله وقد قرأ أحد الصحابة ﵃ على رجل لدغته عقرب قرأ عليه سورة الفاتحة فقام كأنما نشط من عقال فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم للقارئ (وما يدريك أنها رقية) أي الفاتحة وهي من أفضل ما يرقى به على المرضى ومن أنفع ما يكون للمريض لكن إذا اجتمعت الشروط الثلاثة إيمان القارئ وإيمان المقروء عليه وكون القراءة شرعية وهي شرعية بالفاتحة لا شك. ***
كيف يكون القرآن حجةً على حامله أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن كتاب الله ﷿ أنزله الله تعالى على نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ليكون للعاملين نذيرًا وجعل سماعه حجةً ملزمة فقال جل وعلا (وَإِنْ أَحَدٌ مِنْ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) فمن سمع كلام الله وهو يعرف اللغة العربية فقد قامت عليه الحجة وإذا قامت عليه الحجة فإما أن يقوم بموجب ما تقتضيه هذه الحجة وإما أن يخالف ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (القرآن حجةٌ لك أو عليك) وعلى من قرأ القرآن إذا لم يفهم معناه أن يتفهمه من أهل العلم لأن الله لم ينزل الكتاب العزيز لمجرد تلاوته بل لتدبره والعمل به قال الله ﵎ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وما ضر الناس اليوم إلا أنهم لا يفكرون في معرفة معاني القرآن الكريم إلا قليلًا فتجد أكثر المسلمين يقرؤون القرآن تعبدًا بتلاوته واحتسابًا لأجره لا يتدبرونه ولا يتأملونه ويسألون عن معناه فهم والأميون على حدٍ سواء قال الله ﵎ (وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّونَ) فجعل الله تعالى الذين لا يعلمون الكتاب إلا أماني أي إلا قراءة جعلهم أميين فعلى المرء أن يتدبر معاني كتاب الله وأن يتعظ بما فيها حتى يكون القرآن حجةً له لا عليه. ***
الإنصات عند استماع القرآن
يقول السائل ماحكم الإنصات إلى تلاوة القرآن هل هو واجب أو مستحب وكيف يعمل من كان يعمل في بقالة أو في محل عمله وهو يستمع إلى القرآن الكريم ويتحرك ويخاطب الناس ويسير ويرجع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى قراءة القارئ مأمور بها إذا كان المستمع تابعا لهذا القارئ كالمأموم الذي خلف الإمام الذي يصلى صلاة جهرية ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) قال أجمعوا أن هذا في الصلاة وقد جاء الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما جعل الإمام ليؤتم به) وفيه (وإذا قرأ فأنصتوا) وأما الذي يقرأ إلى جنبك فلا يلزمك أن تستمع إليه بل لك أن تقرأ وحدك وأن تذكر الله وحدك وأن تراجع ما بين يديك من الكتب ولو كان القارئ إلى جنبك لأنك لا تريد الاستماع له وأما ما يصنعه بعض الناس من وضع مسجل في الدكان يقرأ القرآن وضجيج الأصوات من هذا الدكان وربما يكون اللغو والكلام المحرم فلا أرى هذا وأخشى أن يكون هذا من إهانة القرآن ويغني عن هذا أن يسجل حكما مأثورة ثم يستمع إليها لأن القرآن أشرف وأعظم من أن يجعل في مثل هذا المكان الذي يكثر به اللغو والكلام الباطل فننصح إخواننا الذين يستمعون إلى المسجلات في دكاكينهم وهم يريدون الخير إن شاء الله ألا يفعلوا لأني أخشى أن يكون هذا من باب امتهان القرآن. ***
هل تجوز قراءة القرآن أثناء القيام بأعمال البيت أرجو من فضيلة الشيخ إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن عبادة من أفضل العبادات تقرب العبد من ربه ويحصل بها على ثوابٍ جزيل لأن من قرأ القرآن فله بكل حرفٍ عشر حسنات وقراءة القرآن يقصد بها مع التعبد لله ﷿ فهم معانيه ليتمكن الإنسان من العمل به ومن أجل هذا أنزل هذا القرآن المبارك قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) وإذا كان كذلك فإنه ينبغي للإنسان الذي يقرأ القرآن أن يستحضر ما يقرأ ويتدبر معناه وأن لا يشغل قلبه وجوارحه بغيره لا بأعمال البيت ولا بأعمالٍ أخرى وإذا كان الله تعالى أمر من سمع القرآن أن يستمع له وينصت حتى يحضر قلبه ويتدبر ما يسمع فإن القارئ من باب أولى فلهذا نقول للمرأة التي تشتغل بأعمال البيت وبغيرها كالخياطة ونحوها لا تقرأ القرآن في حال انشغالها بل تتفرغ إذا أرادت قراءة القرآن لتتدبر معنى كلام الله ﷿ فإذا كانت تحبّ أن تستغل وقتها بما يقرّب إلى الله بالإضافة إلى القيام بعمل البيت فلديها ذكر الله ﷿ تذكر الله تحمد الله تسبّح الله تكبّر الله تستغفر الله فإن هذه الأذكار يحضر القلب فيها عند ذكرها في حال العمل لأن كل كلمة تمثل معنى مستقلًا فتجد الإنسان يستحضر المعنى لهذه الكلمات أعني التسبيح والتحميد والتكبير والاستغفار ولو كان يعمل وخلاصة الجواب أن نقول إذا كانت المرأة تشتغل بأعمال بيتها أو غيرها من الأعمال فلا تقرأ القرآن لأنه ينبغي لقارئ القرآن أن يكون مستحضرًا له حين قراءته والقرآن أجلّ من أن يشتغل اللسان به مع غفلة القلب عنه أما الأذكار فأرجو أن لا يكون في ذلك بأس إذا كان يشتغل بعمل أن يذكر الله تعالى وهو في حال انشغاله. فضيلة الشيخ: الاستماع إلى القرآن والأشرطة والإذاعة وهي في العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أهون من القراءة لأن الإنسان ليس يعمل ولكنه يستمع والاستماع ليس بواجب ولهذا قال الإمام أحمد في قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) إنّ هذا في حال الصلاة أما في غير الصلاة فالإنسان حرّ إن شاء استمع إذا قرأ القارئ وإن شاء لم يستمع واشتغل بشيء آخر غير أنه لا ينبغي له أن يشتغل في حال سماع القرآن بما لا يتلاءم مع القرآن لأنه إن فعل ذلك أشبه قول المشركين (لا تَسْمَعُوا لِهَذَا الْقُرْآنِ وَالْغَوْا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَغْلِبُونَ) . وبهذه المناسبة أود أن أذكّر أن بعض المتاجر جزاهم الله خيرًا ووفقهم يفتحون المسجل على قارئ من القراء والناس عندهم في متجرهم مشتغلوه بالمماكسة والكلام الذي قد يكون لغوًا لا يتناسب مع صوت القارئ وقراءته ولهذا ننصح إخواننا أصحاب المتاجر أن لا يفعلوا ذلك لأن كتاب الله ﷿ أجلّ من أن يسمع في مكانٍ لا يستمع إليه ولا يؤبه به بل ربما حصل لغوٌ منافٍ للقرآن. ***
إذا كنت مشغولًا بأداء واجب مدرسي وفتحت المذياع ووجدت فيه قرآنًا يتلى فأقع في حيرة إن استمررت في أداء واجبي والقرآن يتلى فإن هذا تساهل عن القرآن وإن أغلقت المذياع كان هذا أمرًا لا أرتاح له لأنه إعراض عن ذكر الله سبحانه هل أترك واجباتي وأستمع أم ماذا وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تترك واجباتك وتستمع بل لا بأس أن تغلق المذياع وتوقف القراءة فإنه ثبت عن النبي ﷺ أنه استمع إلى قراءة عبد الله بن مسعود ﵁ حتى وصل إلى قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال له النبي ﷺ (حسبك) وأوقفه عن القراءة فيجوز للإنسان إذا استمع إلى القرآن أن يغلقه ويقتصر على ما استمع منه إذا لم يكن ذلك ناشيءًا عن كراهية القرآن وإنما أوقفه لغرض مقصود شرعًا كما في سؤال هذا السائل وكونه يقول أيضًا لا أحب أن أبقيه يقرأ وأنا مشتغل بواجباتي هذا صحيح فإن من الخطأ ما يفعله بعض الناس يجعلون القرآن يتلى بواسطة المذياع وهم يتكلمون ويمزحون ويقولون أو يطالعون في أمور أخرى أو يكونون في دكاكينهم وفي محلاتهم يبيعون ويشترون والمسجل يقرأ القرآن أو الراديو يقرأ القرآن فإن هذا لا ينبغي وهو خلاف قول الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فنقول إما أن تنصتوا للقرآن وأما أن تغلقوه فلا حرج عليكم وقد رأيت كثيرًا من محبي الخير وهم يفعلون هذا يتكلمون ويبيعون ويشترون في محلاتهم والقرآن يتلى وهذا خطأ منهم لا ينبغي لهم ذلك. ***
السائلة من المنطقة الجنوبية أبها ل. ع.أتقول ما حكم الاستماع للقرآن والفتاة تقرأ في أي كتاب من الكتب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عمل لا ينبغي ولا يُرْضَى فإن الله تعالى قال في كتابه (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) وقال جل وعلا (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فإذا كانت المرأة تريد أن تطالع في كتاب آخر فإنها تغلق الاستماع إلى قراءة القرآن الكريم لئلا تقع في الإثم من حيث لا تشعر أما إذا كانت فارغة ليس لها عمل لا عمل فكري ولا عمل بدني وأرادت أن تستمع إلى القرآن المسجل فإن ذلك لا بأس له لأنه ينفع المستمع لكن لو مر هذا القارئ عبر المسجل بآية سجدة فهل يسجد المستمع الجواب لا لسببين السبب الأول أنه لا يشرع للمستمع أن يسجد إلا إذا سجد القارئ لأن القارئ متبوع لا تابع فإذا لم يسجد فإنه لا يسجد وقد ذكر زيد بن ثابت ﵁ (أنه قرأ على النبي ﷺ سورة النجم فلم يسجد فيها) والظاهر والله أعلم أن النبي ﷺ لم يسجد فيها لأن زيدا وهو القارئ لم يسجد السبب الثاني أن ما يسمع عبر المسجل ليس هو الصوت المباشر للقارئ وإنما هو حكاية صوته فلا يشرع السجود حينئذ وبقولي إنه حكاية صوت وليس صوتًا يتبين أن ما يفعله بعض الناس من فتح المسجل عند حلول وقت الآذان ليسمع عبر الميكروفون خطأ ولا تحصل به الكفاية لأن هذا حكاية صوت وما فائدته إلا التنبيه إلى دخول الوقت فقط ومن المعلوم أن الأذان ذِكرٌ مشروع من أفضل العبادات والطاعات بل هو فرض كفاية كما هو معلوم فلا يمكن أن يستغنى بحكاية الصوت عن صوت المؤذن المباشر. ***
المستمعة للبرنامج رمزت لاسمها بسعاد س. م. المدينة النبوية تقول ما حكم التحدث إلى الآخرين والقرآن يتلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ يقرأ للجماعة فإنه لا يحل لهم أن يتلهوا عن القرآن بكلام أو غيره وإذا كان يقرأ لنفسه فهم مخيرون إن شاؤوا أنصتوا له واستمعوا له وإن شاؤوا لم ينصتوا وإذا لم ينصتوا بأن كانوا يتحدثون بما يتحدثون به فإن على القارئ أن يلاحظ ذلك وأن لا يرفع صوته بالقراءة لئلا يلقي على أسماع المشتغلين بغيره ما يحرجهم فيه. ***
طالب في مدرسة يقول في الإذاعة المدرسية ترغب الإدارة أن يبدأ البرنامج بالقرآن الكريم يوميا ولكننا لا نفعل ذلك نرجو التوجيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ينبغي أن لا يتخذ ذلك سنة دائمة أعني البداءة بالقرآن الكريم عند فتح الإذاعة لأن البداءة بالقرآن الكريم عبادة والعبادة تحتاج إلى توقيف من الشرع ولا أعلم أن الشرع سن للأمة أن تبتدئ خطابتها ومحاضراتها وما أشبه ذلك بالقرآن الكريم لكن إذا ابتدأ أحد بقراءة ما يناسب المحاضرة مثلا تقدمة لها ولعل المحاضر يتكلم على معاني الآيات التي قرأها فإن هذا طيب لا بأس به مثل أن تكون المحاضرة عن الصيام فيقوم أحد الناس يقرأ آيات الصيام قبل بدء المحاضرة أو تكون المحاضرة في الحج فيقوم أحد ويقرأ آيات الحج فإن هذا لا بأس به لأنه مناسب فهو كالتقدمة لهذه المحاضرة التي تتناسب مع هذه الآيات أما اتخاذ هذا سنة راتبة كلما أراد المحاضرة أو كلما أردنا كلاما قرأنا القرآن فهذا ليس بسنة. ***
هل يجوز الاستماع إلى القرآن أثناء العمل في البيت أم أن ذلك لا يجوز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن الإنسان إذا أراد أن يستمع إلى القرآن فليستمع إليه وهو فارغ البال غير مشغولٍ بعمل لأن استماعه إلى القرآن وهو يشتغل بالعمل يعني أنه لن يتأمل ما يسمع ولن يهتم به لذلك ننصح من يحب الاستماع إلى القرآن أن لا يستمع إليه إلا وهو فارغ القلب فارغ البدن حتى يستمع إلى كتاب الله ﷿ على وجهٍ ينتفع به. ***
مس المحدث للقرآن وقراءته
ماحكم تلاوة القرآن بدون وضوء وبدون لمس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تلاوة القرآن بلا وضوء جائزة ولا حرج فيها إلا أن يكون الإنسان جنبًا فإنه لا يجوز له أن يقرأ القرآن وهو جنب بل عليه أن يغتسل ثم إن شاء قرأ وأما الحائض فإنه اختلف العلماء ﵏ في جواز قراءتها للقرآن فمنهم من قال إنه حرام لأحاديث وردت في ذلك ومنهم من قال إنه ليس بحرام لأن الأحاديث الواردة في هذا إما صحيحةٌ غير صريحة وإما صريحةٌ غير صحيحة وليس هناك حديثٌ صحيحٌ صريح يدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فلها أن تقرأ القرآن ولكنني أرى أن الأحوط أن لا تقرأ القرآن إلا إذا كانت لحاجة كامرأة تقرأ من القرآن وردها أو امرأةٍ تعلم أولادها أو امرأةٍ تخشى نسيان القرآن الذي حفظته أو امرأة تؤدي اختبارًا أو ما أشبه ذلك مما تدعو الحاجة إليه فهذا لا بأس به أما لمجرد حصول الأجر فالأحوط أن تمتنع منه اتباعًا لقول أكثر أهل العلم وأما مس المصحف فالصحيح أنه لا يجوز مس المصحف إلا بوضوء لقوله ﷺ في الحديث المشهور حديث عمرو بن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) والمراد بالطاهر هنا الطاهر من الحدث لقوله تعالى في سورة المائدة حين ذكر الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) دل هذا على أن الإنسان ما دام على حدث فليس بطاهر وحمل الطاهر هنا على المؤمن غير صحيح وذلك لأنه لم تجرِ العادة بالتعبير بطاهر عن مؤمن فإن كل من تتبع الكتاب والسنة وجد أنه يعبر فيهما عن المؤمن باسم الإيمان والتقوى وما أشبه ذلك وأما كلمة طاهر فلم يعبر بها فيما نعلم عن المسلم أو المؤمن. ***
المستمعة بالمدينة المنورة تقول ما حكم مس الأطفال للمصحف يا فضيلة الشيخ أرجو بهذه افادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ في جواز مس المصحف للمحدث فمن أهل العلم من يقول إن مس المصحف للمحدث جائز وذلك لعدم الدليل الصحيح الصريح في منع المحدث من مس المصحف والأصل براءة الذمة وعدم الإلزام ومن العلماء من قال إنه لا يحل مس المصحف إلا على طهارة لأن في حديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي ﷺ (ألا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا هو الطاهر من الحدث لقول الله تعالى حين ذكر آية الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) ولقوله تعالى في الحيض (فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللَّه) وهذا القول أصح من القول الأول لأن كلمة طاهر وإن كانت مشتركة بين الطهارة المعنوية والطهارة الحسية لكن المعهود من خطاب الشارع أن لا يعبر بكلمة طاهر لمن كان طاهرًا طهارة معنوية والطاهر طهارة معنوية هو المسلم والنجس هو المشرك قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) وقال النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) وإذا كان لم يعهد التعبير بالطاهر عن المؤمن فإنه يحمل على المعنى الثاني أو يترجح حمله على المعنى الثاني وهو الطاهر من الحدث. ولكن يبقى النظر هل يشمل الحكم الصغار الذين يتعلمون القرآن فتلزمهم بالوضوء أو لا يشملهم لأنهم غير مكلفين في هذا خلاف بين العلماء فمنهم من قال إن الصغير لا يلزمه أن يتوضأ لمس المصحف لأنه غير مكلف ومنهم من قال إنه يلزمه فيلزم بأن يتوضأ وهذا لا شك أنه أحوط وفيه من المصلحة أننا نغرس في قلوبهم إكرام كلام الله ﷿ وأنه أهل لأن يتطهر الإنسان لمسه فإذا كان في إلزامهم بذلك صعوبة فإنه من الممكن أن يمس المصحف من وراء حائل فإن مس المصحف من وراء حائل جائز للمحدث وغير المحدث. ***
هل يجوز للطفل غير المميز أن يمسك بالقرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن الصبي غير المميز ليس له وضوء لأنه من شرط صحة الوضوء التمييز وإذا لم يكن له وضوء فإنه لا يجوز له مس القرآن لأن مس القرآن لا يجوز إلا بوضوء لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فيما كتبه لعمرو بن حزم (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) أي إلا متوضئ. ***
هل قراءة القرآن من المصحف يشترط أن يكون الإنسان فيها طاهرًا ومتوضئًا مع العلم بأن هذا قد يكون شاقا على البعض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول لا يمس المصحف إلا طاهر سواء قرأ أو لم يقرأ وإذا قرأ في مصحف بدون مس كأن يكون على يديه قفازان أو منديل أو ما أشبه ذلك لا يمسه بواسطتها فلا بأس وإذا قرأ القرآن عن ظهر قلب فلا بأس أن يقرأ وإن لم يتوضأ. ***
ما هو الجزء من المصحف الذي يحرم لغير الطاهر مسه هل هو غلاف المصحف أم أوراق المصحف أم الآيات من المصحف فأجاب رحمه الله تعالى: كل المصحف لا يجوز مسه بغير وضوء سواء الذي فيه كتابة أو ليس فيه كتابة أما الجراب الذي يوضع فيه المصحف أو الكيس الذي يوضع فيه المصحف فإنه يجوز مسه لأنه منفصل عنه. ***
يقول السائل ما حكم قراءة التفسير بغير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قراءة التفسير من غير وضوء فلا بأس به لأن التفسير لا يسمى مصحفا أو قرآنًا إلا أن هناك طبعات تطبع المصحف في جوف الورقة والتفسير على الهامش ويكون القرآن أكثر من تفسيره فهذا له حكم المصحف لا يمسه إلا بطهارة وأما المرأة الحائض فلها أن تقرأ التفسير ولها أيضا أن تنظر إلى القرآن وتقرأه بقلبها دون أن تنطق به أما نطقها بالقرآن فالاحتياط أن لا تنطق به إلا فيما دعت الحاجة إليه كالآيات التي فيها ورد كآية الكرسي فإن آية الكرسي إذا قرأها الإنسان في ليله لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. المرأة الحائض إن قرأت القرآن تعبدا بتلاوته فالأفضل أن لا تفعل لأن العلماء مختلفون في أن ذلك إثم أو أجر وأما إذا كان لحاجة كما لو كانت تقرأ آيات الورد أو تقرأ لئلا تنسى ما حفظته أو تقرئ ابنتها أو ولدها أو الطالبة تسمع في المدرسة فكل هذا حاجة لا بأس أن تفعله الحائض. ***
تجويد القرآن
هل يجوز للمسلم أن يقرأ القرآن دون الانضباط ببعض أحكام التجويد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز ذلك إذا لم يلحن فيه فإن لحن فيه فالواجب عليه تعديل اللحن وأما التجويد فليس بواجب التجويد تحسين للفظ فقط وتحسين اللفظ بالقرآن لا شك أنه خير وأنه أتم في حسن القراءة لكن الوجوب بحيث نقول من لم يقرأ القرآن بالتجويد فهو آثم قول لا دليل عليه بل الدليل على خلافه بل إن القرآن نزل على سبعة أحرف حتى كان كل من الناس يقرؤه بلغته إلا أنه بعد أن خيف النزاع والشقاق بين المسلمين وحد المسلمون في القراءة على لغة قريش في زمن أمير المؤمنين عثمان بن عفان ﵁ وهذا من فضائله ومناقبه وحسن رعايته في خلافته أن جمع الناس على حرف واحد لئلا يحصل النزاع والخلاصة أن القراءة بالتجويد ليست بواجبة وإنما الواجب إقامة الحركات والنطق بالحروف على ما هي عليه فلا يبدل الراء لاما مثلا ولا الذال زايًا وما أشبه ذلك هذا هو الممنوع. ***
هل يلزم قارئ القرآن أن يكون ملمًا بأحكام التجويد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزم لقارئ القرآن أن يكون ملمًا بقواعد التجويد ولا يشترط أن تكون تلاوته بالتجويد بل هو مأجور مثاب على قراءته الحروف على ما هي عليه والحركات على ما هي عليه وإن لم يراع قواعد التجويد لكن التجويد في بعضه تحسين للفظ وتزيين للصوت ومن المعلوم أنه ينبغي للمرء أن يحسن صوته بكتاب الله العزيز. ***
بالنسبة لقراءة القرآن بدون تجويد هل عليها أجر كوني لا أعرف القراءة بالتجويد وهل إذا وضع المصحف في مسجد يعتبر صدقة جارية أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم القراءة بالتجويد ليست واجبة وإنما هي سنة لتحسين الصوت بالقرآن لأنه ينبغي على الإنسان أن يحسن صوته بتلاوة كتاب الله ومن التحسين التجويد وأما كونه واجبا فلا إذا كان الإنسان يقيم الحركات يرفع المضموم ويفتح المنصوب ويكسر المجرور ويسكن الساكن فليس عليه إثم في ذلك وأما وضع المصحف في المسجد فهو إن شاء الله تعالى من الخير ويجري أجره على صاحبه ما دام الناس ينتفعون به فإذا تلف انقطع الأجر لكن أريد أن أنبه على أمر مهم وهو اللحن الذي يحيل المعنى فإن بعض الناس ولا سيما كبار السن لا يبالون به ويقرؤون القرآن بهذا اللحن وهذا حرام عليهم ولا يصح أن يكونوا أئمة في المساجد ولو كان لهم مدة طويلة في الإمامة فإنه لا يجوز إبقاء إمامتهم إذا لم يقيموا ألسنتهم بكتاب الله مثال ذلك أن بعضهم يقرأ قول الله تعالى (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) بفتح التاء فيضمها فيقول صراط الذين أنعمت عليهم وهذا لحن يحيل المعنى ويجب على الإنسان أن يقوم لسانه عنه فإذا قال أنا لا أستطيع أنا لا أقدر إلا هذا قلنا إذن لا تصل في الناس إماما لأن لحنك هذا يحيل المعنى ومثل أن يقول إياكي نعبد وإياكي نستعين هذا أيضا يحيل المعنى إحالة فاحشة فيجب عليه أن يقوم لسانه فيقول إياك نعبد فإن لم يستطع فإنه لا يجوز أن لا يكون إماما للناس وعليه أن يتنحى وإن كان له مدة طويلة في الإمامة. ***
هل يأثم من يقرأ القرآن الكريم بدون تطبيق لأحكام التجويد وذلك لجهله فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يأثم بهذا لأن أحكام التجويد إنما هي لتحسين القراءة فقط وليست واجبة فمن أقام الكلمات والحروف على ما هي عليه فقد قام بالواجب. ***
يقول السائل ماحكم من قرأ القرآن ولم يرتل لعدم قدرته على الترتيل أفيدونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ترتيل القرآن على وجهين الوجه الأول ما يكون به بيان الحروف وإظهارها بحيث لا يسقط شيئًا من الحروف فهذا واجب ولا يجوز للإنسان أن يقرأ على وجه يسقط فيه الحروف كما يفعله بعض الناس من السرعة العظيمة التي يخفي فيها الواو أحيانًا أو الفاء أحيانًا أو اللام أحيانًا أو أي حرف من الحروف لأنه إذا تلاه على هذا الوجه فقد تلاه على غير ما أنزل فيخشى أن يكون ممن يلوون ألسنتهم بالكتاب. أما الثاني فهو الترتيل الذي يكون أكثر من إظهار الحروف بحيث يكون اللفظ محسنًا بالتجويد أو يقف عند كل آية فهذا الترتيل ليس بواجب ولكنه مستحب إن فعله الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يفعله فلا حرج عليه. ***
مستمع رمز لاسمه بـ ح. أ. م. يعمل في المملكة يقول في رسالته بأنه شابٌ مؤمنٌ بالله ﷾ ومصدق لنبيه ﷺ ومحافظ على الصلوات المكتوبة ويكثر من قراءة القرآن ولله الحمد ولكن يقول عندما أقارن بين قراءتي وبين قراءة المقرئين من خلال المذياع أجد أنني أرتكب أخطاءً كثيرة فهل علي إثمٌ لما أرتكبه من أخطاء من غير قصد أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول إن الله ﷾ أنزل على عبده محمد ﷺ الكتاب بلسانٍ عربيٍ مبين كما قال الله ﵎ (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) فيجب على الإنسان أن يقرأ هذا القرآن باللسان العربي فيرفع المرفوع وينصب المنصوب ويجر المجرور ويجزم المجزوم ولا يجوز له أن يغير الحركات فإذا كان يغيرها فالواجب عليه أن يتعلم وأن يكرر بقدر استطاعته ولا يجوز أن يتهاون في هذا الأمر ويقول سأبقى على ما أنا عليه من الخطأ وأما ما لا تتغير به الحركات من صفات الحروف فهذا ليس بواجب مثل المد والقصر وما أشبه ذلك إلا أن يؤدي ترك المد إلى إسقاط حرف أو يؤدي القصر إلى إسقاط حرف هذا لا يجوز لأن إسقاط الحرف كتغيير حركته والمصاحف ولله الحمد متوفرة وبالإمكان أن يأخذ الإنسان مصحفًا يقرؤه كلمةً كلمة حتى يأتي به على وجه الصواب. ***
رسالة المستمع من الباحة سعد علي يقول بأنه يحب قراءة القرآن حبًا عظيمًا والحمد لله ويقول أنا لا أجيد حقيقة القراءة جيدًا وهناك شباب أحسن مني في قراءتهم لكنهم لا يطبقون أحكامه ويقولون لو أنت مطوع لكنت أحسن منا فما رأي فضيلتكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أرى أن الفائدة من قراءة القرآن هي تدبر القرآن والاتعاظ به والعمل به فأنت أحق منهم بالقرآن وذلك لأنك تعمل به حسبما قلت ومعلومٌ أن الذي يجيد قراءة القرآن ولكنه لا يعمل به يكون شبيهًا بمن قال الله فيهم (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) فالحامل سيئ والمحمول حسن فقل لهم إذا قالوا لك مثل هذا القول قل وأنتم لو كنتم من أهل القرآن لعملتم به فإعراضكم عن القرآن مع أن الله حملكم إياه أشد من كونكم لا تحملون القرآن أما بالنسبة لك أنت فأنت إذا قرأت القرآن وأنت تتعتع فيه وهو شاقٌ عليك فإن لك أجرين كما قال النبي ﷺ (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران) ومع ذلك فلا تيأس وحاول مرةً بعد أخرى واعلم أنه لا يلزمك أن تقرأ بالتجويد المهم أن تقيم الكلمات والحروف على الشكل المرسوم فلا تضم المنصوب ولا تنصب المرفوع وإنما تتمشى على حسب الشكل المرسوم سواءٌ كان ذلك بطريق التجويد أو بغير طريق التجويد لأن التجويد لا يراد به إلا تحسين اللفظ فقط وتحسين اللفظ ليس بواجب إنما هو من كمال القراءة فلا عليك إذا قرأت القرآن بغير تجويد ولكن لا بد من ملاحظة الشكل. ***
المستمعة من العراق تقول تعلمت قراءة القرآن والكتابة في مدراس شعبية دون مراعاة للحركات وأصبحت حين أقرأ القرآن أخطئ كثيرًا فأنصب المرفوع وأجر المنصوب إلى غير ذلك من الأخطاء الكثيرة فهل أستمر في القراءة على هذا اللحن الشنيع أم الترك أفضل أرجو التوجيه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تتركي القراءة من أجل هذا الغلط ولكن حاولي بقدر المستطاع إصلاح هذا الغلط وما دامت هذه السائلة تقول إني أرفع المنصوب وأنصب المرفوع فإن هذا يدل على أنها تعرف هذا الشيء وإذا عرفته فلتصحح، وقد جاء عن النبي ﷺ (أن الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران، والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) . ***
المستمع من الأردن يقول فضيلة الشيخ ما الفرق بين حديث أم المؤمنين عائشة ﵂ الذي ما معناه (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه فله أجران) ومعنى الحديث الذي يقول (رب قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا تعارض بين الحديثين إن صح الثاني وهو قوله (ربَّ قارئ للقرآن والقرآن يلعنه) فإن المراد بالحديث الأول الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق المراد به الرجل الحريص على قراءة القرآن فيحرص على قراءة القرآن ولو كان يتتعتع فيه أي يشق عليه النطق به على وجه سليم ومع ذلك فيحافظ على قراءة القرآن فإن هذا له أجران أجر التلاوة وأجر المشقة في التلاوة أما الثاني إن صح فالمراد بقارئ القرآن الذي يلعنه القرآن هو القارئ يقرأ القرآن ولكنه لا يؤمن بأخباره ولا يعمل بأحكامه يكذب الأخبار يحرفها يستكبر عن الأحكام فيخالفها فمثل هذا القارئ يكون قارئًا للقرآن لكن القرآن في الحقيقة برئ منه بتكذيبه القرآن أو استكباره عن العمل بأحكامه ولا فرق بين من يكذب القرآن جملة أو يكذب خبرًا واحدًا من أخباره وبين أن يرفض أحكامه جملة أو يرفض حكمًا من أحكامه لأن الله ﷾ جعل الكفر ببعض الشريعة كفرًا بها كلها فقال تعالى ناعيًا على أهل الكتاب (أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ) وجعل الذين يكفرون ببعض الرسل دون بعض كافرين بالجميع فقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللَّهِ وَرُسُلِهِ وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا (١٥٠) أُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ عَذَابًا مُهِينًا) فهذا هو القول في ما ذكره السائل وبه يتبين أنه ليس هناك تعارضٌ أصلًا بين ما ذكره السائل. ***
يقول السائل أنا أقرأ القرآن ولكني لست ماهرًا بقراءته فقد يحدث مني أخطاء بتحريف بعض الآيات بدون قصد فهل عليَّ إثم في ذلك وهل أترك قراءته لهذا السبب أم أقرأ على حسب علمي ومقدرتي وليس علي إثم فيما أخطأت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تقرأ القرآن كما هو موجود في المصحف معربًا محركًا بحركاته وهذا أمر ميسر لمن كان يعرف الحروف والحركات ولا يجوز لك أن تتهاون وتقرأ على حسب ما كنت تقرأ بل يجب عليك أن تقف عند الآية أو عند الكلمة حتى تنطق بها نطقًا صحيحًا لأن هذا القرآن كلام الله ﷿ تكلم الله به لفظًا فهو كلامه لفظًا ومعنى والواجب أن تقرأه كما هو في المصحف ولو تتعتعت فيه فإن ذلك أجر لك كما جاء في الحديث (الذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران والماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة) فمرن نفسك على التلاوة الصحيحة ولا تتهاون ولا تفرط. فضيلة الشيخ: لكن إذا كان المستوى الذي يقرأ عليه هو غاية علمه وقد يخطئ وهو لا يدري أنه يخطئ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه أن يتعلم لأن الأمر ليس بالسهل فإن بعض الناس يقرأ على سجيته أو طبيعته من دون أن يحاول التعلم والتمرن على النطق بالكلمات صحيح أن بعض الناس قد تكون لهجته لا توافق النطق العربي على الوجه الصحيح لكن عليه أن يحاول بقدر ما يستطيع ولا يتكلم بالقرآن كأنما يتكلم بكلام آخر عادي. ***
م ع م من الزلفي تقول أنا اقرأ القرآن وأعرف الحروف الهجائية ولم أتعمق في معرفتها فلا أعرفها معرفة تامة فيحصل لي عند قراءتها بعض الغلط في بعض الكلمات هل يجوز لي قراءتها مع ذلك مع حرصي على القراءة الجيدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن إذا كان لا يعرف إلا بتعلم فالمواطن التي لا تعرفينها من القرآن الكريم لا تقرئيها حتى تتخذي معلمة تعلمك إياها فإذا عرفتيها فاقرئيها أما المواطن الأخرى التي تعرفينها وتخرجينها على ما في كتاب الله فلا حرج عليك في قراءتها وإذا حصل للقارئ سهو أو غلط أو تغيير في كلمة فإنه لا حرج عليه إذا كان غير متعمد. فضيلة الشيخ: حديث الرسول صلوات الله وسلامه عليه (من قرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة ومن قرأ القرآن وهو عليه شاق ويتتعتع به فله أجران) ألا يكون مثلًا يوافق قراءة هذه السائلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا لأن الذي يتتعتع يقول (من قرأ القرآن) والمغير للكلمات والحروف ما قرأ القرآن أبدل كلمة بكلمة أو حرفًا بحرف لكن معنى يتتعتع يعني يشق عليه يخرج الكلمة شيئًا فشيئا مثل أن تجده مثلًا يقول قل أعوذ أعوذ أعوذ يعني مشقة يتهجاها تهجيًا فيتتعتع وأما أن يغير فلا ثم إنه إذا كان يغير وعنده معلم يقومه فلا حرج أيضًا لأن هذه هي طريقة التعلم لكن الرجل يعرف أنه يغير ولا يحاول أن يتعلم على قارئ فهذا خطأ ولا يجوز. ***
تقول قال النبي ﷺ (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ما معنى الغناء بالقرآن هنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ في معنى قوله (لم يتغن بالقرآن) فقيل المعنى أن يستغني به عن غيره لأن من لم يستغن بالقرآن عن غيره واتبع غير القرآن على خطر عظيم ربما خرج من الإسلام بذلك وقيل المعنى من لم يحسن صوته بالقرآن احتقارًا للقرآن فليس منا ومن المعلوم أنه ليس على ظاهره بمعنى أن من لم يقرأ القرآن على صفة الغناء فليس من الرسول في شيء ليس هذا مراد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قطعا. ***
يقول هل قراءة القرآن بالتجويد المعروف الآن من السنة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن قراءة القرآن بالتجويد الموجود الآن من تحسين التلاوة ولكنه ليس بواجب وإنما الواجب إظهار الحروف والحركات لكن إذا أتى به على النحو المعروف الآن في التجويد كان هذا من تحسين الصوت بشرط ألا يبالغ في مخارج الحروف فإن بعض الناس يبالغ في مخارج الحروف حتى إنه يتكلف إخراج حروف القلقلة وأشباهها. ***
أخذ الأجرة على قراءة القرآن
من العراق محافظة القادسية المستمع شوقي محمد أبو سعد يقول بالنسبة لمتخذ قراءة القرآن الكريم مهنة يعتمد عليها في حياته في المآتم مثلًا مقابل مبلغ كبير من المال رأي الشرع في نظركم يا شيخ محمد في هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هؤلاء أن عملهم هذا محرم وأن هذه الطريقة التي يتوصلون بها إلى اكتساب المال طريق غير مشروعة إذ إن كلام الله ﷿ إنما نزل ليتقرب به إلى الله ﷾ بتلاوته وفهم معانيه والعمل به فإذا حوله الإنسان إلى أن يصطاد به شيئًا من الدنيا فقد أخرجه عن مقتضاه وعما أراده الله ﷿ فيه ويكون كسبه بهذه الطريق كسبًا محرمًا يأثم به ويأثم به أيضًا كل من ساعده على ذلك وبذل له هذا العوض لأن مساعدته وبذل العوض له من باب معاونته على الإثم والعدوان وقد قال الله تعالى (ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) وليعلم أن هؤلاء المستأجرين الذين يستأجرون عند موت الأموات ليقرؤوا لهم بشيء من القرآن أو يقرؤوا لهم كل القرآن ليعلم أن هؤلاء ليس لهم أجر يصل إلى الميت لأن عملهم حابط مردود عليهم لقوله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ (١٥) أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) ولقول النبي ﷺ (من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) فهذا القارئ لم ينل من قراءته أجرًا سوى ما أخذه من حطام الدنيا وما أخذه من حطام الدنيا لا يصل إلى الميت ولا ينتفع به الميت وعلى هذا فيكون في ذلك خسارة على أهل الميت خسارة دنيوية بإضاعة هذا المال الذي صرفوه إلى هذا القارئ المعطل في قراءته وخسارة أخروية لأنهم أعانوا هذا الآثم على إثمه فشاركوه في ذلك فعلى إخوتي المسلمين أن يتوبوا إلى الله ﷿ من هذه الأعمال وأن يسلكوا عند المصائب ما سلكه رسول الله ﷺ وأرشد أمته إليه من الصبر والتحمل وأن يقول الإنسان عند مصيبته إنا لله وإنا إليه راجعون اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها حتى يدخل في قوله تعالى (وَبَشِّرْ الصَّابِرِينَ (١٥٥) الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (١٥٦) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ) ومن قال هذا بصدق ورجاء ثواب واحتساب من الله ﷿ فإنه يوشك أن يخلف الله عليه خيرًا من مصيبته. ***
أخذ الأجرة مقابل تلاوة القرآن وخصوصًا الذين يقرؤون القرآن في المناسبات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخذ الأجرة على قراءة القرآن حرام وذلك لأن قراءة القرآن لا تقع إلا قربة وكل عمل لا يقع إلى قربة فإن أخذ الأجرة عليه حرام والقارئ إذا أخذ الأجرة على هذه القراءة فإن الأجرة عليه حرام ولا ثواب له من هذه القراءة وبهذا نعرف خطأ أولئك القوم الذين يستأجرون من يقرأ لميتهم في أيام وفاته فإني أقول لهم إن عملكم هذا عمل بائر ليس فيه فائدة بل فيه مضرة لأنكم أعنتم هذا القارئ على الإثم حيث أخذ أجرةً على قراءته ولأن هذه الدراهم قد تكون مأخوذة من تركة الميت وقد يكون فيها وصية وقد يكون في الورثة صغار فيظلمون بأخذ شيء مما يستحقونه من هذه التركة ثم إن ميتكم لن ينتفع بهذه القراءة إطلاقًا وذلك لأن هذه القراءة ليس فيها ثواب عند الله وإذا لم يكن فيها ثواب فمن أين تأتي الفائدة لهذا الميت إذن فالواجب البعد عن هذا العمل والتحذير منه والتناصح بين المسلمين من أجل القضاء عليه وإخلاء المسلمين منه. ***
يقول السائل نشاهد في كثير من بلاد المسلمين استئجار قاريء يقرأ القرآن فهل يجوز للقاريء أن يأخذ أجرًا على قراءته وهل يأثم من يدفع له الأجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن استئجار باطل لا يحل لا للباذل ولا للآخذ والقارئ الذي يقرأ ليس له أجر ينتفع به المقروء له لأنه أراد بعمله الدنيا وقد قال الله تعالى (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فمن استأجر شخصًا يقرأ القرآن على روح الميت مثلا كما يقولون فإن هذا الاستئجار باطل والقارئ ليس له أجر حتى يصل إلى الميت وما يأخذه القارئ فإنه أكل للمال بالباطل فلا يحل لأحد أن يستأجر له شخصا يقرأ القرآن لا لنفسه ولا لميت من أمواته وأما إذا كانت قراءة القرآن لغير الثواب ولكن للنفع المتعدي كما لو استأجرنا شخصا يعلمنا القرآن وصار يتلو علينا للتعليم أو استأجرنا شخصا يقرأ على مريض ليشفى فإن هذا لا بأس به وقد قال رسول الله ﵌ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيجب أن نعرف الفرق بين هذا وهذا من استأجرا لثواب القراءة فلا ثواب له ولا تحل الإجارة ومن استأجر لنفع متعد كالتعليم والقراءة على المريض وما أشبه ذلك فإن هذا لا بأس فيه. ***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في أولئك الذين يتلون القرآن في مناسبات الزواج يعملون لهم خيامًا ويقومون بتجهيز مكبرات الصوت وبإيجار الساعة الواحدة بمبلغ كبير من المال وهذه الظاهرة متوفرة في بعض البلدان هل هذا العمل جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا شك أن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا شك أن النبي ﷺ يعظم كلام الله تعالى أكثر مما نعظمه نحن ولاشك أن النبي ﷺ أحرص منا على الخير وعلى التعبد بكتاب الله ومع هذا لم يكن هذا من هديه أبدا أن يحضر الناس في أيام الزواج من أجل أن يتلو عليهم القرآن وكل عمل ليس عليه أمر الله ورسوله فإنه مردود على صاحبه لذلك ننصح إخواننا المسلمين من مثل هذه الأعمال التي يقصد بها التعبد لله ﷿ وهي لم ترد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هل يجوز لشخص أن يقرأ الفاتحة وبعد إكمال التعزية يقبض مالًا من صاحب التعزية فهل المال يعتبر حلالًا أم حرامًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إنه لا يجوز للمرء أن يأخذ شيئًا على تلاوة القرآن وإنما يجوز الأخذ على تعليم القرآن لأن التعليم عمل يتعدى نفعه إلى الغير بخلاف القراءة المجردة هذا من حيث أخذ المال وعليه فيجب على أخينا السائل أن يرد ما أخذه على صاحبه وأما قوله عن قراءة الفاتحة عند التعزية فنقول له إن هذا من البدع فلم يكن رسول الله ﷺ ولا خلفاؤه الراشدون ولا أصحابه يقرؤون الفاتحة عند التعزية وإنما كانوا يعزون المصاب بالميت بما يليق بحاله أي بما يكون سببًا لتقويته على تحمل هذه المصيبة لأن التعزية معناها التقوية وقد عزى رسول الله ﷺ إحدى بناته بقوله لرسول أرسلته إلى رسول الله ﷺ قال (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أبقى وكل شيء عنده بأجل مسمى) فمثل هذه الكلمات العظيمة لاشك أنها تؤثر على المصاب تأثيرًا بالغًا يتحمل به المصيبة ويصبر عليها حيث يؤمن بأنه إذا احتسب على الله ﵎ أُجر الصبر على هذه المصيبة ووفاه أجره بغير حساب وكذلك بأن لله تعالى ما أخذ وله ما أبقى فالملك ملكه يتصرف فيه كما يشاء وكل شيء عنده بأجل مسمى لا يتعداه ولا يتقدم عليه فلا فائدة من الجزع وإن كان الإنسان بلا شك سوف يحزن كما قال رسول الله ﷺ عند موت ابنه إبراهيم (القلب يحزن والعين تدمع ولا نقول إلا ما يرضي الرب وإنا لفراقك يا إبراهيم لمحزونون) ولكن على المرء أن يصبر ولا يحدث قولًا ولا فعلًا ينم عن التضجر وعدم الصبر. ***
يقول السائل الذين يقرؤون ويأخذون مبالغ كبيرة ما حكمهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان القارئ الذي يقرأ إنما قرأ من أجل ما يأخذ فإن ذلك حرام عليه ولا يحل له لأنه لم ينتفع بقراءته أحد إنما النفع له وهو إذا أخذ عليه أجرا من الدنيا حرم أجره في الآخرة وأما إذا كان يعلم الناس بأجرة يحفظ الإنسان مثلا سورة البقرة وهو يقول سورة البقرة عليه كذا وكذا من المقدار فالصحيح أن ذلك جائز يعني أنه يجوز أن يأخذ أجرا على تعليم القرآن لا على قراءة القرآن لأن قراءة القرآن نفعها لا يتعدى والتعليم يتعدى نفعه إلى المعلم ولهذا قال النبي ﵊ (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) يعني تعليمه فإذا كان الإنسان يعلم الناس القرآن بأجرة سواء كانت على المقدار أو على الزمن على المقدار بأن يقول كل جزء بكذا وكذا أو كل سورة بكذا وكذا أو على الزمان كل ساعة بكذا وكذا فهذا لا بأس به للحديث الذي ذكرت. ***
يقول السائل ماحكم الشرع في نظركم في القارئ يستأجر في ليالي رمضان يقرأ بأجر يقوم هو بتحديده وهل على الذي يقوم بالتأجير في شهر رمضان إثم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستئجار على قراءة القرآن لا يجوز أي أنه لا يجوز أن تستأجر شخصا يقرأ القرآن عليك للتعبد بالاستماع إليه وذلك لأن قراءة القرآن قربة تقرب إلى الله ﷿ وكل شيء يقرب إلى الله فهو عبادة والعبادة لا يجوز أخذ الأجر الدنيوي عليها سواء كان ذلك في رمضان أو في غير رمضان وبذلك يتبين لنا خطأ ما يفعله بعض الناس إذا مات لهم الميت استأجروا قارئا يقرأ القرآن يزعمون على روح الميت فإن هذا محرم ولا أجر للقارئ على قراءته هذه وعلى هذا فيكون استئجاره إضاعة للمال بدون فائدة وقد سئل الإمام أحمد ﵀ عن رجل قال لقوم أنا لا أصلى بكم في رمضان إلا بكذا وكذا فقال ﵀ نعوذ بالله من يصلى خلف هذا وأما أخذ الأجرة على تعليم القرآن أو على قراءته على مريض او لديغ أو ما أشبه ذلك فلا بأس به لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرا كتاب الله) فيفرق بين من يستأجر لمجرد التلاوة وبين من يستأجر لعمل يحصل بالقراءة أي بقراءة القرآن فالثاني جائز والأول غير جائز. ***
هل يجوز أخذ مكافأة على تعليم القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يأخذ الإنسان مكافأة على تعليم القرآن لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله) لكن لا يجوز أخذ مكافأة على مجرد القراءة أي مجرد قراءة القرآن لأن مجرد القراءة للقرآن لا يقع إلا عبادة والعبادة لا يؤخذ عليها أجر وبهذا نعرف خطأ من إذا مات ميتهم جمعوا القراء أو أتوا بقاريء واحد يقرأ القرآن يزعمونه نافعًا للميت وهو لا ينفع الميت إذا كان بعوض لأن قاري القرآن بعوض لا أجر له في الآخرة ولا ثواب له عند الله وإذا لم يكن له ثواب عند الله لم ينتفع الميت من ذلك بشيء فهذا الفعل محرم لأنه إعانة على الإثم والعدوان وربما يكون عوض هذه القراءة مأخوذًا من التركة والتركة قد يكون فيها وصايا للميت وقد يكون في الورثة من هم قصر فيؤخذ من مالهم ومن الوصية بغير حق فهذا عدوان ظاهر وبهذا ننصح إخواننا الذين يموت لهم ميت بأن يتجنبوا هذه الأمور وأن يتحلوا بالصبر والاحتساب فإن النبي ﷺ قال لإحدى بناته وقد مات لها طفل أو قارب الموت قال للرسول الذي أرسلته (مرها فلتصبر ولتحتسب فإن لله ما أخذ وله ما أعطى وكل شيء عنده بأجل مسمى) . ***
سماع القرآن عبر المذياع
ع. خ. م. من بلاد بني عمرو قرية فران يقول هناك مدرس يقول الذي يستمع للقرآن الكريم من الراديو حرام فقلت قال الله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) فقال ما دام أنت تعرف اقرأ في المصحف مع من هو الحق وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى القراءة المسجلة لا شك أنه استماعٌ إلى صوتٍ محكي ومثبت على هذا الشريط وهو أمرٌ لا يعارض الآية الكريمة (وإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا) فالاستماع إليه لا بأس به بل قد يكون مستحبًا إذا كان الإنسان لا يحسن القراءة بنفسه ويحب أن يستمع إلى القرآن من المسجل فيكون مأمورًا به فالصواب معك في أنه لا بأس بالاستماع إلى القراءة من المسجل لأن هذه من الوسائل التي أنعم الله بها علينا الآن حيث نحفظ كتاب الله بكتابته بالأحرف وبتسجيله بالصوت ولكن ليعلم أن ما يقال في التسجيل ليس كما يقوله الشخص بنفسه لا سيما إذا كانت العبادة مقصودةً من الفاعل أقول هذا لئلا يظن ظانٌ أننا لو ركبنا مسجلًا على مكبر الصوت في المنارة عند الأذان وسمع منه الأذان من هذا المسجل فإن هذا لا يجزئ عن الأذان من الإنسان نفسه لأن الأذان عبادة يجب أن يفعله الفاعل بنفسه بخلاف الشيء المسجل فإنه حكاية صوت الفاعل أو القارئ أو المسجل فليس هو فعله ولهذا قد نفتح المسجل فيحكي لنا صوت إنسانٍ ميت فإذا لم يكن هو فعله وكان الآذان مشروعًا من الفاعل فإنه لا يجزئ الأذان بمكبر الصوت عن أذان الإنسان نفسه. ***
المستمع عبد الله العربي من مصر يقول هل يجوز أن يستمع الإنسان للقراءة من المذياع أو خلاف ذلك على سبيل المثال عند قيادة السيارة وهل يجوز أن يستمع للقرآن مضطجعًا وهل عليه شيء إن نام أثناء ذلك والقارئ يقرأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستماع إلى كتاب الله ﷿ عبادة لأن الله تعالى أمر بها فقال ﷿ (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) وهذه العبادة وهي الاستماع إلى كتاب الله جاءت مطلقة في كتاب الله لم تقيد بحالٍ دون أخرى فيجوز للإنسان أن يستمع إلى كتاب الله ﷿ وهو قائمٌ أو قاعدٌ أو مضطجع ويجوز أن يستمع إلى كتاب الله وهو يعمل لكن بشرط أن لا يلهيه العمل عن الاستماع فإن كان يلهيه عن الاستماع وذلك حيث يكون العمل يحتاج إلى تفكير فإنه لا ينبغي أن يستمع إليه وهذا إذا كان الأمر بيده واختياره مثل أن يكون مستمعًا إلى القرآن من شريط تسجيل فنحن نقول له إذا كنت مشتغلًا بشغلٍ يشغل قلبك فالأولى أن لا تفتح المسجل لتستمع لأنك في هذه الحال لا يمكنك أن تقبل على عملك مع إقبالك على كلام الله ﷿ لكن الذي يظهر لي أن الاستماع إلى القرآن حال قيادة السيارة يمكن لأن القيادة لا تشغل الإنسان كثيرًا لا سيما في الخطوط السريعة التي لا يخشى الإنسان فيها حادثًا أو خطأً يمينًا أو شمالًا فالقاعدة أنه متى أمكنك الاستماع لكتاب الله على وجهٍ تصغي إليه وتنتفع بما تسمع فاستمع إليه على أي حالٍ كنت قائمًا أو قاعدًا أو مضطجعًا لعموم قوله تعالى (وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) أما إذا كان لا يمكنك لانشغال قلبك بما أنت متلبسٌ به فلا يحسن أن تستمع إليه لأن الله تعالى يقول (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ) . ***
أ. ع. خ. من الأردن إربد يقول: هل سماع القرآن عبر المذياع يوميًا يغني عن قراءته وهل أجر القارئ والمستمع سواء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يغني عن قراءته لكن لا شك أن المستمع له أجر وأنه مشارك للقارئ في أجره ولهذا إذا مر القارئ بآية سجدة سجد هو والمستمع ولكن أحيانا يكون الإنسان عنده كسل وتعب فيحب أن يسمع القرآن من غيره فإذا رأى من نفسه أن سماعه من غيره أشد استحضارا وأقوى تدبرا وأنفع لقلبه ففعله فلا حرج وأما أن يتخذ ذلك ديدنًا له ويدع القراءة بنفسه فإن هذا لا ينبغي ولا يغني عن القراءة بالنفس وأما أيهما أكثر أجرا فلا شك أن قراءة الإنسان بنفسه أكثر أجرا لأن فيها عملا واستماعا في نفس الوقت فالإنسان يحرك مخارج الحروف بالنطق وهذا عمل ويسمع قراءته ويستمع إليها وهذا السماع ولكن قد يعرض للمفضول ما يجعله أفضل بحيث يكون تدبره ووعيه في قراءة غيره أكثر من تدبره إذا قرأ هو بنفسه ولكل مقام مقال لكن بالنظر إلى العمل من حيث هو عمل فإن القراءة أفضل من السماع. ***
قراءة القرآن قراءةً جماعية
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن جماعة بصوت واحد وما مدى حقيقة وضع القارئ في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن بصوت واحد من جماعة هذا جائز إذا لم يتضمن محظورًا فمن المحظور أن يحصل به تشويش على من حولهم فيمنع عن ذلك، لأن الرسول ﷺ خرج على أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال ﷺ (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القرآن) . ومنها أيضًا أي من المحاذير أن يتخذ هذا على سبيل الطرب وهز الظهور، وما أشبه ذلك مما يفعله بعض الناس أصحاب الطرق فهذا أيضًا يمنع منه، ومنها أيضًا أن يحصل به إعراض عن تلاوة الإنسان لنفسه يعني الذين يألفون هذه الطريقة حتى لا يستطيع المرء منهم أن يقرأ القرآن لنفسه فإن هذا محظور يجب تجنبه، فإذا سلم من هذه المحاذير فلا بأس به، وإذا كان الرجل إذا قرأ وحده صار أقرب إلى استحضاره وإلى تدبره كان ذلك أولى من القراءة للجمع. ***
بعض الناس بعد الانتهاء من قراءة القرآن يقولون الفاتحة ويقرؤون الفاتحة بصوتٍ جماعي علمًا بأن ذلك في المسجد هل هذا من البدع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا من البدع فلم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يختم قراءته بالفاتحة بل كان يبتدئ قراءته بالفاتحة في الصلاة فأول ما يقرأ في الصلاة بعد الاستفتاح الفاتحة وكما قال السائل إن بعض الناس يختتم القراءة بالفاتحة وأقول إن بعض الناس أيضًا يختتم كل شيءٍ بالفاتحة حتى في الدعاء إذا دعا قرأ الفاتحة حتى في كل مناسبة يقول الفاتحة وهذا من البدع قد يقول قائل أكثرت علينا من البدع كل شيء بدعة فأقول لا ليس كل شيء بدعة البدعة هي التعبد لله ﷿ بغير ما شرع وعلى هذا فالبدع لا تدخل في غير العبادات بل ما أحدث من أمور الدنيا ينظر فيه هل هو حلال أم حرام ولا يقال إنه بدعة فالبدعة الشرعية هي أن يتعبد الإنسان لله تعالى بغير ما شرع يعني الذي يسمى بدعة شرعًا وأما البدعة في الدنيا فإنها وإن سميت بدعةً حسب اللغة العربية فإنها ليست بدعةً دينية بمعنى أنه لا يحكم عليها بالتحريم ولا بالتحليل ولا بالوجوب ولا بالاستحباب إلا إذا اقتضت الأدلة الشرعية ذلك وعلى هذا فما أحدثه الناس اليوم من الأشياء المقربة إلى تحقيق العبادة لا نقول إنها بدعة وإن كانت ليست موجودة من ذلك مكبر الصوت مكبر الصوت ليس موجودًا في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكنه حدث أخيرًا إلا أن فيه مصلحة دينية يبلغ للناس صلاة الإمام وقراءة الإمام والخطبة وكذلك في اجتماعات المحاضرات فهو من هذه الناحية خير ومصلحة للعباد فيكون خيرًا ويكون شراؤه للمسجد لهذا الغرض من الأمور المشروعة التي يثاب عليها فاعلها ومن ذلك ما حدث أخيرًا في مساجدنا من الفرش التي فيها خطوط من أجل إقامة الصفوف وتسويتها فإن هذا وإن كان حادثًا ولكنه وسيلةٌ لأمرٍ مشروع فيكون جائزًا أو مشروعًا لغيره ولا يخفى على الناس ما كان الأئمة الحريصون على تسوية الصفوف يعانونه قبل هذه الخطوط فكانوا يعانون مشكلات إذا تقدم أحد ثم قالوا له تأخر. تأخر أكثر ثم قالوا له تقدم. تقدم أكثر يحصل تعب الآن والحمد لله يقول الإمام سووا صفوفكم على الخطوط توسطوا منها فيحصل انضباطٌ تام في إقامة الصف هذا بدعة من حيث العمل والإيجاد لكنه ليس بدعة من حيث الشرع لأنه وسيلة لأمرٍ مطلوبٍ شرعًا فالمهم أنه لا ينبغي لأحد أن يعترض علينا أو لغيرنا عندما نقول إن هذا بدعة وهو حقيقةٌ بدعة ولنرجع إلى الضابط الذي ذكرنا وهو أن البدعة شرعًا والتي عليها الذم هي التعبد لله تعالى بما لم يشرعه سواءً في العقيدة أو في القول أو في العمل. ***
هذه رسالة من ليبيا من بعض الأخوات يقلن نحن أخواتكم في الله من ليبيا لنا بعض القضايا السؤال الأول يقلن نقوم أحيانًا بختم القرآن ختمةً جماعية حيث تقوم كلٌ منا بقراءة جزء أو أكثر في بيتها فنختم في ليلةٍ واحدة فهل ما نفعله صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاجتماع على ختم القرآن في البيت له أصلٌ من فعل الصحابة ﵃ فإنه روي عن أنس بن مالك ﵁ أنه كان إذا ختم القرآن جمع أهله ودعا فإن فعلن ذلك فأرجو أن لا يكون فيه حرج وإن تركن ذلك فهو أسلم وأبعد من حدوث البدعة لأنه ربما تتطور هذه المسألة ويحدث منها ما لا يمكن أن نقول إنه من فعل الصحابة. ***
هل تجوز قراءة حزب من القرآن جماعة في المسجد في كل يوم بعد صلاتي الصبح والمغرب وما حكمهما في الإسلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج أن يجتمع جماعة بعد صلاة الفجر أو المغرب أو الظهر أو العصر ويقرؤوا فيما بينهم حزبا من القرآن لكن لا على سبيل جماعي بل يقرأ واحد ويستمع الباقون ثم يقرأ الثاني ويستمع الباقون وهكذا. ***
قول (صدق الله العظيم) عند الفراغ من القراءة
فيصل الدعجاني من القصب يقول ما حكم قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد قراءة القرآن لا أصل له من السنة ولا من عمل الصحابة ﵃ وإنما حدث أخيرًا ولا ريب أن قول القائل صدق الله العظيم ثناءٌ على الله ﷿ فهو عبادة وإذا كان عبادةً فإنه لا يجوز أن نتعبد لله به إلا بدليلٍ من الشرع وإذا لم يكن هناك دليل من الشرع كان ختم التلاوة به غير مشروع ولا مسنون فلا يسن للإنسان عند انتهاء القرآن أن يقول صدق الله العظيم فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فالجواب بلى قد قال الله ذلك ونحن نقول ذلك لكن هل قال الله ورسوله إذا أنهيتم القراءة فقولوا صدق الله وقد صح عن النبي ﵊ أنه كان يقرأ ولم ينقل عنه أنه كان يقول صدق الله العظيم وقرأ عليه ابن مسعود ﵁ من سورة النساء حتى بلغ (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال النبي ﵊ (حسبك) ولم يقل قل صدق الله ولا قاله ابن مسعود أيضًا وهذا دليل على أن قول القائل عند انتهاء القراءة صدق الله ليس بمشروع نعم لو فرض أن شيئًا وقع مما أخبر الله به ورسوله فقلت صدق الله واستشهدت بآيةٍ من القرآن هذا لا بأس به لأن هذا من باب التصديق لكلام الله ﷿ كما لو رأيت شخصًا منشغلًا بأولاده عن طاعة ربه فقلت صدق الله (أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ) وما أشبه ذلك مما يستشهد به فهذا لا بأس به. ***
يقول السائل ماحكم قول صدق الله العظيم عند نهاية كل قراءة من القرآن الكريم فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين ما ذكره أهل العلم قاطبة بأن العبادة لا بد فيها من شرطين أساسيين أحدهما الإخلاص لله ﷿ والثاني المتابعة لرسول الله ﷺ أما الإخلاص فمعناه أن لا يقصد الإنسان بعبادته إلا وجه الله والدار الآخرة فلا يقصد جاهًا ولا مالًا ولا رئاسة ولا أن يمدح بين الناس بل لا يقصد إلا الله والدار الآخرة فقط وأما الشرط الثاني فهو الاتباع للنبي ﷺ بحيث لا يخرج عن شريعته لقول الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ) وقوله تعالى (فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلًا صَالِحًا وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَدًا) ولقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ) وقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة يتزوجها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولقول النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) فهذه النصوص النصية تدل على أنه لا بد لكل عمل يتقرب به الإنسان لله ﷿ بأن يكون مبينًا على الإخلاص. الإخلاص لله موافقًا لشريعة الله ﷿ ولا تتحقق الموافقة والمتابعة إلا بأن تكون العبادة موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وهيئتها وزمانها ومكانها فمن تعبد لله تعالى عبادة معلقة بسبب لم يجعله الشرع سببًا لها فإن عبادته لم تكن موافقة للشرع فلا تكون مقبولة وإذا لم تكن موافقة للشرع فإنها بدعة وقد قال النبي ﵊ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وبناء على هاتين القاعدتين العظيمتين بل بناء على هذه القاعدة المتضمنة لهذين الشرطين الأساسيين فإننا نقول إن قول الإنسان عند انتهاء قراءته صدق الله العظيم لاشك أنه ثناء على الله ﷿ بوصفه ﷾ بالصدق (وَمَنْ أَصْدَقُ مِنْ اللَّهِ قِيلًا) والثناء على الله بالصدق عبادة والعبادة لا يمكن أن يتقرب الإنسان بها إلا إذا كانت موافقة للشرع وهنا ننظر هل جعل الشرع انتهاء القراءة سببًا لقول العبد صدق الله العظيم إذا نظرنا إلى ذلك وجدنا أن الأمر ليس هكذا بل أن الشرع لم يجعل انتهاء القارئ من قراءته سببًا لأن يقول صدق الله العظيم فها هو رسول الله ﷺ قال لعبد الله بن مسعود ﵁ (اقرأ) قال يا رسول الله كيف أقرأ عليك وعليك أنزل قال (إني أحب أن أسمعه من غيري) فقرأ حتى بلغ قوله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) فقال النبي ﷺ (حسبك) ولم يقل عبد الله بن مسعود صدق الله العظيم ولم يأمره النبي ﷺ بذلك وهكذا أيضًا (قرأ زيد بن ثابت على النبي ﷺ سورة النجم حتى ختمها) ولم يقل صدق الله العظيم وهكذا عامة المسلمين إلى اليوم إذا انتهوا من قراءة الصلاة لم يقل أحدهم عند قراءة الصلاة قبل الركوع صدق الله العظيم فدل ذلك على أن هذه الكلمة ليست مشروعة عند انتهاء القارئ من قراءته وإذا لم تكن مشروعة فإنه لا ينبغي للإنسان أن يقولها فإذا انتهيت من قراءتك فاسكت واقطع القراءة أما أن تقول صدق الله العظيم وهي لم ترد لا عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه فإن هذا قول يكون غير مشروع قد يقول قائل أليس الله تعالى قال (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) فنقول بلى إن الله تعالى قال قل صدق الله ونحن نقول صدق الله لكن هل قال الله تعالى قل عند انتهاء قراءتك قل صدق الله الجواب لا إذا كان كذلك فإننا نقول صدق الله ويجب علينا أن نقول ذلك بألسنتنا ونعتقده بقلوبنا وأن نعتقد أنه لا أحد أصدق من الله قيلا ولكن ليس لنا أن نتعبد إلى الله تعالى بشيء معلق بسبب لم ي جعله الشارع سببًا له لأنه كما أشرنا من قبل لا تتحقق المتابعة في العبادة حتى تكون موافقة للشرع في الأمور الستة السابقة أن تكون موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وصفتها وزمانها ومكانها وبناء على ذلك فلا ينبغي إذا انتهى من قراءته أن يقول صدق الله العظيم. ***
يقول السائل سمعت من بعض الإخوة أن كلمة صدق الله العظيم بعد التلاوة بدعة هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ختم تلاوة القرآن بقول صدق الله العظيم بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا يختمون قراءتهم بقول صدق الله العظيم وقد ثبت عن النبي ﵊ أنه قال (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي تمسكوا بها وعضوا عليها بالنواجذ وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة) وعلى هذا فينبغي للقارئ إذا انتهى من قراءته أن ينهيها بآخر آية يتلوها بدون أن يضيف إليها شيئًا. ***
تقول السائلة عند الانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والسورة التي تليها هل يجوز قول صدق الله العظيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول صدق الله العظيم بعد انتهاء التلاوة في الصلاة أو في غيرها بدعة وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه أنهم كانوا إذا انتهوا من القراءة قالوا صدق الله ومن المعلوم أن قول القائل صدق الله عبادة لأنه ثناء على الله بالصدق وإذا كان عبادة فإنه لا يجوز أن نشرع من العبادات ما لم يشرعه الله ورسوله فإن فعلنا ذلك كان بدعة وكل بدعة ضلالة وعلى هذا فالقارئ إذا انتهى من قراءته يسكت ولا يقول صدق الله العظيم ولا غيرها لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ ولا عن أصحابه ﵃ وقد قرأ ابن مسعود ﵁ على النبي ﷺ شيئًا من سورة النساء حتى إذا بلغ قول الله تعالى (فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا) قال النبي ﷺ (حسبك) قال فالتفت فإذا عيناه تذرفان صلوات الله وسلامه عليه ولم يقل ابن مسعود صدق الله ولا أمره النبي ﷺ بذلك وكذلك قرأ عنده زيد بن ثابت سورة النجم حتى ختمها ولم يقل النبي ﷺ له قل صدق الله العظيم ولا قالها أيضًا فدل هذا على أنه ليس من هدي النبي ﷺ ولا هدي أصحابه أن يقولوا عند انتهاء القراءة صدق الله العظيم لا في الصلاة ولا خارج الصلاة. ***
أسمع في الإذاعة كثيرًا من المقرئين يقرؤون القرآن ببطء ويقف بين الآية والأخرى فترة يخيل للمستمع أنه انتهى ثم يعاود القراءة مرة أخرى كذلك عند نهاية القراءة وأخيرًا يختمون بصدق الله العظيم ما حكم ذلك يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الفقرة الأولى وهي كونهم يقفون عند كل آية وربما يبطئون في الوقف فهي طريقة يستعملها بعض الناس من أجل شد أذهان الناس إليهم وتشويقهم إلى القراءة فإن القارئ إذا وقف ثم تأخر كثيرا لا يزال السامع متشوقا لقراءته فهم يستعملون هذا من أجل هذا وأما ختم القراءة بصدق الله العظيم فهذه لا أصل لها من سنة الرسول ﷺ ولا من عمل سلف هذه الأمة وإنما هي محدثة ولا ينبغي للإنسان أن يختم بها تلاوته لأن هذه الجملة ثناء على الله ﷿ والثناء على الله عبادة والعبادة موقوفة على الشرع فإذا كان النبي ﵌ يقرا القرآن ويقف ولا يقول صدق الله العظيم ويقرأ عليه القرآن فيقف القارئ ولا يقول صدق الله العظيم علم أن هذا ليس من السنة وأنه من الأشياء المحدثة التي حذر النبي ﷺ من جنسها فقال (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة) فإن قال قائل أليس الله يقول (قُلْ صَدَقَ اللَّهُ) قلنا بلى ونحن نقول صدق الله ويجب علينا أن نؤمن بأن كلام الله أصدق الكلام ولكن هل كان الرسول ﵊ يختم بهذه الجملة كلما قرأ هذا هو محل هو بيت القصيد وهذا هو محل النقاش وإذا كان الرسول ﵊ لم يختم قراءته بهذه الجملة دل ذلك على أنها ليست من السنة ***
ختم القرآن الكريم
بارك الله فيكم المستمعة أم هند من عسير بالمملكة العربية السعودية تقول ما حكم تجميع ختمات القرآن الكريم في أيام معينة مثل أن يقرأ القرآن حتى الجزء الثلاثين ليبدأ مرة أخرى حتى الجزء الثلاثين ثم يقرأ الجزء الثلاثين في ليلة السابع والعشرين من رمضان فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال غير واضح كما ينبغي لكن ينبغي أن يعلم أن الإمام الذي يصلى بالناس في قيام رمضان لا يطلب منه أن يقرأ القرآن كله على سبيل الوجوب بل يقرأ ما تيسر فإن تمكن من قراءة القرآن كله فهذا طيب حتى يسمع الناس جميع القرآن في هذا الشهر الذي أنزل فيه القرآن وإن لم يتمكن من ذلك واقتصر على بعض القرآن فلا حرج عليه لعموم لقوله تعالى (فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْ الْقُرْآنِ) وقول النبي ﷺ (اقرأ ما تيسر معك من القرآن) وأهم شيء في هذا الباب أن يكون المصلى بالناس في قيام رمضان مطمئنًا في صلاته في ركوعه وسجوده وقيامه وقعوده وتشهده حتى يتمكن الناس من الطمأنينة في هذا القيام وإنك لتعجب من بعض الناس ولاسيما في الصلاة في أول الليل التراويح فتعجب من بعض الناس الذين يسرعون إسراعًا عظيمًا بحيث لا يتمكن من وراءهم من فعل الواجب أي فعل واجب الطمأنينة وفعل واجب الأذكار وهذا حرام عليهم لأن الإمام في إمامته ولي متبوع لقول النبي ﵊ (إنما جعل الإمام ليؤتم به) فإذا كان وليًا متبوعًاَ فإن الواجب عليه أن يراعي الأمانة فيمن ولاه الله عليهم وجعلهم تابعين له وأن لا يسرع إسراعًا يمنعهم من فعل ما يجب من الطمأنينة والأذكار وقد صرح أهل العلم ﵏ بأنه يكره للإمام أن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يسن فكيف بمن يسرع سرعة تمنع المأمومين أو بعضهم من فعل ما يجب فليتق الله هؤلاء الأئمة وليقوموا بما يجب عليهم من مراعاة المأموم بحيث تكون صلاتهم موافقة لما تقتضيه الشريعة ولا يخفى على كثير من طلبة العلم أن النبي ﷺ قال (إذا أم أحدكم الناس فليخفف وإذا صلى بنفسه فليطول ما شاء) فإن الرسول ﵊ أوجب على الإمام أن يراعي الناس وجعله إذا صلى بنفسه حرًا يطول ما شاء وقد يستدل بعض الناس بهذا الحديث على هذا التخفيف وهذه السرعة التي تمنع المأمومين أو بعضهم فعل ما يجب أو يسن ولكن استدلاله بهذا الحديث غير صحيح لأن النبي ﷺ إنما قاله في حق من يطيل إطالة زائدة عن المشروع فأما الإطالة الموافقة للمشروع فإنها إطالة مشروعة مستحبة ولهذا يأتي بعض الأئمة يقول أن بعض الناس يقول لي لا تقرأ في الفجر يوم الجمعة سورة ألم تنزيل السجدة في الركعة الأولى وهل أتى على الإنسان في الركعة الثانية هذا يطول علينا يأتي بعض الأئمة يشكو من بعض أهل المسجد من مثل هذا الأمر ولكن الحقيقة الذي ينبغي أن يشكى هم أهل المسجد لا الإمام فالإمام إذا قرأ هاتين السورتين في فجر يوم الجمعة لا يعد مطيلًا بل يعد ذا طَوْل أي ذا فضل على الجماعة لكونه أتى بالسنة التي شرعها النبي ﷺ كذلك بعض الناس في صلاة الجمعة إذا قرأ الإمام سورة الجمعة والمنافقون صار يشكو من الإمام ويقول أطال بنا مع أن هذا مما ثبتت به السنة عن رسول الله ﷺ ولا يعد إطالة بل هو طَوْل وفضل من الإمام يتفضل به على نفسه وعلى من وراءه حيث أتى بالقراءة المشروعة عن النبي ﷺ وربما نقول ينبغي للإمام أن يراعي حال الناس في أيام الصيف وأيام الشتاء الباردة فإذا رأى بأنه لو قرأ بهاتين السورتين في الجمعة في أيام الصيف لحق الناس من الغم والحر ما يزعجهم ويشغلهم عن صلاتهم ففي هذه الحال يعدل إلى سور أخرى وكذلك في أيام الشتاء الباردة إذا رأى أن بعض الناس قد يكون محتاجًا إلى قضاء الحاجة بسبب البرد وطول المكث في المسجد فإنه يعدل إلى قراءة سور أخرى ***
يقول السائل من العادات والتقاليد في مدينتنا عند ختم كتاب الله يأتون بأنواع من الأكل والشراب فهل هذا ثابت في السنة أو هي بدعة؟ وهل توجد بدعة حسنة وبدعة سيئة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشرع شيء من مثل هذا عند ختم كتاب الله ﷿ فلا يشرع حفلات ولا طعام ولا غيره فلو قرأ الإنسان القرآن كله ثم أراد عند ختمه أن يصنع وليمة يدعو إليها الناس أو أن يتصدق بطعام على الفقراء أو أن يعمل حفل كلمات وخطب فإن هذا كله ليس من السنة وإذا لم يكن من السنة وصنع بمناسبة دينية وهي ختم القرآن فإنه يكون من البدعة وقد قال أعلم الخلق بشريعة الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق بلاغة ونطقًا محمد رسول الله ﷺ قال (كل بدعة ضلالة) كل بدعة وكل للعموم ولم يستثن النبي ﷺ بدعة من البدع تكون حسنة وبهذه الكلية الجامعة المانعة نعلم أن تقسيم البدع إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة خطأ عظيم وقول على الله بلا علم فليس هناك بدعة تكون حسنة أبدًا ومن ظن أن في البدع ما يكون حسنًا فإن ذلك على وجهين الوجه الأول أن يكون ظنه أنها حسنة ليس بصحيح لأنه متى تحققنا أنها بدعة فإنها سيئة الوجه الثاني أن يكون ظنه أنها بدعة خطأ فهو يظن أنها بدعة وليست ببدعة أما إذا تحققنا أنها بدعة فإننا نتحقق أنها سيئة وليست بحسنة هذا هو ما تقتضيه هذه الكلمة العظيمة من كلام سيد المرسلين محمد ﷺ (كل بدعة ضلالة) وتقسيم بعض العلماء البدعة إلى بدعة سيئة وبدعة حسنة يتنزل على ما قلت آنفًا وهو أنه إما أن يكون هذا الشيء ليس ببدعة وهم ظنوه أنه بدعة وإما أن يكون هذا الشيء ليس بحسن وهم ظنوه أنه حسن وأما مع تيقن أن هذا الشيء بدعة فإنه لن يكون حسنًا أبدًا فإن قال قائل أليس قد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ حين جمع الناس في رمضان على إمام واحد أليس قد قال: نعمت البدعة هذه. فنقول بلى قال هكذا لكن هل أراد عمر أنها بدعة في دين الله؟ لا ما أراد هذا وعمر من أشد الناس تمسكًا بالسنة وتحريًا لها لكنه أراد أنها بدعة بالنسبة لما قبلها من الزمن فقط وذلك أن النبي ﷺ قام بأصحابه في رمضان ليلتين أو ثلاثًا يصلى بهم جماعة ثم ترك ذلك خوفًا من أن تفرض على أمته فشرع الصلاة جماعة في قيام رمضان لكن تركه خوفًا من مفسدة أعظم وهي إلزام الناس بهذه الصلاة جماعة ولما توفي رسول الله ﷺ أمن من هذه المضرة وهي إلزام الناس بهذا القيام لأنه انقطع الوحي أمن بذلك لكن خلافة أبي بكر الصديق ﵁ لم تدم طويلًا إذ أنها سنتان وأشهر وكان ﵁ مشغولًا بأحوال الجهاد وتنظيم الأمة الإسلامية بعد أن حصل ما حصل من بعضهم من مخالفات بعد وفاة الرسول ﷺ ولما كان زمن عمر وانتفت الموانع وتفرغ الناس بعض الشيء خرج ذات يوم ﵁ فوجد الناس يصلون أوزاعًا يصلى الرجل وحده والرجلان والثلاثة فرأى ﵁ أن يجمع الناس على إمام واحد فجمعهم على إمام واحد ثم خرج ذات ليلة وهم مجتمعون على إمامهم يصلون بصلاته فقال: نعمت البدعة هذه. إذًا هي بدعة باعتبار ما سبقها من الزمن وليست بدعة باعتبار مشروعيتها إذ أن مشروعيتها قد ثبتت في عهد النبي ﷺ وعلى هذا فيكون إطلاق البدعة عليها إطلاقًا نسبيًا أي إنها بدعة بنسبتها لما سبقها من الزمن وبه ينقطع الحبل الذي تمسك به أهل البدع وابتدعوا في دين الله ما ليس منه وشرعوا في دينه ما لم يأذن به واحتجوا بمثل هذه العبارة التي لها وجه غير الوجه الذي يريدونه وتوجيهها إلى الوجه الذي قلته فهو الموافق لقول النبي ﷺ (كل بدعة ضلالة) إذ لا يليق بأمير المؤمنين عمر بن الخطاب أن يثني على بدعة وصفها النبي ﷺ بالضلالة بأنها نعمت البدعة هي ولقد انفتح أبواب من الشرور وبدع من قبيل المحظور بهذه الحجة وهي تقسيم بعض العلماء عفا الله عنهم وغفر لهم البدعة إلى بدعة حسنة وبدعة سيئة ولو أننا تمسكنا بقول المعصوم محمد ﷺ (كل بدعة ضلالة) لكان أحرى بنا أن نكون أتبع لرسول الله ﷺ مما لو قسمنا البدعة إلى حسنة وإلى سيئة. ***
كثيرٌ من أئمة المساجد يقرؤون قراءة متسلسلة من البقرة وحتى سورة الناس في غير رمضان وقيل إن هذا بدعة ويحتج بعضهم بالمراجعة وضبط الحفظ وإسماع الجماعة آيات مباركات من القرآن الكريم قلَّ أن يسمعوها فما رأي فضيلتكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر العلماء ﵏ أنه ينبغي للإنسان أن يقرأ في صلاة الفجر من طوال المفصل وفي صلاة المغرب من قصاره وفي الباقي من أوساطه والمفصل أوله سورة ق وآخره آخر القرآن وطواله من ق إلى عم وقصاره من الضحى إلى آخر القرآن وأوساطه من عم إلى الضحى هكذا قال أهل العلم والذي ينبغي للإنسان أن يفعل هكذا لأن من الحكمة في ذلك أن هذا المفصل إذا ورد على أسماع الناس حفظوه وسهل عليهم حفظه ولم أعلم أن أحدًا من أهل العلم قال إنه ينبغي أن يقرأ من أول القرآن إلى آخره متسلسلًا ليسمع الناس جميع القرآن ولا يمكن أيضًا أن يسمع الناس جميع القرآن لأنه سيبقى مدة إلى أن ينتهي إلى آخر القرآن وسيتغير الناس يذهبون ويجيئون ولا يسمعون كل القرآن وإذا لم يكن هذا من السنة والعلماء ذكروا أن السنة القراءة في المفصل فالأولى للإنسان أن يتبع ما كان عليه العلماء والفائدة التي أشرنا إليها من أن العامة إذا تكررت عليهم سور المفصل حفظوها لا تدرك بما إذا قرأ الإنسان القرآن من أول القرآن إلى آخره فالأولى العدول عن هذا وأن يقرأ كما يقرأ الناس. ***
متفرقات في علوم القرآن
يقول السائل لقد أنزل الله القرآن على نبينا محمد ﷺ باللغة العربية ولكن علمت أن لهذا القرآن عدة قراءات فما هي أفضل هذه القراءات ثم ما حكم القراءة في المصحف بدون أن يمد الكلمة التي فوقها مد أو يغن أو يقلقل ما ينبغي قلقلته أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمر كما ذكر السائل وهو أن هذا القرآن الكريم نزل باللغة العربية كما قال الله تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا) وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ولا شك أيضًا أن في القرآن قراءات متعددة والقراءات المشهورة هي السبع والسنة لمن كان عالمًا بها أن يقرأ بهذه مرة وبهذه مرة لأن القراءات السبع كلها متواترة ثابتة عن النبي ﷺ وإذا كانت كلها ثابتة عن النبي ﷺ كان المشروع أن يقرأ بهذه تارة وبهذه تارة كما نقول في العبادات الواردة على وجوه متنوعة إنه ينبغي أن يفعلها على كل وجه وردت فيفعل هذا الوجه مرة وهذا الوجه مرة ليكون قد أتى بالسنة كلها ولكن هذا لمن كان عالمًا بالقراءات لا لمن كان متخرصًا يظن أن في هذه الآية قراءة وليس فيها فإن هذا لا يجوز بل من لم يكن عالمًا بالقراءات فليقتصر على ما كان في مصاحفه التي بين يديه وقوله هل يجوز لمن قرأ في المصحف أن يدع المد أو الغنة أو القلقلة أو ما أشبه ذلك فالصواب في هذه المسألة عندي أنه يجوز له ذلك وأن القراءة بالتجويد على حسب القواعد المعروفة إنما هي على سبيل الاستحباب والأكمل وأما الواجب فإنه إقامة الحروف فقط بحيث لا يسقط حرفًا أو يزيد حرفًا وأما أوصاف الحروف من مدٍ وغنة وقلقلة وما أشبه ذلك فإنه من باب الاستحباب وليس من باب الوجوب على ما أراه في هذه المسألة. ***
تقول السائلة ما معنى أن نقول هذه التلاوة برواية حفص عن عاصم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القراءات المعروفة سبع ولها رواة مخصوصون وكل قراءة تختص براوٍ فإذا قيل هذه قراءة فلان عن فلان فيعني أن القراءات الأخرى بخلافها. ***
تقول السائلة هل كل آية موجهة للمؤمنين مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) هل الإشارة هنا تمثل الذكر والأنثى أم الذكر فقط وهل المرأة الصالحة المتمسكة بشرع الله تكون إن شاء الله ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله كما جاء في الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول ليُعلم أن الأصل في خطابات القرآن الكريم أو السنة النبوية عمومها للرجال والنساء فما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل وأكثر خطابات القرآن والسنة موجهة إلى الرجال الذكور وإنما كانت كذلك لأن الرجل أرجح عقلًا من المرأة وأكبر تحملًا للمسؤولية وأقوى في تنفيذ أوامر الله ورسوله ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما رأيت من ناقصات عقلٍ ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن) فلهذا تجد خطابات القرآن الكريم والسنة النبوية أكثرها موجه للرجال لكن أحيانًا يوجه للنساء أو يتحدث بها عن النساء لأنه الغالب فيهن مثل قوله تعالى (وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ) فإنه أضاف ذلك إلى النفاثات وهن النساء لأن ذلك الأكثر فيهن وإن كان يحتمل أن المعنى ومن شر النفوس النفاثات في العقد ولكن المشهور أن النفاثات هن الساحرات كذلك أيضًا قول الله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ) فذكر المحصنات ومعلومٌ أن رمي الرجال مثلهم فالحكم فيه واحد لكن أضاف ذلك إلى النساء لأن الغالب أن النساء هن اللاتي يقدحن والخلاصة أن ما ثبت في حق الرجال ثبت في حق النساء وأن ما ثبت في حق النساء ثبت في حق الرجال إلا بدليل هذه هي الخلاصة وعليه فالخطابات الموجهة إلى الرجال في الكتاب والسنة تشمل الإناث مثل قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ) كما جاء في السؤال نقول والمؤمنات أيضًا ومثل قول الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ) يدخل فيها النساء ومثل قوله ﷺ (سبعةٌ يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمامٌ عادل وشابٌ نشأ في طاعة الله ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) هذا يشمل المرأة إذا اتصفت بما تتصف به من هذه الصفات فمثلًا (إمامٌ عادل) لا يمكن أن تتصف به المرأة لأن المرأة لا يمكن أبدًا أن تتولى ولاية عامة تشمل الرجال والنساء صحيح أنها يمكن أن تتولى ولاية عامة بالنسبة لقسم النساء كمديرة المدرسة وما أشبه ذلك أما إمام فلا يمكن أن تكون إمامًا ولا يمكن أن تكون رئيسة ولا يمكن أن تكون وزيرة في حكم الشرع وذلك لأن المرأة ليست كالرجل في القوة والحزم والفكر (وشابٌ نشأ في طاعة الله) هذا يمكن للمرأة أن تكون كذلك أن تكون شابة نشأت في طاعة الله (ورجلٌ قلبه معلقٌ بالمساجد) هذا لا يمكن بالنسبة للمرأة لأن المرأة مسجدها بيتها لكن إذا كان قلبها معلقًا بالصلوات كلما صلت فريضة تشوفت إلى فريضة أخرى فنرجو أن تكون مثل الرجل الذي تعلق قلبه بالمساجد (ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) هذا يمكن أن تتصف به المرأة (ورجلٌ دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله) هذا يمكن أيضًا أن تتصف به المرأة وقد لا تتصف به تتصف به المرأة بحيث إذا دعاها رجل ذو منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله ويمكن أن لا تكون كذلك لأن قوة الطلب في الرجال أكثر من قوة الطلب في النساء فإذا كان الرجل دعته امرأة ذات منصبٍ وجمال فقال إني أخاف الله فهو أعظم من قول المرأة في رجلٍ طلبها ذي منصبٍ وجمال قالت إني أخاف الله يعني أنا أتردد أن تلحق بهذا في هذه الخصلة أو لا (ورجلٌ تصدق بصدقةٍ فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه) هذا أيضًا يدخل فيه النساء لأنه قد يقع منهن (ورجلٌ ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه) هذا يدخل فيه النساء أيضًا. ***
تقول السائلة هل الخطابات التي وردت في آيات القرآن تشمل النساء والرجال أم هي للرجال فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هي للرجال والنساء فإذا ورد خطاب باسم النساء فهو للرجال وإذا ورد للرجال فهو للنساء إلا ما قام الدليل على أنه خاص بأحد الجنسين فيؤخذ بالدليل. ***
هل الحوار في القرآن الكريم الذي يكون الطرف الثاني فيه إنسانًا رده في الحوار لفظًا ومعنى من عنده أم المعنى منه واللفظ من الله ﷾؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أن ما يحكيه الله ﷿ عمن سبق من الأمم إنما يحيكه سبحانه بالمعنى واللفظ من الله ﷾ ذلك لأن هذا القرآن بلسان عربي مبين ومن المعلوم أن من يحكي الله عنهم أقوالهم ممن سبق ليسوا من أهل اللغة العربية فلغتهم لغة أخرى ومع ذلك يحكي الله قولهم باللغة العربية وهذا دليل على أن الله تعالى يحكي ما يقولون بمعنى ما يقولون لا باللفظ الذي يقولونه وهذا ظاهر. ***
تقول السائلة سور القرآن الكريم لم تكتب بالترتيب الذي نزلت به فما هي الأسباب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا صادر عن اجتهاد من الصحابة ﵃، لا أعرف لذلك سببًا إلا أنه صدر عن اجتهاد منهم فإما أن يكون بتوقيف من الرسول ﵊، وإما أن يكون عن اجتهاد مجرد لأن سور القرآن ترتيب بعضها توقيفي من الشارع من النبي ﵊ كما كان يقرأ مثلًا سورة سبح والغاشية في صلاة الجمعة، وكما كان يقرأ بسورة الجمعة والمنافقون فمثل هذا رتبه النبي ﵊، وفيه أشياء اجتهادية من الصحابة رضى الله عنهم في ترتيب السور ومع ذلك لا نستطيع أن نجزم بالحكمة، إنما يبدو لنا أن السور المتجانسة في الطول والقصر والموضوع تجدها مرتبة بعضها مع بعض، والسور الأخرى المخالفة تجدها مرتبة بعضها مع بعض أيضًا، فمثلًا السبع الطوال، البقرة، وآل عمران، والنساء، والمائدة، والأنعام، والأعراف، تجدها متسلسلة، وتجد السور القصيرة وهو ما يسمى بالمفصل تجدها أيضًا متسلسلة. ***
متفرقات في أحكام القرآن
المستمع علي نجمي جازان يقول ما حكم تقبيل القرآن قبل وبعد القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل القرآن إذا وقع من شخص فإنما يقع على وجه التعظيم لكتاب الله ﷿ ولا شك أن تعظيم كتاب الله من أفضل القربات لأن كتاب الله ﷿ هو كلامه فقد تكلّم الله ﷾ بهذا القرآن بكلام سمعه منه جبريل فنزل به إلى رسول الله ﷺ قال الله تعالى (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ) وقال الله تعالى (وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال تعالى (إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) فالقرآن كلام الله ﷾ حقيقة تكلم به وسمعه جبريل ونزل به على قلب النبي ﷺ فتعظيم هذا القرآن العظيم من تعظيم الله ﷿ ولكن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن اتباع الرسول ﷺ لا بأن يتبع الإنسان هواه فهذه القاعدة ينبغي للإنسان أن يعتبرها وهي أن تعظيم الله وتعظيم رسوله وتعظيم كتابه إنما هو بحسن الاتباع لرسول الله ﷺ وكلما كان الإنسان أتبع لرسول الله كان أدل على ما في قلبه من تعظيم الله ومن محبة الله قال الله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فمن ابتدع في دين الله ما ليس منه فإنه ينقص من محبته لله وتعظيمه لله بقدر ما حصل من هذه البدعة من المخالفة وبناء على هذه القاعدة نقول تقبيل المصحف عند ابتداء التلاوة وعند انتهائها أو عند الابتداء فقط أو عند الانتهاء فقط أو في غير هذه المناسبة ليس مشروعًا بل هو بدعة فلم يكن معروفًا في عهد الرسول ﵊ أن تقبل الرقاع التي كتب فيها شيء من القرآن وليس معروفًا في عهد الصحابة بعد جمع القرآن في المصحف أن يقبلوا هذا المصحف ولا شك أن خير الهدي هدي محمد ﷺ وأن من ابتدع بدعة ولو استحسنها فهي قبيحة ولو ظن أنها هدى فهي ضلالة ولو ظن أن فيها ثوابًا فهي في النار لقول النبي ﵊ (إياكم ومحدثات الأمور فإن كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وعلى هذا فإني أنصح أخي هذا السائل من أن يقوم بتقبيل المصحف لا في ابتداء القراءة ولا في انتهائها ولا في مناسبات أخرى ويكفيه تعظيمًا للمصحف أن يؤمن بما أخبر الله فيه وأن يعمل بما أمر الله به فيه وأن ينتهي عما نهى الله عنه فيه هذا هو التعظيم الحقيقي الذي يدل على صدق قصد الإنسان وإخلاصه لله ﷿ وعلى صحة شهادته لرسول الله ﷺ بالرسالة لأن من تحقيق شهادة أن محمدًا رسول الله ألا تعبد الله إلا بما شرعه هذا الرسول الكريم ﵊. ***
تقول السائلة ماحكم تقبيل المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقبيل المصحف بدعة لأن هذا المقبل إنما أراد التقرب إلى الله ﷿ بتقبيله ومعلوم أنه لا يتقرب إلى الله إلا بما شرعه الله ﷿ ولم يشرع الله تعالى تقبيل ما كتب فيه كلامه وفي عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كتب القرآن لكنه لم يجمع إنما كتب فيه آيات مكتوبة ومع ذلك لم يكن يقبلها صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يكن الصحابة يقبلونها فهي بدعة وينهى عنها ثم إن بعض الناس أراه يقبله ويضع جبهته عليه كأنما يسجد عليه وهذا أيضا منكر. ***
يقول السائل هل من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس من شروط قراءة القرآن التوجه إلى القبلة وليس من شروط قراءة القرآن أن يكون الإنسان على طهر إلا إذا كان يقرأ بالمصحف فإنه لا يمس المصحف إلا وهو طاهر فإن أراد أن يمس المصحف وهو ليس بطاهر فليجعل بينه وبين المصحف حائلًا من منديلٍ أو غيره وليقرأ لكن الجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل. ***
بعض الناس يصلون الفرائض ويصومون رمضان ولا يقرؤون القرآن إلا في رمضان ويحتجون لذلك بأنهم ينشغلون طوال الأيام من السنة ما رأيكم بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأيي في هذا أنه لا حرج عليه في ذلك لأنه وإن فعلوا هذا لم يهجروا القرآن فهم يقرؤون كتاب الله في صلواتهم يقرؤونه أيضا في أورادهم اليومية يسمعونه من غيرهم فلا حرج عليهم في هذا لكني أخبرهم بأنهم حرموا خيرا كثيرا لأن القرآن الكريم إذا تلاه التالي فله بكل حرف حسنة والحسنة بعشر أمثالها فليحرصوا على تلاوة القرآن وإن حصل أن يجعلوا لأنفسهم شيئا معينا يوميا يحافظون عليه لئلا تضيع عليهم الأوقات فهذا خير. ***
يقول السائل هل يجوز لقاريء القرآن أن يتحدث مع من سأله أثناء القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا حرج على الإنسان أن يتحدث إلى الشخص إذا حدثه وهو يقرأ القرآن لكن ينبغي للغير أن لا يشغل الإنسان عن قراءته القرآن لأن بعض الناس إذا حدث وهو يقرأ القرآن ضاع موقفه من السورة لا سيما إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فيقطع المحدث قراءته عليه هذا بالنسبة لتحديث القارئ أما هو نفسه إذا أراد أن يكلم أحدا فلا حرج عليه أيضًا لكن ينبغي أن لا يقطع قراءته لمحادثة الناس إلا أن يكون هناك فائدة. ***
يقول السائل توجد في بعض الأشرطة تلاوة لبعض القراء بحيث يكمل القارئ الثاني ما بدأه الأول دون استعاذة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستعاذة تكون في أول التلاوة فإذا استعاذ أول القارئين كفى عن المستمعين الآخرين لكن أرى أن الأفضل أن يستعيذ كل منهم عند أول قراءة له فيستعيذ الأول فإذا فرغ استعاذ الثاني فإذا فرغ استعاذ الثالث فإذا عادت إلى الأول قرأ بدون استعاذة هذا الذي أراه في هذه المسألة أن يستعيذ كل منهم عند ابتداء أول القراءة. ***
السائل عثمان علي العميرين من الثانوية التجارية بالرياض يقول هل يثاب الإنسان الذي يقرأ القرآن ولو لم يفهم معانيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القرآن الكريم مبارك كما قال الله تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فالإنسان مأجور على قراءته سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن لا ينبغي للمؤمن أن يقرأ قرآنًا مكلفًا بالعمل به بدون أن يفهم معناه فالإنسان لو أراد أن يتعلم الطب مثلًا ودرس كتب الطب فإنه لا يمكن أن يستفيد منها حتى يعرف معناها وتشرح له بل هو يحرص كل الحرص على أن يفهم معناها من أجل أن يطبقها فما بالك بكتاب الله ﷾ الذي هو شفاء لما في الصدور وموعظة للناس أن يقرأه الإنسان بدون تدبر وبدون فهم لمعناه ولهذا كان الصحابة ﵃ لا يتجاوزن عشر آيات حتى يتعلموها وما فيها من العلم والعمل فتعلموا القرآن والعلم والعمل جميعًا فالإنسان مثاب ومأجور على قراءة القرآن سواء فهم معناه أم لم يفهم ولكن ينبغي له أن يحرص كل الحرص على فهم معناه وأن يتلقى هذا المعنى من العلماء الموثوقين في علمهم وأمانتهم فإن لم يتيسر له عالم يفهمه المعنى فليرجع إلى كتب التفسير الموثوقة مثل تفسير ابن جرير وتفسير ابن كثير وغيرهما من التفاسير التي تعتني بالتفسير الأثري المروي عن الصحابة والتابعين ﵃. ***
يقول السائل ماحكم قراءة القرآن من المصحف والشخص مستلقٍ أو متكئ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس بها فإن النبي ﷺ (كان يقرأ القرآن وهو متكئ في حجر عائشة ﵂ وهي حائض) فإذا قرأ الإنسان القرآن من المصحف أو عن ظهر قلب وهو متكيء أو مضطجع فلا حرج عليه في هذا. ***
السائل محمد عبد الغني محمد يقول ما حكم قراءة القرآن بالمصحف وأنا نائم أي راقد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج في ذلك فقد (كان رسول الله ﷺ يقرأ القرآن وهو متكئ في حَجِْر عائشة ﵂ وهي حائض) فكذلك الإنسان إذا اضطجع في فراشه وأخذ المصحف وصار يتلو القرآن فلا حرج عليه في ذلك. ***
هل تصح الاستعاذة عند آيات العذاب وسؤال الله ﷿ عند آيات الرحمة والفضل في الصلاة المكتوبة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز هذا يجوز للإنسان إذا مر بآية رحمة أو آية وعيد أن يسأل عند آية الرحمة ويستعيذ عند آية الوعيد في الفريضة والنافلة لكنها في النافلة السنة لا سيما في صلاة الليل لقول حذيفة ﵁ (صلىت مع النبي ﷺ ذات ليلة فقرأ بالبقرة ثم بالنساء ثم بآل عمران لا يمر بأية رحمة إلا سأل ولا بأية عذاب إلا تعوذ ولا بأية تسبيح إلا سبح) لكن هذا في صلاة الليل ففي صلاة الليل بل في جميع النوافل يسن أن يسبح إذا مر بآيات التسبيح ويسأل إذا مر بآيات رحمة ويتعوذ إذا مر بآيات وعيد أما في الفرائض فجائز لكن تركه أفضل لأن الواصفين لصلاة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يكونوا يقولون إنه يسبح عند آيات التسبيح ويتعوذ عند آيات الوعيد ويسأل عند آيات الرحمة. ***
هل يجوز لكل من يقرأ في المصحف الشريف إذا مر بآية عذاب أن يستعيذ بالله من النار أو العذاب وإذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وهكذا في باقي الآيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر من السؤال أن هذا القارئ يقرأ في غير صلاة وعلى هذا فنقول نعم يجوز له إذا مر بآية رحمة أن يسأل الله من فضله وإذا مر بآية وعيد أن يتعوذ بالله من ذلك الوعيد وإذا مر بآية فيها عبرة وعظة يقول سبحان الله وما أشبه ذلك لأن هذا مما يعين الإنسان على تدبر القرآن والتفكر في معانيه وأما إذا كان الإنسان في صلاة فإن كان في نفل فإنه يسن أن يسأل عند آية الرحمة ويتعوذ عند آية الوعيد ولاسيما في صلاة الليل لأنه ثبت ذلك عن النبي ﷺ كما في حديث حذيفة قال (صلىت مع النبي ﷺ ذات ليلة فكان لا يمر بآية رحمة إلا سأل ولا بآية وعيد إلا تعوذ) وأما في الفريضة فإن الظاهر من حال النبي ﷺ أنه لا يفعل ذلك في الفريضة لأن الواصفين لصلاته ﷺ لم يذكروا أنه كان يتعوذ عند آية الوعيد أو يسأل عند آية الرحمة ومع هذا لو فعل فليس عليه إثم. ***
بعض الناس يقرؤون القرآن في المسجد ويقولون بين السكتة والسكتة بين الآيات الله الله أو الله يفتح عليك يا عمنا أو مثل هذه العبارات ما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم هذا أنه من البدع المنكرة لأن تلاوة القرآن عبادة من أفضل العبادات الحرف فيها بحسنة والحسنة بعشر أمثالها وليست لعبًا حتى يقال كلما فرغ من آية وكان صوته جميلًا الله الله يعني يتعجب فهذا من البدع التي أحدثها من أحدثها من الناس نعم إذا مر الإنسان بآية وعيد فليتعوذ وإذا مر بآية وعد فليسأل وإذا مر بآية تسبيح فليسبح وإذا مر بآية تعجيب فليتعجب ويقول الله أكبر وأما الله الله أو مثلًا يا سلام يا سلام فهذا من البدع. ***
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم عدة مواضع للسجدة فهل في كل موضع من هذه المواضع يتم فيها السجود وهل يكون السجود والقارئ على غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم السجدات التي في القرآن كلها موضع سجود يسجد فيها الإنسان إذا قرأها سواء كان في صلاة أم في غير صلاة إلا أنه لا يسجد إلا على وضوء احتياطا وسجود التلاوة ليس فرضا وإنما هو سنة كما ثبت عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ (أنه قرأ آية السجدة وهو يخطب الناس يوم الجمعة فنزل فسجد ثم قرأها في الجمعة الأخرى فلم يسجد ثم قال إن الله لم يفرض علينا السجود إلا أن نشاء) لكن لا ينبغي للإنسان تركها إذا كان على وضوء. ***
يقول السائل أيهما أفضل تلاوة القرآن نظرًا في رمضان أو محاولة ترديد سور منه لأجل الحفظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأولى أن يقرأ القرآن كله نظرًا، وأن يحافظ على ما كان حفظه عن ظهر قلب لئلا ينساه، وذلك لأن القرآن كله قراءته مفيدة للإنسان لأنه يمر به كل كلام الله ﷿ وينتفع بما في آياته من الأحكام والأخبار، وهذا يفوته إذا اقتصر على سور معينة كان حفظها عن ظهر قلب، وإذا لازم السور المعينة التي كان يحفظها عن ظهر قلب استفاد منها ليرتبط بها، ولكن هذا لا يفوته إذا حرص على هذه السور التي حفظها في وقت آخر، لأن السور المحفوظة يمكن للإنسان أن يقرأها سواء في بيته أو في المسجد أو في أي مكان، فالأولى أن يحافظ على قراءة القرآن كله، ثم يزيد بعناية ما كان يحفظه عن ظهر قلب. ***
يقول السائل هل القراءة من المصحف أفضل من القراءة عن ظهر قلب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما من جهة قراءة القرآن في غير الصلاة فالقراءة من المصحف أولى لأنه أقرب إلى الضبط وإلى الحفظ إلا إذا كانت قراءته عن ظهر قلب أحضر إلى القلب وأخشع له فليقرأ عن ظهر قلب وأما في الصلاة فإن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب وذلك لأنه إذا قرأ من المصحف فإنه يحصل له عمل متكرر في حمل المصحف وإلقائه وفي تقليب الورق وفي النظر إلى حروفه وكذلك يفوته وضع اليد اليمنى على اليسرى في حال القيام وربما يفوته التجافي في الركوع والسجود إذا جعل المصحف في إبطه ومن ثم رجحنا قراءة المصلى عن ظهر قلب على قراءته من المصحف وإذا كنا نرجح هذا للإمام وهو أن الأفضل أن يقرأ عن ظهر قلب لئلا يحصل له ما ذكرناه فإننا كذلك نقول بالنسبة لبعض المأمومين الذين نشاهدهم خلف الإمام يحملون المصحف يتابعون قراءة الإمام فإن هذا أمر لا ينبغي لما فيه من الأمور التي ذكرناها آنفًا ولأنه لا حاجة بهم إلى أن يتابعوا الإمام نعم لو فرض أن الإمام ليس بجيد الحفظ وقال لأحد من المأمومين صلِّ ورائي وتابعني في المصحف إذا أخطأت ورد علي فهذا لا بأس به للحاجة. ***
يقول السائل هل الأفضل في تلاوة القرآن في المسجد أن تكون جهرًا أم سرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في المسجد الأفضل أن يقرأ القران فيه سرًا إلا إذا لم يكن فيه أحدٌ يشوش عليه أو كان الحاضرون يرغبون أن يقرأ جهرًا لكونهم لا يعرفون القراءة بأنفسهم ويحبون أن يسمعوها من غيرهم فهذا لا بأس به لكن بشرط أن لا يكون أحد من أهل المسجد منشغلًا بغير الاستماع إليه فإن ذلك لا يجوز أي لا يجوز للرجل أن يجهر بالقرآن في المسجد وحوله من يشوش عليه لأن النبي ﷺ خرج إلى أصحابه وهم يصلون ويجهرون بالقراءة فقال ﷺ (كلكم يناجي ربه فلا يجهر بعضكم على بعض في القران أو قال في القراءة) وهذا حديث صحيح كما قاله ابن عبد البر. ***
هل يجوز لي أن أقرأ القرآن بدون النطق بالحروف ولكن بالمتابعة بالنظر والقلب من المصحف طبعا فهل يحصل الأجر بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك أجر يعني لا يحصل الإنسان أجر القراءة إلا إذا نطق بالقرآن ولا نطق إلا بتحريك الشفتين واللسان وأما من جعل ينظر إلى الأسطر والحروف بعينه ويتابع بقلبه فإن هذا ليس بقارئ ولا ينبغي للإنسان أن يُعَوِّد نفسه هذا لأنه إذا اعتاد ذلك صارت قراءته كلها على هذا الوجه كما هو مشاهد من بعض الناس تجده يقلب الصفحة ويومئ هكذا برأسه يمينا وشمالا ليتابع الأسطر وإذا به قد قلب الصفحة الثانية في مدة يسيرة تعلم علم اليقين أنه لم يقرأ قراءة نطق والخلاصة أن مَنْ لم يقرأ قراءةً ينطق بها فإنه لا يُثاب ثواب القارئ هذا واحد، ثانيا ننصح إخواننا عن هذه الطريق أعني أن يقرؤوا بأعينهم وقلوبهم فقط لأنهم إذا اعتادوا ذلك حرموا خيرا كثيرا. ***
السائلة ص م ع من القصيم تقول هل الدعاء بعد قراءة القرآن مستحب وهل رفع الأيدي بعد ذلك جائز أم لا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه إذا قرأ القران وانتهى من قراءته دعا أو أتى بذكر آخر وما لم يرد عن النبي ﷺ فعله مع قيام سببه فإنه لا يكون من السنة بل يكون تركه هو السنة وعلى هذا فإذا انتهى الإنسان من قراءته أقفل المصحف إن كان يقرأ من مصحف وانتهت القراءة ولا دعاء بعدها وكذلك إذا كان يقرأ عن ظهر قلب فإن القراءة تنتهي ولا ذكر بعد ذلك ولا دعاء لكن لو قال الإنسان اللهم تقبل مني أو كلمة نحو ذلك فارجو ألا يكون في ذلك بأس. ***
يقول السائل هل الجلوس في المنزل ٍبعد صلاة الفجر لقراءة القرآن والذكر حتى تطلع الشمس له نفس الأجر في المسجد ثم يقوم هذا الشخص ويصلى ركعتين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كأن السائل يشير لحديث ورد في ذلك (من صلى الفجر في جماعة ثم جلس يذكر الله ﷿ حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين يعني بعد ارتفاع الشمس قيد رمح فإنه يكون كأجر حجة وعمرة) أو كما جاء في الحديث لكن هذا الحديث قد اختلف العلماء في صحته والأخذ به إلا أنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه (كان إذا صلى الغداة جلس في مصلاه حتى تطلع الشمس حسنة) جاء ذلك في صحيح مسلم وأما ترتيب الأجر على ذلك فهذا إن صح به الحديث أخذنا به وفضل الله واسع وإن لم يصح فقد كفيناه. ***
تقول السائلة هل يصح للمرأة قراءة القرآن قراءة صامتة أم الواجب عليها الترتيل بالقراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الترتيل في القراءة ليس بواجبٍ لا على المرأة ولا على الرجل لكنه من آداب القراءة ومن حسن القراءة أن يرتل الإنسان ويتدبر المعنى ويتفهمه وله أن يقرأ قراءةً سريعة بشرط أن لا يكون فيها حذفٌ للحروف أو بعضها وأما الجهر بالقراءة والإسرار بها فهذا على حسب حال الإنسان إن كان إذا جهر يكون أنشط وأخشع فليجهر ما لم يؤذِ أحدًا وإن كان إذا أسر صار أخشع فليكن مسرًا وإن تساوى الأمران فهو مخير هذا بالنسبة للرجل والمرأة لكن بشرط أن لا يؤذي أحدًا كما لو كان بالمسجد وجهر جهرًا يشوش به على الناس في صلاتهم وقراءتهم فلا يجهر وكذلك أيضًا إذا كانت المرأة حولها رجال فإنه من الأفضل أن تسر لأنه لا ينبغي للمرأة أن تجهر صوتها عند الرجال إلا عند الحاجة. ***
يقول السائل هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن وشعرها مكشوف وذراعاها مكشوفتان وكذلك القدمان لأنه لا يشترط لقراءة القرآن ما يشترط في الصلاة من السترة. ***
يقول السائل السنترال يكون فيه قرآن عند الانتظار فإذا قام بتحويله إلى الشخص المطلوب ورفعت السماعة انقطعت الآية في موقف غير مناسب ما حكم ذلك فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى أن يجعل القرآن الكريم في السنترال من أجل أن يحول المتكلم إلى الرقم الخاص لمن طلبه لأن في هذا نوع ابتذال للقرآن حيث كان كما يقول النحويون حرف جاء لمعنى ولأنه قد يسمعه من لا يحب استماعه من منافق أو كافر ولأنه كما قال السائل قد ينقطع عند كلمة لا يحسن الوقوف عليها فالذي أرى وأنصح به إخواننا المسلمين أن يجعلوا الانتظار حكمة من الحكم التي تقال إما من كلام التابعين أو من كلام من بعدهم أو من كلام بعض الشعراء من أمثال المتنبي فقد قال بيتًا قد ينطبق على حالنا التي نتكلم عنها الآن قال ووضع الندى في موضع السيف بالعلا ***مضر كوضع السيف في موضع الندى وأما أن يجعل كلام الله ﷿ حرفًا جاء لمعنى فقط لأجل الانتظار وربما يكون كافرًا يكره القرآن وربما يتكلم بكلام بذيء فالحاصل أن من نصيحتي لإخواني أن يعدلوا عن هذا وأن يجعلوا بدله شيئًا من الحكم من النظم أو من النثر. ***
تقول السائلة نحن في المدرسة وتلقى المحاضرات والاحتفالات ودائمًا نستفتح بالقرآن الكريم فقد يطلبو مني أنا أن افتتح لهم بالقرآن علمًا بأن القراءة تكون بمكبر الصوت ويوجد في الاحتفال أو المحاضرة عدد من الرجال فهل في هذا إثم وإذا قرأنا القرآن هل صوت المرأة عورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يتضمن عدة أسئلة أولًا افتتاح المحاضرات والندوات بالقرآن الكريم هل هذا من الأمور المشروعة لا أعلم في هذا سنة عن رسول الله ﷺ والنبي ﵊ كان يجمع أصحابه كثيرًا حين يريد الغزو أو للأمور المهمة التي تهم المسلمين ولا أعلم أنه ﷺ كان يفتتح هذه الاجتماعات بشيء من القرآن لكن لو كانت المحاضرة أو الندوة تشتمل على موضوع معين وأراد أحد أن يقرأ شيئا من الآيات التي تتعلق بهذا الموضوع ليكون بها افتتاح ذلك الموضوع فإن هذا لا بأس به وأما اتخاذ افتتاح المحاضرات أو الندوات بآيات من القرآن دائمًا كأنها سنة مشروعة فهذا لا ينبغي المسألة الثانية في هذا السؤال كون المرأة تقرأ القرآن بمكبر الصوت فيسمعها الناس من قريب ومن بعيد حيث ينتهي مدى صوت هذا المكبر هذا أمر لا ينبغي لأن المرأة مأمورة بالتستر والاختفاء عن الرجال وكونها تعلن صوتها بمكبر الصوت ينافي ذلك. وأما المسألة الثالثة فهي هل صوت المرأة عورة والجواب أن صوت المرأة ليس عورة فإن النساء كنّ يأتين إلى الرسول ﵊ يسألنه بحضرة الرجال ولم ينكر ﷺ عليهن ذلك ولو كان صوتها عورة لأنكره النبي ﵊ فصوت المرأة ليس بعورة لكن لا يجوز للرجل أن يتلذذ به سواء كان ذلك التلذذ تلذذ شهوة جنسية أو تلذذ استمتاع وراحة نفس وإنما يستمع إليها بقدر ما تدعو الحاجة إليه فقط إذا كانت أجنبية منه. ***
يقول السائل هل هناك جلسة خاصة عند تلاوة القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا جلسة معينة بل كان النبي ﷺ يقرأ القرآن في حجر عائشة ﵂ متكئًا وهي حائض فالقرآن يقرأ على كل حال سواء كان الإنسان قاعدًا أو مضطجعًا أو واقفًا إلا أنه ينهى عن قراءة القرآن في حال الركوع أو السجود في الصلاة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (ألا وإني نهيت أن أقرأ القرآن راكعًا أو ساجدًا فأما الركوع فعظموا فيه الرب وأما السجود فأكثروا فيه من الدعاء) . ***
يقول السائل بالنسبة للسرعة في قراءة القرآن الكريم هل هي محرمة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السرعة نوعان سرعة يلزم منها إسقاط بعض الحروف أو الحركات فهذه لا تجوز وسرعة أخرى مع المحافظة على الحروف والكلمات والإعراب فهذه جائزة. ***
التفسير - الاستعاذة
المستمع عبد العزيز يقول يرى البعض من مدرسي القرآن الكريم بأن الإستعاذة وهي أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفثه خاصة بالصلاة وليس عند قراءة القرآن الكريم هل هذا صحيح فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح إذا استعاذ الإنسان بالله من الشيطان الرجيم وزاد أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفخه فإن ذلك لا بأس به لأن الاستعاذة في الصلاة استعاذة قبل القراءة فهي داخلة في امتثال أمر الله بقوله (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) ومع هذا ورد عن النبي ﷺ أنه يقول (أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم من همزه ونفحه ونفثه) فإذا قالها الإنسان فلا حرج عليه وإذا اقتصر على الجزء الأول منها أعوذ بالله من الشيطان الرجيم كفى. ***
الفاتحة
يقول السائل هل بسم الله الرحمن الرحيم آية من الفاتحة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنها ليست من الفاتحة لكنها آية من كتاب الله ﷿ مستقلة ويدل لهذا الخبر والعمل أما الخبر فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن الله تعالى قال (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) ولم يذكر البسملة وأما العمل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان يجهر بالفاتحة في الصلاة الجهرية ولا يجهر بالبسملة ولو كانت منها لجهر بها كما يجهر في بقية آياتها فالصواب أنها ليست من الفاتحة ولا من غيرها بل هي آية مستقلة تبتدأ بها السور إلا سورة براءة. ***
ع. ي. س. من مكة المكرمة يقول يقول هذا السائل يوجد من الناس من يقول إن سورة الفاتحة لا تكتمل آياتها سبعًا إلا بالبسملة معتبرين البسملة أول آيات السورة مستشهدين بقوله تعالى (ولقد آتيناك سبعًا من المثاني والقرآن العظيم) فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ومن الناس من يقول إن الفاتحة تستكمل سبع آيات بدون البسملة وهذا القول الثاني هو الصواب ودليل ذلك أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان لا يجهر بالبسملة في الصلاة الجهرية ويجهر بالحمد لله رب العالمين ... الخ ولو كانت البسملة من الفاتحة لجهر بها كسائر آياتها ودليل آخر حديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال (قال الله قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين فإذا قال (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قال حمدني عبدي وإذا قال (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) قال أثنى علي عبدي وإذا قال (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) قال مجدني عبدي وإذا قال (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) قال هذا بيني وبين عبدي نصفين وإذا قال (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) قال هذا لعبدي ولعبدي ما سأل) فبدأ بالحمد وأما كونها سبع آيات فليستمع هذا السائل (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) الأولى (الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ) الثانية (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) الثالثة (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) الرابعة (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ) الخامسة (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ) السادسة (غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) السابعة وهذا لا شك أنه الأقرب لأجل أن تتناسب الآيات في الطول فإنك إذا جعلت (صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) آيةً واحدة صارت طول بقية الآيات مرتين وأيضًا الفاتحة بين الله وبين العبد منها ثلاث آيات حقٌ لله ثلاث آيات حقٌ للآدمي وآيةٌ بينهما (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) كل هذه حقٌ لله (اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ) حقٌ للإنسان (إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ) بينهما وهي الآية الرابعة التي بين ثلاث وثلاث فالتناسب ظاهر فعلى هذا فلو قرأ الإنسان الفاتحة بدون البسملة فصلاته صحيحة لأنه قرأ الفاتحة بآياتها السبع. ***
البقرة وآل عمران
يقول السائل ما معنى أنَّ سورتي البقرة وآل عمران تقدمان السور يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هاتان السورتان هما أعظم السور وسماهن النبي ﷺ الزهراوين لكن (قلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن وسورة الفاتحة أعظم سورة في القرآن وهي أي سورة الفاتحة السبع المثاني التي نص الله عليها في قوله (وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ) . ***
البقرة
من العراق محافظة داهوك المستمع عزت يوسف طه يسأل عن أوائل السور يقول في كثير من السور في بدايتها (الم) (كهيعص) (حم) (عسق) ما معنى هذه الآيات أفيدونا جزاكم الله خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات هي الحروف الهجائية ابتدأ الله تعالى بها في بعض السور واختلف العلماء في ذلك فمنهم من قال إنها أسماء لهذه السور ومنهم من قال إنها رموز وإشارات إلى أسماء الله ﷿ ومنهم من قال إنها أو إن بعضها اشارات إلى حوادث ستقع ومنهم من قال الله أعلم بما أراد بها ومنهم من قال إنها حروف هجائية ليس لها معنى ولكن لها مغزى قالوا ليس لها معنى لأن الله ﷾ يقول في هذا القرآن الكريم (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) ويقول تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وفي آية أخرى يقول (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) وهذه الحروف الهجائية باللسان العربي ليس لها معنى وعلى هذا فنقول هذه الحروف الهجائية لا معنى لها ولكن لها مغزى وحكمة عظيمة هذه الحكمة هي بيان أن هذا القرآن العظيم المجيد الذي أعجز أمراء الفصاحة والبلاغة أن يأتوا بمثله بل قال الله تعالى (قُلْ لَئِنْ اجْتَمَعَتْ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا) هذا القرآن الذي أعجز الثقلين أن يأتوا بمثله هو من هذه الحروف التي يركب هؤلاء القوم كلامهم منها ومع ذلك عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن عجزوا أن يأتوا بمثل هذا القرآن الذي هو من هذه الحروف ولهذا لا تكاد تجد سورة مبدوءة بهذه الحروف الهجائية إلا وجدت بعدها ذكرًا للقرآن (الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ) (الم اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ) (المص كِتَابٌ أُنزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ) (الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْحَكِيمِ) وهكذا وأما قوله تعالى (الم أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ) وقوله (الم غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فهذه وإن لم يكن فيها ذكر للقرآن لكن فيها ذكر لأخبار صادقة لا يعلمها النبي ﷺ من قبل أن يوحى إليه هذا القرآن وأخبار مستقبلة لا يعلم بها إلا الله ﷿ ومن أطلعه الله عليها في قوله (غُلِبَتْ الرُّومُ فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) فإن أحدًا لا يعلم أن الروم الذين غلبوا سيغلبون في بضع سنين إلا الله ﷿ وأما قوله تعالى (ن وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ مَا أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ) فإن فيها إشارة إلى القرآن حيث إن النبي ﷺ الذي أوحي إليه هذا القرآن وصف ونعت بهذه النعوت الجليلة بل قد يقال إن فيه أشارة أيضًا: (والقلم وما يسطرون) فإن القرآن كما يحفظ في الصدور يكتب بالأقلام أيضًا. ***
من العراق محافظة صلاح الدين المستمع أحمد محمد صالح المستمع يقول قال الله ﵎ في كتابه العزيز (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لا تَعْلَمُونَ) السؤال فضيلة الشيخ كيف عرفت الملائكة أن آدم وذريته سوف يفسدون في الأرض ويسفك بعضهم دم بعض وهل يدل ذلك على أن هناك بشرًا خلقوا قبل آدم علمًا بأن الملائكة عندما عرض الله تعالى عليهم الأسماء قالوا لا نعلم وهذا ما جاء في قوله تعالى (وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاء إِنْ كُنتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لا عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الكريمة في قوله تعالى (وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الأَرْضِ خَلِيفَةً) اختلف فيها المفسرون فمنهم من قال إن معنى قوله خليفة أي خالفًا لمن سبقه وكان في الأرض عمار قبل آدم وكان هؤلاء العمار يحصل منهم سفك الدماء والإفساد في الأرض واستدل هؤلاء بقول الملائكة عليهم الصلاة والسلام أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك وبأن الجن قد خلقوا قبل الإنس كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ وَالْجَانَّ خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نَارِ السَّمُومِ) ومنهم من قال بل إن المراد بقوله خليفة أي قومًا يخلف بعضهم بعضًا فيذهب أناس ويأتي آخرون وعندي أن الأقرب الأول لموافقته لظاهر الآية وهو أن آدم وذريته سيكونون خلفاء لمن سبقهم على الأرض وأن الملائكة قالوا أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء بناء على ما حصل من هؤلاء القوم الذين خلفهم آدم وذريته في الأرض وفي الآية الثانية التي ساقها السائل وهي قول الملائكة لما قال الله لهم أعلموني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فيه دليل على أن الإنسان إذا سئل عن شيء لا يعلمه فإنه يقول مثل هذا القول فيقول الله أعلم أو لا علم لنا إلا ما علمنا الله أو ما أشبه ذلك من الكلام فإنه لا يجوز للإنسان أن يقدم على الفتوى أو على الحكم بين الناس بلا علم لأن ذلك من كبائر الذنوب قال الله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا) ولقد كثر في الناس اليوم القول في دين الله تعالى بلا علم من عامة ومن طلبة علم لم يتحققوا مما يقولون ويفتون به وهذا أمر خطير جدًا ليس على المفتي وحده ولا على المستفتي وحده بل على المفتي والمستفتي بل وعلى الإسلام لأن الفتوى بلا علم يكثر فيها الاختلاف إذ أنها مبنية على مجرد نظر قاصر وكل إنسان له نظره ومزاجه والمقياس والميزان كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإذا تكلم الناس كل بما عنده اختلفت الآراء وكثر النزاع وتذبذب العامة وشكوا فيما هم عليه من الحق وقالوا ما لهذا الدين كل يقول كذا وكل يقول كذا والتبس الأمر وحصل بذلك مفسدة كبيرة عظيمة فأنصح نفسي وإخواني بأن نقف على حدود الله ﷿ وألا نتكلم في دين الله بما لا نعلمه من دينه وبما لا نعلم أنه يجوز لنا الكلام فيه ولقد سمعنا أشياء كثيرة من هذا النوع يأتي الإنسان فيسمع حديثًا عامًا يأخذ بعمومه وقد دلت الأدلة الواضحة الصريحة على تخصيصه بل ربما يحكم بدليل قد نسخ ورفع حكمه من أصله وربما يأخذ بآثار وأحاديث ضعيفة لا تقاوم الأحاديث الصحيحة المدونة في كتب الإسلام المشهورة في الحديث فلهذا يجب على الإنسان أن يتقي الله ﷿ في نفسه وفي إخوانه المسلمين وليس يضيره شيء إذا سئل عن شيء وقال لا أعلم إذا كان لا يعلمه بل هذا مما يزيده رفعة عند الله وعند الناس ويثق الناس بقوله إذا كان يقول عما لا يعلم إني لا أعلم لأن الناس سيعرفون منه الورع وأنه لا يتكلم إلا بعلم أما إذا كان يتكلم عن كل ما سئل عنه ثم يتبين خطؤه مرة أخرى فإن الناس لا يثقون به وأسأل الله أن يجعلنا هداة مهتدين وصالحين مصلحين. ***
يقول المستمع م ع م: أحد الإخوة يقول بأن الشجرة التي أكل منها آدم هي شجرة القمح ويقول إنني وجدت ذلك في كتاب اسمه بدائع الزهور في وقائع الدهور يقولون بأن الشجرة هي الحنطة فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الشجرة غير معلومة لنا بعينها وذلك لأن الله تعالى أبهمها في كتابه وما أبهمه الله في كتابه فإنه لا يجوز لنا أن نعينه إلا بدليل عن معصوم عن النبي ﷺ وما عدا ذلك فإنه لاعبرة به والأخبار الإسرائيلية اختلفت في تعيين هذه الشجرة ولو كان لنا فائدة من تعيينها لعينها الله ﷾ لنا لكن الفائدة كل الفائدة في القصة والقضية وليس في نوع الشجرة هل هي حنطة أو غير حنطة. ***
محمد الطيب سوداني يقول أرجو تفسير هذه الآية الكريمة (وَلا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن من الناس الذين أعطاهم الله العلم بآياته من يشتري ثمنًا قليلًا بهذه الآيات أي يحابوا الناس في دين الله من أجل الدنيا أو يحافظ على البقاء أو يحافظ على بقاء جاهه ورئاسته من أجل الدنيا ويدع دين الله فمثلًا يكون هناك عالم يعلم أن هذا الشيء حرام لكن لا يقول إنه حرام يخشى أن العامة تنصرف عنه وتقول إنه متشدد أو يخشى أن السلطان ينقصه من راتبه أو ينحيه عن منصبه حيث قال إن هذا حرام فيذهب ويقول إنه حلال ليشتري به ثمنًا قليلًا وهو الجاه عند العامة أو البقاء في المنصب عند السلطان المهم أن الآية معناها العام أن من الناس من يدع دين الله لشيء من أمور الدنيا. ***
مامعنى قوله تعالى (وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ) لماذا قدم الصبر على الصلاة مع أن الصلاة هي عماد الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قدم الله ﵎ الصبر على الصلاة لأن الصبر أوسع فالصلاة عبادة معينة لكن الصبر أوسع ومن الصبر الصلاة لأن الصلاة طاعة لله ﷿ وقد ذكر العلماء ﵏ أن الصبر ثلاثة أنواع صبر على طاعة الله وهو حمل النفس على الطاعة وصبر عن معصية الله وهو كف النفس عن المعصية وصبر على أقدار الله المؤلمة وهو كف النفس عن التسخط من قضاء الله وقدره فيكون هذا من باب عطف الخاص على العام لأن الصلاة صبر فالإنسان يصبر نفسه عليها ويحملها على أن تقوم بها أي بالصلاة. ***
مامعنى قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يقول الله ﷿ منبهًا على هذا الوعد الذي وعده موسى ﵊ وكان الله تعالى قد واعد موسى لكلامه ثلاثين ليلة ثم أتمها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة وكلمه الله ﷿ بعد ذلك وخاطبه بما أراد وفي غيابه هذه المدة ابتلي قومه باتخاذ العجل إلهًا ولهذا قال (وَإِذْ وَاعَدْنَا مُوسَى أَرْبَعِينَ لَيْلَةً ثُمَّ اتَّخَذْتُمْ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَنْتُمْ ظَالِمُونَ) فصنعوا من حُلي آل فرعون تمثالًا على شكل العجل وقال السامري لبني إسرائيل (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى) فأضلهم بعد أن نصحهم هارون ﵊ ولكنهم (قَالُوا لَنْ نَبْرَحَ عَلَيْهِ عَاكِفِينَ حَتَّى يَرْجِعَ إِلَيْنَا مُوسَى) والقصة مبسوطة في سورة طه. ***
من السودان حسن علي يسأل عن معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية فيها الوعيد على قوم من أهل الكتاب حرفوا الكتاب فزادوا فيه ونقصوا وكان مما يزيدون فيه أنهم يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله هذا كتاب الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا من الجاه والرئاسة وغير ذلك من عوارض الدنيا يقول الله ﷿ فويل لهم مما كتبت أيديهم من هذه الفعلة المحرمة وويل لهم مما يكسبون من هذا الكسب المبني على محرم فصاروا آثمين من ناحيتين من ناحية الفعل ومن ناحية ما نتج عنه من المكاسب الخبيثة وفي هذا تحذير لهذه الأمة أن تصنع مثل ما صنع هؤلاء ومن المعلوم أنه لن يستطيع أحد أن يصنع مثل هذا في كتاب الله لأن الله تعالى قال (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) لكن من الناس من يصنع مثل هذا في معاني كلام الله فيكتب في تفسير الآية ما ليس تفسيرًا لها لينال بذلك عرضًا من الدنيا فليبشر مثل هذا بهذا الوعيد التي توعد الله به من سبقنا: (فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنًا قليلًا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم ما يكسبون) . ***
يقول الله تعالى في سورة البقرة (فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ) ما معنى هذه الآية وهل يدخل فيها من يكتبون الحجب من القرآن مقابل أجر نقدي يتقاضونه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ توعد أولئك الذين يفترون عليه كذبًا فيكتبون بأيديهم كلامًا ثم يقولون للناس هذا من عند الله من أجل أن ينالوا به حظًا من الدنيا إما جاهًا أو رئاسة أو مالًا أو غير ذلك ثم بين الله تعالى أن هذا الوعيد على الفعلين جميعًا على كتابتهم الباطلة وعلى كسبهم المحرم الناشيء عن هذه الكتابة الباطلة أما الذين يكتبون الحجب وهو ما يعلق على المريض لشفائه من المرض أو على الصحيح لوقايته من المرض فإنه ينظر هل تعليق هذه الحجب جائز أم لا إذا كانت هذه الحجب لا يعلم ما كتب فيها أو كتب فيها أشياء محرمة كأسماء الشياطين والجن وما أشبه ذلك فإن تعليقها لا يحل بكل حال وأما إذا كانت هذه الحجب مكتوبة من القرآن والأحاديث النبوية ففي حلها قولان لأهل العلم والراجح أنه لا يحل تعليقها وذلك لأن التعبد لله ﷾ بما لم يشرعه الله بدعة ولأن اعتقاد شيء من الأشياء سببًا لم يجعله الله سببًا نوع من الشرك وعلى هذا فالقول الراجح أنه لا يجوز أن يعلق على المريض شيء لا من القرآن ولا من غيره ولا أن يعلق على الصحيح شيء لا من القرآن ولا من غيره وكذلك لو كتبت هذه الحجب ووضعت تحت وسادة مريض ونحو ذلك فإنه لا يجوز. ***
لماذا ذكر المفسرون مثل الإمام ابن كثير أن جميع آيات العذاب الواردة في القرآن الكريم موجهة إلى الكفار خاصةً علمًا بأن بعض المسلمين قد يأتي ببعض الذنوب التي توجب الدخول في سياق هذه الآيات وعلمًا بأن بعض الآيات لم يرد فيها تحديد الكافر من المسلم العاصي ومع ذلك فقد نسبها المفسرون إلى الكفار خاصةً مثل قوله تعالى في سورة البقرة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول هذا السائل إن المفسرين حملوا آيات الوعيد الواردة في القرآن على الكفار ليس بصحيح وما علمت أحدًا قال ذلك لا ابن كثيرٍ ولا غيره ولا يمكن لأحدٍ أن يقول هذا لأن آيات الوعيد في القرآن منها ما يكون للكافرين ومنها ما يكون لغير الكافرين فمثلًا قوله تعالى (وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا) هذه لا تختص بالكافرين حتى من كان مؤمنًا فإنه يلحقه هذا الوعيد ولكن كل ما ورد من الوعيد على فعل المعاصي التي هي دون الكفر فإنها داخلة تحت عموم قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) فتكون عقوبة هذا العاصي داخلةً تحت مشيئة الله ﷿ قد يغفر الله له يوم القيامة بمنِّه وكرمه وقد يغفر له بواسطة الشفاعة أو بغير ذلك من الأسباب والمهم أن آيات الوعيد وكذلك أحاديث الوعيد لا تختص بالكافر بل قد تكون للمؤمن أيضًا ولكن المؤمن يكون بالنسبة إلى هذا الوعيد داخلًا تحت مشيئة الله ﷿ إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. ***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول في رسالته ما الحكمة بأن الله ﷾ لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله ﷾ حاكم على عباده شرعًا وقدرًا وهو ﷾ ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله ﷾ أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلمه ومن الحكم ما لا نعلم منه شيئًا لأن الله تعالى يقول وما أوتيتم من العلم إلا قليلا وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلِّم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) ولما سئلت عائشة ﵂ عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت (كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله ﷿ والرضا بأحكامه نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله ﷾ لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) هذا إبطال لهذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله ﷿ وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد ﷺ لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله ﷾ ويكون في ذلك إرشاد للنبي ﷺ أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضًا لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلًا من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله ﷿ إيمانًا صادقًا فزادهم الله تعالى هدى لأن الله ﷿ إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علمًاَ وتوفيقًا وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا والله ﷿ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله ﷿ تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر كذلك لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة. هؤلاء القوم في قصصهم أو في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله ﷿ من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل ﷾ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله ﷿ بكون من اطلع عليهم يولي فرارًا ويملأ منهم رعبًا والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله ﷿ فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله ﷿ والقيام بطاعته وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضًا عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرَّم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله ﷿ حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعًا على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرَّم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكًا في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذا الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيها أيضًاَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ *وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ * فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية إلى ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرَّم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا لم تعظون قومًا الله مهلكهم أو معذبهم عذابًا شديدًا وقد بين الله ﷾ أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلًا إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن المنكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضًا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله ﷿. ***
سوداني ومقيم بالرياض يقول ما صحة قصة الملكين هاروت وماروت بعد ما كلفهما الله ﷿ بأمره ونهاهما عما نهاهما عنه ما الإثم الذي ارتكباه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن هذه قصة مفتعلة مأخوذة عن بني إسرائيل وما أكثر أخبار بني إسرائيل التي لا أساس لها من الصحة وإني أنصح أخي السائل وغيره أن يقتصروا في القصص على ما جاء في القرآن والسنة فقط والسنة الصحيحة أيضا وذلك لقول الله ﵎ (أَلَمْ يَأْتِهِمْ نَبَأُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ قَوْمِ نُوحٍ وَعَادٍ وَثَمُودَ والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله) فإذا كان لا يعلمهم إلا الله فإن الواجب أن نتلقى أخبارهم من الله ﷾ من القرآن أومن السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وربما كان في هذه القصص ما يقدح في التوحيد من حيث لا يعلم الإنسان وأضرب للسائل مثلا في قصة داود ﵊ في قول الله ﵎ (وَهَلْ أَتَاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ (٢١) إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُدَ فَفَزِعَ مِنْهُمْ قَالُوا لا تَخَفْ خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَلا تُشْطِطْ وَاهْدِنَا إِلَى سَوَاءِ الصِّرَاطِ (٢٢) إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ (٢٣) قَالَ لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنْ الْخُلَطَاءِ لَيَبْغِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَقَلِيلٌ مَا هُمْ وَظَنَّ دَاوُودُ أَنَّمَا فَتَنَّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَخَرَّ رَاكِعًا وَأَنَابَ (٢٤) فَغَفَرْنَا لَهُ ذَلِكَ) يزعم بعض القصاص أن داود ﵊ أعجبته امرأة رجل عنده وكان داود ﵊ عنده تسع وتسعون امرأة فأعجبته هذه المرأة وهي مع زوج ففكر ماذا يصنع للوصول إليها فأمر هذا الرجل أن يذهب للغزو في سبيل الله لعله يقتل فيتزوجها داود من بعده وهذا من أعظم المنكرات هذا لا يليق برجل عاقل فضلا عن مؤمن فضلا عن نبي من الأنبياء فهي قصة مكذوبة تخدش بالعقيدة داود ﵊ مبرأ من هذا الخلق الذميم والقصة على ظاهرها خصمان اختصما عند داود ﵊ وكان داود قد انفرد يعبد الله ﵎ في محرابه وأغلق عليه الباب اجتهادا منه وكان داود ﵊ هو الذي يحكم بين الناس والحاكم بين الناس يجب أن يفتح لهم الباب وأن يفسح لهم المجال حتى يختصموا ويحكم بينهم ففتنه الله ﷿ وذلك بأن اختبره ﷾ لما انفرد في محرابه وأغلق الباب بعث الله إليه هذين الخصمين فتسوروا المحراب يعني أنهم قفزوا من فوق الجدار ففزع منهم كيف يدخلون عليه والباب مغلق فقالوا لا تخف خصمان بغى بعضنا على بعض وذكر الباغي فقال (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً) والنعجة هنا ليست المرأة كما قيل بل هي الشاة (وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ فَقَالَ أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ) أي هبها لي لأجل أن أكمل مائة فيبقى هو عنده مائة نعجة وهذا ليس عنده شيء يقول عزني في الخطاب يعني غلبني كأنه فصيح ذو بيان شديد فقال داود ﵊ لقد ظلمك بسؤال نعجتك إلى نعاجه فهنا القصة تجد فيها أولا أن داود ﵊ انفرد في محرابه في عبادته الخاصة دون أن يفتح بابه للحكم بين الناس ثانيا أنه استمع إلى الخصم دون أن يأخذ حجة الخصم الآخر ثالثا أنه حكم بقول الخصم دون أن ينظر ما عند الخصم الآخر فلذلك علم داود أن الله تعالى اختبره وفتنه فخر راكعا وأناب وتاب إلى الله ﷿ من كونه انفرد في محرابه وأغلق الباب عليه وكونه أخذ بقول الخصم دون أن يسأل الخصم الآخر وكونه حكم له دون أن ينظر ما عند الآخر من مدافعة هذه هي القصة وهي واضحة في القرآن ولا حاجة أن نصطنع قصصًا مكذوبة وفيها خدش للأنبياء عليهم الصلاة والسلام وأمثال هذا كثير لذلك أنصح إخواننا الذين يقرؤون في كتب التفسير المشحونة بهذه الإسرائيليات أنصحهم من أن يتمادوا في هذا وأقول لهم اتركوا هذه التفاسير وإن كان فيها خير كثير لكن هذا الشر الذي لا يعلم عنه إلا العلماء قد يغتر به بعض العامة الذين يطالعون هذه الكتب. ***
السائل سليم بن عبد الله من اليمن يقول ما تفسير الآية الكريمة في قوله تعالى (مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله ﷾ بين أنه لا ينسخ حكما من أحكام الشريعة إلا أتى بخير منه للعبد أو مثله. ***
قال الله تعالى (وَالَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلَّهِ) ما هي المحبة المقصودة في الآية هل هي فعل ما أمر الله به وترك ما نهى عنه فأجاب رحمه الله تعالى: المحبة في القلب وكل أحد يعرف المحبة والبغض والكراهة لكن من آثار محبة الله أن يقوم الإنسان بطاعة الله ﷿ طلبًا للوصول إليه ﵎ فالذين آمنوا أشد حبًا لله من هؤلاء الكفار لأصنامهم لأنهم يعبدون الله على بصيرة أو أنه أشد حبًا لله من هؤلاء لله إن كان في قلوب هؤلاء العابدين للأصنام محبة لله ﷿. ***
يقول السائل ما تفسير الآية الكريمة (تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا كَسَبَتْ وَلَكُمْ مَا كَسَبْتُمْ وَلا تُسْأَلُونَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأمة التي أشار الله إليها هي الأمم التي بعث إليهم إبراهيم وإسحاق ويعقوب والرسل السابقون فإن هؤلاء لهم دينهم وانتهوا وخلوا ولكم أنتم أيها المخاطبون في عهد النبي صلى الله عليه واله وسلم ما كسبتم فأنقذوا أنفسكم ولا تقولوا نحن أبناء هذه الأمة أبناء الرسل وما أشبه ذلك فإن لهؤلاء ما كسبوا ولكم أنتم ما كسبتم ولا تسألون عما كانوا يعملون وقد قالت اليهود إن إبراهيم كان يهوديا وقالت النصارى ان إبراهيم كان نصرانيا وصاروا يحاجون المسلمين ولكن إبراهيم كان حنيفا مسلما وما كان من المشركين ﵊. ***
الطيب محمد من السودان يقول ما معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) إلى آخر الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) هو أن اليهود لما توجه النبي ﷺ إلى الكعبة بدلًا من بيت المقدس وكان الرسول ﷺ أول ما قدم المدينة يصلى إلى بيت المقدس ستة عشر شهرًا أو سبعة عشر شهرًا وكان يحب ﷺ أن يؤمر بالتوجه إلى الكعبة فيقلب وجهه في السماء ترقبًا لنزول جبريل بذلك فأنزل الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) إلى آخر ما ذكره الله ﷾ في هذا الموضوع فتوجه النبي ﷺ إلى الكعبة فكان اليهود ينتقدون ذلك وهو أنه اتجه أولًا إلى بيت المقدس ثم إتجه ثانيًا إلى الكعبة فبين الله تعالى أن الاتجاه إلى المغرب أو إلى المشرق ليس هو البر ولكن البر طاعة الله ﷾ والإيمان به (وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ) إلى آخر الآية والمعنى ولكن البر هو بالإيمان بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين الإيمان الذي يستلزم امتثال أمر الله تعالى واجتناب نهيه فهذه هي حقيقة البر. ***
يقول السائل كيف نوفق بين قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) والآية الأخرى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) وهل الرواية التي عن ابن عباس ﵁ في قراءة وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين واردة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نوفق بين الآيتين اللتين أشار إليهما السائل وهي قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ) وبين قوله تعالى (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ) بأن الآية الأولى منسوخة بالآية الثانية كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن سلمة بن الأكوع أن الصيام أول ما فرض كان الإنسان مخيرًا بين أن يصوم ويفدي ثم أنزل الله تعالى الصيام عينًا وبقي الفداء لمن لا يستطيع الصيام على وجه مستمر فإن العاجز عن الصيام عجزًا مستمرًا كالكبير والمريض الذي لا يرجى برؤه يكون عليه بدلًا عن الصوم فدية طعام مسكين وأما ما أشار إليه السائل من قراءة ابن عباس ﵄ وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين فهذه لا أعلمها عن ابن عباس ولكنه قول لبعض المتأخرين وتفسير الآية به تفسير ضعيف جدًا لأنه يقتضي تفسير الشيء المثبت بشيء منفي وهذا ضد التفسير تمامًا وإنما جاء عن ابن عباس في الآية الكريمة وعلى الذين يُطَوَّقُونه فدية طعام مسكين أي يبلغون طاقتهم فيشق عليهم ولكن الصحيح في الآية ما أشرنا إليه أولًا لصحة الحديث به وهو أنه كان الصوم حين فرض أولًاَ يخير فيه الإنسان بين أن يفدي وأن يصوم ويدل لذلك قوله تعالى (فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ) وهذا دليل على أن الآية نزلت فيمن يستطيع الصوم فيخير بين أن يصوم ويفدي ثم تعين الصيام بعد ذلك خلاصة لما سبق يكون في الآية الكريمة ثلاثة أوجه الوجه الأول أنها فيمن يطيقون الصوم فلهم أن يصوموا ويفدوا ولكن الصوم خير لهم وهذا القول وهذا الوجه هو الصواب لدلالة الحديث الصحيح عليه والوجه الثاني أن معنى الآية وعلى الذين يطوِّقونه أي يبلغوا طاقتهم ويشق عليهم وهذا الوجه مروي عن عبد الله بن عباس ﵄ والوجه الثالث أن معنى الآية وعلى الذين لا يطيقونه فدية طعام مسكين وهذا الوجه قاله بعض المتأخرين وهو وجه ضعيف لا يتناسب وتفسير القرآن والوجه الأول هو الصحيح لثبوت الحديث به. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتَانُونَ أَنفُسَكُمْ فَتَابَ عَلَيْكُمْ وَعَفَا عَنْكُمْ فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أفيدونا بذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يتبين معناها بمعرفة مانزلت فيه وذلك أنهم كانوا أول ما فرض الصيام إذا نام الإنسان منهم أو صلى صلاة العشاء حرم عليه الأكل والشرب والجماع حتى تغرب الشمس من اليوم التالي ثم منّ الله تعالى على عباده فأحل لهم الأكل والشرب والجماع حتى يتبين الفجر فقال جل ذكره (أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيَامِ الرَّفَثُ إِلَى نِسَائِكُمْ) إي الإفضاء إليهنّ وهذا يعني الجماع ثم بين الله ﷾ أن المرأة لباس لزوجها وأن زوجها لباس لها لأن كل واحد منهما يحصل به تحصين فرج صاحبه وحمايته وحفظه (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ) أي باشروا نساءكم بالجماع (وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لكم) من الولد الصالح والعمل الصالح في هذه الليلة التي أبيح لكم فيها الجماع بحيث لا يلهيكم الجماع عن طاعة الله ﷿ ولا تريدوا بالجماع مجرد التلذذ والشهوة أو مجرد التلذذ وإدراك الشهوة فباشروهنّ بالجماع مبتغين ما كتب الله لكم من الأعمال الصالحة والولد الصالح (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ) أي حتى يظهر لكم بياض النهار من سواد الليل (ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ) أي إلى غروب الشمس لقول النبي ﷺ (إذا أقبل الليل من هاهنا -يعني المشرق- وأدبر النهار من هاهنا -يعني المغرب- وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) ثم لما كان إحلال المرأة ليلة الصيام عامًا شاملًاَ استثنى الله تعالى أو خص الله ﷾ زمن الاعتكاف فإنه لا يحل للزوج أن يباشر زوجته وهو معتكف فقال (وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ) والاعتكاف هو التعبد لله ﷾ بلزوم المساجد للتفرغ لطاعته وقد (كان النبي ﷺ يعتكف العشر الأواخر من رمضان حتى توفاه الله واعتكف أزواجه من بعده) ثم بين الله ﷾ أن هذه الأحكام المشتملة على المنهيات وعلى الأوامر بأنها حدود الله ونهى عن قربانها والنهي عن القربان يختص بالحدود المحرمة والنهي عن الاعتداء يختص بالحدود الواجبة فإذا قال الله ﷾ تلك حدود الله فلا تعتدوها أي لا تتجاوزوها فالمراد بها الواجبات وإذا قال تلك حدود الله فلا تقربوها فالمراد بها المحرمات وهنا يقول ﷿ (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ فَلا تَقْرَبُوهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ) أي مثل هذا البيان يبين الله ﷾ آياته الشرعية للناس حتى يعلموها وتقوم عليهم الحجة بها وفي آخر الآية دليل على أن الله ﷿ قد بين لعباده كل ما يحتاجون إليه في أمور الشريعة إما في كتاب الله وإما في سنة رسوله الله ﷺ لكن هذا البيان قد يخفى على بعض الناس إما لقصوره وإما لتقصيره وإلا فإن القرآن كما وصفه الله ﷿ بقوله (وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ) فهذا هو معنى الآية الكريمة. ***
فائز فرج عبد الرزاق كلية الهندسة بغداد يسأل عن قوله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى أباح لنا أن نأكل ونشرب كل الليل حتى يتبين لنا الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر والخيط الأبيض هو بياض النهار والخيط الأسود هو سواد الليل أي إن الله ﷿ أباح لنا أن نأكل ونشرب حتى نرى الفجر بأعيننا فإذا رأيناه متبينًا ظاهرًا وجب علينا الإمساك حينئذ من ذلك الوقت إلى الليل وقد بين النبي ﷺ الغاية في قوله (إذا أقبل الليل من هاهنا وأدبر النهار من هاهنا وغربت الشمس فقد أفطر الصائم) هذا هو معنى الآية الكريمة وقد ثبت في الحديث الصحيح حديث عدي بن حاتم ﵁ أنه فهم الآية على أن المراد بالخيط الأبيض الحبل الأبيض وبالخيط الأسود الحبل الأسود فجعل ﵁ عقالين تحت وسادته وجعل يأكل ويشرب فلما تبين له العقال الأبيض من العقال الأسود أمسك فلما أصبح غدا إلى رسول الله ﷺ فأخبره فقال له النبي ﷺ (إنما ذلك بياض النهار وسواد الليل) . ***
عبد الباسط سالم من ليبيا قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) ما تفسير هذه الآية الكريمة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ) خطاب من الله ﷾ لرسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجيب الصحابة الذين سألوا النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن الحكمة في هذه الأهلة فبين الله ﷾ أنها مواقيت للناس ومواقيت للحج مواقيت للناس في معاملاتهم وعباداتهم وغير ذلك مما يحتاجون فيه إلى التوقيت وكلمة الناس عامة تشمل جميع بني آدم فتحديد الشهور الذي وضعه الله تعالى لعباده إنما هو بالأهلة لأن الله قال هي مواقيت للناس وعمم وقال ﷾ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقد اتفق العلماء على أن المراد بهذه الشهور هي الشهور الهلالية اعتمادا على ما جاءت به السنة المطهرة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهي مواقيت للناس في العبادات وفي المعاملات في العبادات شهر رمضان يصام إذا رئي هلاله ويفطر منه إذا رئي هلال شوال، وفي المعتدات المتوفى عنها زوجها تعتد أربعة أشهر وعشرة أيام بالأهلة، المطلقات اللاتي لا يحضن لصغر أو إياس يعتددن بثلاثة أشهر بالأهلة، الناس يؤجلون ديونهم وغير ديونهم بالأشهر بالأهلة وهكذا جميع ما يحتاج إلى تأجيل بالشهر يكون الاعتماد فيه على الأهلة وقوله تعالى (وَالْحَجِّ) يعني أن الحج مربوط بالهلال أيضا لأن ابتداء الحج يكون من اليوم الثامن من ذي الحجة وينتهي باليوم الثالث عشر منه وأشهر الحج شوال وذو القعدة وذو الحجة كما قال تعالى (الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ) وهذه الأشهر الهلالية منها أربعة حرم وهي رجب وذو القعدة وذو الحجة والمحرم فذو القعدة وذو الحجة والمحرم ثلاثة متوالية ورجب منفرد بين جمادى وشعبان والأهلة مقرونة بالقمر يبدو في الغرب صغيرا ثم لا يزال ينمو رويدا رويدا إلى أن يتكامل نموه في نصف الشهر ثم يعود إلى الاضمحلال حتى يتم ثم يعود مرة ثانية فيخرج من المغرب وخروجه من المغرب هو ابتداء الهلال هذا هو معنى الآية الكريمة. ***
أحمد محمد جمهورية مصر العربية يقول قال الله تعالى (ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) من هم حاضروا المسجد الحرام هل هم أهل مكة أم أهل الحرم أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو جزء من آية ذكرها الله ﷾ فيمن تمتع فقال (فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ذَلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ) هم أهل مكة ومن كان من الحرم دون مسافة القصر على اختلاف العلماء في تحديدها هؤلاء هم حاضرو المسجد الحرام فمن كان من حاضري المسجد الحرام فإنه وإن تمتع بالعمرة إلى الحج ليس عليه هدي مثل لو سافر الرجل من أهل مكة إلى المدينة مثلًا في أشهر الحج ثم رجع من المدينة فأحرم من ذي الحليفة بالعمرة مع أنه قد نوى أن يحج هذا العام فإنه لا هدي عليه هنا لأنه من حاضري المسجد الحرام ولو أن أحدًا فعله من غير حاضري المسجد الحرام لوجب عليه الهدي أو بدله إن لم يجده وأهل مكة يمكن أن يتمتعوا ويمكن أن يقرنوا ولكن لا هدي عليهم فمثال تمتعهم ما ذكرت آنفًا أن يكون أحدٌ من أهل مكة في المدينة فيدخل مكة في أشهر الحج محرمًا بعمرة ناويًا أن يحج من سنته ثم يحج فهذا تمتع بالعمرة إلى الحج لكن لا هدي عليه لأنه من حاضري المسجد الحرام ومثال القران أن يكون أحد من أهل مكة في المدينة ثم يحرم من ذي الحليفة في أيام الحج بعمرة وحج قارنًا بينهما فهذا قارن ولا هدي عليه أيضًا لأنه من حاضري المسجد الحرام. ***
ما معنى قوله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ (٢٠٠) وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ (٢٠١) أُوْلَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) يعني أنه كان أهل مكة لا يقفون بعرفة في الحج يقفون في مزدلفة ويقولون نحن أهل الحرم لا يمكن أن نقف إلا بالحرم فيقفون في مزدلفة فقال الله تعالى (ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ) أي من المكان الذي أفاض الناس منه وهو عرفة ولهذا قال جابر ﵁ وهو يصف حج النبي ﷺ أجاز رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا تشك قريشٌ إلا أنه واقفٌ عند المشعر الحرام كما كانت قريشٌ تفعل في الجاهلية ولكنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم تجاوزها ونزل بنمرة ثم لما زالت الشمس ذهب إلى عرفة ووقف هناك فأمر الله تعالى الناس جميعًا ومنهم قريش أن يفيضوا من حيث أفاض الناس (وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ) يعني اسألوا الله المغفرة والمغفرة هي ستر الذنب والعفو عنه (إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٩٩) فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا) وذلك لأن الإنسان إذا فرغ من العبادة ربما يلحقه كسل أو ملل فيغفل عن ذكر الله فأمر الله تعالى أن يذكر الإنسان ربه إذا قضى نسكه وهذا كقوله تعالى في سورة الجمعة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ (٩) فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فأمر بذكره لأن الإنسان مظنة الغفلة إذا خرج من الصلاة ثم سعى في التجارة فإنه مظنة الغفلة فلهذا قال (وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيرًا لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ثم قسم الله تعالى الناس إلى قسمين منهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا وليس له همٌ في الآخرة ومنهم من يقول ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار أولئك لهم نصيبٌ مما كسبوا والله سريع الحساب. ***
م. ع من الرياض يقول ما هي المنافع الواردة في هذه الآية الكريمة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المنافع للناس ما يحصل من الاتجار في الخمر ومن المكاسب بالميسر وما يحصل من النشوة والطرب في الخمر وما يحصل من الفرح والسرور في الكسب في الميسر وما يحصل كذلك من الحركة في العمال الذين يباشرون هذه الأعمال ولكن هذه المنافع وإن عظمت وكثرت فإن الإثم أعظم منها وأكبر كما قال الله تعالى (وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) وتأمل هذه الآية الكريمة حيث قال (قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ) فذكر المنافع بصيغة منتهى الجموع الدالة على الكثرة ومع ذلك فإن كثرتها ليست بشيء بالنسبة لما فيهما من الإثم الكبير وقد كان الخمر حلالا في أول الإسلام لقوله تعالى (وَمِنْ ثَمَرَاتِ النَّخِيلِ وَالأَعْنَابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَرًا وَرِزْقًا حَسَنًا) ثم أنزل الله آية البقرة (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا) ثم نزلت آية النساء (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ) فامتنع الناس عن الشرب وقت الصلاة وكان في هذا نوع فطام لهم ثم نزلت آية المائدة وهي آخر ما نزل بشأن الخمر والميسر فقال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) فانتهى الناس عن ذلك وصار تحريم الخمر بنص الكتاب والسنة وإجماع المسلمين ولهذا قال العلماء من استحل الخمر فهو كافر مرتد خارج عن الإسلام ومن شربها معتقدا تحريمها فهو آثم وعاص لله ولرسوله ويجب على ولي الأمر أن يقيم عليه العقوبة التي جاءت بها السنة وصحت عن الخلفاء الراشدين ﵃ وذهب بعض العلماء إلى أنه أي شارب الخمر إذا شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب ثم جلد ثم شرب الرابعة فإنه يقتل لحديث ورد في ذلك وقال شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ يقتل إذا لم ينته الناس بدون القتل يعني بمعنى أن الناس انهمكوا فيها حتى صار الإنسان منهم يجلد ثلاث مرات ولا يتوب ففي هذه الحال يقتل لأن مصلحة قتله خير من مصلحة بقائه لكن جمهور أهل العلم على أنه لا يقتل ولو جلد ثلاث مرات بدعوى أن الحديث الوارد في ذلك إما منسوخ أو ضعيف وعلى كل حال فإن الواجب على المسلم أن يكون مؤمنا بالله قائما بأمر الله مجتنبا لهذه القاذورات التي إن كان فيها نشوة ساعة من زمان ففيها مضرة أياما وشهورا والخمر مفتاح كل شر وأم الخبائث وكم من إنسان سكر فطلق زوجته وكم من إنسان سكر فزنى بمحارمه والعياذ بالله وكم من إنسان سكر وقتل نفسا وربما يقتل نفسه فالحاصل أن الواجب على المؤمن أن يتجنب مثل هذه القاذورات وأن يتقي الله ﷿ وأن يحمد الله الذي فضله على كثير ممن خلق تفضيلا. ***
يقول السائل المال الذي تريد الزوجة أن تفتدي به نفسها من زوجها هل يرجع أمر تحديده إلى الزوج برغبته وما معنى قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وهل لابد أن يكون مالًا أم لا يشترط ذلك بل بما يرضي الزوج أيًا كان ومن ذلك أن رجلًا اشترط على زوجته شرطًا هو أنها إذا طلبت الطلاق سيكون ثمن ذلك هو أن ما عندها وقت الطلاق من الأطفال يكونون معه بدون شرط ولا حساب وإلا فلن يطلقها حتى يبلغ الأطفال سبع سنين فهو يقول لأهلها سأقبل تسريحها إذا هي أرادت إذا كان ولدي المنفطم بيدي آخذه متى شيءت بلا شرط ففداؤها عدم حضانتها فهل يصح مثل هذا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة تسمى مسألة الخلع أو الطلاق على عوض كما هو عند أكثر أهل الفقه وإن كان بعض أهل العلم يقول إن الطلاق على عوض خلع ولو وقع بلفظ الطلاق وذلك أن المرأة إذا لم تستطع البقاء مع الزوج ولم يرغب أن يطلقها بدون عوض فلا جناح عليهما فيما افتدت به، واختلف أهل العلم هل يجوز أن يطلب منها في الخلع أكثر مما أعطاها أو لا يجوز فمنهم من قال إنه لا يجوز أن يأخذ أكثر مما أعطاها بل ليس له الحق إلا أن يأخذ ما أعطاها فقط وذلك لأن أخذه أكثر مما أعطاها فيه شيء من الظلم لها واستدلوا بأن هذا الرجل أخذ مقابل ما أعطاها بما استحل من فرجها فإذا أخذ منها أكثر كان ظلمًا وقال بعض أهل العلم إنه يجوز أن يخالعها بأكثر مما أعطاها لعموم قوله تعالى (فلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) وما اسم موصول فهو من صيغ العموم إلا أن القائلين بأنه لا يأخذ أكثر قالوا إن هذا الاستثناء عائد على ما سبق وهو قوله (وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا إِلاَّ أَنْ يَخَافَا أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاَّ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ) مما أعطاها ولاشك أن هذا القول أعنى أنه لا يأخذ أكثر مما أعطاها أبرأ لذمته وأسلم اللهم إلا أن يكون قد تزوجها في وقت المهور فيه رخيصة ولو اقتصر على ما أعطاها لم يجد به زوجة وهو لا يجد ما يكمل المهر فهنا قد نقول بأنه لا حرج عليه في طلب أكثر مما أعطاها أما ما ذكره السائل من كون العوض إسقاط حقها من حضانتها فظاهر الآية أنه يصح لعموم قوله (فيما افتدت به) ولكن المعروف عند أهل العلم أنه لا يصح إلا بالمال بما يصح مهرًا وإسقاط حقها من الحضانة ليس من هذا الباب وعلى هذا فنقول إذا أراد أن يخالعها فليجعل عوضًا ولو يسيرًا لو عشرة دراهم أوما أشبهها وحينئذ يتم الخلع وإذا أسقطت حقها من الحضانة فلا حرج في ذلك. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى) وما المقصود بالصلاة الوسطى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالصلاة الوسطى هنا صلاة العصر وقد ثبت تفسيرها عن النبي ﷺ حيث قال في غزوة الخندق (شغلونا يعني الأحزاب عن الصلاة الوسطى صلاة العصر) وإذا فسّر النبي ﵊ القرآن بشيء فإن تفسيره هو الواجب قبوله ولا قول لأحد بعد قول الرسول ﷺ والعلماء مختلفون في هذه المسألة ولكن الراجح هو ما ذكرنا لدلالة السنة عليه. ***
هذا السائل الذي رمز لاسمه بـ أ. أ. يقول في هذا السؤال أرجو توضيح كلمة القنوت بالتفصيل حتى نكون إن شاء الله من القانتين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القنوت لعله يريد قول الله ﵎ (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ وهو يطلق على معانٍ متعددة منها السكوت ولهذا قال راوي الحديث (فأمرنا بالسكوت ونهينا عن الكلام) ومعلوم أن المراد بالسكوت أي بالسكوت عن كلام الناس لا بالسكوت عن كل شيء لأن الصلاة كلها أقوال وأفعال لا بد منها فالقنوت يطلق على ترك ما ينافي الصلاة ويطلق أيضا على إطالة القيام والقراءة ويطلق أيضا على كمال الخشوع لله ﷿ ويطلق على الدعاء كما قنت النبي صلى الله وعليه وسلم للمستضعفين وقنت يدعو على أقوام آخرين. ***
يقول ما فضل آية الكرسي وفيم تذكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: آية الكرسي ثبت عن النبي ﷺ أنها أعظم آية في كتاب الله وأن من قرأها في ليلة لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح وهذا فضل عظيم وحماية عظيمة من الله ﷾ لمن قرأها ويستحب أيضًا أن تقرأ في أدبار الصلوات المكتوبة هذا ما أعرفه حول هذا الموضوع. فضيلة الشيخ: لكن هل هناك أشياء تذكر فيها مثلًا إنسان سيدعو على إنسان آخر أو سيطلب منه شيئًا هل يقرأ هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ما يقرؤها يعني يجعلها مقدمة لحاجته، لا ليس بمشروع. ***
في الآية الكريمة في سورة فاطر (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) وتفسير الآية في سورة البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) هل تأتي التقوى قبل العلم أم العلم قبل التقوى وكيف تكون التقوى بدون علم بناء على ما جاء في تفسير الآية الكريمة (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أي خافوه وراقبوه واتبعوا أمره واتركوا زجره جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) والخشية قوة الخوف من الله ﵎ لكمال عظمته وسلطانه وهذا لا يتأتى إلا من شخص عالم بالله وأسمائه وصفاته ولهذا قال (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) أي ما يخشاه الخشية التامة إلا العلماء والمراد العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه وليس العلماء بطبقات الأرض وأجواء السماء وعلم الفيزياء وما أشبه ذلك فإن هؤلاء علومهم لا تؤثر عليهم بالنسبة لخشية الله ولهذا نجد من هؤلاء العلماء الكبار الذين هم رؤوس في الكفر والعياذ بالله لكن المراد بالعلماء هنا العلماء بالله وأسمائه وصفاته وأحكامه فهم الذين يخشون الله تعالى حق خشيته والخشية مبنية على العلم فكلما كان الإنسان أعلم بالله كان أشد خشية لله وأعظم محبة له ﵎. وأما قوله تعالى (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فإن كثير من الناس يظنون أن قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) مبني على قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) وليس كذلك بل الأمر بتقوى الله أمر مستقل ولا يمكن تقوى الله إلا بالعلم بالله وقد ترجم البخاري ﵀ على هذا المعنى في قوله في صحيحه باب العلم قبل القول والعمل ثم استدل لذلك بقول الله تعالى (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ) وعلى هذا فلا تعارض بين الآيتين لأن قوله (وَاتَّقُوا اللَّهَ) أمر مستقل بالتقوى ولا يمكن أن يتقي الإنسان ربه إلا إذا علم ما يتقيه أما قوله (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فهي جملة مستأنفة تفيد أن العلم الذي نناله إنما هو من عند الله وحده فلا علم لنا إلا ما علمنا الله ﵎ وتعليم الله إيانا نوعان غريزي وكسبي. فالغريزي هو ما يؤتيه الله تعالى للعبد من العلم الذي لا يحتاج إلى تعلم أرأيت الصبي تلده أمه ويهتدي كيف يتناول ثديها ليرضع منه بدون أن يعلمه أحد وكذلك البهائم تعلم ما ينفعها مما يضرها دون أن يسبق لها تعليم من أحد وأما التعليم الكسبي فهو ما يورثه الله العبد بتعلمه بالعلم وتعاطي أسبابه حيث يتعلم على المشايخ ومن بطون الكتب ومن أصوات أشرطة التسجيل وغير ذلك ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح ما هي؟ مع أنها مادة الحياة ولا حياة للبدن إلا بها أمر الله نبيه أن يقول (الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) وهذا يتضمن توبيخهم عن السؤال عن الروح كأنه قال الروح من أمر الله وما بقي عليكم أن تسألوا عن شيء إلا عن الروح ما بقي عليكم من العلوم أن تدركوه إلا علم الروح ولهذا قال (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) والحاصل أن قوله (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) تفيد أنه من كان بالله أعلم كان له أخشى وأما آية البقرة (وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) فليس فيها أن التقوى مقدمة على العلم لأنه لا يمكن تقوى إلا بعلم ما يتقى وأن الجملة (وَيُعَلِّمُكُمْ اللَّهُ) ليس لها ارتباط بما قبلها. ***
يقول السائل ما تفسير قول الله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَو تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية حينما نزلت على الصحابة ﵃ شق عليهم ذلك وجاؤوا إلى النبي ﷺ جاثين على ركبهم يرجون التخفيف فقال النبي ﷺ (قولوا سمعنا وأطعنا) فقالوا (سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا) فخفف الله عنهم وأنزل قوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا رَبَّنَا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إِصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا أَنْتَ مَوْلانَا فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) فرفع الله عنهم التكليف إلا فيما كان تحت طاقتهم ولهذا قال النبي ﵊ (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) فحديث النفس مهما بلغ من الفحش والقبح لا يضر ما دام الإنسان كارها له غير راكن إليه فإنه لا يضره لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) . ***
يقول السائل كيف نجمع بين قوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) وبين معنى الحديث الشريف الذي هو (إن الله تجاوز عن أمة محمدٍ ﷺ ما حدثت به أنفسها ما لم تفعله أو تتكلم به) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين هذه الآية وبين الحديث الذي أشرت إليه هو في قوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) فما كان بوسع الإنسان فإنه مؤاخذٌ به وما كان ليس بوسعه فهو غير مؤاخذ به فقوله تعالى (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) جاءت الآية بعده (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ) فالخواطر التي ترد على المرء ولا يركن إليها ولا يطمئن لها وإنما هو حديث نفسٍ عابر لا يركن إليه ولا يأخذ به هذا لا يؤاخذ به لأنه فوق طاقة المرء أما إذا كانت الهواجس التي ترد على القلب يطمئن إليها الإنسان ويأخذ بها فإنه عمل يؤاخذ به العبد ولهذا قال النبي ﵊ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) وأخبر ﵊ عن الرجل يقاتل أخاه المسلم فقال ﵊ (إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار قالوا يا رسول الله هذا القاتل فما بال المقتول قال لأنه كان حريصًا على قتل صاحبه) فالمهم أن ما يرد على القلب إذا اطمأن إليه الإنسان وأخذ به واعتبره فإنه يؤاخذ عليه أما الهواجس التي تطرأ ويحدِّث الإنسان نفسه فيها ولكنه لا يركن إليها فلا يؤاخذ بها مثل لو كان يحدث الإنسان نفسه هل يطلق زوجته أو لا نقول إن الزوجة لا تطلق حتى لو نوى أن يطلقها فإنها لا تطلق لأن الطلاق لا يكون إلا بالقول أو بما يدل عليه من الفعل كالكتابة ولا يؤاخذ بهذا وكذلك لو نوى أن يتصدق بهذه الدراهم وعزم ولكنه ما دفعها إلى الآن فإنه لا يلزمه التصدق بها سواءٌ نواها لشخصٍ معين أو نواها صدقةً ولم يعين من يتصدق بها عليه فإنه لا تلزمه الصدقة. ***
يقول السائل ماهي فوائد قراءة آية الكرسي وآخر آية في سورة البقرة عند الخروج من البيت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس في هذا سنة حتى نقول ما هي الفوائد فلا يسن للإنسان إذا خرج من بيته أن يقرأ آية الكرسي أو الآيتين اللتين في آخر سورة البقرة. ***
سورة آل عمران
يقول السائل ماتفسير الآية الكريمة (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) مع التمثيل لكلٍ من الآيات المحكمات والمتشابهات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) قسم الله ﵎ القرآن الكريم إلى قسمين محكم ومتشابه والمراد بالمحكم هنا الواضح البين الذي لا يخفى على أحدٍ معناه مثل السماء والأرض والنجوم والجبال والشجر والدواب وما أشبهها هذا محكم لأنه لا اشتباه في معناه وأما المتشابهات فهي الآيات التي يشتبه معناها ويخفى على أكثر الناس ولا يعرفها إلا الراسخون في العلم مثل بعض الآيات المجملة التي ليس فيها تفصيل فتفصلها السنة مثل قوله تعالى (وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ) فإن إقامة الصلاة غير معلومة والمعلوم من هذه الآية وجوب إقامة الصلاة فقط لكن كيف الإقامة هذا يعرف من دليل آخر والحكمة من أن القرآن نزل على هذين الوجهين الابتلاء والامتحان لأن من في قلبه زيغ يتبع المتشابه فيبقى في حيرةٍ من أمره وأما الراسخون في العلم فإنهم يؤمنون به كله متشابهه ومحكمه ويعلمون أنه من عند الله وأنه لا تناقض فيه ومن أمثلة المتشابه قول الله ﵎ (ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلاَّ أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) مع قوله (يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَعَصَوْا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوَّى بِهِمْ الأَرْضُ وَلا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) فيأتي الإنسان ويقول هذا متناقض كيف يقولون (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ) ثم يقال عنهم إنهم (لا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا) فيضرب الآيات بعضها ببعض ليوقع الناس في حيرة لكن الراسخين في العلم يقولون كله من عند الله ولا تناقض في كلام الله ويقولون إن يوم القيامة يومٌ مقداره خمسون ألف سنة فتتغير الأحوال وتتبدل فتنزل هذه على حال وهذه على حال. ***
المستمعة رمزت لاسمها ف. ق. ط. من مدينة جدة المملكة العربية السعودية تقول في رسالتها ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ) أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية في سورة آل عمران وقد بين الله ﷾ أنه أنزل الكتاب على نبيه ﷺ وجعله على نوعين فقال تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) فجعله ﷾ على قسمين أو على نوعين نوع محكم واضح المعنى لا اختلاف فيه ولا احتمال وهذا هو (أُمُّ الْكِتَابِ) أي مرجع الكتاب الذي يرجع إليه بحيث يحمل المتشابه على المحكم ليكون جميعه محكمًا، (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) وإنما أنزله الله تعالى كذلك امتحانًا للعباد حيث يعلم ﷾ من يريد الفتنة وصد الناس عن دينهم والتشكيك في كتاب الله ومن كان مؤمنًا خالصًا يعلم أن القرآن كله من الله وأنه لا تناقض فيه ولا اختلاف يقول الله تعالى (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) أي متشابهات في المعنى ليست صريحة واضحة بل تحتاج إلى تأمل ونظر وحمل لها على ما كان واضحًا بينًاَ (فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ) أي ميل عن الحق واتباع للهوى (فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ) أي يتابعونه ويتتبعونه حتى يجعلوا ذلك وسيلة إلى الطعن في كتاب الله ﷿ ولهذا قال (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) (ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ) يعني صد الناس عن دينهم كما قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) يعني إن الذين صدوا المؤمنين عن دينهم وفتنوهم (وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ) أي طلب تحريف القرآن وتغييره عن مكانه وعن ما أراد الله به يقول الله ﷿ (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) والتأويل هنا اختلف فيه أهل العلم بناء على اختلاف الطريقتين وصلًا ووقفا فإن في الآية طريقتين طريقة الوصل (وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) فيكون المراد بالتأويل هنا التفسير ولهذا روي عن ابن عباس ﵄ أنه (قال أنا من الراسخين في العلم الذين يعلمون تأويله) أي يعلمون تفسيره وكان ابن عباس ﵄ من أعلم الناس بتفسير كلام الله أما الطريقة الثانية فهي طريقة الوقف على قوله (إِلاَّ اللَّهُ) وعلى هذا فيكون المراد بالتأويل العاقبة التي يؤول إليها ما أخبر الله به عن نفسه وعن اليوم الآخر فإن حقائق هذه الأمور لا يعلمها إلا الله ﷾ وعليه فيكون الوقف على قوله (إِلاَّ اللَّهُ) وهذا هو ما ذهب إليه أكثر السلف في القراءة ويكون معنى قوله (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ) أن الراسخين في العلم يؤمنون بالمحكم والمتشابه ويقولون إنه (كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) وإذا كان كلٌ من عند الله فإنه لا يمكن أن يكون فيه تناقض أو تعارض لقول الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) ثم ختم الله الآية بقوله (وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) أي ما يتذكر ويتعظ بآيات الله إلا من كان ذا عقل يحجزه عن المحرمات وإتباع الشبهات والشهوات. ***
يقول السائل قال الله ﵎ (زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنْ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ) الآية وفي آيةٍ أخرى قال تعالى (الْمَالُ وَالْبَنُونَ زِينَةُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهل المقصود بالبنبين في الآية الأولى والبنون في الآية الثانية الأولاد عامة أم الذكور خاصة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بـ (وَالْبَنُونَ) في هاتين الآيتين وفي غيرهما أيضًا من كلام العرب عامة المراد بهم الذكور فقط لأنه يقال بنون ويقال بنات فالبنات هم نوع من البشر والبنون هم النوع الآخر من البشر فهما نوعان من البشر قال الله تعالى (أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ) ومن المعلوم أن تعلق الإنسان بالبنين أكثر من تعلقه بالبنات ومع هذا فإنه يجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده الذكور والإناث كما قال النبي ﷺ (اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وبهذه المناسبة أود أن أبين أنه يجب على الإنسان في عطية أولاده أن يعدل بينهم فيعطي الذكر مثل حظ الأنثيين فإذا أعطى الذكر مائة ريالٍ مثلًا فليعط الأنثى خمسين ريالًا هذا بالنسبة للعطايا التي هي تبرع محض وأما النفقات فالعدل فيها أن ينفق على كل واحدٍ منهم بما يحتاج إليه وهذا يختلف باختلاف حال الولد فإذا كان لديك أولادٌ قد بلغوا سن الزواج واحتاجوا إليه وجب عليك أن تزوجهم إذا كان لديك قدرةٌ على ذلك ولا تعطِ الآخرين الذين لم يبلغوا سن الزواج مثلما أعطيت هؤلاء في الزواج لأن هذا من باب دفع الحاجة وكذلك لو مرض أحد الأبناء واحتاج إلى علاج وأنفقت عليه في علاجه فإنه لا يلزمك أن تعطي الآخرين مثلما أنفقت على هذا المريض لأن هذا من باب دفع الحاجة فالمهم أن الواجب على الإنسان أن يعدل بين أولاده في عطية التبرع وأما ما يراد به دفع الحاجة فإن كل واحدٍ منهم تعطيه ما يحتاج إليه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ يُلْقُونَ أَقْلامَهُمْ أَيُّهُمْ يَكْفُلُ مَرْيَمَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن هؤلاء استهموا أيهم يكفل مريم واستهموا بالأقلام والكيفية لا أعرفها فهم استهموا على كيفية معينة أيهم غلب تكون عنده مريم. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الملأ الذين كفروا بعيسى بن مريم ﵇ من بني إسرائيل أرادوا أن يقتلوه ويصلبوه فحضروا إليه فألقى الله تعالى شبهه على رجل منهم ورفع عيسى إليه إلى السماء فقتلوا هذا الرجل الذي ألقي شبه عيسى عليه وصلبوه وقالوا إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله وقد أبطل الله دعواهم تلك في قوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) فانظر كيف كان عاقبة مكرهم حين جاؤوا إلى عيسى بن مريم ﵊ ليقتلوه فألقى الله شبهه على رجل منهم فقتلوه وصلبوه وظنوا أنهم أدركوا مرامهم فهذا من مكر الله تعالى بهم والمكر هو الإيقاع بالخصم من حيث لا يشعر وهو أعني المكر صفة مدح إذا كان واقعًا موقعه وفي محله ولهذا يذكره الله ﷿ واصفًا نفسه به في مقابلة من يمكرون بالله وبرسله فهنا قال (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) فالمكر صفة مدح في محله لأنه يدل على القوة وعلى العظمة وعلى الإحاطة بالخصم وعلى ضعف الخصم وعدم إدراكه ما يريده به خصمه بخلاف الخيانة فإن الخيانة صفة ذم مطلقا ولهذا لم يصف الله بها نفسه حتى في مقابلة من خانوا رسول الله ﷺ أو أرادوا خيانته وانظر إلى قول الله تعالى (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) ولم يقل فقد خانوا الله فخانهم بل قال (فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ) وعلى هذا فلو قال قائل هل يصح أن يوصف الله بالمكر فالجواب أن وصف الله بالمكر على سبيل الإطلاق لا يجوز وأما وصف الله بالمكر في موضعه في مقابلة أولئك الذين يمكرون به وبرسله فإن هذا جائز لأنه في هذه الحال يكون صفة كمال وبهذا يعلم أن ما يمكن من الصفات بالنسبة إلى الله ﷿ على ثلاثة أقسام: قسم لا يجوز أن يوصف الله به مطلقا كصفات النقص والعيب مثل العجز والتعب والجهل والنسيان وما أشبهها فهذا لا يوصف الله به بكل حال وقسم يوصف الله به بكل حال وهو ما كان صفة كمال مطلقًا ومع ذلك فإنه لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسه والقسم الثالث من الصفات ما يوصف الله به في حال دون حال وهو ما كان كمالًا في حال دون حال فيوصف الله به حين يكون كمالًا ولا يوصف الله به حين يكون نقصًا وذلك مثل المكر والكيد والخداع والاستهزاء وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى في هذه الآية الكريمة مبينًا حال رسول الله ﷺ إنه ﵊ رسول قد خلت من قبله الرسل أي مضت من قبله الرسل فبلغوا الرسالة ثم كان مآلهم إلى الفناء لأن كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام قد خلت من قبله الرسل ومضت في إبلاغ دعوتها إلى الله ﷿ ثم ماتوا كسائر البشر ثم ينكر الله ﷿ على من تغيرت حاله لو مات النبي ﷺ أو قتل فيقول (أَفَإِيْن مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ) أي ارتددتم عن الإسلام إلى الكفر إلى الوراء بعد أن تقدمتم إلى الإسلام ومن ينقلب على عقبيه فيكفر بعد ردته فإنه لن يضر الله شيئًا لأن الله ﷾ غني عن عباده ولم يأمرهم ﷾ بعبادته إلا لمصلحتهم لا لمصلحته هو أو لمنفعته فإنهم لن يبلغوا ضره فيضروه ولن يبلغوا نفعه فينفعوه قال الله تعالى (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنْ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْ الْعَالَمِينَ) فمن ينقلب على عقبيه بعد إسلامه فإنه لن يضر الله شيئًا وإنما يضر نفسه وسيجزي الله الشاكرين أي القائمين بطاعته أي الذين قاموا بحقيقة الشكر لأن حقيقة الشكر القيام بطاعة المنعم حيث ما تعلقت بالقلب أو باللسان أو بالجوارح وهذه الآية نزلت حين صاح الشيطان في المسلمين في غزوة أحد أن النبي ﷺ قتل فضعفت نفوس بعض المسلمين من أجل هذه الشائعة الكاذبة الخاطئة فأنزل الله تعالى هذه الآية إشارة إلى أنه يجب على المسلمين وإن مات نبيهم أو قتل أن يذودوا عن شريعته وعن سنته في حياته وبعد مماته وفي هذه الآية دليل على أن الكفر هو التأخر والرجعية والانقلاب على العقب وأما الإسلام فإنه التقدم والمضي إلى الإمام فيما ينفع الإنسان في دينه ودنياه ويشهد لهذا قوله تعالى (أَفَمَنْ يَمْشِي مُكِبًّا عَلَى وَجْهِهِ أَهْدَى أَمَّنْ يَمْشِي سَوِيًّا عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) وبهذا عرف سبب نزول هذه الآية الكريمة وعرف المراد بها وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا منتصرين لدينهم سواء كان ذلك في حياة نبيهم أو بعد مماته صلوات الله وسلامه عليه. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَلِيَبْتَلِيَ اللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ) والسؤال ما الفرق بين القلب والصدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه لا فرق بينهما لكن القرآن الكريم جاء على أوسع ما يكون من البلاغة فيعبر عن المعنى الواحد بألفاظٍ مختلفة حسب ما تقتضيه البلاغة في اللغة العربية لأن القرآن كما قال الله ﷿ نزل (بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) . ***
سورة النساء
السائلة التي رمزت لاسمها بـ م ص هـ من الرياض تقول ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ) وما علاقة اليتامى بالنساء في هذه الآية وجزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت حين كان الناس لا يعدلون في النساء اليتامى بل يحبس الرجل اليتيمة إما لابنه إن كانت لا تحل له وإما لنفسه إن كانت تحل له ولا يزوجها من يخطبها من الأكفاء فقال الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى) أي إن خفتم عدم العدل في اليتامى فالنساء سواهن كثير (فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ) وبهذا عرفنا صلة آخر الآية بأولها. ***
يقول السائل مامعنى هاتين الآيتين الكريمتين (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) والآية الثانية (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى فمعناها أن لا تعقدوا النكاح على من عقد عليها النكاح آباؤكم من الأب أب الصلب أو الأجداد الذين فوقه سواء كانوا من قبل الأم أو من قبل الأب فلا يجوز للرجل أن يتزوج من عقد عليها أبوه أو جده سواء كان جده من قبل الأب أو من قبل الأم وقوله تعالى (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف في الجاهلية من هذا الفعل فإنه معفو عنه وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فمعناه أن الله حرم أن نجمع بين الأختين من نسب أو رضاع (إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يعني لكن ما قد سلف لكم في الجاهلية فلا حرج عليكم فيه والجمع بين الأختين محرم فان تزوجهما في عقد واحد بأن قال أبوهما زوجتك ابنتي فكلا العقدين باطل وان سبق أحدهما الآخر فالسابق هو الصحيح فلو زوج ابنته رجلا في أول النهار ثم زَوَّجَهُ أختها في آخر النهار مع بقاء الأولى فنكاح الثانية باطل وكذلك لا يجمع بين المرأة وعمتها ولا بين المرأة وخالتها فهؤلاء ثلاث لا يجمع بينهن الأختان والعمة وبنت أخيها والخالة وبنت أختها وما عدا ذلك من الأقارب فإنه يجوز الجمع بينهن فيجوز الجمع بين ابنتي العم وبين ابنتي الخالة لكن لا ينبغي أن يجمع بين القريبات لان ذلك قد يفضي إلى قطيعة الرحم بينهما إذ إن المعروف عادة أن الضرة تغار من ضرتها ويحصل بينهما عداوة وبغضاء. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في سورة النساء (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاءَ سَبِيلًا) إلى قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية الكريمة بين الله ﷿ المحرمات في النكاح وأسباب التحريم يعود في هاتين الآيتين إلى ثلاثة أشياء النسب والرضاع والمصاهرة فقوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ) يفيد أنه لا يجوز للإنسان أن يتزوج من تزوجها أبوه أو جده وإن علا سواء كان الجد من قبل الأم أو من قبل الأب وسواء دخل بالمرأة أم لم يدخل بها فإذا عقد الرجل على امرأة عقدًا صحيحًا حرمت على أبنائه وأبناء أبنائه وأبناء بناته وإن نزلوا وفي قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) بيان ما يحرم بالنسب وهنّ سبع: الأمهات وإن علونّ من الجدات من قبل الأب أو من قبل الأم والبنات وإن نزلن من بنات الابن وبنات البنات وإن نزلن (وَأَخَوَاتُكُمْ) سواء كن شقيقات أم لأب أم لأم (وَعَمَّاتُكُمْ) وهن أخوات الآباء والأجداد وإن علون سواء كن عمات شقيقات أو عمات لأب أو عمات لأم فالعمات الشقيقات أخوات لأبيك من أمه وأبيه والعمات لأب أخواته من أبيه والعمات لأم أخواته من أمه والخالات هن أخوات الأم والجدة وإن علت سواء كن شقيقات أو لأب أو لأم فالخالات الشقيقات أخوات أمك من أمها وأبيها والخالات لأب أخواتها من أبيها والخالات لأم أخواتها من أمها واعلم أن كل خالة لشخص أو كل عمة لشخص فهي عمة له ولمن تفرع منه وخالة له ولمن تفرع منه فعمة أبيك عمة لك وخالة أبيك خالة لك وكذلك عمة أمك عمة لك وخالة أمك خالة لك (وَبَنَاتُ الأَخِ) وإن نزلنّ سواء كان الأخ شقيقًا أو لأب أو لأم فبنت أخيك الشقيق أو لأب أو لأم حرام عليك وبنت بنتها حرام عليك وبنت ابنها حرام عليك وإن نزلن وكذلك نقول في بنات الأخت هؤلاء سبع من النسب (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ) وإن شيءت حصرها فقل يحرم على الإنسان من النساء الأصول وإن علون والفروع وإن نزلن وفروع الأب والأم وإن نزلن وفروع الجد والجدة من صلبهم خاصة وفي قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُكُمْ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنْ الرَّضَاعَةِ) إشارة إلى ما يحرم بالرضاعة وقد قال النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) فما يحرم من النسب يحرم نظيره من الرضاع وهنّ الأمهات والبنات والأخوات والعمات والخالات وبنات الأخ وبنات الأخت فنظير هؤلاء من الرضاع محرم لقول النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فهؤلاء الثلاث محرمات بالصهر فقوله (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) يعني أنه يحرم على الرجل أم زوجته وجدتها وإن علت سواء من قبل الأب أم من قبل الأم وتحرم عليه بمجرد العقد فإذا عقد الرجل على امرأة حرمت عليه أمها وصار من محارمها وإن لم يدخل بها يعني وإن لم يدخل بالبنت فلو قدر أنها ماتت البنت أو طلقها فإن أمها تكون محرمًا له ولو قدر أنه تأخر دخوله بهذه المرأة التي تزوجها فإن أمها تكون محرمًا له تكشف له ويسافر بها ويخلو بها ولا حرج عليه لأن أم الزوجة وجداتها يحرمن بمجرد العقد لعموم قوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ) وقوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) المراد بذلك بنات الزوجة وبنات أولادها وإن نزلن فمتى تزوج الإنسان امرأة فإن بناتها من غيره حرام عليه ومن محارمه وكذلك بنات أولادها من ذكور وإناث أي إناث الأولاد سواء كان الأولاد ذكورًا أم إناثًا فبنت ابنها وبنت بنتها كبنتها ولكن الله ﷿ اشترط هنا شرطين قال (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فاشترط في تحريم الربيبة أن تكون في حجر الإنسان واشترط شرطًا آخر أن يكون دخل بأمها أي جامعها أما الشرط الأول فهو عند جمهور أهل العلم شرط أغلبي لا مفهوم له ولهذا قالوا إن بنت الزوجة المدخول بها حرام على زوجها الذي دخل بها وإن لم تكن في حجره وأما الشرط الثاني وهو قوله تعالى (اللاَّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) فهو شرط مقصود ولهذا ذكر الله تعالى مفهومه ولم يذكر مفهوم قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) فدل هذا على أن قوله (وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ) لا يعتبر مفهومه أما من نسائكم اللاتي دخلتم بهن فقد اعتبر الله مفهومه فقال (فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ) وأما قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) فالمراد بذلك زوجة الابن وإن نزل حرام على أبيه بمجرد العقد وزوجة ابن الابن حرام على جده بمجرد العقد ولهذا لو عقد شخص على امرأة عقدًا صحيحًا ثم طلقها في الحال كانت محرمًا لأبيه وجده وإن علا لعموم قوله تعالى (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) والمرأة تكون حليلة لزوجها بمجرد العقد فهذه ثلاثة أسباب توجب التحريم النسب والرضاع والمصاهرة فالمحرمات بالنسب سبع والمحرمات بالرضاع نظير المحرمات بالنسب لقول النبي ﷺ (يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب) والمحرمات بالصهر أربع قوله تعالى (وَلا تَنكِحُوا مَا نَكَحَ آبَاؤُكُمْ مِنْ النِّسَاءِ) وقوله تعالى (وَأُمَّهَاتُ نِسَائِكُمْ وَرَبَائِبُكُمْ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسَائِكُمْ اللاَّتِي دَخَلْتُمْ) والرابعة قوله (وَحَلائِلُ أَبْنَائِكُمْ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ) وأما قوله تعالى (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) فهذا التحريم ليس تحريمًا مؤبدًا لأن التحريم هو الجمع فليست أخت الزوجة محرمة على الزوج ولكن المحرم عليه أن يجمع بينها وبين أختها ولهذا قال (وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الأُخْتَيْنِ) ولم يقل وأخوات نسائكم فإذا فارق الرجل امرأته فرقة بائنة بأن تمت العدة فله أن يتزوج أختها لأن المحرم الجمع وكما يحرم الجمع بين الأختين فإنه يحرم الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها كما ثبت ذلك في الحديث عن رسول الله ﷺ فاللاتي يحرم الجمع بينهن ثلاث الأختان والمرأة وعمتها والمرأة وخالتها وأما بنات العم وبنات الخال يعني أن تكون امرأة بنت عم لأخرى أو بنت خال لأخرى فإنه يجوز الجمع بينهما. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخاطب الله تعالى المؤمنين بوصف الإيمان فيقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا) وخاطبهم بهذا الوصف لحثهم على تلقي ما يأتي إليهم من أوامر أو نواه ولهذا يروى عن ابن مسعود ﵁ أنه قال إذا سمعت الله يقول يا أيها الذين أمنوا فأرع لها سمعك فإما خيرًا تؤمر به وإما شرًا تنهى عنه، فينادي الله ﷾ عباده المؤمنين ويقول لهم (لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى) وهذا قبل تحريم الخمر فقد كان الناس في أول الأمر يشربون الخمر ثم حرمت، وكان الرجل يشرب الخمر ثم يصلى فيأتي يما يأتي به السكران من أقوال لا تحل في الصلاة أو أفعال فنهاهم أن يقربوا الصلاة وهم سكارى، ونهاهم أيضًا أن يقربوا الصلاة وهم جنب إلا عابري سبيل وهذه الآية تنطبق تمامًا على المسجد لأنه محل الصلاة فلا يحل للمرء أن يبقى في المسجد ويمكث فيه وهو جنب إلا أن يكون عابر سبيل أي إلا إذا كان مارًا بالمسجد فإن ذلك لا بأس به مثل أن يدخل المسجد وهو على جنابة ليأخذ كتابًا له في المسجد أو ليعبر من باب إلى باب أو ما أشبه ذلك، ورخص كثير من أهل العلم للجنب إذا توضأ أن يمكث في المسجد، وقوله تعالى حتى تغتسلوا أي غسل الجنابة وهو معروف، (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) يعني إذا كان الإنسان مريضًا ولم يتمكن من الغسل، أو كان مسافرًا ولم يجد ماءً فإنه يتيمم أي يقصد أرضًا طيبة طاهرة فيضرب يديه عليها ويمسح بهما وجهه وكفيه وبذلك تتم طهارته، ويصلى بهذا التيمم كما يصلى بطهارة الماء تماما، حتى يجد الماء فإذا وجد الماء عاد فتطهر به. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى في آية القتل الخطأ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ) أرشدونا كيف تصوم المرأة هذه الأيام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ليت هذه المرأة لم تمثل بالقتل لأنه يمكن أن يلزم المرأة صيام شهرين متتابعين في غير القتل ولكن قد يكون من المرأة قتل خطأ فيما لو كان صبيها إلى جنبها في الفراش ثم انقلبت عليه وهي نائمة فقتلته ففي هذه الحال يجب عليها الكفارة لله ﷿ ويجب على عاقلتها الدية لورثة هذا الطفل لقول الله ﵎ (وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا) إلى أن قال (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنْ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا) والمرأة إذا لزمها صيام شهرين متتابعين وحاضت فإنها تفطر في حال الحيض ثم إذا طهرت تستمر في الصيام ولا يبطل صيامها الأول فمثلا إذا حاضت في الشهر الأول سبعة أيام وفي الشهر الثاني سبعة أيام لزمها أن تضيف إلى الشهرين اللذين تخللهما الحيض أربعة عشر يوما ليتم صوم الشهرين المتتابعين وكذلك يقال في كفارة اليمين لو أن المرأة لزمتها كفارة يمين ولم تجد كفارة الإطعام إطعام عشرة مساكين أو الكسوة أو تحرير الرقبة فإنها يلزمها أن تصوم ثلاثة أيام متتابعة فإذا صامت أول يوم ثم حاضت فإنها تفطر وإذا طهرت صامت يومين فقط بناءً على اليوم الأول وهكذا يقال في من انقطع تتابعه لعذر آخر كمرض أو سفر فإنه إذا زال عذره يبني على ما سبق. ***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا الْمَسِيحَ عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) إلى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا) ويقول الله تعالى في سورة المائدة (مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يقول السائل ما معنى هاتين الآيتين عن النبي عيسى بن مريم وهل توفاه الله تعالى أو ما زال حيًا وإذا كان حيًا فما معنى قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات في عيسى بن مريم يبين الله تعالى فيها كذب دعوى اليهود في قولهم إنا قتلنا المسيح عيسى بن مريم رسول الله فإن اليهود ادَّعوا ذلك ولكن الله أكذبهم بقوله (وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ) أي أن الله ألقى شبهه على رجل كان هناك فقتلوا ذلك الرجل وصلبوه وادعوا أنهم قتلوا المسيح عيسى بن مريم وصلبوه ولكن الله تعالى كذبهم ثم قال مؤكدًا ذلك (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا (١٥٧) بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا) فعيسى بن مريم لم يقتل ولم يمت بل رفعه إليه الله ﷾ حيًا على القول الراجح من أقوال أهل العلم أنه رفع حيًا أما أن اليهود لم يقتلوه فإنه نص القرآن ومن ادعى أنهم قتلوه فقد كذب القرآن ومن كذب القرآن فهو كافر بالله ﷿ فإن الله يقول: (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) أي قولًا متيقنًا أنهم لم يقتلوا المسيح عيسى بن مريم يبقى النظر في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) وقوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) وما أشبه ذلك فكيف يجمع بين هذه الآيات والجواب أن الجمع بينها هو أن المراد بالوفاة في قوله تعالى (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي) إما القبض، قبض الشيء يسمى توفيًا ومنه قولهم توفى حقه أي قبضه وافيًا كاملًا وإما أن يراد بالوفاة النوم فإن النوم يسمى وفاة كما قال الله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقال تعالى (وَهُوَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بِالنَّهَارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضَى أَجَلٌ مُسَمًّى) ويكون معنى ذلك أن الله تعالى ألقى عليه النوم ثم رفعه من الأرض نائمًا وليس المراد بالوفاة وفاة الموت لأن عيسى ﵊ لم يكن قد مات الآن وسينزل في آخر الزمان ينزل إلى الأرض فيحكم بين الناس بشريعة النبي ﷺ ولا يقبل الجزية ولا يقبل إلا الإسلام وبهذا تبين أنه لا منافاة بين قوله (فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ) وبين قوله (وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا) وقوله (بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ) . فضيلة الشيخ: يعني نزول النبي ﵇ عيسى إلى الأرض وحكمه بشريعة الإسلام هل من كان غير مؤمن بشريعة الإسلام قبل نزول عيسى ﵇ ثم آمن به بعد نزوله هل يعد هذا مؤمنًا حقيقيًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعد مؤمنًا حقيقة. فضيلة الشيخ: يعني لا تنتهي التوبة إلى هذا الوقت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما تنتهي التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها. ***
يقول السائل في قوله تعالى (وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا) هل تفهم الآية على ظاهرها أم أن هناك معنى آخر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفهم هذه الآية وغيرها من الآيات على ظاهرها اللائق بالله ﷿ فمن هذه الآية نفهم أن الله ﷾ كلم موسى وقد بين في آية أخرى أنه كلمه بصوت مسموع فقال (وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيًّا) والنداء يكون بالصوت العالي من بعيد والمناجاة بالصوت الخفي القريب ومن هنا نعلم أن الله ﷾ يتكلم بما شاء متى شاء كيف شاء وأن كلامه بحروف وأصوات مسموعة ولكن يجب أن نعلم بأن كلام الله ﷾ لا يشبه كلام الآدميين بأصواتهم لأن الله يقول في محكم كتابه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ) ويقول بصيغة الاستفهام المشعر بالتحدي والنفي (هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) يعني ليس له شبيه ولا نظير ولا أحد يساويه في جميع صفات الكمال وهذه القاعدة أعني الأخذ بظاهر القرآن هي الواجبة لأن الله تعالى خاطبنا بالقرآن وقال (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) آيتان من كتاب الله بين الله ﷾ أنه أنزل القرآن وجعله باللسان العربي من أجل أن نفهمه ونعقل معناه وعلى هذا فيجب علينا الإيمان بظاهره حسب ما يقتضيه اللسان العربي إلا أن يكون هناك دليل شرعي يوجب صرفه عن مقتضى اللغة إلى مقتضى الشرع فإنه يجب اتباع ما دل عليه الشرع في ذلك وما حصل الضلال بالتأويلات البعيدة إلا بسبب تحكيم الناس عقولهم فيما يجب لله وما يجب عليه وما يمتنع عليه فحصل بذلك من تأويل نصوص الكتاب والسنة في أسماء الله وصفاته ما هو معلوم وما هو متضمن للخروج عما كان عليه السلف الصالح ﵃ في إجراء كلام الله ﷾ على ظاهره وحقيقته على الوجه الذي يليق به من غير تشبيه ولا تمثيل ولا تحريف ولا تعطيل ولا تكييف. ***
سورة المائدة
سوداني ومقيم بعرعر ع. ع. يقول أرجو من فضيلة الشيخ تفسير هذه الآية من سورة المائدة في قوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) والمحرِّم هو الله ﷿ وليس التحريم عائدًا إلينا ولا التحليل عائدًا إلينا ولا الحكم بالكفر عائدًا إلينا ولا الحكم بالإيمان عائدًا إلينا كل ذلك إلى الله ﷿ وحده يقول (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) وإنما بني الفعل لما لم يسمَّ فاعله لأنه معلوم كما في قوله تعالى (وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا) ومن المعلوم أن الخالق هو الله ﷿ فهنا (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ) ومن المعلوم أن المحرم هو الله ﷿ والميتة كل ما لم يذك ذكاةً شرعية بأن مات حتف أنفه أو ذبح على غير الطريقة الإسلامية فهو ميتة ويستثنى من ذلك الجراد فميتته حلال وكذلك السمك على جميع أنواعه فإنه حلال قال الله تعالى (أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ) وقال النبي ﷺ فيما يروى عنه (أحلت لنا ميتتان ودمان فأما الميتتان فالجراد والحوت وأما الدمان فالكبد والطحال) وقوله الدم يريد بذلك الدم المسفوح كما قيدته الآية الثانية (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) وأما الدم الذي يبقى في العرق بعد التذكية فإنه حلالٌ طاهر حتى لو ظهرت حمرته في الإناء فإنه حلالٌ طاهر لأنه ليس الدم المسفوح (لَحْمَ خِنزِيرٍ) وهو حيوانٌ معروفٌ خبيث معروفٌ بأكل العذرة أي أكل الغائط وفيه أيضًا دودة شريطية مؤثرة الرابع ما أهل لغير الله به أي ما سمي عليه غير اسم الله بأن يقال باسم المسيح باسم موسى باسم محمد باسم جبريل وما أشبه ذلك هذا أيضًا محرم لا يحل أكله (وَالْمُنْخَنِقَةُ) التي انخنقت إما بشد الحبل على رقبتها حتى ماتت أو بإغلاق الحجرة عليها وتسليط الدخان أو ما أشبهه عليها (وَالْمَوْقُوذَةُ) وهي المضروبة بعصا ونحوه حتى تموت (وَالْمُتَرَدِّيَةُ) وهي التي تتردى من جبل من فوق أو من جدار أو ما أشبه ذلك فتموت (وَالنَّطِيحَةُ) وهي التي ناطحت أخرى من البهائم فماتت (وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) أي ما أكله الذئب أو نحوه (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) قوله (إِلاَّ مَا ذَكَّيْتُمْ) مستثنى من قوله (وَالْمُنْخَنِقَةُ وَالْمَوْقُوذَةُ وَالْمُتَرَدِّيَةُ وَالنَّطِيحَةُ وَمَا أَكَلَ السَّبُعُ) فهذه لا شيء إذا أدركتها حية وذكيتها فهي حلال (وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ) أي ما ذبح على الأصنام أي ذبح لصنم ولو ذكر اسم الله عليه فإنه حرام هذا معنى الآية الكريمة. ***
يقول السائل في الآية الكريمة من سورة المائدة (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ما علاقة ذلك بالدم الذي ينقل من شخصٍ إلى آخر وهل هناك إثمٌ في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كانوا في الجاهلية يأكلون الدم إذا كان الإنسان مسافرًا وجاع جوعًا ليس فيه اضطرار فصد عرق ناقته وشرب منه فبين الله ﷾ أنه حرم علينا هذا لأنه رجس نجس ولكن هل يشمل ذلك نقل دم من شخصٍ لآخر ظاهر الآية الكريمة العموم وعليه فلا يجوز أن ينقل دم من شخص إلى آخر إلا إذا اضطر المريض إلى الدم فإنه ينقل إليه بشرط أن يكون المنقول منه لا يتضرر بسحب الدم منه فإن كان يتضرر فإنه لا يجوز أن نسحبه منه فنقل الدم من شخصٍ لآخر يجوز بشرطين: الشرط الأول اضطرار المنقول إليه. الشرط الثاني انتفاء الضرر عن المنقول عنه. ونزيد شرطًا ثالثًا وهو أن ينتفع المنقول إليه بهذا الدم أما إذا كان لا ينتفع فلا فائدة من نقله إليه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالْحَقِّ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن ابني آدم لصلبه على رأي أكثر المفسرين قرَّبا قربانا إلى الله ﷿ فتقبل الله تعالى قربان واحد منهما ولم يتقبل قربان الآخر والذي لم يتقبل منه حسد أخاه كيف يتقبل من أخيه ولم يتقبل منه فهدده بالقتل قال لأقتلنك حسدا وبغيا فقال له أخوه (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنْ الْمُتَّقِينَ) فكأنه يقول لو اتقيت الله لقبل منك ثم بين له أخوه أنه لن يبسط يده إليه ليقتله قال (مَا أَنَا بِبَاسِطٍ يَدِي إِلَيْكَ لأَقْتُلَكَ إِنِّي أَخَافُ اللَّهَ رَبَّ الْعَالَمِينَ) وفي النهاية طوعت له نفسه قتل أخيه فقتل أخاه فأصبح من الخاسرين وقلق ماذا يصنع بهذه الجنازة فبعث الله غرابا يبحث في الأرض يحرثها بمنقاره أو بأظفاره من أجل أن يريه كيف يدفن أخاه فقال (يَا وَيْلَتَا أَعَجَزْتُ أَنْ أَكُونَ مِثْلَ هَذَا الْغُرَابِ فَأُوَارِيَ سَوْأَةَ أَخِي فَأَصْبَحَ مِنْ النَّادِمِينَ) . وأما ما ذكر في الإسرائيليات من أن آدم ﵊ يأتيه بنتان في بطن وابنان في بطن وأن ابن هذا البطن يأخذ بنت البطن الآخر وما أشبه ذلك من الإسرائيليات فهذا لا أصل له يعني في الإسرائيليات يقول أن آدم يأتيه ذكر وأنثى في بطن وذكر وأنثى في بطن فالذكر الذي في البطن الأول يأخذ الأنثى التي في البطن الثاني والذكر الذي في البطن الثاني يأخذ الأنثى التي في البطن الأول هكذا قيل في الإسرائيليات فهذا لا أصل له. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) وهل إذا تسبب شخص بموت شخص آخر ثم تسبب بإحياء شخص آخر كانت مثل هذه الكفارة لتلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله تعالى (وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) أي من كان سببا في رفع قتل الظلم عن شخص مظلوم كان كمن أحيا الناس جميعا ومن قتلها بغير حق فكأنما قتل الناس جميعا هذا ما كتبه الله على بني إسرائيل كما قال تعالى (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) ومن قتل نفسا بغير حق ثم أحيا نفسا أخرى غير مستحقة للقتل فإن الثانية لا تكون كفارة للأولى من حيث ما يجب في كفارة القتل أما من جهة الثواب فأمره إلى الله ﷿. ***
علي المغربي من جمهورية مصر العربية يقول أريد تفسيرًا لهذه الآية الكريمة قال تعالى (وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْكَافِرُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبين الله تعالى في هذه الآية أن الإنسان الذي لا يحكم بما أنزل الله فإنه يكون كافرًا وذلك لأنه أعرض عن كتاب الله وعما أنزله على رسله إلى حكم طاغوت مخالف لشريعة الله ولكن هذا حسب النصوص مقيد بما إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله يعتقد أن الحكم أفضل من حكم الله ﷿ وأنفع للعباد وأولى بهم وأن حكم الله غير صالح بأن يحكم به بين العباد فإذا كان على هذا الوجه صار كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة أما إذا حكم بغير ما حكم الله اتباعًا لهواه أو قصدًا للإضرار بالمحكوم عليه أو محاباةً للمحكوم له ونحو ذلك فإنه فإن كفره يكون كفرًا دون كفر ولا يخرج بذلك من الملة لأنه لم يستبدل بحكم الله غيره زهدًا في حكم الله ورغبةً عنه واعتقادًا أن غيره أصلح وإنما فعل هذا لأمرٍ في نفسه إما لمحاباة قريب أو لمضارة عدو أو ما أشبه ذلك المهم أن هذه المسألة تحتاج إلى تفصيل. ***
ما معنى قوله تعالى (لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّ اللَّهَ ثَالِثُ ثَلاثَةٍ) ومن هم الذين قالوا ذلك يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذين قالوا ذلك هم النصارى قالوا إن الله ثالث ثلاثة، الله والمسيح بن مريم وأمه فكفَّرهم الله تعالى بذلك لأنهم جعلوا مع الله شريكًا والله سبحانه تعالى إله واحد كما قال الله تعالى (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ) . ***
ما معنى قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعجبني مثل هذا السؤال أعني السؤال عن آيات الله ﷿ وذلك لأن القرآن الكريم لم ينزل لمجرد التعبد بتلاوته بل نزل للتعبد بتلاوته وتدبر آياته وتفكر معانيه وللعمل به واسمع إلى قول الله ﷿ (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فيعجبني ويسرني أن يعتني المسلمون بكتاب الله ﷿ حفظًا وفهمًا وعملًا وأنا أشكر الأخ السائل على هذا وأمثاله فنقول في جوابه قوله تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ) هذه الآية نزلت مخاطبًا الله بها من كانوا في عهد النبوة الذي هو عهد التحليل والتحريم والإيجاب والحل فإنه ربما يسأل الإنسان في عهد النبوة عن شيء لم يحرم فيحرم لمسألته أو عن شيء ليس بواجب فيوجب من أجل مسألته فلهذا قال الله ﷿ تعالى (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِنْ تَسْأَلُوا عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللَّهُ عَنْهَا وَاللَّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ (١٠١) قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ) ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما أهلك الذين من قبلكم كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) أما بعد وفاة النبي ﷺ فليسأل الإنسان عن كل ما أشكل عليه بشرط أن لا يكون هذا من التعمق في دين الله ﷿ فإن كان من التعمق والتنطع فإنه منهيٌ عنه لأن التعمق والتنطع لا يزيد الإنسان إلا شدة فلو أراد الإنسان أن يسأل عن تفاصيل ما جاء عن اليوم الآخر من الحساب والعقاب وغير ذلك وقال كيف يعاقب الإنسان هل هو قائم أو قاعد وما أشبه ذلك من الأسئلة التي ليست محمودة فهنا لا يسأل أما شيء مفيد ويريد أن يستفيد منه فليسأل عنه ولا ينهى عن السؤال. ***
يقول السائل مامعنى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله ﷾ أمر المؤمنين بأن يعتنوا بأنفسهم ويقوموا بما أوجب الله عليهم وأنهم إذا فعلوا ذلك فإنه لا يضرهم من ضل ومما يلزمهم أي المؤمنين أن يدعوا إلى الله وأن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر فإذا دعوا إلى الله أو أمروا بالمعروف أو نهوا عن المنكر ولم يجبهم أحد إلى ذلك فإن ذلك لا يضرهم لأن هؤلاء الذين دعوا أو أمروا أو نهوا إذا ضلوا فإنما يضلون على أنفسهم كما قال الله تعالى (مَنْ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا) . ***
في القرآن الكريم مراجعة بين الله ﷾ وعيسى بن مريم عندما سأله جل شأنه (أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ) الآية هل هذه المراجعة حدثت في الدنيا قبل رفعه أم ستحدث يوم القيامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر سياق الآيات أن هذه المراجعة يوم القيامة كما ستسمع (وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّي إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلاَّمُ الْغُيُوبِ (١١٦) مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنْ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ (١١٧) إِنْ تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (١١٨) قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنهَارُ) الخ فقوله تعالى (هذا يوم يَنفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ) يدل على أن هذهالمراجعة التي كانت بين الله وبين عيسى بن مريم كانت في الآخرة. ***
الأنعام
من العراق محافظة نينوى المستمع يوسف جندي إبراهيم يقول ما تفسير الآية الكريمة (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) والآية الأخرى (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب عن الآية الأولى أن الله ﷾ يخبر عنه نفسه بأنه رب المشرقين ورب المغربين والمراد بهما مشرقا الصيف والشتاء مشرق الصيف حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الشمال ومشرق الشتاء حيث تكون الشمس في أقصى مدار لها نحو الجنوب ونص الله على ذلك لما في اختلافهما من المصالح العظيمة للخلق ولما في اختلافهما من الدلالة الواضحة على تمام قدرة الله ﷾ وكمال رحمته وحكمته إذ لا أحد يقدر على أن يصرف الشمس من مشرق إلى مشرق ومن مغرب إلى مغرب إلا الله ﷿ ولهذا قال (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ (١٧) فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) فأشار في تعقيبه هذه الآية السابقة إلى أن هذا من آلاء الله ونعمه العظيمة على عباده إذًا فالمراد بالمشرقين والمغربين مشرقا الشمس في الصيف والشتاء ومغرباها في الصيف والشتاء وقد قال الله تعالى في آية أخرى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فجمع المشرق والمغرب وقال تعالى في آية أخرى آية ثالثة (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ فَاتَّخِذْهُ وَكِيلًا) ولا تناقض بين هذه الآيات الكريمة فالمراد بأية التثنية ما أسلفناه والمراد بآية الجمع أن مشارق الشمس ومغاربها باعتبار مشرقها ومغربها كل يوم لأن كل يوم لها مشرق ومغرب غير مشرقها ومغربها بالأمس أو أن المراد بالمشارق والمغارب مشارق النجوم والكواكب والشمس والقمر وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) فالمراد بها الناحية أي أنه مالك كل شيء ورب كل شيء سواء أكان ذلك الشيء في المشرق أو في المغرب وليعلم أن كتاب الله وما صح من سنة رسوله ﷺ لا يمكن أن يكون فيه تناقض لا فيما بينها من النصوص ولا فيما بينها وبين الواقع فإنْ توهم واهم التناقض أو التعارض فذلك إما لقصور في علمه أو نقص في فهمه أو تقصير في تدبره وتأمله وإلا فإن الحقيقة الواقعة أنه ليس بين نصوص الكتاب والسنة تناقض ولا بينها وبين الواقع أيضًا وأما قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) وهو الذي سأل عنه السائل أو هو الفقرة الثانية من سؤاله فمعناه أن هذه الشمس العظيمة التي جعلها الله تعالى سراجًا وهاجًاَ عظيم الحرارة عظيم النور هذه الشمس تجري بإذن الله ﷿ أي تسير لمستقر لها أي لغاية حددها الله ﷿ بعلمه ولهذا قال (ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فهو لعزته ﵎ وقهره خلق هذه الشمس العظيمة وسخرها تجري بأمره وبمقتضى علمه وحكمته إلى حيث أراد الله ﷿ والمستقر هو مستقرها تحت العرش حيث أنها تذهب كل يوم إذا غربت وتسجد تحت العرش عرش الرحمن جل وعلا وتستأذن فإن أذن لها وإلا رجعت من حيث جاءت وخرجت من مغربها وهذا هو ما يشير إليه قوله تعالى (يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنفَعُ نَفْسًا إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْرًا) فإن الناس إذا رأوها خرجت من المغرب آمنوا أجمعون ولكن لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل أو كسبت في إيمانها خيرا كذلك تجري لمستقر آخر وهو منتهاها يوم القيامة الدال عليه قوله تعالى (إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ) وفي هذه الآية دلالة واضحة على أن الشمس تدور على الأرض وهو الذي يدل عليه ظاهر القرآن وهو الذي نعتقده وندين الله به حتى يأتينا دليل محسوس ظاهر يسوغ لنا أن نؤول ظاهر الآية أما ما يقال الآن بأن اختلاف الليل والنهار وطلوع الشمس وغروبها إنما هو باختلاف إنما هو بسبب دوران الأرض فإنه لا يحل لأحد أن يعدل عن ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل يكون حجة له أمام الله ﷿ يوم القيامة يسوغ له أن يصرف ظاهر القرآن والسنة إلى ما يطابق ذلك الشيء المدعى وما دمنا لم نر شيئًا محسوسًا تطمئن إليه نفوسنا ونراه مسوغًا لنا جواز صرف القرآن عن ظاهره فإن الواجب علينا معشر المؤمنين أن نؤمن بظاهر القرآن والسنة وأن لا نلتفت إلى قول أحد خالفهما كائنًا من كان وإلى الآن لم يتبين لي صحة ما ذهب إليه هؤلاء من أن اختلاف الليل والنهار في الشروق والغروب كان بسبب دوران الأرض وعليه فإن عقيدتي التي أدين الله بها أن الشمس هي التي يحصل بها اختلاف الليل والنهار وهي التي تدور على الأرض والله على كل شيء قدير ألم تر إلى قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) أو لم تر إلى قوله تعالى (إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتَّى تَوَارَتْ بِالْحِجَابِ) أولم تر قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ) ففي هذه الآيات المتعددة إضافة الطلوع والغروب وإضافة التزاور إلى الشمس وإضافة التواري أيضًا إلى الشمس فما بالنا نصرف هذه الأفعال المسندة إلى الشمس عن ظاهرها إلى قول لم يتبين لنا أنه واقع حسًا إن هذا لا يجوز أبدًا فيجب علينا أن نعتقد ما دل عليه ظاهر الكتاب والسنة إلا بدليل محسوس يستطيع الإنسان أن يواجه ربه به يوم القيامة ويقول يا رب إني رأيت الأمر المحسوس يخالف ظاهر ما خاطبتنا به وأنت أعلم وأحكم وكتابك منزه عن أن يناقض الواقع المحسوس فإذا تبين بالحس الواضح البين أن اختلاف الليل والنهار بسبب دوران الأرض فإن فهمي يكون خطأ وأما ما دام الأمر هكذا مجرد أقاويل فإني أعتقد أنه لا يجوز لأحد أن يخالف ظاهر الكتاب والسنة في مثل هذه الأمور وخلاصة القول إن معنى قوله تعالى (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا) أن الله يخبر بأن الشمس تسير بإذن الله ﷿ في مستقر لها لغاية تنتهي إليها وهو يوم القيامة ولمستقر لها ولغاية تنتهي إليه يوميًا وهو سجودها تحت العرش كما صح ذلك عن النبي ﷺ من حديث أبي ذر الذي رواه البخاري وغيره. ***
عبد العزيز الحاج الخرطوم السودان يقول ما معنى قوله تعالى (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنْ الضَّأْنِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية وما بعدها يبين الله تعالى فيها أصناف الأنعام التي أحلها الله لنا يبين ﷾ أنها ثمانية أصناف ذكر وأنثى من الضان، وذكر وأنثى من المعز، وذكر وأنثى من الإبل، وذكر وأنثى من البقر ثم يقول ﷿ (قُلْ أَالذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمْ الأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الأُنثَيَيْنِ) ويرد بذلك على المشركين الذين حرموا من هذه الأصناف ما شاءوا وأباحوا ما شاءوا فقالوا ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا ومحرم على أزواجنا وإن يكن ميتة فهم فيه شركاء وتشير الآية الكريمة إلى أنه لا يحل لأحد أن يحلل أو يحرم شيئًا إلابإذن الله ﷿ فإن التحليل والتحريم والإيجاب والاستحباب كله إلى الله ﷿ ليس لأحد أن يتقدم فيه بين يدي الله ورسوله (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ) وبهذه المناسبة أود أن أذكر المستمع بقاعدتين مهمتين دل عليهما كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأجمع المسلمون عليهما القاعدة الأولى أن الأصل في العبادات الحظر والمنع حتى يقوم دليل على المشروعية والقاعدة الثانية أن الأصل فيما سوى ذلك الحل والإباحة حتى يقوم دليل على المنع دليل القاعدة الأولى قوله تعالى (أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنْ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ) وقول النبي ﷺ (من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد) وفي لفظ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ودليل الثانية قوله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا) وقوله تعالى (وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ) وقول النبي ﷺ (إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها وحد حدودًا فلا تعتدوها وسكت عن أشياء رحمة بكم فلا تبحثوا عنها) وقال ﷺ (ما سكت عنه فهو عفو) وعلى هذا فكل من تعبد لله تعالى بشيء من الأقوال أو الأفعال أو العقائد ولم يكن له دليل من كتاب أو سنة فإنه تعبده هذا مردود عليه بل هو آثم به قال النبي ﷺ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وكل من حرم شيئًا سوى العبادات فإننا نقول له هات الدليل على ما قلت وإلا فقد قلت ما ليس لك به علم. ***
أحمد سعيد سالمين من مكة المكرمة يقول ما معنى قوله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله يخبر بأنه حرم على الذين هادوا وهم اليهود حرم عليهم كل ذي ظفر من البهائم وذو الظفر قال أهل العلم هو الذي ليس فيه شق في يديه ولا في رجليه يكون يداه ورجلاه طبقة واحدة بمعنى أنه يكون كخف بعير مثلا غير مشقوق لأن الأرجل في البهائم منها ما هو مشقوق كالماعز والبقر ومنها ما هو غير مشقوق كالإبل فحرم عليهم كل ذي ظفر وحرم عليهم من البقر والغنم شحومهما إلا ما حملت ظهورهما أو الحوايا أو ما اختلط بعظم فإنه حلال لهم وبين الله ﷾ أن هذا التحريم إنما هو ببغيهم وعدوانهم وأنهم لما بغوا واعتدوا حرم عليهم بعض الطيبات كما قال تعالى في آية أخرى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيرًا) وهو نوع من العقاب (ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَإِنَّا لَصَادِقُونَ) وهنا الضمير يعود إلى الله ﷿ وأن ما جاء في الذم للتعظيم وهو ﷾ أصدق القائلين وأعدل الحاكمين ويؤخذ من هذه الآيات الكريمة أن الإنسان بمعصيته لربه وببغيه قد يحرم بعض الطيبات إما شرعا كما حصل لليهود وإما قدرا فإن الإنسان قد يصاب بآفات تمنعه من تناول بعض الطيبات بسبب عدوانه وبغيه وكذلك أيضا قد يحدث الله تعالى الجدب والقحط وقلة الثمار بسبب المعاصي والذنوب فرزق الله ﷿ والطيبات التي أحلها للعباد إذا بغوا واعتدوا فقد يحرمونها إما شرعا وإما كونا وقدرا لكن لو أن الناس فعلوا ما أمر به الله ورسوله وقاموا بطاعة ربهم فإن الله يقول (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ) نسأل الله تعالى أن يحقق للمسلمين الإيمان والتقوى. فضيلة الشيخ: هذا التحريم هل هو خاص باليهود فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم خاص باليهود لقوله تعالى (فَبِظُلْمٍ مِنْ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا) لم ينسخ هذا إلى يوم القيامة. لكن الشريعة كلها شريعة اليهود وشريعة النصارى وكل الشرائع نسخت بشريعة النبي ﷺ ولكن ما داموا متمسكين بدينهم وهم معتقدون أنهم على دينهم فإن هذا محرم عليهم. ***
عبده حسن من اليمن يقول في الآية الكريمة في سورة الأنعام (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) وفي سورة الإسراء (نَحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُمْ) ماذا يفيد الاختلاف في هذا الترتيب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاختلاف في هذا التعبير مبنيٌ على اختلاف الحالين ففي آية الأنعام يقول الله تعالى (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ) يعين من فقر يعني إذا كنتم فقراء فلا تقتلوا أولادكم ثم قال (نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ) فبدأ بالآباء لأنهم فقراء فبدأ بذكر رزقهم قبل ذكر رزق الأولاد المقتولين أما في الآية الأخرى آية الإسراء (وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ خشية إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) فلأن الآباء القاتلين هنا ليسوا فقراء بل هم أغنياء لكن يخشون الفقر فكان الأنسب أن يبدأ بذكر رزق الأولاد قبل ذكر رزق الآباء لأن الآباء رزقهم موجود فقال (نَحْنُ نَرْزُقُهم وَإِيَّاكمْ) . ***
سورة الأعراف
مَن هم هؤلاء القوم الذين أرسل الله عليهم هذا العقاب المذكور في هذه الآية (فأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آيَاتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء فرعون وقومه أرسل الله عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم أما الطوفان فهو الماء الذي يغرق زروعهم وأما الجراد فهو معروف يرسله الله تعالى فيأكل الزرع وهو أخضر وأما القمل فإنه دودة تأكل الحب بعد أن يدخر وأما الدم فالصواب فيه أنه نزيف يخرج من أبدانهم وأما الضفادع فإنها ذلك الحيوان المشهور المعروف يفسد عليهم المياه فيكون الله تعالى قد أصابهم بطعامهم وشرابهم بل حتى بمادة حياتهم وهي الدم وهذا والعياذ بالله من العقوبات التي تصيبهم بل التي أصابتهم حتى لجؤُوا إلى موسى ﵊ وطلبوا منه أن يسأل الله تعالى أن يرفع ذلك عنهم. ***
المستمع أ. ع. ب. من العراق محافظة نينوى يقول ما الحكمة من أن الله ﷾ لم يبين عدد أصحاب الكهف ومن هم أصحاب الكهف ومن هم أصحاب السبت وما قصتهم أفيدونا في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أود أن أبين أن من أسماء الله تعالى الحكيم والحكيم معناه الحاكم المحكم فالله ﷾ حاكم على عباده شرعًا وقدرًا وهو ﷾ ذو الحكمة البالغة التي لا تدركها أو لا تحيط بكنهها العقول وما من شيء يقدره الله ﷾ أو يشرعه لعباده إلا وله حكمة لكن من الحكم ما نعلم منه ومن الحكم ما لا نعلم منها شيئًا لأن الله تعالى يقول (وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) وعلى هذا يجب على كل مؤمن أن يسلم لأمر الله الكوني والشرعي ولحكمه الكوني والشرعي وأن يعلم أنه على وفق الحكمة وأنه لحكمة ولهذا لما سألوا النبي ﷺ عن الروح قال الله تعالى (قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) ولما سئلت عائشة ﵂ عن الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة (قالت كان يصيبنا ذلك تعني على عهد النبي ﷺ فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) تعني أن الشرع هكذا جاء ولا بد أن لذلك حكمة وإذا تقررت هذه القاعدة في نفس المؤمن تم له الاستسلام لله ﷿ والرضا بأحكامه ثم نعود إلى الجواب عن السؤال وقد تضمن السؤال عن شيئين الأول أصحاب الكهف وقد قال السائل ما الحكمة في أن الله ﷾ لم يبين عددهم فنقول إن الله تعالى قد أشار إلى بيان عددهم في قوله (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ) فهذه الآية تدل على أنهم سبعة وثامنهم كلبهم لأن الله تعالى أبطل القولين الأولين وسكت عن الثالث فدل على صحته (سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ) هذا إبطال هذين القولين أما الثالث فقال (وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ) ولم ينفه الله ﷿ وأما قوله (قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ) فلا يعني ذلك أن غير الله لا يعلم به أو لا يعلم بها أي بالعدة وإنما يراد بذلك أن نبينا محمد ﷺ لا يعلم من الغيب إلا ما علمه الله ﷾ ويكون في ذلك إرشاد للنبي ﷺ أن يفوض العلم إلى الله ولو كان المعنى لا يعلم عدتهم أحد لكان مناقضًا لقوله (مَا يَعْلَمُهُمْ إِلاَّ قَلِيلٌ) فإن الآية تدل على أن قليلًا من الناس يعلمون عدتهم وعلى هذا فعدتهم سبعة وثامنهم كلبهم وهؤلاء السبعة فتية آمنوا بالله ﷿ إيمانًا صادقًا فزادهم الله تعالى هدى لأن الله ﷿ إذا علم من عبده الإيمان والاهتداء زاده هدى كما قال تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تقواهم) هؤلاء الفتية كانوا مؤمنين بالله وزادهم الله تعالى هدى علمًاَ وتوفيقًا وكانوا في بلد أهلها مشركون فأووا إلى كهف يحتمون به من أولئك المشركين وكان هذا الكهف وجهه إلى الناحية الشرقية الشمالية كما يدل على ذلك قوله تعالى (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) وهذه الوجهة أقرب ما يكون إلى السلامة من حر الشمس وإلى برودة الجو بقوا على ذلك ثلاثمائة سنين وازدادوا تسعًا والله ﷿ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال في نومهم هذا وقد ألقى الله الرعب على من أتى إليهم كما قال تعالى (لَوْ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا) كل ذلك حماية لهم ثم إن هؤلاء القوم بعد هذه المدة الطويلة أيقظهم الله من رقادهم ولم يتغير منهم شيء لا في شعورهم ولا في أظفارهم ولا في أجسامهم بل الظاهر والله أعلم أنه حتى ما في أجوافهم من الطعام قد بقي على ما هو عليه لم يجوعوا ولم يعطشوا لأنهم لما بعثهم الله ﷿ تساءلوا بينهم (قَالَ قَائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ) وهذا يدل على أنه لم يتغير منهم شيء وأن ما ذكر من أن أظفارهم زادت وشعورهم طالت هو كذب لأنه لو كان الأمر هكذا لعرفوا أنهم قد بقوا مدة طويلة هؤلاء القوم في قصتهم عبرة عظيمة حيث حماهم الله ﷿ من تسلط أولئك المشركين عليهم وآواهم في ذلك الغار هذه المدة الطويلة من غير أن يتغير منهم شيء وجعل ﷾ يقلبهم ذات اليمين وذات الشمال لئلا تتأثر الجنوب التي يكون عليها النوم وحماهم الله ﷿ بكون من اطلع عليهم يولي فرارًا ويملأ منهم رعبًا والخلاصة التي تستخلص من هذه القصة هي أن كل من التجأ إلى الله ﷿ فإن الله تعالى يحميه بأسباب قد يدركها وقد لا يدركها وهو مصداق قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنْ الَّذِينَ آمَنُوا) فإن مدافعة الله عن المؤمنين قد تكون بأسباب معلومة وقد تكون بأسباب مجهولة لهم فهذا يرشدنا إلى أن نحقق الإيمان بالله ﷿ والقيام بطاعته. وأما أصحاب السبت فإن قصتهم أيضًا عجيبة وفيها عبر أصحاب السبت أهل مدينة من اليهود حرم الله عليهم صيد الحيتان يوم السبت وابتلاهم الله ﷿ حيث كانت الحيتان يوم السبت تأتي شرعًا على ظهر الماء كثيرة وفي غير يوم السبت لا تأتي فضاق عليهم الأمر وقالوا كيف ندع هذه الحيتان لكنهم قالوا إن الله حرم علينا أن نصيدها في يوم السبت فلجؤوا إلى حيلة فوضعوا شباكًا في يوم الجمعة فإذا كان يوم السبت وجاءت الحيتان ودخلت في هذه الشباك انحبست بها فإذا كان يوم الأحد جاؤوا فأخذوها فقالوا إننا لم نأخذ الحيتان يوم السبت وإنما أخذناها يوم الأحد ظنوا أن هذا التحيل على محارم الله ينفعهم ولكنه بالعكس فإن الله تعالى جعلهم قردة خاسئين قال الله تعالى (وَلَقَدْ عَلِمْتُمُ الَّذِينَ اعْتَدَوْا مِنْكُمْ فِي السَّبْتِ فَقُلْنَا لَهُمْ كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ) ففي هذه القصة من العبر أن من تحيل على محارم الله فإن حيلته لا تنفعه وأن التحيل على المحارم من خصال اليهود وفيه أيضًاَ من العبر ما تدل عليه القصة في سورة الأعراف (وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعًا وَيَوْمَ لا يَسْبِتُونَ لا تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ*وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ*فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ) فقد أنقسم أهل هذه القرية ثلاثة أقسام قسم اعتدوا وفعلوا ما حرم الله عليهم بهذه الحيلة وقسم نهوهم عن هذا الأمر وأنكروا عليهم وقسم سكتوا بل ثبطوا الناهين عن المنكر وقالوا (لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا) وقد بين الله ﷾ أنه أنجى الذين ينهون عن السوء وأنه أخذ الذين ظلموا بعذاب بئيس بما كانوا يفسقون وسكت عن الطائفة الثالثة وفيه دليل على خطورة هذا الأمر أي على خطورة من كان ينهى الناهين عن السوء فيقولون مثلًا إن الناس لن يبالوا بكلامكم ولن يأتمروا بالمعروف ولن ينتهوا عن منكر وما أشبه ذلك من التثبيط عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وفيه أيضًا دليل على أنه يجب على الإنسان أن يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر سواء ظن أنه ينفع أم لن ينفع معذرة إلى الله ولعل المنهي يتقي الله ﷿. ***
عبده علي يقول ما تفسير قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ الَّذِي آتَيْنَاهُ آيَاتِنَا فَانسَلَخَ مِنْهَا فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَانُ فَكَانَ مِنْ الْغَاوِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير هذه الآية الكريمة أن الله أمر نبيه محمدا ﷺ أن يتلو على الناس قصة هذا الرجل الذي آتاه الله آياته أي علمه أحكام شريعته وبينها له ولكنه والعياذ بالله انسلخ منها وتركها فتبعه الشيطان فأغواه قال الله ﷿ (وَلَوْ شيءنَا لَرَفَعْنَاهُ بِهَا) أي ولو شيءنا لرفعناه بآياتنا فجعلناه يعمل بها ويقوم بواجبها فإذا فعل ذلك رفعه الله تعالى بها ولكنه أي هذا الذي أتاه الله الآيات ليس أهلًا لأن يرفعه الله بها لأنه أخلد إلى الأرض ومال إليها وصار أكبر همه أن ينال حظوظه من الدنيا سواء كان يريد الجاه أو المال أو المرتبة أو غير ذلك واتبع هواه فيما أخلد إليه فمثله كمثل الكلب يلهث دائمًا سواء حملت عليه أم لم تحمل فمن هذا الرجل الذي له هذا المثل قال الله تعالى (ذَلِكَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا فَاقْصُصْ الْقَصَصَ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) فهذا هو الكافر الذي آتاه الله تعالى العلم وبين له الشرع على أيدي رسله الكرام عليهم الصلاة والسلام ولكنه أبى إلا أن يتبع هواه ويخلد إلى الأرض فصار هذا مآله نسأل الله العافية. ***
السائل أبو عبد الله يقول في قصة آدم وحواء المذكورة في تفسير آية الأعراف قال بعض العلماء إنها قصة باطلة لكن الشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ ذكرها في كتاب التوحيد فما رأيكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القصة غير صحيحة وقد بينا في كتابنا شرح كتاب التوحيد الأوجه الدالة على أنها غير صحيحة ولا ندري لماذا وضعها الشيخ ﵀ في كتابه. ***
الأنفال
أم فيصل الشمري من الرياض تقول ما تفسير قوله تعالى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لا يَعْقِلُونَ (٢٢) وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بهذا الكفار كما قال ﷿ في آية أخرى (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال الله تعالى عنهم (إِنْ هُمْ إِلاَّ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا) فهم صم لا يسمعون الحق سماع انتفاع به بكم لا يتكلمون بالحق عمي لا يرون الحق فهؤلاء شر الدواب عند الله ﷿ وهم الكفار عموما حتى اليهود والنصارى بعد بعثة الرسول ﷺ يدخلون في هذه الآية (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) . ***
الأخت أم عبد الله تقول ما معنى قوله تعالى (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله ﷾ يحول بين المرء وقلبه فيريد الإنسان شيئًا ويعزم عليه وإذا به ينتقض عزمه ويتغير اتجاهه فيكون الله تعالى حائلًا بين المرء وقلبه وفي هذا تحذيرٌ للعباد من أن يحول الله تعالى بين العبد وقلبه فيزل ويهلك فعلى المرء أن يراقب قلبه دائمًا وينظر ما هو عليه حتى لا يزل ويهلك. ***
التوبة
ما حكم البسملة في أول سورة التوبة ولماذا لم تكتب فيها أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البسملة في أول سورة التوبة غير مشروعة لأن الصحابة ﵃ حين كتبوا المصحف لم يكتبوها وهذا يدل على أنها لم تنزل أعني البسملة بين سورة الأنفال وسورة براءة ولهذا عدل الصحابة ﵃ عنها ولم يكتبوها. ***
صالح حمزة من السودان يقول في رسالته لماذا لم تفتتح سورة التوبة بالبسملة مثل جميع السور في القرآن الكريم وما تفسير قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم تفتتح هذه السورة بالبسملة لأن ذلك لم يرد عن النبي ﷺ ولو ورد عن النبي ﷺ لكان محفوظًا وباقيًا وقد ورد عن الصحابة ﵃ أنه أشكل عليهم هل سورة براءة بقية سورة الأنفال أو أنها سورة مستقلة وذلك لأنه لم يثبت عن النبي ﷺ ورود البسملة بينها وبين الأنفال فلهذا جعلوا بينهما فاصلًا وسموا كل واحدة منهما باسمها الخاص ولم يجعلوا بينهما بسملة وكان هذا من الحكمة لأنهم لو كتبوا البسملة لكان ذلك واضحًا ولو تيقن الصحابة ﵃ أنهما سورة واحدة لما جعلوا بينهما فاصلًا وكأنهم ﵃ رأوا أن يجعلوا هذا الفاصل دون أن يضعوا بسم الله الرحمن الرحيم وأما قوله ما معنى قوله تعالى (بَرَاءَةٌ مِنْ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّمْ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) فالمعنى أن هؤلاء الذين جرى بينهم وبين النبي ﷺ عهد معفون من قتالهم مبرؤون منه ولهذا قال (فَسِيحُوا فِي الأَرْضِ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ) وهذا إذا كان بين المسلمين والمشركين عهد دعت الحاجة إلى عقده فإنه يجب على المسلمين ألا يتعرضوا للكفار في هذا العهد الذي جرى بينهم. ***
أبو بكر حبيب الحاتمي من الصومال بينسور يقول لماذا لم تبتدأ سورة التوبة بالبسملة كغيرها من السور فإننا إذا أردنا قراءتها نقول قبل البدء فيها أعوذ بالله من النار ومن شر الكفار ومن غضب الجبار والعزة لله ولرسوله ثم نبدأ في السورة فهل هذا مشروع أم مخالف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدعاء الذي ذكرت عند بداية سورة براءة هذا مبتدع لا أصل له ولا يجوز للإنسان أن يبتدئ به السورة وقد رأيت وأنا صغير هذا مكتوبا على هامش بعض المصاحف والواجب لمن اطلع عليه أن يطمسه وأن يزيله لأن هذا من البدع الذي لم ترد عن النبي ﵊ وأما بالنسبة لشق السؤال الأول وهو أنه لم تبتدأ هذه السورة بالبسملة فلأنها هكذا جاءت وأنه لو كانت البسملة منزلة فيها لكانت محفوظة ولكانت موجودة لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وقد أشكل على الصحابة ﵃ فيما يروى عن عثمان هل هي سورة مستقلة أم آخر سورة الأنفال فوضعوا بينهما فاصلًا بدون بسملة ووضع الفاصل هنا حكم بين حكمين لأنه لو ثبت أنه من بقية الأنفال لم يكن هناك فاصل ولا بسملة ولو ثبت أنها مستقلة لكان بالبسملة والفاصل فلما لم يثبت هذا ولا هذا جعلوا فاصلًا وكان هذا من الاجتهادات الموافقة للصواب فإني أعلم علم اليقين أن لو كانت البسملة نازلة أمام هذه السورة لكانت باقية بلا شك لأن الله يقول (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) وعلى هذا فلا يشرع للإنسان إذا ابتدأ بسورة براءة أن يقول بسم الله الرحمن الرحيم. ***
هاشم يوسف مصري يقول هل الأشهر الحرم ما زالت حرمًا عند الله تعالى أم تم نسخها وما الدليل على ذلك فأجاب رحمه الله تعالى: الأشهر الحرم أربعة كما قال الله تعالى (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ) وهي ثلاثة متوالية ذو القعدة وذو الحجة والمحرم وواحد منفرد وهو رجب هذه الأشهر الحرم لها مزيد عناية في تجنب الظلم سواء كان ظلمًا فيما بين الإنسان وبين ربه أو ظلمًا فيما بينه وبين الخلق ولهذا قال الله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الشَّهْرِ الْحَرَامِ قِتَالٍ فِيهِ قُلْ قِتَالٌ فِيهِ كَبِيرٌ) واختلف العلماء ﵏ في القتال في هذه الأربعة الحرم هل هو باقٍ تحريمه أم منسوخ فجمهور أهل العلم على أنه منسوخ لأن الله تعالى أمر بقتال المشركين كافة على سبيل العموم وذهب آخرون من أهل العلم إلى أن التحريم أي تحريم القتال في هذه الأشهر باق وأنه لا يجوز لنا أن نبتدئ الكفار بالقتال فيها لكن يجوز لنا الاستمرار في القتال وإن دخلت الأشهر الحرم وكذلك يجوز لنا قتالهم إذا بدؤونا هم بالقتال في هذه الأشهر فالمسألة إذًا خلافية هل يجوز ابتداء القتال فيها أي في هذه الأشهر الأربعة الحرم أو لا يجوز والأمر في هذا موكول إلى ولاة الأمور الذين يدبرون أمور الحرب والجهاد ***
من الجزائر يقول ما هو النسيء في قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) النسيء هو أن الأربعة الأشهر الحرم يحرم فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب فكانوا في الجاهلية إذا أرادوا القتال في المحرم وهم يعتقدون أنه حرام قالوا نؤجل تحريم هذا الشهر أعني شهر المحرم إلى صفر فيؤجلونه ويقاتلون في المحرم ويقولون نحن حرمنا بدله صفر وهذا تأخيرٌ للتحريم من شهر محرم إلى شهر صفر وقد قال الله تعالى عنه زيادة في الكفر لأنه تغييرٌ لما حرم الله ﷿ ونقلٌ للتحريم من زمن إلى زمنٍ آخر ولهذا قال الله تعالى إنه (زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) فيقولون نحن حرمنا القتال في أربعة أشهر من السنة (فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يحلوا القتال في المحرم مثلًا. ***
من اليمن توفيق عبد الواسع ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم النسيء بمعنى التأخير كانت العرب في جاهليتها لتلاعبها كانت أحيانا تجعل المحرم صفرا وصفرا محرما وشهر المحرم معروف أنه شهر لا يجوز فيه القتال فيكيفون هذا على رغبتهم إن كانت رغبتهم أن يقاتلوا في المحرم قاتلوا وأخروا تحريمه إلى صفر فأخروا التحريم إلى شهر آخر بعده يقول ﷿ إن هذا زيادة في الكفر (يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ) يعني يأتوا بشهر واحد محرم فيحلوا ما حرم الله وفي الآية الكريمة دليل على أن الكفر يزيد وينقص كالإيمان يزيد وينقص فالإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية والكفر يزيد بالسيئات الزائدة على أصل الكفر ولهذا يعاقب الكافر عليها أي على السيئات الزائدة على الكفر كما قال الله ﵎ (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩) فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ (٤٠) عَنْ الْمُجْرِمِينَ (٤١) مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ) يعني يقولون لهم ما أدخلكم في النار (قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصلىنَ (٤٣) وَلَمْ نَكُ نُطْعِمُ الْمِسْكِينَ (٤٤) وَكُنَّا نَخُوضُ مَعَ الْخَائِضِينَ (٤٥) وَكُنَّا نُكَذِّبُ بِيَوْمِ الدِّينِ (٤٦) حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ) وهذا دليل على أن لتركهم الصلاة وإطعام المسكين أثرا في تعذيبهم في سقر. ***
عويض عميش العتيبي من الطائف يقول ما معنى قول الله تعالى في سورة التوبة (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ يُضَلُّ بِهِ الَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عَامًا وَيُحَرِّمُونَهُ عَامًا لِيُوَاطِئُوا عِدَّةَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ فَيُحِلُّوا مَا حَرَّمَ اللَّهُ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّمَا النَّسِيءُ زِيَادَةٌ فِي الْكُفْرِ) النسيء معناه التأخير وكانوا في الجاهلية يعتقدون تحريم شهر المحرم لأنه أحد الأشهر الحرم الأربعة التي ذكرها الله تعالى في قوله (إ نَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وهي ثلاثة متوالية وشهر منفرد فالمتوالية هي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم والمنفرد هو شهر رجب فكانوا في الجاهلية يؤخرون شهر المحرم يحلونه ويجعلون التحريم في شهر صفر ويقولون نحن جعلنا أربعة أشهر في السنة محرمة فوافقنا ما حرم الله ولكنهم في الحقيقة أحلوا ما حرم الله تعالى وهو شهر المحرم وتأخيرهم له إلى صفر هذا ضلال منهم وزيادة في الكفر ولهذا قال الله ﷿ (زُيِّنَ لَهُمْ سُوءُ أَعْمَالِهِمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) . ***
سوداني معار بالجمهورية العربية اليمنية يقول في سؤاله الأول أخرجت زكاة مالي البقر وأعطيتها لزوجتي باعتبار أنها زكاة وعلى حسب ظني أنها تدخل في نطاق العاملين عليها بمعنى أنها تعينني في رعاية تلك الأبقار وتعد الطعام للعمال الذين يقومون برعاية وسقي تلك الأبقار فهل يصح ذلك وإذا كان غير صحيح فهل علي أن أخرج تلك الزكاة التي مر عليها أربع سنوات مرة أخرى وما معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن معنى قوله تعالى (وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا) أي على الزكاة والمراد بذلك الطائفة الذين تقيمهم الدولة لقبض الزكاة ممن تجب عليهم وصرفها في مستحقيها هؤلاء هم العاملون عليها وليس المراد بالعاملين عليها العاملين على المال الزكوي كما ظنه هذا السائل وعلى هذا فإخراج زكاته إلى زوجته بهذه النية لا يجزئه والواجب عليه أن يعيد ما أخرجه بمعنى أن يزكي ماله عن السنة التي أخرج الزكاة فيها إلى زوجته بهذه النية فإذا كان قد أعطاها بقرة أو بقرتين فإنه يخرج الآن بقرة أو بقرتين المهم أنه يضمن الزكاة أو يضمن ما دفعه لامرأته فيخرجه الآن وإني أنصح هذا الرجل وغيره وأقول إن الواجب على المسلم أن يعلم أحكام الله تعالى في عبادته قبل أن يفعلها ليعبد الله تعالى على بصيرة أما كونه يتعبد لله تعالى بالجهل فإن هذا نقص عظيم وربما يفعل شيئًا يحبط العمل وهو لا يدري وربما يترك شيئًا لا بد من وجوده في العمل وهو لا يدري فالواجب على المرء أن يتعلم من أحكام دينه ما تدعو الحاجة إليه والله المستعان. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ) وقوله تعالى (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا) من هم الثلاثة الذين خلفوا وما سبب نزول هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ) فإن هذه الآية يعد الله ﷾ فيها أنه سيري هؤلاء المكذبين لرسول الله ﷺ سيريهم آياته أي العلامات الدالة على صدق نبيه ﷺ وصحة رسالته والسين هنا للتنفيس والتحقيق وهو وقوع الشيء عن قرب وقوله (فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ) الآفاق جمع أفق وهي النواحي سيريهم الله ﷿ الآيات الدالة على صدق النبي ﷺ في الآفاق في فتحه للبلاد وإسلام أهلها وربما تكون الآفاق هنا أوسع من الفتوحات فيكون كل ما يظهر من الأمور الأفقية شاهدًا لما جاء به القرآن فإنه يكون دليلًا على صدق رسالة النبي الله ﷺ وصحة نبوته وقوله (وَفِي أَنْفُسِهِمْ) أي في أنفس هؤلاء المكذبين حيث تكون الدولة عليهم فيغلبون وتكون الغلبة لرسول الله ﷺ وقوله: (حتى يتبين لهم أنه الحق) أي حتى يظهر ويبين أن ما جاء به النبي ﷺ هو الحق ثم قال تعالى (أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ) يعني أو لم تكف شهادة الله تعالى على كل شيء عن كل آية فإن شهادة الله على الشيء أعظم من شهادة غيره وكفى بالله شهيدا وشهادة الله تعالى لرسوله بالحق نوعان شهادة قولية وشهادة فعلية. أما الشهادة القولية فإن الله تعالى قال في القرآن الكريم (لَكِنْ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنزَلَ إِلَيْكَ أَنزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا) فهذه شهادة قولية بما أنزل الله على رسوله ﷺ. وأما الشهادة الفعلية فهي تمكين الله تعالى لرسوله محمد ﷺ في الأرض ونصره إياه وإدالته على أعدائه فإنه إن كان ﷺ غير صادق فيما جاء به من الرسالة والنبوة ما مكن الله له لأن الله تعالى لا يمكن أن يمكن لظالم في أرضه كما قال الله تعالى (وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِي الصَّالِحُونَ) وقال تعالى (وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمْ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا) ولهذا كل من ادعى النبوة بعد رسول الله ﷺ فإن الله تعالى لا يمكن له ولا ينصره بل يخذله ويبين كذبه حتى يظهر للناس أمره وذلك لأن النبي ﷺ خاتم النبيين فلا نبي بعده ﷺ وأما الآية الثانية وهي قول السائل من هؤلاء الثلاثة الذين خلفوا الثلاثة هم كعب بن مالك وهلال بن أمية ومرارة بن الربيع هؤلاء الثلاثة تخلفوا عن غزوة تبوك التي قادها النبي ﵊ وكانت في وقت حار والثمار قد طابت والظل محبوب للنفوس ولهذا بين النبي ﵊ في هذه الغزوة أنه سيذهب إلى كذا وكذا فبين للناس جهة قصده مع أنه كان من عادته إذا أراد غزوة ورَّى بغيرها ﵊ لكن لما كانت هذه الغزوة بعيدة المسافة وكان الذين يقابلون المسلمين بها جمع كثير من الروم بيَّن النبي ﷺ وجهة قصده حتى يكون الناس على بينة من أمرهم، تخلف هؤلاء الثلاثة ﵃ عن هذه الغزوة بدون عذر فأنزل الله تعالى فيهم (وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وكان من قصتهم أن النبي ﷺ لما قدم المدينة راجعًا من تبوك جاء إليه المنافقون يعتذرون وكان النبي ﷺ يقبل ظواهرهم ويكل سرائرهم إلى الله ﷿ فيستغفر لهم حين يقولون إن لنا عذرًا بكذا وبكذا وبكذا فيستغفر لهم أما كعب بن مالك وصاحباه ﵃ فقد صدقوا النبي ﷺ وأخبروه بالخبر الصحيح بأنهم تخلفوا بلا عذر فأرجأ النبي ﷺ أمرهم حتى يحكم الله فيهم وأمر الناس بهجرهم وعدم إيوائهم وعدم الكلام معهم حتى إن كعب بن مالك ﵁ جاء إلى أبي قتادة وكان ابن عمه فتسور عليه حائطه وسلم عليه ولكنه لم يرد ﵇ لأن النبي ﷺ أمر بهجرهم وكان هو أي كعب يأتي إلى النبي ﷺ فيسلم عليه يقول فلا أدري أحرك شفتيه برد السلام أم لا مع كمال حسن خلق النبي ﷺ ولما بقوا أربعين ليلة أمر النبي ﷺ أن يعتزلوا نساءهم كل هذا مبالغة في هجرهم وتعزيرًا عن تخلفهم حتى يقول الله تعالى في أمرهم ما يريد وكان في هذه القصة التي بلغت منهم هذا المبلغ العظيم ضاقت عليهم الأرض بما رحبت وضاقت عليهم أنفسهم وظنوا أي أيقنوا أن لا ملجأ من الله إلا إليه حتى إن كعب بن مالك يقول تنكرت لي الأرض فلم تكن الأرض التي أنا أعرفها وتنكر له الناس لا يؤوونه ولا يسلمون عليه ولكن بعد أن مضى خمسون ليلة أنزل الله تعالى الفرج بتوبته عليهم فلما صلى النبي ﵊ الصبح أخبر الناس أن الله قد أنزل توبتهم فزال هذا الغم الشديد والكرب العظيم الذي أصابهم في هذه المحنة وكانت هذه المحنة محنة عظيمة في عاقبتها حيث صبروا على ما قضى به النبي صلى لله عليه وسلم من هجرهم وصبروا على هذه النكبة العظيمة مع أن كعب بن مالك ﵁ أتاه كتاب من ملك غسان يقول فيه إنه قد بلغنا أن صاحبك قد هجرك أو قد قلاك يعني النبي ﷺ فالحق بنا نواسك يعني ائت إلينا نواسك ونجعلك مثلنا ولكنه ﵁ لقوة إيمانه لما أتاه هذا الكتاب عمد إلى التنور فسجره به وأحرقه وصبر وإلا فإن الفرصة مواتية له لو كان يريد الدنيا لكنه يريد الآخرة فكانت النتيجة هذه النتيجة العظيمة التي تعتبر من أعظم المفاخر أنزل الله فيهم كتابًا يتلى إلى يوم القيامة (لَقَدْ تَابَ اللَّهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١١٧) وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمْ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّوا أَنْ لا مَلْجَأَ مِنْ اللَّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُوا إِنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) ومعنى قوله (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني خلفهم النبي ﷺ وأرجأ أمرهم فلم يقض فيهم بشيء سوى أن أمر بهجرهم وليس معنى (الَّذِينَ خُلِّفُوا) يعني تخلفوا عن الغزوة ولو كان هذا هو المراد لقال الله ﷿ وعلى الثلاثة الذين تخلفوا لكنه قال (الَّذِينَ خُلِّفُوا) أي خلف النبي ﵊ أمرهم وأرجأه حتى يقضي الله فيه ما أراد وفي قوله ﷾ (أَنَّ اللَّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) دليل على كثرة توبة الله ﷿ على عباده لأن التواب صيغة مبالغة تعني الكثرة وعلى أنه ﷿ يحب التوبة على عباده وهذا ظاهر في النصوص من الكتاب والسنة كما قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) وقال النبي ﵊ (لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم براحلته) وذكر ﷺ (أن هذا الرجل أضاع راحلته في أرض فلاة وعليها طعامه وشرابه فطلبها فلم يجدها فاضطجع في ظل شجرة ينتظر الموت لأنه أيس من الحياة فاستيقظ وإذا بخطام ناقته متعلقًا بالشجرة فأخذ بخطامها وقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك أخطأ من شدة الفرح) فإذا كان الله ﷿ يحب التوبة من عبده فهو كذلك يحب التوبة على عبده والعبد يتوب إلى الله والله ﷿ يتوب على العبد نسأل الله تعالى أن يتوب علينا وعلى إخواننا المسلمين. ***
سورة يونس
من العراق صفوان خليل سعيد محافظة نينوى ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية يخبر الله أن الناس كانوا أمة واحدة أي على دين واحد وهو دين الفطرة ولكن اختلفوا حين طال بهم الزمن فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه فانقسم الناس في قبول هؤلاء الرسل قسمين منهم من آمن ومنهم من كفر ولو شاء الله ﷿ لقضى بينهم في الدنيا فأهلك الكافرين وأبقى المؤمنين وصارت الدولة لهم وحينئذ تبقى الأمة واحدة على الإيمان فتفوت الحكمة العظيمة من اختلاف الأمة وانقسامها إلى مؤمن وكافر وهذه هي الكلمة التي سبقت من الله ﷿ أن يبقى الناس على قسمين مؤمن وكافر حتى يكون للنار أهلها وللجنة أهلها. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية جزء من آية كريمة ذكرها الله ﷿ في سورة يونس في قوله (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنْ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتْ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ (٢٤) وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) ففي هذه الآية الكريمة يضرب الله مثل الدنيا وما فيها من الزخارف والزهوة والزينة وغيرها يضربه الله بماء أنزله من السماء إلى أرض يابسة هامدة فاختلط به نبات الأرض أي أنبتت هذه الأرض من كل زوج بهيج ومن كل صنف واختلط النبات بعضه ببعض لوفرته ونموه مما يأكل الناس والأنعام أي من طعام الآدميين وطعام البهائم والثمار التي يأكلها الآدميون والزروع هكذا حتى أصبحت بهجة للناظرين ولما أخذت الأرض زخرفها وازينت وطابت ثمارها ونضجت وظن أهلها أنهم قادرون عليها وأنهم سوف يجنونها عن قرب وبكل سهولة أتاها أمر الله تعالى إما ليلًا وإما نهارًا رياح عاصفة أو ثلوج أو صواعق أو غير ذلك مما أهلكها ودمرها فكانت حصيدا كأن لم تغن بالأمس أي كأن لم تكن موجودة على ذلك الوجه البهيج الذي يسر الناظر أصبحت حصيدًا هامدًا هكذا الحياة الدنيا تزهو لصاحبها وتتطور ويصبح صاحبها كأنه لن يموت كأنه سيبقى فيها لما حصل له من الغرور في هذه الدنيا ثم بعد ذلك يفجؤه الموت فإذا هو ذاهب وإذا المال مبعثر في الورثة وكل ما كان كأن لم يكن والله ﷿ إنما ضرب هذا المثل لئلا نغتر بالدنيا لأجل أن نحترز منها ومن غرورها وألا نقدمها على الآخرة لأنها فانية زائلة لا خير فيها إلا ما كان عونًا على طاعة الله ﷾ ولهذا أعقب ذلك المثل بقوله (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) أي إلى الجنة التي هي دار السلام السالمة من كل نقص وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وفيها النعيم المقيم التي من دخلها ينعم ولا يبأس ويصح ولا يمرض ويحيا ولا يموت وهم في سرور دائم وفي نعيم مقيم فانظر أيها الإنسان وقارن بين دار السلام السالمة من كل آفة وبين الدنيا التي مهما تطورت وازدهرت وازدانت فإنها عند التمام يكون الفناء واعتبر يا أخي ببقائك في هذه الدنيا فإن عمل الآخرة أقل وأهون وأكثر فائدة من عمل الدنيا وأنا أضرب لك مثلًا واحدًا يكفيك عن غيره من الأمثال أنفقت درهمًا في سبيل الله درهمًا واحدًا في سبيل الله ﷿ ابتغاء مرضاته هذا الدرهم يضاعف إلى عشرة أمثاله إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الدرهم يكون عشرة والعشرة تكون إلى سبعمائة إلى أضعاف كثيرة لا يحصيها إلا الله ﷿ وأنت لم تعمل عملًا شاقًا غاية ما هنالك أنك أوصلت هذا الدرهم إلى مستحقيه ابتغاء وجه الله لكن انظر إلى الدنيا تجوب الفيافي وتضرب الأخطار من أجل أن تربح خمسة دراهم إلى العشرة أو أقل من خمسة دراهم في العشرة مع المشقة والعناء وربما لا تربح أيضًا أي العملين أهون وأي العملين أكثر فائدة وأعظم نتيجة وأضمن وأسلم أعتقد أن الجواب هو أن عمل الآخرة أهون وأسهل وأعظم نتيجة وأوثق كذلك تصلى في بيتك يكتب لك أجر وتصلى في المسجد يضاعف لك الأجر فصلاة الجماعة أفضل من صلاة الفذ بسبع وعشرين درجة عمل يسير والربح كثير والناس الآن لو قيل لهم أنكم تربحون الواحد بخمسة لذهب الإنسان إلى بلاد بعيدة من أجل هذا الربح القليل الذي قد يكون مضمونًاَ وقد يكون غير مضمون لكنه لا يذهب إلى المسجد إلا من هدى الله ﷿ مع أن الربح مضمون وكثير وبهذا تتبين مناسبة قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) بعد ذكر مثل الحياة الدنيا وما تؤول إليه وتأمل قوله تعالى (وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلامِ) حيث عمم في الدعوة بأن الله تعالى يدعو كل أحد إلى دار السلام ولكنه في الهداية قال (وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ) فليس كل من سمع دعوة الله أجاب الدعوة ولكن يجيبها من وفقه الله ﷿ وهداه إلى صراط مستقيم اللهم نسألك أن تهدينا وإخواننا المسلمين صراطك المستقيم. ***
من أثيوبيا أخوكم في الله محمد زين الدين خليل يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِكُلِّ أُمَّةٍ رَسُولٌ) وقوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) وأيضًا الآية (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلاَّ خلا فِيهَا نَذِيرٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات لا تتعارض فإن الله تعالى بعث في كل أمة رسولًا كما قال تعالى (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنْ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ) وقال الله ﷿ (إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُورًا (١٦٣) وَرُسُلًا قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلًا لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيمًا (١٦٤) رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لئلاَ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) فلابد لكل أمة من رسول ولكل أمة من نذير ينذرها عذاب الله ﷿ ويبشرها برحمته لمن أطاع وأما قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا إِلَيْهِمْ قَبْلَكَ مِنْ نَذِيرٍ) فالمراد أن الله تعالى لم يرسل إلى العرب نذيرًا قبل محمد ﷺ ولهذا ليس من العرب رسول إلا محمد ﷺ وهو دعوة إبراهيم وإسماعيل حيث قال ﵊ أعني إبراهيم (رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولًا مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) فلم يبعث الله ﷿ نذيرًا إلى العرب إلا محمدًا ﷺ بعثه الله تعالى نذيرًا ولكافة الناس كما قال الله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْييِ وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ) ***
السائل يعقوب بابكر عمر من السودان له سؤال عن آية كريمة يقول في سؤاله يقول الله ﵎ في كتابه العزيز (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ (٦٢) الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) من هم هؤلاء الأولياء وما هي صفاتهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هؤلاء الأولياء تكفل الله ﷿ ببيانهم فقال (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ) وهذه أوصافهم من كان مؤمنًا تقيًا كان لله وليًا وليست الولاية بطول الأكمام ولا بكبر العمامة ولا بطول المسواك الولاية بالإيمان والتقوى فمتى عرفنا أن هذا الرجل من المؤمنين المتقين الذين لم يجرب عليهم معاصٍ لا بترك واجب ولا بفعل محرم مع الاستقامة عرفنا أنهم من أولياء الله ولكن هل أولياء الله ينفعون الإنسان بعد موته -أي- بعد موت الولي الجواب لا. لا ينفعونه ولهذا لا يجوز للإنسان أن يذهب إلى قبر من يقال إنه ولي ويقول يا سيدي أنا فقير فأغنني إن قال هذا كفر وأشرك بالله ولا كما يقال تأتي المرأة وتأخذ ترابًا من قبر من يقال إنه ولي ثم تجعله في ماءٍ وتشربه من أجل أن يأتيها الولد كل هذا لا حقيقة له ولا صحة له ولا يجوز والولي لا ينفع إلا نفسه فقط في الحياة ربما يدعو للشخص ويستجاب له أو لا يستجاب أما بعد الموت فلا ينفع أحدًا. ***
أبو إبراهيم يقول ما معنى قوله تعالى (وَاجْعَلُوا بُيُوتَكُمْ قِبْلَةً) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى اجعلوا بيوتكم مكانا تستقبلون فيه الناس لأن في ذلك تأليفا بالناس وفيه أيضا كرم وخير فالمعنى اجعلوها قبلة يعني قبلة للناس يأتمون يأتون إليها ويشهدون ما أنتم عليه من الحق. ***
سورة هود
محمد زين الدين من أثيوبيا ما هو التوفيق بين الآيتين الكريمتين في سورة هود أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لا يُبْخَسُونَ) والآية الأخرى في سورة الإسراء (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ) الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجمع بين الآيتين هو أن نقول إن آية هود مقيدة بآية الإسراء فقوله تعالى (نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا) أي إذا شيءنا وتكون الآية هذه مقيدة بقوله تعالى (عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ) وحينئذ ليس بين الآيتين تعارض وبالمناسبة أقول إن كل نصين صحيحين لا يمكن التعارض بينهما فالنصان من كتاب الله لا يمكن التعارض بينهما والنصان من كلام الرسول ﷺ الثابتة عنه لا يمكن التعارض بينهما فإذا وقع مايوهم في التعارض فإما أن يكون الرجل الذي ظن التعارض واهمًا وإما أن يكون جاهلًا إما أن يكون واهمًا حيث ظن حسب فهمه أن بينهما تعارضًا وليس بينهما تعارض أو يكون جاهلًا بحيث يكون بينهما تعارض لكن كان هناك تخصيص أو تقييد لا يفهمه هو أولا يعلمه فيكون بذلك جاهلًا أما أن يقع التعارض حقيقة بين نصين من كتاب الله أو نصين من سنة رسول الله ﷺ الثابت عنه فهذا أمر لا يمكن أبدًا لأن كلام الله كله حق وكلام النبي ﷺ الثابت عنه كله حق والحقان لا يمكن أن يتعارضا لأن فرض تعارضهما يستلزم أن يكون أحدهما حقًا والثاني باطلًا وهذا منتفٍ في كلام الله وكلام رسوله ﷺ وحينئذ إذا ظننت التعارض بين نصين فعليك أن تتدبر النصين فإن ظهر لك الجمع فذاك والا فاسأل أهل العلم لقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فإن لم يتيسر لك ذلك فعليك أن تتوقف وتقول سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم فإن هذا هو شان الراسخين في العلم قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) . ***
صالح علوش حسن من العراق نينوى يقول هل معنى قوله تعالى (قُلْنَا احْمِلْ فِيهَا مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ) أنه أمر لنوح ﵇ أن يحمل معه من كل كائن حي زوجين للمحافظة على بقاء الكائنات الحية على الأرض إذا كان الأمر كذلك فلماذا نرى أن الكثير من الكائنات الحية قد انقرضت والبعض الآخر في طريقه للانقراض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الآية الكريمة كما ذكر السائل أن الله أمره أن يحمل فيها من كل يعني من كل شيء من الأشياء زوجين اثنين وذلك لبقاء هذا النوع ولا يلزم أن يبقى هذا النوع إلى يوم القيامة فإن الله ﷾ قد يقدر عليه انقراضًا أو قلة أو انقراضًا في بعض الأماكن ووجودًا في بعض الأماكن يعني بقاءً في بعض الأماكن وهذا لا ينافي الآية الكريمة لأن الله تعالى لم يذكر فيها أن هذا المحمول في السفينة سيبقى نوعه إلى يوم القيامة حتى نقول إن هذا يخالف الواقع بل إنه شفق لبقاء هذا النوع المحمول إلى أن يأذن الله تعالى بانقراضه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أن الله تعالى قسم الناس في يوم القيامة قسمين قال الله تعالى (ذَلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ (١٠٣) وَمَا نُؤَخِّرُهُ إِلاَّ لأَجَلٍ مَعْدُودٍ (١٠٤) يَوْمَ يَأْتِ لا تَكَلَّمُ نَفْسٌ إِلاَّ بِإِذْنِهِ فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (١٠٥) فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (١٠٦) خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (١٠٧) وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتْ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ) ومعنى الآية أن هؤلاء الذين شقوا وهم الكفار فإنهم مخلدون في نار جهنم التخليد الأبدي كما قال الله ﵎ في سورة النساء (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَظَلَمُوا لَمْ يَكُنْ اللَّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقًا (١٦٨) إِلاَّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا) وقوال تعالى في سورة الأحزاب (إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الْكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيرًا (٦٤) خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لا يَجِدُونَ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا) وقال تعالى في سورة الجن (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقوله (إِلاَّ مَا شَاءَ رَبُّكَ) يعني إلا ما شاء ربك مما زاد على دوام السماوات والأرض لأن دوام السماوات والأرض له أجل محدود وليس أبديا وأما أهل النار فإنهم خالدون فيها تخليدا مؤبدا وأما قوله (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فهو كالجواب عن سؤال يقال فيه لماذا عذَّب الله تعالى أهل النار بالخلود فيها فقال (إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ) فلا معقب لحكمه ولا يسأل عما يفعل. ***
سورة يوسف
من جيزان ق. ن. م. يقول في الآية الكريمة (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما هو البرهان في هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البرهان ما جعله الله في قلبه من إنكار هذا الفعل وكثيرًا ما يهم الإنسان بالشيء فإذا لم يبق إلا التنفيذ فتح الله له نورا وتراجع وهذا هو الذي حصل ليوسف ﵊ أن إيمانه الذي في قلبه وهو البرهان من الله ﷿ منعه أن ينفذ ما أمرت به سيدته وهذا غاية ما يكون من العفة امرأة تكبره مرتبةً في هذا الموضع امرأة جميلة امرأة أوصدت جميع الأبواب وخلت به خلوةً تامة ودعته لنفسها وامتنع هذا غاية ما يكون من العفة وانظر إلى قصة الثلاثة الذين أووا إلى غار فانطبقت عليهم صخرة عجزوا عنها فتوسلوا إلى الله تعالى بصالح أعمالهم أن يفرج عنهم توسل الأول ببر والديه وتوسل الثاني بأمانته وأداء الأمانة توسل الثالث بالعفة لأنه كان له بنت عم وكان يحبها حبًا شديدًا وكان يراودها عن نفسها فتأبى فألمت بها سنةٌ من السنين واحتاجت وأتت إليه تطلبه المؤونة فأبى إلا أن تمكنه من نفسها ولضرورتها وافقت فلما جلس منها مجلس الرجل من امرأته قالت له اتقِ الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه فغلبته التقوى وقام عنها وهي أحب الناس إليه انظر كمال العفة الأمور أمامه متوفرة والإنسان في أشد ما يكون شوقا للفعل لأنه جلس منها مجلس الرجل من امرأته لكن لما ذكرته بالله ﷿ قام وهي أحب الناس إليه فيوسف ﵊ توفرت له جميع الوسائل لكن ما في قلبه من الإيمان والعفة والعصمة عن سفاسف الأمور أوجب له أن يدعها. ***
من العراق يقول في سورة يوسف يقول الله ﵎ (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) ما معنى البرهان هنا وما المقصود منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا لَوْلا أَنْ رَأَى بُرْهَانَ رَبِّهِ) وبرهان ربه الذي حال بينه وبين تنفيذ ما حصل فيه الهم هو الإيمان والخشية والخوف من الله ﷿ فإن الإنسان يحميه إيمانه بالله ﷿ وخوفه منه وخشيته له يحميه أن يقع في أمر حرمه الله ﷿ وكل من كان أعلم بالله كان منه أخوف وأشد منه خشية قال الله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فهو ﵊ رأى برهان الله ﷿ وهو النور الذي قذفه الله تعالى من الإيمان والخشية فمنعه ذلك من حصول ما كان فيه الهم وأما القول بأن والده تراءى له في مخيلته يحذره من ذلك فهو قول ضعيف لا تدل عليه الآية وما ذكرناه هو المتعين واللائق في مقام يوسف ﵊. ***
يقول السائل ورد في سورة يوسف اسم العزيز فمن هو العزيز هل هو فرعون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا العزيز ليس هو فرعون ويوسف ﵊ قبل فرعون بأزمان ولهذا ذكَّر المؤمن من آلِ فرعون آلَ فرعون بمجيء يوسف أو برسالة يوسف حيث قال لهم (وَلَقَدْ جَاءَكُمْ يُوسُفُ مِنْ قَبْلُ بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا زِلْتُمْ فِي شَكٍّ مِمَّا جَاءَكُمْ بِهِ) ويوسف بينه وبين موسى أزمان كثيرة فليس العزيز هنا فرعون وإنما العزيز ملك من ملوك مصر في ذلك الزمن. ***
سورة الرعد
السؤال التالي للمستمع إبراهيم محمد يونس ملة من العراق نينوى يقول ما معنى قوله تعالى (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ) من سورة الرحمن وقوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الآية الأولى معناها أن الله ﷾ يخبر إخبارًا يَعِد به من خاف مقام ربه بأن له جنتين وهاتان الجنتان بين الله تعالى ما فيهما من النعيم المقيم من المأكول والمشروب والمنكوح ترغيبًا لخوف الإنسان مقام ربه أي لخوفه من المقام الذي يقف فيه بين يدي الله ﷿ هذا الخوف الذي يوجب له الاستقامة على دين الله وعبادة الله تعالى حق عبادته لأن من خاف الله ﷿ راقبه وحذر من معاصيه والتزم بطاعته وثواب من أطاع الله ﷾ وأتقاه ثوابه الجنة كما قال الله ﵎ (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (١٣٣) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ) إلى آخر ما ذكر الله من أوصافهم وأما الآية الثانية وهي قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ) فمعناها أن الإنسان إذا استقام على طاعة الله فإن الله تعالى ينعم عليه ويزيده من نعمه لقوله تعالى (لَئِنْ شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ) فأما إذا انحرف عن طاعة الله ﷾ فإن الله تعالى يقول (وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) ويقول ﷾ (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) فمادام الإنسان على طاعة الله قائمًا بأمره مجتنبا لنهيه فليبشر بالخير وبكثرة النعم وبتحقيق قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأما إذا غير ما بنفسه من الإنابة إلى الله والإقبال عليه وبارز الله تعالى بالعصيان بفعل المحظورات وترك المأمورات فإن الله تعالى يغير عليه هذه النعمة. ***
سورة إبراهيم
من اليمن يقول في قوله تعالى (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ) ما المقصود بالكلمة الطيبة والشجرة الطيبة فأجاب رحمه الله تعالى: أما المقصود بالكلمة الطيبة فهي كلمة الإخلاص لا إله إلا الله وأما المقصود بالشجرة الطيبة فهي النخلة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي أكلها كل حين بإذن ربها كذلك كلمة الإخلاص تؤتي ثمرتها بالعمل الصالح المقرب إلى الله ﷿ فهي أصل وفروعها الأعمال الصالحة ولهذا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) لأن من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله فلابد أن يأتي بالأعمال الصالحة التي تتم بها هذه الكلمة ولهذا قال أهل العلم في تفسير كون كلمة الإخلاص مفتاح الجنة إن المفتاح لا يكون إلا بأسنان فلو أدخلت المفتاح وهو خشبة لتفتح به الباب لم يفتح إلا بأسنان وأسنانها الأعمال الصالحة ولهذا كان القول الراجح المؤيد بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح أن تارك الصلاة تركًا مطلقًا كافر كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة ولو اعتقد وجوبها وفرضيتها وقد بينا في غير هذه الحلقة الأدلة من القرآن والسنة وأقوال الصحابة والنظر الصحيح على كفر تارك الصلاة كفرًا أكبر مخرجًا عن الملة وأنه يترتب على ذلك أحكام دنيوية وأحكام أخروية فليحذر المسلم أن يرتد كافرًا بعد إسلامه بتركه الصلاة تهاونًا فماذا بقي معه من الإسلام إذا ترك الصلاة لا يمكن لإنسان أن يحافظ على ترك الصلاة وفي قلبه إيمان أبدًا وهو يعرف مقدار الصلاة في الإسلام وأهميتها عند الله وأن الله فرضها على رسوله في السماوات العلا وفرضها خمسين صلاة ثم جعلها خمس صلوات بالفعل لكنها خمسون في الميزان وما ورد فيها من الفضائل والثواب حتى إن الله تعالى يبتدئ الأعمال الصالحة بها ويختمها بها كما في سورة المؤمنون (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) وفي سورة المعارج (إِلاَّ الْمُصلىنَ (٢٢) الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ دَائِمُونَ؟) إلى قوله (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلاتِهِمْ يُحَافِظُونَ) فتبدأ الأعمال بها وتختم بها وفضائلها كثيرة لا يتسع المقام لذكرها فكيف يقال إن أحدًا يعلم بهذا أو بعضه ثم يحافظ على تركها ولا يصلى أبدًا كيف يقال إنه مسلم. ***
سورة الإسراء
أسعد ع. م. من جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله تعالى (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنْ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ) الآية وكيف كانت صفة الإسراء بالنبي ﷺ من مكة إلى بيت المقدس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أن الله تعالى يسبح نفسه عن كل نقص وعيب فإن سبحان اسم مصدر من سبح يسبح والتسبيح هو التنزيه والله ﷿ منزه عن كل نقص وعيب منزه عن مماثلة المخلوقين منزه عن الأنداد قال الله تعالى (وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وقال تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) وقد أسرى الله تعالى بعبده محمد ﷺ من المسجد الحرام مسجد الكعبة الذي بمكة المكرمة ليلًا إلى المسجد الأقصى الذي في فلسطين في القدس وكيفية الإسراء أن جبريل ﵊ أتى إلى النبي ﷺ بدابة يقال لها البراق دون البغل وفوق الحمار يضع خطوه في منتهى بصره بمعنى أن خطوته بعيدة جدًا تكون بقدر منتهى بصره فوصل النبي ﵊ إلى بيت المقدس ثم عرج به من هناك إلى السماء الدنيا بصحبة جبريل ولما بلغ السماء استفتح جبريل فقيل له من هذا فقال جبريل قيل ومن معك قال محمد قيل وقد أرسل إليه قال نعم قيل مرحبًا به فنعم المجيء جاء ثم ما زال جبريل يعرج به سماء بعد سماء حتى وصل إلى السماء السابعة فوجد فيها إبراهيم الخليل ﵊ وهناك رفعه الله أي رفع الله نبيه محمدًا ﷺ حتى بلغ سدرة المنتهى وفرض الله عليه الصلوات خمسين صلاة كل يوم وليلة فقبل واستسلم ﵊ حتى نزل راجعًا فمر بموسى فأخبره بما فرض الله عليه وعلى أمته من الصلوات فقال إن أمتك لا تطيق ذلك فارجع إلى ربك واسأله التخفيف فما زال النبي ﵊ يراجع الله ﷿ ويسأله التخفيف حتى صارت الصلوات الخمسون خمس صلوات بالفعل لكنها في الميزان خمسون صلاة ثم رجع النبي ﷺ من ليلته إلى مكة واختلفت الروايات هل صلى الفجر في مكة أو صلى في بيت المقدس وأصبح النبي ﷺ يحدث الناس به فاتخذت قريش من ذلك فرصة لإظهار كذب النبي ﷺ وقالوا كيف يمكن ذلك ولكن النبي ﷺ ألقمهم حجرًا حين قالوا إن كنت صادقًا فصف لنا بيت المقدس فرفع جبريل له بيت المقدس حتى كأن النبي ﷺ يشاهده فيصفه لقريش فألقموا حجرًا بتكذيبهم النبي ﷺ وتبين بذلك صدق النبي ﷺ وأما قوله (لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا) فهذا بيان للحكمة من الإسراء برسول الله ﷺ أن الله يريه من آياته العظيمة الدالة على قدرته وحكمته وتمام سلطانه وقد رأى من آيات ربه الكبرى ما يكون عبرة للمعتبرين وقوله (إنه هو السميع البصير) يعني إن الله تعالى هو السميع البصير الذي وسع سمعه كل صوت قالت عائشة ﵂ حين أنزل الله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) قالت ﵂ تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي طرف الحجرة وإنه ليخفي علي بعض حديثها والرب ﷿ على عرشه فوق سبع سماوات يسمع كلام هذه المرأة التي تجادل النبي ﷺ في زوجها وتشتكي إلى الله فهو ﷿ يسمع كل صوت وإن كان خفيًا قال الله تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) وإذا آمن الإنسان بهذه الصفة العظيمة صفة السمع فإن إيمانه بذلك يقتضي أن لا يُسمع الله تعالى ما يكون سببًاَ لغضبه على عبده وأما قوله البصير فالبصير معناه الذي أدرك بصره كل شيء وهو ﷾ قد جمع بين هاتين الصفتين السمع والبصر وهما من كمال صفاته جل وعلا فما من شيء إلا والله ﷿ يراه وإن دق وخفي. ***
يقول السائل مامعنى قوله تعالى (وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَابًا يَلْقَاهُ مَنشُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الطائر هنا بمعنى العمل يعني كل إنسان ألزمه الله ﷿ عمله (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَه (٧) وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَه) وفي يوم القيامة يخرج الله له كتابًا يلقاه منشورا أي مفتوحًا يقرؤه ويسهل عليه قراءته هذا الكتاب قد كتبت فيه أعماله كما قال تعالى (كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (٩) وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (١٠) كِرَامًا كَاتِبِينَ (١١) يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) وقال تعالى (أَمْ يَحْسَبُونَ أَنَّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَنَجْوَاهُمْ بَلَى وَرُسُلُنَا لَدَيْهِمْ يَكْتُبُونَ) فهذا المكتوب يخرج يوم القيامة في كتاب يقرؤه الإنسان ويقال له اقرأ كتابك كفى بنفسك اليوم عليك حسيبا قال بعض السلف والله لقد أنصفك من جعلك حسيبًا على نفسك يعني أنه قال للإنسان هذا الكتاب كتب عليك حاسب نفسك أنت هل عملت خيرًا فتجازى به أو عملت شرًا فتجازى به إذن المراد بالطائر هو العمل. ***
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله ﷾ نهى الإنسان أن يجعل يده مغلولة إلى عنقه وهذا يعني لا تقبض اليد وتغلها إلى عنقك فتمنع من البذل الواجب أو المستحب فتكون بخيلا ولا تبسطها كل البسط فتمدها وتبذل المال في غير وجهه وذلك أن الناس في الإنفاق ينقسمون إلى ثلاثة أقسام قسم مقتر. وقسم مبذر. وقسم متوسط. والثالث منهم هو الذي على الحق وعلى الهدى ولهذا امتدحهم الله ﷿ في قوله (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) . ***
ما معنى الآية الكريمة (وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنصُورًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينهى الله ﷾ عن قتل النفس التي حرم الله إلا بالحق والنفس التي حرم الله قتلها أربعة أصناف المسلم والذمي والمعاهد والمستأمن هؤلاء أربعةٌ من الناس نفوسهم معصومة لا يجوز لأحدٍ أن يعتدي عليهم قال الله تعالى (إِلاَّ بِالْحَقِّ) يعني إذا قتلتم النفس التي حرم الله بالحق كالقصاص مثلًا فإن ذلك جائز قال الله تعالى (وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ) ... الخ وقوله تعالى (وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا) يعني أن الإنسان إذا قتل ظلمًا فلوليه أي ولي المقتول أن يقتل القاتل والسلطان هنا يشمل السلطان الكوني والقدري الشرعي أما الشرعي فهو ما أباحه الله تعالى من القصاص وأما القدري فإن الغالب أن القاتل لا بد أن يقتل لا بد أن يعثر عليه ويقتل ومن أمثال العامة السائرة قولهم القاتل مقتول يعني لا بد أن الله تعالى يسلط عليه حتى يعثر عليه ويقتل وقوله (فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ) أي فلا يسرف ولي المقتول في القتل أي في قتل القاتل بل يقتله كما قتل هو المقتول الأول وبه نعرف أنه يقتص من القاتل بمثل ما قتل فمثلًا إذا قتله بالذبح ذبحناه وإذا قتله بالرصاص رميناه بالرصاص وإذا قتله برض رأسه بين حجرين رضضنا رأسه بين حجرين وهكذا وليعلم أن القصاص لا يستوفى إلا بحضرة السلطان ولي الأمر أو من ينيبه لئلا يعتدي أولياء المقتول في القصاص. ***
م. ن. أ. من العراق يقول ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلًا) وما المراد بالعمى في الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالعمى في الآية عمى البصيرة يعني فمن كان في هذه الدنيا أعمى عن الحق لا يبصره ولا يلتفت إليه ولا يقبل عليه فإنه في الآخرة يكون أشد عمىً وأضل سبيلًا فلا يهتدي إلى طريق أهل الجنة وإنما يكون مصيره النار والعياذ بالله. ***
في سورة الإسراء أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمِنْ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) كم عدد ركعات التهجد والنفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التهجد هو قيام الليل (وكان رسول الله ﷺ لا يزيد في قيام الليل على إحدى عشرة ركعة لا في رمضان ولا في غيره وربما صلى ثلاث عشرة ركعة) هذا هو العدد الذي ينبغي للإنسان أن يقتصر عليه ولكن مع تطويل القراءة والركوع والسجود فقد كان رسول الله ﷺ يطيل القراءة في صلاة الليل كما جاء ذلك في حديث حذيفة وحديث عبد الله بن مسعود ﵄ (فقد روى حذيفة ﵁ أنه صلى مع النبي ﵌ ذات ليلة فقرأ بسورة البقرة ثم بسورة النساء ثم بسورة آل عمران) (وكذلك صلى معه ابن مسعود ﵁ ذات ليلة فقام طويلًا حتى قال عبد الله بن مسعود لقد هممت بأمر سوء قالوا بم هممت يا أبا عبد الرحمن قال هممت أن أجلس وأدعه) فهذا يدل على أن النبي ﷺ يطيل في صلاة الليل وهذا هو الأفضل وهو السنة فإن كان يشق عليه أي على الإنسان أن يطيل فليصل ما استطاع وأما النفل فإن التهجد من النفل لأن النفل في الأصل هو الزيادة وكل تطوع في العبادة من صلاة أو صيام أو صدقة أو حج فهو نافلة لأنه زائد على ما أوجب الله على العبد وليعلم أن التطوع تكمل به الفرائض يوم القيامة فالتطوع في الصلاة تكمل به فريضة الصلاة والتطوع في الصدقة تكمل به الزكاة والتطوع في الصيام تكمل به صيام رمضان والتطوع في الحج تكمل به الحج لأن الإنسان لا يخلو من نقص في أداء ما أوجب الله عليه من العبادات فشرع الله تعالى له هذه النوافل رحمة به وإحسانًا إليه والله ذو الفضل العظيم. ***
عامر جودي حربي من العراق بغداد يقول من خلال قراءتي للقرآن الكريم وتكراره تبين لي أنه قد ورد ذكر النفس بكثرة في عدة سورٍ من القرآن بينما ذكر الروح لم يكن بتلك الكثرة والروح التي يراد بها روح الإنسان لم ترد إلا مرةً واحدة في قوله تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) فهل هناك فرق بين الروح والنفس وما هو؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الروح في الغالب تطلق على ما به حياة سواءٌ كان ذلك حسًا أو معنى فالقرآن يسمى روحًا لقوله تعالى (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا) لأن به حياة القلوب بالعلم والإيمان والروح التي يحيا بها البدن تسمى روحًا كما في الآية التي ذكرها السائل (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي) أما النفس فتطلق على ما تطلق عليه الروح كثيرًا كما في قوله تعالى (اللَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى) وقد تطلق النفس على الإنسان نفسه فيقال مثلًا هذا جاء فلان نفسه وكلمني نفس فلان وما أشبه ذلك فتكون بمعنى الذات فهما يفترقان أحيانًا ويتفقان أحيانًا بحسب السياق وينبغي من هذا أن يعلم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها فقد تكون الكلمة الواحدة لها معنىً في سياق ومعنىً آخر في سياق فالقرية مثلًا تطلق أحيانًا على نفس المساكن وتطلق أحيانًا على الساكن نفسه ففي قوله تعالى عن الملائكة الذين جاؤوا إبراهيم (إِنَّا مُهْلِكُو أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) المراد بالقرية هنا المساكن وفي قوله تعالى (وَإِنْ مِنْ قَرْيَةٍ إِلاَّ نَحْنُ مُهْلِكُوهَا قَبْلَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ أَوْ مُعَذِّبُوهَا عَذَابًا شَدِيدًا) المراد بها الساكن وفي قوله تعالى (أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا) المراد بها المساكن وفي قوله (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) المراد بها الساكن فالمهم أن الكلمات إنما يتحدد معناها بسياقها وبحسب ما تضاف إليه وبهذه القاعدة المهمة المفيدة يتبين لنا رجحان ما ذهب إليه كثيرٌ من أهل العلم من أن القرآن الكريم ليس فيه مجاز وأن جميع الكلمات التي في القرآن كلها حقيقة لأن الحقيقة هي التي يدل عليها سياق الكلام بأي صيغةٍ كان فإذا كان الأمر كذلك تبين لنا بطلان قول من يقول إن في القرآن مجازًا وقد كتب في هذا أهل العلم وبينوه ومن أبين ما يجعل هذا القول صوابًا أن من علامات المجاز صحة نفيه بمعنى أن تنفيه وتقول هذا ليس هذا وهذا لا يمكن أن يكون في القرآن فلا يمكن لأحدٍ أن ينفي شيئًا مما ذكره الله تعالى في القرآن. ***
من الأحساء وردتنا هذه الرسالة، مرسلها عبد الرحمن بن يوسف الواصلى يقول: أنا شاب مسلم ولكن في بعض الأحيان أفكر تفكيرًا أخشى منه، فقد عرفت أن القرآن يزيد المؤمن إيمانًا ويزيد الكافر كفرًا وعصيانًا، ثم أجلس وأقول أليس القرآن واحدًا والإنسان أصله واحد، فكيف يحصل هذا التناقض أرجو إقناعي مع ضرب الأمثلة للتقريب، وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما ذكره السائل من كون القرآن يزيد المؤمن إيمانًا ولا يزيد الظالمين إلا خسارًا، هذا صحيح دل عليه الأمر الواقع كما نطق به القرآن، أما الأمر الواقع فوجه ذلك أن المؤمن إذا قرأ القرآن واعتبر بما فيه من مواعظ وقصص وصدق الأخبار واعتبر بالقصص وامتثل للأحكام ازداد بذلك إيمانه بلا شك، والكافر أو المتمرد إذا قرأ القرآن فإنه يكذب بالخبر، أو يشك فيه، ولا يعتبر بالقصص ويرى أنها أساطير الأولين، وكذلك في الأحكام لا يمتثل لأمر، ولا ينزجر عن النهي وكل هذا من موجبات نقص الإيمان، فينقص إيمانه ويزداد خسارًا لأن القرآن كما قال النبي ﷺ (حجة لك أو عليك) هذا مثال يوضح كيف يزيد إيمان المؤمن بالقرآن وكيف يزيد الظالمين خسارًا أما الأمثلة على ذلك من الأمور الحسية فإننا نرى صاحب الجسم السليم يأكل هذا النوع من الطعام فينتفع به جسمه وينمو ويزداد ويأكله صاحب العلة الذي في جسده مرض فيزيد علته وربما يهلكه ويقتله، مع أن الطعام واحد ومع ذلك اختلف تأثيره بحسب المحل، وكذلك القرآن واحد ويختلف تأثيره بحسب المحل. ***
ما معنى قوله ﷾ (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في النبي ﵊ وهو في مكة حين كان يقرأ القرآن ويرفع صوته بذلك فلحقه بهذا أذى من قريش فأنزل الله عليه هذه الآية (وَلا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَلا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا) فأرشده الله ﷿ إلى ما فيه الخير والسلامة من أذى هؤلاء المشركين وقال لا تجهر بصلاتك الجهر الذي يحصل به أذية عليك ولا تخافت بها المخافتة التي تفوت بها المصلحة بل اجعل هذا وسطًا بين ما تحصل به الأذية وبين ما تحصل به المصلحة فلا تجهر الجهر الذي يؤذي ولا تخافت المخافتة التي يفوت بها أو التي تفوت بها المصلحة. ***
سورة الكهف
يقول السائل ماحكم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة وهل يداوم الإنسان على قراءة هذه السورة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة سورة الكهف يوم الجمعة سنة وفيها أجر والمداومة على ذلك سنة لأنها من الأمور المشروعة في يوم الجمعة فهي كالمداومة على التبكير يوم الجمعة وعلى ما يسن يوم الجمعة. ***
يقول السائل هل صحيح أن من يقرأ سورة الكهف ليلة الجمعة يضاء له من النور ما بينه وبين البيت العتيق؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح لكنه ورد حديث في فضل قراءتها يوم الجمعة لا ليلة الجمعة ولهذا ينبغي للإنسان أن يقرأ سورة الكهف في يوم الجمعة والاحتياط أن يكون ذلك من بعد طلوع الشمس ولا فرق بين أن يقرأها قبل الصلاة أو بعد الصلاة. ***
تقول السائلة هل قراءة سورة الكهف في يوم الجمعة وليلتها عمل مندوب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قراءة سورة الكهف يوم الجمعة عمل مندوب إليه وفيه فضل ولا فرق في ذلك بين أن يقرأها الإنسان من المصحف أو عن ظهر قلب واليوم الشرعي من طلوع الفجر إلى غروب الشمس وعلى هذا فإذا قرأها الإنسان بعد صلاة الجمعة أدرك الأجر بخلاف الغسل يوم الجمعة لأن الغسل يكون قبل الصلاة لأنه اغتسال لها فيكون مقدمًا عليها. ***
يقول السائل قال الله تعالى (يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِنْ سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ) فهل معنى الآية كما فهمت أن المؤمنين يحل لهم الذهب في الآخرة كما يحل لهم الخمر في الآخرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال أن نقول نعم إن المؤمنين في الجنة يحل لهم أن يتحلوا بالذهب واللؤلؤ وأن يلبسوا الحرير وأن يشربوا الخمر وهذا وإن كان محرمًا في الدنيا لما يترتب عليه في الدنيا من الانصراف عن عبادة الله تعالى وطاعته بالاشتغال بهذه الأمور أما في الآخرة فإن الآخرة دار جزاء لا دار تكليف وإن كان أهل الجنة يسبحون الله ﷿ ويحمدونه ويثنون عليه بما هو أهله على وجه الشكر والمحبة في الثناء على الله ﷿ وقد ذكر الله تعالى في حلية أهل الجنة أنها من لؤلؤ وذهب وفضة كما قال تعالى (وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ) وإذا اجتمعت هذه الأصناف على المكان الذي يتحلى فيه كان لها منظرٌ عجيب ورونقٌ بديع وهذا من تمام سرورهم ونعيمهم نسأل الله تعالى أن يجعلنا جميعًا منهم بمنه وكرمه ***
يقول السائل يقول الله تعالى (وَالْبَاقِيَاتُ الصَّالِحَاتُ خَيْرٌ عِنْدَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ أَمَلًا) فما هي الباقيات الصالحات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الباقيات الصالحات هي سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله وأمثالها مما يقرب إلى الله ﷿ وإن شيءت فقل الباقيات الصالحات كل الأعمال الصالحة لأنها تبقى للإنسان بعد موته يجدها يوم القيامة أمامه فهذه الباقيات الصالحات خيرٌ من الدنيا وما فيها خيرٌ ثوابًا وخيرٌ أملا ***
يقول السائل يقول الله تعالى في سورة الكهف (قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا) فما معنى هذه الآية وإلى ماذا تشير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تشير هذه الآية إلى بيان عظمة الله ﷿ وأنه ﷾ لم يزل ولا يزال متكلمًا لأنه لم يزل ولا يزال فعالًا وكل فعل فإنه بإرادة منه جل وعلا وإذا أراد أن يخلق شيئًا فإنما يقول له كن فيكون ومخلوقات الله ﷿ لا تزال باقية فإن الجنة فيها خلود ولا موت والنار فيها خلود ولا موت وحينئذ يكون الله ﷿ دائمًا أزلًا وأبدًا ولا حصر لكلماته ولا منتهى لكلماته فلو كان البحر مدادًا لكلمات الله أي حبرًا تكتب به كلمات الله ﷿ لنفد البحر قبل أن تنفد كلمات الله لأن البحر له أمد ينتهي إليه وكلمات الله ﷿ لا أمد لها وقد قال الله تعالى في آية أخرى (وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ) ***
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا) فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ) السائل هنا قريش سألوا النبي ﷺ عن (ذِي الْقَرْنَيْنِ) وكانت قصته مشهورة ولاسيما عند أهل الكتاب وهو ملك صالح كان على عهد الخليل إبراهيم ﵊ ويقال إنه طاف معه بالبيت فالله أعلم، هذا الرجل الصالح مكَّن الله له في الأرض وأتاه من أسباب الملك كل سبب يتوصل به إلى الانتصار وقهر أعدائه فأتبع سببًا يعني سلك طريقًا يوصله إلى مقصوده (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا) فاستولى عليهم وخيره الله فيهم (قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا) فحكم بينهم بالعدل قال (قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (٨٧) وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْر) ثم مضى متجها نحو مطلع الشمس (حَتَّى إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَى قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا) يحول بينهم وبين حرها ليس عندهم بناء ولا أشجار وإنما يعيشون في النهار في السراديب وفي الكهوف ثم في الليل يخرجون يلتمسون العيش وكان الله ﷿ في جميع أحوال هذا الرجل عالمًا به يسير بعلم من الله ﷿ وهداية كما قال تعالى (وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا) ثم مضى (حَتَّى إِذَا بَلَغَ بَيْنَ السَّدَّيْنِ وَجَدَ مِنْ دُونِهِمَا قَوْمًا لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا) كانوا أعاجم لا تفهم لغتهم ولا يفهمون لغة غيرهم ولكنهم اشتكوا إلى هذا الملك الصالح إلى ذي القرنين بأن يأجوج ومأجوج مفسدون في الأرض وهما أمتان من بني آدم كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح وتذكر روايات وأخبار إسرائيلية في هاتين الأمتين أعني في يأجوج ومأجوج كلها لا أصل لها من الصحة وإنما يأجوج ومأجوج من بني آدم وعلى شكل بني آدم كما جاء في الحديث الصحيح أن رسول الله ﷺ قال (يقول الله تعالى يعني يوم القيامة يا آدم فيقول لبيك وسعديك فيقول أخرج من ذريتك بعثًا إلى النار قال يا رب وما بعث النار قال من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون كلهم في النار إلا واحدًا من الألف فكبر ذلك على الصحابة فقالوا يا رسول الله أينا ذلك الواحد فقال النبي ﵊ أبشروا فإنكم في أمتين ما كانتا في شيء إلا كثرتاه يأجوج ومأجوج) وهذا دليل واضح وصريح على أنهم أعني يأجوج ومأجوج من بني آدم سيكون شكلهم وأحولهم كأحوال بني آدم تمامًا لكنهم من قوم طبعوا والعياذ بالله على فساد في الأرض وتدمير مصالح الخلق وقتلهم وغير ذلك مما يكون فسادًا في أرض الله ﷿ فقالوا له هل نجعل لك خرجًاَ أي مالًا على أن تجعل بيننا وبينهم سدا فأخبرهم بأن الله ﷾ أعطاه من الملك والتمكين ما هو خير من المال الذي يعطونه إياه (قَالَ مَا مَكَّنِي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ) أي بقوة عملية عمال وأدوات وما أشبه ذلك (أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا) ثم طلب منهم زبر الحديد أي قطع الحديد فصف بعضها على بعض حتى بلغت رؤوس الجبلين (حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انفُخُوا) فأوقدوا عليه النار ونفخوها حتى صار الحديد نارًا يلتهب فأفرغ عليه قطرًا أي نحاسًا مذابًا حتى تماسكت هذه القطع من الحديد وصارت جدارًا حديديًا صلبًا (فَمَا اسْتَطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ) أي يظهروا فوقه (وَمَا اسْطَاعُوا لَهُ نَقْبًا) أي أن ينقبوه من أسفل فكان ردمًا بين يأجوج ومأجوج وبين هؤلاء القوم وقصته معروفة مشهورة ذكرها الله تعالى في سورة الكهف في آخرها فمن أراد أن يعرف المزيد من علمها فليذهب فليقرأ ما كتبه أهل التفسير الموثوق بهم في هذه القصة العظيمة ***
سورة (مريم)
س. ج. م. من سلطنة عمان صحار ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) الضمير (هَا) يعود إلى النار (وَإِنْ) بمعنى ما أي ما منكم أحد إلا وارد على النار ثم ينجي الله الذين اتقوا ويذر الظالمين فيها جثيا. واختلف العلماء ﵏ في الورود المذكور في هذه الآية فمنهم من قال إن الورود الدخول فيها، أي أن جميع الناس يدخلونها ولكن المؤمنين لا يحسون بحرها بل تكون عليهم بردًا وسلامًا كما كانت النار في الدنيا على إبراهيم ﵊ بردًا وسلامًا واستدل هؤلاء بأن الورود يأتي بمعنى الدخول استدلوا بقوله تعالى عن فرعون: (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وبقوله تعالى: (وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا) وما أشبه ذلك وقال بعض أهل العلم المراد بالورود في قوله: (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) المراد به العبور على الصراط لأن الصراط يمد فوق جهنم فيعبر الناس فيه على قدر أعمالهم فهذا العبور على هذا الصراط هو الورود المذكور في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) وأيدوا قولهم بأن النبي ﷺ قال أنه (لا يدخل النار أحد بايع تحت الشجرة) وذلك في صلح الحديبية حين بايع النبي ﷺ أصحابه تحت شجرة هناك وبأنه ثبت في الصحيحين من حديث عتبان بن مالك (إن الله حرم على النار من قال لا إله إلا الله يبتغي بذلك وجه الله) فقوله (حرم على النار) وقوله في الحديث الذي قبله (لا يدخل النار أحد) يدل على أن المؤمنين لا يدخلون النار وإذا كان كذلك تعين أن يكون المراد بالورود هو الورود فوقها وكلا القولين له وجه والعلم عند الله تعالى ولكن المهم أن نعلم علم اليقين أن من مات من أهل الكبائر فإنه إذا دخل النار يعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج منها إن شاء الله تعالى أن يعذبه وقد يغفر الله له لأن الله تعالى يقول (إِنَّ اللَّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ) ولكن ينبغي للإنسان بل يجب عليه أن يبادر بالتوبة من كل معصية لأنه لا يدري فربما لا يكون داخلًا تحت مشيئة الله المغفرةُ له فإن من مات بدون توبة من كبائر الذنوب غير الكفر والشرك فإنه يخشى ألا يغفر الله له لأن الله قيد المغفرة له بالمشيئة فقال (لمن يشاء) فلا ينبغي أن يتخذ بعض الناس هذه الآية سبيلًا إلى التهاون بالتوبة وعدم المبالاة بفعل الكبائر إذ لا يدري أيدخل فيمن شاء الله أن يغفر له أم لا يدخل فهو على خطر حتى يتوب إلى الله توبة نصوحًا. ***
نورة من القصيم أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا) ما معنى هذه الآية الكريمة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله تعالى يقول ما منكم أحد إلا وارد للنار وهذا الخبر كان حتمًا على الله ﷿ مقضيًا لا بد منه ولكن بعد هذا الورود ينقسم الناس قسمين قسم قد اتقى الله ﷿ وقام بما يلزمه من شرائع الله في الدنيا فينجيه الله ﷿ من النار وقسم آخر ظالم لنفسه مضيع لحق الله ﷿ فهذا يترك في النار جاثيًا واختلف العلماء في المقصود بالورود هنا فمنهم من قال إن المراد بالورود المرور على متن جهنم على الصراط الذي يوضع على متن النار فيكردس من كان ظالمًا في النار ويعذب بقدر ذنوبه ثم يخرج ومن كان متقيًا فإنه ينجو ولا يكردس في النار ومنهم من قال إن الورود هو الوقوع في النار نفسها وإن كل واحد يدخل النار ولكن المتقين لا تضرهم النار شيئًا ولا يجدون شيئًا من عذابها. ***
يقول السائل ما معنى الورود في قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن نشكر السائل على سؤاله عن معنى هذه الآية الكريمة ونرجو أن يحتذي المسلمون حذوه في البحث عن معاني آيات القرآن الكريم وذلك لأن الله أنزل الكتاب وبين الحكمة من إنزاله فقال تعالى (كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ) فوصف الله تعالى القرآن بأنه مبارك لبركته في آثاره وفي ثوابه وبين الحكمة من إنزاله وجعل ذلك في شيئين الأول ليدبروا آياته أي يتفهموها ويتفكروا في معانيها مرةً بعد أخرى حتى يصلوا إلى المراد منها والأمر الثاني أن يتذكر أولو الألباب والتذكر يعني الاتعاظ والعمل بما علم الإنسان من معاني الآيات الكريمة ولا يمكن العلم في معاني آيات القرآن الكريم إلا بالبحث ومراجعة أهل العلم وعلى هذا فنقول أنه ما منكم من أحد إلا وارد النار أي سيردها واختلف العلماء في الورود المقصود من هذه الآية فقيل معنى الورود أن الإنسان يقع في النار لكنها لا تضره بشيء كما أن إبراهيم ﵊ ألقي في النار فقال الله تعالى (يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلامًا عَلَى إِبْرَاهِيمَ) فكانت بردًا وسلامًا عليه فيرد الناس النار ويسقطون فيها وإذا كانوا لا يستحقون العقوبة بها لم تضرهم شيئًا وقال بعض العلماء المراد بالورود العبور على الصراط والصراط هو الجسر الموضوع على جهنم أعاذنا الله والمستمعين وإخواننا المسلمين منها فيمر الناس على هذا الصراط على قدر أعمالهم وهو ممرٌ دحضٌ ومزلة وعليه الكلاليب تخطف الناس بأعمالهم والمرور عليه بحسب العمل في الدنيا فمن الناس من يمر كالبرق ومنهم من يمر كلمح البصر ومنهم من يمر كالفرس الجواد ومنهم من يمر كركاب الإبل ومنهم من يمشي ومنهم من يزحف ومنهم من يخطف ويلقى في جهنم وهذا المرور على قدر قبول الإنسان لشريعة الله في الدنيا فمن قبلها بانشراح واطمئنان وسارع فيها وتسابق إليها فإنه سوف يمر على هذا الصراط سريعًا ناجيًا ومن كان دون ذلك فعلى حسب عمله فصار في معنى الورود المذكور في الآية قولان القول الأول الوقوع في جهنم لكن لا تضر من لم يكن مستحقًا للعذاب فيها والثاني العبور على الصراط الموضوع على جهنم. ***
ما معنى قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا) هل معنى ذلك أن الكافر والمسلم لا بد أن يردوها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أما ورود الكافر النار فهذا أمر ظاهر ولا إشكال فيه كما قال الله تعالى (يَقْدُمُ قَوْمَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَأَوْرَدَهُمْ النَّارَ وَبِئْسَ الْوِرْدُ الْمَوْرُودُ) وأما المؤمنون فإن قوله تعالى (وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا) فقد اختلف أهل التفسير في المراد بالورود هنا فقال بعض المفسرين إن المراد بالورود ورود الناس على الصراط لأن الصراط منصوب على جهنم فإذ مر الناس عليه فهذا ورود لجهنم وإن لم يكونوا في داخلها والورود يأتي بمعنى القرب من الشيء كما في قوله تعالى (وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ) أي قرب حوله وليس معناه أنه دخل في وسط الماء وقال بعض المفسرين إن المراد بالورود دخول النار لكن من دخلها من غير المذنبين فإنه لا يحس بها فتكون عليه بردًا وسلامًا كما كانت على إبراهيم أي كما كانت نار الدنيا بردًا وسلامًا على إبراهيم والله أعلم. ***
سورة (طه)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى) ما تفسير ذلك وما هي المآرب الأخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسير ذلك أن الله ﷿ سأل موسى ﵊ عن العصا التي معه وهو ﷾ يعلم ولا يخفى عليه ذلك لكن ليبين لموسى أن هناك شأنًا أعظم مما كان يستعملها فيه فبين موسى ﵊ مقاصده بهذه العصا فقال هي عصاي أتوكأ عليها يعني أعتمد عليها عند الحاجة وأهش بها على غنمي يعني أنني أهش ورق الشجر على الغنم حتى تأكله وأن له مآرب أخرى فيها يعني حاجات أخرى كالدفاع عن النفس فيما لو صال عليه أحد وكقتل المؤذيات من حيةٍ أو عقرب وكضرب الناقة أو الجمل التي يركبها وغير ذلك مما هو معلوم من مصالح العصا ثم قال ﷿ (قَالَ أَلْقِهَا يَا مُوسَى (١٩) فَأَلْقَاهَا فَإِذَا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعَى) وهذه هي النتيجة من سؤال الله تعالى له عن هذه العصا وأن هناك شأنًا أعظم وأشد مما كان يتخذ هذه العصا له وهي أنه يلقيها فتكون حية تسعى ذات روح وقد حصل لهذه الحية أنها التقطت كل ما صنعه السحرة الذين جمعهم فرعون ليكيد بهم موسى ﵊ قال الله تعالى (وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى) . ***
سورة (الحج)
يقول السائل مامعنى الآية الكريمة (وَالْبُدْنَ جَعَلْنَاهَا لَكُمْ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ لَكُمْ فِيهَا خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللَّهِ عَلَيْهَا صَوَافَّ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البدن جمع بدنة وهي الإبل جعلها الله تعالى من شعائر دينه يتقرب بها المسلم إلى ربه بنحرها والأكل منها وتوزيعها ولهذا أمر الله تعالى أن نذكر اسم الله عليها وذلك عند نحرها تنحر صواف أي على ثلاث قوائم لأن السنة في الإبل أن تنحر وهي قائمة معقولة اليد اليمنى فيأتيها الناحر من الجانب الأيمن ويطعنها بالحربة في الوهدة التي بين أصل العنق والصدر ثم تسقط بعد ذلك ولهذا قال (فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا) أي سقطت على الأرض (فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ) القانع الفقير الذي لا يسأل والمعتر الفقير الذي يسأل (كَذَلِكَ سَخَّرْنَاهَا لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) يعني مثل هذا لتسخير والتذليل سخرها الله ﷿ وذللها ولو سلطها لكنا لا نستطيعها لكبر جسمها وقوتها ولكن الله تعالى ذللها لعباده وسخرها لهم قال الله ﵎ (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ (٧١) وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ) ذللها الله لنا نركبها ونأكل منها أرأيت الذئب أصغر منها جسما وأقل منها قوة ومع ذلك حيث لم يسخر لنا لا نستطيع أن ننتفع به بل ربما يعدو علينا ويضرنا وهذه الإبل مع قوتها وكبر جسمها مذللة حتى إن الصبي يقودها بمقودها إلى منحرها وهي مطيعة ذليلة والإبل يتقرب إلى الله تعالى بنحرها في الهدي والأضحية وأما العقيقة عن المولود فمن العلماء من قال إنه يعق بها عن المولود لكنها لا تجزئ إلا عن شاة واحدة ومنهم من قال لا يعق لأن العقيقة إنما وردت في الضأن والمعز ولكن القول الراجح أنه لا بأس أن يعق الإنسان عن ابنه بناقة أو جمل أو بقرة أو ثور لكن الشاة أفضل منها. ***
أحمد حسن جمهورية مصر العربية يقول ما معنى قوله أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَكَأَنَّمَا خَرَّ مِنْ السَّمَاءِ فَتَخْطَفُهُ الطَّيْرُ أَوْ تَهْوِي بِهِ الرِّيحُ فِي مَكَانٍ سَحِيقٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية معناها أن الله ﷾ شبه المشرك بالله بمن خر من السماء من فوق من مكان عالٍ ولكنه لم يستقر على الأرض لم يكن له قرار هوت به الريح أو خطفه الطير ولم يكن له قرارٌ على الأرض التي قصدها وهكذا المشرك بالله ﷿ لا يستفيد ممن أشرك به شيئًا ولا يصل به إلى مقصوده لأن هذا الوثن الذي عبده من دون الله ﷾ لا يغني عنه من الله شيئًا فهم لا يستطيعون نصر أنفسهم ولا نصر عابديهم ولا يملكون لهم نفعًا ولا ضرا وقد شبه الله ﷾ هؤلاء المعبودين عابديهم بباسط يده إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه كالرجل يمد يده إلى الماء وهو باسطٌ لها ليصل الماء إلى فمه وهذا لا يمكن وكذلك شبه عبادة الأصنام مع معبوديها بالعنكبوت اتخذت بيتًا قال تعالى (وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ) فكل من تعلق بغير الله وعبده وتقرب إليه بالعبادة أو استغاث به أو استعانه في أمرٍ لا يقدر عليه إلا الله فإنه مشركٌ بالله ﷿ شركًا أكبر مخرجًا عن الملة فعليه أن يتوب إلى ربه وأن يخلص العبادة له قبل أن يفجأه الموت فلا تنفعه التوبة. ***
سورة (المؤمنون)
علي الأحمد مامعنى الآية الكريمة (وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلآكِلِينَ) ما هي هذه الشجرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الشجرة شجرة الزيتون فإنها مباركة يخرج منها إدامًا هذا الدهن الزيت يكون صبغا للآكلين يعني إيداما لهم. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَقُلْ رَبِّ أَعُوذُ بِكَ مِنْ هَمَزَاتِ الشَّيَاطِينِ* وَأَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن الله أمر نبيه محمدًا ﷺ أن يستعيذ ربه من همزات الشياطين وهي ما تلقيه في قلب الإنسان من الوساوس والإيرادات السيئة وأن يستعيذ ربه من أن يحضروه في أفعاله في عبادته في مأكله في مشربه في جميع أحواله وأخص شيء في ذلك حضورهم عند الموت فإن الشيطان يحضر عند الموت ويحرص غاية الحرص على أن يضل بني آدم لأنه في تلك اللحظة تكون السعادة أو الشقاوة نسأل الله أن يختم لنا وللمسلمين بحسن الخاتمة وأمر الله تعالى نبيه ﷺ أمر له وللأمة لأن النبي ﷺ هو الرسول المتبع والإمام المطاع وعلى هذا فيكون مشروعًا لنا أن نستعيذ بالله من همزات الشياطين ومن أن يحضرونا. ***
سورة النور
عادل محمد فهد من العراق الناصرية يقول ما معنى قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال هذا الرجل من أجود الأسئلة وأحبها إلي وذلك أنه سؤال عن تفسير آية من كلام الله ﷾ الذي هو خير الكلام والذي أود من جميع إخواني المسلمين ولا سيما طلبة العلم أن يعتنوا به فإن العلوم تشرف بحسب معلوماتها ولاشك أن أفضل المعلومات وأشرفها هو العلم بكتاب الله ﷾ فأدعو جميع المسلمين ولا سيما طلبة العلم إلى أن يتفهموا كلام الله ﷾ حتى يستطيعوا تنفيذه والعمل به فإن النبي ﷺ قال (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) أما الآية التي سأل عنها فإن الله ﵎ يأمر أن نجلد الذين يرمون المحصنات ومعنى يرمونهن أي يقذفونهن بالزنى فيقولون هذه المرأة زانية وما أشبه ذلك والمحصنة هي المرأة الحرة العفيفة عن الزنى فإذا قذفها الإنسان بالزنى فإنه يكون بذلك مدنسًا لعرضها مفتريًا عليها وحينئذٍ يجلد ثمانين جلدة وإنما قلت مفتريًا عليها مع أنه قد يكون صادقًا لأنه إذا لم يأت بأربعة شهداء فهو كاذب عند الله كما قال الله تعالى (لَوْلا جَاءُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَإِذْ لَمْ يَأْتُوا بِالشُّهَدَاءِ فَأُوْلَئِكَ عِنْدَ اللَّهِ هُمْ الْكَاذِبُونَ) وفي الآية الكريمة التي سأل عنها الأخ رتب الله ﷾ على القذف ثلاثة أمور الأمر الأول (فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً) والأمر الثاني (وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا) والأمر الثالث (وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) فهم يجلدون ثمانين جلدة حد القذف ولا تقبل شهادتهم بعد ذلك أبدًا على أي شيء شهدوا وهم فاسقون يحكم بفسقهم ولا يتولون أمرأً تشترط فيه العدالة إلا الذين تابوا من بعد ذلك وأصلحوا فإنهم يزول عنهم وصف الفسق وكذلك يزول عنهم منع الشهادة على القول الراجح وأما الحد فلا يسقط عنهم بتوبتهم لأنه حق لآدمي فلابد من أن ينفذ. ***
أم أحمد من البحرين تقول ما المقصود بقوله تعالى (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) وهل لبس القفازات واجب على المرأة حيث أنني ألبس القفازات وزوجي يرفض لبس القفازات بحجة أنها ليست واجبة أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قوله ﵎ (وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا) النهي أي نهي النساء أن يظهرن زينتهن أي لباسهن الذي تتزين به المرأة (إلا ما ظهر منها) يعني إلا الذي لابد من ظهوره وهو العباءة والملاءة التي تكون فوق القميص ونحوه هذا هو القول الراجح في معنى الآية الكريمة ومن ذلك أي من عدم إظهار الزينة ألا تظهر المرأة ما تلبسه من الحلي وشبهه لقول الله ﵎ (وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ) وأما لبس القفازين فإن ذلك من عادة نساء الصحابة ﵃ ودليل هذا أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (نهى المحرمة أن تلبس القفازين) وهذا يدل على أن من عادتهن أي من عادة نساء الصحابة أن يلبسن القفازين وعلى هذا فينبغي للزوج أن يفرح بِلُبْسِكِ القفازين لأن هذا من عادة نساء الصحابة ﵃ فإن أبى إلا أن تمتنعي من لباس القفازين فاستري يديك بطرف العباءة ونحو ذلك. ***
يقول السائل ما المراد بالآية الكريمة في قوله تعالى (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية الكريمة أنه كان أناس في الجاهلية يكرهون فتياتهن أي مملوكاتهن من الإماء على الزنى من أجل الاكتساب من وراءهن فنهاهم الله عن ذلك وقال (وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَاتِكُمْ عَلَى الْبِغَاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّنًا لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) وفي قوله (أَرَدْنَ تَحَصُّنًا) إظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد الذين يكرهون إماءهم على الزنى فإنه قال كيف تكون هذه الأمة وهي أمة تريد التحصن ثم تكرهها أنت على الزنى من أجل عرض الدنيا ففيه من اللوم والتوبيخ ما هو ظاهر وليس شرطًا في الحكم بمعنى أنها لو لم ترد التحصن فلك أن تكرهها لا ولكن هذا المقصود به أظهار اللوم والتوبيخ لهؤلاء الأسياد بالنسبة لإكراههم فتياتهم على البغاء وفي قوله (وَمَنْ يُكْرِهُّنَّ فَإِنَّ اللَّهَ مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) أي أن من أكرهت على هذا الأمر فإن الله تعالى يغفر لها إذا ثبت الإكراه ولهذا قال (مِنْ بَعْدِ إِكْرَاهِهِنَّ غَفُورٌ رَحِيمٌ) فإن المكره لا إثم عليه سواء مكره على قول أو على فعل إذا لم يفعله بعد الإكراه رغبة منه. فضيلة الشيخ: إذًا المغفرة والرحمة هنا عائدة على الفتيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المغفرة والرحمة عائدة على الفتيات. ***
يفسر بعض العلماء الآية الكريمة (مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ) بأنه نور المؤمن فما الصواب في هذا علمًا بأنهم يقولون إذا فسر بنور الله صار فيه تشبيه ونحن نعلم بأن الضمير كما يقول علماء اللغة بأنه يعود على أقرب مذكور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد عن السلف في قوله تعالى (مَثَلُ نُورِهِ) أي مثل النور الذي يؤتيه في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح وهذا لا يخرج عن نطاق اللغة العربية لأن الله قد يضيف المخلوق إليه من باب التشريف والتكريم كما في بيت الله وناقة الله ومساجد الله فيكون معنى مثل نوره في قلب المؤمن كمشكاةٍ فيها مصباح ... الخ والمشكاة كوة تكون في الجدار مقوسة يوضع فيها المصباح وهذا المصباح في زجاجة الزجاجة صافية كأنها كوكبٌ دري وهذا النور يوقد من شجرةٍ مباركة زيتونة لا شرقية تنحجب عن الشمس عند غروبها ولا غربيةً تنحجب عن الشمس عند شروقها بل هي في أرضٍ واسعة فلاة لأن هذا يؤدي إلى أن يكون زيتها من أجود الزيوت وهذا تفسيرٌ واضح لا إشكال فيه. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَوَاعِدُ مِنْ النِّسَاءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحًا فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية أن القواعد وهن العجائز اللاتي قعدن في البيوت ولا يرجون نكاحا يعني ما يأملن أن يتزوجهن أحد لكبر سنهن ليس عليهن جناح أن يضعن ثيابهن يعني الثياب التي تستر المرأة كلها فلها أن تكشف الوجه والكفين والرجلين بشرط ألا تكون متبرجة بزينة بمعنى ألا تلبس ثيابا تفتن بها غيرها (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ) (وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ) أي فلا يضعن ثيابهن بل تستر المرأة نفسها كلها عن الرجال غير المحارم (خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) هذا وهن القواعد كيف بالشابات اللاتي يكشفن وجوههن وأكفهن وأقدامهن عند إخوان أزواجهن أو أبناء أعمامهم أو ما أشبه ذلك مما جرت به عادة بعض الناس أو تكشف هذا للأجانب في الأسواق وغيرها لكن لبعد الناس عن تدبر القرآن والسنة ولتحكم العادات فيهم صار ما صار من التبرج وعدم المبالاة نسأل الله أن يردنا جميعا إلى ما فيه خيرنا وسعادتنا في الدنيا وفي الآخرة. ***
سورة الشعراء
يقول السائل قال الله تعالى في كتابه العزيز (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ) وقال في موضعٍ آخر (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) وقال (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) فما معنى هذه الآيات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآيات كما سمعنا جميعًا ذكر بعضها بالإفراد وبعضها بالتثنية وبعضها بالجمع وقد يفهم الإنسان بادئ ذي بدء أن هناك تعارضًا بين هذه الآيات وأقول إنه لا تعارض في القرآن الكريم أبدًا فالقرآن الكريم لا يتعارض بعضه مع بعض ولا يتعارض مع ما صح عن النبي ﷺ فإذا وجدت شيئًا متعارضًا فاطلب وجه الجمع بين هذه التي تظن أنها متعارضة فإن اهتديت إلى ذلك فذلك المطلوب وإن لم تهتد إليه فالواجب عليك أن تقول كما يقول الراسخون في العلم (آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا) واعلم أنه إنما يتوهم التعارض بين القرآن أو بينه وبين ما صح عن النبي ﷺ من كان قاصرًا في العلم أو مقصرًا في التدبر وإلا فإن الله يقول (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) وإنما قدمت هذه المقدمة لأجل أن تعم الفائدة أما الجواب على السؤال فنقول إن الإفراد في قوله تعالى (فَلا أُقْسِمُ بِرَبِّ الْمَشرِقِ وَالْمَغرِبِ) يراد به الجنس وما أريد به الجنس فإنه لا ينافي التعدد وأما قوله تعالى (رَبُّ الْمَشْرِقَيْنِ وَرَبُّ الْمَغْرِبَيْنِ) فإن المراد بالمشرقين ما يكون في الصيف وفي الشتاء يعني آخر مشرق للشمس في أيام الصيف وآخر مشرق للشمس في أيام الشتاء يعني معناه مدار الشمس أو انتقال الشمس من مدار الجدي إلى مدار السرطان تكون في آخر هذا في أيام الصيف وفي آخر هذا في أيام الشتاء هذا أكبر دليل على قدرة الله ﷿ حيث ينقل هذا الجرم العظيم وهذه الشمس العظيمة ينقلها من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال وبالعكس وهذا من تمام قدرة الله ﷿ أن تنتقل من الشمال إلى الجنوب فهذا معنى المشرقين أي مشرقا الصيف والشتاء وأما قوله (الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِبِ) بالجمع فقيل إن المراد مشرق الشمس ومغربها كل يوم فإن لها في كل يوم مشرقًا ومغربًا غير المشرق والمغرب في اليوم الذي قبله أو اليوم الذي يليه والله تعالى على كل شيء قدير وقيل المراد بالمشارق والمغارب مشارق الشمس والنجوم والقمر فإنها تختلف فيكون الجمع هنا باعتبار ما في السماء من الشمس والقمر والنجوم وعلى كل حال فالله تعالى رب هذا كله وهو المدبر ﷾ والمتصرف فيه كما تقتضي حكمته. ***
ما معنى هذه الآية الكريمة (وَاجْعَلْ لِي لِسَانَ صِدْقٍ فِي الآخِرِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من دعاء إبراهيم ﵊ سأل الله تعالى أن يجعل له لسان صدق في الآخرين أي أن يجعل له من يثني عليه في الآخرين ثناء صدق وقد استجاب الله تعالى دعاءه فكان إبراهيم ﵊ محل الثناء في كتب الله ﷿ وفي ألسنة رسله حتى إن الله تعالى قال لنبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنْ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) وقال تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمْ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْلُ) فالثناء على إبراهيم حصل في الآخرين حتى إن اليهود قالوا إن إبراهيم كان يهوديا والنصارى قالوا إن إبراهيم كان نصرانيا فأنكر الله ذلك وقال (مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنْ الْمُشْرِكِينَ) والمقصود أن هذه الأمم كلها تفتخر أن يكون إبراهيم ﵊ منها لكنها كاذبة ما عدا المسلمين، واليهود والنصارى ليسوا على هذا الوصف بل هم كفار. (وَقَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتْ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ) وقد كذبهم الله تعالى في ذلك في قوله (ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ) وفي سورة الإخلاص قال الله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) . ***
في كتاب الله ورد (وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمْ الْغَاوُونَ) هل الغاوون هم الشياطين وما معنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغاوون جمع الغاوي وهو كل من خالف طريق الرشد ومعنى يتبعهم الغاوون أي يأخذون بهم بأقوالهم وشعرهم من المدح والذم والرثاء والهجاء وغير ذلك مما يكون مخالفًاَ للشرع من أقوال الشعراء فتجد أهل الغواية يتبعون هؤلاء ويعتدون بأقوالهم ويسبون الناس بما يقولون من هذه الأشعار ولكن هذا ليس عامًا لكل شاعر ولهذا قال الله تعالى (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَذَكَرُوا اللَّهَ كَثِيرًا وَانتَصَرُوا مِنْ بَعْدِ مَا ظُلِمُوا) . ***
سورة النمل
س. ع. ع. من العراق محافظة البصرة تقول ما معنى قوله تعالى في سورة النمل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (قِيلَ لَهَا ادْخُلِي الصَّرْحَ فَلَمَّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقَيْهَا قَالَ إِنَّهُ صَرْحٌ مُمَرَّدٌ مِنْ قَوَارِيرَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية أن سليمان ﵊ لما علم بملكة سبأ المشركة التي تسجد هي وقومها للشمس من دون الله أرسل إليها والقصة معروفة في سورة النمل فجاءت إلى سليمان ﵊ فبنى صرحًا من قوارير زجاج يحسبه الرائي ماءً فجاءت هذه المرأة فحسبته ماءً فكشفت عن ساقيها فقال إنه صرحٌ ممردٌ من قوارير وإنما قصد سليمان والله أعلم أن يبين لها ضعفها حتى ينكسر منها لواؤها ويتبين لها أنها ضعيفة ولهذا قالت (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) . ***
ابتسام محمد أحمد من العراق الأنبار تقول ما معنى قوله تعالى (وترى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) وهل يستدل بهذه الآية على صحة القول بدوران الأرض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لسؤال المرأة عن قوله تعالى (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) فهذه الآية في يوم القيامة لأن الله ذكرها بعد ذكر النفخ في الصور وقال (وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (٨٧) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (٨٨) مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ) فالآية هذه في يوم القيامة بدليل ما قبلها وما بعدها وليست في الدنيا وقوله تحسبها جامدة أي ساكنة لا تتحرك ولكنها تمر مر السحاب لأنها تكون هباءً منثورًا يتطاير وأما الاستدلال بها على صحة دوران الأرض فليس كذلك هذا الاستدلال غير صحيح لما ذكرنا من أنها تكون يوم القيامة ومسألة دوران الأرض وعدم دورانها الخوض فيها في الواقع من فضول العلم لأنها ليست مسألة يتعين على العباد العلم بها ويتوقف صحة إيمانهم على ذلك ولو كانت هكذا لكان بيانها في القرآن والسنة بيانًا ظاهرًا لا خفاء فيه وحيث إن الأمر هكذا فإنه لا ينبغي أن يتعب الإنسان نفسه في الخوض بذلك ولكن الشأن كل الشأن فيما يذكر من أن الأرض تدور وأن الشمس ثابتة وأن اختلاف الليل والنهار يكون بسبب دوران الأرض حول الشمس فإن هذا القول باطل يبطله ظاهر القرآن فإن ظاهر القرآن والسنة يدل على أن الذي يدور حول الأرض أو يدور على الأرض هي الشمس فإن الله يقول في القرآن الكريم (وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ) فقال تجري فأضاف الجريان إليها وقال (وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ) فهنا أربعة أفعال كلها أضافها الله إلى الشمس إذا طلعت تزاور وإذا غربت تقرضهم هذه الأفعال الأربعة المضافة إلى الشمس ما الذي يقتضي صرفها عن ظاهرها وأن نقول إذا طلعت في رأي العين وتتزاور في رأي العين وإذا غربت في رأي العين وتقرضهم في رأي العين ما الذي يوجب لنا أن نحرف الآية عن ظاهرها إلى هذا المعنى سوى نظريات أو تقديرات قد لا تبلغ أن تكون نظرية لمجرد أوهام والله تعالى يقول (مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَلا خَلْقَ أَنفُسِهِمْ) والإنسان ما أوتي من العلم إلا قليلًا وإذا كان يجهل حقيقة روحه التي بين جنبيه كما قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) فكيف يحاول أن يعرف هذا الكون الذي هو أعظم من خلقه كما قال الله تعالى (لَخَلْقُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) فنحن نقول إن نظرية كون اختلاف الليل والنهار من أجل دوران الأرض على الشمس هذه النظرية باطلة لمخالفتها لظاهر القرآن الذي تكلم به الخالق ﷾ وهو أعلم بخلقه وأعلم بما خلق فكيف نحرف كلام ربنا عن ظاهره من أجل مجرد نظريات اختلف فيها أيضًا أهل النظر فإنه لم يزل القول بأن الأرض ساكنة وأن الشمس تدور عليها لم يزل سائدًا إلى هذه العصور المتأخرة ثم إننا نقول إن الله تعالى ذكر أنه يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل والتكوير بمعنى التدوير وإذا كان كذلك فمن أين يأتي الليل والنهار إلا من الشمس وإذا كان لا يأتي الليل والنهار إلا من الشمس دل هذا على أن الذي يلتف حول الأرض هو الشمس لأنه يكون كذلك بالتكوير ثم إن النبي ﷺ ثبت عنه أنه قال لأبي ذر ﵁ وقد غربت الشمس (أتدري أين تذهب قال الله ورسوله أعلم قال فإنها تذهب فتسجد تحت العرش) إلى آخر الحديث وهذا دليل على أنها هي التي تتحرك نحو الأرض لقوله (أتدري أين تذهب) وفي الحديث المذكور قال (فإن أذن لها وإلا قيل ارجعي من حيث جئت فتخرج من مغربها) وهذا دليل على أنها هي التي تدور على الأرض وهذا الأمر هو الواجب على المؤمن اعتقاده عملًا بظاهر كلام ربه العليم بكل شيء دون النظر إلى هذه النظريات التالفة والتي سيدور الزمان عليها ويقبرها كما قبر نظريات أخرى بالية هذا ما نعتقده في هذه المسألة أما مسألة دوران الأرض فإننا كما قلنا أولًا ينبغي أن يعرض عنها لأنها من فضول العلم ولو كانت من الأمور التي يجب على المؤمن أن يعتقدها إثباتًا أو نفيًا لكان الله تعالى يبينها بيانًا ظاهرًا لكن الخطر كله أن نقول إن الأرض تدور وأن الشمس هي الساكنة وأن اختلاف الليل والنهار يكون باختلاف دوران الأرض هذا هو الخطأ العظيم لأنه مخالف لظاهر القرآن والسنة ونحن مؤمنون بالله ورسوله نعلم أن الله تعالى يتكلم عن علم وأنه لا يمكن أن يكون ظاهر كلامه خلاف الحق ونعلم أن النبي ﷺ يتكلم كذلك عن علم ونعلم أنه أنصح الخلق وأفصح الخلق ولا يمكن أن يكون يأتي في أمته بكلام ظاهره خلاف ما يريده ﷺ فعلينا في هذه الأمور العظيمة علينا أن نؤمن بظاهر كلام الله وسنة رسوله ﷺ اللهم إلا أن يأتي من الأمور اليقينيات الحسيات المعلومة علمًا يقينيًا بما يخالف ظاهر القرآن فإننا في هذه الحالة يكون فهمنا بأن هذا ظاهر القرآن غير صحيح ويمكن أن نقول إن القرآن يريد كذا وكذا مما يوافق الواقع المعين المحسوس الذي لا ينفرد فيه أحد وذلك لأن الدلالة القطعية لا يمكن أن تتعارض أي أنه لا يمكن أن يتعارض دليلان قطعيان أبدًا إذ أنه لو تعارضا لأمكن رفع أحدهما بالآخر وإذا أمكن رفع أحدهما بالآخر لم يكونا قطعيين والمهم أنه يجب علينا في هذه المسألة أن نؤمن بأن الشمس تدور على الأرض وأن اختلاف الليل والنهار ليس بسبب دوران الأرض ولكنه بسبب دوران الشمس حول الأرض. ***
سورة القصص
عبد القادر عبد الله من جمهورية السودان الديمقراطية يقول يقول الله ﵎ في الآية العشرين من سورة يس (وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ) وفي الآية العشرين أيضًا من سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنْ النَّاصِحِينَ) السؤال من هما الرجلان وما تفسير هذه الآية بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على السؤال ينبغي أن نعلم أنه إذا جاء المسمى مبهمًا في القرآن أو في السنة فإن الواجب إبقاؤه على إبهامه وأن لا نتكلف في البحث عن تعيينه لأن المهم هو القصة والأمر الذي سيق من أجله الكلام للاعتبار والاتعاظ وكونه فلانًا أو فلانًا لا يهم فالمهم الأمر الواقع فالقرآن الكريم لم يبين الله تعالى فيه هذا الرجل في الآيتين الكريمتين بل قال في سورة القصص (وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى) وفي سورة يس قال وَجَاءَ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى) فقدم الرجل في سورة القصص وأخره في سورة يس ولم يبين ذلك ومحاولة الوصول إلى تعيينه ليس وراءها فائدةٌ تذكر وعلى هذا فلا ينبغي أن يشغل الإنسان نفسه بتعيين مثل هذه المسميات بل تبقى الآيات والأحاديث على إبهامها ويوجه المخاطب إلى أن المقصود الاعتبار لما في القصة من أحكامٍ ومواعظ. أما تفسير الآيتين ففي سورة القصص غيّب الله ﷾ لموسى رجلًا ناصحًا جاء من أقصى المدينة يخبر موسى ﵊ بأن الملأ وهم الأشراف والأكابر في المدينة يتشاورون ماذا يصنعون بموسى ﵊ الذي قتل أحدهم أي أحد الأقباط وكان هذا من تيسير الله ﷿ لموسى ﷺ ولهذا أرشده الرجل بأن يخرج قال فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفًا يترقب وذكر الله تمام القصة أما في سورة يس فإن الله ﷾ أرسل إلى أهل القرية رسولين فكذبوهما وأنكروا رسالتهما فأرسل الله تعالى رسولًا ثالثًا يعززهما به أي يقويهما به ولكن مع ذلك أصروا على الإنكار وجرى بينهم وبين أهل هذه القرية ما جرى فجاء من أقصى المدينة وهنا قدم الأقصى من أقصى المدينة للاهتمام بهذا الأمر وقال من أقصى المدينة يعني مع بعده جاء إلى قومه (قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (٢٠) اتَّبِعُوا مَنْ لا يَسْأَلُكُمْ أَجْرًا وَهُمْ مُهْتَدُونَ (٢١) وَمَا لِي لا أَعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) إلى تمام القصة كان هذا ناصحًا لقومه مرشدًا لهم وكان عاقبته أن قيل له ادخل الجنة (قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ (٢٦) بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنْ الْمُكْرَمِينَ) . ***
سعد عبد الوهاب من خميس مشيط يقول ذكر في القرآن الكريم في سورة القصص مدين التي ذهب إليها رسول الله موسى عليه أفضل الصلاة والسلام فأين تقع مدين مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه يظهر والله أعلم أنها تقع في صحراء مصر لأنه قال (وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ) وأرجو من الأخ السائل أن يرجع إلى كلام أهل العلم في هذا. ***
سورة العنكبوت
الأخ س. أ. ب. من بلدة المحاني يقول ما معنى كلمة الحيوان في قوله تعالى (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) وما معنى الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية تدل على أن الدنيا ليست إلا لهوا في القلوب وغفلة ولعبا في الجوارح من المرح والبطر وما أشبه ذلك إلا ما كان طاعة لله ﷿ فإن ما كان طاعة لله ﷿ فإنه حق وليس لهوا ولا لعبا بل هو حق ثابت يكون الإنسان فيه مثابا عند الله ﷿ ومأجورا عليه لكن الدنيا التي هي الدنيا ليست إلا لعبا ولهوا ولهذا تجد الإنسان فيها لاهيا لاعبا حتى يأتيه اليقين وكأنها أضغاث أحلام أما قوله تعالى (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) فالمعنى أن الآخرة هي الحياة الحقيقية الدائمة الثابتة التي ليس فيها لمن دخل الجنة تنغيص ولا تنكيد ولا خوف ولا حزن وقوله (لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ) يعني لو كانوا يعلمون الحقيقة ما اشتغلوا بالدنيا التي هي لهو ولعب عن الآخرة التي هي الحيوان فإن الإنسان لو كان عنده علم نافع في هذا الأمر لكان يؤثر الآخرة على الدنيا ولا يؤثر الدنيا على الآخرة ومع هذا فإن نصيب الإنسان من الدنيا لا يمنع منه إذا لم يشغله عن نصيبه في الآخرة فلا حرج على الإنسان أن يأخذ من الدنيا ما أحل الله له بل إن الامتناع من الطيبات بغير سبب شرعي مذموم وليس من طريقة أهل الإسلام إنما ما ألهى عن طاعة الله من هذه الدنيا فإنه لا خير فيه. ***
أحمد سعد من دمشق يستفسر عن الآية الكريمة (وَإِنَّ الدَّارَ الآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله ﷾ قبل هذا (وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ) لعب بالأبدان ولهو بالقلوب وبين أن الدار الآخرة هي الحيوان يعني الحياة الكاملة التي ليس فيها نقص وهذا كقوله تعالى (يَقُولُ يَا لَيْتَنِي قَدَّمْتُ لِحَيَاتِي) فالحياة الحقيقية هي حياة الآخرة لأنها حياة ليس بعدها موت فصارت هي الحياة الحقيقية وهذا هو معنى قوله (لَهِيَ الْحَيَوَانُ) أي لهي الحياة الكاملة من كل وجه. ***
سورة الروم
ما معنى قوله تعالى (الم (١) غُلِبَتْ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ (٣) فِي بِضْعِ سِنِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذه الآية بين الله ﷿ أن الروم وكانوا يدينون بدين النصرانية قبل بعثة النبي ﷺ وهم أقرب إلى الحق من خصومهم الفرس فيقول الله تعالى (غُلِبَتْ الرُّومُ (٢) فِي أَدْنَى الأَرْضِ) أي المراد به أقربها لأنهم كانوا في الشام (وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ) ستكون الدائرة لهم بعد أن كانت عليهم لكن في بضع سنين والبضع ما بين الثلاث إلى التسع وإذا أخبر الله ﷿ خبرًا وقع الأمر كما أخبر لأن هؤلاء الروم الذين غلبوا سوف تكون الغلبة لهم في هذه المدة وقد كان الأمر كما أخبر الله ﷾ فغلبت الروم بعد ذلك الفرس وفرح المؤمنون بنصر الله ﵎ لهؤلاء الروم على الفرس. ***
المطر الذي ينزل من السماء من أين مصدره أهو كما يقال من بخار البحر أم هو من السماء وكيف ينشأ البرق والرعد إن كان في القرآن ما يشير إلى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله تعالى (اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلالِهِ) فهذا المطر ينزل من السحاب والسحاب قد أثارته الرياح بأمر الله ﷿ وليس لديّ علم بأكثر من ذلك لكن إذا علم أن هنالك أسبابا طبيعية فإنه لا حرج في قبولها إذا صحت فإن الله تعالى قد يجعل الشيء له سببان سبب شرعي وسبب كوني قدري مثل الكسوف كسوف الشمس أو القمر له سبب شرعي وهو ما ذكره النبي ﵊ في قوله (يخوف الله بهما من شاء من عباده) وهذا هو الذي ينبغي للمرء أن يعلمه وجهله نقص وأما السبب الكوني للكسوف فهو حيلولة القمر بين الشمس والأرض في كسوف الشمس ولهذا لا يكون كسوف الشمس إلا في الاستسرار في آخر الشهر لإمكان ذلك وسبب خسوف القمر هو حيلولة الأرض بين الشمس والقمر وهذا لا يكون إلا في ليالي الإبدار لإمكان ذلك والمهم أن السبب الشرعي هو النافع الذي يكون سببا لصلاح القلوب وعلى هذا فنقول إن سبب نزول المطر هو ما ذكره الله تعالى في القرآن وأما الرعد والبرق فإنه ورد في الحديث أن الرعد (صوت ملك موكل بالسحاب وأن البرق سوطه) ولكن لا يحضرني الآن صحة هذا الحديث فإن صح وجب القول بموجبه وإن لم يصح فالله أعلم. ***
سورة (لقمان)
يقول السائل يوجد في القرآن الكريم سورة سميت بسورة لقمان فمن هو هذا الشخص الذي يدعى لقمان وهل أوتي النبوة وما معنى كلمة سورة باللغة العربية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سميت سورة لقمان لأنه ذكر فيها قصة لقمان وعظته لابنه وتلك الوصايا التي ذكرها له والسورة تسمى باسم ما ذكر فيها أحيانًا كما يقال سورة البقرة سورة آل عمران سورة الإسراء وما أشبه ذلك. والصحيح أن لقمان ليس بنبي وأن الله تعالى آتاه الحكمة وهي موافقة الصواب مع العلم وقولنا مع العلم للتبيان وإلا فلا صواب إلا بعلم والصواب أنه ليس من الأنبياء وإنما هو رجل آتاه الله الحكمة ومن أوتي الحكمة فقد أوتي خيرًا كثيرًا. ***
سورة (السجدة)
أبو مصعب محمد سليمان مقيم بالرياض يقول أرجو إيضاح معنى هاتين الآيتين وهل بينهما تعارض الآية الأولى من سورة السجدة يقول الله تعالى (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) والآية الثانية من سورة المعارج إذ يقول الله تعالى (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين أنه ليس في كتاب الله ولا في ما صح عن رسول ﷺ تعارض أبدًا وإنما يكون التعارض فيما يبدو للإنسان ويظهر له إما لقصور في فهمه أو لنقص في علمه وإلا فكتاب الله وما صح عن رسوله ﷺ ليس فيهما تعارض إطلاقًا قال الله تعالى (أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا) فإذا بدا لك أيها الأخ شيء من التعارض بين آيتين من كتاب الله أو حديثين عن رسول الله ﷺ أو بين آية وحديث فأعد النظر مرة بعد أخرى فسيتبين لك الحق ووجه الجمع فإن عجزت عن ذلك فاعلم أنه إما لقصور فهمك أو لنقص علمك ولا تتهم كتاب الله ﷿ وما صح عن رسوله ﷺ بتعارض وتناقض أبدا وبعد هذه المقدمة أقول إن الآيتين اللتين أوردهما السائل في سؤاله وهما قوله تعالى في سورة السجدة (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ أَلْفَ سَنَةٍ مِمَّا تَعُدُّونَ) وقوله في سورة المعارج (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) الجمع بينهما أن آية السجدة في الدنيا فإنه ﷾ يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقدار هذا اليوم الذي يعرج إليه الأمر مقداره ألف سنة مما نعد لكنه يكون في يوم واحد ولو كان بحسب ما نعد من السنين لكان عن ألف سنة وقد قال بعض أهل العلم إن هذا يشير إلى ما جاء به الحديث عن النبي ﵊ (أن بين السماء الدنيا والأرض خمسمائة سنة) فإذا نزل من السماء ثم عرج من الأرض فهذا ألف سنة وأما الآية التي في سورة المعارج فإن ذلك يوم القيامة كما قال تعالى (سَأَلَ سَائِلٌ بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) فقوله (تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ) هذه لقوله (الْمَعَارِجِ) وقوله (في يوم) ليس متعلقًا بقوله تعالى (الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) لكنه متعلق بما قبل ذلك وقوله (بِعَذَابٍ وَاقِعٍ (١) لِلْكَافِرينَ لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كَانَ مِقْدَارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ) فيكون هذا العذاب الذي يقع للكافرين في هذا اليوم الذي مقداره خمسين ألف سنة وهو قوله (لَيْسَ لَهُ دَافِعٌ (٢) مِنْ اللَّهِ ذِي الْمَعَارِجِ (٣) تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْهِ) هي جملة معترضة وبهذا تكون آية المعارج في يوم القيامة وقد ثبت في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة في قصة مانع الزكاة (أنه يحمى عليها في نار جهنم فيكوى بها جنبه وجبينه وظهره كلما بردت أعيدت في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة) فتبين بهذا أنه ليس بين الآيتين شيء من التعارض لاختلاف محلهما والله أعلم. ***
سورة (الأحزاب)
عبد الله حاج يسأل عن قوله تعالى قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَالْقَائِلِينَ لإِخْوَانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنَا وَلا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاَّ قَلِيلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم في هذه الآية الكريمة يخبر الله ﷿ أنه عالم بالمعوقين من هؤلاء يعني عن الجهاد الذين يخذلون الناس ويرجفون بالأعداء ويقولون للناس مثلًا لا حاجة للجهاد أو يقولون العدو كبير أو ما أشبه ذلك من الأشياء التي تثبط الناس عن الجهاد وهؤلاء مع تثبيطهم عن الجهاد يدعون الناس إلى أن يكونوا مثلهم في الكسل والتهاون يقولون هلم إلينا وهم بأنفسهم أيضًا لا يأتون الحرب ويقابلون العدو إلا قليلًا والقليل هنا إما يكون بمعنى المعدوم أو بمعنى القليل جدًا على كل حال في هذه الآية وعيد لمن كان يثبط الناس عن الجهاد في سبيل الله ويعوقهم عنه وهذا الوعيد مأخوذٌ من قوله (قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ) . ***
يقول تعالى (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ) إلى آخر الآية من هي هذه المرأة وما هي قصتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً) هذه نكرة لا تخص امرأة بعينها ولكن مع ذلك قد حصل (أن امرأة جاءت إلى النبي ﵊ فقالت يا رسول الله إني وهبت نفسي لك فردد فيها النظر ﵊ ولكنها لم تعجبه فقام رجل فقال يا رسول الله إن لم يكن لك بها حاجة فزوجنيها إلى آخر الحديث) وهو ثابت في الصحيحين من حديث سهل بن سعد ﵁ وأما الآية فلا تدل على امرأة معينة. ***
السائل منصور اللحياني يقول قال الله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وقال ﷺ (من صلى علي صلاة واحدة صلى الله عليه بها عشرا) السؤال كيف تكون صلاة الله والملائكة على النبي ﷺ وكيف تكون صلاة الله على العبد وإذا تليت هذه الآية في الصلاة فهل يجب علي أن أصلى على النبي ﷺ أم أنصت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الله تعالى على رسوله وصلاة الملائكة على رسوله تعني الثناء عليه قال أبو العالية ﵀ (صلاة الله على رسوله ثناؤه عليه في الملأ الأعلى) فهذا معنى قوله تعالى (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ) أي يثنون عليه في الملأ الأعلى وأما صلاتنا نحن عليه إذا قلنا اللهم صل على محمد فهو سؤالنا الله ﷿ أن يثني عليه في الملأ الأعلى وإذا مرت هذه الآية في الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) فلا حرج أن تصلى ﵊ وإذا لم تصل عليه فلا حرج أيضا أولًا لأنك مأمور باستماع قراءة إمامك وثانيا لأنه يمكنك أن تنوي بقلبك أنك ستصلى عليه ﷺ في مواطن الصلاة عليه والحاصل أنه إذا مرت بك وأنت في الصلاة فإن شيءت فصل عليه وإن شيءت فلا تصل. ***
السائل من سوريا أ. أ. يقول في الآية الكريمة (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) ما كيفية الصلاة على النبي ﷺ وما معنى الصلاة في الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية الصلاة أن يقول اللهم صلِّ على محمد والكامل منها أن يقول اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلىت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد لا سيما إذا كان يصلى فهذه هي الكيفية المطلوبة والصلاة من الله ﷿ قيل إنها الثناء على المصلى عليه في الملأ الأعلى وقيل إنها منزلة عالية فوق الرحمة ولكننا لا ندري ما هي وقيل إن الصلاة من الله هي الرحمة لكن هذا القول ضعيف لقوله تعالى (أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ) فعطف الرحمة على الصلوات فدل هذا على أنها ليست هي الرحمة أما الإنسان إذا دعا الله أن يصلى على نبيه فمعناه أن يجعل عليه صلاته. ***
يقول السائل ما معنى الآية الكريمة (ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا تعليل لما سبق حيث قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ) يعني أنهن إذا أدنين من جلابيبهن عرف أنهن حرائر فلا يحصل من أحد أذية لهن بخلاف الإماء فإن الإماء ربما يتعرض أحد لأذيتهن. ***
ع ع ح الأحمدي المدينة النبوية تقول ما المقصود في قوله تعالى (وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا جواب لسؤال الناس الذين يسألون الرسول ﵊ متى الساعة فقال الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّ السَّاعَةَ تَكُونُ قَرِيبًا) يعني ما يعلمك أيها الإنسان أو ما يعلمك أيها النبي أن الساعة تكون قريبا وصدق الله ﷿ فإن كل آت قريب وانظر إلى نفسك تتطلع إلى الشيء تطلُّع البعيد فإذا به وقد حل يفطر الناس من رمضان ويقولون متى يأتي رمضان الثاني وإذا بهم يحل بهم رمضان الثاني وكأن أيامه دقائق أو لحظات فالساعة قريبة مهما طال الزمن وفي الآية دليل واضح على أنه لا أحد يعلم متى تكون الساعة فمن ادعى أنه يعلم الساعة متى تكون فقد كذب القرآن وهو كافر مرتد عن دين الإسلام وفي حديث عمر بن الخطاب ﵁ المشهور حين جاء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان فقال له متى الساعة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل) يعني إذا كنت لا تعلم فأنا لا أعلم وإذا كان هذان الرسولان الكريمان أفضل الرسل فإن جبريل أفضل الملائكة ومحمد أفضل البشر إذا كان هذان الرسولان الكريمان لا يعلمان متى الساعة فمن دونهما من باب أولى فمن ادعى علم الساعة فهو كاذب مكذب لله ﷿ ولرسوله فإن علم الساعة عند الله تعالى لكنه ليس ببعيد بل هو قريب لأن كل آت قريب والماضي هو البعيد فيومك الأمس أبعد عليك من ألف يوم يأتي لك إن قدر الله لك البقاء. ***
من جمهورية مصر العربية رمز لاسمه بي م ح خ يعمل في العراق يقول يقول الله ﷾ في آخر سورة الأحزاب بسم الله الرحمن الرحيم (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما المقصود بالأمانة هنا هل هي أمانة العقل أو ما اؤتمن عليه الإنسان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالأمانة هنا كل ما كلف به الإنسان من العبادات والمعاملات فإنها أمانة لأنه مؤتمن عليها وواجب عليه أداؤها فالصلاة من الأمانة والزكاة من الأمانة والصيام من الأمانة والحج من الأمانة والجهاد من الأمانة وبر الوالدين من الأمانة والوفاء بالعقود من الأمانة وهكذا جميع ما كلف به الإنسان فهو داخل في الأمانة هذه الأمانة أو هذا الالتزام لا يكون إلا بالعقل ولهذا كان الإنسان حاملًا لهذه الأمانة بما عنده من العقل وليست البهائم ونحوها حاملة للأمانة لأنه ليس لها عقل فهي غير مكلفة فالله ﷿ عرض الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وهذه المخلوقات العظيمة إذا أبت أن تحمل الأمانة وأشفقت منها وخافت فإن حمل الإنسان لها دليل على ظلمه وجهله ولكن الموفق الذي يقوم بهذه الأمانة فيمتثل ما أمر الله به ويجتنب ما نهى عنه يكون أفضل من السماوات والأرض لأنه قبل تحمل هذه الأمانة وقام بها على الوجه الذي طلب منه فكان له فضل الحمل أولًا ثم فضل الأداء ثانيًا أما إذا لم يتحمل هذه الأمانة ولم يقم بواجبها فإن الله يقول (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) ويقول ﷿ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) فالإنسان الذي لم يقم بواجب هذه الأمانة هو شر الدواب عند الله وهو كمثل الحمار يحمل أسفارًا وإنما شبهه بالحمار لبلادته وعدم تقديره للأمور حتى يقوم بما يجب عليه. ***
آدم عبده إسماعيل من الصومال يقول ما المقصود بالأمانة في قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ولماذا كان الإنسان ظلومًا جهولا بحمله الأمانة وما هو معنى الآية إجمالًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمانة هي تحمل المسئولية في العبادات التي أمر الله بها ورسوله وفي اجتناب المحرمات التي نهى الله عنها ورسوله هذه هي الأمانة وأداؤها أن نقوم بذلك على الوجه الأكمل ولما كانت السماوات والأرض والجبال لم يكن لها من العقل والإدراك مثلما للإنسان صار المتحمل لها الإنسان بما أعطاه الله تعالى من العقل والتفكير والتمييز وبما أنزل الله عليه من الكتب وأرسل إليه من الرسل فإن الإنسان قد قامت عليه الحجة بعقله وبالوحي الذي أنزله الله إليه وعلى هذا فإن الإنسان بتحمله هذه الأمانة كان ظلومًا جهولًا لجهله بما يترتب على هذا التحمل ولظلمه نفسه بتحملها (إِنَّهُ) أي الإنسان وهذا باعتبار الإنسان من حيث هو الإنسان أما إذا كان مؤمنًا فإنه يزيل عن نفسه هذا الوصف لأنه سوف يهتدي بالوحي فيكون عالمًا وسوف يتقي الله ﷿ فيكون غير ظالم لنفسه فالإنسان في الآية الكريمة من حيث هو إنسان على أن يعض المفسرين قال إن المراد بالإنسان هو الكافر ولكن ظاهر الآية العموم وأن الإنسان من حيث هو إنسان ظلوم جهول ولو وكل إلى نفسه لكان ظالمًا جاهلًا ولكن الله تعالى منّ عليه بالهدى والتقى فانتشل نفسه من هذين الوصفين الذميمين الظلم والجهل إذا كان مؤمنًا. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) ما المقصود بهذه الأمانة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بالأمانة ما ائتمن الله عباده عليه من طاعته فإن الله ﷾ ألزمهم بالطاعة بامتثال أمره واجتناب نهيه فالتزموا بالعهد الذي بينهم وبينه بما فطرهم عليه من الإيمان به والإقرار به وبما أعطاهم من العقل وبما أرسل إليهم من الرسل فهنا فطرة وهنا عقل وهنا رسالة وبهذه الأمور الثلاثة كان تحمل الأمانة من الإنسان وكلف بها وعليه أن يقوم بهذه الأمانة ويعرف قدرها حيث عرضت على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها ولكن الإنسان تحملها وحملها فعليه أن يقوم بها وهي طاعة الله تعالى بامتثال أمره واجتناب نهيه فيما يتعلق بعبادته وفيما يتعلق بحقوق عباده. ***
سورة (فاطر)
ع. م. من الرياض تقول أرجو أن تشرحوا لي الآية الكريمة (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خشية الله ﷿ هي الخوف منه مع إجلاله وتعظيمه وهذه الخشية لا تكون إلا من عالم بالله فمن كان بالله أعلم كان لله أخشى وكلما قوي العلم بالله وبأسمائه وصفاته قويت خشية الله ﷿ في قلب العبد فمعنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) يعني ما يخشى الله حق خشيته إلا العلماء بالله بأسمائه وصفاته وأفعاله وأحكامه وشرعه هؤلاء هم أشد الناس خشية لله ﷿ وكلما ضعف علم الإنسان بربه ضعفت خشيته له. ***
الأخ كحلاوي أحمد يقول يقول الله ﵎ (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) فكيف يعرف العالم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعرف العالم بكونه يقول في الأشياء بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم وشهادة الناس له بأنه عالم أما الخشية فمحلها القلب وكم من عالم قد سلب من قلبه الهدى فلم يخشع لله واستكبر عن عبادة الله والعياذ بالله لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (القرآن حجةٌ لك أو عليك) لكن العالم حقًا لا بد أن يخشى الله ﷿ إذا عرف قوته وسلطانه وشدة عقابه للمخالف خشي الله وخاف منه ولهذا تجد أكثر الناس ورعًا من كان أعلم ومن المقولة المشهورة من كان بالله أعرف كان منه أخوف. ***
أ. ر. ج. العراق بغداد يسأل ويقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه الآية الكريمة أنه لا يخشى الله ﷿ والخشية هي الخوف المقرون بالعلم والتعظيم لا يخشى الله ﷿ من عباده إلا العلماء والمراد بالعلماء العلماء بالله تعالى وما له من الأسماء والصفات والأفعال الحميدة والأحكام المتضمنة للحكمة وهي شريعة الله ﷿ هؤلاء هم العلماء الذين يخشون الله ﷾ لأنهم علموا ما له من الكمال وأما العلماء بأحوال الدنيا فإنهم قد يخشون الله وقد لا يخشونه وما أكثر الذين عندهم علم كثير من علم الدنيا ومع ذلك فهم من أبعد الناس عن خشية الله وأشدهم استكبارًا عن الحق ولقد ظن بعض الجهلة أن المراد بالعلماء في هذه الآية العلماء بأحوال الكون مما أوتوه من علمه كالذين يعرفون الفلك ويعرفون الأرض وما أشبه ذلك وهذا خطأ فهؤلاء إن أدت معرفتهم إلى خشية الله ﷾ والإنابة إليه والقيام بطاعته فهم على خير وإن لم تؤدِ إلى ذلك فليس فيهم خير. ***
مصري يقول ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) يقول أرجو إيضاح هذه الأقسام الثلاثة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ (ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا) يعني بهم هذه الأمة أورثهم الله الكتاب فكان كتابهم وهو القرآن الكريم آخر كتاب أنزله الله تعالى على أهل الأرض لأنه نزل على محمد ﷺ خاتم النبيين أورثهم الله الكتاب وبيَّن الله في هذه الآية أنه اصطفى هذه الأمة على غيرها من الأمم وقسم هذه الأمة ثلاثة أقسام ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات فالظالم لنفسه هو الذي ظلم نفسه بفعل ما لا يجوز أو بترك ما يجب والمقتصد هو الذي اقتصر على فعل الواجب وترك المحرم، والسابق بالخيرات هو الذي قام بالواجب وبما زاد عليه من التطوع، وتجنب الحرام والمكروه والمباح الذي لا يستفيد منه شيئًا، مثال الأول الظالم لنفسه رجل كان يصلى لكنه لا يأتي بما يجب في الصلاة من شروط وأركان أو واجبات فهذا ظالم لنفسه، رجل يزكي لكنه لا يحتاط ولا يزكي جميع ما تجب فيه الزكاة من ماله فهذا ظالم لنفسه، ومثال الثاني رجل يصلى لكنه يؤخر الصلاة إلى آخر الوقت ولا يأتي بمكملاتها يقتصر التسبيح على واحدة، يقتصر على قراءة الفاتحة، يقتصر في الركوع والسجود على أدنى ما يجب وهكذا، وفي الصدقة يأتي بالواجب من الزكاة ولا يزيد عليه، وأما الثالث السابق بالخيرات فهو الذي يأتي بالواجبات ويفعل ما يكملها من المستحبات فيصلى الصلاة على أكمل وجه وأتمه ويأتي بالرواتب التابعة لها ويصلى التطوع، وكذلك يؤدي الزكاة ويتصدق بما زاد على ذلك هذا هو السابق بالخيرات، ثم ختم الآية بقوله (ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ) أي ذلك السبق في الخيرات هو الفضل الكبير فإنه لا فضل أكبر من أن يمن الله تعالى على الإنسان بالمسابقة إلى الخير وفعل ما يستطيع من الطاعات الواجبة والمستحبة. ***
سورة (يس)
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يبين كمال قدرته وعزته وحكمته ورحمته بعباده حيث قدر هذا القمر منازل كل يومٍ له منزلة غير المنزلة الأخرى فيعود في آخر الشهر كما هو في أوله كالعرجون القديم والعرجون هو غصن ثمر النخل لأنه إذا قدم يلتوي ويضعف وهكذا القمر فإنه يبدو في أول الشهر هلالًا ضعيفًا ثم ينمو شيئًا فشيئًا حتى يمتلئ نورًا في منتصف الشهر ثم يعود في النقص شيئًا فشيئًا حتى يعود كعرجون النخل القديم ملتويًا ضعيفًا والله ﷾ قدره هذه المنازل لنعلم بذلك عدد السنين والحساب ويتضح لنا الأمر كما قال الله ﷿ (إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللَّهِ اثْنَا عَشَرَ شَهْرًا فِي كِتَابِ اللَّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ) وقال تعالى (يَسْأَلُونَكَ عَنْ الأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ) ولهذا لا شك ولا ريب أن التوقيت العالمي في العالم هو بهذه الأهلة لأن الله يقول (قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ) عمومًا. ***
سورة (فصلت)
ما معنى قوله تعالى (وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنطَقَ كُلَّ شَيْءٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت في الكافرين أعداء الله ﷿ الذين قال الله عنهم (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ (١٩) حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) فأعداء الله وهم الكفار هم أعداء للمسلمين أيضًا كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) وقال ﷿ (وَالَّذِينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وقال ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) فأعداء الله تعالى أعداء لكل عباده المؤمنين في كل زمان ومكان فالله تعالى يذكر عباده بهذه الحال العظيمة حتى يكونوا من أولياء الله ويبتعدوا عن أعداء الله ﷿ يقول الله ﷿ (وَيَوْمَ يُحْشَرُ أَعْدَاءُ اللَّهِ إِلَى النَّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ) أي يساقون إليها ويحبس أولهم على أخرهم يساقون إلى جهنم وردا والعياذ بالله فإذا جاؤوها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم يقول (حتى إذا ما جاؤوها) ما هذه زائدة للتوكيد وكلما جاءت (ما) بعد (إذا) فهي زائدة كما قيل يا طالبًا خذ فائدة (ما) بعد (إذا) زائدة حتى إذا ما جاؤوها أي إذا جاؤوها (شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون) فيشهد السمع على صاحبه بما سمع من الأقوال المحرمة المنكرة التي استمع إليها صاحب هذا السمع وركن إليها وقام بموجبها (وأبصارهم) بما شاهدوا من الأمور المنكرة التي أقروها ورضوا بها (وجلودهم) بما مسوا فيشمل كل ما مست أيديهم وأرجلهم وفروجهم من الأمور المنكرة المحرمة تشهد عليهم بكل ما مست وهذا أعم من السمع والبصر ولهذا أنكروا على الجلود دون السمع والبصر فقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا انطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرًا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين فيوم القيامة يختم على الألسنة وتتكلم الجوارح قال الله تعالى (الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ) فتشهد الجلود وعلى كل ما مست من أمر محرم وكذلك السمع والبصر وحينئذ لا يبقى للإنسان عذر بل يكون مقرًا رغم أنفه بما جرى منه من الكفر والمعاصي نسأل الله العافية. ***
سورة (الزخرف)
ن. ع. ف. أرسل برسالة يقول فيها أرجو شاكرا ومقدرًا تفسير قوله تعالى (وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) في سورة الزخرف أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا وَجَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْفُلْكِ وَالْأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ * لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحَانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى قوله تعالى (وما كنا له مقرنين) أي ما كنا له مطيقين لولا أن الله سخره لنا فهذه الإبل لولا أن الله سخرها لك ما استطعت أن تركب عليها ولا أن تقودها حيث شيءت ولهذا أشار الله إلى هذه النعمة في قوله (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا خَلَقْنَا لَهُمْ مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا أَنْعَامًا فَهُمْ لَهَا مَالِكُونَ * وَذَلَّلْنَاهَا لَهُمْ فَمِنْهَا رَكُوبُهُمْ وَمِنْهَا يَأْكُلُونَ * وَلَهُمْ فِيهَا مَنَافِعُ وَمَشَارِبُ أَفَلا يَشْكُرُونَ) وهي أي كلمة مقرنين مأخوذة من قرن ومنه الأقران الذين يتساوون في أمر من الأمور والقِرْن مساوٍ لك في القوة وأنت معه على حد سواء لكن الأنعام لست مساويًا لها في قوتها فما أنت لها بمقرن. ***
س. م. يقول قال الله تعالى (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ) ما معنى هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى أن الله ﷾ فضل الناس بعضهم على بعض في العقل والذكاء والعلم والعمل والجسم طولًا وقصرًا وجمالًا وقبحًا وغير ذلك وهذه ذكرت في القرآن في آيات منها قوله تعالى (وَقَالُوا لَوْلا نُزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنْ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ) القريتان الطائف ومكة يعني أن المشركين قالوا محمد ﵊ ليس أهلًا للرسالة وإنزال القرآن عليه فلولا نزل على رجل عظيم قال الله ﷿ (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ) والجواب لا ثم قال (نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا) فهذا غني وهذا فقير وهذا متوسط (وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَت رَبِّكَ خَيْرٌ مِمَّا يَجْمَعُونَ) قريش تقول هذا وهي تعلم أن الرسول ﵊ من خير العرب يعني من قبيلةٍ هي خير العرب فبنو هاشم لهم مركزٌ عظيم في قريش وهم كانوا يسمونه الأمين قبل أن يوحى إليه لكن هكذا دعوى المبطل يدعي ما يعلم هو بنفسه أنها دعوى باطلة. ***
يقول السائل ما معنى قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قُلْ إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) هذا تحدٍ للذين قالوا إن الله له ولد فاليهود قالوا عزير ابن الله والنصارى قالوا المسيح ابن الله والمشركون قالوا الملائكة بنات الله فيقول ﷿ لنبيه (قُلْ) يعني لهؤلاء المدعين أن لله ولدًا (إِنْ كَانَ لِلرَّحْمَنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعَابِدِينَ) يعني فأنا أول من يعبد هذا الولد ولن أستنكف عن عبادته ولكن لا يمكن أن يكون له ولد لأن الله تعالى قال (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ) وإذا كان كذلك فإنه يمتنع أن يكون لله ولد فهو يقول لو كان للرحمن ولد فلن أترككم تسبقونني إليه فكنت أنا أول من يعبده ولكنه ليس له ولد لذلك أنا أنكر عليكم أن تتخذوا لله ولدًا. ***
سورة (الدخان)
ما معنى قوله تعالى (فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني انتظر يوم تأتي السماء بدخان مبين وهذا الدخان قيل إنه ما أصاب قريشًا من القحط حين دعا عليهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يجعل الله عليهم السنوات سبعًا كسني يوسف فأصابهم جدب عظيم فكان الواحد ينظر إلى السماء وكأن بها دخانًا من الغبرة وعدم السحب وقيل أن المراد بالدخان الدخان الذي يكون من علامات الساعة ولم يأت بعد. ***
سورة (الحجرات)
في قوله تعالى (قَالَتْ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا) أيهما أكمل الإسلام أم الإيمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإيمان أكمل ولهذا قال الله تعالى في هذه الآية (وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلْ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) يعني لم يدخل بعد الإيمان في قلوبكم ولكنه قريب من الدخول ولكن إذا ذكر الإسلام وحده دخل فيه الإيمان كما في قوله تعالى (وَرَضِيتُ لَكُمْ الإِسْلامَ دِينًا) وإذا ذكر الإيمان وحده فقيل مؤمن وكافر فإن الإيمان يشمل الإسلام أما إذا ذكرا جميعا كما في آية الحجرات فإن الإيمان في القلب والإسلام في الجوارح والإيمان أكمل. ***
سورة (الطور)
ما هو تفسير الآية الكريمة (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: لما ذكر الله ﷾ منَّته على أهل الجنة وأنهم متكئون على سرر مصفوفة ثم قال (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ) فكان ذكر الذرية بعد ذكر الزوجات من أنسب ما يكون (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ) يعني بذلك أن الذرية الذين اتبعوا آباءهم بالإيمان يلحقهم الله بآبائهم في درجات الجنة وإن كانت الذرية أدنى مرتبة من الآباء وإذا ألحق الله الذرية بالآباء في الجنة فإن ذلك لا ينقص من درجات الآباء شيئا (وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ) أي ما نقصنا الآباء من عملهم من شيء حين ألحقنا بهم الذرية والمراد بالذرية هنا والله أعلم من لم يتزوج فلم يكن له ذرية فأما من تزوج وكان له ذرية فهو مستقل بنفسه مع ذريته في درجته التي كتبها الله له لأننا لو لم نقل بذلك لزم أن يكون أهل الجنة كلهم في درجة واحدة وقوله تعالى (كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ) فيه دليل على أن الإنسان لا يظلم من عمله شيئا لكن قد يزاد في أجره تفضلا من الله مثل زيادة أجر الذرية حتى يلحقوا بآبائهم فإن هذا فضل لكن الآباء لا ينقصون في مقابل هذه الزيادة لأن كل امرئ بما كسب رهين. ***
سورة (النجم)
ما هي قصة الغرانيق الواردة في بعض كتب السيرة مع شرح قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) وما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قصة الغرانيق هي أنه ذكر بعض المفسرين على قوله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَفِي شِقَاقٍ بَعِيدٍ (٥٣) وَلِيَعْلَمَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَيُؤْمِنُوا بِهِ فَتُخْبِتَ لَهُ قُلُوبُهُمْ وَإِنَّ اللَّهَ لَهَادِ الَّذِينَ آمَنُوا إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٤) وَلا يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ حَتَّى تَأْتِيَهُمْ السَّاعَةُ بَغْتَةً أَوْ يَأْتِيَهُمْ عَذَابُ يَوْمٍ عَقِيمٍ) ذكر بعض المفسرين أن هذه القصة كانت حين قرأ الرسول ﵊ (أَفَرَأَيْتُمْ اللاَّتَ وَالْعُزَّى (١٩) وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الأُخْرَى) أن الشيطان ألقى في قراءته تلك الغرانيق العلا وإن شفاعتهن لترتجى وهذه القصة أنكرها كثير من أهل العلم وقالوا إنه لا يمكن أن يقع ذلك من النبي ﷺ وطعنوا في إسنادها ومن العلماء من لم ينكرها وقال إن هذا ليس من كلام الرسول ﷺ فإن الله يقول (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ وَلا نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّى) يعني قرأ (أَلْقَى الشَّيْطَانُ فِي أُمْنِيَّتِهِ) فالذي ألقى هذا الكلام هو الشيطان وليس النبي ﷺ وإذا كان هو الشيطان فإن ذلك لا يقدح في مقام رسول الله ﷺ ولهذا قال (فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (٥٢) لِيَجْعَلَ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ فِتْنَةً لِلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ) إلى آخر الآيات وهذا لا يقدح في مقام النبوة وفي مقام رسول الله ﷺ وأما قوله تعالى (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى (٣) إِنْ هُوَ إِلاَّ وَحْيٌ يُوحَى) فإن الضمير في قوله وما ينطق يرجع إلى رسول الله ﷺ أي أنه ﷺ ما يقوله عن ربه وما يبلغه من الوحي فإنه لا ينطقه عن هوى منه أو تقول على الله ﷿ بلا علم وإنما هو وحي يوحيه الله إليه ولهذا قال (وَمَا يَنْطِقُ عَنْ الْهَوَى) فأتى بعن الدالة على أن المعنى ما ينطق نطقا صادرا عن هوى وإنما هو ﵊ ينطق عن الوحي الذي أوحاه الله إليه. فضيلة الشيخ: الفقرة الأخيرة يقول ما هو الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الموقف الذي يجب أن يقفه المسلم من هذا ومن غيره من الإسرائيليات أن يعرض هذه الإسرائيليات على ما في الكتاب والسنة فما وافق الكتاب والسنة فهو حق لا لأنه من خبر بني إسرائيل بل لأنه موافق للكتاب والسنة وما خالفه فهو باطل وما لم يخالفه ولم يوافقه يعني ما لم تعلم مخالفته ولا موافقته فإنه يتوقف فيه ولا يحكم بصدقه ولا بكذبه. ***
ما معنى الآية (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى (٨) فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى (٩) فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى) يعني جبريل ﵇ دنا من الرسول ﷺ فتدلى من فوق (فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى) أي كان قريبًا فأوحى أي جبريل إلى عبده أي إلى عبد الله وهو محمد ﷺ ما أوحى وأبهم الموحى تعظيمًا له وتفخيمًا لأن الإبهام يأتي في موضع التفخيم كما قال الله تعالى (فَغَشِيَهُمْ مِنْ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ) أي أوحى إلى رسول الله ﷺ عبد الله ما أوحى من الوحي العظيم. ***
سورة (القمر)
ما تفسير قوله تعالى (اقْتَرَبَتْ السَّاعَةُ وَانْشَقَّ الْقَمَرُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷾ يخبر أن الساعة قد اقتربت لأن محمدا صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو آخر الأنبياء لا نبي بعده ويخبر جل وعلا أن القمر انشق أي انفلق فلقتين وقد شاهده الناس ورأوه تفرق حتى رأوا ذلك بأعينهم وأبصارهم وقد ثبتت الأحاديث في ذلك وقد أنكر بعض الناس أن يكون القمر قد انشق وقالوا إن الأفلاك السماوية لا تتغير ولكن إنكاره هو المنكر لأنه إذا ثبت ذلك فالله على كل شيء قدير والله تعالى هو خالق السماوات والأرض وإذا كان خالق السماوات والأرض فهو قادر على أن يفرق ما اجتمع وأن يجمع ما تفرق. ***
سورة (الرحمن)
ما معنى قوله تعالى (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يكون يوم القيامة فإن هذه السماوات العظيمة الواسعة الأرجاء الكبيرة إذا كان يوم القيامة فإن الله تعالى يطويها كطي السجل للكتب كما قال الله تعالى (يوْمَ نَطْوِي السَّمَاءَ كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) وقال تعالى (وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّموَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ) وأما الآية التي سألت عنها فإن الله تعالى أخبر بأن السماء تنشق وذلك بنزول الملائكة كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا) فالظاهر والله أعلم أن قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ) إشارة إلى هذا وقوله (فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) أي تكون كحمرة الورد والدهان قيل إنه الجلد الأحمر وقيل إن الدهان ما ينظر من الدهن يكون متلونًا بألوانٍ متعددة وعلى كل حال فالآية تشير إلى أن هذه السماء سوف تكون بهذا اللون وعلى هذه الصفة في ذلك اليوم العظيم وجواب إذا في قوله (فَإِذَا انشَقَّتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ وَرْدَةً كَالدِّهَانِ) محذوف وإنما حذف لأجل التهويل والتفخيم أي كان من الهول ما يكون وما هو أمرٌ عظيم ولهذا قال بعدها (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْأَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنسٌ وَلا جَانٌّ) . ***
سورة (الحديد)
علي بشير من محافظة نينوى يقول قال الله تعالى في كتابه العزيز (هُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) يقول هذه الأيام من أيام الدنيا أم من أيام الآخرة نرجو بذلك إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) وأطلق الله تعالى هذه الأيام وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ) أي صيرناه بلغة العرب لتعقلوه وتفهموا معناه وقال تعالى (نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنْ الْمُنذِرِينَ (١٩٤) بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ) وقال ﷿ (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ) فإذا أطلق الله تعالى شيئًا في كتابه ولم يكن له معنى شرعي يرجع إليه فإنه يجب أن يحمل على ما تقتضيه اللغة العربية والأيام هنا مطلقة قال في ستة أيام فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة المعروفة لنا وهي هذه الأيام التي نعدها الأحد والاثنين والثلاثاء والأربعاء والخميس والجمعة فهذه ستة أيام خلق الله تعالى فيها السماوات والأرض قال الله تعالى مفسرًا ذلك في سورة فصلت (قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَندَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلأَرْضِ اِئْتِيَا طَوْعًا أوكَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا) ففصل الله تعالى هذه الأيام في هذه السورة تفصيلًا بينًا واضحًا فتحمل هذه الأيام على الأيام المعهودة التي يعرفها الناس في هذه الدنيا أما أيام الآخرة فإن الله تعالى قال عن يوم القيامة إن مقداره خمسون ألف سنة ***
من الأمارات العربية المتحدة العين يقول كيف تفسر المعية في قوله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معية الله ﵎ لخلقه حقيقية أضافها الله إلى نفسه في عدة آيات وهي أنواع معية تقتضي النصر والتأييد مع الإحاطة مثال ذلك قول الله ﵎ لموسى وهارون (إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى) وقول الله ﵎ عن نبيه محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا) وصاحبه هنا هو أبو بكر الصديق ﵁ بالإجماع ومعيةٌ أخرى تقتضي التهديد والتحذير ومثاله قوله تعالى (يَسْتَخْفُونَ مِنْ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنْ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنْ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا) ومعيةٌ تقتضي العلم والإحاطة بالخلق كما في قول الله تعالى (مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلاَّ هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلاَّ هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلاَّ هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا) هذه المعية الحقيقية لا تعني أن الله تعالى مع الخلق في الأرض كلا والله فإن الله ﷾ فوق كل شيء كما قال الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) وقد دل الكتاب والسنة والإجماع والعقل والفطرة على علو الله ﵎ وأنه فوق كل شيء وتنوعت الأدلة من الكتاب والسنة على علو الله ﵎ واستمع قال الله تعالى (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) قالها في أعظم آيةٍ من كتاب الله وهي آية الكرسي والعلي من العلو وقال تعالى (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) والأعلى وصف تفضيل لا يساميه شيء وقال الله ﵎ (يُدَبِّرُ الأَمْرَ مِنْ السَّمَاءِ إِلَى الأَرْضِ ثُمَّ يَعْرُجُ إِلَيْهِ) وقال تعالى (أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ (١٦) أَمْ أَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِبًا فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ) والآيات في هذا كثيرة والسنة كذلك دلت على علو الله تعالى قولًا من الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفعلًا وإقرارًا فكان يقول ﷺ (ألا تأمنوني وأنا أمين من في السماء) وكان يقول (سبحان ربي الأعلى) ولما خطب الناس يوم عرفة وهو أكبر اجتماعٍ للنبي ﷺ بأصحابه قال (ألا هل بلغت قالوا نعم قال اللهم اشهد) يرفع أصبعه إلى السماء وينكتها إلى الناس (اللهم) يشير إلى الله ﷿ في السماء (اشهد) يعني على الناس أنهم أقروا بالبلاغ أي بتبليغ النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إياهم وأتي إليه بجارية مملوكة فقال لها (أين الله قالت في السماء فقال لسيدها أعتقها فإنها مؤمنة) وأقرها على قولها إن الله في السماء وأما الصحابة والتابعون لهم بإحسانٍ وأئمة الهدى من بعدهم فكلهم مجمعون على علو الله تعالى وأنه فوق كل شيء لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أن الله ليس في السماء أو ليس فوق عباده ولهذا يجب على المؤمن أن يعتقد بقلبه اعتقادًا لا شبهة فيه بعلو الله تعالى فوق كل شيء وأنه نفسه جل وعلا فوق كل شيء وكيف يعقل عاقل فضلًا عن مؤمن أن يكون الله تعالى مع الإنسان في كل مكان أيمكن أن يتوهم عاقل بأن الإنسان إذا كان في الحمام يكون الله معه إذا كان في المرحاض يكون الله معه إذا كان واحد من الناس في الحجرة في بيته وآخر من الناس في المسجد يكون الله هنا وهناك الله واحدٌ أم متعدد إن الإنسان الذي يقول الله في كل مكان بذاته يلزمه أحد أمرين لا ثالث لهما إما أن يعتقد أن الله متعددٌ بحسب الأمكنة وإما أن يعتقد أنه أجزاءٌ بحسب الأمكنة وحاشاه من ذلك لا هذا ولا هذا إنني أدعو كل مؤمنٍ بالله أن يعتقد اعتقادًا جازمًا بأن الله ﵎ في السماء لا يحصره مكان وإني أخشى على من لم يعتقد ذلك أن يلقى الله تعالى وهو يعتقد أن الله في كل مكان أن يلقى الله على هذه الحال فيكون مجانبًا للصواب والصراط المستقيم عباد الله لا تلفظوا بأقوال من أخطؤوا من أهل العلم اقرؤوا القرآن بأنفسكم واعتقدوا ما يدل عليه هل يمكن أن يقرأ قارئ (وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) (سَبِّحْ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى) ثم يعتقد أنه في المكان الذي هو فيه يعني الذي الإنسان فيه لا يمكن أبدًا وأما قول هؤلاء الذين أخطؤوا وجانبوا الصواب وخالفوا الصراط إن المراد بذلك علو المكانة فكلا والله إن هؤلاء أنفسهم إذا دعوا الله يرفعون أيديهم إلى السماء إلى من دعوا وهل هذا إلا فطرة مفطورٌ عليها كل الخلق العجوز في خدرها تؤمن بأن الله تعالى فوق كل شيء فالفطرة إذًا دالة على علو الله تعالى نفسه فوق كل شيء العقل كذلك يدل على هذا فإنه من المعلوم أن العلو صفة كمال وأن السفول صفة نقص وأيهما أولى أن نصف رب العالمين بصفة الكمال أو بصفة النقص كل مؤمن يقول له صفة الكمال المطلق ولا يمكن أن يوصف بالنقص بأي حالٍ من الأحوال إذا علمت ذلك فقد يتراءى لك أن هذا ينافي قول الله تعالى (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) فأقول لك أيها الأخ المسلم إنه لا ينافيه لأن الله ﷾ ليس كعباده ليس كالمخلوق ليس كمثله شيء وهو السميع البصير وهو أعلى وأجل مما يتصوره الإنسان ولا يمكن أن يحيط الإنسان بالله علمًا كما قال عن نفسه (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا) فهو وإن كان في السماء فوق كل شيء فهو مع العباد لكن ليس معناه أنه في أمكنتهم بل هو محيطٌ بهم علمًا وقدرةً وسلطانًا وغير ذلك من معاني ربوبيته فإياك يا أخي المسلم أن تلقى الله على ضلال اقرأ قول الله تعالى (وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ) ثم اقرأ (وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ) ثم آمن بهذا وهذا واعلم أنه (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فيجب على الإنسان أن يؤمن بأن الله فوق كل شيء بأن الله نفسه فوق كل شيء بأنه ليس حالًا في الأرض ولا ساكنًا فيها ثم يؤمن مرةً أخرى بأنه تعالى له عرشٌ عظيم قد استوى عليه أي علا عليه علوًا خاصًا غير العلو المطلق علوًا خاصًا يليق به جل وعلا وقد ذكر الله استواءه على العرش في سبعة مواضع من القرآن كلها بلفظ (استوى على) واللغة العربية التي نزل بها القرآن تدل على أن (استوى على) أي علا عليه كما في قول الله ﵎ (وَجَعَلَ لَكُمْ مِنْ الْفُلْكِ وَالأَنْعَامِ مَا تَرْكَبُونَ (١٢) لِتَسْتَوُوا عَلَى ظُهُورِهِ ثُمَّ تَذْكُرُوا نِعْمَةَ رَبِّكُمْ إِذَا اسْتَوَيْتُمْ عَلَيْهِ وَتَقُولُوا سُبْحانَ الَّذِي سَخَّرَ لَنَا هَذَا وَمَا كُنَّا لَهُ مُقْرِنِينَ (١٣) وَإِنَّا إِلَى رَبِّنَا لَمُنقَلِبُونَ) وقد أجمع الصحابة ﵃ على أن استواء الله على العرش استواءٌ حقيقي وهو علوه جل وعلا على عرشه لم يرد عن أحدٍ منهم تفسيرٌ ينافي هذا المعنى أبدًا وهنا أعطيك قاعدة وهي أنه إذا جاء في الكتاب والسنة لفظٌ يدل على معنى ولم يرد عن الصحابة خلافه فهذا إجماعٌ منهم على أن المراد به ظاهره وإلا لفسروه بخلاف ظاهره ونقل عنهم ذلك وهذه قاعدةٌ مفيدة في تحقيق الإجماع في مثل هذه الأمور وأما من فسر (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) بأنه استولى عليه فتفسيره خطاٌ ظاهر وغلطٌ واضح فإن الله استولى على العرش وغيره فكيف نقول إنه استوى على العرش خاصة يعني استولى عليه ثم إن الآيات الكريمة تأبى ذلك أشد الإباء اقرأ قول الله تعالى (إِنَّ رَبَّكُمْ اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) فلو فسرت استوى بمعنى استولى لكان العرش قبل ذلك ليس ملكًا لله بل هو ملكٌ لغيره وهل هذا معقول هل يمكن أن يتفوه بهذا عاقل فضلًا عن مؤمن أن العرش كان مملوكًا لغير الله أولًا ثم كان لله ثانيًا ألا فليتقِ الله هؤلاء المحرفون للكلم عن مواضعه وليقولوا عن ربهم كما قال ربهم عن نفسه جل وعلا فهم والله ليسوا أعلم بالله من نفسه وليسوا أعلم بالله من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنه أنه فسر هذا اللفظ بما فسر به هؤلاء وليسوا أعلم بالله وصفاته من صحابة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يرد عنهم أنهم فسروا الاستواء بالاستيلاء على العرش ألا فليتقِ الله امرؤ ولا يخرج عن سبيل المؤمنين بعد ما تبين له الهدى فإنه على خطرٍ عظيم إن العلماء الذين سبقوا وأتوا من بعد الصحابة والتابعين لهم بإحسان وفسروا الاستواء بالاستيلاء نرجو الله ﵎ أن يعفو عن مجتهدهم وأن يتجاوز عنهم وليس علينا أن نتبعهم بل ولا لنا أن نتبعهم فيما أخطؤوا به ونسأل الله لهم العفو عما أخطؤوا به بعد بذل الاجتهاد ونرجو الله أن يوفقنا للصواب وإن خالفناهم ولا يغرنك أيها الأخ المسلم ما تتوهمه من كثرة القائلين بهذا أي بأن استوى بمعنى استولى فإنهم لا يمثلون شيئًا بالنسبة للإجماع السابق فالصحابة كلهم مجمعون على أن (اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ) أي علا عليه لم يرد عن واحدٍ منهم حرفٌ واحد أنه استولى عليه فهم مجمعون على هذا وكذلك الأئمة من بعدهم أئمة المسلمين وزعماؤهم كالإمام أحمد وغيره إن بينك وبين الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أزمنة وعلماء لا يحصيهم إلا الله ﷿ فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من خلف فالخير كل الخير فيمن سلف وليس فيمن خلف أيها الأخ المسلم المستمع إنني لم أطل عليك في هذين الأمرين علو الله ﷿ واستوائه على عرشه والأمر الثالث معيته لخلقه إلا لأن الأمر خطير ولأنه قد ضلت فيه أفهام وزلت فيه أقدام فعليك بمذهب من سلف ودع عنك من أخطأ ممن خلف أسأل الله أن يوفقنا جميعًا للصواب وأن يتوفانا على العقيدة السليمة الخالصة من كل شوب. ***
سورة (المجادلة)
نصر علي زهرة مصري يعمل بالأفلاج يقول ما سبب نزول قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) وما معنى هذه الآية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سبب هذه الآية أن امرأةً لأوس بن الصامت ﵁ وعنها ظاهر منها زوجها أوس والظهار أن يقول الإنسان لزوجته أنتِ علي كظهر أمي وكان الظهار طلاقًا في الجاهلية فجاءت تشتكي إلى النبي ﷺ فسمع الله تعالى شكواها وأنزل حل قضيتها على نبيه ﷺ فقال (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ) أي تجادلك في شأنه تريد منك حلًا له والسمع هنا من الله ﷿ سمعٌ حقيقي سمع الله قولها وهو فوق سماواته على عرشه ولهذا قالت عائشة ﵂ تبارك الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليّ بعض حديثها والله جل وعلا فوق عرشه عالٍ على خلقه سمع قولها ثم بين الله ﷿ أن الله يسمع تحاورها مع النبي ﷺ لأنه تعالى سميعٌ بصير قد وسع سمعه الأصوات فما من صوتٍ خفيٍ ولا بين إلا وهو يسمعه ﷾ وما من شيء يُرى إلا وهو يراه ﷾ سواءٌ كان خفيًا أم بينًا ثم بين الله تعالى حكم هذه القضية وهي الظهار بأنها منكرٌ من القول وزور فهي كذبٌ من أشد الكذب إذ كيف تكون زوجتك التي أحل الله لك جماعها مثل أمك التي حرم الله عليك جماعها فتحريم الأم أي تحريم جماعها من أشد ما يكون إثمًا وتحريمًا وتحليل الزوجة من أبلغ ما يكون حلًا وإباحة فكيف يشبّه هذا بهذا وهو قولٌ منكر لأنه محرم مضادٌ لحكم الله ﷿ ولكن مع هذا فإن الله عفوٌ غفور إذا طلب الإنسان من ربه العفو والمغفرة غفر له ﷾ أما من جهة حكمه من جهة الزوجة فإنه لا يجوز له أي لزوجها أن يمسها حتى يفعل ما أمر الله به حتى يعتق رقبة فإن لم يجد فإنه يصوم شهرين متتابعين قبل أن يمسها فإن لم يستطع فإطعام ستين مسكينًا قبل أن يمسها وفي هذه العقوبة الشديدة بل في هذه الكفارة الشديدة دليلٌ على عظم الظهار وتحريمه وكبره وأنه يجب على المرء أن يطهر لسانه منه وأن يتقي الله تعالى في نفسه فلا يظاهر من زوجته لما فيه من المنكر والزور والإضرار بها وبزوجها والله المستعان. ***
من السودان أ. هـ. ع. لقد أمر الله ﷾ بصلة الرحم في مواضع كثيرة من القرآن الكريم ولكن كيف تتفق هذه الآيات مع قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ) الآية وبما أن الكفر والشرك محادة لله ولرسوله فكذلك قاطع الصلاة مثلًا أو الذين لهم اعتقادات فاسدة كالتوسل بالأولياء وغير ذلك وكممارستهم للباطل في أفراحهم ومآتمهم فكيف نعاملهم أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا معارضة بين أمر الله تعالى بصلة الرحم وبين قوله تعالى (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) وذلك لأن الصلة لا يلزم منها الموادة فالموادة معناها تبادل المودة والمودة هي أعلى أو هي خالص المحبة وعلى هذا فإنه من الممكن أن تصل هؤلاء الأقارب وأنت لا تحبهم بل تكرههم على ما هم عليه من الباطل من الشرك فما دونه ولهذا قال الله ﷿ (وَوَصَّيْنَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ (١٤) وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ) فأمر الله ﷾ أن نصاحب الوالدين في الدنيا معروفًا وإن كانا كافرين مشركين بل وإن كان قد بذلا جهدهما في أن يكون ابنهما مشركًا بالله ﷿ أو في أن يكون ولدهما من ذكر أو أنثى مشركًا بالله ﷿ ومن الممكن عقلًا وشرعًا أن تصل شخصًا وقلبك يكرهه تصله بما بينك وبينه من القرابة أو من الجوار إذا كان جارًا لك ولكنك تكرهه بقلبك على ما عنده من محادة الله ورسوله. ***
سورة (الحشر)
ما معنى قوله تعالى (وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآية ظاهر وهو أن الله حكم بالفلاح على من وقاه الله تعالى شح نفسه أي طمعها فيما ليس لها أو طمعها بحيث تمنع ما يجب عليها لأن الشح مداره على أمرين إما طمع فيما ليس لك أو فيما ليس من حقك وإما منع لما يجب عليك بذله فمن وقاه الله شح نفسه بحيث لا يطمع فيما لا يستحق ولا يمنع ما يجب عليه فإن هذا من أسباب الفلاح فمثلًا إذا وقي الإنسان شح نفسه في الزكاة وصار يخرج جميع ما يجب عليه منها ويسره الله تعالى للبذل في الصدقات وما يقرب إلى الله عز جل فهذا قد وقي شح نفسه في بذل ما يحبه الله ﷿ وعدم منع ما يجب عليه ومن وقاه الله تعالى أخذ أموال الناس بالباطل من سرقة أو خيانة أو ما أشبه ذلك فقد وقاه الله شح نفسه فيكون وقاية شح النفس بأن يحمي الله ﷿ المرء من الطمع فيما لا يستحق أو من منع ما يجب عليه بذله فمن وقي ذلك كان من المفلحين والفلاح كلمة جامعة لحصول المطلوب وزوال المكروه. ***
سورة (الممتحنة)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا جَاءَكُمُ الْمُؤْمِنَاتُ مُهَاجِرَاتٍ فَامْتَحِنُوهُنَّ اللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِهِنَّ فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ وَآتُوهُمْ مَا أَنْفَقُوا وَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ وَلا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوَافِرِ وَاسْأَلُوا مَا أَنْفَقْتُمْ وَلْيَسْأَلوا مَا أَنْفَقُوا ذَلِكُمْ حُكْمُ اللَّهِ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية نزلت بعد صلح الحديبية وكان من جملة الصلح الذي جرى بين النبي ﷺ وبين قريش أن من جاء من قريش مؤمنًا رده النبي ﷺ إليهم فأنزل الله هذه الآية استثناء من ذلك الصلح لأنه إذا جاءت المرأة مؤمنة مهاجرة فإنها لا ترد إلى الكفار بعد أن تمتحن وتختبر ليتبين صدق هجرتها من زيفها (فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ) (الممتحنة: من الآية١٠) هذا بالنسبة للمتزوجات فإنها لا تحل لزوجها بعد أن أسلمت وهو باقٍ على الكفر لا تحل له لأن الكافرة لا تحل للمؤمن وكذلك المؤمنة لا تحل للكافر إلا أنه يستثنى من الكافرة في حلها للمؤمن إن كانت من أهل الكتاب لقوله تعالى (والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم إذا آتيتموهن أجورهن) وقوله (وآتوهم ما أنفقوا) أي آتوا أزواجهن ما أنفقوا عليهن لأنهن خرجن منهم بغير اختيار منهم فعوضوا بالنفقة ثم بين الله ﷿ أنه يحل للمؤمنين أن يتزوجوا هؤلاء النساء اللاتي خرجن مهاجرات من أزواجهن فقال (ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن) والمراد بالأجور هنا الصداق وسماه الله أجرًا لأنه عوض عن استمتاع الرجل بالمرأة فكأنه عوض في الإجارة. ***
سورة (الصف)
السائلة ريم من ليبيا تستفسر عن الآية الكريمة (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) هل يدخل في هذه الآية جهاد النفس الأمارة بالسوء وجهاد الهوى والشيطان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية الكريمة يقول اله تعالى فيها (يا أيها الذين أمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) واعلم أن الله تعالى إذا صَدَّرَ الكلام بقوله (يا أيها الذين آمنوا) فإنه ينبغي لك أن تستمع إلى هذا النداء الموجه من الله ﷿ إليك لأنه إذا ناداك فإما خير تؤمر به وإما شر تنهى عنه وإما خير تنتفع به ولهذا يروى عن ابن مسعود ﵁ أنه قال إذا قال الله تعالى (يا أيها الذين أمنوا) فأرعها سمعك فإما خير تؤمر به وأما شر تنهى عنه وقوله (هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم) هذا استفهام بمعنى التشويق يعني أن الله تعالى يشوقنا إلى هذه التجارة وهي التجارة الرابحة تجارة الآخرة (تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم) والمراد بالجهاد في سبيل الله هنا هو جهاد الأعداء أي بذل الجهد في قتالهم حتى يسلموا أو يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون وأما جهاد النفس فهو داخل في قوله (تؤمنون بالله ورسوله) إذ أن من كمال الإيمان وتحقيق الإيمان أن يجاهد الإنسان نفسه عن فعل المعاصي وعلى فعل الواجبات. ***
سورة (المنافقون)
ما هو الاسم الكامل لرأس المنافقين الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) وما اسم الابن الذي منعه من دخول المدينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي قال (لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل) هو عبد الله بن أُبي رأس المنافقين وأما الذي منعه من دخول المدينة حتى يقول إنه الأذل ورسول الله ﷺ الأعز هو ابنه عبد الله ﵁ وهذا يدل على حكمة الله ﷿ في خلقه حيث يخرج من الخبيث الطيبَ كما يخرج من الطيب الخبيثَ فهاهو نوح ﵊ كان أحد أبنائه كافرًا وهذا المنافق عبد الله بن أبي كان ابنه مؤمنًا فالله ﷿ يخرج الحي من الميت ويخرج الميت من الحي ويخرج المؤمن من الكافر والكافر من المؤمن والعالم من الجاهل والجاهل من العالم كل هذا يدلنا دلالة واضحة على أن المدبر لهذا الكون هو الله ﷿ بحكمته وليس مجرد طبيعة تتفاعل وتنظم نفسها بل لها خالق مدبر ذو سلطان عظيم بيده ملكوت السماوات والأرض. ***
سورة (التغابن)
من سور القرآن الكريم سورة التغابن فما معنى (التغابن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التغابن هو الغلبة بالغبن وقد ذكر الله ﷿ في هذه السورة أن يوم التغابن حقيقة هو يوم القيامة قال الله تعالى (يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ) التغابن الحقيقي هو التغابن في الآخرة حيث يكون فريقٌ في الجنة وفريقٌ في السعير أما التغابن في الدنيا فليس بشيء بالنسبة للتغابن في الآخرة ولهذا قال الله تعالى (أنظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا) . ***
سورة (التحريم)
ما معنى قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضَات أَزْوَاجِكَ) ما هو المقصود بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بهذا (أن النبي ﷺ حرم على نفسه أكل العسل وقال لا آكل العسل) فبين الله له ﷾ أنه لا ينبغي أن يحرم ما أحل الله له من أجل طلب مرضاة زوجاته ولكنه ﷾ بيّن له ما يزول به هذا التحريم فقال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ) وبناء عليه لو حرم الإنسان شيئًا مما أحل الله له فإنه يُنهى عن هذا ولكنه إذا فعل فإن لهذا الفعل حلًا وهو أن يُكَفِّر كفارة يمين ثم يعود إلى ما حرمه على نفسه مثال ذلك لو قال حرام علي أن أدخل بيت فلان ثم أراد أن يدخله نقول ادخل البيت وكَفِّر كفارة يمين لأن الله قال (قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ) وكذلك لو قال حرام علي أن أكلم فلانًا نقول كلمه وكفر كفارة يمين فكل شيء أحله الله إذا حرمه الإنسان فإن له حكم اليمين يكفر كفارة اليمين ثم يفعله. ***
سورة (الملك)
خلفان محمد ناصر البورسعيدي من سلطنة عمان يقول ما هو الأفضل في الدعاء الإسرار به أم الجهر وهل هو المراد بقوله تعالى (وَأَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوْ اجْهَرُوا بِهِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان يدعو لنفسه ولغيره فإنه يجهر بالدعاء كدعاء الإمام في القنوت فإنه يجهر به لأنه يدعو لنفسه ولغيره وكذلك يأتي به بصيغة الجمع فيقول مثلا اللهم اهدنا فيمن هديت وعافنا فيمن عافيت ولا يقول اللهم اهدني فيمن هديت لأنه إذا خص نفسه بالدعاء وهم يستمعون ويؤمنون فإن هذا من الخيانة ذلك لأن الدعاء إذا كان لنفسك ولغيرك دعاء مشترك فتخصيص نفسك به نوع من الخيانة فعلى هذا نقول إذا كان الدعاء مما هو مشترك للداعي ولغيره فإنه يجهر به ولكن الدعاء المشترك الذي هو للداعي ولغيره موقوف على ما ورد به الشرع فلا يجوز إحداث أدعية جماعية بدون ورود الشرع بها لأن إحداث مثل هذه الأمور من البدع التي ينهى عنها أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه فهذا محل تفصيل إن كان في صلاة الجماعة فإنه لا يجهر به لأن ذلك يشوش على من حوله ولهذا تجد بعض المأمومين يجهرون بما يدعون الله به إما بين السجدتين وإما في السجود وإما في التشهد وهذا لا ينبغي منهم فقد خرج النبي ﵊ على أصحابه يوما وهم يصلون ويجهرون بالقرآن فنهاهم أن يجهر بعضهم على بعض أما إذا كان الإنسان يدعو لنفسه وليس حوله أحد فإنه ينظر ما هو أصلح لقلبه إن كان الأصلح أن يسر أسر وإن كان أصلح أن يجهر جهر لكن في حال جهره لا ينبغي أن يشق على نفسه فإن النبي ﵊ قال لأصحابه وقد رفعوا أصواتهم بالذكر قال (أيها الناس أربعوا على أنفسكم فإنكم لا تدعون أصم ولا غائبا وانما تدعون سميعا قريبا وهو معكم إن الذي تدعونه أقرب إلى أحدكم من عنق راحلته) والله ﷾ قريب مجيب وهو ﷾ فوق عرشه على جميع خلقه. ***
سورة (الجن)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) فما هي هذه الطريقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (وَأَلَّوْ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لأَسْقَيْنَاهُمْ مَاءً غَدَقًا) يعني وأنهم لو استقاموا على الطريقة وهي صراط الله المستقيم الذي بعث به رسله وأنزل به كتبه لو أن الخلق استقاموا عليها لأسقاهم الله ماءً غدقًا أي ماءً كثيرًا تنبت به الزروع ثم تدر بهذه الزروع الضروع وتحصل الخيرات والبركات كما قال الله تعالى (وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنْ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٩٦) أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتًا وَهُمْ نَائِمُونَ (٩٧) أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحًى وَهُمْ يَلْعَبُونَ (٩٨) أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) فلو استقام الناس على الطريقة التي شرعها الله لهم على ألسنة رسله عليهم الصلاة والسلام لحصلت لهم الخيرات والبركات من السماء والأرض. ***
سورة (المدثر)
أم حسان تقول قال تعالى (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلاَّ أَصْحَابَ الْيَمِينِ) من سورة المدثر ما المقصود في الآية بأصحاب اليمين ولماذا لا يرتهنون بذنوبهم فأجاب رحمه الله تعالى: كل نفسٍ بما كسبت رهينة أي مرهونة محبوسة على ما كسبت أما قوله (إلا أصحاب اليمين) فإلا هنا ليست استثناءً بل هي بمعنى لكن فهو استثناءٌ منقطع فالمعنى كل نفسٍ بما كسبت رهينة أصحاب اليمين وغير أصحاب اليمين ثم قال لكن أصحاب اليمين في جناتٍ يتساءلون عن المجرمين فإلا هنا بمعنى لكن لأن الاستثناء منقطع. ***
سورة (القيامة)
ما معنى الآية الكريمة أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه جملة قسم معطوفة على جملة سابقة فيها قسم أيضًا (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ) ومعنى الآية أن الله تعالى يقسم بالنفس اللوامة وهي النفس التي تلوم الإنسان على فعل الخير وهذه هي النفس الأمارة بالسوء أو تلوم الإنسان على فعل الشر وهي النفس المطمئنة وذلك أن للإنسان نفسين نفسا أمارة بالسوء ونفسا مطمئنة فالنفس المطمئنة تأمره بالخير وتنهاه عن الشر والنفس الامارة بالسوء تأمره بالسوء وتلح عليه والنفس اللوامة جامعة بين هذا وهذا وصف للنفسين جميعًا فالنفس المطمئنة تلوم الإنسان على ترك الخير وفعل الشر والنفس الامارة بالسوء تلومه على فعل الخير وعلى ترك الشر فاللوم وصف للنفسين جميعًا فيقسم الله بالنفس اللوامة لأن النفس اللوامة هي التي تحرك الإنسان وتغير اتجاهاته إلى خير أو شر. ***
ما معنى الآية الكريمة في سورة القيامة (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ (٣) بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الآيتين أن الله تعالى ينكر على من يظن أن الله لا يجمع عظامه ولا يعيده يوم القيامة ويقول ﷿ (بلى) أي نحن قادرون على ذلك قادرون على أن نسوي بنانه أي أطراف أصابعه أن نسويها أي أن نعيدها كما كانت سوية مع أن الرجل قد يكون أكلته الأرض وذهب كل جسده ولكن الله تعالى قادر على أن يخلق حتى بنانه الذي هو أطراف أصابعه يخلقه الله تعالى سويا كما كان وهذا أيضا ليس بالأمر الصعب على الله ﷿ وليس بالأمر الذي يتأخر قال الله ﵎ (فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (١٣) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) وقال تعالى (وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلاَّ مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ) ***
ما معنى قوله تعالى (بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الآية ذكرها الله تعالى جوابًا على قوله (أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) وذلك عند البعث فإن الله تعالى يبعثه يوم القيامة فبين الله تعالى أن هذا الظن باطل وأنه ﷾ قادر على أن يخلقه على أتم خلق بحيث يخلقه تامًا حتى بنانه يكون مستويًا تامًا ليس فيه نقص والبنان هي الأصابع كما يقال يشار إلى فلان بالبنان أي بالأصابع فهذه الأصابع أدنى جزء من أعضاء البدن وإذا كان الله تعالى قادرًا على أن يسويها فما فوقها من باب أولى. ***
سورة (الإنسان)
ما معنى الآيتين الكريمتين (إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا) والآية الأخرى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قال الله ﵎ (هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا (١) إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا (٢) إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ) أي بينا له السبيل ووضحناها له سواء كان شاكرا أم كفورا فبين الله السبيل ثم انقسم الناس إلى شاكر وكفور ثم بين الله في هذه السورة جزاء الكافرين وجزاء الشاكرين أما قوله (وهديناه النجدين) فقيل إن معناه بينا له طريقي الخير والشر فيكون كهذه الآية أو قريبا منها وقيل معنى (وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ) أي هديناه إلى ثديي أمه لأن الصبي من حين ما يخرج من بطن أمه ثم يلقم الثدي يعرف أنه ثدي فيمصه من قال له هذا؟ أقالته أمه لو قالته ما فهم لكن هذا من الله ﷿ هداه ﷾ بفطرة هذا الصبي أن يعرف أن هذين العضوين في الأم فيهما غذاؤه فيمص والآية مادامت صالحة للقولين فهي لهما جميعا لأننا نحب أن نقول لإخواننا المستمعين أن الآية إذا كانت تحتمل معنيين لا مرجح لأحدهما على الآخر ولا منافاة بينهما فإنه يجب أن تحمل عليهما جميعا لأن الذي يتكلم بها وهو الله ﷿ عالم بما تحتويه من المعاني. ***
سورة (التكوير)
أرجو تفسير الآية من سورة التكوير في قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) والآية الأخرى (وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ) فأجاب رحمه الله تعالى: أما الآية الأولى وهي قوله تعالى (وَإِذَا الْعِشَارُ عُطِّلَتْ) فإن الله ﷾ يذكر الأحوال يوم القيامة وأن من جملة الأحوال أن العشار وهي الإبل الحوامل تعطل ولا يلتفت إليها وذلك لأن كل امرئٍ له شأنٌ يغنيه عن غيره حتى إن الإنسان ليفر من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه فلا يهتم بأنفَس الأموال عند العرب وهي العشار وأما الآية الثانية فإن الموؤودة فهي الفتاة التي تدفن وهي حية وكان من العرب في الجاهلية من يدفن البنات خوفًا من العار كما قال الله تعالى (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (٥٨) يَتَوَارَى مِنْ الْقَوْمِ مِنْ سُوءِ مَا بُشِّرَ بِهِ أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ) هذه الموؤدة إذا كان يوم القيامة فإنها تسأل بأي ذنبٍ قتلت ومن المعلوم أنه لا ذنب لها ولكنها تسأل توبيخًا وتقريعًا وتلويمًا لمن وأدها وهذا كما تقول للشخص المظلوم أمام ظالمه بأي شيء اعتدى عليك بأي شيء أخذ مالك وما أشبه ذلك مما يكون فيه تقريعٌ وتوبيخٌ للفاعل وتبرئةٌ للمفعول به. ***
سورة (المطففين)
ما غرض الإستفهام في الآيتين (وَمَا أَدْرَاكَ مَا سِجِّينٌ) (وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من باب تفخيم الأمر وتعظيمه. ***
سورة (البروج)
بارك الله فيكم المستمع من اليمن يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ في سورة البروج (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) السؤال يا فضيلة الشيخ كيف يكون الافتتان بين المؤمنين والمؤمنات أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذَابُ جَهَنَّمَ وَلَهُمْ عَذَابُ الْحَرِيقِ) معناه أن الذين صدوا المؤمنين والمؤمنات عن دينهم إما بإيراد الشبه وإما بالقوة ثم لم يتوبوا من ذلك فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق ومن الفتنة أي فتنة المؤمنين في دينهم أن يهون عليهم المعصية فيقول هذا أمر هين هذا جرى عليه الناس هذا يفعله الناس افعل هذا واستغفر الله، وما أشبه ذلك من الأمور التي تهون المعصية على المؤمنين فيكون بذلك فاتنًا لهم عن دينهم فكل عمل قولي أو فعلي يقتضي صد الناس عن دينهم وتهوين الدين عليهم فإنه من الفتنة فيكون داخلًا في هذه الآية ولكن لا شك أن الفتنة التي تؤدي إلى الكفر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل كبيرة من الكبائر وأن الفتنة التي تؤدي إلى كبيرة من الكبائر أعظم من الفتنة التي تؤدي إلى فعل صغيرة من الصغائر وكل شيء له درجته ومنزلته ***
سورة (الأعلى)
ما المقصود بالآية الكريمة (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود منها ما هو معلومٌ من ظاهرها أن الله تعالى وعد نبيه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يقرئه القرآن ولا ينساه والمراد لا تنسى نسيانًا دائمًا وإلا فقد وقع منه صلى الله عليه وعلى آله وسلم النسيان في بعض الآيات التي يقرؤها ولكنه ﷺ يتذكرها إما بسماعها من أحد وإما بتنبيهه إياه بعد ذلك ولهذا قال (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى (٦) إِلاَّ مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَمَا يَخْفَى) ***
قال الله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ما المراد بالذكر هنا أهو التهليل أم غيره أرشدوني والمسلمين أعد الله لكم أجرًا عظيمًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى) أي من تطهر من الشرك فما دونه من الذنوب (وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) هذا يشمل كل ذكر لله ﷿ والصلاة معروفة وقد ذهب بعض أهل العلم من المفسرين إلى أن المراد بذكر الله هنا خطبة الجمعة والصلاة صلاة الجمعة قالوا لأن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ) والصواب أن الآية عامة لكل من ذكر اسم الله تعالى ثم صلى سواء في الجمعة أو في غيرها وذكر اسم الله تعالى يكون بقول لا إله إلا الله بقول سبحان الله والحمد لله بل وبفعل العبادات أيضًا لأن العبادات في الحقيقة ذكر لله ﷿.
فضيلة الشيخ: هناك من يقيد هذه الآية برمضان والعيد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يروى عن عمر بن عبد العزيز ﵀ أنه كان يجعلها دالة على زكاة الفطر لقوله (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى) ولكن هذا ليس بتقييد للآية بل هو من جملة ما تدل عليه. ***
سورة (الفجر)
من اليمن الشمالي الأخ فريد عبد الله يسأل عن الآيات الكريمات في سورة الفجر أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (وَالْفَجْرِ (١) وَلَيَالٍ عَشْرٍ (٢) وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ (٣) وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ (٤) هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأشياء التي أقسم الله تعالى بها من آيات الله ﷿ الدالة على كمال قدرته وعظمته فالفجر الساطع المنفلق بعد الظلمة الدامسة من آيات الله ﷿ لأنه لا يقدر أحد أن يأتي بالشمس التي هذا مقدم ضوئها إلا الله ﷿ وفي الفجر من آيات الله تغير الأفق وانفتاح النور على الناس وفتح باب معايشهم وغير ذلك من الأمور التي يخفى علينا كثير منها لكنه من آيات الله العظيمة أما الليالي العشر فإنها إما الليالي العشر من رمضان التي فيها ليلة القدر وليلة القدر خير من ألف شهر وفي كل ليلة من الليالي العشر وغيرها أيضًا ينزل الله ﷿ حين يبقى ثلث الليل الآخر إلى السماء الدنيا على وجه لا يعلم كيفيته إلا هو ﷾ فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له وإما أن تكون الليالي العشر عشر ذي الحجة التي قال فيها الرسول ﵊ (ما من أيام العمل الصالح فيهنّ أحب إلى الله من هذه الأيام العشر) فإن العمل الصالح في عشر ذي الحجة أفضل من العمل الصالح في أيام عشر رمضان بهذا الحديث وإنني بهذه المناسبة أود أن أذكر إخواني المسلمين باغتنام الفرصة في هذه الأيام العشرة فإن أكثر المسلمين في غفلة عن فضلها وفضل العمل فيها ولهذا تمر عليهم وكأنها أيام عادية لا تختص بفضل فينبغي في عشر ذي الحجة كثرة الطاعة والعمل الصالح بالصلاة والصدقة والصيام وغير ذلك مما يقرب إلى الله تعالى وأما الشفع والوتر فقيل إنه إقسام بالمخلوق والخالق فالشفع المخلوق والوتر الله ﷿ كما قال النبي ﵊ (إن الله وتر يحب الوتر) وأما الشفع فهو المخلوق لقوله تعالى (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) وأما قوله (وَاللَّيْلِ إِذَا يَسْرِ) فهو إقسام بالليل عند سريانه وشيوع ظلمته وهو أيضًا من آيات الله وهو مقابل الإقسام بالفجر فإن لليل ظلمة يسكن فيه الناس ويستجدون نشاطهم بالنوم الذي جعله الله تعالى سباتًاَ ليقطعوا التعب السابق وليجددوا القوة للعمل اللاحق فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء وقال بعدها (هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ) وهذا الاستفهام للتقرير أي أن هذا قسم عظيم يعرفه كل ذي حجر والحجر هنا بمعنى العقل كل عاقل يتدبر ما في هذه الأشياء التي أقسم الله بها يتبين له عظمة هذا القسم وأما المقسم عليه فقد اختلف فيه النحويون وليس هذا موضع بسطه لكن أحب أن أنبه على فائدة مهمة لطالب العلم وهي أن الله تعالى ﷿ أحيانًا يقسم بأشياء دالة على عظمته وقدرته ليبين بهذا القسم عظمة هذه الأشياء وأنها من آيات الله ﷾ العظيمة وإن لم يكن هناك شيء مقسم عليه ومن ذلك مثلًا قوله تعالى (لا أُقْسِمُ بِيَوْمِ الْقِيَامَةِ (١) وَلا أُقْسِمُ بِالنَّفْسِ اللَّوَّامَةِ (٢) أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ) فإن بعض النحويين يقول إن في المقسم به دليل على المقسم عليه فلا يحتاج إلى مقسم عليه ومن أراد التوسع في هذا فعليه بقراءة التبيان بأقسام القرآن لشمس الدين ابن قيم الجوزية أحد تلاميذ شيخ الإسلام ابن تيمية ﵏. ***
سورة (القدر)
فائز فرج عبد الرزاق يقول في الآية الكريمة (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) لا أفهم كيف تكون ليلة القدر خير من ألف شهر أرجو توضيح هذا المعنى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: توضيح قوله تعالى (لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِنْ أَلْفِ شَهْرٍ) أن الله ﷾ بفضله وكرمه جعل هذه الليلة في فضلها وكثرة ثواب العمل فيها خيرًا من ألف شهر بمعنى أن الإنسان لو عمل عملًا صالحًا ألف شهر ليس فيه ليلة القدر كانت ليلة القدر خيرًا منه لما فيها من الثواب العظيم الجليل والخير والبركات. ***
سورة (الزلزلة)
وما معنى قوله تعالى (إِذَا زُلْزِلَتْ الأَرْضُ زِلْزَالَهَا (١) وَأَخْرَجَتْ الأَرْضُ أَثْقَالَهَا (٢) وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الله تعالى يذكر عباده بيوم القيامة الذي تزلزل فيه الأرض زلزالها كما قال الله تعالى (ياأَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ (١) يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ) وأما إخراج الأرض أثقالها فإن الله تعالى يبعث من في القبور فيخرج الناس من قبورهم على ظهر الأرض بعد أن كانوا في بطنها (وَقَالَ الإِنسَانُ مَا لَهَا) يعني أي شيء حدث وذلك من شدة الفزع والأهوال وفي ذلك اليوم يقول الله تعالى (يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبَارَهَا (٤) بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحَى لَهَا) فتشهد بما عمل عليها من خير أو شر فالآيات هذه تصور مشهدًا من مشاهد يوم القيامة. ***
سورة (التكاثر)
الطيب حسن الدوادمي يعمل في الدوادمي يقول أرجو أن تفسروا الآية الكريمة في سورة التكاثر (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا أشكر أخي السائل الذي سأل عن معنى الآية الكريمة وذلك لسروري بتفكر الناس في معاني القرآن الكريم وطلبهم تفسيرها لأن هذا يدل على العناية بكلام الله ﷿ ثانيًا معنى قوله تعالى (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ) أنه ﷿ يخاطب الناس ويبين لهم أن التكاثر بينهم في الأموال والأولاد ألهاهم عن طاعة الله وشغلهم عن ذكره حتى ماتوا وهذا معنى قوله (حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) يعني حتى متم وسمى الله ﵎ الدفن أي دفن الميت زيارة لأنه لا بد من بعثه ولهذا لما سمع أعرابيٌ قارئًا يقرأ (أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ (١) حَتَّى زُرْتُمْ الْمَقَابِرَ) قال والله إن وراء ذلك لشيئًا آخر أو كلمة نحوها فإن الزائر يقول الأعرابي ليس بمقيم وصدق فإن وراء ذلك البعث والزائر على اسمه زائر ليس بمقيم وبقاء الناس في القبور وإن طالت المدة هو شيء يسير بالنسبة إلى الآخرة وبهذه المناسبة أود أن أنبه على كلمةٍ يقولها بعض الناس غافلًا عن مدلولها وهي أنه إذا مات الإنسان قالوا انتقل إلى مثواه الأخير وهذه الكلمة في معناها الظاهر من لفظها كلمةٌ خطيرة لأن مضمونها ومدلولها أنه لا بعث وأن القبر هو المثوى الأخير ومن المعلوم أن هناك بعثًا وأن المثوى الأخير هو إما الجنة وإما النار نسأل الله أن يجعلنا من أهل الجنة فلا يحل للإنسان أن يقول في الميت إذا دفن إنه رجع إلى مثواه الأخير قد يقول قائل إن هذا مثواه الأخير بالنسبة للدنيا فإن الإنسان مهما طالت مدته في الدنيا فإن مآله إلى القبر نقول نعم هذا هو مراد الناس فيما يظهر لا سيما المسلمين منهم فإن كل مسلمٍ يؤمن باليوم الآخر لكن ما دام اللفظ يحتمل معنىً فاسدًا هو ظاهر اللفظ أيضًا فإنه يجب اجتنابه. ***
سورة (العصر)
ما تفسير قوله تعالى (وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷿ يقسم بالعصر الذي هو الدهر لأن الدهر زمن الحوادث والوقائع المختلفة ومن ثم أقسم الله به أقسم على أن الإنسان في خسر والإنسان هنا يراد به الجنس فكل إنسان فإنه في خسر لا يستفيد من حياته شيئًا ولا من عصره شيئًا إلا من جمعوا هذه الأوصاف الأربعة (إِلاَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ) (آمَنُوا) أي صدقوا بما يجب التصديق به مع القبول والإذعان فالإيمان الشرعي ليس هو مجرد تصديق بل هو تصديق خاص مستلزم للقبول والإذعان (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) يعني عملوا الأعمال الصالحة والأعمال الصالحة ما استجمع فيها شرطان الإخلاص لله والمتابعة لرسول الله ﷺ فإن اختل أحد الشرطين لم تكن من الأعمال الصالحة لو أن الإنسان عمل عملًاَ موافقًا للسنة تمامًا في ظاهره لكنه لم ينوِ بذلك وجه الله بل عمل ذلك رياء وسمعة فإن عمله لا يقبل ولا يسمى صالحًا ففي الحديث القدسي الذي رواه أبو هريرة عن النبي ﷺ أن الله قال (أنا أغنى الشركاء عن الشرك من عمل عملًا أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) ومن أخلص لله ﷿ ولم يبتغ سوى وجه الله لكنه لم يتبع النبي ﷺ وعدم اتباع النبي ﷺ يكون بأمرين إما بعدم فعل ما يشرع فعله مما يكون فواته مبطلًا للعبادة وإما بابتداع شيء في دين الله لم يشرعه النبي ﷺ مثال الأول لو أن رجلًا صلى الظهر ولكنه تعمد ترك التشهد الأول فإننا نقول إن هذا العمل باطل لأنه لم يتبع فيه النبي ﷺ حيث ترك التشهد الأول عن عمد وكذلك لو صلى الظهر وترك سجدة من السجدات أو ركوعًا من الركوعات فإنه لا يكون عمله صحيحًا لأنه لم يكن متابعًا للنبي ﷺ في ذلك ولو ابتدع في دين الله ما ليس منه كما لو أحدث تسبيحات أو تهليلات أو تكبيرات أو تحميدات على وجه معين لم تأت به الشريعة أو أحدث صلوات على النبي ﷺ على وجه معين لم تأت به الشريعة كان عمله غير صالح ولا مقبول لأنه لم يتبع النبي ﷺ في عمله والعبادة لا تتحقق فيها المتابعة إلا إذا كانت موافقة للشرع في سببها وجنسها وقدرها وكيفيتها وزمانها ومكانها فإن اجتمعت في العبادة هذه الأوصاف أو إذا تحققت الموافقة للشريعة في هذه الأمور الستة تحققت المتابعة وإن اختل واحد منها لم تتحقق المتابعة إذًا فمعنى قوله تعالى (وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ) أي عملوا الأعمال الصالحة التي تحقق فيها شرطان وهما الإخلاص لله والمتابعة لرسوله ﷺ الأمر الثالث (وتواصوا بالحق) أي صار بعضهم يوصي بعضًا بالحق والحق هو ضد الباطل فكل ما خالف الشرع فهو باطل وكل ما وافق الشرع فهو حق والحق هنا يشمل التواصي بفعل المعروف والتواصي بترك المنكر أي أن الحق فعل المعروف وترك المنكر فيتواصون بفعل المعروف وبترك المنكرات (وتواصوا بالصبر) الصبر هو حبس النفس وتحميلها وهو أن كل إنسان يعمل أو يدعو إلى الله ﷿ فلا بد أن يواجه شيئًا قد يثني عزمه فليصبر فهم يتواصون بالصبر يوصي بعضهم على أن يصبر على الإيمان وعلى العمل الصالح والتواصي بالحق وقد أمر الله تعالى عباده بالصبر في عدة مواضع من القرآن مثل قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) ومثل قوله تعالى (وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) ومثل قوله تعالى (إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ) وذكر أهل العلم أن الصبر ينقسم ثلاثة أقسام صبر على طاعة الله وصبر عن معصية الله وصبر على أقدار الله المؤلمة وأعلاها الأول ثم الثاني ثم الثالث فالصبر على طاعة الله هو حبس النفس على قبول أمر الله ورسوله وعلى تنفيذ أمر الله ورسوله وفيه أمران وهما حبس النفس على قبول ذلك ثم تنفيذه أما الصبر عن معصية الله فهو حبس النفس عن فعل المعصية وليس فيه إلا شيء واحد وهو حبس النفس عن المعصية ولهذا كان الأول أكمل منه أما الثالث فهو الصبر على أقدار الله المؤلمة فإن الإنسان في هذه الدنيا بين الضراء والسراء وبين الخوف والأمن وبين الضيق والسعة وبين الفقر والغنى وبين الصحة والمرض فيحتاج إلى صبر على ذلك والصبر هذا هو أقل الأنواع شأنا لأن هذا الصبر لا يفعل الإنسان فيه المصبور عليه باختياره وإنما يقع عليه بغير إرادته فهو كما قال بعض السلف إما أن يصبر صبر الكرام وإما أن يسلوَ سلْو البهائم بخلاف القسمين الأولين فإن فيهما نوعًا من الاختيار إذ أن الإنسان لو شاء لكف عن الشيء ولو شاء لم يكف ولو شاء لفعل الشيء ولو شاء لم يفعله بخلاف أقدار الله ﷿ فإنها تأتي للإنسان وتصيبه بغير اختياره ولهذا كان هذا النوع أقل شأنا أو كان هذا القسم أقل شأنا من القسمين السابقين. ***
سورة (الماعون)
ما معنى قوله تعالى أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (فَوَيْلٌ لِلْمُصلىنَ (٤) الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ (٥) الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦) وَيَمْنَعُونَ الْمَاعُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ويل هذه كلمة وعيد وتهديد، والمصلون الذين هم عن صلاتهم ساهون هم الذين يصلون ولكن لا يبالون بصلاتهم يغفلون عنها فيؤخرونها عن وقتها ولا يأتون بواجباتها وأركانها وشروطها فهم يصلون ولكنهم ساهون عن صلاتهم لا يقيمونها على الوجه المطلوب منهم، وأما (الذين يراءون) فهم الذين يراءون الناس في عبادة الله يتعبدون لله أمام الناس ليراهم الناس ويمدحوهم على عبادتهم لله ﷿، وأما الذين يمنعون الماعون فهم الذين يمنعون الأواني وشبهها مما يستعيره الناس في العادة والإنسان مستغنٍ عنه، فتجده لبخله يمنع حتى إعارة الماعون، فوصف الله هؤلاء بأنهم غافلون عن صلاتهم مراؤون في عباداتهم بخلاء في أموالهم. ***
عمر أحمد عوض سوداني مقيم في الكويت يقول ما تفسير قوله تعالى (الَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ سَاهُونَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تفسيرها أن الله ﷿ توعد المصلىن الذين هم عن صلاتهم ساهون أي غافلون عنها لا يؤدونها على الوجه المطلوب منهم فيضيعون أوقاتها ويضيعون واجباتها ويدعون صلاة الجماعة مع وجوبها عليهم إلى غير ذلك مما يوجب غفلتهم عن صلاتهم وإذا كان هذا الوعيد على من صلى مع سهوه عن صلاته فكيف بمن لم يصلِّ أصلًا فإنه أعظم وأشد وقد بينا في غير مرة من حلقات هذا البرنامج أن من ترك الصلاة تهاونًا وكسلًا فإنه يكون كافرًا كفرًا مخرجًا عن الملة. ***
سورة (الكوثر)
محمد ناصر من جمهورية اليمن الديمقراطية محافظة لحج بعث بسؤالين يقول ما معنى قوله تعالى (إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢) إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه السورة العظيمة أن الله تعالى يخبر بما امتن به على نبيه محمدٍ ﷺ حيث أعطاه هذا الكوثر وهو الخير الكثير العظيم كما قال الله تعالى (وَكَانَ فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا) ومنه الكوثر الذي في الجنة وهو نهرٌ أعطيه النبي ﷺ ويصب منه ميزابان في حوضه ﷺ الحوض المورود يوم القيامة الذي يرده المؤمنون من أمته صلوات الله وسلامه عليه ثم إن الله تعالى لما ذكر ما امتن به عليه من هذا الخير الكثير أمره أن يصلى وينحر له فقال (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) فالصلاة هي الصلاة المعروفة وهي التعبد لله تعالى بالأفعال والأقوال المعلومة المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم والنحر هو التقرب إلى الله تعالى بذبح الهدايا والضحايا وما يشرع من الذبائح فالجمع بين الصلاة والنحر يكون جمعًا بين عبادةٍ بدنية وعبادةٍ مالية وقوله (إن شانئك هو الأبتر) أي إن مبغضك الذي يبغضك هو الأبتر المقطوع الذي لا خير فيه ولا بركة وهذا كما يشمل من أبغض رسول الله ﷺ شخصيًا فإنه يدخل فيه أيضًا من أبغض سنته وهديه فإن من أبغض سنته وهديه لا شك أنه مبتورٌ مقطوع وأن الخير كل الخير في إتباع هدي النبي ﵊ ومحبته وتعظيمه بما هو أهلٌ له صلوات الله وسلامه عليه. ***
ما معنى قوله تعالى (فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ) في سورة الكوثر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناها أن الله أمر نبيه ﷺ حين ذكر منته عليه بإعطائه الكوثر وهو نهر عظيم في الجنة يصب منه ميزابان في الحوض المورود لرسول ﷺ في القيامة لما ذكر الله منته عليه بهذا الكوثر أمره أن يصلى لربه وينحر والصلاة معروفة هي التعبد لله تعالى بتلك الأقوال والأفعال المفتتحة بالتكبير المختتمة بالتسليم وأما النحر فهو الذبح لله ﷿ كالأضاحي والهدي والعقيقة هذا هو معنى قوله تعالى (فصل لربك وانحر) . ***
سورة (الإخلاص)
محمد طيب منظور أحمد من الباكستان يقول لماذا سميت سورة قل هو الله أحد بسورة الإخلاص وما وجه دلالتها واشتمالها على أنواع التوحيد الثلاثة أرجو توضيح ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سورة الإخلاص هي قوله تعالى (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ (١) اللَّهُ الصَّمَدُ (٢) لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ (٣) وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُوًا أَحَدٌ) وسميت سورة الإخلاص لأمرين الأمر الأول أن الله أخلصها لنفسه فليس فيها إلا الكلام عن الله ﷾ وصفاته والثاني أنها تخلص قائلها من الشرك إذا قرأها معتقدا ما دلت عليه ووجه كونها مشتملة على أنواع التوحيد الثلاثة وهي توحيد الربوبية وتوحيد الألوهية وتوحيد الأسماء والصفات أما توحيد الألوهية ففي قوله (قل هو الله) (فهو الله) يعني هو الإله المعبود حقًا الذي لا يستحق أن يعبد أحد سواه فهذا هو توحيد الألوهية وأما توحيد الربوبية والأسماء والصفات ففي قوله (الله الصمد) فإن قوله (الله الصمد) معناه الكامل في صفاته الذي تصمد إليه جميع مخلوقاته فكماله في الصفات هو ما يتعلق بتوحيد الأسماء والصفات وافتقار مخلوقاته كلها إليه وصمودها إليه يدل على أنه هو الرب الذي يقصد لدفع الشدائد والمكروهات وحصول المطالب والحاجات وفي قوله (أحد) توحيد في الأمور الثلاثة لأنه وحده ﷾ هو المتصف بذلك الألوهية وبالصمدية ﷾ وفي قوله (لم يلد ولم يولد) رد على النصارى الذين قالوا إن المسيح ابن الله وعلى اليهود الذين قالوا إن عزير ابن الله وعلى المشركين الذين قالوا إن الملائكة بنات الله وهو ﷾ لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد وإنما قال (لم يكن له كفوا أحد) لكمال صفاته لا أحد يكافئه أو يماثله أو يساويه. ***
5 / 2
_________
فتاوى المصطلح والحديث
_________
Unknown page
مصطلح الحديث
6 / 1
السؤال: ما هي شروط الحديث الصحيح؟
فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الصحيح هو ما جمع خمسة شروط:
الشرط الأول: أن يكون الناقل له عدلًا أي عدلًا في دينه ليس بفاسق.
الثاني: أن يكون ضابطًا ضبطًا تامًا بحيث لا يخطئ في التحمل ولا في الأداء والنادر لا حكم له يعني والخطأ النادر لا حكم له.
الشرط الثالث: أن يكون السند متصلًا بحيث يرويه التلميذ عن شيخه مباشرة.
الرابع: أن يكون الحديث غير معلل أي ليس فيه علة تقدح فيه لا في سنده ولا في متنه.
الخامس: أن لا يكون شاذًا لا في سنده ولا في متنه فإذا تمت هذه الشروط كان صحيحًا مقبولًا يعمل به وإذا اختل شرط منها نزل عن درجة الصحة وإذا نزل عن درجة الصحة فهو درجات منه الحسن لذاته والحسن لغيره والصحيح لغيره والضعيف والموضوع والمرسل والمنقطع والمعضل وهذا معروف في علم المصطلح والذي يهمنا أن نعرف شروط الصحيح وهي خمسة كما ذكرته آنفًا.
***
حامد بن إبراهيم من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول هل يأثم الإنسان إذا لم يعمل بالأحاديث التي انفرد بروايتها شخص واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال عائم في الحقيقة لأن الحديث الصحيح هو الذي رواه عدل بسند متصل غير معلل ولا شاذ فالحديث الصحيح إذا تمت فيه شروط الصحة ولو كان من طريق واحد فإنه يجب العمل بمقتضاه سواء في الأمور العملية أو في الأمور العلمية لا فرق بين هذا وهذا على ما مشى عليه أهل السنة والجماعة وكذلك الحديث الحسن يعمل به أيضًا لأن الحديث الحسن ليس بينه وبين الحديث الصحيح إلا فرق خفيف جدًا وهو أن راويه لا يكون تام الضبط فيكون عنده ضبط لكنه ليس تامًا وهو من الأحاديث المقبولة التي يعمل بها وينبغي أن تعلم أن القاعدة العامة أن كل ما صح عن النبي ﷺ فإنه معمول به سواء جاء عن طريق واحد أو من طريقين أو من ثلاثة أو أكثر. ***
الأحاديث الموقوفة هل يعمل بها وأيضًا الأحاديث المقطوعة هل تعتبر من الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأحاديث الموقوفة هي المنسوبة إلى الصحابي لا إلى رسول الله ﷺ والعمل بها يتوقف على العمل بقول الصحابي فمن أهل العلم من قال إن أقوال الصحابة حجة يؤخذ بها ومنهم من قال إنها ليست بحجة وأن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وإجماع الأمة ومن الناس من فصل وقال إذا كان الصحابي ممن عرف بالعلم والفقه فقوله حجة وإن لم يكن كذلك فقوله ليس بحجة وهذا أعدل الأقوال وأوسط الأقوال وأصح الأقوال وأما المقطوع فالمقطوع ما نسب إلى التابعي فمن بعده وليس بحجة حتى وإن صح سنده لأن قول التابعي ليس بحجة فإن التابعين كغيرهم من علماء هذه الأمة يؤخذ من أقوالهم ويترك. ***
ن س تقول من هو المدلس وما هي الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المدلس هو الذي يظهر الشيء بمظهر مرغوب فيه وليس كذلك مثل أن يلمع سيارته لتبدو للمشتري وكأنها جديدة أو أن يشطب بيته لإزالة ما فيه من الشقوق والانهيار ليظهر للناس أنه جديد وما أشبه ذلك وهذا من الغش الذي نهى عنه النبي ﷺ بل الذي تبرأ من فاعله كما قال النبي ﷺ (من غشنا فليس منا) وإن كانت السائلة تريد بالمدلس المدلس في علم الحديث فهو لا يخرج عن المعنى الذي ذكرناه وهو إظهار الشيء بصفة تستلزم قبوله فإن المدلس في الحديث هو الذي يروي عن شخص لم يتلق منه الحديث مباشرة بصيغة تحتمل اللقي مثل أن يقول عن فلان، وفلان لم يحدثه به لكن رواه عنه بواسطة فيظهر للناس أن هذا الإسناد متصل لأن صيغته الظاهرة تقتضي هكذا وهو لم يتصل وقد ذكر أهل العلم أن المعروفين بالتدليس لا تقبل منهم الأحاديث المعنعنة إلا إذا صرحوا بالتحديث أي إلا إذا قال هذا المدلس عمّن روى عنه حدثني فلان أو سمعت فلانًا أو ما أشبه ذلك ففي هذه الحال يقبل إذا كان ثقة أي إذا لم يكن سبب الرد فيه شيء سوى التدليس. ***
إذا قرأت في كتب السنة أجد فيها أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة فهل يجوز الاستدلال بها والعمل بها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السنة كما قال الأخ المنسوب إليها ينقسم ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف والرابع الموضوع أما الصحيح والحسن فإنه يستدل بهما ويؤخذ بهما أي بما دلا عليه من أحكام ويصدق ما فيهما من أخبار وأما الضعيف فإن جبر بكثرة طرقه والشواهد فإنه يكون حسنًا لغيره فيلحق بالحسن ويعتد به وإن لم ينجبر بذلك فإنه ليس بحجة لكن قد استشهد به بعض العلماء في فضائل الأعمال أو في الزواجر عن النواهي بثلاثة شروط: الأول أن يكون له أصلٌ صحيح يشهد له. والثاني أن لا يكون الضعف شديدًا. والثالث أن لا يعتقد صحته عن النبي صلى الله عليه سلم أي أن النبي ﷺ قاله مثال ذلك لو ورد حديثٌ فيه فضلٌ لصلاة الجماعة وهو ضعيف لكنه تنطبق عليه الشروط الثلاثة التي ذكرنا فإن هذا يمكن الاستشهاد به لأن صلاة الجماعة واجبة وأصل الفضل فيها ثابت فإذا تمت الشروط الثلاثة فالأصل هنا موجود فإذا وجد الشرطان الآخران وهما أن لا يكون الضعف شديدًا وأن لا يعتقد صحته عن النبي صلى الله عليه سلم جاز الاستشهاد به. وأما الموضوع وهو القسم الرابع فإنه لا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ بأي حالٍ من الأحوال بل ولا يجوز ذكره إلا مبينًا أو إلا مقرونًا ببيان وضعه حتى لا يغتر الناس به وكذلك الضعيف الذي ذكرنا آنفًا لا يجوز ذكره إلا مقرونًا ببيان ضعفه حتى وإن قلنا بأنه يجوز الاستشهاد به فلا بد من بيان ضعفه ***
ما حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ولا يجوز سوقها على أنها حجة حتى ولو كان في فضائل الأعمال أو في العقاب على سيئ الأعمال إلا إذا ذكرها في الفضائل والترغيب في الخير أو في التحذير من الشر إذا ذكرها مبينًا ضعفها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من حدث عني بحديثٍ كذب يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وقد رخص بعض أهل العلم بجواز رواية الحديث الضعيف لكن بشروطٍ ثلاثة: الشرط الأول أن لا يكون الضعف شديدًا. والشرط الثاني أن يكون له أصلٌ ثابت. والشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله فعلى هذا فيرويه بقول يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو يذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو ما أشبه ذلك وهذه الشروط محترزاتها أن نقول إذا كان الضعف شديدًا فإنه لا تجوز روايته ولا ذكره وإذا لم يكن له أصل فإنه لا تجوز روايته ولا ذكره ومعنى أن يكون له أصل أن يأتي حديثٌ ضعيف في فضيلة صلاة الجماعة مثلًا وكثرة ثوابها وهذا له أصل وهو أن صلاة الجماعة مشروعة وواجبة فإذا وجد حديث فيه زيادة الترغيب وزيادة الأجر فهذا نستفيد منه أن نحرص على هذه الصلاة ونرجو الثواب الذي ذكر في هذا الحديث وهذا لا يؤثر على أعمالنا الصالحة لأن النفس ترجو بدون قطع أما إذا لم يكن له أصلٌ ثابت فإنه لا يجوز ذكره إطلاقًا ولا روايته وأما الشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله فلأنه ضعيف ولا يجوز أن يعتقد أن الرسول قاله وهو ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ذلك نوعٌ من الكذب عليه وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا) لكن لو اشتهر حديثٌ ضعيف بين الناس فالواجب على الإنسان العالم بضعفه أن يذكره بين الناس ويبين أنه ضعيف لئلا يغتروا به. ويوجد الآن أحيانًا منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصًا لا أصل لها ثم تنشر بين العامة وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك حيث يضل عن سبيل الله يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة أحيانًا يكون الحديث موضوعًا ليس ضعيفًا فقط ثم تجد بعض الجهال يريدون الخير فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف وهو لا يدري أن الأمر خطير وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام لأنه من الترويع بلا حق أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هو موضوع هذا أيضًا محرم لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت فيحتسبونه على الله ﷿ وهو ليس كذلك فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذبًا ليضلوا الناس بغير علم وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ***
يقول هل يستدل بالأحاديث الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأحاديث الضعيفة لا يستدل بها ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله ﷺ إلا على وجه يبين فيه أنها ضعيفة ومن حدث عن رسول الله ﷺ بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة: الشرط الأول ألا يكون ضعفه شديدًا. والشرط الثاني أن يكون له أصل. والشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي ﷺ قاله فإن كان الضعف شديدًا فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبدًا إلا أذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضًا مثال الذي له أصل أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلًا وهو ضعيف فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر لأنه إن كان صحيحًا فقد نال الثواب المرتب عليه وإن لم يكن صحيحًا فقد استعان به على طاعة الله لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث أن لا تعتقد أن النبي ﷺ قاله ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب على أن بعض أهل العلم قال إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقًا إلا مقرونًا ببيان ضعفه وهذا القول لا شك أنه أحوط وأسلم للذمة ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ. ***
إذا كان هناك حديث ضعيف عن الرسول ﷺ فهل يجوز الأخذ به إذا لم يكن مخالفًا للقرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز الأخذ بالحديث الضعيف لأنه إذا أخذ الإنسان بحديث ضعيف فمعنى ذلك أنه ينسب إلى الرسول ﷺ ما لم يثبت عنه وهذا على خطر عظيم لكن رخص بعض أهل العلم في رواية الحديث الضعيف إذا كان في فضائل الأعمال إلا أنهم اشترطوا لذلك ثلاثة شروط: الشرط الأول ألا يكون الضعف شديدًا. والشرط الثاني أن يكون لهذا الحديث أصل. والشرط الثالث ألا يعتقد أن الرسول ﷺ قاله ومعنى قولهم له أصل أن يكون هذا الحديث ورد في فضل صلاة الجماعة مثلًا فهذا له أصل فمشروعية صلاة الجماعة ثابتة فإذا جاء حديث ضعيف في فضلها والثناء على من فعلها فبعض العلماء يرخص في روايته ولكن بشرط ألا يعتقد أن النبي ﷺ قاله أما لو كان دليلا على إثبات حكم شرعي مستقل فإن هذا لا يجوز روايته ولا نشره. ***
من فهد السويف يقول كيف يمكن أن نفرق بين الحديث الصحيح المروي عن النبي ﷺ وغير الصحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يمكن أن نفرق بينهما بما ذكره أهل العلم فإن أهل العلم ﵏ بينوا الصحيح من الضعيف ويمكن أن نقرأ في الكتب المعروفة بالصحة كصحيح البخاري ومسلم والجمع بين الصحيحين للحميدي وغيرها من الكتب المعروفة بالصحة ويمكن أيضًا أن نعرف ذلك بتتبع هذا الحديث ومعرفة رجاله وإسناده ومتنه فإذا كان عند الإنسان قدرة على هذا فيمكن أن يعرف الصحيح من الحديث الضعيف وإذا لم يكن له قدرة فيقلد في هذا أهل العلم في هذا الفن. ***
كيف يعرف الإنسان الأحاديث الصحيحة من الموضوعة وهل هناك كتب توضح الأحاديث الموضوعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرجوع في هذا إلى أهل العلم المختصين الذين اعتنوا بالأحاديث وميزوا صحيحها من ضعيفها كما أننا نرجع في المرض إلى الطبيب المختص فمن كان مريضا في بطنه لا نعرضه على من كان طبيبا في الأعصاب والعظام بل على من كان طبيبا في البطون وما أشبه ذلك وقد بين العلماء والحمد لله ذلك وأبدوا فيه مجهودا كبيرا نسأل الله أن يثيبهم عليه وهناك كتب صنفت في الموضوعات فقط مثل الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ﵀ وغيرها مما لا أعلمه فليبحث عن ذلك. ***
عندنا إمام مسجد لا يستدل إلا بالأحاديث التي رواها الشيخان فقط فهل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حجة سواء كان من الصحيحين أو من غيرهما والصحيحان لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هناك أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين ولا في أحدهما وقد قبلها الناس وصححوها وعملوا بها واعتقدوا بمقتضاها فيقال لهذا الرجل لماذا كنت تحتج بما رواه الشيخان البخاري ومسلم دون غيرهما فإذا قال لأن كتابيهما أصح الكتب قلنا إذا المدار على الصحة فأي كتاب كان فيه حديث صحيح فإنه يجب عليك أن تقبله. ***
ما الكتاب الذي يحمل أحاديث كثيرة وتنصحونني به أو بامتلاكه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب في ذلك مختلفة متنوعة وكل منها يبحث في موضوع معين ولكن من خير ما نعلم لها ولأمثالها رياض الصالحين الذي ألفه النووي ﵀. ***
هل يجوز استخدام التجويد في غير القرآن كقراءة أحاديث النبي ﷺ وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض المتأخرين في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَاب) ذكر بعض المتأخرين أن من ذلك أن يتلو الإنسان غير القرآن على صفة تلاوة القرآن مثل أن نقرأ الأحاديث أحاديث النبي ﷺ كقراءة القرآن أويقرأ كلام أهل العلم كقراءة القرآن وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يترنم بكلامٍ غير القرآن على صفة ما يقرأ به القرآن لا سيما عند العامة الذين لا يفرقون بين القرآن وغيره إلا بالنغمات والتلاوة. ***
هل جائز أن تقول صدق الله العظيم على أقوال محمد ﷺ لأنه وحيٌ يوحى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن نقول صدق رسول الله ﷺ لأن هذا الكلام الذي تكلم به النبي ﷺ ليس كلام الله وإن كان وحيًا يُوحى والسنة كما يُعلم من التتبع والاستقراء منها وحيٌ ومنها اجتهاد منها وحيٌ يوحى إلى النبي ﷺ ومنها اجتهادٌ يجتهد فيه ثم ينزل القرآن مقررًا له أو مبينًا للصواب ثم إن ختم كلام الرسول ﷺ أو خَتم كلام الله تعالى بصدق الله العظيم هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفةً في عهد النبي ﷺ وعهد السلف الصالح نعم إذا وقع أمرٌ مصدقٌ لما أخبر الله به ورسوله فحينئذٍ تقول صدق الله مثل أن ترى تعلقك بأولادك أو يصيبك شيء منهم من الفتنة عن دين الله يلهونك عنه ويصدونك تقول صدق الله العظيم إنما أموالكم أولادكم فتنة أو ما أشبه ذلك مما ينزل مصداقًا لكلام الله فتقول صدق الله وكذلك ما يكون أو ما يقع مصداقًا لكلام الرسول ﷺ فتقول صدق رسول الله ﷺ لقد كان كذا وكذا وأما أن تقول صدق رسول الله أو صدق الله كلما ختمت كلام الله أو كلام رسوله فهذا ليس من السنة بل هو من الأمور المحدثة. ***
هل يجوز للإنسان المسلم المتفقه في دينه أن يلقي المواعظ، ولكن يقول الحديث مثلًا ليس بنصه، وهل يكون عليه إثم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يذكره معناه أنه يريد أن يروي الحديث بالمعنى ورواية الحديث المعنى اختلف فيها علماء الحديث هل هي جائزة أم لا؟ فمنهم من يرى أنها جائزة بشرط أن يكون الإنسان المتحدث عارفًا بالمعنى، وأن ما نقله بمعناه لم يتغير شيء منه، وشرط آخر أن يستوعب من الحديث ما يجب استيعابه بحيث لا يحذف منه شيئًا يتعلق بما ذكره، فإذا كان عارف بالمعنى واستوعب الحديث على وجه لا خلل فيه فالصحيح أنه جائز، الصحيح أنه جائز لكن ينبغي أن يختمه بقوله أو كما قال ﷺ حتى لا يحفظه أحدًا بلفظه ظانًا أنه لفظ الحديث عن الرسول ﵊. ***
هل يجب علينا أن نحفظ الأحاديث عن ظهر قلب وكيف ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على الإنسان أن يحفظ الأحاديث عن ظهر قلب ولكن يجب على الإنسان أن يتعلم من العلم ما يحتاجه إليه في عباداته ومعاملاته سواء من القرآن أو من السنة أو مما كتبه أهل العلم مستنبطا من الكتاب والسنة. ***
شروح الأحاديث والحكم عليها
س. ع. س. سوداني مقيم بالمدينة المنورة يقول عن عمر بن الخطاب ﵁ قال قال رسول الله ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولقد هاجرت إلى المملكة العربية السعودية طلبًا للرزق والآن أكملت هنا مدة سنة فهل يصح لي أن أحج أو أنا من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث إذا لم يكن كذلك فما معناه إذًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الحديث (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) معناه أن المهاجر المسلم وهو الذي خرج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا يخلو من حالين إما أن يكون غرضه بذلك إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله فهذا مهاجر إلى الله ورسوله وله ما نوى وإما أن يكون مهاجرًا إلى أمور دنيوية كامرأة يتزوجها أو دار يسكنها أو مال يحصله أو ما أشبه ذلك فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه وأما أنت فإنك لم تهاجر الهجرة الشرعية المرادة في هذا الحديث لأنك قدمت من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وغاية ما هنالك أن يقال إنك سافرت لطلب الرزق والسفر لطلب الرزق لا يسمى هجرة قال الله ﵎ (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فأنت من القسم الثاني في هذه الآية من الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وعلى هذا فليس عليك شيء فيما كسبت ويجوز لك أن تحج منه وأن تتصدق منه وأن تبني منه مساجد وتشتري به كتبا نافعة تنفع المسلمين بها. ***
من ليبيا مفتاح علي يقول هناك البعض من الناس يحتج بحديث الرسول ﷺ القائل (إنما الأعمال بالنيات) في بعض الأمور ومنها سلام المرأة على الرجل أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: استدلال الإنسان بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) على فعل الشيء المحرم استدلالٌ باطل لأن هذا الحديث ميزانٌ لأعمال القلوب أي لما في القلب وأما العمل الظاهر فميزانه حديث عائشة ﵂ الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ باطل فعلى هذا فإذا كان العمل حرامًا فإنه حرام سواء أراد به الإنسان خيرًا أم لم يرد به خيرًا ومصافحة المرأة الأجنبية إذا قال المصافح أنا أصافحها من أجل تأليف القلوب ومحبة المؤمنين بعضهم ببعض وليس عندي نية في أن أقصد شيئًا آخر قلنا له لكن هذا العمل نفسه حرام لا يجوز لك مصافحة المرأة الأجنبية ولا بحسن نية كما أن الإنسان لو أراد أن يتعبد لله تعالى بصلاةٍ أو غيرها مما لم ترد به الشريعة وقال: أنا لا أريد مخالفة الشريعة ولا إحداث شيء في شريعة الله ولكني أريد أن يزداد إيمان قلبي وأن يزداد عملي نقول هذا أيضًا لا يجوز لأن الأعمال الظاهرة لها ميزانٌ آخر غير الأعمال الباطنة فحديث عمر بن الخطاب ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) هذا باعتبار عمل القلب وهو أمرٌ باطن لا يعلمه إلا الله تعالى وقول عائشة ﵂ عن النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا ميزانٌ للأعمال الظاهرة فإذا كان العمل الظاهر حرامًا صار حرامًا وإن نوى به الإنسان نيةً طيبة وعلى هذا لا يجوز للإنسان أن يصافح المرأة الأجنبية منه بأي حالٍ من الأحوال حتى لو صافحها من وراء حائل كالقفازين أو طرف الخمار أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز له هذا. ***
قال رسول الله ﷺ (إن الله جميل يحب الجمال) وقال ﷺ في حديث معناه (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) وقد قرأت سير بعض الصحابة في الكتب المدرسية وتعلمت من زهدهم وورعهم ﵃ وأرضاهم وتقشفهم في المأكل والملبس مع غناهم وكثرة أموالهم حتى أن عبد الرحمن بن عوف ﵁ يلبس من الملابس التي تماثل ملابس صبيانه وغلمانه الذين يعملون عنده والسؤال هل في ذلك ما يعارض مفهوم الحديثين السابقين وهل على الغني الموسر أن يكون مظهره مناسبًا لحالته المادية أم أن عليه أن يلبس ويسكن ويأكل ما شاء في حدود الشرع الإسلامي بدون سرف ولا مخيلة وما معنى الأمر بالتحدث بالنعم في قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الأول (إن الله جميل يحب الجمال) قاله النبي ﷺ لما قال الناس إن الرجل يحب أن يكون نعله حسنًا وثوبه حسنًا فقال النبي ﷺ (إن الله جميل يحب الجمال) أي يحب التجمل في اللباس في النعال في الثوب في الغترة في المشلح لأن هذا من إظهار آثار نعمة الله وهو يوافق الحديث الذي ذكره وهو أن الله إذا أنعم على العبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه وأثر النعمة بحسب النعمة فنعمة المال أثرها أن يكثر الإنسان من التصدق ومن نفع الخلق وكذلك أن يلبس ما يليق به من الثياب حتى أن بعض العلماء قال إن الرجل الغني إذا لبس لباس الفقراء فإنه يعد من لباس الشهرة ولكن قد تدعو الحاجة أو قد تكون المصلحة في أن يلبس الإنسان لباس الفقراء إذا كان عائشًا في وسط فقير وأحب أن يلبس مثلهم لئلا تنكسر قلوبهم فإنه في هذه الحال قد يثاب على هذه النية ويعطى الأجر على حسب نيته وأما قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فالمراد أن الإنسان يتحدث بنعمة الله ﷾ عليه لإظهار فضل الله ﷾ عليه وأن ما حصل من هذه النعمة ليس بحوله وبقوته ولكنه بنعمة الله ومنته والتحدث بالنعمة يكون بالقول وبالفعل يكون بالقول بأن يقول للناس مثلًا في المناسبة إن الله تعالى قد أعطاني المال بعد أن كنت فقيرًا وقد أعطاني الأولاد بعد أن كنت وحيدًا وما أشبه ذلك وقد هداني الله بعد أن كنت على غير هدى والتحدث بالفعل أن يفعل ما يدل على هذه النعمة إذا كان عالمًا يعلم الناس إذا كان غنيًا ينفع الناس بماله إذا كان قويًا ينفع الناس بدفعه عنهم ما يؤذيهم بحسب الحال وأما ما ذكره عن بعض الصحابة في تقشفهم فهذا على سبيل التواضع لئلا يكون من حولهم منكسر القلب يحسب أنه لا يستطيع أن يلبس مثل لباسهم أو أن يطعم مثل طعامهم والإنسان في هذه الأمور يراعي المصالح. ***
مامعنى هذا الحديث عن ابن عباس ﵄ قال قال رسول الله ﷺ (أتاني ربي في أحسن صورة، قال أحسبه قال في المنام فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى) الحديث هل هذا الحديث يدل على أن الرسول ﷺ رأى ربه ﷾ وهل هذا يتناقض مع قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام ولا ينافي قوله (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لأن المراد بالآية في حال اليقظة وأما هذا الحديث فإنه في حال المنام فحينئذ لا تناقض بينهما. ***
ورد في دعاء الاستخارة (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك إلى قوله اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي) السؤال لماذا وردت أداة الشرط في قوله اللهم إن كنت تعلم مع أن الله ﷿ يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أفتونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الشرط المذكور في دعاء الاستخارة اللهم إن كنت تعلم قوبل بقوله وإن كنت تعلم أن هذا شر لي وهذا يقتضي أن الله تعالى عالم إما بهذا وإما بهذا يعلم أنه خير أو يعلم أنه شر أما الإنسان فإنه لا يعلم ولكنه فوض الأمر إلى الله ﷿ في هذا الدعاء إن كنت تعلم أنه خير وإن كنت تعلم أنه شر وحينئذ لا يكون هذا علما معلقا بشرط بل علم الله تعالى شامل لكل شيء حاضرا كان أو ماضيا أو مستقبلا كما قال موسى ﵊ (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) . ***
يقول السائل حازم من جدة لقد قرأت هذه العبارة في أحد الأحاديث الصحيحة ولم أعرف معناها ولكن وقع في نفسي أن هذه العبارة هي دليلٌ على قرب انقضاء الدنيا وعلى سرعة أيامها وزوالها هذه العبارة هي (ألا إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) فهل ما وقع في نفسي صحيح وإذا لم يكن كذلك فما معنى ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما وقع في نفسك ليس بصحيح بل معنى الحديث أن الزمان استدار كهيئته لأن العرب كانوا يعملون بالنسيء أي بالتأخير فيجعلون شهرًا بدل شهر لأن الأشهر منها حرم يحرم فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ومنها ما ليس بحرم فكان العرب يتلاعبون ينقلون الشهر المحرم إلى شهرٍ مباح وينقلون الشهر المباح إلى شهر محرم فوافقت حجة النبي ﷺ للوداع أن الشهر الذي كان العرب يجعلونه حرامًا وافق هو الحرام في حج الرسول ﷺ فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض لكن الذي يدل على سرعة الزمان هو ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن الساعة لا تقوم حتى يكون كذا وكذا قال (ويتقارب الزمان) وبعض العلماء قال معنى (يتقارب الزمان) أي أن البلاد تكبر فتكبر المدن المتقاربة وإذا كبرت تقاربت فحملوا تقارب الزمان على تقارب المكان وقالوا إنه يلزم من تقارب المكان تقارب الزمان لأن الإنسان إذا كان يقطع المسافة بين البلدين في يومين فكبرت البلاد فإنه يقطعها في يومٍ واحد وقال بعضهم إن المراد به الاتصالات فمثلًا فيما مضى لا يمكن أن تتصل بإنسان في الرياض إلا بعد خمسة أيام ستة أيام وعشرة أيام فأكثربالإبل وبالسيارات قبل الخطوط في يومين أو يوم ونصف اليوم والآن في ثلاث ساعات ما بين القصيم والرياض زد على ذلك اتصالات أشد وهي الهاتف والفاكس في لحظة، قالوا هذا معنى تقارب الزمان وعندي أن تقارب الزمان هو السرعة في مرور الأيام والليالي والساعات الآن يمضي الأسبوع وكأنه يوم تأتي تصلى الجمعة اليوم وتقول ما أبعد الجمعة الثانية فإذا كأنها في آخر النهار وهذا شيء مشاهد يعني كل الناس يشكون من هذا يقولون سرعة الأيام كأنها ساعات أمس نحن في صلاة الجمعة وبكرة الجمعة وكأنها يومٌ واحد بينما هي ستة أيام بين الجمعة والأخرى هذا معنى تقارب الزمان والإنسان ينبغي له في هذه الأيام أن يسأل الله دائمًا الثبات وأن يحرص على سلوك منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يتحقق له قول الله ﷿ (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . ***
جاء في الحديث الشريف قول الرسول ﷺ (لاوصية لوارث) وجاء في سورة البقرة قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) الآية نرجو التوفيق في هذه المسألة لبيان تفسير الحديث والآية والجمع بينهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه السائل هو كالتوضيح لآيات الفرائض فإن الله ﷾ لما ذكر الفرائض قال في الآية الأولى منها (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) وقال في الآية الثانية (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وهذا يدل على أن من كان من أهل المواريث فإنه لا يحلّ أن يوصي له الميت بشيء لأنه إذا أوصى له فقد أعطاه أكثر مما جعله الله له وهذا من تعدي الحدود وأما الآية التي في سورة البقرة فإن قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) يخص منها من كان وارثًا فإن من كان وارثًا فإنه لا يوصى له ويمكن أن يكون الوالد غير وارث فيما لو حصل اختلاف دينٍ بينه وبين ولده فإنه لا توارث بينهما فإذا حصل مانع من موانع الإرث أصبح الوالد أهلًا للوصية وأما الأقربون فكذلك نقول من كان منهم وارثًا فإنه لا وصية له ومن كان غير وارث فإنه يوصى له فتكون آية البقرة مخصوصة بآية المواريث. ***
جاسم علي هاشم الأسدي يقول ما معنى الحديث الشريف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معروف أن الإنسان إذا مات فإنه ينقطع عمله لأنه مات والعمل إنما يكون في الحياة إلا من هذه الأمور الثلاثة لأنه هو السبب فيها الصدقة الجارية وهي الخير المستمر مثل أن يوقف الرجل بستانه على الفقراء أو يوقف عقاره على الفقراء فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له وهو أجر حاصل بعد موته لكن هو السبب في إيجاده والثاني العلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة وأما الثالث وهو الولد الصالح الذي يدعو له بعد موته فلأن الولد من كسب الإنسان وقال ﵊ في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) لأن غير الصالح لا يهتم بنفسه فلا يهتم بأبيه أو أمه وفيه إشارة إلى أنه من المهم جدًا أن يربي الإنسان أولاده تربية صالحة حتى ينفعوه في حياته وبعد مماته وفي قوله ﷺ (أو ولد صالح يدعو له) إشارة إلى أن الدعاء للأب أو لغيره من الأقارب أفضل من أن يقوم الإنسان بعبادة يتعبد لله بها ويجعل ثوابها لهم لأن النبي ﵊ لم يقل أو ولد صالح يصلى له أو يصوم له أو يتصدق له مع أن سياق الحديث في العمل انقطع عمله إلا من ثلاث فلو كان عمل الإنسان لأبيه بعد موته مما يندب إليه لبينه النبي ﷺ وأيضًا يكون دعاء الإنسان لوالديه أفضل من أن يسبح أو يقرأ أو يصلى أو يتصدق ويجعل ثواب ذلك لهم والإنسان محتاج إلى العمل الصالح فليجعل العمل الصالح لنفسه وليدعُ لوالديه بما يحب ولا يعني قوله ﷺ أو ولد صالح يدعو له أنه لو دعا له غير ولده لم ينتفع به بل دعاء أخيك المسلم نافع لك ولو كان ليس قريبًا لك قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فوصف الله هؤلاء الأخيار بأنهم يدعون لأنفسهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وهذا يشمل إخوانهم الأحياء والأموات وقال النبي ﵊ (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًاَ إلا شفعهم الله فيه) حيث بين النبي ﷺ أن الميت ينتفع بدعاء المصلىن عليه ويكون قوله ﷺ في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) مبنيًا على أن الولد الصالح الذي هو بضعة منه كأنه هو نفسه ولهذا قال (انقطع عمله إلا من ثلاث) فجعل دعاء الولد لأبيه من عمل الأب وقد استدل بعض الناس بهذا الحديث على أنه لا يجوز إهداء القرب للأموات قالوا لأن النبي ﷺ قال (انقطع عمله إلا من ثلاث) ولكن في الاستدلال هذا نظرًا لأن النبي ﵊ قال (انقطع عمله) ولم يقل انقطع العمل له فلو أن أحدًا من الناس غير الابن أهدى ثواب قربة إلى أحد من المسلمين فإن ذلك ينفعه لو أنك حججت عن شخص ليس من آبائك وأمهاتك نفعه ذلك وكذلك لو اعتمرت عنه أو تصدقت عنه فإنه ينفعه على القول الراجح. ***
من عنيزة ع. ع.ب يقول ما معنى هذا الحديث وهو قول النبي ﷺ (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) وذكر منها (علم ينتفع به) وإذا لم ينتفع به بعد موته هل له أجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أصل العلم إذا لم ينتفع به يكون ضارًا لأن العلم سلاح، إما لك أو عليك كما قال النبي ﷺ (والقرآن حجة لك أو عليك)، فالعلم إذا لم ينتفع به المتعلم ولم ينفع غيره، لم يكن لمن علمه أجرٌ، ذلك لأن أجر المعلم الذي مات فرع عن عمل المتعلم الذي نفع بعلمه، فإذا لم ينفع بعلمه ولم ينتفع به فأين يكون الأجر، ولكن السؤال الآن هل يوزر الميت لأن علمه الذي علمه هذا الإنسان لم ينتفع به الإنسان بل تضرر به؟ نقول لا، الميت لا يوزر على هذا لأن الميت الذي علم أراد بعلمه نفع الخلق، فإذا لم ينتفع به فليس عليه وزره شيء فعلى كل حال الحديث يدل على أن الميت لا يؤجر إلا بعلم ينتفع به من بعده، فأما علم لا ينتفع به من بعده فلا ينتفع به، كما أن قوله (علم ينتفع به من بعده) قد يكون القول هنا لبيان الواقع لأن الرجل إذا علم وبقيت علومه بين الناس فلابد أن ينتفع به المنتفع، قد لا ينتفع به جميع من تعلمه ولكن ينتفع به البعض فيكون هذا القيد ليس قيدًا مخرجًا من عداه وإنما هو قيد مبين للواقع. ***
السؤال: بارك الله فيكم المستمع م. ر من الرياض يقول فضيلة الشيخ نحن نعلم بأن الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فما هي الصدقة الجارية والعلم النافع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة الجارية مثل أن يبني مسجدا يصلى المسلمون فيه أو يبني بيتا للمساكين يسكنونه أو يطبع كتبا ينتفع المسلمين بها أو يوقف أرضا يكون مغلها للفقراء هذه الصدقة الجارية أما العلم النافع بأن يعلم الناس مما علمه الله سواء كان تعليما عاما كالذي يكون في المساجد على عامة الناس أو تعليما خاصا للطلبة فإن هذا العلم إذا انتفع الناس به بعد موته جرى له أجره بعد الموت وفي هذا الحديث الذي ثبت عن النبي ﵊ (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) حث على نشر العلم حتى يتسع أجر الإنسان ويكثر أجر الإنسان وفيه حث على تربية الأولاد تربية صالحة لأنهم إذا كانوا صالحين بروا بآبائهم في الدنيا ودعوا لهم بعد الموت وفيه أيضا إشارة إلى أن الدعاء للميت أفضل من أن يهدي الإنسان له عبادة فلو قال شخص أيهما أفضل أن أدعو لأبي الميت أو أتصدق له قلنا الأفضل أن تدعو له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أو ولد صالح يدعو له) قال ذلك وهو يتحدث عن الأعمال ولو كانت الأعمال الصالحة أفضل من الدعاء لأرشد إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
قال النبي ﷺ (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به) هل يدخل في ذلك العلم علوم الدنيا كالفيزياء والكيمياء والرياضيات أم هو مقيد بالشرعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كل علمٍ يثاب عليه العبد ثم يعلمه الآخرين فإن المتعلمين منه يثابون عليه وإذا أثيبوا عليه نال من علمهم بعد موته ما يستحق من الأجر وأما ما لا ثواب في تعلمه فليس فيه أصلًا ثواب حتى نقول إنه يستمر فمثلًا علم التفسير والتوحيد والفقه وأصوله والعربية كل هذه علوم يثاب الإنسان عليها فإذا علمها أحدًا من الناس أثيب هذا المتعلم فنال المعلم من ثوابه ما يستحقه. ***
صالح أ. ع. من السودان الخرطوم يقول حصل اختلاف بيني وبين أحد الإخوان حول الحديث الوارد في وقوع العين من الحاسد والذي معناه (أن العين حق ولو أن شيئًا سابق القدر لكان العين) فهم يقولون إن هذا يتعارض مع بعض الآيات فما هو القول الحق في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الحق هو ما قاله ﵊ وهو (أن العين حق) وهذا أمرٌ قد شهد له الواقع ولا أعلم آياتٍ تعارض هذا الحديث حتى يقول هؤلاء إنه يعارض القرآن بل إن الله تعالى جعل لكل شيء سببًا حتى إن بعض المفسرين قالوا في قوله تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر) قالوا إن المراد هنا العين ولكن على كل حال سواءٌ كان هذا هو المراد بالآية أم غيره فإن العين ثابتة وهي حقٌ ولا ريب فيها والواقع يشهد بذلك منذ عهد الرسول ﷺ إلى اليوم ولكن من أصيب بالعين فماذا يصنع؟ يعالج بالقراءة وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه ثم يعطى للعائن يصب على رأسه وظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الفنيلة والطاقية وما أشبه ذلك بالماء ثم يسقونها العائن ورأينا ذلك يفيده حسبما ما توارد عندنا من النقول.
فضيلة الشيخ: يسقونها من أصابته العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله لأن السبب إذا ثبت كونه سببًا شرعًا أو حسًا فإنه يعتبر صحيحًا أما ما ليس بسببٍ شرعي أو حسي فإنه لا يجوز اعتماده مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين فإن ذلك لا أصل له سواءٌ كانت هذه من القرآن أو من غير القرآن. ***
يقول حديثٌ شريفٌ أسمعه دائمًا ولكنني لا أدرك معناه وهو (تبلغ الحلية من الرجل حيث يبلغ الوضوء) فما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) هذا لفظ الحديث والمعنى أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فإنهم يحلون فيها كما قال الله ﷿ (يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا) (وحلوا أساور من فضة) فهم يحلون أسورة من ذهب ولؤلؤ وفضة فالمؤمن يحلى في الجنة رجلًا كان أو امرأة بهذه الحلية إلى حيث يبلغ الوضوء فعلى هذا تبلغ الحلية إلى المرفقين لأن الوضوء يبلغ إلى المرفقين هذا معنى الحديث الذي أشار إليه.
فضيلة الشيخ: أليس فيه حثٌ على زيادة الوضوء على الأماكن المحددة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس فيه.
فضيلة الشيخ: لا يفهم منه فأجاب رحمه الله تعالى: لا يفهم منه لأن الوضوء يبلغ إلى مكانٍ معين قدره الله تعالى في القرآن في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) ***
أرجو تفسير هذا الحديث (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم يأتي بأخرين يذنبون ثم يستغفرون الله) نرجو تفسيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى تفسير هذا الحديث أن الرسول ﵊ حث أمته على الاستغفار وبين أنه لابد من أن يقع الذنب والخطأ من بني آدم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وأنها أعني المغفرة من صفات الله ﵎ التي هي صفات كمال وهو ﷾ يحب التوابين ويحب التوبة على عباده ويحب المستغفرين ويحب المغفرة لهم فحكمة الله تعالى تقتضي أن يقع الذنب من بني آدم ثم يكون الاستغفار وتكون المغفرة بعد ذلك. ***
محمد عبد الغني محمد مسؤول بمصنع الاسمنت بالرياض يقول أرجو بيان حكم وشرح حديث رسول الله ﷺ (عمرةٍ في رمضان توازي حجة فيما سواه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أن الإنسان إذا اعتمر في شهر رمضان فإن هذه العمرة تعدل حجةً في الأجر لا في الإجزاء وقولنا لا في الإجزاء يعني أنها لا تجزئ عن الحج فلا تسقط بها الفريضة ولا يعتبر حاجًا حجًا متنفلًا وإنما يعتبر هذه العمرة من أجل وقوعها في هذا الشهر تعدل في الأجر حجةً فقط لا في الإجزاء ونظير ذلك أن النبي ﷺ أخبر بأن (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل) وهذا بلا شك بالأجر وليس بالإجزاء ولهذا لو كان عليه أربع رقاب فقال هذا الذكر لم يجزئه ولا عن رقبةٍ واحدة فيجب أن نعرف الفرق بين الإجزاء وبين المعادلة في الأجر فالمعادلة في الأجر لا يلزم منها إجزاء وكذلك قال النبي ﵊ «قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن) . ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مراتٍ في ركعة ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عَدَلت القرآن كله حينما قرأها ثلاث مرات. ***
السائلة إلهام من مدينة الأحساء تسأل وتقول قال رسول الله ﷺ (أفضل الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) وأنا أحب المداومة على الأعمال الصالحات كصيام النوافل وقيام الليل وصلاة الضحى ولكن صلاة الضحى لا أصلىها إلا يوم الخميس والجمعة وبقية الأيام أكون في المدرسة فكيف العمل بهذا الحديث جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه السائلة هو طرف من حديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أنه (نهى أصحابه عن الكلفة في الأعمال إلا ما يطيقه العبد وقال: إن أحب العمل إلى الله أدومه) ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يكلف نفسه من الأعمال ما لا يطيق ولو في المستقبل بل يأتي بالأعمال الصالحة التي يقدر عليها بسهولة ولا سيما أنه يراعي حال كبره وحال مرضه وما أشبه ذلك وانظر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ حيث (قال: لأقومن الليل كله ولأصومن الدهر كله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعاه وسأله أقلت هذا قال نعم قال إنك لا تطيق ذلك وأمره أن يصوم ويفطر وأن يقوم وينام ونازله في الصوم حتى وصل إلى أن يصوم يومًا ويفطر يومًا قال إني أطيق أفضل من ذلك يقوله عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا أفضل من ذلك ذاك صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وقال له في القيام إن داود ﵊ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) لكن لما كبر عبد الله بن عمرو بن العاص شق عليه أن يصوم يومًا ويفطر يومًا وقال ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يومًا سردًا ويفطر خمسة عشر يوما سردًا فالمهم أن الإنسان لا ينبغي أن يعتبر نفسه بنشاطه وقوته بل يتقيد بالشريعة وبما يعلم أنه يدركه عند الكبر وأما المرض فإن المرض إذا قصر الإنسان بالعمل فيه وكان من عادته أن يعمل العمل الصالح في صحته فليبشر أنه يكتب له ما كان يعمل في حال الصحة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) ومن العجب أن بعض أهل الكسل قال إذا كان الأمر كذلك أنه إذا سافر العبد كتب له ما كان يعمل مقيمًا فإنني لن أصلى تطوعًا لأنه يكتب لي ما كنت أعمله حال الإقامة وهذا غلط عظيم ولم يرد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك أن يدع المسافر التطوع والنوافل بدليل أنه ﷺ كان يصلى سنة الفجر وكان يصلى الوتر وكان يصلى الضحى وهو مسافر ولم يقل إنني مسافر ويكتب لي ما كنت أعمل في حال الإقامة ولو أننا أخذنا بعموم هذا الحديث (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) لقلنا أيضًا لا تصل الفرائض لأنه يكتب لك ما كنت تعمل في حال الإقامة لكن هذا الذي ذكرته من تسرع بعض الناس في فهم نصوص الكتاب والسنة وهذا خطر عظيم جدًا وهو يقع أعني الفهم المخطيء يقع من كثير من المبتدئين في طلب العلم فيجب عليهم الحذر من التسرع ويجب على غيرهم الحذر مما شذوا به حتى يعرضه على من هو أكبر منه علمًا ودراية وإنما معنى الحديث من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا أن الإنسان إذا شغله المرض أو شغله السفر عما كان يعمله من الأعمال الصالحة في حال إقامته وحال صحته فإنه يكتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا لأنه تركه لعذر الانشغال بالسفر أو بالمرض ولم يرد النبي ﵊ أن يدع المريض أو المسافر ما كان قادرًا عليه من الأعمال الصالحة اتكالًا على ما كان يعمله في حال الصحة وحال الإقامة. ***
السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف وجاء في الحديث (أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) وأيضًا جاء (لا يدخل الجنة نمام) فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص أم كيف يكون الجمع بينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النصوص وأمثالها من أحاديث أو من نصوص الوعيد هي التي أوجبت بطائفة الخوارج والمعتزلة أن يقولوا بخلود أهل الكبائر في النار لأنهم أخذوا بهذه العمومات ونسوا عمومات أخرى تعارضها وهي ما ثبت في أدلة كثيرة من أن الموحدين أو من في قلبه إيمان ولو مثقال حبة من خردل فإنه لا يخلد في النار كما أن عمومات الأدلة الدالة على الرجاء وأن المؤمن يدخل الجنة حملت المرجئة على ألا يعتبروا بنصوص الوعيد وقالوا إن المؤمن ولو كان فاسقًا لا يدخل النار فهؤلاء أخذوا بعمومات هذه الأدلة وأولئك أخذوا بعمومات أدلة الوعيد فهدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة وهو أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان وأنه مستحق للعقوبة ولكن قد يعفو الله عنه فلا يدخله النار وقد يدعى له فيعفى عن عقوبته وقد تكفر هذه العقوبة بأسباب أخرى وإذا قدر أنه لم يحصل شيء يكون سببًا لتكفيرها فإنه يعذب في النار على قدر عمله ثم يكون في الجنة هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وعلى هذا فأحاديث الوعيد المطلقة أو العامة كما في الحديثين اللذين أشار إليهما السائل (لا يدخل الجنة قاطع رحم) (لا يدخل الجنة نمام) تحمل على أن المعنى لا يدخلها دخولًا مطلقًا أي دخولًا كاملًا بدون تعذيب بل لابد أن يتقدم ذلك التعذيب إن لم يوجد ما يمحو ذلك الإثم من عفو الله أو غيره فيكون معنى لا يدخلون الجنة أي الدخول المطلق الكامل الذي لم يسبق بعذاب وبهذا تجتمع الأدلة. ***
حديث عن الشريد بن سويد ﵁ قال (رآني رسول الله ﷺ وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على يدي فقال قعد قعدة المغضوب عليهم) رواه أبو داود نرجو شرح الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث معناه واضح يعني أن الإنسان لا يتكيء على يده اليسرى وهي خلفه جاعلا راحته على الأرض.
فضيلة الشيخ: يقول إذا قصد الإنسان أيضا بهذه الجلسة الاستراحة وعدم تقليد اليهود هل يأثم بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قصد هذا فليجعل اليمنى معها ويزول النهي. ***
قال رسول الله ﷺ (ماء زمزم لما شرب له) فهل هو لأول نية لما شرب له وهل يجوز أن يجمع الإنسان عدة نيات عند أول شربةٍ له فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إسناده حسن ولكن ما معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ماء زمزم لما شرب له) هل المراد العموم وأن الإنسان إن شربه لعطشٍ صار ريان أو لجوعٍ صار شبعان أو لجهلٍ صار عالمًا أو لمرضٍ شفي أو ما أشبه ذلك أو يقال إنه لما شرب له فيما يتعلق بالأكل والشرب بمعنى إن شربته لعطش رويت ولجوعٍ شبعت دون غيرها هذا الحديث فيه احتمال لهذا ولهذا ولكن الإنسان يشربه إتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي إتباع سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخير كله. ***
جزاكم الله خيرًا تقول السائلة (ماء زمزم لما شرب له) كما ورد في حديث الرسول ﷺ هل يشترط لتحقيق ذلك كمية معينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الحديث أنه لا يشترط لذلك كمية معينة لكن أهل العلم قالوا إنه ينبغي للإنسان أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه أي يملأ بطنه منه ولا شك أن ماء زمزم ماء مبارك وأنه طعام طعم وشفاء سقم بإذن الله ﷿.
فضيلة الشيخ: هل يشترط أن يكون الشرب في مكة يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط ولهذا كان بعض السلف يأمر مَنْ يأتي به إليه في بلده فيشرب منه وهو أيضًا ظاهر الحديث (ماء زمزم لما شرب له) ولم يقيده النبي ﷺ بكونه في مكة. ***
ما معنى الحديث (إن الله خلق آدم على صورته) وهذه الهاء تعود على من؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الهاء تعود على الله ﷿ أي أن الله خلق آدم على صورته ﵎ كما جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات (على صورة الرحمن) ولا يلزم من هذا أن يكون مماثلًا لله ﷿ لأن الله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنقول إن الله خلق آدم على صورته دون مماثلة وهذا ليس بغريب فهؤلاء الزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة فإذا جاز هذا بين المخلوقين فبين الخالق والمخلوق من باب أولى واعلم أن ما ورد في الكتاب والسنة في كتاب الله الواجب إجراؤه على ظاهره بدون تمثيل ولا يحق لنا أن نتصرف فيه بتحريفٍ عن معناه بل نقول بإثبات المعنى وننفي المماثلة وبذلك نسلم من الشر ومن تحريف الكلم عن مواضعه. ***
فيما يتعلق بحديث أنس ﵁ قال رجلٌ يا رسول الله الرجل يعانق أخاه أو صديقه أينحني له قال (لا) قال أفيلتزمه ويقبله قال (لا) قال أفيأخذ بيده ويصافحه قال (نعم) والسؤال هل النهي الوارد في الحديث للكراهة أم للتحريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الظاهر أنه للكراهة إلا إذا علمنا أن الشخص الآخر يتأذى بذلك فيكون للتحريم وما يفعله بعض الناس اليوم من كونه كلما لاقى الإنسان قبله لا أصل له من السنة كما في هذا الحديث وإنما المشروع المصافحة فقط لكن لو أراد أحدٌ أن يقبل رأس شخص تعظيمًا له كأبيه وأمه وأخيه الكبير وشيخه وما أشبه ذلك فلا حرج لكن كونه كلما رآه صافحه وقبل رأسه هذا ليس من السنة نعم لو قدم أحدهما من سفر ولقيه الآخر بعد هذا السفر فلا حرج وهنا شيء آخر وهو ما اعتاده كثير من الناس اليوم وهو إذا لاقى الإنسان أخذ برأسه وقبله بدون مصافحة وهذا لا شك أنه خلاف السنة يقول بعض الناس إنني أريد أن أقبل رأسك فنقول نعم تقبيل الرأس لا بأس به لكن صافح أولًا حتى تأتي بالسنة ثم قبل الرأس ثانيًا أما أن تأخذ بالرأس مباشرةً فهذا ليس من السنة. ***
حديث الرسول ﷺ (نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا وأوتيت مفاتيح الأرض) ما هي مفاتيح الأرض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى مفاتيح الأرض أن الله ﷾ سوف يكتب له النصر حتى يملك مفاتيح الأرض وتكون خزائن الأرض بيده وهذا هو الذي وقع فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مدائن الفرس والروم على يد الخلفاء الراشدين المتبعين له فحصل له مفاتيح الأرض. ***
من اليمن خالد صالح يقول كيف يمكن الجمع بين حديثي النبي ﷺ الأول حديث (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه) والثاني في قوله ﷺ لأبي هريرة (اشرب يا أبا هريرة فشرب فقال له اشرب يا أبا هريرة فشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا) أو كما قال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الجمع بينهما هو أن ما حصل لأبي هريرة أمرٌ نادر ولا بأس بالشبع أحيانًا لكن الذي قال النبي ﷺ فيه (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من البطن) يريد إذا كان في جميع أكلاته يملأ بطنه وأما إذا شبع أحيانًا وملأ بطنه أحيانًا فلا بأس وعليه يحمل حديث أبي هريرة ثم إن حديث أبي هريرة في شرب اللبن واللبن خفيف حتى لو شرب الإنسان منه وملأ بطنه زال بسرعة بخلاف الطعام فإنه إذا ملأ بطنه منه صعب على المعدة هضمه وبقي متخمًا ومتعبًا. ***
أرجو شرح قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فأجاب رحمه الله تعالى: يريد بذلك ﷺ أن القلب عليه مدار الصلاح والفساد وهو مضغة يعني قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان صغيرة لكن تدبر الجسد كله إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وهذا يوجب لنا أن نحرص على طهارة قلوبنا وعلى إزالة الشك والشبهات منها وأن نتفقدها أكثر مما نتفقد جوارحنا كثير من الناس تجده حريصًا على إتقان العمل الظاهر ولكنه ينسى قلبه وهذا غلط أهم شيء أن تكون دائمًا مفتشًا عن القلب ما إخلاصه؟ ما اتجاهه؟ ما توكله؟ ما استعانته؟ وهكذا فإذا صلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله. ***
هذه الرسالة وردتنا من القصيم ومن الشماسية من المرسل علي اليحيى يقول طال الحديث بيني وبين أحد الأخوة من إحدى الدول العربية إلى أن وصلنا إلى صلاحية القلب حيث قال هذا الأخ إنه ليس القلب هو الذي يُصلح الجسد وجميع الجوارح بدليل أنه لو أجريت عملية نزع قلب إنسانٍ مؤمن واستبداله بقلب كافر لا يؤمن بالله لم يؤثر عليه هذا القلب الذي هو من الكافر وإنما استمر على إيمانه بالله هل هذا صحيح حيث أورد علي شبهة كنت منها حائرًا وهي أنه إذا كان هذا الحكم صحيحًا أو الكلام صحيح ما معنى قول الرسول ﷺ في الحديث (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن كلام النبي ﷺ حق وأنه لا يصدر عنه إلا الحق فأخبر النبي ﷺ (أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ثم قال ألا وهي القلب) فصدّر الجملة المبينة المفسرة لهذه المضغة بألا الدالة على التنبيه والتأكيد إشارةً إلى تأكد هذا الأمر وأن هذا القلب إذا صلح صلح الجسد كله ولكن القلب له مكان وله أعضاءٌ خاصة فما دام في هذا الجسم الذي خلق فيه فإنه إذا صلح لا بد أن يصلح وأما إذا نقل إلى مكانٍ آخر فإنه نُقل عن مملكته فلا يلزم من صلاحه أن يصلح الجسد الآخر لأن الرسول ﵊ إنما تحدث عن أمرٍ كان هو المفهوم في ذلك الوقت وهو أن القلب لا يتجاوز محله وبدنه الذي تكون الأعضاء فيه بمنزلة جنود السلطان المطيعين له هذا وجه ووجهٌ آخر أن يقال إن الرسول ﵊ بين محل القلب وأن المراد بالقلب القلب المعنوي الذي هو العقل الذي محله القلب وأن هذا العقل يكون في نفس الشخص الذي قُدّرت هدايته بمعنى إن القوة المعنوية العاقلة في هذا القلب المركب في هذا الجسم هي المدبرة لهذا الجسم وأنه إذا انتقل محلها تبقى هي فتبقى الهداية في قلب المؤمن المهتدي وإن زال قلبه هذا على فرض أن هذه المسألة قد تكون بمعنى أنه يُنقل قلب مسلم ويركب له قلب كافر أو بالعكس فالجواب من أحد هذين الوجهين إما أن يقال إن المراد بالقلب هي هذه المضغة الجسمية ولكنها لها الإمرة على البدن الذي ركبت فيه والذي خلقها الله فيه إذا صلحت صلح الجسد بخلاف ما إذا نُقلت إلى مملكةٍ أخرى فإنه لا يلزم أن تأتمر هذه المملكة الجديدة بأمرها أو يقال إن المراد بالقلب القوة العقلية الشائعة في نفس البدن والتي محلها ومنبعها من القلب وأحد هذين الوجهين يتبين به ما أراده النبي ﷺ ولا يلزم على أحد هذين الوجهين أن نقول أنه إذا رُكِّب قلب مؤمنٍ في كافر أن يكون هذا الكافر مؤمنًا وأنه إذا رُكَّب قلب كافرٍ في مؤمن أن يكون هذا المؤمن كافرًا.
فضيلة الشيخ: ألا نقول أنه حتى الآن لم يوجد مسألة تعارض حديث الرسول ﷺ حيث أنه لم نعرف مؤمنًا ركب له قلب كافرٍ فاستمر على إيمانه أو كافرٌ ركب له قلب مؤمنٍ فآمن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن قلنا إذا وجد هذا احتطنا بهذا لكن لو فرضنا وجوده فربما يوجد هذا في الأجيال القادمة فيكون الجواب بأحد الوجهين. ***
أم عبد الرحمن من السودان كسلا تقول في دعاء سيد الاستغفار الذي ورد (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك) إلى آخر الدعاء أو إلى آخر الحديث هل المرأة تستبدل عبارة أنا عبدك بعبارة أنا أمتك فأجاب رحمه الله تعالى: هذه اختلف فيها العلماء ﵏ منهم من يقول الأولى إبقاء الحديث على لفظه فتقول المرأة وأنا عبدك لأنها حقيقة عبد الله فهي من عباد الله الصالحين إن كانت من الصالحات ومنهم من قال يراعى المعنى فالمرأة تقول وأنا أمتك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت وهذا أقرب إلى الصواب لأن إبقاء اللفظ وأنا عبدك يحتاج إلى تأويل وأما وأنا أمتك فلا يحتاج إلى تأويل لأنها حقيقة أمة الله ﷿ ولهذا جاء في الحديث الصحيح (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) . ***
هل هناك فرق بين الوسيلة والفضيلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعله يريد الحديث (آت محمدًا الوسيلة والفضيلة) الفرق بينهما أن الوسيلة اسم خاص لأعلى درجة في الجنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو) وأما الفضيلة فهي الفضائل في الثواب والمراتب وغير ذلك. ***
ما معنى حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم اختلف شراح الحديث في معناه فقيل المعنى ليس منا من لم يستغن بالقرآن عن غيره فيكون في ذلك دليل على تحريم الرجوع إلى غير القرآن في العبادة والمعاملات وغيرها وقيل معنى (من لم يتغن بالقرآن) أي من لم يحسن صوته الذي يجب عليه في أداء القرآن لأنه يجب على الإنسان أن يحسن صوته على وجه تبين به مخارج الحروف ولا يحصل فيه إدغام يسقط بعض الحروف بغير ما تقتضيه اللغة العربية والمعنيان كلاهما صحيح فالواجب على الإنسان أن يتقن اللفظ بالقراءة في كتاب الله ﷿ وعلى الإنسان أن لا يعدل عن القرآن إلى غيره في التعبد والمعاملات وأما التجويد المعروف فهذا ليس بواجب لكنه من تحسين الصوت بالقراءة لا شك فهو من المحسنات وليس من الواجبات. ***
ما المقصود بالحديث (اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية تقرؤها) هل المقصود القراءة أو الحفظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الحديث أن المراد بذلك القراءة سواء كان عن ظهر قلب أو من مصحف وفضل الله تعالى واسع (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) . ***
هل قول (اللهم لا شماتة) من الأدعية الواردة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني مثلًا يريد أن يتكلم عن شخص بشيء من أفعاله السيئة فيقول اللهم لا شماتة هذا الرجل يفعل كذا وكذا لا بأس بهذا إذا ساغ أن يذكر أخاه بهذا العيب لأنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أخاه بعيب فإن ذلك من الغيبة وقد نهى الله تعالى عن الغيبة وصورها بأبشع صورة فقال (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) نعم لو قال على سبيل العموم لو قال اللهم لا شماتة بعض الناس يفعل كذا وكذا هذا لا بأس لأنه لم يعين من تكلم فيه والمخاطب لا يدري من هو. ***
هناك حديث فيما معناه بأنه (لا يحل للمرأة أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها) فما هو شرح هذا الحديث جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إن صح (أن من وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت الستر)، هذا إن صح فالمراد أن المرأة تضع ثيابها في حال يخشى أن يطلع عليها من لا يحل له الإطلاع عليها. ***
ما هو الحديث الوارد في فضل كثرة الصلاة على الرسول ﷺ ليلة الجمعة أو يوم الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث هو أن الرسول ﷺ حث على كثرة الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة، ومن المعلوم أن كثرة الصلاة على النبي ﷺ في أي يوم من أيام الأسبوع فيها فضل عظيم لو لم يكن من ذلك إلا أنه امتثال لأمر الله ﷿ حيث قال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وأنه قيام ببعض حق النبي ﷺ على أمته لأن حقه عليها عظيم أعظم من حق الوالدين ولهذا كان يجب علينا أن نقدم محبته على محبة الوالدين والولد والناس أجمعين بل وعلى النفس ومنها أن الإنسان يثاب على ذلك فإن من صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الله عليه بها عشرا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ثم إن كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستلزم كثرة ورود ذكره على القلب فيزداد بذلك الرجل إيمانًا بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومحبة له وتمسكًا بهديه وسنته. ***
سمعت حديثًا معناه أن النبي ﷺ قال (لأصحابه أتدرون مَنْ المفلس قالوا: المفلس فينا من لا درهم له قال ﷺ: المفلس من ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ) ومدرس الحديث عندما يشرح الحديث يكثر من ذكر الرسول ﷺ فهل يجب علينا أن نصلى عليه في كل مرة أم تكفي المرة الأولى أفيدونا ولكم جزيل الشكر ونشكركم على هذا الاهتمام الكبير يا فضيلة الشيخ وأيدكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحديث الذي أشار إليه فلا أعرفه أما الذي أعرف أن الرسول ﵊ قال (إن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسناتٍ أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أُخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار) هذا هو ما أعرفه من حديث المفلس الذي أشار إليه وأما الصلاة على النبي ﷺ عند ذكره فإن جمهور أهل العلم يرون أنها مستحبة وليست بواجبة ومنهم من يرى أنها واجبة لحديث أبي هريرة (أن النبي ﷺ صعد المنبر ذات يومٍ وقال: آمين آمين. آمين. فسُئل عن ذلك فقال: إن جبريل أتاني فقال رغم أنف امرئٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِ عليك قل آمين فقلت آمين) ومن المعلوم أن هذا دعاءٌ برغم أنف من ذكر عنده النبي ﷺ ولم يصلِ عليه ولهذا أخذ بعض أهل العلم من هذا أنه يجب على الإنسان إذا ذكر عنده النبي ﷺ أن يصلى عليه لأن الدعاء على مَنْ لم يفعل شيئًا دليلٌ على وجوب ذلك الشيء وأما بالنسبة لمن يسمع ذكر النبي ﷺ فيمن يكثر قراءة الحديث في المسجد أو في المدرسة أو في المعهد فهذا إذا صلى عليه أول مرة كفى كما قال أهل العلم لمن تكرر دخوله إلى المسجد إنه إذا صلى تحية المسجد أول مرة وهو عارفٌ من نفسه أنه سيتكرر دخوله فإنه يكتفي بذلك ثم إن المدرس غالبًا يقول قال النبي ﷺ أو عن النبي ﷺ وهذا القائل إذا قال فإنه يكون قد دعا الله أن يصلى على نبيه فوظيفة المستمع في مثل هذا أن يقول آمين، ويكون قوله آمين كقوله ﷺ لأن الداعي والمؤمِّن كليهما داعيان كما قال الله تعالى عن موسى (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) قال الله تعالى (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فتمت دعوتكما أي الداعيين قال أهل العلم وكان موسى يدعو وهارون يؤمن فعليه إذا سمعت قائلًا يقول قال النبي ﷺ فقلت آمين فكأنما قلت ﷺ لأنك أمنت على دعاء المتكلم نعم إذا كان الإنسان يظن أن هذا المتكلم قال ﷺ شغلًا على العادة ولم يستحضر الدعاء فحينئذٍ نقول السامع يقول ﷺ ولا يؤمن إذا علم أن قول هذا المتكلم ﷺ درجت على لسانه بدون قصد فكأنه لم يدع بالصلاة على النبي ﷺ لكن لو علم أن المتكلم إنسانٌ فطنٌ وأنه كلما قال ﷺ يشعر أنه يدعو الله بأن يصلى على نبيه ويسلم فإنه يكتفي بقول آمين.
فضيلة الشيخ: بعض الناس إذا أراد أن ينسب إلى الرسول ﷺ شيئًا يقول قال ﷺ ولا يقول قال الرسول ﷺ أو قال محمد ﷺ ففي مثل هذه هل يقال آمين أم يقال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هنا لا شك أن الضمير في قال يرجع إلى النبي ﷺ والظاهر أن الضمير كالمذكور فعليه يدخل في قول النبي ﷺ عن جبريل (رغم أنف امرئٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِ عليك) . ***
ما معنى قول الرسول ﷺ لأبي موسى الأشعري ﵁ (لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس ﵁ كان له صوت جيد وأداء قيم طيب استمع النبي ﷺ إلى قراءته ذات ليلة فأخبره بأنه أعجب بذلك وقال أسمعت قراءتي يا رسول الله قال (نعم) قال لو علمت لحبرته لك تحبيرًا، ومعنى أوتي مزمارًا من مزامير آل داوود أن داوود ﵊ آتاه الله الزبور فكان يترنم به وكان له صوت جميل حتى إن الجبال تسبح معه والطير تسبح معه تقف صواف تستمع إلى ترنمه بالزبور وتتلذذ بقراءته هذا معنى قول الرسول ﷺ (أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود) ومن المعلوم أنه ليس مراد الرسول ﵊ أنه أعطي مزمارًا أي آلة والعزف فإنه إنما استمع إلى قراءته لا إلى عزفه والمعازف حرام لا يحل الاستماع إليها إلا ما استثناه الشرع كالدفوف ليالي الزواج أو عند قدوم الغائب المحترم الكبير وما أشبه ذلك. ***
هناك حديث عن الرسول ﷺ يقول فيه (مَنْ قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة وجبت له الجنة) هل قراءتها -يعني- أن نتلفظ بها على اللسان فقط أم ماذا جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث بمعنى ما ذكره السائل (مَنْ قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) والحديث مطلق (مَنْ قرأ) فإذا قرأها بلسانه محتسبًا ثوابها وأجرها على الله حصل له ذلك وسواء قرأها عن ظهر قلب أو من ورقة أو من مصحف لأن الحديث مطلق. ***
في الحديث الذي قاله المصطفى ﷺ بما معناه بأن (للصائم دعوة عند فطره) متى تكون هذه الدعوة هل هي قبل الفطر أم أثناء الإفطار أم بعد الإفطار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة عند فطره أو حين فطره تشمل ما كان قبيل الإفطار أو معه أو بعده متصلا به فأحرص يا أخي الصائم على أن تدعو الله ﷿ عند الفطر بما تشاء من خير الدنيا والآخرة. ***
لقد سمعت من بعض الأشرطة النافعة عن المنافقين بأنهم أربعة وهم فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف فاستمعت إلى شرح فرعون وقارون شرحا كافيا قال من تكبر حشر مع فرعون ومن غرته دنياه بالمال حشر مع قارون وعندما شرع في ذكر هامان انتهى الشريط أو انتهى الحديث فما هي الصفات الذميمة التي أتصف بها كل من هامان وأبي بن خلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قول السائل أنه من المنافقين أو رؤوس المنافقين هذا غلط بل هم من المعاندين المصرحين بكفرهم والمنافق لا يعاند ظاهرا ولا يصرح بكفره فهم أئمة الكفر كما قال الله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يعني بذلك قادة الكفار (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ) ولكل من هؤلاء مزية على الآخر ففرعون غره الملك والسلطان فاستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وهامان غرته الوزارة لأنه وزير فرعون فهو لدنوه من هذا الملك الجائر اغتر بنفسه وعاند وكفر وقارون استكبر بماله غره كثرة المال فاستكبر وأبى أن يتبع موسى ﵊ قال الله تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وأبى بن خلف غرته السيادة في قومه ومنزلته فيهم فاستكبر عن الحق ولا شك أن الناس يحشر بعضهم إلى بعض إذا كانوا متشابهين في كفرهم قال الله ﵎ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) يعني احشروهم وأصنافهم فكل كافر فهو مع صنفه الذي شاركه في وصف الكفر. ***
أبو عبد الله مقيم بالرياض له مجموعة من الأسئلة يقول في الحديث عن الرسول ﷺ (من كتم علمًا ألجم بلجام من نار) أو كما قال ﵊ يقول السائل أنا أحفظ البعض من الأحاديث هل الواجب علي أن أبلغها أمام الناس في المساجد حيث لا أستطيع على ذلك أم ماذا أفيدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه فيمن سئل عن علم فكتمه فإنه يلجم بلجام من نار يوم القيامة ومن علم علما فإن عليه أن يبلغه لقول النبي ﷺ (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) وطرق التبليغ كثيرة إما أن يبلغه في المجلس أو في مسجد أو في فصل دراسي أو غير ذلك بقدر الاستطاعة وينبغي إذا أراد أن يبلغه أن يتحين الفرص المناسبة حتى يقبل الناس إليه ويأخذوا منه. ***
أبو عبد العزيز إبراهيم أبو حامد من الرياض يقول فضيلة الشيخ نسمع عن قصة الأبرص والأقرع والأعمى فما هي قصتهم وهل لها علاقة بالتوحيد والفقه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قصة الأقرع وهو الذي ليس في رأسه شعر أن الله تعالى أراد أن يمتحنه وصاحبيه وهما الأبرص والأعمى فأرسل إليهم ملكا وسألهم ماذا يريدون فأما الأقرع فأخبر أنه يريد أن يذهب الله عنه القرع ويرزقه شعرا حسنا وسأله ماذا يحب من المال فقال الإبل فأعطاه ناقة عشراء وبارك الله في هذه الناقة ونتجت إبلا كثيرة حتى صار له وادٍ من الإبل وأما الأبرص فسأله الملك ماذا يريد فقال أريد أن يرزقني الله تعالى جلدا حسنا ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس به فأعطي هذا وسأله ماذا يريد من المال فقال البقر فأعطاه بقرة حاملا وبارك الله فيها حتى صار له وادٍ من البقر وأما الأعمى فأتاه الملك وسأله ماذا يريد فقال أريد أن يرد الله إلى بصري فأبصر به الناس ولم يسأل بصرا قويا كما سأل صاحباه الأول الأقرع طلب شعرا حسنا والثاني طلب جلدا حسنا فأعطيا ما سألا الثالث الأعمى إنما طلب ما تحصل به الكفاية بصرا يبصر به الناس وصار هذا أبرك الثلاثة وسأله عن المال فلم يطلب أيضا أعلى المال بل طلب شاة فأعطي الشاة وبارك الله له فيها فصار له وادٍ من الغنم ثم أراد الله ﷿ أن يكمل الابتلاء فأتى الملك إلى الأقرع بصورته وهيئته يعني أتاه بصورة إنسان أقرع وسأله أن يعطيه من المال وذكره بنعمة الله عليه وأنه كان أقرع فأعطاه الله تعالى شعرًا حسنا وكان فقيرا فأعطاه الله المال ولكنه والعياذ بالله أنكر نعمة الله وقال إنما أوتيت هذا المال كابرا عن كابر يعني ورثته من أب عن جد وأبى أن يعطيه وأتى الأبرص ومثله أجابه بمثل ما أجابه به الأقرع وأتى الأعمى بصورته وهيئته وقال إنه فقير وابن سبيل وقد انقطعت به الحبال في سفره فسأله أن يعطيه شاة فأعطاه فقال له قد كنت أعمى فرد الله علي بصري وكنت فقيرا فأعطاني الله المال فخذ ما شيءت منه ودع ما شيءت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله يعني ما أمنعك خذ ما شيءت هذا الأعمى شكر نعمة الله عليه برد البصر وشكر نعمة الله عليه بالصدقة بما أراد السائل من المال وكان هذا الرجل أعني الملك يقول لكل واحد من الاثنين إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت فدعا عليهما أن يردهما الله إلى حالهما إن كانا كاذبين وهما لاشك أنهما كاذبان والظاهر أن الله تعالى ردهما إلى حالهما الأولى فسلب الأقرع شعره وماله وكذلك الأبرص أما الأعمى فقال له الملك أمسك عليك مالك يعني لا أريد شيئا إنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك هذه هي القصة وفيها من العبر شيء كثير وفيها ما ينافي التوحيد وذلك بكفر النعمة بالنسبة للأقرع والأبرص وفيها أيضا ما يؤكد قدرة الله ﷿ حيث إن الله تعالى أزال القرع والبرص والعمى من هؤلاء في لحظة واحدة وفيها أيضا من الفقه أنه ينبغي للإنسان أن يتصدق مما أعطاه الله ﷿ وفيه أيضا من السلوك والمنهج أن الله ﷾ قد يبتلي العبد بالنعم كما يبتليه بالنقم واختلف أرباب السلوك يعني أصحاب العبادات ورقة القلوب أيهما أفضل وأشد بلاءً فقال بعض العلماء الفقر والمرض أشد بلاءً من الغنى والصحة لأنه قل من يصبر وقال الآخرون بل الصحة والغنى أشد لأنه قَلَّ مَنْ يشكر والحقيقة أن كلا منهما ابتلاء وامتحان من الله ﷿ فالله تعالى قد يعطي المال والصحة والبنين وغير ذلك من حسنات الدنيا ليبتلي من أعطاه أيشكر أم يكفر وقد يسلب الله هذه النعم ليبتلي من سلبها عنه أيصبر أم يتضجر فعلى الإنسان أن ينتبه في مثل هذه الأمور وأن لا يتخذ من نعم الله ﷾ وسيلة إلى البطر والأشر فإن الله قال (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) . ***
أم عبد الرحمن من اليمن تقول أسأل عن معنى حديث (من جلس مجلسا ولم يذكر الله تعالى تحسر عليه وندم يوم القيامة) ونحن مجموعة من الأخوات إذا التقينا وجلسنا نبدأ بذكر الله وذكر الرسول ﷺ ونذكر الصحابة والتابعين والعلماء الذين قد ماتوا ﵏ والذين ما يزالون على قيد الحياة حفظهم الله والسؤال هل نثاب عندما نذكر العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الإنسان إذا جلس مجلسا مع أصحابه ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي ﷺ أنه قد خسر هذا المجلس وسيتحسر يوم القيامة كيف فاته في هذا المجلس أن يذكر الله ورسوله ﷺ لذلك ينبغي أن لا يخلو المجلس من ذكر الله أو ذكر الرسول ﷺ سواء في ابتداء أو في أثناء الحديث أو عند اختتام الحديث وأما ذكر الصحابة والتابعين لهم بإحسان والعلماء والأئمة فلاشك أن ذكرهم يحيي القلوب ويوجب محبتهم والترحم عليهم والاستغفار لهم لكن كوننا نقول إن هذا أمر مطلوب يحتاج إلى دليل. ***
ماهي صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومن كان ينقصه شيء من هذه الصفات ماذا يلزمه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصفات هي التي ذكرها النبي ﵊ فقال (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) (لا يسترقون) يعني لا يطلبون أحد يقرأ عليهم حال مرضهم (ولا يكتوون) لا يطلبون أحدا يكويهم (ولا يتطيرون) لا يتشاءمون (وعلى ربهم يتوكلون) أي يعتمدون على الله تعالى ويفوضون أمرهم إلى الله سبحانه ولا يدخل في ذلك من عرض نفسه على الطبيب للدواء لأن النبي ﷺ لم يقل لا يتداوون بل قال (لا يكتوون ولا يسترقون) اللهم إلا أن يعلق الإنسان قلبه بالطبيب ويكون رجاؤه وخوفه من المرض متعلقا بالطبيب فهذا ينقص توكله على الله ﷿ فينبغي للإنسان إذا ذهب إلى الأطباء أن يعتقد أن هذا من باب بذل الأسباب وأن المسبب هو الله ﷾ وحده وأنه هو الذي بيده الشفاء حتى لا ينقص توكله. ***
ما معنى حديث (من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له) ولماذا خص الحصى بهذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحصى هي الحصباء التي فرش بها المسجد وكان مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته مفروشا بالحصباء ومعنى (مَنْ مس الحصى فقد لغا) أي من مسه حال خطبة الإمام يوم الجمعة عبثا فقد لغا وذلك لأنه تلهى عن استماع الخطبة خطبة الإمام (ومن لغا فلا جمعة له) أي أنه يحرم من ثواب الجمعة لأن من أهم مقاصد الشرع في صلاة الجمعة الخطبة والاستماع إليها فإذا تشاغل الإنسان بمس الحصى فإنه يكون قد حرم هذه الحكمة العظيمة فيحرم من ثواب الجمعة وهذا يدل أنه يجب على الإنسان حال خطبة الجمعة أن يكون منصتا مستمعا لما يقوله الخطيب ولهذا قال النبي ﷺ (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ومن قال له أنصت فقد لغا) . ***
من قطر السائل حسن أحمد يقول فضيلة الشيخ نرجو أن تشرحوا هذا الحديث جزاكم الله خيرا عن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخبر النبي ﷺ أنه سيكون صنفان من الناس لم يرهما النبي ﷺ: الصنف الأول يتضمن العدوان على الناس بغير حق مستخدما سلطته في العدوان عليهم وهم قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس يعني بغير حق قال أهل العلم وهؤلاء هم الشُّرَط شُرَط الظلمة الذين يضربون الناس بغير حق فهم من أهل النار لأن من أعان ظالما لحقه من إثمه ما يستحق والصنف الثاني نساء كاسيات عاريات يعني عليهن كسوة لكنهن بمنزلة العاريات قال العلماء إما لضيق الكسوة وإما لخفتها حتى يرى من ورائها البشرة وإما لقصرها وأما قوله (مميلات مائلات) فالمعنى أنهن يملن الثياب أو المشطة أو يملن الرجال بفتنتهم ومائلات هن مائلات عن الحق بسبب فعلهن (رؤسهن كأسنمة البخت المائلة) يعني أن الواحدة منهن تتزيا بهذا الزي تجعل شعرها كبة فوق هامتها حتى يميل يمينا أو شمالا كسنام البعير والبخت نوع من أنواع الإبل معروفة بعظم السنام وميله إلى أحد الجانبين والخلاصة أن هؤلاء النساء يفعلن ما فيه الفتنة في أنفسهن ولغيرهن. ***
يقول السائل أبلغ من العمر الرابعة والعشرين وذكر في الحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (ذكر منهم الشاب الذي نشأ في عبادة الله) فمتى يبدأ سن الشباب ومتى ينتهي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أبشر هذا السائل أنه في سن الشباب فإذا كان قد نشأ من بلوغه في طاعة الله إلى هذه السن واستمر على ذلك إلى الممات فإنه يرجى أن يكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أسال الله أن يجعلني وإياه ومن سمع من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ***
نوره س ص تقول في حديث عن الرسول الكريم ﷺ فيما معناه (سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله) هل يختص هذا الظل بالرجال دون النساء علمًا بأن كل جملة تبدأ بكلمة رجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه السائلة وهو قول النبي ﷺ (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها لا تعلم شماله ماتنفق يمينه) وهذه الجمل السبع كما ذكرت السائلة مصدرة بكلمة رجل نعم ولكن ليعلم أن ما جاء من النصوص في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ معلقًا بالرجال فإنه يشمل النساء وما جاء معلقًا بالنساء فإنه يشمل الرجال أيضًا لأن ذلك هو الأصل أي أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا ما قام الدليل على الاختصاص فمثلًا قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذه الآية كما هو مسموع علق الحكم فيها بالنساء ومن المعلوم أن الحكم يعم الرجال فمن قذف المحصنين ولم يأت بأربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدًا ويكون من الفاسقين وكذلك قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الخ يشمل النساء وكذلك قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) يشمل النساء فالأصل إذا أنما علق بالنساء من أحكام أو أخبار يشمل الرجال وما علق بالرجال يشمل النساء إلا ما دل الدليل على تخصيصه فيعمل بمقتضى الدليل وبناء على هذه القاعدة العامة المتفق عليها يكون الحديث المشار إليه (سبعة يظلهم الله في ظله) يكون شاملًا للنساء بلا شك (شاب نشأ في طاعة الله) يمكن أن يكون للرجال والنساء الرجل قلبه معلق بالمساجد يكون للرجال فقط لأن المرأة صلاتها في بيتها أفضل لها اللهم إلا أن يتوسع في المعنى ويراد بالمساجد أماكن السجود فيعم أماكن الصلاة كلها سواء في البيت أو في المسجد فحينئذ تدخل المرأة في ذلك رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني اخاف الله يمكن أن يوجد ذلك في النساء بأن يدعوها شاب ذو جمال وحسب فتقول إني اخاف الله فتكون المرأة كالرجل في ذلك المهم أن كل جملة من هذا الحديث تصح للنساء وتقوم بها النساء فإن الحكم يشمل النساء بلا شك وهذا كثيرًا ما يحصل فيه تساؤل ويسأل بعض النساء عما ذكر الله ﷾ لأهل الجنة من الحور والأزواج المطهرة يقلن كيف يكون للرجال حور عين وأزواج مطهرة فماذا يكون شأن النساء من أهل الدنيا والجواب على ذلك أن النساء من أهل الدنيا يتزوجن بالرجال من أهل الدنيا والرجال من أهل الدنيا خير من الولدان الذين في الآخرة الذين في الجنة لأن الولدان الذين في الجنة خدم لهؤلاء الرجال فالرجل من أهل الدنيا يكون خيرًا من الولدان في الجنة وحينئذ تنال المرأة في الجنة بغيتها ويكفي دليلًا لذلك قوله تعالى في وصف الجنة (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ***
في الحديث الذي (نهى الرسول ﷺ فيه عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) هل السؤال هو طلب الصدقة أم هل هو السؤال عن الشيء الذي لا ينبغي أن يسأله المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كثرة السؤال تشمل سؤال العلم وسؤال المال لكن سؤال المال بلا سبب يبيحه محرم قال النبي ﷺ (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر) وأخبر ﷺ (أن الرجل لا يزال يسأل حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم) وأما سؤال العلم فإن كان لأمر نازل وسأل عنه ليتبين له الحكم هذا أمر لابد منه ويحمد الإنسان عليه وإن كان سؤالا عن المعضلات وإعنات المسؤول ولحوق العلماء ليسألهم حتى يضرب أقوال بعضهم ببعض فهذا مذموم وكذلك أيضا السؤال في عهد النبي ﵊ كثرته منهي عنها أخبر النبي ﷺ (أن أعظم الناس جرما أو قال إثما من سأل عن مسألة لم تحرم فحرمت من أجل مسألته) وأخبر أنه (إنما أهلك من كان قبلنا كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) . ***
رَغَّبَ الرسول ﷺ في قتل الوزغ و(بأن أن الذي يقتله من أول مرة يكون له مائة حسنة) ما حكم قتل الوزغ وما حكم قتل الضفادع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قتل الوزغ فإنه سنة وفيه أجر عظيم قد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه كان ينفخ النار على إبراهيم حين ألقي فيها) ثم إن فيه مضرة وأذى وأصواتا قبيحة مكروهة وأما الضفادع فلا تقتل إلا إذا آذت فإن آذت فلا بأس بقتلها لأن كل مؤذٍ يقتل كما قال الفقهاء ﵏ يسن قتل كل مؤذٍ. ***
ن ل الدوسري الأفلاج هل ورد عن الرسول ﷺ هذا الحديث (إن المؤذن إذا قال حي علي الصلاة وحي على الفلاح يلتفت وينظر إلى اليمين والشمال) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من السنة إن يلتفت المؤذن عن اليمين وعن الشمال في حي علي الصلاة حي علي الفلاح لأن هذا أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن اختلف العلماء هل يقول حي على الصلاة مرة علي اليمين ومرة علي اليسار حي علي الفلاح مرة علي اليمين ومرة على اليسار أو يقول حي على الصلاة المرتين علي اليمين وحي على الفلاح المرتين على اليسار والمعمول به المشهور أنه يقول حي علي الصلاة مرتين علي اليمين حي على الفلاح مرتين على اليسار وهذا فيما كان المؤذن يؤدي الآذان بصوته بدون واسطة أما الآن فإن غالب المؤذنين يؤدي الآذان بواسطة مكبر الصوت والالتفات هنا لا داعي له لأن الالتفات فيما سبق من أجل أن يسمع من علي يمينه وعلى يساره أما الآن فمكبر الصوت موضوع في المنارة عن اليمين وعن الشمال وعن القبلة وعن خلف القبلة فلا حاجة إلى الالتفات ثم إنه إذا التفت سوف ينحرف عن فوهة اللاقطة فيتغير الصوت فإذا بقي متوجها إلى اللاقطة ووجهه إلى القبلة فلا حاجة حينئذٍ إلى الالتفات ولكن هل يجعل أصبعيه في أذنيه في هذه الحال الجواب نعم لأن وضع الإصبعين في الأذنين مما يحسن صوت المؤذن إذ أن الصوت يخرج منه جزء بسيط من قبل الأذنين فإذا وضع أصبعيه في أذنيه كان هذا أندى للصوت وأصفى للصوت ***
سائلة تقول في هذا السؤال: يدعو الإنسان في صلاته (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات) ما المقصود بفتنة الممات جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فتنة المحيا هي أن يفتتن الإنسان بالدنيا وينغمس فيها وينسى الآخرة وهذا ما أنكره الله تعالى على العباد (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ومن فتن الدنيا الشبهات أن يقع في قلب الإنسان شك وجهل فيما أنزل الله على رسوله ﷺ أما فتنة الممات فتشمل شيئين: الأول ما يحدث عند الموت، والثاني ما يحدث في القبر فأما الأول: وهو الذي يحدث عند الموت فإن الشيطان أعاذنا الله منه أحرص ما يكون على إغواء بني آدم عند موته لأنها هي الساعة الحاسمة فيحول بين المرء وقلبه -بمعنى- أنه يوقع الإنسان في تلك اللحظة فيما يخرجه عن دين الإسلام وليست هذه الحيلولة كحيلولة الله ﷿ التي ذكر الله تعالى في قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) لكنه أي الشيطان يحرص حرصًا كاملًا على إغواء بني آدم في تلك اللحظة وقد ذكروا عن الإمام أحمد ﵀ أنه كان حين احتضاره يغمى عليه فيسمعونه يقول: بعد، بعد فلما أفاق، قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك بعد بعد؟ قال: إن الشيطان يتمثل أمامي يقول: فُتّني يا أحمد فُتّني يا أحمد، فأقول له: بعد، بعد-يعني- لم أفتك لأن الإنسان لا ينجو من الشيطان إلا إذا مات، إذا مات انقطع عمله ولا رجاء للشيطان فيه إن كان مؤمنًا، فيقول (الإمام أحمد): إني أقول بعد بعد أي لم أفتك لجواز أن يحصل من الشيطان فتنة عند موت الإنسان ولكنني أبشر إخواني الذين آمنوا بالله حقًا واتبعوا رسوله صدقًا واستقاموا على شريعة الله أبشرهم أن الله بفضله وكرمه لن يخذلهم لن يختم لهم بسوء الخاتمة لأن الله تعالى أكرم من عبده جل وعلا فمن صدق مع الله فليبشر بالخير لكن يكون سوء الخاتمة فيما إذا كان القلب منطويًا على سريرة خبيثة فإنه قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار نعوذ بالله من ذلك فهذه من فتنة الموت وإنما سميت فتنة الموت لقربها منه. أما الثاني مما تتناوله فتنة الموت: فهو فتنة الإنسان في قبره فإن الإنسان إذا مات ودفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فأما المؤمن -أسأل الله أن يجعلني ومن استمع منهم - فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة ويوسع له في قبره، وأما الكافر والعياذ بالله أو المرتاب فيقول ها ها لا أدري يطمس عليه حتى وإن كان في الدنيا يعرف ذلك يقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. وقلبه والعياذ بالله لم يدخله الإيمان فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ووالله إنها لفتنة عظيمة نسأل الله أن يقينا وإخواننا المسلمين إياها فهذا معنى قول الداعي (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) فهذه فتنة الممات المذكورة في هذا الحديث تشتمل على هذين الشيئين. ***
ف. ح. تقول ما معنى (النساء شقائق الرجال) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى كون النساء شقائق الرجال أن المرأة شقيقة الرجل بمعنى أنها جزء منه لأن المرأة بنت لأبيها فهي بضعة منه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فاطمة بنت محمد ﵂ (فاطمة بضعة مني) وله معنى آخر شقائق الرجال أي مساويات للرجال فيما فرض الله ﷿ على الرجال والنساء مما لا تختص به المرأة أو لا يختص به الرجل. ***
ع ع أتقول نريد فضيلة الشيخ أن يلقي الضوء على الحديث التالي قال رسول الله ﷺ (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن الدنيا عند الله تعالى ليست بشيء ولا تساوي شيئا إذ لو كانت عند الله شيئا له وزنه ما سقى الكافر منها شربة ماء لأن الكافر ليس أهلا لذلك وهذا الحديث قد تكلم فيه أهل العلم في صحته عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن إن صح فمعناه ما قلناه. ***
ما معني الحديث الذي يقول (تلك عاجل بشرى المؤمن) فأرجو إعطائي أمثلة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه أولا إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا على أن الله تعالى كتبه من السعداء لقول الله ﵎ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ويدل لهذا (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أخبر أن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة والنار فقالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على ما كتب قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» فمن بشرى المؤمن أن يجد المؤمن من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن البشرى للمؤمن أن يثني الناس عليه خيرا فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير وهذه الأمة هم الشهداء كما قال الله تعالى (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ولما مرت جنازة أثنوا عليها خيرا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وجبت يعني وجبت له الجنة وقال للصحابة أنتم شهداء الله في الأرض) فإذا كان الإنسان لا يسمع من الناس إلا الثناء عليه فهذه من نعمة الله عليه وهي بشرى ومنها أي من عاجل بشرى المؤمن أن ترى له المرائي الحسنة في المنام يأتيه هذا ويقول رأيت كذا ورأيت كذا والثاني يقول رأيت كذا ورأيت كذا أو يرى هو بنفسه لنفسه خيرا فإن هذه من عاجل بشرى المؤمن فهذه ثلاثة أمور كلها من عاجل بشرى المؤمن فليبشر الرجل ولتبشر المرأة إذا رأى كل منهما أن العمل ميسر له وأن الله ﷾ قد شرح صدره للإسلام قال الله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) . ***
أبو بكر حميد من مدينة جدة يقول ما معنى حديث الرسول ﷺ (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين إلا إذا كان الرجل يصوم يوم صدقة فليصم ذلك اليوم) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللفظ الذي ذكره السائل ليس هو لفظ الحديث لكنه بمعناه فقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتقدم الإنسان رمضان بصوم يومٍ أو يومين إلا من كان له صومٌ يعتاده فليصمه) وذلك أن تقدم صوم رمضان بيومٍ أو يومين فيه نوعٌ من التنطع والتشدد أن يقوم أحدٌ بتقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين احتياطًا منه على ما يزعم فيكون في هذا تنطعٌ في دين الله وقد قال النبي ﵊ (هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون) ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن كان له صومٌ اعتاده أن يصومه ولو صادف قبل رمضان بيومٍ أو يومين فمثلًا إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوم الاثنين وكان يوم الاثنين هو التاسع والعشرين من شعبان فإنه يصومه ولا إثم عليه لأنه لم يصم هذا اليوم احتياطًا لرمضان وإنما صامه لأن هذا من عادته وكذلك إذا كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر ولكنه لم يصمها في شعبان ولم يتيسر له صومها إلا في آخر شعبان فصامها في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين فإنه لا شيء عليه لأن ذلك صومٌ كان يصومه وكذلك لو كان عليه قضاءٌ من رمضان وقد بقي عليه يومٌ أو يومان فصامهما في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شعبان فإنه لا يضره والمهم أن الحكمة من النهي لئلا يتنطع المتنطع فيقول أصوم قبل رمضان بيومٍ أو يومين احتياطًا ***
كيف الجمع بين حديث (لا تزال طائفة من أمتي ...) الخ وحديث (إن شرار الخلق الذين تقوم الساعة عليهم) مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول إنه لا يمكن أن يتعارض القرآن بعضه مع بعض ولا السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضها مع بعض ولا القرآن مع السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولا القرآن والسنة مع الواقع ولا القرآن والسنة مع صريح المعقول وذلك لأن القرآن كلام الله وقد قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا) ولأن كلام الله ﷾ حق والحق لا يتناقض وكذلك السنة النبوية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق والحق لا يناقض بعضه بعضا وبناءً على هذه القاعدة ننتقل إلى الجواب عن السؤال وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) وفي رواية (حتى تقوم الساعة) وقوله (إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق) فيحمل الحديث الأول على أن المراد بالساعة قرب الساعة والمراد بأمر الله أمر الله الذي يكون به موت المؤمنين وأولياء الله المتقين فإذا مات المؤمنون المتقون لم يبقَ إلا أشرار الخلق وعليهم تقوم الساعة. ***
ما معنى هذا الحديث الذي ما معناه (إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة) هل معنى ذلك الجلوس في المسجد حتى يحين موعد الصلاة التي بعدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إسباغ الوضوء على المكاره معناه أن الإنسان يتمم وضوءه على الوجه الأكمل في الأيام الباردة وكذلك ينتظر الصلاة بعد الصلاة سواء في المسجد أو بعد المسجد وإنما المعنى أن يكون قلبه معلقًا بالصلاة إذا أدى صلاةً ينتظر الصلاة الأخرى فيكون دائمًا معلقًا قلبه في الصلاة وليس معنى الجملة الأولى إسباغ الوضوء على المكاره أن الإنسان يتقصد الماء البارد مع وجود الماء الساخن فإن هذا ليس من السنة بل إذا يسر الله لك ما فيه راحةٌ لك فهو أفضل وأكمل وأقرب إلى كمال الطهارة لكن إذا قدر أنك في بر أو في بلدٍ ليس فيها سخانات ولا يمكن تسخين الماء ثم توضأت على الكره لشدة البرد فإن هذا هو الذي يراد بهذا الحديث الذي ذكره أو ذكرته السائلة. ***
من اليمن خ. ع. د. شبوة يقول فضيلة الشيخ ما هو تفسير حديث الرسول ﷺ (من سن سنةً في الإسلام حسنة فله أجرها ... الحديث) يقول أرجو بذلك إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) هذا لفظ الحديث وسببه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث يومًا على الصدقة فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال (من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهذه السنة سنة العمل والتنفيذ وليست سنة التشريع فإن سنة التشريع إلى الله ورسوله فقط ولا يحل لأحدٍ أن يشرع في دين الله ما ليس منه أو يسن في دين الله ما ليس منه لأن ذلك بدعة وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدع وقال (كل بدعةٍ ضلالة) لكن من سبق إلى عمل لم يسبقه إليه أحد أو أحيا سنةً أميتت كان قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وكذلك أيضًا من سن سنةً تكون وسيلة إلى أمرٍ مشروع ولم يكن سبقه إليها أحد فإنه يكون داخلًا في الحديث أنه سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما لو ابتكر طريقةً يسهل بها الحصول على الآيات أو يسهل بها الحصول على الأحاديث أو ما أشبه ذلك فإنه في هذه الحال يكون قد سن سنةً حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. فإذا السنة في الإسلام تنقسم ثلاثة أقسام سنة تشريع وسنة عمل أو سنة سبق إلى عمل وسنة وسيلة فأما سنة التشريع فإنه لا يحل لأحدٍ أن يشرع ما لم يشرعه الله ورسوله وسنته هذه تعتبر بدعة وضلالة مردودةٌ عليه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور) (ومن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) جاءت هذه الكلمات في أحاديث متعددة أما سنة السبق فمثله الحديث الذي ذكرناه آنفًا أن يحث أحد على عمل خير فيتقدم إنسان فيكون أول من بادر به فيتابعه الناس في ذلك فيكون قد سن سنة حسنة وأما سنة الوسيلة فكالذي ذكرناه أيضًا يبتكر الإنسان شيئًا يكون به الوصول إلى أمرٍ مشروع ولم يكن قد سبقه إلى هذا أحد فيكون قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ***
عبد الكريم يوسف سوداني يعمل باليمن يقول فضيلة الشيخ صعد رسول ﷺ المنبر ذات يوم فقال (آمين) ثلاث مرات فسأله الصحابة ﵃ عن سبب تأمينه فما هو الحديث وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (أن النبي ﷺ صعد المنبر فقال آمين آمين آمين فسئل النبي ﷺ عن تأمينه فقال أتاني جبريل فقال رغم أنف أمرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له فقل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت آمين فقلت آمين) والمعنى ظاهر فالجملة الأولى في رجل ذكر عنده النبي ﷺ فلم يصل عليه وهذا الحديث يدل على وجوب الصلاة على النبي ﷺ إذا ذكر عند الإنسان فإن لم يفعل فإنه يستحق أن يدعى عليه بهذا الدعاء رغم أنفه ومعنى رغم أنفه أي سقط في الرغام والتراب وهذا كناية عن ذله وإهانته. الثاني أدرك رمضان فلم يغفر له وذلك بأن يهمل صيام رمضان وقيام رمضان فإن من صام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفرله ما تقدم من ذنبه فإذا أهمل وأضاع فإنه لن يحصل على هذا الثواب العظيم ويكون قد رغم أنفه. والثالث رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة أو لم يقم ببرهما الذي يكون سببا لدخول الجنة فهذا أيضًا ممن دعا عليه جبريل وأمن عليه الرسول ﷺ أن يرغم أنفه أي يصاب بالذل. ***
س. ص. مقيم بالطائف يقول ما معنى قول النبي ﷺ (وإذا خاصم فجر) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قول النبي ﵊ (إذا خاصم فجر) يعني إذا خاصم غيره وحاكمه إلى القاضي في خصومة مالية أو حقوقية فإنه يفجر أي يكذب ويدعي ما ليس له أو ينكر ما كان عليه فالفجور هنا بمعنى الكذب والغدر وما أشبه ذلك. ***
نوره أ. ت. من الرياض تقول في الحديث الذي ما معناه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) أريد الشرح لهذا الحديث وهل الكبر معناه التكبر على الناس فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب معنى الحديث أن رسول الله ﷺ يخبر (أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) وهذا النفي لدخول الجنة على نوعين فإن كان هذا الكبر مقتضيًا لكفره وخروجه عن الإسلام كما لو تكبر عن شريعة الله وردها أو رد بعضها فإن هذا النفي نفي للدخول بالكلية لأن الكافر لا يدخل الجنة أبدًا ومأواه النار خالدًا فيها مخلدًا أما إذا كان الكبر تكبرًا على الخلق وعدم الخضوع على ما يجب عليه نحوهم بدون رد لشريعة الله ولكن طغيانًا وإثمًا فإن نفي الدخول هنا نفي للدخول الكامل أي أنه لا يدخل الجنة دخول كاملًا حتى يعاقب على ما أضاع من حقوق الناس ويحاسب عليه لأن حقوق الناس لا بد أن تستوفى كاملة وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة التالية في سؤالها وهو أن الكبر ليس هو احتقار الناس فقط بل الكبر كما فسره النبي ﵊ (بطر الحق) أي رده وعدم الاكتراث به (وغمط الناس) أي احتقارهم وازدراؤهم. ***
قال الرسول ﷺ (هن لهن ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ) ما معنى هذا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا أن النبي ﷺ (وقت المواقيت وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن المنازل وقال هنّ لهنّ أي هذه المواقيت لأهل هذه البلاد ولمن مر عليهنّ أي على هذه المواقيت من غير أهلهنّ) فأهل المدينة يحرمون من ذي الحليفة إذا أرادوا الحج أو العمرة وإذا مر أحدهم من أهل نجد عن طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة لأنه مر بالميقات وكذلك إذا مر أحد من أهل الشام عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة لأنه مر بها وكذلك لو أن أحدًا من أهل المدينة جاء من قبل نجد ومر بقرن المنازل فإنه يحرم منه هذا معنى قوله (ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ) ومن تأمل هذه المواقيت تبين له فيها فائدتان الفائدة الأولى رحمة الله ﷾ بعباده حيث جعل لكل ناحية ميقاتًا عن طريقهم حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد. والفائدة الثانية أن تعيين هذه المواقيت من قبل أن تفتح هذه البلاد فيه آية للنبي ﷺ حيث إن ذلك يستلزم أن هذه البلاد ستفتح وأنها سيقدم منها قوم يؤمون هذا البيت للحج والعمرة ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة: وتوقيتها من معجزات نبينا بتعيينها من قبل فتح معدد فصلوات الله وسلامه عليه. ***
ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن أو العاشر خطأ هل يجزئهم وما معنى (الحج عرفة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لو وقف الحجاج في اليوم الثامن أو في اليوم العاشر خطأ فإن ذلك يجزئهم لأن الله تعالى قال (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد قال الله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وأما معنى قول النبي ﷺ (الحج عرفة) فمعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج المبيت بمزدلفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والمبيت في منى ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج وأن من لم يقف بعرفة فلا حج له ولهذا قال أهل العلم من فاته الوقوف فاته الحج. ***
في حديث الرسول ﷺ الذي يبين فيه علامات يوم القيامة (وأن تلد الأمة ربتها) من هي الأمة وكيف تلد ربتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من أمارات الساعة وهو وارد في حديث جبريل حين أتى النبي ﷺ فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن الساعة فقال له حين سأله عن الساعة قال له النبي ﷺ (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها) والمراد بالأمة المملوكة والمراد بربتها مالكتها والمعنى أن الإماء قد يكن قد ولدن إناثًا وتكون هذه الأنثى بعد ذلك ربة أي مالكة فيكون الضمير في قوله ربتها عائدًاَ إلى الأمة باعتبار الجنس وليس باعتبار الشخص يعني أن تلد جنس الإماء من يكون في المستقبل مالكًا للإماء وليس المعنى أن هذه الأمة التي ولدت هذه الأنثى تكون هي بعينها مملوكة لها بل المراد ما ذكرت فالضمير عائد إلى الأمة باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص وهذا يقع كثيرًا. ***
ما معنى (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وإتيان النساء والفسوق وهو مخالفة الطاعة بأن يترك ما أوجب الله عليه أو يفعل ما حرم الله عليه هذا هو الفسوق فإذا حج الإنسان ولم يرفث ولم يفسق فإنه يخرج من ذلك نقيًا من الذنوب كما أن الإنسان إذا خرج من بطنه أمه فإنه لا ذنب عليه فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقيًا من ذنوبه. ***
عن عائشة ﵂ قالت قال النبي صلى وسلم (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فأنفروا) متفق عليه أريد شرحًا إجماليًا لهذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث قاله النبي ﵊ بعد أن فتح مكة وكانت مكة قبل الفتح بلد شرك يهاجر منها المسلمون إلى المدينة إلى الله ورسوله فلما فتحت مكة لم تكن الهجرة منها مشروعة لأنها صارت بلاد إسلام فسقطت الهجرة من مكة إلى غيرها وأما الهجرة من بلاد الشرك فإنها باقية إلى يوم القيامة فالنفي هنا عائد على الهجرة من مكة فقط وقوله ﵊ (ولكن جهاد ونية) معناه أن الذي بقي بعد فتح مكة على أهل مكة الجهاد إن أمكنهم ذلك أو نية الجهاد إن لم يمكنهم الجهاد أو يقال (ولكن جهاد ونية) أي جهاد في سبيل الله ونية خالصة بحيث يقصد الإنسان بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا وأما قوله (إذا استنفرتم فانفروا) فالمعنى أنه إذا استنفركم ولي الأمر للجهاد في سبيل الله وجب عليكم أن تنفروا لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . ***
ف هـ أجمهورية اليمن الديمقراطية يقول قرأت حديثًا عن الرسول الكريم ﷺ وأريد شرحه عن أبي هريرة ﵁ قال. قال رسول الله ﷺ (استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا الحديث يأمر النبي ﵊ أن نستوصي بالنساء خيرًا وذلك بالرفق بهنّ ومراعاة أحوالهنّ ويبين ﷺ أنهنّ خلقنّ من ضِلَعَ وذلك بخلق حواء فإنها خلقت من ضلع آدم وحواء هي أم النساء وأم الرجال أيضًا فهي أم بني آدم فالمرأة خلقت من هذا الضلع ويبين الرسول ﵊ أن أعوج شيء في الضلع أعلاه وأنك إذا ذهبت تقيمه يعني تعدله حتى يستقيم كسرته وإن استمتعت به استمتعت به على عوج والمرأة كذلك إن استمتعت بها استمتعت بها على عوج وعلى نقص وتقصير وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها وعلى هذا فالذي ينبغي للإنسان أن يراعي حال المرأة وأن يعاملها بما تقتضيه طبيعتها فإن الرجل أعقل من المرأة وأرشد تصرفًا فإن عاملها بالشدة لم يعش معها وإن عاملها باللين والحكمة عاش معها وإن كان ذلك لا يتم به الاستمتاع لهذا الرجل. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (لا ضرر ولا ضرار) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى (لا ضرر ولا ضرار) أنه لا يجوز إبقاء الضرر وأن الضرر منتفٍ شرعًا فكل شيء فيه ضرر فإنه يجب إزالته لأن الضرر مدفوع شرعًا وعقلًا ولا يمكن للعاقل أن يقره ولا للشريعة الإسلامية أن تقره وأما الضرار فهو من المضارة أي ولا يحل لأحد أن يضار أخاه حتى وإن كان فيما لا ضرر فيه ما دام يقصد أن يضر أخاه فمن ضار ضار الله به فهذا الحديث يدل على أن الضرر منتفٍ شرعًا سواءٌ حصل بقصد أو بغير قصد فإن حصل بقصد فهو مضارة وإن حصل بغير قصد فهو ضرر فالإنسان أحيانًا يفعل الشيء لا يريد الضرر ولكنه يحصل به الضرر فإنه في هذه الحال يجب إزالته وأحيانًا يفعل ما فيه الضرر قاصدًا ذلك وحينئذٍ يكون مضارًا ولهذا أمثلة كثيرة لو أن رجلًا فتح نافذةً في جداره بقصد إضاءة المحل وإدخال الهواء عليه ثم تبين أن هذه النافذة تضر الجار بالإطلاع عليه وعلى ما في بيته فإنه يجب رفع هذا الضرر بأن تزال النافذة أو ترفع حتى لا ينكشف الجار بها وهذا ضرر وليس بمضارة لأن الذي فتح النافذة لا يقصد ضرر جاره ولكن حصل الضرر بغير قصد ومع ذلك يجب إزالة هذا الضرر وأما المضارة فرجل صار يستعمل أشياء مزعجة في بيته بقصد الإضرار على الجيران ليس له في ذلك منفعة ولكنه يريد الإضرار على الجيران فيجب على هذا الإنسان أن يدع ما فيه الضرر على جيرانه ويكون آثمًا بقصد الإضرار. ***
ما معنى حديث (لا وتران في ليلة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أنه لا يشرع للإنسان أن يوتر مرتين في الليلة الواحدة لأن الوتر إنما يقصد به ختم الصلاة بالوتر وإذا ختمت بوتر فلا وجه للإيتار مرة ثانية ***
لماذا خص الله ﷾ الصيام بقوله (الصوم لي وأنا أجزي به) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث حديث قدسي رواه النبي ﷺ عن ربه قال الله فيه (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وخصه الله تعالى بنفسه لأن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله فإن العبادات نوعان نوع يكون ظاهرًا لكونه قوليًا أو فعليًا ونوع يكون خفيًا لكونه تركًا فإن الترك لا يطلع عليه أحد إلا الله ﷿ فهذا الصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ﷿ في مكان لا يطلع عليه إلا ربه فاختص الله تعالى الصيام لنفسه لظهور الإخلاص التام فيه بما أشرنا إليه وقد اختلف العلماء في معنى هذه الإضافة فقال بعضهم إن معناها تشريف الصوم وبيان فضله وأنه ليس فيه مقاصة أي أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحدًا فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به لنفسه فيتحمل الله عنه أي عن الظالم ما بقي من مظلمته ويبقى ثواب الصوم خالصًا له. ***
سمعت حديثًا عن رسول الله ﷺ في ما معناه أنه ﷺ دخل على عائشة ﵂ ووجدها قد وضعت سترًا على الجدار وهو ما يسمى بالستائر في عصرنا الحالي فقال لها (نحن قوم لم نؤمر بتغطية الحوائط أو الجدران) هل يفهم من هذا الحديث الشريف أنه يجب أن تكون مثل هذه الستائر على قدر فتحة النافذة أم يجوز أن تكون بعرض الحائط الذي توجد به النافذة أي أن تكون على جانبي النافذة أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه السائل في صحيح مسلم أن النبي ﷺ رأى هذا الستر على الباب فظهر ذلك في وجهه ثم قال ﷺ (إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ثم هتكه) أي قطعه ففي هذا الحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن تصل به الحال إلى أن يكسو جدران بيته بهذه الأكسية التي كرهها النبي ﷺ وبان ذلك في وجهه وأخبر بأن الله لم يأمرنا بذلك وأما الستائر التي توضع الآن فإن كانت لغرض صحيح سوى الستر كما لو أراد الإنسان بها أن يستر وجه النافذة عن الشمس أو نحو ذلك فإن هذا لا بأس به لأنه ليس كسوة للحجارة والطين ولكنه للتوقي من أذى يترقبه أو لمصلحة يرجوها بهذه الكسوة فأما مجرد الزينة أي مجرد تزيين الجدار بهذه الكسوة فإن هذا داخل في الحديث ولا ينبغي أن نفعله. ***
صلاح سليمان يسأل ما معنى الحديث الذي روي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم.. الخ الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن رسول الله ﷺ يحذر من الظلم وهو العدوان على أحد سواء كان ذلك على حق الله ﷿ أو على حق عباده فالعدوان على حق الله كالشرك قال الله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) وكذلك ما عداه من المعاصي الكبائر فما دونها هو ظلم بحسبه وأما العدوان على حق الخلق فكثير كالعدوان على المسلم في عرضه أو ماله أو دمه فالظلم ظلمات يوم القيامة فيوم القيامة ليس فيه نور إلا للمؤمنين يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وكذلك حذر النبي ﷺ من الشح والشح هو البخل مع الطمع فيكون الإنسان بخيلًا في بذل ما يجب عليه طامعًا فيما ليس له وهذا سبب للهلاك إذ أن الإنسان إذا كان بخيلًا منع ما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وإذا كان ذا طمع وحرص على اكتساب المال تعدى على غيره فأخذ أموالهم بغير حق. ***
صابر عبيد من السودان يقول ما معنى قول الرسول ﷺ (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن هذا الكلام إذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت كان من الآثار السابقة الموروثة عن الأنبياء السابقين ومعنى قوله (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) وجهان أي أن له معنيين أحدهما أنك لا تصنع شيئًا إلا إذا كان هذا الشيء لا يوقعك فيما يُستحيا منه سواءٌ كان من قبل الشرع أو من قبل العادة يعني أنك إذا أردت أن تفعل فعلًا فانظر هل هذا الفعل مما يُستحيا منه شرعًا أو عادة فلا تفعله أو مما لا يُستحيا منه شرعًا أو عادة فافعله هذا معنى المعنى الثاني أن الرجل الذي لا حياء عنده يصنع ما شاء ولا يبالي فتجد الإنسان الذي ليس عنده حياء يصنع ما يلومه الناس عليه ولا يبالي بلوم الناس لأنه لا حياء عنده وكلا المعنيين صحيح فالإنسان الذي لا حياء عنده تجده يفعل كل شيء ولا يهتم بلوم الناس ولا بانتقادهم لأنه لا حياء عنده أو المعنى الثاني الذي يحتمله الحديث أن الإنسان الحييّ هو الذي لا يصنع شيئًا إلا إذا علم أنه لا يُستحيا منه. ***
من العراق بغداد محمود أحمد يقول (نهى رسول الله ﷺ عن لبس الرجل للثوب المزعفر) فما هو الثوب المزعفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الثوب المزعفر هو الثوب الذي صبغ بالزعفران والزعفران هو نباتٌ طيب بل هو من الطيب معروف ولونه أحمر ولهذا ينهى الرجل عن لبس الثوب الأحمر الخالص الذي ليس فيه لونٌ آخر إما نهي كراهة وإما نهي تحريم وأما إذا كان مع اللون الأحمر لونٌ آخر كما لو كان مخططًا فيه خطوطٌ حمر وخطوطٌ بيض مثلًا أو خطوطٌ حمر وخطوطٌ سود فإن هذا لا بأس به. ***
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله ﵄ قال كنا مع النبي ﷺ فقال (إن بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم المرض) أريد شرحًا لهذا الحديث فأجاب رحمه الله تعالى: شرح هذا الحديث هو أن الرسول ﵊ بين لأصحابه فيه أن في المدينة أقوامًا يشاركون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله في الأجر في أصل النية فهم في المدينة لكن لا يسير هؤلاء المجاهدون مسيرًا ولا يقطعون واديًا والوادي مجرى السيول إلا وهم معكم أي بنيتهم وذلك لأنهم تأخروا عن الجهاد لعذر وكل من تأخر عن العبادة بعذر فلا يخلو من حالين إحداهما أن يكون من عادته أن يعملها ثم يطرأ عليه ما يحول بينه وبينها فهذا له أجرُ فعلها كاملة لقول النبي ﷺ (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) والحال الثانية ألا يكون من عادته أن يعملها ولكن يتمناها ويود أن يكون قادرًا عليها فهذا يكتب له أجر النية فقط لا أجر العمل كاملًا ودليل ذلك (أن فقراء المهاجرين أتوا إلى النبي ﷺ يقولون ذهب أهل الدثور بالنعيم المقيم والدرجات العلا وبين أنهم كانوا ينفقون ويحجون وأن الفقراء لا يحصل لهم ذلك فأخبرهم النبي ﵊ أنهم إذا سبحوا الله وحمدوا وكبروا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين فإنهم يأتون بعمل يدركون بهم من سبقهم ولا يلحقهم من بعدهم فلما سمع الأغنياء بذلك عملوا هذا العمل فرجعَ الفقراء إلى النبي ﵊ وقالوا سمع إخواننا بما صنعنا فصنعوا مثله فقال النبي ﷺ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) فهؤلاء الفقراء كانوا يتمنون أن يكون لديهم مال يعتقون به ويحجون به ومع هذا لم يحصل على أجر الأغنياء الذين كانوا يفعلون ذلك ولكن لهم أجر النية حيث كانوا حريصين على العمل عاجزين عنه. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة زاد في رواية لا يقطعها....الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يشير فيه رسول الله ﷺ إلى أمثلة من النعيم في جنة النعيم ذلك أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وهذا دليل على طول هذه الشجرة وأن في الجنة أشجارًا عظيمة لا يدركها العقل وهذا من مضمون قوله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقوله تعالى في الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وكل ما يذكر في الجنة من الفاكهة واللحم والماء والعسل واللبن والخمر والأزواج وغير ذلك كله لا يشابه أو لا يماثل ما في هذه الدنيا وإنما يوافقه في الأسماء فقط كما قال ابن عباس ﵄ ليس في الجنة شيء في الدنيا إلا الأسماء وأما المسميات وحقائق هذه المسميات فإنه أمر لا يمكن أن يدرك في الدنيا وكل ما خطر على قلبك من نعيم فإن نعيم الجنة أعظم وأجل وأكمل ويكفي في ذلك قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) . ***
ما معنى الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله ﷺ (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن الدنيا مهما عظم نعيمها وطابت أيامها وزهت مساكنها فإنها للمؤمن بمنزلة السجن لأن المؤمن يتطلع إلى نعيم أفضل وأكمل وأعلى وأما بالنسبة للكافر فإنها جنته لأنه ينعم فيها وينسى الآخرة ويكون كما قال الله تعالى فيهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) والكافر إذا مات لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله فكانت له النار ولهذا كانت الدنيا على ما فيها من التنغيص والكدر والهموم والغموم كانت بالنسبة للكافر جنة لأنه ينتقل منها إلى عذاب إلى عذاب النار والعياذ بالله فالدنيا بالنسبة له بمنزلة الجنة ويذكر عن ابن حجر العسقلاني ﵀ صاحب فتح الباري وكان هو قاضي قضاة مصر في وقته كان يمر بالسوق على العربة في موكب فاستوقفه ذات يوم رجل من اليهود وقال له إن نبيكم يقول (إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وكيف ذلك وأنت في هذا الترف والاحتفاء وهو يعني نفسه اليهودي في غاية ما يكون من الفقر والذل فكيف ذلك فقال له ابن حجر ﵀ أنا وإن كنت كما ترى من الاحتفاء والخدم فهو بالنسبة لي بما يحصل للمؤمن من نعيم الجنة كالسجن وأنت بما أنت فيه من هذا الفقر والذل بالنسبة لما يلقاه الكافر في النار بمنزلة الجنة فأعجب اليهودي هذا الكلام وشهد شهادة الحق قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. ***
وردتنا من بريد المزاحمية من المقدم عبد الله بن إبراهيم بن زياد يقول في رسالته الرجاء من فضيلة الشيخ أن يجيبني على هذا السؤال: قال رسول ﷺ (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا) الرجاء من فضيلة الشيخ بيان معنى قوله ﷺ (لتأطرنه على الحق أطرا) وتكملة الحديث ومدى صحته إن أمكن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأكده لأن النبي ﷺ قال: (لتأمرن) وهذه الجملة جواب لقسم مقدر تقديره والله لتأمرن وهو خبر بمعنى الأمر والإلزام، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي سندهما مقال لأنه اعُل بالإرسال والانقطاع وتكملة الحديث هي (أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يمر بالرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) ثم قال رسول الله ﷺ (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا) ومعنى (لتأطرنه على الحق أطرا) أي تقهرنّه أي تقهرونه وتلزمونه بالحق حتى يستقيم وذلك لأنه إذا لم يستقم فإنه يكون الهلاك له ولمن سكت على منكره.
فضيلة الشيخ: في الحقيقة قلتم في إثناء الإجابة أن هذا الحديث فيه علة الإرسال والانقطاع وهذه من خصوصيات المحدثين لكن المرسل يريد أن يقف على علة الإرسال والانقطاع ما معناهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: علة الإرسال معناها أن يكون الحديث من مرفوعات التابعين الذين لم يسمعوا من النبي ﵊ يعني أن سند الحديث إذا كان آخره التابعي ولم يذكر صحابيهُ يسمون هذا مرسلًا، وهو من قسم الضعيف لأن التابعي ما أدرك النبي ﵊ فيكون الحديث منقطعًا، وأما من أعله بالانقطاع فقد روي مرفوعًا عن ابن مسعود ﵁ من حديث أبي عبيدة ابنه وقد قيل:إنه لم يسمع منه، وقال بعض المحدثين: إنه سمع منه فهذه علة الانقطاع وعلى كل حال الإرسال والانقطاع كلاهما من أسباب ضعف الحديث. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (أرى رؤياكم قد تواطأت) وقول الرسول ﷺ (خير الرؤيا الرؤيا الصالحة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد السائل بسؤاله هذا هل يريد أن الرؤيا تثبت بها الأحكام الشرعية أم لا والجواب على ذلك أن الرؤيا الصالحة التي تصدق وتقع هذه تكون جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كما أخبر بذلك النبي ﷺ وأما إثبات الأحكام الشرعية بالرؤيا فإن أقرها الشرع ولا يكون ذلك إلا في حياة النبي ﵊ ثبت الشرع بها لكن بإقرار الشارع لها ذلك كإقرار النبي ﷺ الآذان الذي رآه عبد الله بن زيد وكذلك هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حيث قال ﵊ (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) قال العلماء وتثبت الأحكام الفقهية إذا دلت القرائن عليها ولكنه لا يتغير بها شيءيًا من أحكام الشرع وإنما تنفذ حسب ما تقتضيه الشريعة وضربوا لذلك مثلًا برؤيا ثابت بن قيس بن شماس ﵁ حين رئي في المنام بعد استشهاده في اليمامة وذكر ﵁ ما جرى بعد استشهاده وأوصى بوصية فلما بلغ ذلك أبا بكر ﵁ نفذ وصيته لأنه ذكر أشياء قد ثبتت بالفعل حسب ما ذكرها فكان ذلك قرينة على صدق هذه الرؤيا فنفذ وصيته ﵁ بعد وفاته والمهم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمرائي أبدًاَ إلا إذا أقرها الشرع وذلك لا يكون إلا في عهد النبي ﷺ فقط أما بعده فإن الرؤيا مهما كانت لا يمكن أن يتغير بها حكم شرعي أبدًا. ***
قال رسول الله ﷺ (يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر) يقول هل أتى هذا الزمان وهل هو زماننا هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر يختلف باختلاف الناس والأماكن ففي بعض الأماكن يكون الإنسان مضطهدًا في دينه مضيقًا عليه حتى يكون كالقابض على الجمر وفي هذه الحال يجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر يأتي فيه بدينه على حرية وطمأنينة لأن أهل العلم يقولون إذا لم يتمكن الإنسان من إظهار دينه في بلاد الكفر فإنه يجب عليه أن يهاجر ليقيم دينه وفي بعض البلاد في عهدنا هذا يجد الإنسان حرية كاملة في القيام بشعائر دينه وإظهارها وإعلانها وحينئذ لا يمكن أن نقول إن هذا العهد الذي أشار إليه النبي ﷺ موجود الآن لأننا نجد ولله الحمد في بعض البلاد الإسلامية ما يتمكن الإنسان معه من إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله ***
ما معنى هذا الحديث وما صحته (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه إن الإسلام أول ما ظهر كان غريبًا أن يعتنقه إلا الواحد أو الاثنان أو الثلاثة أو ما أشبه ذلك فهو كالغريب في بلد غير بلده ثم تطور الإسلام وانتشر في أقطار الدنيا وصارت الغلبة للمسلمين حين كانوا متمسكين به تمسكًا يرضاه الله ﷿ ثم حصلت الفتن بين المسلمين فتأخر المسلمون تأخرًا كثيرًا وانحصر الإسلام وارتد كثير من البلدان التي كانت تعتنق الإسلام من قبل وسلط عليها الأعداء وسيتقلص الإسلام حتى يعود غريبًا ويكون الإسلام الصحيح الذي على منهاج رسول الله ﷺ وأصحابه غريبًا بين الناس لقلة من يطبق الإسلام على الوجه الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه ***
من المنطقة الشرقية عبد الوهاب خالد يقول ما معنى الحديث الشريف (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يقول فيه الرسول ﵊ (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) يأرز بكسر الراء ويجوز فيه الفتح والضم فأي حركة تقولها في الراء فإنك لست مخطئًا فيها ومعنى يأرز أي يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه وهذا إشارةٌ من رسول الله ﷺ إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها وفيه أيضًا إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضًا فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعًا في مكة ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشرًا من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان وقال بعض أهل العلم إن هذا إشارة إلى أمرٍ سبق وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله ﷺ الشريعة والتعاليم الإسلامية ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح. ***
قال رسول الله ﷺ (من صلى البردين دخل الجنة) مالمراد بالبردين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالبردين صلاة الفجر وصلاة العصر وذلك لأن صلاة الفجر فيها برد الليل وصلاة العصر فيها برد النهار وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات الخمس قال الله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) والمراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر ولأن هاتين الصلاتين تشهدهما الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم قال الله تعالى (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) ولهذا كان لهما هذا المزية أن من صلاهما دخل الجنة. ***
بارك الله فيكم (السفر قطعة من العذاب) هل هذا حديث وهل السفر أقسام وما معنى الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم السفر قطعة من العذاب لأن المسافر يتعذب في ضميره ويتعذب في بدنه وتجده قلقًا ينتظر متى يصل إلى البلد الذي هو قاصد وتجده قلقًا يخشى الحوادث لا سيما في عصرنا هذا حين كثرت هذه السيارات التي يحدث منها حوادث كثيرة خطيرة ولهذا كان المسافر لا يستريح حتى ولو سافر بالطيارة فهو لا يستريح قلبه في تعب يخشى أن تسقط الطائرة يخشى أن يحصل فيها خلل مزعج وإن لم يصل إلى حد السقوط إلى غير ذلك من الأشياء التي يعرفها من هم بسفر. أما أقسام السفر فإن له أقسام: سفر محرم وسفر مباح وسفر مكروه وسفر واجب. فالسفر الواجب السفر للحج إذا كان الحج المفروض إذا كان الإنسان ليس من أهل مكة والسفر المستحب إذا سافر الإنسان لطاعة مثل أن يسافر لصلة الرحم أو بر الوالدين أو ما أشبه ذلك وقد يكون هذا من القسم الواجب والسفر المكروه هو السفر الذي لا يحصل الإنسان فيه على فائدة إنما يكون به إضاعة الوقت وإضاعة المال والسفر المحرم المسافر لغرض محرم مثل أن يسافر والعياذ بالله لبلاد الكفر ليشبع رغبته فيزني أو شهوته فيشرب الخمر أو ما أشبه ذلك فهذا سفر محرم. ***
السائل مصطفى أحمد من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال عن أبي إمامة ﵁ قال (قيل لرسول الله ﷺ أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) نرجو شرح هذا الحديث ومعنى دبر الصلوات قبل أم بعد السلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (أي الدعاء أسمع) أي أقرب للإجابة لأن السمع يراد به الإجابة كما في قول الله ﵎ (إن ربي لسميع الدعاء) أي لمجيب الدعاء وقول المصلى سمع الله لمن حمده أي أجاب لمن حمده فقوله أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال جوف الليل يعني وسط الليل والمراد به ما بعد النصف الأول لأن الله تعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول (من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) . الثاني أدبار الصلوات المكتوبة وأدبارها جمع دبر وهو آخرها لأن دبر كل شيء آخره وهو قبل السلام وليس بعده ودليل ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما كتاب الله فقد قال الله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) ولم يذكر الدعاء بل أمر بالذكر وجاءت السنة مبينة لذلك فإنه يشرع للمصلى إذا فرغ من صلاته (أن يستغفر الله ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات دبر كل صلاة وعشر مرات دبر صلاة المغرب والفجر ويذكر من الأذكار ما هو معروف وأما السنة فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه لما علّم أصحابه التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل موضع الدعاء قبل السلام وهو أيضا المطابق للنظر لأن كون الإنسان يدعو الله تعالى قبل أن ينصرف من مناجاته بالسلام أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من مناجاته بالسلام بمعنى أن الإنسان إذا كان يصلى فإنه بين يدي الله يناجي ربه فكونه يدعوه قبل أن ينصرف من صلاته أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من صلاته. ***
كيف نجمع بين قول النبي ﷺ للرجل الذي أتى إليه يسأله عن الدين فذكر له النبي ﷺ الصلاة والزكاة والصيام وبعد ما انتهي قال الرجل والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال له النبي ﷺ (أفلح إن صدق) وبين ما ورد من الواجبات التي يأثم تاركها مثل تحية المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبدا، ولهذا قال الرجل للنبي ﷺ لما ذكر له الصلوات الخمس هل عليّ غيرها؟ قال (لا إلا أن تطوع) فلا شيء من النوافل يكون واجبًا أبدًا. لا تحية المسجد ولا غيرها، وإن كان بعض العلماء قال بوجوب تحية المسجد وكذلك بوجوب صلاة الكسوف ومن العلماء من قال إن صلاة الكسوف فرض كفاية وهو أقرب الأقوال إلى الصواب، لكن ليس هناك شيء من النوافل،بل ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجبًا، اللهم إلا بسبب كالنذر، لقول النبي ﷺ (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لكن هذا سبب عارض يكون من فعل المكلف وعلى هذا فلا إشكال في الحديث،لكن قد يقول القائل إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكر في الحديث فالجواب إما أن يكون النبي ﷺ قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تحقق فيه وإما أن يقال أن هذا كان قبل وجوب مالم يذكر لأن واجبات الدين ليست واجبة دفعة واحدة وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها. ***
ما المقصود بالحديث التالي قال ﷺ (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن إلى آخر الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الزنى والسرقة من كبار الذنوب ولهذا أوجب الله ﵎ فيهما الحد أما الزنى فإن كان الزاني لم يتزوج فإن حده أن يجلد مِئة جلدة وأن ينفى عن البلد لمدة سنة وأما إن كان محصنًا وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران فإن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت فالزنى والسرقة من كبائر الذنوب وإذا كانا من كبائر الذنوب فإن الإنسان لا يقدم عليهما وهو حين إقدامه عليهما مؤمن تام الإيمان بل إن إيمانه في تلك الحال وفي تلك اللحظة إما مرتفع بالكلية وأمَّا ناقص نقصًا عظيمًا استحق أن يوصف الإيمان بالنفي من أجل نقصه هذا النقص العظيم فالحديث محتمل لهذا وهذا أي محتمل لانتفاء الإيمان أصلا وذلك في اللحظة التي يقدم عليها لأنه لا يمكن لمن معه إيمان أن يقدم على هذا العمل وهو يعلم جرمه وإثمه في الدين الإسلامي وإما أن يكون المراد نفي كمال الإيمان في تلك اللحظة لكنه يكون ناقصا نقصا بينا استحق به أن يوصف بالنفي وهذا الأخير عندي أقرب وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة والأول وإن كان محتملا لكنه قد يكون من بعض الأفراد دون بعض لذلك يجب اعتماد القول بأن المراد بذلك انتفاء كمال الإيمان فمعنى لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن كامل الإيمان بل لابد أن يكون إيمانه ناقصا بهذا الزنى وكذلك يقال في السارق.
فضيلة الشيخ: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كلها سواء ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن. ***
ما معنى الحديث الوارد عن الرسول ﷺ (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) أو كما قال ﷺ وكيف يكون الجمع بينه وبين قوله تعالى (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الأول حديث ابن مسعود ﵁ يخبر فيه النبي ﵊ أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع لقرب أجله وموته ثم يسبق عليه الكتاب. الكتاب الأول الذي كتب فيه أنه من أهل النار فيعمل بعمل أهل النار والعياذ بالله فيدخلها وهذا فيما يبدو للناس ويظهر كما جاء في الحديث الصحيح (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) نسأل الله العافية وكذلك الأمر بالنسبة للثاني يعمل الإنسان بعمل أهل النار فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى عند قرب أجله فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها وأما ما ذكرت من قوله تعالى (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا) فإن هذه الآية لا تعارض الحديث إن الله يقول (أجر من أحسن عملًا) ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره فإن الله تعالى لا يضيع أجره لكن الأول الذي عمل بعمل أهل الجنة فسبق عليه الكتاب كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب وعلى هذا فيكون عمله ليس حسنًا وحينئذٍ لا يعارض الآية الكريمة. ***
ما معنى الحديث التالي وما صحته (من كفّر مسلمًا فقد كفر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه ولكن صح عن النبي ﷺ ما يدل عليه وهو أن من قال لشخص يا كافر أو وصف رجلًا بالكفر ولم يكن كذلك رجع على القائل وهذا الذي ثبت هو بمعنى هذا اللفظ الذي ذكره السائل وفيه التحذير الشديد من وصف المسلمين بالكفر إلا ببرهان بين من الله ﷿ وبه نعرف خطأ بعض الناس الذين صار التكفير عندهم سهلًا حتى في الأمور الاجتهادية التي لا يضلل فيها المخالف تجدهم يكفرون من خالفهم وهو أمر خطير جدًا فالواجب على المرء أن يتقي الله ﷿ في هذه المسألة وأن لا يكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره ومع هذا فإن العمل أو القول قد يكون كفرًا ويكون العامل أو القائل معذورًا بجهل أو تغرير فيحتاج إلى إقامة الحجة عليه قبل أن يحكم بكفره وليعلم أن وصف الإنسان بالكفر أو الإيمان ليس موكولًا إلى الناس بل هو موكول إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فما دل الكتاب والسنة على أنه من الكفر فهو كفر وما لا دليل فيه من الكتاب والسنة على أنه كفر فلا يجوز لأحد أن يجعله كفرًا، كما أن التحليل والتحريم إنما تؤخذ من الكتاب والسنة فكذلك التكفير والتفسيق والإنسان سيكون مسؤولًا أمام الله ﷿ فيما ينطق به لاسيما في هذه الأمور الخطيرة فقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . ***
مامعنى هذا الحديث قال ﵊ (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث الذي ذكرته السائلة أن الإنسان إذا صلى الصبح في جماعة كان في ذمة الله أي في عهده وأمانه ومن كان في عهد الله وأمانة فإنه على خير، لأن الله ﷾ لا أحد أوفى بعهده منه كما قال تعالى (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ) وقوله ﷺ (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) المعنى الحث على صلاة الجماعة في صلاة الصبح لأنك إن لم تصل لم تكن في عهد الله ولا في أمانه فيطلبك الله ﷾ بذلك، وصلاة الجماعة في الفجر من أفضل الأعمال قال النبي ﵊ (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا) وقال ﷺ (من صلى البردين يعني الفجر والعصر دخل الجنة) وقال ﷺ (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) والمهم أن هذا الحديث يدل على فضيلة صلاة الفجر ولا سيما مع الجماعة وأن من صلاها جماعة فإنه في ذمة الله ﷿. ***
من العراق ع. ن. أ. يقول عندنا الأغلبية إن لم يكن الجميع يدعون بعد صلاة المغرب مع الإمام بظهور أكفهم ويقولون اللهم نجنا برحمتك من النار وأدعية أخرى علمًا بأن هناك حديث عن رسول الله ﷺ يقول (ادعوا الله بباطن أكفافكم ولا تدعوه بظهورها) هل هذا الحديث صحيح وإن كان صحيحًا فما معناه وضحوا لنا ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء على وجهٍ جماعي بعد صلاة المغرب أو غيرها من الصلوات بدعة ليس من هدي النبي ﷺ ولا من هدي أصحابه ﵃ وعلى هذا فينبغي للإمام والمأمومين الكف عنه في صلاة المغرب وغيرها وأما الدعاء بظهور الأكف فقد اختلف أهل العلم فيه لأنه ورد في صحيح مسلم ما ظاهره أن النبي ﷺ كان يدعو بظهور كفيه في الاستسقاء ولكن الظاهر ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من أن الدعاء كله ببطون الأكف ولكن الراوي ذكر أن ظهور كفي الرسول ﵊ إلى السماء لأنه ﷺ بالغ في الرفع فظن من يراه أنه جعل ظهورهما نحو السماء وليس المعنى أنه دعا بهما مقلوبتين وهذا هو الأقرب وأما الحديث الذي ذكره السائل (ادعوا الله ببطون أكفكم) فهذا لا يحضرني سنده الآن ولا أدري عنه. ***
هل يجوز السؤال بوجه الله تعالى غير الجنة حيث قد ورد في حديث صححه الألباني جاء فيه (ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ولم يعط) فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم بصحته والذي أرى أنه ينبغي لطالب العلم إذا صحح أحد من أهل العلم الحديث وليس في الكتب المشهورة بالصحة والتي تلقاها أهل العلم بالقبول أرى أن يبحث هو بنفسه عن هذا الحديث وعن سنده حتى يتبين له صحته فإن الإنسان بشر ربما يخطئ كما أنه يصيب ولكن هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم عليه بالصحة أو بغيرها فإن صح هذا الحديث فمعناه أنه لما كان وجه الله تعالى موصوفًا بالجلال والإكرام كان لا ينبغي أن يسأل فيه إلا أعظم الأشياء وهو الجنة أما الأشياء التي دونها فإنه لا ينبغي أن يسأل كما أن المسئول إذا سئل بوجه الله وهو الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام فإنه لا ينبغي له أن يرد من سأل به بل له عليه أن يجيبه وكل هذا الذي أقوله إذا كان الحديث صحيحًا والله أعلم ولعلنا إن شاء الله تعالى نبحث عنه ويتسنى لنا الكلام عليه في موضع آخر. ***
يقول ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه عن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال أبو ذر وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق وفي رواية على رغم أنف أبي ذر) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح ومعناه أن الرسول ﵊ بين في هذا الحديث أن من حقق التوحيد وقال لا إله إلا الله فإنه يدخل الجنة ولو عمل بعض المعاصي والكبائر لأن المعاصي والكبائر لا تخرجه من الإيمان كما هو المذهب الحق مذهب أهل السنة والجماعة أن الإنسان يكون مؤمنًا بإيمانه فاسقًا بكبيرته ولا يخرج من الإيمان بالكبائر فهاهو الرجل لو قتل نفسًا محرمة بغير حق فإن ذلك من أكبر الذنوب ومع هذا لا يكون بهذا كافرًا خارجًا من الملة وقد أمرنا الله ﷾ في الطائفتين المقتتلتين أن نصلح بينهما وقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وهذا دليل على أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بفعل الكبائر فهو يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق ولكن هو مستحق للعذاب على هذه الكبيرة إن كانت ذات حد في الدنيا فعوقب به وإلا عوقب به في الآخرة إلا أن يشاء الله لأن الله يقول (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . ***
ماصحة هذا الحديث قال رسول الله ﷺ (أتاني آتٍ من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق) وما معناه بالتفصيل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح ومعناه أن الإنسان إذا مات على الإسلام فإنه يدخل الجنة ولو زنى وسرق ولكن لابد أن يعذب على ذنوبه بما شاء الله ﷿ إلا أن يغفر الله له وهذا الحديث لا يعني إننا نتساهل في المعاصي والكبائر بل هذا الحديث يرغب في تحقيق الإسلام وأن الإسلام يمنع من الخلود في النار ولكن على الإنسان أن يعلم أن المعاصي كما قال العلماء بريد الكفر وأن المعاصي لا تزال بالرجل حتى يصل إلى حد الكفر والعياذ بالله لأن الطاعات للقلب بمنزلة سقي الماء للشجرة إذا داوم الإنسان عليه وثابر عليه بقيت الشجرة حية نضرة وأن المعاصي بمنزلة قطع أغصان الشجرة كلما قطع الإنسان منها غصنًا ضعفت ونقصت حتى تذهب أغصانها وربما يكون في ذلك ذهاب أصلها فعلى الإنسان أن يحمي إيمانه بطاعة الله ﷿ واجتناب معصيته لكن لو فرض أنه فعل من المعاصي مالا يقتضي الكفر فإن مآله إلى الجنة إن شاء الله تعالى وقولنا في جواب السؤال فإن مآله إلى الجنة ليس معناه أن فعل المعاصي يؤدي إلى دخول الجنة لكن معناه أن العاصي مهما بلغت ذنوبه من العظم إذا لم تصل إلى حد الكفر لا بد أن يكون مآله إلى الجنة بعد أن يعذب بما يقتضيه ذنبه إلا أن يعفو الله عنه. ***
لقد ورد عن الرسول ﷺ حديث لا أعلم مدى صحته في صلاة التسابيح ووردت صفتها في عدة كتب موثوقة في كتب الأذكار للنووي وكتاب تاج الأصول وكتاب فقه السنة فما مدى صحة هذه الأحاديث وما مدى صحة هذه الصلاة وما هي صفتها إن كانت مشروعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصلاة ليست مشروعة وذلك لأن الحديث الوارد فيها ضعيف كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وقال إنه لم يستحبها أحد من الأئمة وهو كما قال ﵀ لأن هذه الصلاة شاذة في طلبها وفي صفتها وهيئتها أما في طلبها فإن الحديث المروي فيها أن الإنسان يصلىها كل يوم فإن لم يفعل ففي كل أسبوع فإن لم يفعل ففي كل شهر وإن لم يفعل ففي كل سنة فإن لم يفعل ففي العمر مرة ومثل هذه العبادة لو كانت من العبادات التي فيها مصلحة للقلب ومرضاة للرب لكانت مشروعة على وجه واحد لا على هذا التخيير المتباعد فالذي نرى في هذه المسألة أن صلاة التسبيح ليست مشروعة ولو ثبت الحديث عن النبي ﵊ لكنا أول الناس يجيبون له ويقولون به وعلى كل حال من ثبت عنده هذا الحديث ورأى صحته فإنه لابد أن يقول إنها مشروعة ومن لم يثبت عنده فإنه يقول إنها ليست مشروعة والأصل عدم المشروعية حتى يتبين لأن الأصل في العبادات الحظر إلا ما ثبت الدليل به. ***
عبد الحليم عبد الهادي محمد حسين من إدارة الإتصالات الإدارية بمنطقة جدة يقول أهدى إلي أحد الإخوان قصاصة تحمل وصية تشير إلى أن النبي ﷺ قال للإمام علي ﵁ ما نصه (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله التصدق بأربعة آلاف درهم زيارة الكعبة حفظ مكانك بالجنة إرضاء الخصوم) قال علي وكيف ذلك يا رسول الله فقال ﷺ (أما تعلم أنك إذا قرأت قل هو الله أحد فقد قرأت القرآن كله وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم وإذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة وإذا قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات حفظت مكانك في الجنة وإذا قلت أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم) السؤال هو ما مدى صحة هذه الأقوال والذي أعلمه أن سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن فما هو رأيكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره أن النبي ﷺ أوصى علي بن أبي طالب ﵁ بهذه الوصايا كذب موضوع على النبي ﷺ لا يصح أن ينسب إلى الرسول ﷺ ولا يجوز أن ينقل عن الرسول ﷺ لأن من حدث عن النبي ﷺ بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ومن كذب على النبي ﷺ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار إلا إذا ذكره ليبين أنه موضوع ويحذر الناس منه هذا مأجور عليه والمهم أن هذا الحديث كذب على النبي ﷺ وعلى علي بن أبي طالب ﵁ وهنا نقطة عبر بها السائل وهو قوله الإمام علي بن أبي طالب ولا ريب أن علي بن أبي طالب ﵁ إمام من الأئمة كغيره من الخلفاء الراشدين فأبو بكر ﵁ إمام وعمر إمام وعثمان إمام وعلي إمام لأنهم من الخلفاء الراشدين حيث قال ﷺ (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهذا الوصف ينطبق على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ أجمعين فليست الإمامة خاصة بعلي ابن أبي طالب ﵁ بل هي وصف لكل من يقتدى به ولهذا يقال لإمام الصلاة إمام الجماعة في الصلاة إنه إمام ويقال لمن يتولى أمور المسلمين إنه إمام لأنه محل قدوة يقتدى به وإن بعض الناس قد يقصد من كلمة الإمام أنه معصوم من الخطأ وهذا خطأ منهم وذلك أنه ليس أحد من الخلق معصومًا إلا من عصمه الله ﷿ والأولياء كغيرهم يخطئون ويتوبون إلى الله ﷿ من خطئهم فإن كل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ***
من حماة من سوريا يزيد فرزات يقول فيها بعد السلام قد ورد على ألسنة الناس الأقوال التالية الدَّين ضال إلا ما رده الله أكثروا الخياط والخطاط فإنهما يأكلان من موقع عيونهما لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً فهل هذه الأقوال أحاديث نبوية فإن كانت أحاديث نبوية فما مرجع كل منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأحاديث ليست أحاديث نبوية ولا تصح عن النبي ﷺ. ***
ن خ من الأردن تقول قرأت حديثًا في كتاب الرحمة في الطب والحكمة للمؤلف جلال الدين السيوطي يقول عن هشام بن القابض بن الحارث عن ابن عباس ﵄ عن رسول الله ﷺ أنه قال (يا ابن عباس ألا أهدي لك هدية علمني جبريل ﵇ إياها للحفظ قال بلى يا رسول الله قال فاكتب في طاسة بزعفران وماء ورد فاتحة الكتاب وسورة الحشر وسورة الملك وسورة الواقعة ثم تصب عليها من ماء زمزم أو ماء مطر أو من ماء نظيف ثم تشربه على الريق في السحر مع ثلاثة مثاقيل من اللبان وعشرة مثاقيل سكر ثم تصلى بعد ذلك أي بعد هذا الشراب ركعتين تقرأ فيهما قل هو الله أحد في كل ركعة خمسين مرة وفاتحة الكتاب خمسين مرة ثم تصبح صائمًا) فما درجة صحة هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث موضوع عن النبي ﵊ وليس بصحيح بل هو كذب وأثر الوضع عليه واضح جدًا ولذلك لا يجوز للمرء اعتماده ولا نقله بين الناس وذكره إلا أن يكون مقرونًا ببيان وضعه وكذبه على الرسول ﷺ لأن من ينشر مثل هذه الأحاديث الكاذبة إذا لم يبين أنها كذب على الرسول ﵊ وهو يرى أنها من الكذب على الرسول فإنه أحد الكاذبين كما ثبت ذلك عن الرسول ﷺ. ***
هل ورد أن الرسول ﷺ قال في تحريك الأصبع في التشهد والإشارة به (إنه أشد على الشيطان من وقع الحديد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد هذا ولكنني لا يحضرني الآن الحكم على سنده بصحة ولا ضعف إنما لاشك أن تحريك الأصبع في الصلاة في الجلوس بين السجدتين وفي التشهدين الأول والثاني أنه من الأمور المشروعة التي جاءت عن رسول الله ﷺ. ***
يقول الرسول ﷺ فيما معناه (إذا كنت في البادية فارفع صوتك في الأذان فإنه ما من جن وإنس إلا فيشهد لك) هل هذا الحديث صحيح ثانيًا إذا كان صحيحًا فهل وجود المكرفون في وقتنا الحاضر وأن مداه بعيد ووجود الراديو يعم على جميع الأماكن هل هذا يدخل في مضمون الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث صحيح وهو في البخاري وعمومه يتناول الصوت المسموع بواسطة وبغير واسطة فإن المسموع بواسطة المكرفون هو نفس صوت المؤذن ولهذا يعرف الناس إذا سمعوا صوت المكرفون يعرف الناس أن هذا فلان بن فلان وعلى هذا فظاهر الحديث العموم وأنه أي المؤذن إذا سُمِع صوته بواسطة أو بغير واسطة فإنه يُشهد له وفضل الله تعالى واسع وأما في الراديو فنقول أيضًا مثلما قلنا في مكبر الصوت بشرط أن يكون النقل مباشرًا أما إذا كان مسجلًا فإن الظاهر أن ذلك لا يشمله. ***
ما مدى (إذا سقط الذباب في طعام أحدكم فليغمسه لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) أو ما في معناه وحيث اعترض بعض الأساتذة على عدم صحة هذا الحديث نرجو تبيين ذلك وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث رواه البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواء) وقد زاد أبو داود (وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) وهو حديث صحيح ولا وجه للاعتراض عليه بعد ثبوته في صحيح البخاري وكون بعض الناس يقصر نظره عن معرفة الحكمة في هذا الحديث لا يدل على أن الحديث لا يصح عن النبي ﷺ وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل أحد أن الرجل إذا قصر فهمه عن حكمة الحكم الشرعي فليتهم نفسه ولا يتهم النصوص الشرعية لأنها من لدن حكيم خبير وهؤلاء الذين طعنوا في هذا الحديث أتوا من قلة ورعهم ومن قلة علمهم وإلا فقد ثبت طبًا أن في الذباب مادة تكون سببًا لبعض البكتيريا وأن هذه المادة تكون في أحد جناحيه وفي الجناح الآخر مادة أخرى تقاومها وعلى هذا فيكون الحديث مطابقًا تمامًا لما شهد له الطب وأيًا كان فإن الواجب على المرء التسليم فيما جاء في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله ﷺ وأن لا يحاول توهين الأحاديث الواردة عن رسول الله ﷺ بمجرد أن فهمه لم يصل إلى معرفة حكمتها فإن الله تعالى يقول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) . ***
يقول ما مدى صحة هذين الحديثين (من لم يكن له شيخ فشيخه شيطانه) و(من لم يكن له شيخ يكون مسخرة للشيطان) وهل معنى هذا أنه لابد للمسلم أن يقلد شيخًا ويصدقه في أقواله وأفعاله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذان الحديثان باطلان موضوعان ولا يجوز نسبتهما إلى الرسول ﷺ وعلى المسلم إذا كان بين قوم اشتهر عندهم هذان الحديثان عليه أن يبين للناس بطلانهما حتى يحذروا منهما ولا يجب على المسلم أن يقلد أحدًا في عباداته ومعاملاته إلا رسول الله ﷺ ومن اعتقد من الناس أن أحدًا سوى الرسول ﵊ يجب تقليده فإنه أخطأ خطأً عظيمًا وكما قال بعض أهل العلم يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأنه لا أحد يجب تقليده إلا رسول الله ﷺ إذ كل أحد من الناس سوى رسول الله ﷺ فإنه معرض للخطأ كما أنه يكون موافقًا للصواب فهو أي قائل هذا القول إنه لابد للإنسان من شيخ يكون سائرًا خلفه قال قولًا خطأ على إطلاقه صحيح أن من كان عاميًا من الناس لا يعرف ما يقول فإن الله تعالى أمره أن يسأل أهل الذكر كما قال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولكن هذا لا يلزم منه أن يتخذ شيخًا معينًا يقتدي بأقواله وأفعاله بحيث لا يدع قوله لقول أحد سواه وإنما يتبع الإنسان من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب وأعني بذلك من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب من العلماء الموثوقين بعلمهم ودينهم وأمانتهم دون الشيوخ المزورين الذين يزعمون للناس أنهم شيوخ طريقة وأن لهم مكاشفات وما أشبه هذا مما يروجه مشايخ أهل البدع فإن هؤلاء المشايخ لا يستحقون أن يتبعوا في شيء من أقوالهم بل الواجب أن يبين بطلان أقوالهم وما هم عليه من الضلال حتى يحذر الناس منهم.
فضيلة الشيخ: أعتقد أيضًا الأمر لا يقتصر على مجرد تقليدهم بل قد يتعدى ذلك إلى تقديسهم والتماس الخير والنفع منهم أيضًا ودفع الضر عنهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ربما يكون وإذا كان كذلك فإنه يخشى أن يخرج بهم هذا الاعتقاد إلى الشرك الأكبر. ***
ما معنى حديث (وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ) فأجاب رحمه الله تعالى: والله لا أدري عن صحة هذا الحديث ولا أستطيع أن أتكلم عن معناه وأنا لا أدري عن صحته لكن ثبت عن النبي ﷺ (أن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) . ***
ما صحة هذا الحديث وما معناه يقول: سمعت حديثًا (من قال حين يمسي وحين يصبح اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إن مات من ليلته أو نهاره دخل الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح فإن الإنسان ينبغي له أن يقول هذا كل صباح وكل مساء (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك) هذه الجملة (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت) فيها الإقرار بالربوبية والألوهية بالربوبية حين قال (اللهم أنت ربي) والألوهية حين قال (لا إله إلا أنت) (خلقتني وأنا عبدك) فيه الاعتراف التام بأن الفضل لله ﷿ في إيجاد العبد لأنه هو الذي خلقه واوجده من العدم وفيه الذل الكامل لله ﷿ في قوله (وأنا عبدك) والعبد يجب عليه أن يذل لسيده وأن يقوم بطاعته وأن لا يخالف أمره (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني أنا على عهدك في القيام بطاعتك وعلى وعدك في التصديق به فإن الله تعالى وعد من قام بعهد الله أن يفي له جل وعلا بعهده وقوله (ما استطعت) أي بقدر استطاعتي ففيه اعتراف ببذل الوسع والطاقة في طاعة الله ﷿ (أعوذ بك من شر ما صنعت) يعني أعوذ بك من شر ما صنعت يعني نفسه فإن الإنسان يصنع السوء فتكون له عاقبة وخيمة فيقول (أعوذ بك من شر ما صنعت) (أبوء لك بنعمتك علي) يعني أعترف بنعمتك عليّ وإفضالك عليّ في أمور الدين وأمور الدنيا (وأبوء بذنبي) أعترف به والاعتراف بالذنب لله تعالى من أسباب المغفرة (وأبوء بذنبي فاغفر لي) مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. ***
أم راشد من القصيم الرس تقول سمعت (بأن من يقول قبل آذان المغرب اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من ليلته دخل الجنة) هل هذا الحديث صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث صحيح وهو سيد الاستغفار ويقال صباحًا ويقال مساءً فينبغي للإنسان أن يحفظه أو يجعله في ورقة يكتبها ويقوله في الصباح وفي المساء. ***
هل هذا الحديث وارد وهو أن النبي ﷺ قال لأبي بكر ﵁ (الشرك أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقول ذلك ثلاث مرات) أرجو من فضيلتك توضيح معنى الحديث وهل هو صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف هذا الحديث أما معنى الحديث فإن الإنسان يستعيذ بالله ﷿ أن يشرك بالله وهو يعلم وأن يستغفر الله لما لا يعلم أنه شرك لأن الإنسان قد يقع في الشرك وهو لا يدري فيستغفر الله تعالى من شركٍ لم يعلم به. ***
ما صحة هذا الحديث عن ابن عمر ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث فيه مقال لأن من أهل العلم من ضعفه ومنهم من حسنه وأظن بعض العلماء أيضًا صححه فإذا عمل به الإنسان رجاء الثواب فإنه يرجى له الحصول على الثواب وهو رحمة الله ﷿ ولكن هذا لا يدل على أن هذه الصلاة راتبة ولهذا ليس للعصر راتبة لا قبلها ولا بعدها لكن إذا صلى الإنسان فإنه يكون إن صح الحديث نائلًا لهذا الدعاء من رسول الله ﷺ. ***
ما صحة هذا الحديث الذي معناه رَغَّبَ رسول الله ﷺ بصلاة أربع ركعات قبل العصر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) لكن في صحته نظر والأمور المشروعة لا تثبت إلا بدليل صحيح ولهذا لم يستحبها بعض أهل العلم. ***
ما صحة هذا الحديث الذي معناه رَغَّبَ رسول الله ﷺ بصلاة أربع ركعات قبل العصر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) لكن في صحته نظر والأمور المشروعة لا تثبت إلا بدليل صحيح ولهذا لم يستحبها بعض أهل العلم. ***
سمعت أن الرسول ﷺ قال (من صلى أربع ركعات قبل العصر دخل الجنة) فهل هذا صحيح وهل تجوز صلاتها بعد آذان العصر وقبل أداء الفريضة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث فيه مقال فقد اختلف العلماء فيه وعلى تقدير صحته فالمعنى أن من صلى أربع ركعات بسلامين بين الآذان والصلاة والذي أعرف من الحديث أنه بلفظ (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا) ولا أعرفه بهذا اللفظ الذي ذكره السائل. ***
في بعض الشوارع نقرأ عبارات (النظافة من الإيمان) و(أكرموا عمتكم النخلة) ويقولون تحت ذلك حديثٌ شريف ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح النخلة ليست عمةً لنا ولا أظنها عمةً لبقية الأشجار أيضًا وأما (النظافة من الإيمان) فهذا ليس بحديث لكن معناه صحيح فإن الدين الإسلامي يدعو إلى النظافة ولهذا جاء بتقليم الأظفار ونتف الآباط وحلق العانة وقص الشوارب والاغتسال كل أسبوع حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فأوجب صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسل الجمعة على كل إنسانٍ بالغ وهذا من النظافة ووقت لأخذ الأظفار والشارب والعانة والإبط وقت أربعين يومًا يعني أنها لا تترك فوق أربعين يومًا فلا تترك الأظفار ولا الإبط ولا العانة ولا الشارب فوق أربعين يومًا لأن النبي ﷺ وقت لأمته أن لا تترك فوق أربعين يومًا. ***
م. ك. س. من الدمام يقول ما مدى صحة هذين الحديثين الحديث الأول (النظافة من الإيمان) والحديث الآخر (من أخذ الأجرة حاسبه الله بالعمل) أرجو إيضاح مدى صحة هذين الحديثين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحديث الثاني فلا أعلم له أصلًا وإذا كان الإنسان لا يعلم للحديث أصلًا عن رسول الله ﷺ أصلًا فإنه لا يجوز أن ينسبه إليه حتى يتيقن. وأما الحديث الأول (النظافة من الإيمان) فإن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ وإن كان مشهورًا عند الناس ولكن لا شك أن الدين الإسلامي يأمر بكل ما فيه الخير والمصلحة للإنسان ومن ذلك النظافة. فإن النظافة في البدن والملبس والمسكن من الأمور المحمودة عرفًا التي لا تنافي الشرع وما كان محمودًا عرفًا ولا ينافي الشرع فإنه من الأمور المطلوبة التي ينبغي للإنسان أن يتصف بها بل إن النبي ﵊ قال في يوم الجمعة (لو تطهرتم ليومكم هذا) والاغتسال للجمعة لا شك أنه نوع من النظافة لأن الجمعة يحصل بها اجتماع الناس كثيرًا في مكان واحد ويحصل لهم من العرق ما قد تكون فيه رائحة كريهة ولا سيما في أيام الصيف وقبل أن توجد هذه المكيفات التي تمنع من شدة الحرارة على كل حال النظافة أمر محمود شرعًا وعرفًا وأما إضافة هذا الحديث إلى رسول الله ﷺ فإنه حديث ضعيف لا يضاف إلى رسول الله ﷺ. ***
أسأل عن هذا الحديث هل هو حديث (النظافة من الإيمان) أم أثر وجهونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أدري هل هو حديث مرفوع أم أثر أو كلام لبعض العلماء ولكن لا شك أن الدين الإسلامي يدعو إلى النظافة ولهذا قال النبي ﷺ (الفطرة خمس أو قال خمس من الفطرة الختان والإستحداد وقص شارب نتف الآباط وتقليم الأظفار) وأمر بالاغتسال كل أسبوع كل يوم جمعة حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب ذلك فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) . ***
فضيلة الشيخ هل هذا حديث (حب الدنيا رأس كل خطيئة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديثٌ موضوع ليس بصحيح وحب الدنيا إذا كان يريد أن يستعين به على طاعة الله فليس خطيئة وإن كان يريد الدنيا ويؤثرها على الآخرة فقد خاب قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى) وقال الله تعالى (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) . ***
ما صحة هذا الحديث (من صلى علي حين يصبح عشرًا وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري عن صحته. ***
ع. ح. م. من الرياض يقول ما مدى صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ وهو أن أسماء ﵂ دخلت على النبي ﷺ وهي ترتدي ملابس خفيفة فأشاح عنها بوجهه وقال لها رسول الله ﷺ (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض يجب أن لا يظهر منها إلا الوجه والكفان) أو كما قال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف سنده منقطع وفيه رواةٌ فيهم نظر ثم هو منكر المتن إذ كيف يليق بأسماء ﵂ أن تدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثيابٌ رقاق إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجل وأكرم من أن تدخل عليه امرأة عليها ثيابٌ رقاق يقتضى أن يصرف النبي ﷺ وجهه عنها فهو منكر المتن ضعيف السند لا معول عليه وقد بينا ذلك في رسالةٍ لنا اسمها رسالة الحجاب هي صغيرة الحجم لكنها كبيرة المعنى فمن أحب أن يقرأها ففيها فائدةٌ وخيرٌ إن شاء الله تعالى. ***
نحن مجموعة من الشباب نقوم بصيد نوع من أنواع الطيور يقال له القطا ليلًا واعترضنا بعض الإخوان وقالوا إن صيد الطيور في أوكارها ليلًا محرم مستدلين بحديث (لا تأتوا الطيور في أوكارها ليلًا) ما حكم صيد الطيور في أوكارها ليلًا وما مدى صحة هذا الحديث فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصيد جائز ليلًا ونهارًا إلا أنه في الليل على خطر لأن الإنسان قد يتجشم شجرة تؤذيه أو حفرة يقع فيها لشفقته على إدراك الصيد أما من حيث الصيد نفسه فإنه حلال ليلًا ونهارًا قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة: من الآية٢٩) ولم يقيد زمنًا دون زمن. ***
ناجي المطيري يقول في الحديث (لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكب الفلاة وحده) نرجو من فضيلتكم معنى هذا الحديث وهل هو صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: إنه قد ورد النهي عن سفر الإنسان وحده لأنه يتعرض للخطر والبلاء فقد يهجم عليه ولا يجد من يساعده وقد يمرض فيحتاج إلى ممرض وقد يموت فيحتاج إلى من يقوم بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن سفر الرجل وحده لكن في عصرنا الحاضر إذا ركب الإنسان سيارته وحده ومشى مسافرًا في طريق مسلوك كطريق المدينة مكة مثلًا فإن النهي لا يشمله وذلك لأن هذه الطرق أصبحت والحمد لله وكأن الإنسان في المدينة لا يزال يشاهد السيارات ذاهبة وراجعة فكأنه في المدينة فلا يشمله النهي عن السفر وحده أما الحديث (أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن راكب الفلاة وحده) فلا أدري عن صحته. ***
ما صحة هذا الحديث (الدعاء مخ العبادة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بهذا اللفظ ليس بصحيح،الصحيح (الدعاء عبادة) ويدل لذلك قوله ﵎ (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فقال (ادعوني) ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) وهذا يدل على أن الدعاء عبادة ولا شك أنه عبادة من الناحية النظرية فإن الإنسان إذا دعا ربه فقد بنى دعاءه على أمرين الأمر الأول شدة حاجته إلى الله ﷿ وافتقاره إليه وأنه لا ملجأ له إلا ربه ﵎ والأمر الثاني تعظيمه لله ﷿ وإيمانه بأنه تعالى قادر على استجابته وأنه ﷾ عالم بدعائه وأنه سامع لدعائه وهذا عبادة فأكثر أخي المسلم من دعاء الله ﷿ لعلك تصادف ساعة إجابة فيحصل لك مطلوبك وإذا لم يحصل مطلوب الإنسان فهو على خير لن يخيب أبدًا أولًا الدعاء عبادة يثاب عليه. ثانيا أن الله تعالى إما أن يستجيب له ما دعا به وإما أن يصرف عنه من السوء ما كان متوقعًا وإما أن يدخر ذلك له عند الله ﷿ يوم القيامة فهو لن يخيب أبدًا بخلاف سائل المخلوق الذي يسأل المخلوق يستهجنه المخلوق كما قال الشاعر: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب يستهجنك وربما يعطيك وربما لا يعطيك وإذا لم يعطك ربما ينتهرك وربما يصعر خده لك لكن الرب ﷿ إذا سألته أحبك وأثابك وأجاب مطلوبك أو صرف عنك ما هو أعظم أو ادخره لك يوم القيامة فعليك بسؤال الله في كل شيء والاستعانة بالله تعالى في كل شيء وقل اللهم بفضلك أغنني عمن سواك. ***
ما حكم قول اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا فإنك تجعل الحزن إذا شيءت سهلًا وهل هو حديث فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كلام مسجوع معناه صحيح لكن لا حاجة إليه يكفي عنه أن يقول القائل اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى ومن المعلوم أن الله ﷿ قادرٌ على أن يجعل السهل صعبًا والصعب سهلًا لأنه على كل شيء قدير فبهذه المناسبة أنصح إخواني الحريصين على الدعاء في الصلاة وفي أوقات الدعاء مثل الدعاء بين الأذان والإقامة وفي الدعاء في عرفة وفي الدعاء في مزدلفة أن يحرصوا أتم الحرص على الدعاء بما جاءت به السنة لأن الداعي بذلك أعلم الخلق بما يليق وبما ينفع من الدعاء فليتحروا الأدعية التي دعا بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأحاديث الصحيحة أيضًا لأن هناك أحاديث ضعيفة فيها أدعية غير صحيحة ويا حبذا لو أن إخواني طلبة العلم كتبوا ما تيسر من الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما مطلقة وإما مقيدة في الصلاة أو في وقوف عرفة أو في الطواف أو في السعي لو فعلوا ذلك لحصل خير كثير في حفظ هذه السنن والبعد عن الأدعية الكثيرة المسجوعة التي لا خير فيها بل ربما تشتمل على أمور تخل بالعقيدة. ***
ما صحة هذا الحديث (إذا خرجت من منزلك فصلِّ ركعتين تمنعانك من مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصلِّ ركعتين تمنعانك مدخل السوء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير صحيح ولا يعمل به لكن الإنسان مأمور إذا دخل بيته أن يتسوك أول ما يدخل ثم يسلم على أهله (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أول ما يبدأ به إذا دخل بيته أن يتسوك ثم يسلم على أهله) وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) فحث الله تعالى على أن يكون لنا أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن التأسي به أن نبدأ إذا دخلنا بيوتنا بالسواك. ***
ما معنى هذا الحديث وهل هو صحيح يقول (إذا خرج أحدكم من بيته فليقل بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله توكلت على الله حسبي الله ونعم الوكيل) ؟ الشيح: لا أعلم هذا الحديث واردًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هل هناك دعاء معين مأثور لمن ركبته الديون حتى تقضى عنه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك حديثًا خاصًا لكن الإنسان يدعو الله ﷿ فيقول اللهم اقض عني الدين وأغنني من الفقر ويلح على ربه ﷾ فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ***
م ن من المدينة النبوية يقول أسأل عن هذا الدعاء هل هو وارد (اللهم يا من لا تراه العيون ولا يصفه الواصفون) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا غلط هذا غلط عظيم لأنه إذا قال اللهم يا من لا تراه العيون وأطلق صار في هذا إنكار لرؤية الله تعالى في الآخرة وقد ثبت عن النبي ﷺ (أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب وكما يرون القمر ليلة البدر) وقد أنكر قوم رؤية الله ﷿ وقالوا إن الله لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وذلك بناء على عقولهم التي يعتمدون في إثبات الصفات لله ﷿ ونفيها عنه عليها أي على عقولهم وهذا خطأ عظيم أن يحكِّم الإنسان عقله في أمر من أمور الغيب لأن أمور الغيب لا يمكن إدراكها إلا بمشاهدتها أو مشاهدة نظيرها أو خبر الصادق عنها فتجدهم ينكرون رؤية الله ويحرفون كلام الله ورسوله بناء على عقيدتهم المبنية على العقل الفاسد لأن حقيقة تحكيم العقل أن يسلم الإنسان لما أخبر الله به ورسوله تسليمًا تامًا فإن هذا مقتضى العقل ومقتضى الإيمان قال الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وهؤلاء المنكرون لرؤية الله تعالى في الآخرة لم يسلموا تسليمًا بل أنكروا ذلك وقالوا لا يمكن فقيل لهم سبحان الله النصوص واضحة في هذا في القرآن الكريم قال الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة أي حسنة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي تنظر إلى الله ﷿ وإضافة النظر إلى الوجوه يعني أنه بالعين لأن أداة النظر في الوجه هي العين فحرفوا الكلم عن مواضعه وقالوا (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي إلى ثواب ربها ناظرة وهذا تحريف زادوا في الآية كلمة كما زادت بنو إسرائيل حرفًا حين قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة وقيل لهم إن الله ﷾ يقول (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) وهذه الآية تدل على ثبوت أصل الرؤية لأن معنى لا تدركه أي تراه ولا تدركه لأنه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته والعجب أنهم يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية وهي حجة عليهم وقيل لهم إن موسى ﵊ قال (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله ﷿ لكانت غير لائقة به وموسى أحد الرسل أولي العزم لا يمكن أن يسأل الله مالا يليق به أبدًا مستحيل قالوا إن الله قال له (لن تراني) نعم قال (لن تراني) يعني في الدنيا لن تثبت لرؤيتي ولهذا ضرب الله لهم مثلًا فقال (انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا) اندك الجبل ساوى الأرض حينئذٍ خر موسى صعقا مما رأى فيكون بهذه الآية التي استدلوا بها على نفي الرؤية دليل عليهم والحمد لله وقيل لهم إن الله تعالى يقول في الفجار (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) وجعل هذا عقابًا عليهم ولو كان الأبرار لا يرونه لاستوى في هذا الحكم الفجار والأبرار ولهذا قال الإمام الشافعي ﵀ إن الله لم يحجب هؤلاء عنه في حال الغضب إلا وقد أذن للأبرار أن يروه في حال الرضا أو كلمة نحوها وهذا استدلال جيد وقيل لهم إن الله ﵎ قال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) وقد فسر أعلم الخلق بكلام الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق فيما يقول قال (إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله) وقيل لهم إن الله تعالى قال (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) وقد فسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله كما فسر به النبي ﷺ الزيادة، وقيل لهم إن الله تعالى قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) وحذف المفعول ليعم كل نظرة يستمتعون بها ويتلذذون بها وأجلها رؤية الله ﷿ فهم ينظرون الرب ﷿ وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم وينظرون الكفار الذين كانوا في الدنيا يضحكون بهم وإذا مروا بهم يتغامزون، وقيل لهم إن النبي ﷺ وهو أعلم الخلق بالله وأنصحهم لعباد الله وأفصحهم في المقال وأسدهم في القول قال (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإذا استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) وأخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، فانظر إلى هذا التثبيت والتقرير والتوكيد لرؤية الله ﷿ بضرب هذه الأمثلة التي لا يشك فيها أحد الشمس في حال الصحو ليس معهاسحاب لا يشك أحد في رؤيتها والقمر ليلة البدر لا أحد يحتجب عنه رؤيته كل يراها ولهذا أجمع الصحابة ﵃ وأئمة الأمة على ثبوت رؤية الله ﷿ في الآخرة لم يرد عن أحد منهم أنه نفى ذلك أبدًا وأدنى ما يقال لهؤلاء ائتوا إلينا لنجلس في أحد المساجد ولندعو الله ﷿ فنقول اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها يا رب العالمين لا أظن أن يثبت لهم قدم على ذلك أبدًا لن يصبروا أن يأتوا ويدعوا الله ﷿ بهذا الدعاء مما يدل على أن إيمانهم بانتفاء الرؤية ليس إيمانًا عن يقين، والخلاصة أن رؤية الله ﷾ ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف ونسأل الله تعالى لمن أنكرها أن يهديهم إلى الحق حتى يلقوا الله ﷿ وهم مؤمنون بكتابه وسنة رسوله ﷺ ومتبعون للصحابة ﵃ في هذه المسألة البينة الواضحة. ***
هل كان الرسول ﷺ يحيي ليلتي العيدين بالقيام أو قراءة القرآن وهل يوجد حديث للترغيب في قيام هاتين الليلتين فأجاب رحمه الله تعالى: فيهما أحاديث ضعيفة في فضل إحيائهما وأما من فعل الرسول ﷺ فلم يكن يفعل ذلك لم يكن يحيي الليل وما قام الليل كله إلا في ليالي العشر الأخيرة من رمضان رجاء لليلة القدر فإنه (كان ﵊ إذا دخل العشر أحيا الليل كله) . ***
هل من أجر لمن يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وأنه يوقى من فتنة القبر كما جاء في الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا حديثًا صحيحًا والإنسان موته ليس باختياره فإذا مات يوم الجمعة فليس من كسبه أو يوم الاثنين فليس من كسبه قال الله ﵎ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فالإنسان يجهل بأي أرض يموت هل في بلده أو في بلد آخر هل هو داخل مملكته أو خارج مملكته كذلك أيضًا لا يدري متى يموت لأن علم الموت كعلم الساعة مجهول هو عند الله تعالى وحده فإذا كان كذلك فمات الإنسان في أي يوم فإن موته في أي يوم الجمعة أو الاثنين أو الخميس أو غيره أو غيرها ليس من كسبه حتى يثاب عليه لكن إن ثبت عن النبي ﷺ في ذلك حديث فالواجب الإيمان به والتسليم له. ***
م س يقول ما صحة هذا الحديث (إن لله في كل يوم وليلة مائة وعشرين رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلىن وعشرون للناظرين إليها أي إلى الكعبة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والنظر إلى الكعبة ليس بعبادة بل النظر إلى الكعبة إن قصد الإنسان بذلك أن يتأمل هذا البناء المعظم الذي فرض الله على عباده أن يحجوا إليه وأزداد بهذا التفكير إيمانا صار مطلوبًا من هذه الناحية وأما مجرد النظر فليس بعبادة وبهذا يتبين ضعف قول من يقول إن المصلى يسن له إذا كان يشاهد الكعبة أن ينظر إليها دون أن ينظر إلى موضع سجوده فإن هذا القول ضعيف لأنه ليس عليه دليل ولأن الناظر إلى الكعبة والناس يطوفون حولها لابد أن ينشغل قلبه والسنة للمصلى أن ينظر إلى موضع سجوده إلا في حال التشهد فإنه ينظر إلى موضع إشارته أي إلى إصبعه وهو يشير بها وكذلك الجلوس بين السجدتين فإنه يشير بإصبعه عند الدعاء فينظر إليه. ***
محمد حسن من اليمن يقول هل الأذان في أذن المولود والإقامة في أذنه الأخرى سنة أم لا وما صحة الأحاديث في هذا الأمر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما حديث الإقامة في اليسرى فإنه ضعيف وأما حديث الأذان في أذنه اليمنى فلا بأس به على أن فيه مقالا أيضا ولكن هذا يكون حين الولادة مباشرة قال العلماء والحكمة في ذلك أن يكون أول ما يسمعه الأذان الذي هو النداء إلى الصلاة والفلاح وفيه تعظيم الله وتوحيده والشهادة لنبيه ﷺ بالرسالة. ***
ما صحة هذا الحديث (من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت ذنوبه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح ***
قولهم (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) هل ورد فيه حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد أيضًا لكنه أعل بالإرسال لأنه عن أحد التابعين عن النبي ﷺ وهو معاذ بن زهرة وهو تابعي فالحديث مرسل وعند علماء الحديث أنه إذا كان الحديث مرسلًا -يعني- رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من الرسول ﷺ فإنه يكون منقطعًا فلا يحكم بصحته حتى يعلم من الواسطة بين هذا الرجل وبين النبي ﷺ. ***
ليلى الغامدي من الباحة تقول أسأل عن هذا الحديث عن أنس ﵁ قال. قال رسول الله ﷺ (مَنْ صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة) هل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح ولكن لاشك أن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير للمرء فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر (أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشر) فأكثر من ذكر الله وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن ذلك خير قال الله ﵎ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) . ***
أيمن عبد المنعم من مصر يقول سمعت حديثا ينص على أن الصلاة لابد وأن يقابلها متعة من الفرد وسعادة فإن لم يكن كذلك فإن أبواب السماء تغلق لتلك الصلاة هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح لكنه لا شك أن الإنسان الذي تكون صلاته متعة له وقرة عين له فإن له حظا كبيرا مما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) فإذا دخل الإنسان في صلاته وأعتقد أنه يناجي ربه وأن حياته في الحقيقة هي ما أمضاه في طاعة الله وأن هذا هو عمره الحقيقي فإنه لا شك أن الصلاة ستكون قرة عينه وراحة نفسه وأنه سيألفها وإذا سلم منها انتظرها مرة أخرى وأنه يجد بعد ذلك نورا وسعادة وانتهاءً عن المنكر والفحشاء كما قال الله ﵎ (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) أما مَنْ فَرَّطَ فيها وأضاعها وثقلت عليه وكان من حين ابتدائه بها إلى أن ينتهي وقلبه يفكر ويدور يمينا وشمالا فإن الصلاة ستكون شاقة عليه وسوف يخرج منها كخروج الهارب من السبع ولا يرى أنه اغتنم هذا الوقت الذي كان يصلى فيه وأنه هو عمره الحقيقي ولهذا أقول إنه ينبغي للإنسان إذا قام إلى الصلاة أن يستشعر عظمة من قام بين يديه وأن يؤمن إيمانًا كاملًا بأنه ﵎ يعلم ما توسوس به نفسه وأن يحرص غاية الحرص أن يجمع قلبه على ما يقول ويفعل في صلاته وألا يذهب يجول يمينا وشمالا وإذا حدث له ذلك فهنا الدواء الناجع الذي وصفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرجل من أصحابه شكا إليه أنه إذا دخل في الصلاة يوسوس يعني يفكر يمينا وشمالا (فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد ذلك أن يتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قال الرجل ففعلت ذلك فأذهب الله عني ما أجد) نسأل الله أن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته. ***
يقول السائل سمعت حديثًا شريفًا (أن الشهداء خمسة وذكر منهم المبطون) فمن هم الباقون إن كان الحديث صحيحًا وما معنى المبطون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما والباقون هم المطعون، والغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله، ولكن هذه الشهادة تختلف أحكامها في الدنيا فإن الشهيد في سبيل الله لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه وإنما يدفن في ثيابه التي استشهد فيها بخلاف هؤلاء الأربعة -يعني- يجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم والمبطون: هو الذي أصيب بداء البطن بمعنى أنه يكون فيه إسهال أو وجع في بطنه ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت وما أشبه ذلك فكل أدواء البطن التي تكون سببًا للموت فإنها داخلة في قوله ﷺ (المبطون) لا سيما التي يكون الموت فيها محققًا عاجلًا. ***
تقول السائلة أم عبد الرحمن من اليمن هل هذا الكلام من الحديث النبوي: (أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما وأحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا روي حديثا لكنه لا يصح أما معناه فصحيح يعني أنه لا ينبغي للإنسان أن يفرط في الحب فإنه ربما كان هذا الحبيب يوما من الأيام بغيضا لك ومن المعروف أن الإنسان إذا أفرط في الحب أفضى إلى حبيبه بكل ما عنده من سر وأخبره بكل حالاته فإذا قدر أنه صار بغيضا له يوما من الأيام فإن هذا البغيض سوف يفشي سره ويبينه للناس ثم إن المحبة المفرطة غالبا ما تفضي إلى بغض مفرط لأن المحبة المفرطة توجب لصاحبها أن يكون حساسا بالنسبة إلى حبيبه فيغار إذا رأى أحدا إلى جنبه أو أحدا يكلمه أو ما أشبه ذلك وتكون الحبة عنده من هذا الحبيب قبة وحينئذٍ لقوة الغيرة والمحبة تنقلب هذه المحبة بغضاء وكذلك بالعكس قد يبغض الرجل الإنسان بغضا شديدا ثم يقلب قلبه مقلب القلوب فيحبه بعد ذاك حبا شديدا لهذا لا ينبغي للإنسان أن يفرط في المحبة ولا في البغضاء فإن قال قائل المحبة لا يملكها الإنسان والبغض أيضا لا يملكه الإنسان يعني لا يملك أن يجعل محبته خفيفة أو ثقيلة أو بالعكس فالجواب أن الأمر كذلك ولكن يجب عليه أن يقلل من آثار هذه المحبة ومن آثار هذا البغض بحيث لا يسرف في الملازمة عند المحبة ولا في المباعدة عند البغضاء وهذا يمكن للإنسان أن يتصرف فيه وكذلك لا يسرف في بذل المال لمن أحبه ولا في تقديمه على نفسه وما أشبه ذلك من مقتضيات المحبة التي يمكن للإنسان أن يتصرف فيها. ***
هل إذا نظر شخص إلى سوءة أخيه بدون قصد يكون آثما كما في حديث (مَنْ نظر إلى سوءة أخيه المسلم فهو ملعون) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف ويرويه بعض الناس بلفظ (لعن الله الناظر والمنظور) ولكن لا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة أخيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) ويجب عليه إذا رأى أخاه كاشفا عورته يقضي حاجته مثلا يجب عليه أن يكف بصره ولا يحل له أن ينظر إليها لأن في ذلك امتهانا لأخيه وإثارة للفتنة فقد يصور له الشيطان هذه العورة بصورة ليست على ما هي عليه ويحصل بهذا فتنة للناظر والمنظور ولكن على الإنسان أيضا أن يحفظ عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه وعليه أن يلبس الثياب الساترة وبهذه المناسبة أود أن أنبه ما يفعله بعض الناس من لباس سراويل قصيرة تغطي نصف الفخذ ثم يلبس فوقها ثوبا شفافا لا يستره فإن ذلك حرام عليهم ولا تصح صلاتهم في هذا السروال القصير الذي ليس عليه إلا ثوب رهيف لأن الواجب على المصلى الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة بثوب ساتر. ***
السائل يقول في حديث عن النبي ﷺ وهو عن ابن عباس باختصار الحديث (جاء علي بن أبي طالب ﵁ وقال للرسول إني تفلت مني القرآن فعلمه الرسول ﷺ دعاء وصلاة أربع ركعات مخصوصة بقراءة) فذكر هذا الحديث مفصلًا في الكتاب الصغير وروى هذا الحديث الترمذي ورواه الحاكم فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح عن النبي ﷺ فلا عبرة به، لكن مما يعين على الحفظ ما أمر به النبي ﵊ في قوله (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) فأمر بتعاهده لئلا ننساه، والتعاهد أن يكرر الإنسان تلاوته بحضور قلب فإذا كرر تلاوته بحضور القلب فهذا هو التعاهد فيكون ذلك معينا على بقاء القرآن وحفظ القرآن. ***
سمعت حديثا يقول (من كثر لغطه في مجلس فليقل بعد أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك تغفر خطاياه في ذلك المجلس) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا أيضًا حديث صحيح ينبغي للإنسان أن يختم مجلسه به لأنه كالطابع على المجلس (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) . ***
ما صحة الحديث القدسي التالي يقول قال الله تعالى (إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بلفظه لا أعرف عنه شيئا لكن لا شك أنه إذا أطيع فإن طاعة الله ﷾ سبب لرضاه ورضاه سبب لكل خير وبركة قال الله ﵎ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) وقال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ***
محمد أحمد من الأردن يقول أسأل عن صحة حديث نبوي سمعته من أحد الإخوة قبل أكثر من سنة فقد سمعته يقول بأن النبي ﷺ قال (صلاة بعمامة خير من أربعين صلاة بدون عمامة) هل هذا حديث أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث حديث باطل موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمامة كغيرها من الألبسة تتبع عادات الناس فإن كنت في أناس اعتادوا لبس العمامة فالبسها وإذا كنت في أناس لا يعتادون لبس العمامة وإنما يلبسون الغترة أو يبقون بلا شيء يستر رؤوسهم فافعل كما يفعلون فالعمامة ليست من الأمور المطلوبة شرعا لكنها من الأمور التابعة لعادات الناس والإنسان مأمور أن يلبس ما يلبسه الناس إلا إذا كان محرما لأنه إذا خالف الناس في لباسهم صار لباسه شهرة وقد (نهي عن لباس الشهرة) اللهم إلا إذا كان في بلد غريب وكان لباس أهل هذا البلد يخالف لباس هذا الرجل القادم إليهم فحينئذٍ لا بأس أن يبقى على لباسه في بلده لأن الناس يعرفون أن هذا رجل غريب وأنه لا غرابة أن يكون لباسه مخالفًا للباسهم كما يوجد الآن عندنا ولا سيما في مكة والمدينة أناس يلبسون ثيابهم على الزي الذي كانوا عليه في بلادهم ولا أحد يستنكر ذلك وخلاصة القول أن نقول هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث باطل موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثانيًا أن نقول لبس العمامة ليس سنة ولكنه خاضع لعادات الناس الذين يعيش بينهم هذا الرجل فإن كانوا يلبسون العمامة لبسها وإن كانوا لا يلبسونها لم يلبسها وأقول إن السنة موافقة الناس الذين تعيش فيهم في لباسهم ما لم يكن لباسا ممنوعا شرعا فإنه يجب اجتنابه عليك وعليهم ثم إني ذكرت أن الإنسان إذا قدم إلى بلد يخالف لباسهم لباس أهل بلده وهو معروف أنه غريب فلا حرج عليه أن يبقى على زي أهل بلده لأنه لا يعد ذلك شهرة. ***
(عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) هل هذا حديث وإن كان حديثا فما درجته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح المعنى وإن كان في سنده ما فيه لكن تشهد له نصوص الكتاب والسنة فالخطأ معفو عنه معذور به الإنسان لقول الله ﵎ (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله قد فعلت وكذلك النسيان لهذه الآية وكذلك الإكراه لقول الله ﵎ (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) هذه نصوص عامة تشمل كل ما يقع من خطأ أو نسيان أو إكراه وهناك نصوص خاصة تبين ذلك أيضا فمنها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ﵂ وعن أبيها (أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء) لأنهم أفطروا عن ظن أخطؤوا فيه وكذلك (عدي بن حاتم ﵁ كان يتسحر ويأكل وكان قد جعل تحت وساده عقالين أحدهما أسود والثاني أبيض وكان يأكل حتى تبين العقال الأبيض من العقال الأسود ثم أمسك فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره بالقضاء) وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وعلى هذا الخطأ والنسيان والإكراه كلها معفو عنها في هذه الشريعة الميسرة المسهلة نسأل الله تعالى أن يزيدنا تمسكا بها وثباتًا عليها إلى الممات لكن ما نُسي من الواجبات فإنه يقضى إذا لم يفت سببه فإذا نسي الإنسان أن يصلى فإنه يصلى إذا ذكر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ثم تلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» . ***
ورد عن الرسول ﷺ حديث معناه أن (من صلى صلاة الصبح في جماعة وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين فإن ذلك يعدل حجة وعمرة تامة تامة) هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مختلف في صحته لكن الإنسان إذا فعل ذلك راجيا ثواب الله فأرجو ألا يكون عليه في ذلك بأس. ***
ما صحة حديث (أول من يفتح باب الجنة أنا وأم اليتيم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه ﷺ هو أول من يستفتح باب الجنه فصحيح وأما كون أم اليتيم معه فلا أدري. ***
قال رسول الله ﷺ (من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا) مامعنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث في صحته نظر والمعنى إن صح الحديث أنه إذا مات فإنه يخشى أن يكون كافرًا إما مع اليهود وإما مع النصارى. ***
يقول السائل ما صحة حديث (من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا مما ينشر أيضًا وهو كذب لا أصل له ولا يجوز لأحدٍ نشره إلا أن يكتب عليه مبينًا أن هذا حديثٌ موضوعٌ مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحينئذٍ يكون هذا من باب العلم وليكن تعليقه عليه بمحلٍ لا يمكن أن يقص ويبقى الأصل المكذوب يعني بعض الناس لو علق مثلًا وجعل مسافةً بين تعليقه وبين الأصل المعلق عليه جاء بعض الناس وقص هذا التعليق وأبقى الأصل معلقًا عليه وكما تعلم الآن أن آلات التصوير يمكن أن يتصرف فيها الإنسان على ما يشاء. ***
ما المراد بقول النبي ﷺ عن افتراق الأمة (كلهم في النار إلا واحدة) وما هي الواحدة وهل الاثنتان والسبعون فرقة كلهم خالدون في النار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخبر النبي ﵊ أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وعلى الرغم من محاولة العلماء تعداد هذه الفرق فإنهم لم يصلوا إلى النتيجة إلا بتكلف والأولى أن نبهم ما أبهمه الرسول ﵊ نقول ثلاث وسبعون فرقة وأما كيفية هذا الافتراق فإن ضبطه صعبٌ جدًا جدًا وقوله (كلها في النار إلا واحدة) يشمل ما إذا كانت الفرقة التي حصلت مخرجةً من الملة أو غير مخرجة لأن من الأعمال من توعد فاعله بالنار مع أنه لا يخرج من الإسلام مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومثل قوله تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرا) ومثل قوله ﷺ (ما أسفل الكعبين ففي النار) يعني من الإزار وأما الواحدة الناجية فقد بينها الرسول ﵊ بأنها من كانت على مثل ما عليه هو وأصحابه ومن تمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فهو من الناجين والفرقة الناجية هي المنصورة إلى قيام الساعة سواء حصل منها قتالٌ مع ضدها أم لم يحصل لأنها منصورةٌ بظهور أمرها وسنتها وهذا ما يوحي به كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ حيث قال في العقيدة الوسطية في أولها أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يتحرى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسنة الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين الذين قال الله تعالى عنهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . ***
وجدت في تفسير ابن كثير حديثًا يقول فيه الرسول ﷺ ما معناه (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) فهل هذا الحديث صحيح وما هي الفرقة الناجية من هذه الفرق الضالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح بكثرة طرقه وتلقي الأمة له بالقبول فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد وقد بين النبي ﵊ (أن الفرقة الناجية هي الجماعة) الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة وقول وعمل فمن التزم ما كان عليه رسول الله ﷺ من العقائد الصحيحة السليمة والأقوال والأفعال المشروعة فإن ذلك هو الفرقة الناجية ولا يختص ذلك بزمن ولا بمكان بل كل من التزم هدي الرسول ﵊ ظاهرًا وباطنًا فهو من هذه الجماعة الناجية وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات وناجية في الآخرة من النار. ***
سألني أحد الزملاء في العمل عن صحة الحديث هذا نصه عن رسول الله ﷺ قال (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) فما مدى صحة هذا الحديث جزاكم الله خيرا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديثٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يجوز للإنسان أن ينشره بين الناس لا بالكتابة ولا بالقول إلا إذا كان الحديث مشهورًا بين الناس وأراد أن يتكلم ويبين أنه موضوع فهذا طيب وأما إذا لم يكن مشهورًا بين الناس فالإعراض عنه أولى حتى لا ينتشر بين الناس وهو ليس صحيحًا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ما صحة الحديث الذي يقول (من تصبح بسبع تمرات لا يضره سحرٌ ولا سم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا حديثٌ صحيح إذا تصبح الإنسان بسبع تمرات فإنه لا يصيبه ذلك اليوم سمٌ ولا سحر ولكن في بعض ألفاظ الحديث أن هذه التمرات قيدت بتمر العجوة وفي بعضها قيدت بتمر العالية فمن العلماء من قال إنه يتقيد بهذا التمر وليس ذلك ثابتًا لكل تمر ومنهم من أخذ بالحديث المطلق وهو أن أي تمرٍ يتصبح به الإنسان فإنه إذا تصبح بسبع تمرات لا يصيبه في ذلك اليوم سمٌ ولا سحر وعلى كل حال فالإنسان إذا أفطر بهذه السبع يعني تصبح بها فإن كان الحديث مطلقًا حصل له ذلك وإن لم يكن مطلقًا وكان مقيدًا بتمر العجوة أو بتمر العالية فإن هذه السبع لا تضره ونحن قلنا أنه إذا كان التصبح بسبع تمرات ليس على الإطلاق فإنه لا يضره بناءً على أن اللفظ المطلق يجب الأخذ بإطلاقه ويكون اللفظ المقيد إذا كان مطابقًا للمطلق في حكمه ليس ذلك على سبيل القيد وإنما هو ذكرٌ لبعض الأفراد بخلاف من أراد أن يتخذ شيئًا سنة ولم يرد به نص فإنه لا يوافق على هذا ولكن هذا قد ورد فيه نصٌ محتمل فنحن نقول ما دام النص محتملًا فإن كان الإنسان بأكله التمرات السبع موافقًا لما أراده رسول الله ﷺ فذاك وإن لم يكن موافقًا فإنه لا يضره. ***
ما صحة حديث (الساعي على الأرملة والمسكين له أجر شهيد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعلم عنه لكن جاء في حديثٍ آخر (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله قال الراوي وأحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) . ***
ما صحة حديث (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم عن صحته بهذا اللفظ لكن لا شك أن التائب من الذنب إذا كانت التوبة نصوحًا فإن هذا الذنب لا يؤثر عليه بل ربما يزداد إيمانًا وعملًا صالحًا بعد التوبة ويكون بعد التوبة خيرًا منه قبلها ألا ترى إلى قول الله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) وكل هذه من الكبائر العظيمة شرك وقتل نفس عمدًا بغير حق وزنى ففيها اعتداء على حق الله بالشرك وعلى حق المخلوق بالنفس وعلى حق المخلوق بالعرض ومع ذلك يقول. يقول تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ألا ترى إلى آدم حيث حصل منه ما حصل بأكل الشجرة التي نهاه الله ﷾ عن أكلها قال الله تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) فحصل له الاجتباء والتوبة والهداية والتوبة من الذنوب واجبة وتجب المبادرة بها لئلا يحضر الإنسان أجله فلا تنفعه التوبة ويحسن بنا أن نذكر شروط التوبة النصوح فنقول التوبة النصوح لها خمسة شروط الشرط الأول الإخلاص لله تعالى بها بحيث لا يحمله على التوبة الخوف من الناس أو مراءاة الناس أو الوصول إلى منصب أو ما أشبه ذلك فتكون توبته لله ﷿ فرارًا من عقابه ورجاءً لثوابه الشرط الثاني الندم على ما وقع منه من الذنب بحيث يشعر في نفسه تحسرًا وغمًا لما حصل منه حتى ينكسر قلبه لله ﷿ وتخضع نفسه لله وتذل لله ﷿ بندمه على ما صدر منه الشرط الثالث الإقلاع عن الذنب فلا توبة مع الإصرار على الذنب بل التوبة مع الإصرار على الذنب نوعٌ من السخرية فإذا أراد الإنسان مثلًا أن يتوب من الربا ولكنه يمارس الربا مستمرٌ عليه فإن دعواه التوبة منه كذب وهي إلى الاستهزاء بالله أقرب منه إلى تعظيم الله ولو أراد الإنسان أن يتوب من شرب الخمر ولكنه يمارس شرب الخمر فإن توبته لا تصح لأنه كيف يكون صادقًا في توبته وهو يفعل الذنب أراد أن يتوب من غيبة الناس ولكنه يغتابهم فالتوبة لا تصح لأنه لا بد أن يقلع عن الذنب أراد أن يتوب من غصب أموال الناس وأموالهم عنده ولم يردها عليهم فكيف تصح توبته الشرط الرابع العزم على أن لا يعود في المستقبل يعني بأن ينطوي قلبه على أنه لا يعود إلى هذا الذنب أبدا فإن قال إنه تائب وهو بنيته أنه متى سنحت له فرصة فعل هذا الذنب فإنه ليس بتائب بل لا بد من أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل فإن عاد في المستقبل بعد أن عزم أن لا يعود فإن توبته الأولى لا تفسد لكن لا بد من تجديد التوبة الشرط الخامس أن تكون قبل حضور الأجل فإذا بقي الإنسان مصرًا على المعصية حتى حضره الأجل فتاب فإنه لا يقبل منه ذلك لقول الله تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) وكذلك لا تصح التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لقول النبي ﷺ (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) فهذه الشروط الخمسة هي الشروط لكون التوبة نصوحًا مقبولة عند الله. ***
ما صحة الحديث القائل (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث) وما معنى ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث ومعناه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى أن تشد الرحال للسفر إلى مساجد غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسجد الأقصى الذي في فلسطين وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة لها من المزية والفضل ما ليس لغيرها فالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام وأخرج مسلمٌ هذا الحديث من طريقٍ آخر بلفظ (إلا مسجد الكعبة) أما المسجد الحرام وهو مسجد الكعبة فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة والمسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وهذه المزية ليست للمساجد الأخرى فلا تشد الرحال إليها وإذا كانت المساجد وهي بيوت الله لا تشد الرحال إليها بقصد مكانها إلا هذه المساجد الثلاثة فغير ذلك من باب أولى فلا تشد الرحال إلى المقابر ليعبد الله هناك وأشد من ذلك وأقبح أن يعتقد الإنسان أن للعبادة حول القبور أو بين القبور مزية على غيرها وليعلم أنه ليس من شد الرحل المنهي عنه أن يشد الرحال إلى بلدٍ لطلب العلم أو طلب الرزق أو لأجل أن يحضر خطبةً ينتفع بها أكثر من الخطب التي تلقى في بلده فإن هذا ليس شدًا للرحل إلى المسجد ولكنه شد رحلٍ إلى العلم وشد الرحل إلى العلم أمرٌ مطلوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) وقد التبست على بعض الناس هذه المسألة فظنوا أن الرجل إذا ذهب من بلدٍ إلى آخر من أجل أن يستمع إلى خطبة الخطيب في المسجد الذي شد الرحل إليه داخلٌ في هذا النهي وليس الأمر كذلك بل هذا كما قلت شد رحلٍ إلى العلم وشد الرحل إلى العلم لا يدخل فيما نهي الرسول ﵊ من شد الرحل إلى الأماكن. ***
المستمع حمود بن سليمان الجهني من المدينة المنورة يقول فضيلة الشيخ وجدت في أحد الكتب وفي أحد المساجد حديث من أدى فريضة في رمضان فذلك يعادل سبعين فريضة ومن أدى نافلة كمن أدى فريضة وفيما سواه ومن أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقبل منه القضاء ولو صام الدهر كله) وقرأت أن هذا الحديث ضعيف بينما أئمة المساجد يتحدثون بهذا الحديث بأنه صحيح وكذلك في الإذاعة فأرجو من فضيلة الشيخ إجابتي وإرشادي جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث المذكور كما ذكر الأخ السائل حديث ضعيف لكن بعض أهل العلم غفر الله لنا ولهم يتساهلون في الحديث إذا كان ضعيفا وهو في فضائل الأعمال ويقولون إن المقصود به الترغيب فإن كان صحيحا فهذا هو المطلوب وإن لم يكن صحيحا فإنه لا يضر لأنه يعطي الإنسان قوة في الطاعة إذا كان في الترغيب أو بعدا عن المعصية إذا كان في الترهيب ولكن القائلين بهذا يقولون لابد من ثلاثة شروط الأول أن لا يكون الضعف شديدا والثاني أن يكون لهذا الحديث أصل صحيح مثل أن يرد حديث في فضل صلاة الجماعة وهو ضعيف فهذا له أصل لأن الشرع حث على صلاة الجماعة والثالث أن لا يعتقد صحته إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ينسبه إلى الرسول ﷺ بصيغة الجزم بل يقول يروى أو يذكر أو ما أشبه ذلك لكن بعض العلماء المحققين قالوا لا يجوز رواية الضعيف وإلقاؤه بين الناس سواء تمت فيه هذه الشروط أم لم تتم وذلك لأن في ما صح عن النبي ﷺ كفاية وهذا أقرب إلى الصواب لأن الباب الأول لو فتح لم يميز الناس بين الضعيف الشديد الضعف والضعيف الخفيف الضعف ولتعلق الناس بأحاديث ضعيفة وحفظوها في صدورهم وأصبحت كالعقيدة عندهم وفي ما صح عن رسول الله ﷺ في فضائل الأعمال كفاية. ***
من جدة المستمع أبو زاهر يقول هل هذا حديث (صوموا تصحوا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم هو حديث لكنه ضعيف فلا عمل عليه. ***
ماصحة هذا الحديث (رحم الله امرأً عرف قدر نفسه) هل له أصل وهل هو وراد في الأحاديث فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم له أصلا لكن معناه صحيح لأن الإنسان إذا عرف قدر نفسه خضع لربه وقام بعبادته وعرف أنه لا غنى له عن ربه طرفة عين وإذا عرف نفسه عرف قدره بين الناس فتحمله هذه المعرفة على أن لا يتكبر عليهم ولا يحتقرهم لأن الكبرياء من كبائر الذنوب وغمط الناس من الأمور المحرمة ولهذا لما حذر النبي ﷺ من الكبر قالوا يا رسول الله كلنا يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا فقال ﵊ (إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس) فبطر الحق يعني رده وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم فإذا عرف الإنسان قدر نفسه عرف منزلته بين الناس ونزل نفسه منزلتها فتواضع لخلق الله ﷿ ومن تواضع لله رفعه الله ***
سمعت حديثًا في المذياع (أن أناسًا يأتون يوم القيامة بحسنات مثل الجبال فيمحوها الله قيل من هم يا رسول الله قال هم الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) فكيف يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين الحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره لا أعلم ما حاله ولا أدري عنه لكن ثبت عن النبي ﵊ أنه قال (من تعدون المفلس فيكم قالوا من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا ولا متاع فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار) هذا هو الذي ثبت عن النبي ﷺ أما ما ذكره السائل فلا أعلم عن حاله وأما (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فنعم كل الأمة معافاة إلا المجاهر في المعصية فيأتي بها جهارًا أمام الناس أو أتى بها سرًا ثم جعل يحدث بها لأن الإنسان لا يجوز له الجهر بالمعصية لا سرًا ولا جهرًا فإذا فعلها سرًا وستر الله عليه فإنه لا ينبغي أن يكشف ستر الله بل يتوب الى الله ﷿ فيما بينه وبين ربه ويكون ذلك اسلم لعرضه وأبرأ لسمعته. ***
ما صحة حديث (من شغله القرآن عن مسألة الله أعطاه الله أفضل مما يعطي السائلين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا ضعيف (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) لأن مسألة الله تعالى من عبادته كما قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فالإنسان مأمور بالذكر ومأمور بالدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر. ***
ورد في معنى الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب) ما صيغة ذلك الاستغفار فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا هذا الحديث ضعيف ولكن معناه صحيح لأن الله تعالى قال (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وقال تعالى عن هود (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ومن كل هم فالحديث ضعيف السند لكنه صحيح المعنى. ***
ماصحة حديث (من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار) نرجو التفصيل وكيف يكون الكتمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتمان العلم يكون بإخفائه حين تدعو الحاجة إلى بيانه والحاجة التي تدعو إلى بيان العلم بالسؤال إما بلسان الحال وإما بلسان المقال فالسؤال بلسان الحال أن يكون الناس على جهل في دين الله بما يلزمهم في الطهارة في الصلاة في الزكاة في الصيام في الحج في بر الوالدين في صلة الأرحام فيجب حينئذٍ بيان العلم أو بلسان المقال بأن يسألك إنسان عن مسألة من مسائل الدين وأنت تعرف حكمها فالواجب عليك أن تبينها ومن كتم علمًا مما علمه الله فهو على خطر عظيم قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) وليعلم طالب العلم أنه كلما بيَّن العلم ازداد هذا العلم فإن العلم يزيد بزيادة نفسه قال الله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) . ***
ما مدى صحةحديث (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح (إن الله تعالى تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وهو شامل لكل شيء لأن حديث النفس لا يستقر فإن استقر في القلب واطمأن الإنسان إليه واعتقده صار عملًا لكنه عمل القلب ليس عمل جوارح أما مجرد حديث النفس مثل الوساوس والهواجيس التي لا يركن إليها الإنسان ولا يعتمدها ولا يعتقدها ولا يقر بها فإن الإنسان لا يؤاخذ عليها وهذا من تخفيف الله ﷾ على هذه الأمة لأن الإنسان لا يخلو أحيانًا من مثل هذه الأحاديث النفسية. ***
(من شرب الخمر فقد كفر بما أنزل الله تعالى على أنبيائه ومن سلم على شارب الخمر أو صافحه أحبط الله تعالى عمله أربعين سنة) هل هذا حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بحديث ولا يصح عن النبي ﷺ لكن شرب الخمر محرم بإجماع المسلمين الاجماع الذي ينبني على الكتاب والسنة فقد قال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه قال (كل مسكر حرام) وأنه قال (ما أسكر من الفرق أي الإناء الواسع الكبير فملء الكف منه حرام) و(ما أسكر كثيره فقليله حرام) فلا يجوز للإنسان شرب الخمر بإجماع المسلمين المبني على الكتاب والسنة وقد ورد التحذير من شربه بأن من شربه في الدنيا لم يشربه في الآخرة وأما السلام على شارب الخمر فإنه ينظر فيه فإن كان هجره سببًا لصلاحه وتركه الخمر فليهجر وإن كان لا يستفيد من الهجر شيئًا بل ربما يزداد في طغيانه فإنه لا يهجر. ***
(إذا كنت في صلاة فدعاك أبوك فأجبه وإن دعتك أمك فأجبها) هل هذا حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بحديث ولكنه حكم من الأحكام فإذا دعا المصلى أبوه أو أمه فإن كان في صلاة فريضة فإنه لا يجوز له أن يجيبهما بالكلام أو بعبارة أعم فإنه لا يحل له أن يجيبهما بما تبطل به الصلاة لأن صلاة الفريضة يجب إتمامها اللهم إلا أن يضطر إلى ذلك لإنقاذهم من هلكة فحينئذٍ يجب عليه أن يقطع الصلاة ويقوم بما يجب وأما إذا كانت الصلاة نافلة ودعاه أبواه أو أحدهما فإنه ينظر إن كان يخشى إذا لم يجبهما أن يقع في نفوسهما شيء فليجب وليستأنف الصلاة بعد ذلك وإذا كان يعرف أن أبويه إذا علما أنه يصلى لم يكن في نفوسهما شيء فليعمل ما يبين لهما أنه في صلاة حتى يعذراه مثلًا لو ناداه أبوه أو أمه وهو يصلى فتنحنح أو رفع صوته بالقراءة حتى يعلم أبوه أو أمه أنه في صلاة فيقتنعا بذلك لكن بعض الوالدين لا يقتنع بهذا حتى ولو كان أبنه في صلاة فإنهما يريدا منه أن يجيبهما وفي هذه الحال كما قلت يقطع صلاته ويجيب دعوتهما. ***
م. ع. ج. تقول ما معنى هذا الحديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لأخرتك كانك تموت غدًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول المشهور لا يصح عن النبي ﷺ فهو من الأحاديث الموضوعة ثم إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور الدنيا والتهاون بأمور الآخرة بل معناه على العكس وهو المبادرة والمسارعة في إنجاز أعمال الآخرة والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا لأن قوله اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا يعني أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غدًا والذي لا ينقضي غدًا ينقضي بعد غدٍ فاعمل بتمهل وعدم تسرع لو فات اليوم فما يفوت اليوم يأتي غدًا وهكذا أما الأخرة فاعمل لأخرتك كأنك تموت غدًا أي بادر بالعمل ولا تتهاون وقدر كأنك تموت غدًا بل أقول قدر كأنك تموت قبل غد لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت وقد قال ابن عمر ﵄ (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) هذا هو معنى هذا القول المشهور إذًا فالجواب أن هذا لا يصح عن رسول الله ﷺ وأن معناه ليس كما يفهمه كثير من الناس من إحكام عمل الدنيا وعدم إحكام عمل الآخرة بل معناه المبادرة في أعمال الآخرة وعدم التأخير والتساهل فيها وأما أعمال الدنيا فالأمر فيها واسع ما لا ينقضي اليوم ينقضي غدًا وهكذا. ***
هدى من الطائف تقول فضيلة الشيخ تسأل هل ثبت عن النبي ﷺ الحديث الشريف (أنت مع من أحببت) وإذا ثبت فكيف نكون مع الأنبياء والشهداء الذين نحبهم وقد فضلوا علينا كثيرًا ونحن أقل منهم في العمل وفي الفضل وفي المنزلة بكثير جدًا أرجو بهذا توجيهي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ثبت عن النبي ﵊ أنه سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال النبي ﵊ (المرء مع من أحب) والمعية لا تقتضي المساواة المعية تدل على مطلق المصاحبة ولا يلزم أن يكون مساويًا له في الدرجة وفي الأجر والثواب أرأيت لو قلت فلان مع فلان في الحجرة لكن أحد الرجلين يجلس على كنب مستريحًا وتقدم له الأكلات الطيبة الشهية والآخر يجلس على حصير وتقدم له أكلات مناسبة فهنا هما معًا في مكان واحد لكن يختلف كل واحد عن الآخر فإذا كان المرء مع من أحب فالمعنى أنه معهم مصاحب لهم ولكنه لا يلزم من هذه المصاحبة والمعية أن يكونوا سواء في الثواب. ***
مامعنى قول الرسول ﷺ (فضل العالم على الجاهل يوم القيامة كفضلي على سائر الناس) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أن هذا الحديث ضعيف ولكن لا شك أن العالم لا يساويه الجاهل بأي حال من الأحوال لقول الله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أما أن يفضله بهذا المقدار المعين فإن الحديث في ظني ضعيف ولم أكن أحرره والله أعلم. ***
عودة مرعي يعمل بالاتصالات السعودية يقول قرأت في كتاب مختار الأحاديث النبوية تأليف السيد أحمد الهاشمي ﵀ حديثا رواه ابن ماجه (من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها أو لم يبارك له فيه) السؤال ما صحة هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث شواهد الشريعة تدل على أنه ليس بصحيح لأن الإنسان إذا باع بيته فإنه يتصرف في ثمنه بما شاء لأنه ملكه سواء اشترى به بدله أو حج به أو بذله في إعانةٍ على طلب العلم أو غير ذلك مما أباح الله له. ***
ع. ع. ف. من السودان أبو سليم تقول ورد عن الرسول ﷺ أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم فهل هذا صحيح وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر أو ماذا يقولون والرسول ﷺ لم يمنعهم ولكنه فضل حلقة العلم وهل يعتبر هذا دليلًا على أن حلق الذكر الجماعي بدعة مع أن الرسول ﷺ في هذا الحديث إن كان صحيحًا لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته ولا أظنه يصح عن النبي ﷺ ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه وأما الذكر فإن الاجتماع أيضًا على الذكر لا بأس به ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية يجتمعون جميعًا ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك إنما لو اجتمعوا على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له ثم يديرون القراءة بينهم فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه. ***
ماصحة هذا الحديث قال الرسول ﷺ (من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ضعيف لا يصح. ***
هل هناك أحاديث واردة في سورة الواقعة بأنها تفرج عن الفاقة عند قراءتها في كل مساء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد حديث لكنه ضعيف. ***
ما صحة الحديث: قال الرسول ﷺ (من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديث ضعيف. ***
ما صحة هذا الحديث: (ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الشرك تقرؤون قل ياأيها الكافرون عند منامكم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح فلم يثبت استحباب قراءة يا أيها الكافرون عند المنام وأما كون هذه السورة إخلاصا فهو صحيح فإن فيها نفي عبادة غير الله ونفي التعبد بغير ما شرع الله قال الله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ*وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ*وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ*لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ففي هذه الآية البراءة من الشرك وأهله وهذا خالص التوحيد ولهذا تسمى هذه السورة مع سورة قل هو الله أحد سورتي الإخلاص لأن في هذه السورة قل يا أيها الكافرون إخلاص العبادة وفي قل هو الله أحد إخلاص المعبود. ***
ماصحة هذا الحديث قال الرسول ﷺ (من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله تعالى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف ويجب التنبيه على أن كثيرا من الأحاديث التي وردت في فضائل بعض السور أو بعض الآيات ضعيفة أو قد تصل إلى حدِّ الوضع كذلك يجب التنبه لهذا وأن يعرض الإنسان هذه الأحاديث على أهل العلم بالحديث حتى يتبين الصحيح من الضعيف. ***
عن أبي هريرة ﵁ قال رسول الله ﷺ (من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) متفق عليه. هل هذا الحديث صحيح ومن هم أصح الرواة في أحاديث الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أن من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر لأن فضل الله واسع وعطاؤه جل وعلا أحب إليه من منعه والحديث متفق عليه كما قال السائل أي رواه البخاري ومسلم وأزيد القاري فائدة وهي قول الرسول ﵊ في الحديث الصحيح الذي ختم به البخاري صحيحه (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فأكثر منها أخي المسلم سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فإنهما كلمتان فيهما هذه الفوائد العظيمة حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان ولا يشقان على أحد لأنهما خفيفتان على اللسان. ويقول السائل ما هو أصح الأحاديث فنقول له أصح الأحاديث ما اتفق عليه الأئمة كالبخاري ومسلم وأبي داود الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والإمام مالك وما أشبه ذلك فإذا اتفق هؤلاء عليه فهو أصح ما يكون ثم عند الانفراد نقول أصحها البخاري ثم مسلم فما اتفقا عليه فهو أصح وما انفرد به البخاري فهو أصح مما انفرد به مسلم ثم ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان على شرط مسلم وهكذا يرتبها أهل العلم في مرتبة القوة والضعف. ***
ما صحة هذا الحديث (إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم لكنه ضعيف لا تقوم به حجة والمسبل إزاره وإن قبلت صلاته فهو آثم بل إثمه كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي ﵌ توعّد ما كان أسفل من الكعبين بالنار فقال ﵊ (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي ما كان أسفل من الكعبين فإنه في النار أي يعذب به صاحبه على قدر ما نزل من ثوبه والتعذيب هنا التعذيب الجزئي للمكان الذي وقعت فيه مخالفة وليس تعذيبا للبدن كله فالتعذيب المجزأ أمر واقع ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﵌ قال (ويل للأعقاب من النار) لمّا رأى بعض أصحابه توضؤوا وخففوا غسل الأقدام قال (ويل للأعقاب من النار) فجعل النبي ﵌ الوعيد على ما حصلت فيه المخالفة فقط أما إذا جر ثوبه خيلاء فإنّ الأمر أشد وأعظم قال النبي ﵊ (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال أبو ذر وهو راوي الحديث خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال (المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وفي حديث آخر أنّ النبي ﵌ قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فالعقوبة في جرّ ثوب الخيلاء أشدّ وأعظم وعلى هذا فمن أسبل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين فهو آثم بكل حال ولكنه إن كان خيلاء فعليه هذا الوعيد الشديد وقد تهاون بعض الناس في هذا الأمر فعلى إخواني الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله ﷿ مما صنعوا وأن لا يبدلوا نعمة الله كفرا بها بل يشكروه على ما يسر لهم من اللباس ويستعملوه على الوجه الذي ليس فيه سخط الله ﷿ وقد جاء شاب من الأنصار إلى عمر بن الخطاب ﵁ حين طعن جاء إليه يعوده فلما ولىّ هذا الشاب إذا إزاره قد نزل فقال له يا ابن أخي (ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك) فأمره عمر ﵁ بأن يرفع ثوبه وبيّن له فائدتين عظيمتين فائدة دينيه وهي التقوى وفائدة دنيوية وهي بقاء الثوب لئلا تأكله الأرض بحكه عليها. ***
ما مدى صحة هذا الحديث وما المقصود به (لعن الله الواصلة والمستوصلة إلى آخره) فما المقصود من هذا الحديث وهل يقصد به الشعر المصنوع من الشعر الذي سقط أو الشعر المصنوع من الألفاف وغيرها من المصنوعات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواصلة هي التي تصل رأس غيرها والمستوصلة هي التي تطلب أن يفعل ذلك بها ووصل الشعر شعر الرأس بالشعر محرم بل هو من الكبائر لأن النبي ﷺ لعن من فعله ووصل الشعر بغير شعر اختلف فيه أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يجوز لأن النبي ﷺ (نهى أن تصل المرأة بشعرها شيئًا) وكلمة (شيئًا) عامة تشمل الشعر وغيره وعلى هذا فالشعور المصنوعة التي تشبه الشعور التي خلقها الله ﷿ لا يجوز أن توصل بالشعور التي خلقها الله ﷾ بل هي داخلة في هذا الحديث والحديث فيه الوعيد الشديد على من فعل ذلك لأن الرسول ﷺ (لعن الله الواصلة والمستوصلة) واللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله وقد ذكر أهل العلم أن كل ذنب رتب الله تعالى عليه عقوبة اللعن فإنه يكون من الكبائر. ***
ما رأي الشرع في نظركم في زواج الشغار وهل الحديث الذي يقول (لا شغار في الإسلام) صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في نكاح الشغار أنه حرام لنهي النبي ﷺ عنه كما في حديث ابن عمر وكما في الحديث الذي أشار إليه السائل حيث قال (لا شغار في الإسلام) والشغار أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته بدون مهر أو يسمَّى لهما مهر قليل على سبيل الحيلة وإنما كان الشغار محرمًا باطلًا لأن الله تعالى قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) فجعل الله تعالى حل المرأة مشروطًا بدفع المال وهكذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه (نهى عن نكاح الشغار) . ***
راشد علي الحربي يقول سمعت حديثًا عن المصطفى ﷺ قال (أنت ومالك لأبيك) وقد سمعت بأن في هذا الحديث ضعفًا ما صحة هذا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الصحيح أنه ليس بضعيف وأنه حجة وأن الإنسان وماله لأبيه ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان له مال فإن لأبيه أن يتبسط بهذا المال وأن يأخذ منه ما شاء لكن بشروط: الشرط الأول ألا يكون في أخذه ضرر على الابن فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه فإن ذلك لا يجوز للأب. الشرط الثاني ألا تتعلق به حاجة الابن فلو كان عند الابن أمة يتسراها فإنه لا يجوز للأب أن يأخذها لتعلق حاجة الابن بها وكذلك لو كان للابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها فليس للأب أن يأخذها في مثل هذه الحال. والشرط الثالث ألا يأخذ المال من أحد أبنائه ليعطيه لابن آخر لأن في ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء ولأن فيه تفضيلًا لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجًا فإن كان محتاجًا فإن إعطاء الأب أحد ابنائه لحاجته دون إخوته الذين لا يحتاجون ليس فيه تفضيل بل واجب عليه على كل حال هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به ولكنه مشروط بما ذكرنا فإن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده ما يضره وليس له أن يأخذ من مال ولده ما يحتاجه الابن وليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولدًا آخر والله أعلم. ***
عصام محمد محمود سليم من العراق محافظة نينوى يقول ماصحة هذا الحديث وما معناه (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث معناه أن الرسول ﷺ (نهى أن يبرك الإنسان في سجوده كما يبرك البعير) لأن الله تعالى فضل بني آدم على الحيوانات ولاسيما في العبادة التي هي من أجل العبادات وهي الصلاة فتشبه الإنسان بالبهائم مخالف لمقصود الصلاة ومخالف للحقيقة التي عليها بنو آدم والتفضيل على البهائم والحيوانات ولهذا لم يذكر الله تعالى مشابهة الإنسان للحيوان إلا في مقام الذم كما في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) وكما في قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وكما في قوله ﷺ (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) وكقول ﷺ (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) فالتشبه بالحيوان في أداء العبادة يكون أشد وأعظم والبعير إذا برك كما نشاهده يبدأ بيديه فأول ما يصل يديه ويخر عليهما ثم يكمل بروكه فنهى النبي ﷺ الساجد أن يبرك كما يبرك البعير وذلك بأن يقدم يديه قبل ركبتيه فإذا قدم يديه قبل ركبتيه في حال السجود فقد برك بروك البعير وعلى هذا يكون المشروع أن يبدأ بركبتيه قبل يديه كما روي ذلك عن النبي ﷺ من فعله أنه كان يسجد على ركبتيه ثم يديه كما أن هذا الموافق للنزول باعتبار البدن فتنزل الأسافل أولًا بأول كما ترتفع الأعالي أولًا بأول فلهذا عند النهوض من السجود يبدأ بالجبهة والأنف ثم باليدين ثم بالركبتين وفي النزول كذلك يبدأ بالأسفل بالركبتين ثم باليدين ثم بالجبهة والأنف وأما قوله في الحديث (وليبدأ بركبتيه قبل يديه) فهذا مما انقلب على الراوي كما حقق ذلك ابن القيم في زاد المعاد وكما هو ظاهر من اللفظ لأنه لو قدر أن الحديث ليس فيه انقلاب لكان آخره مخالفًا لأوله لأنه إذا بدأ بيديه قبل ركبتيه فإنه قد برك كما يبرك البعير والنهي لا يبرك كما يبرك البعير مقدم على المثال لأن النهي محكم والتمثيل قد يقع فيه الوهم من الراوي وحينئذ فنقول صواب الحديث وليبدأ بركبتيه قبل يديه ليكون المثال مطابقًا للقاعدة وهي النهي عن البروك كما يبرك البعير فإن قال قائل إن البعير يبرك على ركبتيه لأن ركبتيه في يديه فإذا وضع الإنسان ركبتيه قبل يديه فقد برك على ما يبرك عليه البعير قلنا نعم ركبتا البعير في يديه ولا إشكال في ذلك ولكن الرسول ﷺ لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول إنك إذا بدأت بالركبتين عند السجود فقد بركت على ما يبرك عليه البعير وهو الركبتان وإنما قال ﷺ (كما يبرك البعير) فالنهي عن الكيفية والصفة وليس عن العضو المسجود عليه وبهذا يتبين جليًا أن حديث أبي هريرة ﵁ في النهي عن البروك كبروك البعير موافق لحديث وائل بن حجر المروي عن النبي ﷺ أنه (كان يبدأ بركبتيه قبل يديه) والله أعلم. ***
من الزبير البصرة ف. أ. ف. يسأل عن هذا الحديث عن ابن عباسٍ ﵁ عن النبي ﷺ قال (أقام رسول الله ﷺ تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة) فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإذا زدنا أتممنا ما صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري وغيره وذلك (أن رسول الله ﷺ فتح مكة في رمضان وأقام فيها تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة وأفطر أيضًا بقية الشهر) لأنه فتحها في آخر الشهر ذكروا أنه فتح مكة يوم الجمعة الموافق العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ولم يصم بقية الشهر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أيضًا يقول ابن عباس نحن إذا أقمنا تسعة عشر يومًا قصرنا وإذا زدنا أتممنا وهذا رأيه ﵁ في المدة التي ينقطع بها حكم السفر بالنسبة للمسافر والعلماء مختلفون في هذه المسألة أي فيما إذا أقام المسافر متى ينقطع حكم السفر في حقه على أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي ﵀ في شرح المهذب وهذا يدل على أنه ليس هناك سنةٌ صحيحةٌ صريحة في تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر والمسألة مسألةٌ اجتهادية وليس هذا موضع ذكر آراء العلماء في ذلك لكن كأن السائل والله أعلم أشكل عليه ما قاله ابن عباس ﵄ مع المشهور بين الناس في أن المدة التي ينقطع بها حكم السفر خلاف ما قاله ابن عباس ﵄ من ولكن ليعلم السائل أن هذه من مسائل الخلاف. ***
فوزي عبد الحميد حسن مصري الجنسية ومقيم بعمان الأردن يقول ما مدى صحة الحديث القائل فيما معناه (من بر الوالدين بعد مماتهما أن تصلى لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ ولكن من بر الوالدين بعد مماتهما أن تستغفر لهما وتدعو الله لهما وتكرم صديقهما وتصل الرحم التي هم الصلة بينك وبينها هذا من بر الوالدين بعد موتهما وأما أن تصلى لهما مع صلاتك الصلاة الشرعية المعروفة أو أن تصوم لهما فهذا لا أصل له. ***
من مصر المستمع شريف عبد القادر يقول مامعنى حديث عن عطاء بن يسار ﵁ قال: أتى رجل النبي ﷺ ذات يوم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه ﷺ كأنه أمره بإصلاح شعره ففعل ثم رجع فقال ﷺ (أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) أخرجه مالك السؤال ما القصد بهذا الحديث وهل هذا الحديث عن الرسول ﷺ نرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث كما ساقه السائل مرسل فإن عطاء بن يسار لم يدرك النبي ﷺ والحديث المرسل عند أهل العلم من قسم الضعيف إذ أن المرسل لا يقبل حتى يأتي موصولًا من وجه آخر أو يكون الحديث المرسل مشهورًا معمولًا به ومتلقى بالقبول من الأمة فإن هذه الشهرة والعمل وتلقيه بالقبول يجعله ثابتًا أو يكون له شاهد متصل من حديث آخر يتقوى به أما إصلاح الشعر من حيث هو إصلاح فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرجل شعره وأنه ﵊ يبدأ بيمينه كما قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله) وينبغي أن يكون تسريح الشعر وترجيله غبًا أي يومًا بعد يوم اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ترجيله كل يوم كما لو كان الإنسان يزاول أعمالًا تقتضي الشعث والغبرة ويحب أن يرجله كل يوم ونحن نتكلم عن الشعر الذي ينبغي اتخاذه وأما ما يفعله بعض الناس من اتخاذ الشعر على وجه لا يقره الشرع فإننا ننهاه أصلًا عن اتخاذ الشعر على كيفية لا يقرها الشرع. ***
من الجزائر ب عثمان يقول ما صحة الحديث (العين حق) وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين وكيف تصيب العين الإنسان وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث صحيح والعين حق والواقع يشهد بذلك والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله فهو أي العائن شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله ﷿ والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن أن يبرك على من رآه متنعمًا الله فيقول اللهم بارك على فلان وما أشبه ذلك من الكلمات التي تطمئن نفسه وتكبت ما فيها من حسد وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك أن يكثر من قراءة الأوراد صباحًا ومساء كآية الكرسي وسورة الإخلاص وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وغيرها مما جاءت به السنة هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين أو يحثو منه فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب أو يحثو منه أو يجمع بين الأمرين وبذلك يزول أثر العين.
فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها. ***
خ. و. خ. تقول ماصحة هذا الحديث سئل رسول الله ﷺ سؤالًا من وفد اليمن قالوا له نجد في أنفسنا أشياء نتعاظم أن نقولها فقال لهم (ذلك هو الإيمان) فإذا جاءك خاطر يضايقك التفكير منه وتبعده عن ذهنك فهذا هو الإيمان وعليك بالاستمرار بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هل هذا الحديث يا فضيلة الشيخ صحيح وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه لكن ورد معناه في أكثر من حديث عن رسول الله ﷺ في الخواطر التي يلقيها الشيطان في قلوب ابن آدم وأن الإنسان يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء أو أن يكون حممة أي فحمة ولا يتكلم به فقال النبي ﷺ (أوجدتم ذلك قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان) يعني ذلك خالص الإيمان وهذا يدل على أن هذه الوساوس لا تؤثر في الإيمان ولا تخدشه ولا تنقصه ذلك لأنها وساوس يلقيها الشيطان في قلب الإنسان إذا علم منه أنه مؤمن حقًا ليفسد بذلك إيمانه ويوقعه في الشكوك والشبهات أما إذا كان القلب مريضًاَ فإن الشيطان لا يتسلط عليه بمثل هذا الأمر وإنما يتسلط عليه من نواح أخرى كالسلوك والمعاملات السيئة وما أشبه ذلك المهم أن الرسول ﵊ لما شكا إليه الصحابة عما يجدونه في نفوسهم من مثل هذه الوساوس أرشدهم إلى أمرين قال (فليستعذ بالله ولينته يستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإن ملجأ الإنسان هو ربه ﷿ الذي بيده ملكوت السماوات والأرض فإذا أحسست بمثل هذه الوساوس فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي اعتصم بالله ﷿ من الشيطان الرجيم والأمر الثاني الذي أرشد إليه الرسول ﵊ في هذه الحال أن ينتهي أي أن ينتهي من وقع في قلبه من هذه الوساس عن التفكير فيها أو الركون إليها فيدعها ويلتفت إلى شؤونه إلى عبادته إلى معاملاته مع أهله إلى معاملاته إلى من يتعامل معه ويتناسى هذا بالكلية وبهذا تزول هذه الوساوس والشكوك ويبقى القلب صافيًا لاتؤثر فيه هذه النزغات التي تأتي من عدوه الشيطان قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . ***
عن عثمان بن حنيف ﵁ أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ (فقال يا رسول الله أدع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فأنطلق فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم فشفعه) ما صحة هذا الحديث وما معناه يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من قال إنه حسن ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ فإن هذا الحديث معناه أن النبي ﷺ أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ ويصلى ركعتين ليكون صادقًا في طلب شفاعة النبي ﷺ له وليكون وضوؤه وصلاته عنوانًا على رغبته في التوسل بالنبي ﷺ والتوجه به إلى الله ﷾ فإذا صدقت النية وصحت وقويت العزيمة فإن النبي ﷺ يشفع له إلى الله ﷿ وذلك بأن يدعو النبي ﷺ له فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ إنه قال (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه) فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي ﷺ أن يدعو الله له لأن هذا الطلب نوع شفاعة أما الآن وبعد موت النبي ﷺ فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي ﷺ لأحد بعد الموت كما قال ﷺ (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت بل الدعاء عبادة كما قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولهذا لم يلجأ الصحابة ﵃ عند الشدائد وعند الحاجات إلى سؤال النبي ﷺ أن يدعو الله لهم بل قال عمر ﵁ حين قحط المطر اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا وطلب من العباس ﵁ أن يدعو الله بالسقيا فدعا فسقوا وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله ﷺ بعد موته أن يدعو لأحد لأن ذلك غير ممكن لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته ﷺ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي ﷺ أن يدعو له بعد موته أي موت النبي ﷺ فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبي ﷺ نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي حرم الله على من اتصف به الجنة قال الله تعالى (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) وقال الله ﷿ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) وقال تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فالمهم أن من دعا رسول الله ﷺ بعد وفاته أو غيره لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركًا أكبر مخرجًا عن الملة وعليه أن يتوب إلى الله ﷾ وأن يوجه الدعاء إلى العلي القدير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة وربما يكون رميمًا قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه ويَدَعون دعاء الله ﷿ الذي هو كاشف الضر وجالب النفع والخير مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وقال تعالى منكرًا على من دعاء غيره (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعًا إلى صراط مستقيم ***
ورد عن النبي ﷺ والراوي عثمان بن حنيف أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ فقال (يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلق فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ) ما صحة هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من أنكره وقال إنه لا يصح عن النبي ﷺ ومنهم من قال إنه صحيح وعلى تقدير صحته فإنه ليس من باب التوسل بذات النبي ﷺ ولكنه من باب التوسل بدعائه بدعاء النبي ﷺ كما هو ظاهر ولكن أمره النبي ﷺ أن يصلى ركعتين تمهيدًا وتوطئة لاستجابة الله ﷾ لشفاعة النبي ﷺ فيه لأنه كلما تحقق الإيمان في الشخص كان أقرب إلى نيل شفاعة الرسول ﷺ ولهذا في هذا الحديث يقول يا رسول الله يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فإن قوله يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي يخاطب النبي ﷺ وهذا يدل على أن رسول الله ﷺ كان حاضرًا وأن هذا طلبًا من النبي ﷺ أن يشفع فيه إلى الله ﷿ ثم سأل الله ﷿ أن يقبل هذه الشفاعة وقال اللهم شفعه في وهذا لا يكون دليلًا على التوسل بذات الرسول ﷺ وإني بهذه المناسبة أقول إن التوسل إلى الله ﷾ بالدعاء على نوعين نوع جائز ونوع ممنوع والجائز على عدة وجوه: الوجه الأول أن نتوجه إلى الله تعالى بأسمائه. والثاني أن نتوجه إلى الله تعالى بصفاته. والثالث أن نتوجه إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله. والرابع أن يتوجه إلى الله تعالى بالعمل الصالح. والخامس أن يتوجه إلى الله تعالى بذكر حاله وفقره إلى ربه. والسادس أن يتوجه إلى الله ﷿ بدعاء من ترجى إجابته أما الأول وهو التوجه إلى الله تعالى بأسمائه فقد يكون باسمٍ خاص وقد يكون بالأسماء عمومًا ففي حديث ابن مسعود ﵁ الحديث المشهور (أسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا من التوسل بالأسماء على سبيل العموم وقول السائل اللهم إني أسألك أن تغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم هذا من التوسل بالاسم الخاص المناسب لما تدعو الله به وهو داخلٌ في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأما التوسل بالصفات بصفات الله فقد يكون بصفاتٍ معينة وقد يكون بالصفات عمومًا فتقول اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن تغفر لي وقد يكون بصفةٍ خاصة مثل قولك اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي فتوسلت إلى الله بعلمه وقدرته وهنا صفتان خاصتان والتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ومثال التوسل بالعمل الصالح توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا أن يزحزحوا الصخرة التي سدت عليهم الباب فتوسل أحدهم إلى الله تعالى بكمال بره والثاني بكمال عفته والثالث بكمال وفائه بالعقد والقصة مشهورة ومثال التوسل بمثل حال الداعي مثل أن تقول اللهم إني فقير إليك ذليل بين يديك وما أشبه ذلك ومنه قول موسى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ومثال التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته توسل الصحابة ﵃ بدعاء النبي صلى الله عذه وسلم كما في حديث أنس أن رجلًا دخل يوم جمعة وأن النبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس ﵁ فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزع يعني ما في السماء سحابٌ واسع ولا قزع من الغيم وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي ﷺ من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه ثم بقي المطر أسبوعًا كاملًا فدخل الرجل أو رجلٌ آخر في الجمعة الأخرى والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير إلى النواحي ﵊ وما يشير إلى ناحيةٍ إلا انفرج السحاب عنها وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا من التوسل بدعاء من ترجى إجابته وفي الصحيح أيضًا من حديث عمر ﵁ أنه استسقى فقال اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا ابن عباس ادع الله فيدعو الله فيسقون هذه أصناف التوسل الجائز أما التوسل الممنوع فأن نتوسل بشيء ليس وسيلةً وليس سببًا في حصول المقصود مثل أن يتوسل بذات النبي ﷺ أو بجاه النبي ﷺ فإن التوسل بذاته أو بجاهه ليس سببًا في حصول المقصود لأنك إذا لم يكن لديك سببٌ يوصل إلى حصول المقصود لم ينفعك جاه رسول الله ﷺ عند ربه لأن جاهه إنما ينفعه هو صلوات الله وسلامه عليه ولهذا لم ينتفع أبو لهب بجاه النبي ﷺ ولا بذاته لأنه ليس لديه وسيلة تمنعه من عذاب الله وكذلك توسل أصحاب الأوثان بأوثانهم الذين قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا) فإن هذا التوسل لا ينفعهم بشيء لأنهم مشركون وإنني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على إتباع الآثار فيما يتوسلون به إلى الله وما أحسن الامتثال لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا خير ما يتوسل به المرء أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الدالة على صفاته العظيمة وعلى ذاته فهذا خير متوسلٌ به. ***
ما معنى هذا الحديث وهل هو صحيح (إن الله ﷾ يغضب يوم القيامة غضبًا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده) لماذا هذا الغضب فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا ورد في الحديث عن النبي ﷺ أما لماذا هذا الغضب فلا أعلم ذلك والله ﷾ أعلم بما يحدثه ﷾ في خلقه ***
فضيلة الشيخ في كتاب تنبيه الغافلين حديث يقول (من قال لا إله إلا الله من قلبه خالصًا صافيًا ومده بالتعظيم كفر الله عنه أربعة آلاف ذنب من الكبائر) هل هذا صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح والحديث عليه علامة الوضع ظاهرة وهذا الكتاب الذي أشار إليه السائل كتاب تنبيه الغافلين هو من كتب الوعظ التي يكون فيه الغث والسمين والصحيح والحسن والضعيف والموضوع وأصحاب هذه الكتب يأتون بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة عن حسن نية ليرققوا بذلك قلوب الناس ويخوفوهم من غضب الله ﷿ وهذه الطريق غير سديدة لأن غنى الناس بما في كتاب الله من المواعظ وبما صح عن رسول الله ﷺ منها كاف في إصلاح الخلق ولأن أهل الوعظ اقتصروا في وعظهم على ما جاء في كتاب الله وما صح في السنة عن رسول الله ﷺ لكان ذلك كافيًا ومجزئًا عن كل ما سواه (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًاَ) والقرآن الكريم كله موعظة وشفاء وبيان وهدى كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أما ما جاء في كتب الوعظ من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهو من العمل الصادر عن اجتهاد ولكنه ليس من العمل الذي يحمد عليه فاعله لكن يرجى له المغفرة والعفو من الله ﷿ مع حسن نيته ***
ما صحة حديث رواه الترمذي والحاكم ومعناه أن علي بن أبي طالب ﵁ كان ينفلت منه القرآن فجاء إلى النبي ﷺ وأخبره بذلك فقال الرسول ﷺ (صلِّ ليلة الجمعة أربعة ركعات تقرأ من الأولى الفاتحة وسورة يس وفي الثانية الفاتحة وسورة الدخان وفي الثالثة الفاتحة والسجدة وفي الرابعة الفاتحة وسورة الملك فإذا فرغت فاحمد الله وصل عليه واذكر هذا الدعاء وذكر دعاءً مطولًا قال الرسول ﷺ افعل ذلك ثلاث أو خمس أو سبع مرات تجب بإذن الله) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي ﵊ كما ذكر أهل العلم ولكن الذي يعين على حفظ القرآن وبقائه هو تعاهد القرآن كما أمر بذلك النبي ﷺ قال (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها) فإذا كنت تريد أن يبقى القرآن معك فأكثر من تلاوته بحسب ما تخشى على نفسك إذا كنت تخشى أن تنساه إلا أن تقرأه في ثلاثة أيام فاقرأه في ثلاثة أيام أو في سبعة أو عشرة المهم أن هذا يرجع إلى الشخص نفسه وبقاء حفظ القرآن يكون بتعاهد تلاوته واعلم أنك إذا تلوت القرآن فلك بكل حرف عشر حسنات ليس حسنةً واحدة بل عشر حسنات والإنسان يحب الخير ويحب كثرة الثواب أما هذا الحديث الذي ذكره فإنه لا يصح عن رسول الله ﷺ. ***
محمد أبو زهرة مصري يقول عن معقل بن يسار ﵁ أن رسول الله ﷺ قال (قلب القرآن يس ما قرأها رجلٌ يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له اقرؤها على موتاكم) ما مدى صحة هذا الحديث فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ وسورة يس استحب بعض العلماء قراءتها على المحتضر لحديثٍ آخر ورد في ذلك وفيه أيضًا نظر وهو قول الرسول ﵊ (اقرأوا على موتاكم يس) ومن المعلوم أن فضائل الأعمال سواءٌ كانت من القرآن أو من غيره لا يمكن أن يثبت بها حكمٌ شرعي إلا بدليلٍ صحيح وإن كان بعض العلماء ﵏ وعفا عنهم يرخص في الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال أو في الترهيب ولا يشدد فيها لكن الأولى أن يقتصر على ما صح عن رسول الله ﷺ ترغيبًا وترهيبًا والذين ذكروا إثبات الفضائل بالأحاديث الضعيفة اشترطوا ثلاثة شروط: ١. أن لا يكون الضعف شديدًا ٢. وأن لا يعتقد أن النبي ﷺ فعل ذلك ٣. وأن يكون لهذا العمل الذي رتب عليه هذا الفضل أصلٌ ثابت بطريقٍ صحيح قالوا فهذا قالوا فهذه الشروط تصور ذكر فضيلة العمل إن كان مطلوبًا أو الترهيب منه إن كان منهيًا عنه لأنه لم يدخل فيه حكمٌ شرعي غاية ما فيه أن النفس ترجو ما فيه من فضائل وتحذر من المساوئ. ***
يقول سمعت حديثًا من أحد الخطباء قال. قال رسول الله ﷺ (أتعرفون من هم أكثر الناس إيمانًا قالوا الملائكة قال وكيف لا يؤمنون وهم عند الله قالوا فهم الأنبياء قال وكيف لا يؤمنون وهم ينزل عليهم الوحي قالوا فنحن قال فكيف لا تؤمنون وبينكم رسول الله قالوا فمن هم قال هم قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أعلم عن صحته ولكن لا شك أن الذي يؤمن عن مشاهدة ونظر ورؤية ليس كالذي يؤمن بالغيب ولهذا قال النبي ﵊ ذات يوم (ليتنا نرى إخواننا قالوا يا رسول الله أو لسنا إخوانك قال أنتم أصحابي ولكن إخواني من يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني) هذا الحديث أو معناه وكل أحدٍ يعرف الفرق بين أن يؤمن الإنسان بشيء يشاهده وبين أن يؤمن بشيء يخبر عنه فإن المشاهدة عين يقين والإخبار علم يقين وبينهما فرق أما الحديث الذي ساقه السائل فلا أعلم عنه. ***
هل صحيح (أن رسول الله ﷺ كان إذا مشى لا يرى له ظل) نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل إن رسول الله ﷺ كغيره من البشر له ظل ويحتاج ما يحتاج إليه البشر من الأكل والشرب واللباس والدفء والبرودة وغير ذلك وقد ثبت في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة (أن رسول الله ﷺ كان لابسًا جبةً شامية في غزوة تبوك) (وكذلك كان يصب على رأسه الماء في أيام الصيف وهو صائم من العطش ليتبرد) وكذلك كان يجوع ويعطش ﵊ ويروى ويشبع ويحتاج إلى النوم فينام ويمرض ويبول ويتغوط وكل ما يعتري البشر من الأحكام البشرية فهو ثابتٌ له ﵊ وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) فقال (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) وقال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) فوصفهم بأنهم رجال فلهم ما للرجال وعليهم ما على الرجال أما الخصائص النبوية التي خص الله بها الأنبياء فلنبينا محمدٍ رسول الله ﷺ أكملها وأتمها. ***
عبد الله العربي من مصر يقول ماصحة القول (إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور) هل هذا حديث عن النبي ﷺ وإذا كان حديثًا فنرجو التوضيح له مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن السائل لم يضبط هذه الكلمة والذي أسمع عن هذه الكلمة أنهم يقولون إذا ضاقت الأمور فعليكم بأصحاب القبور يعني إذا ضاقت عليك الأمور فاذهب لأصحاب القبور وادعهم ليغيثوك وينجوك مما وقع بك ولا شك أن هذا الأمر شركٌ أكبر أي أن الإنسان يذهب إلى أصحاب القبور ليدعوهم لينجوه مما وقع به من البلاء لا شك أنه شركٌ أكبر يخرج الإنسان عن الإسلام موجبٌ للخلود في النار والعياذ بالله كما قال الله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فالدعاء لا يكون إلا لله ﷿ قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) فدعاء أصحاب القبور لا يجدي شيئًا بل هو يضر الإنسان ويخرجه من الإسلام فإن قال قائل إنه قد حدثت وقائع تدل على انتفاع الداعي بدعوة أصحاب القبور فيدعو الإنسان صاحب القبر في إنجائه من هلكة أو في حصول مطلوبٍ له فينجو من الهلكة ويحصل المطلوب فالجواب على ذلك أن نقول إن هذا الذي حصل إثر دعاء صاحب القبر لم يحصل بدعاء صاحب القبر قطعًا وإنما حصل عنده فتنةً له أي للداعي فإن الله تعالى قد يفتن الإنسان بشيء يستمر فيه الإنسان المفتون على معصية الله والله ﷾ حكيم وأما أن يحصل هذا الشيء أي النجاة من المكروب وحصول المطلوب بدعاء أصحاب القبور فهذا أمرٌ لا يمكن أبدًا لأن الله ﷾ أخبر بأن الذي يدعو من دون الله لا يستجيب للداعي إلى يوم القيامة وأما الكلمة التي قالها السائل إذا ضاقت عليكم الأمور فعليكم بزيارة القبور فهذا ليس بحديثٍ عن رسول الله ﷺ ولا يصح بل إن زيارة القبور تذكر الآخرة فينبغي أن يقال إذا رأيت من نفسك الغفلة عن الآخرة والانغماس في الدنيا والترف فعليك بزيارة القبور لتتعظ وتعتبر بأصحابها فإن أصحابها الذي كانوا محبوسين فيها الآن هم قرناؤك بالأمس على ظهر الأرض وربما يكونون أكثر منك غنى وأشد منك قوة وأعظم منك فتوة ومع ذلك صاروا مرتهنين محبوسين في قبورهم فالإنسان إذا زار المقبرة تذكر الآخرة ولهذا قال رسول الله ﷺ (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة) وينبغي لمن زار القبور أن يدعو لهم بالدعاء الوارد عن الرسول ﷺ مثل (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) . ***
قال ﷺ (يغفر الله للشهيد كل ذنبٍ إلا الدَّين) هل معنى هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم معنى هذا الحديث صحيح يعني أن أن الله ﷿ يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين لأن الدين حقٌ للآدمي فلا بد من وفائه ولكن الدين إذا كان الإنسان أخذه يريد أداءه فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) فإن كان هذا الشهيد الذي عليه الدين قد أخذ أموال الناس يريد أداءه فإن الله تعالى يؤدي عنه إما بأن ييسر أحدًا في الدنيا يقضي عنه هذا الدين وإما بأن يوفيه الله تعالى عنه يوم القيامة فيزيد الدائن درجاتٍ أو يكفر عنه سيئات. ***
أع س يقول هل هذا الحديث يا فضيلة الشيخ (لعن الله الشارب قبل الطالب) وارد لأنه يتردد على ألسنة كثير من الناس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره السائل (لعن الله الشارب قبل الطالب) هذا لا أصل له ولا يصح عن النبي ﷺ ولكنه من الأحاديث التي اشتهرت على ألسن الناس وليس لها أصل وهي كثيرة تتردد بين عامة الناس والواجب على الإنسان أن يتحرى فيما ينسبه إلى الرسول ﷺ من قول أو فعل أو تقرير لأن الكذب على الرسول ﷺ ليس كالكذب على أحد منا لأنه كذب على شريعة الله ﷾ وقد صنف العلماء ﵏ في الأحاديث الواردة على ألسن الناس وليس لها أصل صنفوا في هذا كتبًا ومنها تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ومن الأحاديث المشتهرة على ألسن الناس وليس لها أصل قولهم (حب الوطن من الإيمان) وقولهم (خير الأسماء ما حمد وعبد) وقولهم (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) وأمثال ذلك كثير والوارد عن النبي ﷺ في الأسماء قوله (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وثبت ذلك عنه ﷺ والمهم أنه يجب على الإنسان أن يتحرى فيما ينسبه إلى النبي ﷺ حتى لا يقع في الوعيد الشديد الذي قال فيه الرسول ﷺ (من كذب عليّ متعمدًا فليتأبوا مقعده من النار) وقال (من حدث عني بحديث يرى أو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . ***
عن أنس ﵁ (أن رسول الله ﷺ لم يزل يقنت الصبح حتى فارق الدنيا) ما حكم القنوت في صلاة الصبح وما مدى صحة هذا الحديث افتنوني جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول ﷺ لم يذكروا أنه قنت في الفجر إلا في النوازل فإنه كان يقنت في الفجر وفي غير الفجر أيضًا بل يقنت في جميع الصلوات الخمس وبناء على ذلك فإنه لا يسن القنوت في صلاة الفجر إلا إذا كان هناك سبب كنازلة تنزل بالمسلمين والنازلة إذا نزل بالمسلمين فإن القنوت لا يختص بصلاة الفجربل يكون فيها وفي غيرها وذهب بعض أهل العلم إلى أن القنوت في صلاة الفجر سنة ولكن ما هو القنوت الذي يُقنت في صلاة الفجر ليس هو قنوت الوتر كما يظنه بعض العامة ولكنه قنوت يدعو فيه الإنسان بدعاء عام للمسلمين مناسب للوقت الذي يعيشه وإذا ائتم الإنسان بشخص يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه ولا ينفرد عن المصلىن كما نص على ذلك إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ﵀. ***
السائل إبراهيم ب ع الكويت يقول ما صحة حديث (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحضرني سند هذا الحديث ولا أدري ما سنده لكن اختلف العلماء ﵏ في معناها فمنهم من قال (أسفرو بالفجر أو بالصبح فإنه أعظم لأجوركم) المعني أخروا صلاة الفجر حتى يكون الإسفار التام ومنهم من قال أسفرو بالصبح أي لا تتعجلوا حتى يتبين الصبح لأن الصبح يكون خفيا أول ما يطلع ولهذا لم يرتب الله تعالى الأحكام علي طلوع الصبح بل على تبين الصبح حيث قال تعالى في الصيام (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وهذا القول أن المراد به تحقق الفجر هو الصواب لأن السنة بينت ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى الصبح بغلس. ***
هذا أخونا السائل إبراهيم أبو حامد يقول في هذا السؤال ما صحة هذه الأحاديث يا فضيلة الشيخ الأول (إن الأمة لا تجتمع على ضلالة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا يصح أن أمة النبي ﷺ لا تجتمع على ضلالة لكن قد دلت الأدلة على أن إجماع الأمة حجة وأن الأمة معذورة بالعمل به وما كان ضلالة فإنه لا عذر للأمة بالعمل به ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فإن ظاهر قوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يدل على أنه إذا حصل الاتفاق فإن قولهم كالذي قام به الدليل من الكتاب والسنة ومن الأدلة على ذلك أي على أن إجماع المؤمنين حجة قول الله ﵎ (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وعلى هذا فيكون الإجماع أي إجماع الأمة والمراد إجماع علماء الأمة المجتهدين يكون دليلا صحيحًا يؤخذ به في الأحكام لكن الغالب أن ما أجمع عليه العلماء من الأحكام يكون قد دل عليه الكتاب والسنة إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو الإشارة وقد يكون الدليل معلومًا لعامة العلماء وقد يكون خفيًا على بعض العلماء. ***
ماصحة هذا الحديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح بل هو ضعيف لكن الطلاق لا شك أنه خلاف الأولى وقد أمر الله تعالى بالصبر على المرأة وكذلك جاء في السنة، فقال الله ﵎ (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وهذه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يصبر على المرأة ولو كره منها ما كره وفي السنة (لا يفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغضها - إن كره منها خلقًا رضى منها خلقًا آخر) وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يطلق إلا عند الحاجة الملحة أو الضرورة وكذلك إذا سألت هي الطلاق لتضررها من الزوج أو تأذيها أو ما شبه ذلك من الأسباب فإنه ينبغي للزوج أن يوافقها على طلبها، وإن كان من النساء من تطلب الطلاق لسبب يسير لكن عند الغضب تطلب الطلاق من أجله فإذا وقع الطلاق ندمت ندمًا عظيمًا ورجعت إلى زوجها تطلب منه المراجعة وقد يكون ذلك بعد فوات الإمكان وقد تكون هي الطلقة الثالثة فيطلق الزوج استجابة لرغبة الزوجة ثم يحصل الندم منه ومنها وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحتين: النصيحة الأولى إلى الزوج وهي ألا يتسرع في إجابة الزوجة إذا طلبت الطلاق لأن المرأة ناقصة العقل والتفكير تفكيرها لا يتجاوز قدمها فقد تطلب الطلاق في حال غضب ثم تندم ندما عظيمًا إذا وقع فليكن الزوج أوسع منها صدرًا وأبعد منها نظرًا وليمنعها أي لا يجيبها إلى ما سألت وإذا ضيقت عليه فليخرج من البيت ثم يرجع مرة أخرى فلعلها تكون بردت عليها سَوْرَة الغضب المهم ألا يتسرع وهو إذا تسرع في هذه الحال لا عذر له لأن بعض الأزواج يقول أنا أكرهت على الطلاق لأنها طلبت مني ذلك وألحت علي أو لأن أباها طلب ذلك وألح علي أو ما أشبه ذلك وهذا لا يعد إكراها ولا عذرًا له فيه والطلاق واقع. أما النصيحة الثانية فهي للزوجة لا تتسرع في طلب الطلاق من الزوج بل عليها أن تصبر وتتحمل المرة تلو الأخرى حتى إذا أيست من الصلاح والإصلاح فلا بأس لأن الله تعالى قد جعل لكل ضيقٍ فرجًا لكن كونها تتسرع وتريد من الزوج أن يكون على هواها في كل شيء لا ينبغي منها ذلك وأكثر ما يقع هذا فيما إذا تزوج الزوج بزوجة أخرى فإنها حينئذٍ تسارع إلى طلب الطلاق والإلحاح به وتندم حين لا ينفع الندم فنصيحتي لها أن تصبر وتحتسب الأجر من الله ﷿ على صبرها وتحملها الأذى وسيجعل الله تعالى لها فرجًا ومخرجًا.
فضيلة الشيخ: يستفسر أيضا عن صحة هذا الحديث (أوصى رسول الله ﷺ بسابع جار) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضا لا يصح لكن ثبت (عن النبي ﷺ أنه أوصى بالجار خيرًا) كما هو في القران (والجار ذي القربى والجار الجنب) وقال ﵊ (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وقال ﷺ (من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره) وقال ﷺ (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) والأحاديث في هذا كثيرة وللجار حق حتى ولو كان كافرًا وهو حق الجوار فإنه ينبغي للإنسان أن يحسن إلى جيرانه ولو كانوا أعداءً له في الدين ولو كانوا أعداءً له عداوة شخصية لا مبرر لها امتثالًا لأمر الله ﷿ وأمر رسوله ﷺ قال الله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... إلى قوله.. (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) وقال النبي ﷺ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وقد ذكر العلماء ﵏ أن الجار إن كان كافرًا بعيدًا في النسب يعني ليس من أقاربك فله حق الجوار وإن كان مسلمًا فله حق الجوار والإسلام وإن كان قريبًا فله حق الجوار والإسلام والقرابة. ***
السؤال: ما صحة هذاالحديث (إذا شرب اثنين في إناء واحد غفر لهما أو دخلا الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعلم عنه لكن لا أظن أنه يصح عن النبي ﷺ وشرب الاثنين من الإناء الواحد لا بأس به ولاحرج فيه والتنزه عن مثل هذا أمر صعب ولو أراد الإنسان أن يتنزه عن كل إناء شرب فيه غيره للحقه بذلك حرج شديد ولم يكن في بدنه مناعة لما يدخل إليه من المكروبات التي تكون عند كثير من الناس وهو خالٍ منها وقد كان المترفون يتحرزون من أن يشربوا بإناء شرب فيه غيرهم فيصابون بأمراض أكثر مما يصاب الآخرون والذي ينبغي للإنسان ألا يشق على نفسه في مثل هذه التحرزات لأن فيها حرجًا ولأنه يبقى جسمه لا مناعة فيه وحينئذ يتأثر بأدنى سبب وبلغني أن كثيرًا من الناس في الأمم المتطورة في الحياة الدنيا رجعوا عن هذا التحرز الشديد إلى الحالة الطبيعية التي عليها كثير من الناس في كون الإنسان لا يشق على نفسه في هذا التحرز الشديد نعم لو فرض أن أحدًا من الناس مصاب بوباء جرت العادة أنه معدٍ فهذا ليس من المستحسن أن يشرب الإنسان في هذا الإناء الذي شرب فيه هذا المصاب بالمرض الذي جرت العادة بأنه يعدي لقول النبي ﷺ (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ولكن مع هذا يجب أن نؤمن بأن العدوى لا تكون معدية بطبيعتها الذاتية ولكنها معدية بإذن الله ﷿ فإن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا. ***
ماصحة هذا الحديث (إن الله لا ينظر إلي الصف الأعوج) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير صحيح ولكن لا شك أن النبي ﷺ أمر بتسوية الصفوف وكان ﵊ يمر بالصف يمسح صدورهم ومناكبهم ويأمرهم بالتسوية فخرج ذات يوم وقد عقلوا عنه فرأى رجلًا باديًا صدره أي متقدمًا فقال ﵊ (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي بين قلوبكم حتى تكونوا أعداءً متباغضين وهذا وعيد لمن ترك تسوية الصف وهو دليل على وجوب التسوية كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم وما نشاهده الآن من التهاون في تسوية الصف لا بالنسبة للإمام ولا بالنسبة للمأمومين أمرٌ يؤسف له فإن كثيرًا من الأئمة يلتفت يمينًا وشمالًا يقول استووا اعتدلوا سووا صفوفكم وربما يكون يرى الصف غير مستوٍ ولا يقول يا فلان تقدم ويا فلان تأخر مما يُفهِم الناس أن هذه كلمةٌ كأسطوانةٍ تُجَرُّ عليها الإبرة وتحدث صوتًا أي أنه لا قيمة لهذه الكلمة عند الناس الآن لأنهم لا يشاهدون فعلًا يؤكد هذه الكلمة والذي ينبغي في حق الإمام أن يلتفت يمينًا وشمالًا وأن يستقبل الناس بوجهه وإذا رأى شخصًا متأخرًا قال تقدم يا فلان أو متقدمًا قال تأخر يا فلان حتى يحس الناس بأن هذه الكلمة لها معنى أي استووا اعتدلوا كذلك أيضًا المأمومون تجد أنهم لا يبالون يكون الرجل إلى يمين صاحبه أو إلى يساره متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه لا يحاول إن يسوي الصف وهذا من الغلط وكذلك أيضا أهمل كثيرٌ من الأئمة وكثيرٌ من المأمومين مسألة التراص فتجد الصف تكون فيه الفرج الكثيرة لا يسدها أحد وهذا غلط لأن النبي ﷺ أمر بالتراص وأخبر أن الملائكة عند الله ﷿ يتراصون، وبعض الناس فهم فهمًا خطأً في كون الصحابة ﵃ يلصق الرجل كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكبه فجعل يفرج بين رجليه تفريجًا بالغًا حتى يلصق كعبه بكعب أخيه ومابين الأكتاف منفرج انفراجًا بقدر انفراج الرجلين وهذا أيضا من الغلط ومِنْ فَهْم النصوص على غير مرادها ليس المراد مجرد إلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب فإلصاق الكعب بالكعب ليس مقصودًا لذاته بل هو مقصودٌ لغيره وهو التراص والتسوية لكن المشكل أن بعض الناس يفهم الشيء فهمًا خاطئًا ثم ينشره بين الناس ثم يَشِيعُ وكأنه هو السنة التي أرادها الصحابة ﵃ كذلك أيضًا يخطئ كثيرٌ من الناس بكيفية التسوية فبعض الناس يظن التسوية هي استواء الأصابع وهذا فهم خاطئ والتسوية استواء الأكعب يعني أن يكون كعب الإنسان مساويًا لكعب جاره لا يتقدم عليه ولا يتأخر وأما الأصابع فقد تكون رجل الرجل طويلة تتقدم أصابعه على أصابع الرجل التي تكون قدمه قصيرة وهذا لا يضر فالمساواة إنما هي بالأكعب لأن الكعب هو الذي عليه اعتماد الجسم حيث إنه في أسفل الساق والساق يحمل الفخذ والفخذ يحمل الجسم وليس التساوي بأطراف الأصابع بل بالأكعب أكرر ذلك لأني رأيت كثيرًا من الناس يجعلون مناط التسوية رؤوس الأصابع وهذا غلط هناك أمر آخر يخطئ فيه المأمؤمون كثيرًا ألا وهو تكميل الصف الأول فالأول ولا سيما في المسجدين المسجد الحرام والمسجد البنوي فإنهم لا يبالون أن يصلوا أوزاعًا أربعة هنا وأربعة هناك أو عشرة هنا وعشرة هناك أو ما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه خلاف السنة. والسنة إكمال الأول فالأول حتى إن الرجل لو صلى وحده خلف الصف مع أن الصف لم يتم فإن صلاته غير صحيحة بل هي باطلة يجب عليه أن يعيدها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلًا يصلى وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة وقال (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) فإن قال قائل إذا كنت لو ذهبت إلى طرف الصف فاتتني الركعة فهل أصلى وحدي خلف الصف اغتنامًا لإدراك الركعة نقول: لا، اذهب إلى طرف الصف ولو فاتتك الركعة ولو كانت الركعة الأخيرة لعموم قول النبي ﷺ (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وأنت مأموربتكميل الأول فالأول فافعل ما أمرت به وما أدركت فصل وما فاتك فاقضه هذه تنبيهات أرجوالله ﷾ أن تجد آذانًا صاغية من إخواننا الأئمة والمأمومين ذكرتها تعليقًا على قول السائل إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج حيث إن هذا الحديث لايصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ماصحة هذا الحديث قال رسول الله ﷺ (يدخل الجنة أقوام قلوبهم وأفئدتهم مثل أفئدة الطير) وما معنى هذا الحديث بالتفصيل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أحب أن أنبه أنه إذا كان المتكلم بالحديث لا يدري عن صحته عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لا يجزم في نسبته للرسول ﷺ بل يقول ما مدى صحة ما يذكر عن النبي ﷺ أو ما يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يسلم من الجزم بنسبة الحديث إلى رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهولا يدري أيصح عنه أم لا أما معنى هذا الحديث فهو أن أهل الجنة إذا أرادوا دخول الجنة فإن الله ﷾ يحبسهم على قنطرة بين الجنة والنار أي يوقفهم على قنطرة بين الجنة والنار بعد عبور الصراط ثم يقتص من بعضهم لبعض حتى ينزع ما في صدورهم من غل فيدخلون الجنة وأفئدتهم كأفئدة الطير ليس فيها حقد ولا غل بل هي قلوب بريئة نزيهة طاهرة يقول الله ﷿ (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) أما عن صحة الحديث فإنه يحتاج إلى مراجعة. ***
ما معنى هذا الحديث ومدى صحته عن عبد الله بن أبي قتادة قال دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال غسلك هذا من جنابة أو للجمعة قلت من جنابة قال أعد غسلًا آخر إني سمعت رسول الله ﷺ يقول (من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى) رواه الطبراني في الأوسط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يحضرني الآن حكمه هل هو صحيح أو غير صحيح لكن غسل الجمعة مؤكد جدًا بل هو واجب على القول الراجح عندي واجب على من يحضر الجمعة ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري ﵁ أن النبي ﷺ قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وقال ﷺ (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولما دخل عثمان بن عفان ﵁ يوم الجمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب كأنه لامه على تأخره فقال والله ما عدوت على أن توضأت ثم جئت فقال والوضوء أيضًا وقد قال النبي ﷺ (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قال ذلك وهو يخطب الناس وكأنه ﵁ يرى أن هذا الأمر لابد منه، وكيف والذي نطق به أفصح الخلق وأنصح الخلق وأعلم الخلق يقول غسل الجمعة واجب ثم يعقب ذلك بذكر وصف مناسب للتفريق والإلزام وهو قوله على كل محتلم أي على كل بالغ وليس لهذا الحديث ما يعارضه إلا الحديث الذي اختلف فيه حديث سمرة (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) وفي القلب من هذا الحديث شيء أولًا من جهة اختلاف العلماء في سماع الحسن بن سمرة إما مطلقًا أو فيما سوى حديث العقيقة وثانيًا أن التركيب اللفظي فيه ليس كالتركيب المعهود من كلام النبي ﷺ لأنه من المعلوم أن النبي ﷺ أفصح العرب وصياغة هذا الحديث فيها شيء من الركاكة وفي القلب منه شيء، وإذا كان كذلك فإنه لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح الصحيح الواضح (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) و(إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وإذا كان من المعروف عند أهل العلم أن الأصل في الأمر الوجوب ثم عقب النبي ﷺ هذا الوجوب في قوله غسل الجمعة واجب فلا مناص عن العمل بذلك، وإذا اجتمع على الإنسان غسل الجمعة وغسل الجنابة فلا بأس أن ينويهما بغسل واحد لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وكما لو دخل الإنسان المسجد فصلى الفريضة فإنها تجزئ عن تحية المسجد وقال بعض أهل العلم إنه لابد أن يغتسل أولًا من الجنابة ثم يغتسل ثانيًا للجمعة ولكن القول الأول أولى وهو الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة وعن غسل الجمعة لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا نوى هذا الغسل عنهما جميعًا حصل. ***
ما صحة هذا الحديث (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بلفظين أحدهما (عمرة في رمضان تعدل حجة) والثاني (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) وهو دليل على أن العمرة في رمضان لها مزية عن غيره من الشهور فإذا ذهب الإنسان إلى مكة في رمضان وأحرم للعمرة وأداها فإنه يحصل له هذا الثواب الذي ذكره النبي ﷺ. ***
أصول الفقه
المستمع عثمان محمد عبد الله سوداني يقول لقد ظهرت عندنا في السودان دعوات كثيرة منها الدعوة إلى تجديد الفقه الإسلامي كيف يكون ذلك التجديد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول السائل إنه ظهرت عندهم دعوات جديدة في بلادهم منها الدعوة إلى تجديد الفقه الإسلامي فهذا التجديد إن أراد به مقترحه أن يجدد التبويب وعرض المسائل الفقهية حتى يكون ملائمًا للذوق العصري فهذا لا بأس به وما هو إلا تغير أسلوب من حال إلى حال ليقرب المعنى إلى أذهان الناس على أن التجديد على هذا الوجه له مساوئ منها أننا نرى كثيرًا من المعاصرين الذين يكتبون فيما كتبه السابقون يطيلون الكلام والتفصيلات حتى يذهب آخر الكلام أوله ويضيع الإنسان بين هذه التقسيمات وبين الكلام الذي يعتبر حشوًاَ وهذه سيئة عظيمة تبدد الفكر وتضيع الأوقات في مسائل قد يدركها الإنسان بنصف الوقت الذي يقضيه في قراءة هذه الكتب الجديدة ولا أقول إن هذا وصف لكل كتاب جديد بل في كثير من الكتب المصنفة الجديدة ما يكون على هذا النمط. وإن أرادوا مقترحوا التجديد في الفقه أن يغير بهذا التجديد ما دلت النصوص على حكمه فإن هذا مبدأ خطير مبدأ باطل إذ لا يجوز للإنسان أن يغير شيئًا من أحكام الله ﷿ فإن أحكام الله تعالى باقية ما بقي هذا الدين وهذا الدين سيبقى إلى يوم القيامة لقول النبي ﷺ (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا ما من خالفهم حتى يأتي أمر الله) هذا هو رأينا نحو هذا الاقتراح الذي اقترحه هذا المقترح من تجديد علم الفقه. ***
محمد مصري مقيم بالرياض يقول ما الفرق بين الجائز والحلال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق بينهما فالحلال هو الجائز والجائز هو الحلال إلا إن الجائز أحيانا يراد به ما يقابل المستحيل والواجب الوجود فيقولون الأشياء باعتبار الوجود ثلاثة أقسام مستحيل الوجود وواجب الوجود وجائز الوجود أما شرعا فإنه لا فرق بين الجائز والحلال. ***
نجيب أحمد يقول البعض يقول بأن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هل هذا صحيح وهل إذا ترك الشخص سنة من السنن المؤكدة يعاقب عليها أم أنه حرم نفسه الأجر العظيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو حق وهو الذي عليه أهل العلم أن ترك السنة لا يوجب الإثم اللهم إلا إذا تركها كراهة لها أو زهدا فيها أو رأى نفسه أنه مستغنٍ عنها أو ما أشبه ذلك فهذا له حكمه أما مجرد أن يقول إن الله فرض علي الفرائض والحمد لله الذي هداني لها وأنني أقمتها على الوجه المطلوب وأما النوافل فأنا في سعة منها فهذا لا بأس به ولا إثم عليه لكن قد تكون السنة مؤكدة جدا جدا إلى قريب الوجوب فهذه كره بعض العلماء أن ندعها خوفا من الإثم ومن ذلك ما يذكر عن الإمام أحمد ﵀ أنه قال (من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة) مع أنه أي الإمام أحمد يرى أن الوتر سنة وليس بواجب لكن لتأكد السنية كأن الإمام أحمد ﵀ رأى أن تهاونه به يدل على عدم مبالاته ولهذا قال (لا ينبغي أن تقبل له شهادة) لأنه إذا كان لا يبالي بالوتر مع أهميته وآكديته فإنه قد يتهاون بالشهادة أيضا. ***
هل كل ما كان يفعله الرسول ﷺ يعتبر من السنة ويثاب على فعله المسلم أقصد الأمور الخصوصية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور الخاصة بالرسول ﵊ خاصة به ليس لنا فيها تعلق ومنها قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فالنكاح بالهبة لا ينعقد ولا يصح إلا لرسول الله ﷺ لأن الله قال (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الوصال في الصوم وهو ألا يفطر الإنسان بين اليومين منهي عنه إلا للرسول ﵊ ولهذا لما نهى النبي ﵊ عن الوصال) قالوا يا رسول الله إنك تواصل فقال (إني لست كهيئتكم) فبين الرسول ﵊ أن الأمة لا تساويه في هذا الحكم فما كان خاصًا بالرسول ﵊ فهو خاص به لا يشمل حكمه الأمة وأما ما لم يقم دليل على الخصوصية به فإن الأصل أن الأمة تتأسى برسول الله ﷺ فيما فعل لقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) وهذا في الأمور التعبدية ولهذا قال (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) . أما الأمور العادية فإن فعل النبي ﵊ لها يدل على إباحتها ولكنها تكون تبعًا للعادة لا يحكم عليها بأنها سنة مطلوبة بعينها وهناك أشياء يفعلها النبي ﵊ على سبيل الجبلة والطبيعة كالأكل والشرب والنوم فهذا ليس له حكم لأنه يفعله ﵊ بمقتضى الطبيعة والجبلة لكن قد يكون هذا النوع مشتملًا على أمور مشروعة مثل النوم على الجنب الأيمن مثل الأكل باليمين والشرب باليمين وما أشبه ذلك فالحاصل أن أفعال الرسول ﵊ قسمها أهل العلم على أقسام متعددة والبحث فيها مطول موجود في أصول الفقه فمن أحب أن يراجعه فليراجعه هناك. ***
ع م ف الرويلي يقول في رسالته وبعد أبعث لكم هذه الرسالة وأقول لكم فيها إن لي خالة متزوجة وبعد أنها مخلوعة الشعور -يقصد بها جنون تقريبًا- وبعده ذهبت مع زوجها وزوجها أخذها وهي كمثل ما أقول لكم وبعد أنها أحرقت نفسها أهل عليها خطأ من هذا الحرق أم لا وهل هي من أصحاب الجنة أو النار أفيدونا أفادكم الله عن هذا الأمر ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي فهمت من قوله مخلوعة الشعور أنها ليس لها عقل فإذا كان ما فهمته هو الواقع فإن فعل المجنون لا يعاقب عليه المرء لأن المجنون لا عقل له والله ﵎ إنما يعاقب من كان عاقلًا ويروى عن النبي ﷺ أنه قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يبلغ وعن المجنون حتى يُفيق) فهذه المرأة التي أحرقت نفسها ليس عليها ذنب مادامت أحرقت نفسها في هذه الحال وأما هل هي في النار أو في الجنة فهذا أمره إلى الله ﷾. ***
السائل مصري يقول ما هي أنواع الإكراه التي رخص الله لعباده عند وقوعها وما الفرق بين أُكره واستُكره مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإكراه والاستكراه معناهما واحد والإكراه أن يرغم الإنسان على فعل الشيء أو على قول الشيء ومن أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا حكم لقوله ولا حكم لفعله لقوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب إذا أكره عليه الإنسان فإنه لا حرج عليه ولا إثم فما دونه من الذنوب من باب أولى فلو أُكره الصائم على الأكل مثلا فأكل فإن صومه صحيح ولو أكره الرجل على أن يطلق امرأته فطّلق فلا طلاق عليه ولو أكره الإنسان على إن يشرك بالله فأشرك فلا إثم عليه إذا كان قلبه مطمئنا بالأيمان واختلف العلماء ﵏ فيمن أكره علي الطلاق فطّلق ناويًا الطلاق لكنه بغير اختيار منه هل يقع طلاقه أو لا يقع فمن العلماء من قال إن طلاقه يقع لأنه نواه وأن الذي يرفع عنه الطلاق أن يطّلق دفعا للاكراه ولكن الصحيح أنه لا طلاق عليه حتى ولو نوى الطلاق لأنه مجبر على هذه النية وكثير من العامة لا يفرقون بين هذا وهذا. ***
المستمع ص. من محافظة قنا مركز نقاوة جمهورية مصر العربية يقول ما هي الضرورات الخمس التي أمرنا الشارع الحكيم بالحفاظ عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن هذه الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح أو تكميلها ودفع المضار أو تقليلها وهذا عامٌ يشمل كل ما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه ولا ينحصر الأمر في الضرورات الخمس التي أشار إليها السائل بل هو عام لكل مصلحة سواءٌ كانت تتعلق بالنفس أو بالمال أو بالبدن أو بالعقل أو بالدين بل كل شيء تحصل به المصلحة أو يحصل به تكميل المصلحة فهو أمرٌ مطلوب لا بد منه فهو أمرٌ مطلوب إن كان أمرًا لا بد منه فإنه يكون على سبيل الوجوب وإن كان أمرًا دون ذلك فإنه يكون على سبيل الاستحباب وكل شيء يتضمن ضررًا في أي شيء كان فإنه منهيٌ عنه إما على سبيل وجوب الترك وإما على سبيل الأفضل والأكمل وهذه القاعدة العظيمة لا يمكن أن تنحصر جزيئاتها وهي مفيدةٌ لطالب العلم لأنها ميزانٌ صادق مستقيم ويدل عليه آياتٍ من كتاب الله ﷿ وأحاديث من سنة الرسول ﷺ فمن ذلك قول الله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فهنا أشار الله ﷿ إلى أن في الخمر والميسر إثمٌ كبير ومنافع متعددة للناس ولكن الإثم أكبر من النفع ولهذا جاءت الشريعة الكاملة بالمنع منهما منعًا باتًا في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) ومن هنا نعلم أن من جملة الحكم التي حرم الله من أجلها الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس وهذه مفسدة اجتماعية مع ما فيها من المفاسد الأخرى كالإخلال بالعقل والإخلال بالدين فإن الأزلام تؤدي إلى المغامرة في الإقدام والإحجام والأنصاب شرك وأنصاب تعبد من دون الله ﷿ ومن ذلك أيضًا قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وهذا أمرٌ لحفظ النفس ووقايتها من كل ضرر ومن ذلك أيضًا قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر فجاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فأمر بالتيمم في هذه الحال خوفًا من الضرر أو استمرار الضرر بالمرض الذي يخشى من استعمال الماء فيه ومن ذلك قوله تعالى في آية الصيام (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والسنة في ذلك أيضًا كثيرة منها قوله ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص (إن لنفسك عليك حقا وإن لربك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا) ومن ذلك أيضًا تأنيبه الذين قال بعضهم أصوم ولا أفطر وقال الثاني أقوم ولا أنام وقال الثالث لا أتزوج النساء فقال ﷺ (أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) والخلاصة أن هذه الشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح أو تكميلها وبدرء المفاسد أو تقليلها. ***
الأخ السائل س ص ع من الرياض يقول أرجو تفسير هذه العبارة الضرورات تبيح المحظورات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه العبارة أن الإنسان إذا اضطر إلى شيء من المحرم على وجه تندفع به الضرورة صار هذا المحرم مباحًا مثال ذلك رجل في مخمصة أي في جوع شديد وليس عنده إلا ميتة فإن أكل الميتة سَلِمَ من الهلاك وإن لم يأكل هلك فهنا نقول يحل له أن يأكل الميتة، لأنه في ضرورة. كذلك لو لم يكن عنده إلا لحم خنزير وهو جائع جوعا شديدا فإن أكل من لحمه بقي وإن لم يأكل هلك فنقول له هذا جائز لأن الضرورات تبيح المحظورات وأما فيما يتعلق بالدواء فإن بعض الناس يظن أن هذه العبارة يدخل فيها الدواء وأن الإنسان يجوز أن يتداوى بمحرم إذا اضطر إليه كما زعم وهذا غلط لأن الدواء لا تندفع به الضرورة يقينا ولأنه قد يستغني عنه فيشفى المريض بدون دواء، أما الأول فكم من إنسان تداوى بدواء نافع ولكنه لم يستفد منه وأما الثاني فكم من إنسان ترك الدواء وشفاه الله بدون دواء. ***
كيف نحكم على نواهي النبي ﷺ بأنها نواهي تحريم أو نواهي كراهية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا موضع خلاف بين الأصوليين هل النهي للتحريم أو للكراهة فمنهم من يرى أنه للتحريم ومنهم من يرى أنه للكراهة ومنهم من فصل في ذلك فقال إن كان النهي يتعلق بالعبادات فهو للتحريم وإن كان النهي يتعلق بالآداب فهو للكراهة وليس هناك في الواقع ضابطٌ شامل لكل نهيٍ يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنك يمر بك مناهٍ حملها العلماء على الكراهة ومناهٍ أخرى حملها العلماء على التحريم وعلى هذا فينظر الإنسان في كل نهيٍ بعينه هل هذا النهي يقتضي التحريم بمقتضى قواعد الشريعة أو يقتضي الكراهة بمقتضى قواعد الشريعة وخلاصة الجواب أن نقول للعلماء في مقتضى النهي ثلاثة أقوال: القول الأول أنه التحريم مطلقا وعلى هذا من صرف نهيًا لغير التحريم طولب بالدليل. والقول الثاني أنه للكراهة مطلقا وعلى هذا فمن صرف نهيًا للتحريم طولب بالدليل. والقول الثالث التفصيل فإن كان النهي فيما يتعلق بالآداب والأخلاق فهو للكراهة وإذا كان فيما يتعلق بالعبادات فهو للتحريم. ***
بعض الناس يقولون بأن الواجب موجود فقط في القرآن وأن ما قاله الرسول سنة فقط ليست إلزامية فماذا نرد على مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني يقولون إن الأوامر التي في القرآن على الوجوب والتي في السنة على الاستحباب نقول هؤلاء أخطؤوا خطأ كبير لأن ما جاءت به السنة كالذي جاء به القرآن قال الله ﵎ (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) وقال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بل إن ما جاءت به السنة جاء في القرآن لأن الله أمرنا أن نطيع الله ورسوله فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ولا فرق بين السنة والكتاب في هذه الأمور نعم يفرق بين السنة والكتاب في الثبوت فالقرآن ثابت بالنقل المتواتر والسنة منها المتواتر ومنها الصحيح ومنها الحسن ومنها الضعيف ومنها الموضوع المكذوب على الرسول ﵊ فيتثبت فيها وأما إذا ثبتت عن الرسول ﵊ فما ثبت عن الرسول فهو كالذي جاء في القرآن. ***
هناك بعض الأمور التي سنها الرسول ﷺ ولم يؤكد عليها فهل يجوز لنا العمل بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لم يسنه الرسول ﵊ فإنه بدعة وقد حذر النبي ﵊ من البدع بل قال الرسول ﵊ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وأما ما سنه ولم يؤكده فإنه إذا ثبت أنه من سنته ﵊ كان من سنته وكان في المرتبة التي تليق به وإن كان مؤكدًا صارت سنة مؤكدة وإن كان دون ذلك صارت سنة غير مؤكدة ومثال السنة غير المؤكدة قوله ﷺ (صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب وقال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة) أي أن يتخذها الناس سنة مؤكدة راتبة فالخلاصة أن ما لم يسنه الرسول ﵊ فهو بدعة ولا يجوز لأحد أن يتعبد لله به وما سنه وما لم يؤكده كان سنة ثم ثبت الذي جعله الشارع فيها وما سنه وأكده فإنه قد يكون واجبًا وقد يكون سنة مؤكدة حسب ما تقضيه النصوص الشرعية. ***
نسمع من العلماء عبارة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ما معنى ذلك وما الدليل عليها جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أنه إذا ورد النص على سبب خاص فإن العبرة بعمومه ومثال ذلك قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ثم قال (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) ثم قال (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فهنا سبب نزول هذه الآيات أن رجلًا ظاهر من امرأته وجاءت المرأة تشتكي إلى رسول ﷺ وهو في حجرته عند عائشة فنزلت الآيات فالسبب خاص والحكم عام وفي هذه القصة قالت عائشة ﵂ (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها) تقول ﵂ (الحمد لله) وهذا ثناء على الله ﷿ ووصف له بالكمال أن وسع صوت هذه المرأة من فوق سبع سماوات وعائشة ﵂ في نفس الحجرة ويخفى عليها بعض حديثها وهذا حق أن الله تعالى يسمع السر وأخفى، وإذا آمن الرجل بذلك فإنه بلا شك سوف يقيم لسانه وسوف لا يتكلم إلا بما يرضي الرب ﷿ وبما أذن فيه لأنه يعلم أن كل كلمة يقولها فإن الله تعالى يسمعها فوق سبع سماوات وحينئذ يجب التحرز من إطلاق قول اللسان فلقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل (أفلا أخبرك بملاك ذلك كله - بعد أن ذكر له أشياء من شرائع الإسلام - قال: قلت بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه، وقال: كف عليك هذا. فقال معاذ: يا رسول الله أئنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلت أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم-أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فليحذر اللبيب العاقل المؤمن من إطلاق لسانه فكم من كلمة أوجبت لصاحبها النار والعياذ بالله وكم من كلمة أدخلت الجنة يتكلم الرجل بالكلمة مما يرضي الله ﷿ فيرتقي بها إلى درجات العلى ويتكلم بالكلمة من غضب الله يهوي بها في النار ولعل السائل فهم الآن معنى قول العلماء العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن آيتي الظِّهار شاملة لكل مَنْ ظاهر من امرأته. والظِّهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليَّ كظهر أمي وهذا يعني تحريمها التحريم المغلظ لأن ظَهْر الأم من أعظم وأغلظ المحرمات وقد قال الله تعالى في هذا الظهار (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) فمنكر لأن الشرع لا يقره وزور لأنهم كذبوا فليست الزوجة كظهر الأم. ***
يقول بعض علماء الأصول من موانع اعتبار الدليل - مفهوم المخالفة- ولذلك يقدمون المنطوق من الآيات والأحاديث على المفهوم منها عند التعارض فهل لقاعدتهم هذه نص ينص عليها من الكتاب والسنة أم لا؟ وإذا لم يكن لها نص من الكتاب والسنة فما حكم هؤلاء في الإسلام لأنهم يرفضون بشدة حكم المفهوم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إذا تعارض مع المنطوق فمثلًا يرفضون حكم ما تضمنته آية المائدة وهي قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) بدعوى أنها مفهوم ويأخذون ما تضمنته آية الأنعام وهو قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) ويحتجون بهذه الآيات ونحوها بتحليل ذبحية كل من في الأرض جميعًا إذا ذكر الله عند ذبح الذبيحة وإن كان الذابح وثنيًا أو مرتدًا أجيبونا بارك الله فيكم عن هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القاعدة التي ذكرها أهل الأصول في أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم ظاهرة جدًا لأن دلالة المنطوق واضحة في محلِّ النطق أما دلالة المفهوم فإن اللفظ يدل عليها لا في محلِّ النطق وما دل عليه اللفظ في محل النطق فإنه أولى ولأنّ دلالة المفهوم قد تكون غير مرادة وقد تصدق ببعض الصور دون بعض بخلاف دلالة المنطوق فإنها دالّة على كل صورها دلالة مطابقة ودلالة تضمّن ودلالة إلتزام وأما ما ذكره السائل من التمثيل بآية المائدة مع آية الأنعام فإنه لا ريب أن غير أهل الكتاب لا تحل ذبيحتهم لأن الله تعالى خصّص ذلك بقوله (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وهذا القيد ليس من باب اللقب كما قاله بعضهم وإنما هو من قيد الوصف إذ أن صلة الموصول بمنزلة الوصف فأنت إذا قلت يعجبني الذي فهم فهو بمنزلة قولك يعجبني الفاهم والفاهم وصف وله مفهوم يعلّق به الحكم فطعام الذين أوتوا الكتاب هو كقولك طعام المؤتَيْن الكتاب وهذا وصف وليس لقبًا كما ادعاه بعضهم وبناءً على ذلك تكون دلالة المنطوق فيه ظاهرة ودلالة المفهوم فيه ظاهرة لأن الحكم إذا عُلِّق على وصف ثبت بوجوده وانتفى بانتفائه فيكون منطوق الآية طعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ وطعام غير الذين أوتوا الكتاب ليس بحلّ وبهذا يكون قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أي مما ذبحه من هو أهل للذبح وهو المسلم والكتابي من اليهود والنصارى هذا هو القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم. ***
نقرأ كثيرًا في كتب التفاسير عن الحرف الزائد في القرآن مثل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فيقولون بأن الكاف زائدة قال لي أحد الإخوة ليس في القرآن شيء اسمه زائد أو ناقص أو مجاز فإن كان الأمر كذلك فما القول في قوله تعالى (واسأل القرية) (وأشربوا في قلوبهم العجل) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن القرآن ليس فيه شيء زائد إذا أردنا بالزائد ما لا فائدة فيه فإنّ كل حرف في القرآن فيه فائدة أما إذا أردنا بالزائد ما لو حذف لاستقام الكلام بدونه فهذا موجود في القرآن ولكن وجوده يكون أفصح وأبلغ وذلك مثل قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) فالباء هنا نقول إنها زائدة في الإعراب ولو لم تكن موجودة في الكلام لاستقام الكلام بدونها ولكن وجودها فيه فائدة وهو زيادة تأكيد نفي أي نفي أن يكون الله ظالمًا للعباد وهكذا جميع حروف الزيادة ذكر أهل البلاغة أنها تفيد التوكيد في أي كلام كانت ولهذا نقول إنها أي الباء في مثل قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) أو الكاف في قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نقول إنها زائدة كيف نقول زائدة أي بمعنى أنها لو حذفت لاستقام الكلام بدونها ولكنها مفيدة معنىً ازداد بها الكلام بلاغة وهو التوكيد وأما قوله ليس في القرآن مجاز فنعم ليس في القرآن مجاز وذلك لأن من أبرز علامات المجاز كما ذكره أهل البلاغة صحة نفيه وليس في القرآن شيء يصح نفيه وتفسير هذه الجملة أن من أبرز علامات المجاز صحة نفيه أنك لو قلت رأيت أسدًا يحمل سيفًا بتارًا فكلمة أسد هنا يراد بها الرجل الشجاع ولو نفيتها عن هذا الرجل الشجاع وقلت هذا ليس بأسد لكان نفيك صحيحًا فإن هذا الرجل ليس بأسد حقًا فإذا قلنا إن في القرآن مجازًا استلزم ذلك أن في القرآن ما يجوز نفيه ورفعه ومعلوم أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول إن في القرآن شيء يصح نفيه وبذلك علم أنه ليس في القرآن مجاز بل إن اللغة العربية الفصحى كلها ليس فيها مجاز كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأطنب في الكلام على هذه المسألة شيخ الإسلام في الإيمان وابن القيم في الصواعق المرسلة فمن أحب أن يراجعهما فليفعل وأما قوله تعالى (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) ما الذي يفهم السامع من هذا الخطاب سيكون الجواب يفهم منه أن المسؤول أهل القرية كلها ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن نسأل القرية التي هي مجتمع القوم ومساكنهم أبدًا بل بمجرد ما يقول اسأل القرية ينصب الفهم والذهن أن المراد اسأل أهل القرية وعبر بالقرية عنهم كأنهم يقولون اسأل كل من فيها وكذلك قولهم أشربوا في قلوبهم العجل فإنه لا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن العجل نفسه صار في القلب وإنما يفهم منه أن حب هذا العجل أشرب في القلوب حتى كأن العجل نفسه حل في قلوبهم وهذا فيه من المبالغة ما هو ظاهر أعني في مبالغة هؤلاء في حبهم للعجل والأمر هذا ظاهر جدًا فكل ما يفهم من ظاهر الكلام فهو حقيقته فلتفهم هذا أيها الأخ الكريم أن كل ما يفيده ظاهر الكلام فهو حقيقته ويختلف ذلك باختلاف السياق والقرائن فكلمة القرية مثلًا استعلمت في موضع نعلم أن المراد بها أهل القرية واستعملت في موضع نعلم أن المراد بها القرية التي هي مساكن القوم ففي قوله تعالى (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) لاشك أن المراد بذلك أهل القرية لأن القرية نفسها وهي المساكن لا توصف بالظلم وفي قوله تعالى (إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) لا شك أن المراد بالقرية هنا المساكن ولذلك أضيفت لها أهل فتأمل الآن أن القرية جاءت في سياق لا يفهم السامع منها أن المراد بها أهل القرية وجاءت في سياق آخر لا يفهم السامع منها إلا المساكن مساكن القوم وكل ما يتبادر من الكلام فإنه ظاهره وحقيقته وبهذا يندفع عنا ضلال كثير حصل بتأويل بل بتحريف الكلم عن مواضعه بادعاء المجاز فما ذهب أهل البدع في نفيهم لصفات الله ﷿ جميعها أو أكثرها بل بنفيهم حتى الأسماء إلا بهذا السلّم الذي هو المجاز. ***
ح. س. س. من الظهران يقول ما المقصود بقاعدة الاستصحاب ومتى يؤخذ بها وهل يلزمني الأخذ بها أم أنا مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بقاعدة الاستصحاب البناء على الأصل لأن الأصل الثابت يجب استصحابه إلا بدليلٍ يرفعه فمثلًا لو توضأ إنسان ثم طرأ عليه شك هل أحدث أم لا فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك استصحابًا للأصل الذي هو الوضوء ولو أحدث الإنسان ثم أراد الصلاة وشك هل توضأ بعد حدثه أو لا فإنه يجب عليه استصحابًا للأصل وهو الحدث وهذه القاعدة لها أصل في قول رسول الله ﷺ حين سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة فقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فإن هذا استصحابٌ للأصل وهو بقاء الوضوء حتى يتبين زواله ولها أي لهذه القاعدة أدلةٌ كثيرة يعرفها المتأمل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. ***
تقول السائلة هل يحتج بالقاعدة التي تقول المعروف عرفا كالمشروط شرطا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المطرد عرفا كالمشروط وبعضهم يعبر عن هذه القاعدة بقوله الشرط العرفي كالشرط اللفظي وهذه القاعدة قد أحال الله تعالى عليها في الكتاب العزيز فقال جل وعلا (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النساء (لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فما كان العرف فيه مطردا لا يتبادر إلى الأذهان إلا ما كان عليه الناس فهو كالمشروط لفظًا يجب الوفاء به إذا كان شرطا إذا كان يثبت حقا على أحد فإنه يجب على من هو عليه الحق أن يوفي به. ***
ما المراد بتعبير بعض العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعبير العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين يعني أن الدين الإسلامي جاء به ضرورة لابد أن يأتي به فمثلا وجوب الصلوات الخمس معلوم بالضرورة من الدين تحريم الخمر بعد أن حرمت كذلك فالشيء الذي لا يمكن لأحد من المسلمين جهله هو المعلوم بالضرورة من الدين. ***
ما المراد بقاعدة المشقة تجلب التيسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكلمة فيها شيء من النظر لكن لو قيل اليسر مع المشقة لكان أولى كما قال ﷿ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والمعنى أن الإنسان إذا شق عليه القيام بالواجب فإنه يعفى عنه كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران بن الحصين (صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب) وقال ﷿ في الصيام (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . ***
سيد حسن سيد يوسف من العراق محافظة قضاء زاهون ناحية العلا يقول من المجتهد وما هي شروط الاجتهاد وهل يكفي للعالم مثلا أن يدعي الاجتهاد بمجرد مطالعته للكتب واستنباط ما يحتاجه منها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المجتهد هو من بذل جهده أي طاقته للوصول لمعرفة الحكم الشرعي بدليله فإذا كان عند الإنسان علم بمدلولات الألفاظ وعلم بأدلة الكتاب والسنة وما فيها من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وناسخ ومنسوخ وكان لديه أيضا اطلاع بما قاله أهل العلم ومدارك علومهم فإنه يمكنه أن يكون مجتهدًا فيما يبذل جهده فيه للوصول إلى معرفة الحق والاجتهاد يمكن أن يتجزأ فيكون في باب من أبواب العلم كباب الطهارة مثلًا أو باب الصلاة أو باب الزكاة أو باب الصوم أو باب الحج ويمكن أن يكون في مسألة من مسائل العلم كمسألة في كتاب الطهارة أو في كتاب الصلاة أو في كتاب الزكاة أو في كتاب الصيام أو في كتاب الحج أو في النكاح أو غير ذلك مما يمكن للإنسان أن يبذل فيه جهدًا ويطلع على الأدلة وعلى مدارك العلماء ومآخذهم حتى يصبح عنده ملكة يستطيع بها أن يرجح بين هذه الأقوال فيما توصل إليه من البحث والقول بأن باب الاجتهاد قد أغلق قول ليس على إطلاقه بل إن الاجتهاد كما قلت يمكن إن يتجزأ في باب أو في مسألة من مسائل العلم ولا يمكن أن نهجر الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ مع أن الكتاب والسنة باقيان والحمد لله بأيدينا إلى اليوم فلا يمكن أن نقول للناس لا تأخذوا أحكام دينكم من كتاب الله ولا من سنة رسوله ﷺ ولكن خذوه مما كتبه أهل العلم الذي قد يكون ما كتبوه خطأ وقد يكون صوابًا والإنسان إنما يكلف بحسب ما يستطيع ولكن مع ذلك لا أرى أن كل إنسان يمكنه أن يأخذ الحكم من الكتاب والسنة بحيث إذا رأى نصًا أخذ به مع احتمال أن يكون له تقييد أو تخصيص أو نسخ في مكان آخر بل على الإنسان أن يبقى ويتمهل وينظر ويحرر ويحقق حتى يتبين له الحق. ***
المهندس أبو محمد س. م. من إيران طهران بعث برسالة يقول نقرأ في بعض الكتب أن لأحمد بن حنبل في المسألة الفلانية قولين أو ثلاثة فلا أدري هل يعني ذلك أن هذه الأقوال هي عدة آراء رآها الإمام أحمد ولم يترجح عنده أحدها أم أنها آراء قد نسخ اللاحق منها السابق أم ماذا نرجو بيان ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيان ذلك أن العلماء الكبار المجتهدين قد تختلف اجتهاداتهم من آنٍ إلى آخر بحسب ما يبلغهم من العلم والإنسان بشر وطاقةٌ محدودة قد يكون عنده في هذا الوقت علمٌ ثم يتبين له أن الأمر بخلافه في وقتٍ آخر إما بسبب البحث ومراجعة الكتب وإما بالمناقشة فإن الإنسان قد يركن إلى قولٍ من الأقوال ولا يظن أن هناك معارضًا له ثم بالمناقشة معه يتبين له أن الصواب في خلافه فيرجع والحاصل أن الإمام أحمد إذا روي عنده في مسألةٍ أقوال متعددة فإن معنى ذلك أنه ﵀ يتطلع في القول الثاني على أمرٍ لم يطلع عليه في الأمر الأول فيقول به ثم هل نقول إن هذه الآراء باقية أو نقول إن آخرها نسخ أولها؟ نقول إن هذه الآراء باقية وذلك لأن هذه الآراء صادرةٌ عن اجتهاد والاجتهاد لا ينقل باجتهادٍ مثله فقد يكون الصواب في قوله الأول مثلًا فتبقى هذه الأقوال اللهم إلا إذا صرح برجوعه عن القول الأول مثل قوله ﵀ كنت أقول بطلاق السكران حتى تبينته فتبينت أنني إذا قلت بوقوع الطلاق أتيت خصلتين حرمتها على زوجها الأول وأحللتها إلى زوجٍ آخر وإذا قلت وإذا قلت بعدم الطلاق أتيت خصلةً واحدة أحللتها للزوج الأول فهذا صريحٌ في أنه رجع عن القول الأول فيؤخذ بالقول الثاني أما إذا لم يصرح فإن القولين كلاهما ينسب إليه ولا يكون الثاني ناسخًا وربما يقال إنه إذا أيد القول الثاني بنص واستدل له فإنه يعتبر رجوعًا عن القول الأول لأن النص واجب الإتباع فإذا قيل بهذا فله وجه وحينئذٍ يكون قوله الثاني هو مذهبه والله أعلم ***
عبد الله يقول بعض الأخوة يقول بأنه لا تجوز المذهبية أي تقليد أحد المذاهب الأربعة وإنما العمل بالدليل لكن ذلك يجعلني أتساءل دائمًا لقد كانت منابع هؤلاء الأئمة الكتاب والسنة والسؤال هل يجوز تقليد أي مذهب من المذاهب الأربعة دون التعصب لها مع العلم أني لست عالمًا ولا طالب علم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يستخرج الحكم بنفسه من الكتاب والسنة فما عليه إلا التقليد لقول الله ﵎ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ومن المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من الأدلة لأنه عامي فما عليه إلا أن يقلد وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب لسعة علمه وقوة دينه وأمانته ولا يحل لإنسان أن يقلد على وجه التشهي بمعنى أنه إذا رأى القول السهل الميسر تبعه سواءٌ كان من فلان أو من فلان فهذا ربما يقلد عشرة أشخاص في يومٍ واحد حسبما يقتضيه مزاجه والواجب إتباع من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه وأمانته أما التزام التمذهب بمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه على كل حال فهذا ليس بجائز وذلك لأنه فيه طاعة غير الله ورسوله على وجه الإطلاق ولا أحد تجب طاعته والعمل بقوله على وجه الإطلاق إلا الله ﷿ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
من باكستان يقول ما هو التقليد وما هو الاجتهاد وهل التقليد كان موجودًا في زمن الصحابة والتابعين فيقلد بعضهم بعضا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الاجتهاد هو بذل الجهد في الوصول إلى حكمٍ شرعي من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح هذا هو الاجتهاد ومن المعلوم أنه لا يصلح للاجتهاد إلا من كان عارفًا بطرقه وعنده علم ودراية حتى يتمكن من الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها التي أشرت إليها وأما التقليد فهو الأخذ بقول مجتهد من غير معرفة دليله بل يقلده ثقةً بقوله والتقليد في الواقع حاصلٌ من عهد الصحابة ﵃ فإن الله تعالى يقول (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولا شك أن من الناس في عهد الصحابة ﵃ وإلى عهدنا هذا من لا يستطيع الوصول إلى الحكم بنفسه لجهله وقصوره ووظيفة هذا أن يسأل أهل العلم وسؤال أهل العلم يستلزم الأخذ بما قالوا والأخذ بما قالوا هو التقليد وعلى هذا فنقول من لا يتمكن من الوصول إلى الحق بنفسه فليتمكن من الوصول إليه بتقليد غيره من أهل العلم الذين أمر بسؤالهم إذا لم يكن عالمًا ولكن إذا سألنا سائل من أقلد فالجواب أن الواجب أن تقلد من تراه أقرب إلى الحق لأن أهل العلم كالأطباء فهم أطباء القلوب وإذا كان الواحد منا إذا مرض وكان في البلد أطباء كثيرون فإنه سوف يختار من كان أحذق وأعرف بالطب والأدوية والعلاج ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى طبيبٍ قاصر مع وجود من هو أحذق منه إلا عند الضرورة كذلك في التقليد اختر من تراه أقرب إلى الحق لكونه أعلم وأتقى لله ﷿ وفي هذه الحال تكون قد امتثلت أمر الله تعالى في قوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . ***
علي إبراهيم من الرياض يقول ما هي شروط الاجتهاد ومن هو المقلد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما شروط الاجتهاد فإن العلماء مختلفون فيها لكن لا بد من أن يكون الإنسان لديه اطلاع على الأدلة الشرعية وعلى مواقع النزاع بين أهل العلم وأن يكون لديه ملكة يستطيع بها أن يرجح الراجح ويزيف المرجوح والاجتهاد قد يتجزأ بمعنى أنه قد يكون الإنسان مجتهدًا في باب من أبواب العلم دون غيره أو في مسألة من مسائل العلم دون غيرها فقد يكون الإنسان لديه اجتهاد في كتاب الطهارة مثلًا يحرره ويحققه وينظر آراء العلماء وينظر الأدلة ويخلص من هذا إلى أن يستطيع الترجيح بين الأقوال حسب القواعد المعروفة عند أهل العلم وقد يكون مجتهدًا في مسألة من مسائل الطهارة مثلًا كالوضوء ولكنه في غيره ذلك لا يستطيع الاجتهاد وأما المقلد فهو الذي ليس عنده علم وإنما يأخذ العلم من غيره تقليدًا كقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقد أجمع العلماء كما ذكره عبد البر ﵀ على أن المقلد لا يعد من أهل العلم مهما بلغ في التقليد ومهما بلغ من الاطلاع على كتب من قلدهم لأنه في الحقيقة إن تكلم فهو ناقل عن غيره وإن رجع إلى كتب من قلدهم فهو تابع لغيره فليس من العلماء ولهذا لا يجوز للإنسان أن يستفتي شخصًا مقلدًا مع أنه يمكنه أن يستفتي من لديه اجتهاد ثم المقلد إذا دعت الضرورة إلى استفتائه فإنه لا يفتي بالشيء مضيفًا له إلى نفسه بل يقول قال فلان كذا أو قال فلان كذا أو قال الحنابلة كذا أو الشافعية كذا أو ما أشبه ذلك ممن يفتي بتقليدهم أو من يفتي بناء على تقليدهم. ***
هل هناك شروط للمجتهد أو للاجتهاد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلماء ذكروا للاجتهاد شروطًا أهمها أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة علمٌ بأدلة الشرع وملكةٌ يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها لأن من ليس عنده علمٌ من الشرع كيف يكون مجتهدًا في شيء لا علم له فيه ومن عنده علم لكن ليس عنده ملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام صار كمن بيده سيف لكن لا يعرف أن يقتل به فلا بد من أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة فإذا كان عند الإنسان علمٌ وملكة صار من أهل الاجتهاد ولا فرق بين أن يكون مجتهدًا اجتهادًا عامًا أو اجتهادًا خاصًا فإن بعض الناس قد يكون مجتهدًا في مسألةٍ معينة يعلم أدلتها ويتمكن من التطبيق على هذه الأدلة ولكنه في مسائل أخرى جاهل بمنزلة الأمي فيوجد من طلبة العلم من يكون عنده علمٌ في مسائل العبادات يمكن أن يجتهد به ولكن في المعاملات ليس عنده علم أو يكون عنده علم في المعاملات العقدية كالبيوع والإيجارة والرهن والوقف وما أشبه ذلك وليس عنده علم في مسائل المواريث والفرائض فعلى كل حال قد يتجزأ الاجتهاد فيكون الإنسان مجتهدًا في مسألةٍ أو بابٍ من أبواب العلم دون المسائل الأخرى. ***
أبو ساطع الحديثي من العراق محافظة الأنبار يقول إن هناك عدة مذاهب في الإسلام منها المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي والمذهب الحنفي والمذهب المالكي ويقال إنه في بعض مذاهب أخرى هل تلك المذاهب كانت موجودة في زمن الرسول ﷺ فأجاب رحمه الله تعالى: ليست هذه المذاهب موجودة في عهد النبي ﷺ وهذه المذاهب في الحقيقة ما هي إلا آراء اجتهادية من أئمتها ﵏ وهم مع ذلك مجمعون قاطبة على أنه متى تبين الدليل فإن الواجب إتباعه وطرح آراءهم خلافًا للمتعصبين لهم الذين يجعلون أقوال هؤلاء الأئمة بمنزلة النصوص الشرعية التي لا تجوز مخالفتها والتي يعتبرون مخالفتها منكرًا وهذا حرام عليهم ولا يجوز لهم فكل من تبين له الدليل واستبانت له السنة فإنه يحرم عليه أن يقدم عليها قول أحد كائنًا من كان حتى ولو كان أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا ﵃ أجمعين فإن الواجب بإجماع أهل العلم على من استبانت له السنة أن يتبعها على أي مذهب كان وبهذا نعرف أنه ينبغي لأهل العلم أن يكون أكبر همهم الدأب على البحث في مصادر السنة بل في مصادر الشريعة وهما الكتاب والسنة علمًا وفهمًا وتفهيمًا وعملًا حتى يرجع الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وحتى يحصل الاتفاق والائتلاف بينهم لأنه لا يمكن أن يحصل تمام الاتفاق والائتلاف مع وجود التنازع في الآراء والاختلاف حتى ولو كانت فقهية من الأمور التي يسمونها فرعية فإنه لابد أن يحصل تباين وتباعد بين المسلمين إذا تعصب كل منهم لما كان عليه إمامه مع أن الأئمة ﵏ وجزاهم خيرًا والمحققون من أتباعهم والعلماء كلهم يرون أنه لا يجوز لأحد تستبين له السنة أن يخالفها لأقوالهم. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول في أي زمن ظهرت هذه ولماذا ظهرت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظهرت هذه بعد انقراض العصر الأول من الصحابة ﵃ في القرن الثاني من قرون هذه الأمة أما ولماذا ظهرت فهذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه لأن ظهورها لم تظهر لأجل أن تتبع ولكن الذين قالوا بها من الأئمة هذا هو اجتهادهم لكن صار لهم أتباع وطلاب أخذوا عنهم ثم نشروا هذه المذاهب وما زالت تتسع باتساع الأمة الإسلامية حتى كثر أتباعها غالب المسلمين انحصروا في هذه المذاهب الأربعة مع أن هناك مذاهب أخرى لها ما لهذه المذاهب وعليها ما على هذه المذاهب من التصويب والتخطئة لأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. ***
هل من الواجب على المسلم أن يعتنق مذهبًا معينًا من هذه المذاهب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يلزم أحدًا من المسلمين أن يعتنق مذهبًا من هذه المذاهب وإنما يجب عليه أن يعتنق ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولكنه إذا كان ليس أهلًا لذلك أي ليس أهلًا لأخذ الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن عليه أن يسأل أهل العلم سواء كانوا منتمين إلى هذه المذاهب أم غير منتمين أن يسألهم ليعمل بما يقولون لقول الله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فهذا الواجب عليه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى معرفة الحق بنفسه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن الواجب عليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم. ***
ما حكم تقليد مذهب من المذاهب الأربعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب فمن الناس من ينتسب إلى مذهبٍ معين لظنه أنه أقرب المذاهب إلى الصواب لكنه إذا تبين له الحق اتبعه وترك ما هو مقلدٌ له وهذا لا حرج فيه وقد فعله علماء كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل فإنه أعني ابن تيمية كان من أصحاب الإمام أحمد ويعد من الحنابلة ومع ذلك فإنه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه وفتاويه إذا تبين له الدليل اتبعه ولا يبالي أن يخرج على ما كان عليه أصحاب المذهب وأمثاله كثير فهذا لا بأس به لأن الانتماء إلى المذهب ودراسة قواعده وأصوله يعين الإنسان على فهم الكتاب والسنة وعلى أن تكون أفكاره مرتبة. ومن الناس من هو متعصب لمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه دون أن ينظر في الدليل بل دليله كتب أصحابه وإذا تبين الدليل على خلاف ما في كتب أصحابه ذهب يؤوله تأويلًا مرجوحًا من أجل أن يوافق مذهب أصحابه وهذا مذموم وفيه شبه من الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) وهم وإن لم يكونوا بهذه المنزلة لكن فيهم شبهٌ منهم وهم على خطرٍ عظيم لأنهم يوم القيامة سوف يقال لهم ماذا أجبتم المرسلين لا يقال ماذا أجبتم الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني أو الإمام الفلاني. القسم الثالث من ليس عنده علم وهو عاميٌ محض فيتبع مذهبًا معينًا لأنه لا يستطيع أن يعرف الحق بنفسه وليس من أهل الاجتهاد أصلًا فهذا داخلٌ في قول الله ﷾ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ويتفرع على هذا السؤال سؤال آخر وهو إذا سأل العامي شيخًا من العلماء فأفتاه وسمع شيخًا آخر يقول خلاف ما أفتي به ممن يأخذ بقوله؟ يتحير العامي أيأخذ بقول هذا أو هذا وهو ليس عنده قدرة على أن يرجح أحد القولين بالدليل فيقال في جواب هذا السؤال لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها انظر ما يميل إليه قلبك من الأقوال واتبعه فإذا مال قلبك إلى قول فلان لكونه أعلم وأورع فاتبعه وإذا تساوى عندك الرجلان فقيل يؤخذ بأشدهما وأغلظهما احتياطًا وقيل يؤخذ بأيسرهما وأسهلهما لأنه الأقرب إلى قاعدة الشريعة والأصل براءة الذمة وقيل يخير والأقرب أنه يأخذ بالأيسر لقول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والأدلة متكافئة أو لأن المفتيين كلاهما في نظر السائل على حدٍ سواء. ***
هل العوام غير العالمين بالمذاهب ملزمون باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة وما هو المذهب الذي تحبذون اتباعه وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يلزم أحدًا أن يتبع مذهبًا دون مذهب إلا مذهبًا واحدًا وهو مذهب رسول الله ﷺ وهؤلاء الأئمة الأربعة كلهم يريدون أن يتمسكوا بمذهب الرسول ﵊ ولكنهم بشر يخطئون ويصيبون ولا نرى أن واحد منهم يجب إتباع قوله إتباعًا مطلقًا بل نقول من تبين أن الصواب في قوله وجب اتباعه من أجل أنه صواب لا من أجل أنه قول فلان أو فلان هذا ما نراه في هذه المسألة. ***
ما حكم الإفتاء إذا علمت فتوى السؤال من شيخ من كبار العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفتاء بقول بعض العلماء الذين تثق بهم، لا بأس به ولكن لتكون صيغة الإفتاء بقولك قال فلان كذا وكذا، إذا كنت متيقنًا من قوله ومن أن هذه الصورة التي سئلت عنها هي التي يقصدها هذا العالم، وأما أن تفتي به جزمًا فهذا لا ينبغي لأنك إذا أفتيت به جزمًا نسبت الفتوى إليك، وأما إذا نقلتها عن غيرك فأنت ناقل وتسلم من أن ينسب إليك ما لست أهلًا له فالإنسان المقلد ينبغي له أن ينسب القول إلى من قلده لا إلى نفسه بخلاف الذي يستدل على حكم المسألة من الكتاب والسنة وهو من أهل الاستدلال فلا بأس أن يفتي ناسبًا الشيء إلى نفسه. ***
حامد إبراهيم بالرياض يقول إذا أفتى الإنسان فتوى لأحدٍ من الناس ثم ذهب هذا المفتي وبعد حين من الزمن راجع هذا المفتي أقوال أهل العلم فوجد فتواه خطأ فماذا يعمل وهل عليه اثم نرجو الافادة بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت الفتوى الأولى عن اجتهاد وكان هو جديرًا بأن يجتهد ثم بعد البحث والمناقشة تبين له خطأ اجتهاده الأول فإنه لا شيء عليه وقد كان الإئمة الكبار يفعلون مثل هذا فتجد عن الواحد منهم في المسألة الواحدة عدة أقوال أما إذا كانت فتواه الأولى عن غير علم وعن غير اجتهاد ولكنه يظن ظنًا وبعض الظن اثم فإنه يحرم عليه أصلًا أن يفتي بمجرد الظن أو الخرص لأنه إذا فعل ذلك فقد قال على الله بلا علم والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب لقوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وعليه أن يبحث عن الذي استفتاه حتى يخبره بأن فتواه خطأ وغلط فإذا فعل هذا فأرجو أن يتوب الله عليه ومسألة الفتيا بغير علم مسألة خطيرة لأنه لا يضل بها المستفتي وحده بل ربما ينشرها المستفتى بين الناس ويضل بها فئام من الناس وهي خطأ وظلم. ***
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشروط في المفتي هي أن يكون مطلعًا على غالب أقوال أهل العلم ومطلعًا على الأدلة الشرعية في هذا الحكم الذي أفتى به وأما مجرد الظن والتقليد فإنه لا يفتى به لكن التقليد إذا كان ليس هناك مجتهد وليس بإمكان الإنسان أن يجتهد وهو من طلبة العلم الذين يعرفون ما كتبه العلماء فلا حرج عليه أن يفتي به للضرورة. ***
كنت أجلس في أحد المجالس وسمعت أختين لا أعرفهما تسأل إحداهما الأخرى عن حكم شرعي فأجابتها بأنها لا تعلم عن الحكم وكانت هذه المرأة قد سمعت حكم هذا الأمر من أحد العلماء في برنامج نور على الدرب فهل تقول أخبرها رغم أنها لم توجه لها السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خلاصة هذا السؤال أن امرأة سألت أخرى عن حكم مسألة شرعية فقالت لا أدري وكان إلى جانبهما امرأة تعرف الحكم الشرعي فهل تخبر هذه السائلة مع أنها لم تسألها فالجواب نعم تخبرها لأنها محتاجة كما لو أن المرأة سألت أخرى درهما لتشتري به خبزا لها فقالت ليس معي شيء والأخرى معها الدرهم فتعطيها بل هذا أبلغ لأنه علم شرعي فتقول مثلا المرأة الثالثة إني سمعت في نور على الدرب أن هذه المسألة حكمها كذا وكذا وحينئذ تنتفع السائلة والمسئولة. ***
صالح سلمان من السودان يقول لقد شاع في هذا الزمان التسرع بالفتوى من غير علم ولا بصيرة فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم الشرع فيما نرى ويراه غيرنا من أهل العلم أنه لا يجوز التسرع في الفتوى بغير علم بل إن الفتوى بغير علم من أعظم الذنوب قرنها الله تعالى بالشرك في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فالمفتي معبر عن الله ﷿ ومعبر عن رسول الله ﷺ معبر عن الله لأنه يتكلم عن أحكام الله في عباد الله ومعبر عن رسول الله ﵌ لأن العلماء ورثة الأنبياء فإذا كان الأمر كذلك فيا ويله إن افترى على الله كذبا وعلى رسوله فليتحرز الإنسان من التسرع في الفتوى وليقتدي بالسلف الصالح حيث كانوا يتدافعونها كل منهم يدفعها إلى الأخر ليسلم من مسئوليتها وليعلم أن الإمامة في الدين لا تكون بمثل هذا بل إن الناس إذا رأوا المتسرع في الفتوى وعرفوا كثرة خطئه فإنهم سوف ينصرفون عنه ولا يثقون بفتواه وأما إذا كان رصينا متأنيًا لا يفتى إلا عن علم أو عن غلبة ظن فيما يكفى فيه غلبة ظن فإنه حين إذن يكون وقورا محترما بين الناس ويكون لكلامه اعتبار وقبول ***
المستمع من جمهورية مصر العربية رمز لاسمه بـ م ل م يقول هناك ممن ينتسبون إلى العلم يفتي بدون دليل فإن طولب بالدليل غضب وثار وقال هل أفني عمري في البحث عن الأدلة ومن العجب أنه علم تلاميذه ومريديه عبارة غريبة فحواها بأن العالم لا يسأل عن الدليل ما الحكم في مقولة هذا الذي ينتسب إلى العلم وما الحكم أيضًا في فتواه وأيضًا غضبه من طلب الدليل وما الحكم في مقولة تلاميذه ومريديه من أن العالم لا يسأل عن الدليل ثم ما الحكم في استفتاء من حاله كهذا أفيدونا في هذا الأمر الخطير جزاكم الله عنا خير الجزاء على أن تكون الإجابة مشفوعة بالأدلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن ما ذكره السائل قد يوجد من بعض الناس ولاسيما من كان أكبر همه أن يكون ذا جاه بين العامة فإن من الناس من يفتي سواء كانت فتواه مستندة إلى دليل أم كانت فتواه مجرد تقليد لمن يعظمه من العلماء السابقين أو اللاحقين وقد ذكر ابن عبد البر ﵀ إجماع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء لأن المقلد ليس إلا نسخة كتاب من مذهب من يقلده وليس من العلماء في شيء ولهذا أرى أن التقليد لا يجوز إلا عند الضرورة وقد شبه شيخ الإسلام بن تيميّة ﵀ التقليد بأكل الميتة يجوز عند الضرورة وأما مع القدرة على الدليل فإن التقليد لا يجوز وهذا مفهوم من قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أما حال هذا الرجل الذي إذا طلب منه الدليل غضب وقال كيف أفني عمري في طلب الدليل فإن هذا يدل على جهله وعلى جهالته أيضًا لأن الإنسان العالم ينبغي له أن يفرح إذا طلب منه السائل الدليل لأن طلب السائل للدليل إذا لم يكن المقصود به الإعنات والإشقاق يدل على محبة هذا السائل لكونه يبني عقيدته أو قوله أو عمله على أساس من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ليعبد الله على بصيرة فإن الحقيقة أن العلم معرفة الهدى بدليل والإنسان سوف يسأل يوم القيامة ماذا أجاب المرسلين كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) وليس يقال له ماذا أجبت فلانًا أو فلانًا من الناس سوى الرسل عليهم الصلاة والسلام ونصيحتي لهذا العالم أن يتق الله تعالى في نفسه وأن لا يفتي إلا بدليل من الكتاب والسنة اللهم إلا عند الضرورة وأن يحرص تلاميذه على طلب الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ويمرنهم عليه وعلى استنباط الأحكام من أدلتها حتى ينفع الله به ونحن جربنا بأنفسنا فأحيانًا تمر بنا المسألة نطلبها فيما عندنا من كتب أهل العلم فلا نجد لها حكمًا ثم إذا رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وجدناها قريبة يتناولها اللفظ بعمومه أو بمفهومه أو بإشارته أو بلازمه أو غير ذلك من أنواع الدلالة المعروفة إما في القرآن وإما في السنة وهذا يدل على قصور بني آدم وأنه مهما بلغوا من الذكاء وتفنيد الأحكام على دلائلها فإنهم لم يحيطوا بما تتطلبه أحوال الخلق وما يجب عليهم لكن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هما اللذان يحتويان ذلك كله ولكن هذا أيضًا يعتمد على قوة الفهم لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وقوة الفهم تكون هبة من الله ﷿ على العبد إما تفضلًا منه وإما بهداية الله له بممارسة الكتاب والسنة والتأمل فيهما والنظر في دلالاتهما ولهذا فإني أحث إخواني ولاسيما طلبة العلم أن يكون مرجعهم دائمًا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأن يستعينوا على فهمهما واستنباط الأحكام منهما بما كتبه أهل العلم الراسخون فيه من القواعد والضوابط التي تعين طالب العلم على استنباط الأحكام من أدلتها فإنه في الحقيقة لا غنى لطالب العلم عما كتبه السلف في كيفية استخراج الأحكام من أدلتها وأما قول هذا الشيخ أن العالم لا يطلب منه الدليل فهذا خطأ بل العالم حقًا هو الذي يعرض الدليل أولًا بقدر ما يستطيع وبحسب فهم السائل فإن لم يفعل وطلب منه الدليل فليكن منشرح الصدر في سؤال أو في طلب الدليل وليأتي بالدليل وكما أسلفت آنفًا أن تمرين الطلبة على استخراج الأحكام من أدلتها من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هو بالحقيقة من أكبر الوسائل التي تعين على انتشار الأحكام واستخراج أحكام المسائل الجديدة التي لم تكن معروفة في سلفنا الصالح. ***
فضيلة الشيخ محمد حقيقة في حلقة سابقة استمعنا إلى سؤال عن أحد الأشخاص الذي أدى العمرة وقد أفتاه مجموعة من الإخوان ما بين فدية وقال آخر تحرم من التنعيم تسرع بعض الناس في الفتوى فضيلة الشيخ هل لكم تعليق عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لنا تعليق على هذا وهو أنه يحرم على الإنسان أن يسارع في الفتية بغير علم لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ولقول الله ﵎ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ولقول الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) وربما يدخل هذا في قول النبي ﷺ (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) وفي الأثر (أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار) وكان السلف ﵏ يتدافعون الفتيا كل منهم يحيلها على الآخر ولكن الذي يظهر لي أن هذا السائل لم يفته أحد من العلماء لكنه فتوى مجالس من العامة أي قال كل واحد منهم أظن أن عليك كذا أن عليك كذا ومع ذلك فإننا لا نعذره لأن الواجب عليه أن يسأل أهل العلم الذين هم أهل للإفتاء لكنني أحذر صغار الطلبة الذين يتسرعون في الإفتاء فتجد الواحد منهم يعرف دليلا في مسألة وقد يكون هذا الدليل عاما مخصوصا أو مطلقا مقيدا أو منسوخا غير محكم فيتسرع في الفتيا على ضوئه دون أن يراجع بقية الأدلة وهذا غلط محض يحصل فيه إضلال المسلمين عن دينهم ويحصل فيه البلبلة والإشكال حتى فيما يقوله العلماء الذين يفتون عن علم لأن هذا الإفتاء الذين حصل لهم بغير علم والذي فيه مخالفة الحق ربما يضعه الشيطان في قلوبهم موضع القبول فيحصل بذلك عندهم التباس وشك لهذا نقول لإخواننا إياكم والتسرع في الفتيا واحمدوا ربكم أنه لا يلزمكم أن تقولوا بشيء إلا عن علم أو عن بحث تصلون فيه على الأقل إلى غلبة في الظن وكم من مفسدة حصلت في الإفتاء بغير علم ربما يحصل بذلك إفطار في صوم أو قضاء صوم غير واجب أو ربما تصل إلى حد أكبر كما يرد علينا أمور كثيرة في هذا الباب والله المستعان. ***
أحسن الله إليكم من الأردن هذا شاب يقول أنا شاب في العشرين من عمري ترك والدي ﵀ مبلغا من المال فاشترى أخي الكبير بالمال أراضي وقام بتسجيل الأراضي التي قمنا بشرائها باسم الأخوة الذكور فقط وأضاف مبلغ عليه وأنا الآن أريد هذه الحصة نقدا ولا أريد هذه الأرض أفتونا يا فضيلة الشيخ في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نفتيه بأن نرده إلى الحاكم الشرعي هناك لأن مسائل الخصومة أو ما يقدر أن يكون فيها خصومة لا يجيب عنها المفتي وإذا أجاب عنها المفتي فقد يكون عند خصمه ما لم يذكره للمفتي هذه من جهة وقد يكون رأي المفتي غير رأي الحاكم في المسائل الخلافية لذلك ننصح إخواننا المفتين إذا عرضت عليهم أي مشكلة بين اثنين ألا يفتوا فيها لأن هذا ما فيه ألا جر النزاع وربما ترفع القضية للحاكم ويحكم الحاكم بغير ما أفتى به هذا المفتي فيتحدث الناس قال المفتي كذا وقال الحاكم كذا مع إنه قد يدلى عند الحاكم بحجة لم تذكر عند المفتي فنصيحتي لإخواني المفتيين سواء في السعودية أو غيرها ألا يفتوا بما فيه نزاع نعم لو فرض أن المستفتي سأل عن مسألة يكون الحق فيها عليه هو فهنا قد نقول إن للمفتي رخصة أن يفتي بها لأجل أن يقطع النزاع بين المستفتي وبين خصمه ويختصر الطريق أما إذا كانت المسألة محتملة أن تكون لهذا أو لهذا أو هي له على خصمه فهنا نقول لا تفتي وحوّلها إلى الحاكم وذمتك بريئة. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل من الرياض أ. أ. يقول لدينا أحد الزملاء يفتي الزملاء في العمل في كل صغيرة وكبيرة ونعلم خطورة الفتوى بغير علم فحدثونا عن خطر ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المفتي في الأمور الشرعية معبر عن دين الله فلا يحل لأحد أن يفتي بغير علم فإن ذلك من كبائر الذنوب قال الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقال تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومن أفتى بغير علم فقد وضع نفسه شريكًا مع الله ﷿ في تشريع الأحكام فنصيحتي لهذا الذي نصب نفسه مفتيًا في كل صغيرة وكبيرة أن يتوب إلى الله ﷿ وأن لا يفتي إلا بما علم أنه من شرع الله ﷿ أو غلب على ظنه أنه من شرع الله بعد الاجتهاد التام وقد اتخذ بعض الناس الفتوى حرفة يترفع بها على من أفتاه ويري الناس أنه ذو علم وهذا خطأ وسفه في العقل وضلالٌ في الدين وقد قال الله تعالى في كتابه (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ولم يقل الذين يفتون، فعلى المرء أن يعرف قدر نفسه وأن يكل الأمر إلى أهله وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويذكر الوعيد فيمن قال على الله ما لا يعلم. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد حسين يقول إذا سئل المسلم عن شيءٍ يعرفه في أمور الدين وهو ليس متفقهًا في أمور الدين فهل يجب عليه أن يخبره بهذا الشيء وإذا كان المسئول يعمل هذا العمل فهل يحرم عليه أن يخبر غيره بهذا الشيء أم أنه يظل صامتًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سئل المسلم عن شيءٍ يعرفه من أمور الدين فإن عليه أن يجيب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بلغوا عني ولو آية) ولكن إذا قال له السائل مثلًا من أين علمت أن هذا حكمه كذا وكذا فليسنده إلى من سمعه منه من العلماء حتى يكون السائل مطمئنًا أما إذا كان لا يعلم فإنه لا يجوز له أن يخبره ولا عبرة لما يشتهر بين العامة فإن العامة قد يشتهر عندهم أن هذا الشيء جائز وهو ليس بجائز وقد يشتهر عندهم أن هذا ليس بجائز وهو جائز لكن إذا كان يعلم الحكم عن عالم من العلماء الموثوق بعلمهم فعليه أن يخبر به وإلا فإنه يجب عليه أن يتوقف لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ولقوله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) . ***
سمعت من بعض الناس أن علماء آخر الزمان يتوسعون في الدين أي يبيحون كُلّ شيء بحيث إنهم يقولون إن رسول الله ﷺ يقول لا تأخذوا من علماء آخر الزمان فهم يضلونكم هل هذا حديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا الحديث الذي ذكرت لا أصل له وليس بصحيح وعلماء الضلال موجودون في أول هذه الأمة من بعد عصر القرون المفضلة إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم والله أعلم وليس هذا خاصًا بآخر الزمان فقد ورد في صدر هذه الأمة بعد القرون المفضلة ورد علماء مضلون صاروا أئمة لمن بعدهم في الضلال والدعوة إلى الضلال والعياذ بالله وليس هذا خاصًا بآخر هذه الأمة وأما ما نسمعه من بعض كبار السن من إنكارهم ما يسمعون من العلم فإن هذا من جهلهم في الحقيقة وليس غريبًا أن يقع منهم مثل هذا الإنكار لأنهم جهلة ولو كان عندهم علم لكانوا يطلبون لما سمعوه من هذه العلوم يطلبون الدليل فإذا وجدوا الدليل علموا أن ما قيل ليس بجديد ولكن الذي جَّد هو سماع هؤلاء له ولا يلزم من تجدد سماع هؤلاء لما سمعوه من العلم أن يكون العلم جديدًا فالواجب على المسلم إذا سمع شيئًا ليس في معلومه من شريعة الله ﷾ الواجب عليه أن يبحث عن دليل هذا الذي سمع فإذا كان دليلًا صحيحًا وجب عليه القبول وإن لم يكن صحيحًا فله الحق في أن يرفض بل يجب عليه أن يرفض إذا كان يخالف دليلًا آخر أصح منه. فضيلة الشيخ: إذن نستطيع أن نقول أن انتشار العلم وكثرة العلماء والبحث هو الذي أدَّى إلى هذه المعرفة التي كانت خافية عليهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو هذا لكن في الحقيقة الذي يخشى منه الآن هو أن بعض الناس يتسرعون في الفتوى ولا يحققون ما يقولون وهذه هي المسألة الخطيرة جدًا لأننا نسمع هذا كثيرًا ونقرأه كثيرًا وينقل إلينا كثيرًا مسائل أفُتي فيها نعلم أن المفتي لو أنه بحث وفتش لوجد أن الصواب في خلاف ما أفتى به ولكنه لم يشأ أن يتكلف المشقة في طلب الحق فتجده يفتي بما يراه يقول أرى كذا وأرى كذا والعامة لا يميزون بين قوله أرى كذا وبين قوله هذا حكم الله فهم يرون أن من يعتقدونه عالمًا أنه إذا قال أرى كذا فمعناه أن هذا هو الشرع مع أن الأمر بخلافه والذي أنصح به إخواني ألا يتسرعوا فإن التسرع إلى الفتوى بدون بحث وتحقيق وعلم هو في الحقيقة مرض خطير ويجب على المرء أن يعلم بأنه إذا أفتى بحكم من أحكام الشريعة فإنما هو مبلغ عن شريعة الله ﷾ لخلقه وهو مسؤول عن ذلك فليحذر هذا الأمر العظيم. فضيلة الشيخ: إذن هناك سؤال لابد من طرحه مادمتم تفضلتم بهذا الحديث وهو هل يجوز للمفتى أن يقول أرى وهو يجد نصًا أو يجد فتوى سابقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان النص صريحًا فإنه لا يقول أرى إذا كان النص صريحًا يقول هذا حكم الله لقوله تعالى أو لقول النبي ﷺ وإذا كان النص غير صريح فلا حرج أن يقول أرى لأن الحديث ليس بصريح فيما يقول وقد يكون رأيه أو فهمه للحديث ليس بصحيح فحينئذٍ يقول هذا رأيي وأما الرأي المجرد الذي ليس له مستند فهذا لا يجوز الفتوى به مطلقًا لأنه لو قيل كذلك لكان من الذين يقولون في القرآن برأيهم لأن من قال في القرآن برأيه كما أنه لتفسير القرآن فهو أيضًا لبيان أحكام القرآن والشريعة فمجرد الرأي لا يجوز الفتوى به حتى يكون له مستند من نص أو إجماع أو قياس صحيح يكون به الرائي من أهل النظر والقياس والمعرفة. فضيلة الشيخ: بالنسبة للفتوى إذا كان هناك فتوى سابقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كذلك بالنسبة للفتوى السابقة لا يجب عليه أن يلتزم بها لأن الفتوى السابقة يجوز عليها الخطأ كما يجوز على الفتوى اللاحقة وإنما يعتمد فيما يفتي إذا استطاع على الكتاب والسنة. ***
هل من توجيه لأولئك الذين يفتون دون علم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك توجيه واجب أن نوجه إخواننا الذين يتسرعون في الفتوى ونقول لهم إن الأمر خطير لأن المفتي يعبر عن شريعة الله فهل هو على استعداد إذا لاقى الله ﷿ وسأله عما أفتى به عباده من أين لك الدليل أمّا المفتي بلا علم ليس عنده دليل حتى لو أصاب فقد أخطأ لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) والقول على الله بلا علم يشمل القول عليه في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أحكامه وقال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقال تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وفي الحديث (أجرأكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وكان السلف ﵏ يتدافعون الفتيا حتى تصل إلى من يتعين عليه الإجابة وإني أقول لهؤلاء الذين يريدون أن يسبقوا إلى السؤدد والإمامة أقول لهم اصبروا فإن كان الله قد أراد بكم خيرا ورفعة حصلتم ذلك بالعلم وإن كانت الأخرى فإن جرأتكم على الفتيا بلا علم لا تزيدكم إلا ذلا بين العباد وخزيا يوم الميعاد وإني لأعجب من بعض الإخوة الذين أوتوا نصيبا قليلا من العلم أن يتصدروا للإفتاء وكأن الواحد منهم إمام من أئمة السلف حتى قيل لي عن بعضهم حين أفتى بمسألة شاذة ضعيفة إن الإمام أحمد بن حنبل يقول سوى ذلك فقال هذا المفتي لمن أورد عليه هذا الإيراد ومن أحمد بن حنبل أليس رجلا إنه رجل وإنا نحن رجال ولم يعلم الفرق بين رجولته التي ادعاها ورجولة الإمام احمد إمام أهل السنة ﵀ وأنا لست أقول إن الإمام أحمد قوله حجة لكن لا شك أن قوله أقرب إلى الصواب من قول هذا المفتي الذي سلك بنيات الطريق والله أعلم بالنيات. ***
هل من نصيحة إلى من يتصدر للفتيا من دون علم وقد يوقع غيره في الخطأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهذا وأمثاله الذين يفتون بغير علم أن يتقوا الله ﷿ وأن يعلموا بأنهم إذا أفتوا إنما يتكلمون عن الله ﷾ ويقولون على الله وقد حرم الله على عباده أن يقولوا عليه ما لا يعلمون وقرن ذلك بالشرك به فقال سبحانه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فليحذر المؤمن من أن يكون واقعًا فيما حرمه الله عليه ولا يفتي إلا بعلم إن كان من أهل العلم فبما أعطاه الله من العلم وإن كان من العامة فبما سمعه وتيقنه من أهل العلم ومع هذا فإنه ينبغي للعامي أن يتحرز غاية التحرز إذا استفتى أحدًا من أهل العلم فإن بعض العامة يستفتون فيصورون الشيء بغير حقيقته فيفتون على ضوء ما سمعه المفتي ويحصل بذلك الخطأ العظيم وبعض العامة يصور الشيء على حقيقته ولكنه لا يفهم الجواب على حقيقته فيقع أيضًا في خطر عظيم فيضل ويضل الناس. ***
حامد بن إبراهيم من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول هل يأثم الإنسان إذا لم يعمل بالأحاديث التي انفرد بروايتها شخص واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا سؤال عائم في الحقيقة لأن الحديث الصحيح هو الذي رواه عدل بسند متصل غير معلل ولا شاذ فالحديث الصحيح إذا تمت فيه شروط الصحة ولو كان من طريق واحد فإنه يجب العمل بمقتضاه سواء في الأمور العملية أو في الأمور العلمية لا فرق بين هذا وهذا على ما مشى عليه أهل السنة والجماعة وكذلك الحديث الحسن يعمل به أيضًا لأن الحديث الحسن ليس بينه وبين الحديث الصحيح إلا فرق خفيف جدًا وهو أن راويه لا يكون تام الضبط فيكون عنده ضبط لكنه ليس تامًا وهو من الأحاديث المقبولة التي يعمل بها وينبغي أن تعلم أن القاعدة العامة أن كل ما صح عن النبي ﷺ فإنه معمول به سواء جاء عن طريق واحد أو من طريقين أو من ثلاثة أو أكثر. ***
الأحاديث الموقوفة هل يعمل بها وأيضًا الأحاديث المقطوعة هل تعتبر من الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأحاديث الموقوفة هي المنسوبة إلى الصحابي لا إلى رسول الله ﷺ والعمل بها يتوقف على العمل بقول الصحابي فمن أهل العلم من قال إن أقوال الصحابة حجة يؤخذ بها ومنهم من قال إنها ليست بحجة وأن الحجة في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وإجماع الأمة ومن الناس من فصل وقال إذا كان الصحابي ممن عرف بالعلم والفقه فقوله حجة وإن لم يكن كذلك فقوله ليس بحجة وهذا أعدل الأقوال وأوسط الأقوال وأصح الأقوال وأما المقطوع فالمقطوع ما نسب إلى التابعي فمن بعده وليس بحجة حتى وإن صح سنده لأن قول التابعي ليس بحجة فإن التابعين كغيرهم من علماء هذه الأمة يؤخذ من أقوالهم ويترك. ***
ن س تقول من هو المدلس وما هي الأسباب التي تحمل المدلس على التدليس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المدلس هو الذي يظهر الشيء بمظهر مرغوب فيه وليس كذلك مثل أن يلمع سيارته لتبدو للمشتري وكأنها جديدة أو أن يشطب بيته لإزالة ما فيه من الشقوق والانهيار ليظهر للناس أنه جديد وما أشبه ذلك وهذا من الغش الذي نهى عنه النبي ﷺ بل الذي تبرأ من فاعله كما قال النبي ﷺ (من غشنا فليس منا) وإن كانت السائلة تريد بالمدلس المدلس في علم الحديث فهو لا يخرج عن المعنى الذي ذكرناه وهو إظهار الشيء بصفة تستلزم قبوله فإن المدلس في الحديث هو الذي يروي عن شخص لم يتلق منه الحديث مباشرة بصيغة تحتمل اللقي مثل أن يقول عن فلان، وفلان لم يحدثه به لكن رواه عنه بواسطة فيظهر للناس أن هذا الإسناد متصل لأن صيغته الظاهرة تقتضي هكذا وهو لم يتصل وقد ذكر أهل العلم أن المعروفين بالتدليس لا تقبل منهم الأحاديث المعنعنة إلا إذا صرحوا بالتحديث أي إلا إذا قال هذا المدلس عمّن روى عنه حدثني فلان أو سمعت فلانًا أو ما أشبه ذلك ففي هذه الحال يقبل إذا كان ثقة أي إذا لم يكن سبب الرد فيه شيء سوى التدليس. ***
إذا قرأت في كتب السنة أجد فيها أحاديث صحيحة وضعيفة وموضوعة فهل يجوز الاستدلال بها والعمل بها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السنة كما قال الأخ المنسوب إليها ينقسم ثلاثة أقسام صحيح وحسن وضعيف والرابع الموضوع أما الصحيح والحسن فإنه يستدل بهما ويؤخذ بهما أي بما دلا عليه من أحكام ويصدق ما فيهما من أخبار وأما الضعيف فإن جبر بكثرة طرقه والشواهد فإنه يكون حسنًا لغيره فيلحق بالحسن ويعتد به وإن لم ينجبر بذلك فإنه ليس بحجة لكن قد استشهد به بعض العلماء في فضائل الأعمال أو في الزواجر عن النواهي بثلاثة شروط: الأول أن يكون له أصلٌ صحيح يشهد له. والثاني أن لا يكون الضعف شديدًا. والثالث أن لا يعتقد صحته عن النبي صلى الله عليه سلم أي أن النبي ﷺ قاله مثال ذلك لو ورد حديثٌ فيه فضلٌ لصلاة الجماعة وهو ضعيف لكنه تنطبق عليه الشروط الثلاثة التي ذكرنا فإن هذا يمكن الاستشهاد به لأن صلاة الجماعة واجبة وأصل الفضل فيها ثابت فإذا تمت الشروط الثلاثة فالأصل هنا موجود فإذا وجد الشرطان الآخران وهما أن لا يكون الضعف شديدًا وأن لا يعتقد صحته عن النبي صلى الله عليه سلم جاز الاستشهاد به. وأما الموضوع وهو القسم الرابع فإنه لا يجوز نسبته إلى النبي ﷺ بأي حالٍ من الأحوال بل ولا يجوز ذكره إلا مبينًا أو إلا مقرونًا ببيان وضعه حتى لا يغتر الناس به وكذلك الضعيف الذي ذكرنا آنفًا لا يجوز ذكره إلا مقرونًا ببيان ضعفه حتى وإن قلنا بأنه يجوز الاستشهاد به فلا بد من بيان ضعفه ***
ما حكم الاستدلال بالأحاديث الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز الاستدلال بالأحاديث الضعيفة ولا يجوز سوقها على أنها حجة حتى ولو كان في فضائل الأعمال أو في العقاب على سيئ الأعمال إلا إذا ذكرها في الفضائل والترغيب في الخير أو في التحذير من الشر إذا ذكرها مبينًا ضعفها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من حدث عني بحديثٍ كذب يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) وقد ثبت عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) وقد رخص بعض أهل العلم بجواز رواية الحديث الضعيف لكن بشروطٍ ثلاثة: الشرط الأول أن لا يكون الضعف شديدًا. والشرط الثاني أن يكون له أصلٌ ثابت. والشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله فعلى هذا فيرويه بقول يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو يذكر عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو ما أشبه ذلك وهذه الشروط محترزاتها أن نقول إذا كان الضعف شديدًا فإنه لا تجوز روايته ولا ذكره وإذا لم يكن له أصل فإنه لا تجوز روايته ولا ذكره ومعنى أن يكون له أصل أن يأتي حديثٌ ضعيف في فضيلة صلاة الجماعة مثلًا وكثرة ثوابها وهذا له أصل وهو أن صلاة الجماعة مشروعة وواجبة فإذا وجد حديث فيه زيادة الترغيب وزيادة الأجر فهذا نستفيد منه أن نحرص على هذه الصلاة ونرجو الثواب الذي ذكر في هذا الحديث وهذا لا يؤثر على أعمالنا الصالحة لأن النفس ترجو بدون قطع أما إذا لم يكن له أصلٌ ثابت فإنه لا يجوز ذكره إطلاقًا ولا روايته وأما الشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قاله فلأنه ضعيف ولا يجوز أن يعتقد أن الرسول قاله وهو ضعيف لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأن ذلك نوعٌ من الكذب عليه وقد قال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤولًا) لكن لو اشتهر حديثٌ ضعيف بين الناس فالواجب على الإنسان العالم بضعفه أن يذكره بين الناس ويبين أنه ضعيف لئلا يغتروا به. ويوجد الآن أحيانًا منشورات تتضمن أحاديث ضعيفة وقصصًا لا أصل لها ثم تنشر بين العامة وإني أقول لمن نشرها أو أعان على نشرها إنه آثمٌ بذلك حيث يضل عن سبيل الله يضل عباد الله بهذه الأحاديث المكذوبة الموضوعة أحيانًا يكون الحديث موضوعًا ليس ضعيفًا فقط ثم تجد بعض الجهال يريدون الخير فيظنون أن نشر هذا من الأشياء التي تحذر الناس وتخوفهم مما جاء فيه من التحذير أو التخويف وهو لا يدري أن الأمر خطير وأن تخويف الناس بما لا أصل له حرام لأنه من الترويع بلا حق أو يكون فيه الترغيب في شيء وهو لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هو موضوع هذا أيضًا محرم لأن الناس يعتقدون أن هذا ثابت فيحتسبونه على الله ﷿ وهو ليس كذلك فليحذر هؤلاء الذين ينشرون هذه المنشورات من أن يكونوا ممن افتروا على الله كذبًا ليضلوا الناس بغير علم وليعلموا أن الله لا يهدي القوم الظالمين وأن هذا ظلمٌ منهم أن ينشروا لعباد الله ما لا يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ***
يقول هل يستدل بالأحاديث الضعيفة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأحاديث الضعيفة لا يستدل بها ولا يجوز أن تنسب إلى رسول الله ﷺ إلا على وجه يبين فيه أنها ضعيفة ومن حدث عن رسول الله ﷺ بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار) فلا يجوز العمل بالحديث الضعيف لكن بعض أهل العلم رخص في ذكر الحديث الضعيف بشروط ثلاثة: الشرط الأول ألا يكون ضعفه شديدًا. والشرط الثاني أن يكون له أصل. والشرط الثالث أن لا يعتقد أن النبي ﷺ قاله فإن كان الضعف شديدًا فإنه لا يجوز ذكر الضعيف أبدًا إلا أذا كان الإنسان يريد أن يبين ضعفه وإذا كان ليس له أصل فإنه لا يجوز ذكره أيضًا مثال الذي له أصل أن يأتي حديث في فضل صلاة الجماعة مثلًا وهو ضعيف فلا حرج من ذكره هنا للترغيب في صلاة الجماعة لأنه يرغب في صلاة الجماعة ولا يضر لأنه إن كان صحيحًا فقد نال الثواب المرتب عليه وإن لم يكن صحيحًا فقد استعان به على طاعة الله لكن مع ذلك يأتي الشرط الثالث أن لا تعتقد أن النبي ﷺ قاله ولكن ترجو أن يكون قاله من أجل ما ذكر فيه من الثواب على أن بعض أهل العلم قال إن الحديث الضعيف لا يجوز ذكره مطلقًا إلا مقرونًا ببيان ضعفه وهذا القول لا شك أنه أحوط وأسلم للذمة ومسألة الترغيب والترهيب يكفي فيها الأحاديث الصحيحة عن رسول الله ﷺ. ***
إذا كان هناك حديث ضعيف عن الرسول ﷺ فهل يجوز الأخذ به إذا لم يكن مخالفًا للقرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز الأخذ بالحديث الضعيف لأنه إذا أخذ الإنسان بحديث ضعيف فمعنى ذلك أنه ينسب إلى الرسول ﷺ ما لم يثبت عنه وهذا على خطر عظيم لكن رخص بعض أهل العلم في رواية الحديث الضعيف إذا كان في فضائل الأعمال إلا أنهم اشترطوا لذلك ثلاثة شروط: الشرط الأول ألا يكون الضعف شديدًا. والشرط الثاني أن يكون لهذا الحديث أصل. والشرط الثالث ألا يعتقد أن الرسول ﷺ قاله ومعنى قولهم له أصل أن يكون هذا الحديث ورد في فضل صلاة الجماعة مثلًا فهذا له أصل فمشروعية صلاة الجماعة ثابتة فإذا جاء حديث ضعيف في فضلها والثناء على من فعلها فبعض العلماء يرخص في روايته ولكن بشرط ألا يعتقد أن النبي ﷺ قاله أما لو كان دليلا على إثبات حكم شرعي مستقل فإن هذا لا يجوز روايته ولا نشره. ***
من فهد السويف يقول كيف يمكن أن نفرق بين الحديث الصحيح المروي عن النبي ﷺ وغير الصحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يمكن أن نفرق بينهما بما ذكره أهل العلم فإن أهل العلم ﵏ بينوا الصحيح من الضعيف ويمكن أن نقرأ في الكتب المعروفة بالصحة كصحيح البخاري ومسلم والجمع بين الصحيحين للحميدي وغيرها من الكتب المعروفة بالصحة ويمكن أيضًا أن نعرف ذلك بتتبع هذا الحديث ومعرفة رجاله وإسناده ومتنه فإذا كان عند الإنسان قدرة على هذا فيمكن أن يعرف الصحيح من الحديث الضعيف وإذا لم يكن له قدرة فيقلد في هذا أهل العلم في هذا الفن. ***
كيف يعرف الإنسان الأحاديث الصحيحة من الموضوعة وهل هناك كتب توضح الأحاديث الموضوعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرجوع في هذا إلى أهل العلم المختصين الذين اعتنوا بالأحاديث وميزوا صحيحها من ضعيفها كما أننا نرجع في المرض إلى الطبيب المختص فمن كان مريضا في بطنه لا نعرضه على من كان طبيبا في الأعصاب والعظام بل على من كان طبيبا في البطون وما أشبه ذلك وقد بين العلماء والحمد لله ذلك وأبدوا فيه مجهودا كبيرا نسأل الله أن يثيبهم عليه وهناك كتب صنفت في الموضوعات فقط مثل الفوائد المجموعة في الأحاديث الموضوعة للشوكاني ﵀ وغيرها مما لا أعلمه فليبحث عن ذلك. ***
عندنا إمام مسجد لا يستدل إلا بالأحاديث التي رواها الشيخان فقط فهل هذا صحيح يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن كل ما صح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فهو حجة سواء كان من الصحيحين أو من غيرهما والصحيحان لم يستوعبا جميع الأحاديث الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بل هناك أحاديث صحيحة ليست في الصحيحين ولا في أحدهما وقد قبلها الناس وصححوها وعملوا بها واعتقدوا بمقتضاها فيقال لهذا الرجل لماذا كنت تحتج بما رواه الشيخان البخاري ومسلم دون غيرهما فإذا قال لأن كتابيهما أصح الكتب قلنا إذا المدار على الصحة فأي كتاب كان فيه حديث صحيح فإنه يجب عليك أن تقبله. ***
ما الكتاب الذي يحمل أحاديث كثيرة وتنصحونني به أو بامتلاكه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكتب في ذلك مختلفة متنوعة وكل منها يبحث في موضوع معين ولكن من خير ما نعلم لها ولأمثالها رياض الصالحين الذي ألفه النووي ﵀. ***
هل يجوز استخدام التجويد في غير القرآن كقراءة أحاديث النبي ﷺ وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض المتأخرين في تفسير قوله تعالى (وَإِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقًا يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتَابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتَاب) ذكر بعض المتأخرين أن من ذلك أن يتلو الإنسان غير القرآن على صفة تلاوة القرآن مثل أن نقرأ الأحاديث أحاديث النبي ﷺ كقراءة القرآن أويقرأ كلام أهل العلم كقراءة القرآن وعلى هذا فلا يجوز للإنسان أن يترنم بكلامٍ غير القرآن على صفة ما يقرأ به القرآن لا سيما عند العامة الذين لا يفرقون بين القرآن وغيره إلا بالنغمات والتلاوة. ***
هل جائز أن تقول صدق الله العظيم على أقوال محمد ﷺ لأنه وحيٌ يوحى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن نقول صدق رسول الله ﷺ لأن هذا الكلام الذي تكلم به النبي ﷺ ليس كلام الله وإن كان وحيًا يُوحى والسنة كما يُعلم من التتبع والاستقراء منها وحيٌ ومنها اجتهاد منها وحيٌ يوحى إلى النبي ﷺ ومنها اجتهادٌ يجتهد فيه ثم ينزل القرآن مقررًا له أو مبينًا للصواب ثم إن ختم كلام الرسول ﷺ أو خَتم كلام الله تعالى بصدق الله العظيم هو من الأمور المحدثة التي لم تكن معروفةً في عهد النبي ﷺ وعهد السلف الصالح نعم إذا وقع أمرٌ مصدقٌ لما أخبر الله به ورسوله فحينئذٍ تقول صدق الله مثل أن ترى تعلقك بأولادك أو يصيبك شيء منهم من الفتنة عن دين الله يلهونك عنه ويصدونك تقول صدق الله العظيم إنما أموالكم أولادكم فتنة أو ما أشبه ذلك مما ينزل مصداقًا لكلام الله فتقول صدق الله وكذلك ما يكون أو ما يقع مصداقًا لكلام الرسول ﷺ فتقول صدق رسول الله ﷺ لقد كان كذا وكذا وأما أن تقول صدق رسول الله أو صدق الله كلما ختمت كلام الله أو كلام رسوله فهذا ليس من السنة بل هو من الأمور المحدثة. ***
هل يجوز للإنسان المسلم المتفقه في دينه أن يلقي المواعظ، ولكن يقول الحديث مثلًا ليس بنصه، وهل يكون عليه إثم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يذكره معناه أنه يريد أن يروي الحديث بالمعنى ورواية الحديث المعنى اختلف فيها علماء الحديث هل هي جائزة أم لا؟ فمنهم من يرى أنها جائزة بشرط أن يكون الإنسان المتحدث عارفًا بالمعنى، وأن ما نقله بمعناه لم يتغير شيء منه، وشرط آخر أن يستوعب من الحديث ما يجب استيعابه بحيث لا يحذف منه شيئًا يتعلق بما ذكره، فإذا كان عارف بالمعنى واستوعب الحديث على وجه لا خلل فيه فالصحيح أنه جائز، الصحيح أنه جائز لكن ينبغي أن يختمه بقوله أو كما قال ﷺ حتى لا يحفظه أحدًا بلفظه ظانًا أنه لفظ الحديث عن الرسول ﵊. ***
هل يجب علينا أن نحفظ الأحاديث عن ظهر قلب وكيف ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على الإنسان أن يحفظ الأحاديث عن ظهر قلب ولكن يجب على الإنسان أن يتعلم من العلم ما يحتاجه إليه في عباداته ومعاملاته سواء من القرآن أو من السنة أو مما كتبه أهل العلم مستنبطا من الكتاب والسنة. ***
شروح الأحاديث والحكم عليها
س. ع. س. سوداني مقيم بالمدينة المنورة يقول عن عمر بن الخطاب ﵁ قال قال رسول الله ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) ولقد هاجرت إلى المملكة العربية السعودية طلبًا للرزق والآن أكملت هنا مدة سنة فهل يصح لي أن أحج أو أنا من الذين ينطبق عليهم هذا الحديث إذا لم يكن كذلك فما معناه إذًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى الحديث (من كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه) معناه أن المهاجر المسلم وهو الذي خرج من بلاد الكفر إلى بلاد الإسلام لا يخلو من حالين إما أن يكون غرضه بذلك إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله فهذا مهاجر إلى الله ورسوله وله ما نوى وإما أن يكون مهاجرًا إلى أمور دنيوية كامرأة يتزوجها أو دار يسكنها أو مال يحصله أو ما أشبه ذلك فهذا هجرته إلى ما هاجر إليه وأما أنت فإنك لم تهاجر الهجرة الشرعية المرادة في هذا الحديث لأنك قدمت من بلد إسلامي إلى بلد إسلامي وغاية ما هنالك أن يقال إنك سافرت لطلب الرزق والسفر لطلب الرزق لا يسمى هجرة قال الله ﵎ (عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) فأنت من القسم الثاني في هذه الآية من الذين يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وعلى هذا فليس عليك شيء فيما كسبت ويجوز لك أن تحج منه وأن تتصدق منه وأن تبني منه مساجد وتشتري به كتبا نافعة تنفع المسلمين بها. ***
من ليبيا مفتاح علي يقول هناك البعض من الناس يحتج بحديث الرسول ﷺ القائل (إنما الأعمال بالنيات) في بعض الأمور ومنها سلام المرأة على الرجل أفيدونا أفادكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: استدلال الإنسان بقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إنما الأعمال بالنيات) على فعل الشيء المحرم استدلالٌ باطل لأن هذا الحديث ميزانٌ لأعمال القلوب أي لما في القلب وأما العمل الظاهر فميزانه حديث عائشة ﵂ الثابت في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) أي مردودٌ باطل فعلى هذا فإذا كان العمل حرامًا فإنه حرام سواء أراد به الإنسان خيرًا أم لم يرد به خيرًا ومصافحة المرأة الأجنبية إذا قال المصافح أنا أصافحها من أجل تأليف القلوب ومحبة المؤمنين بعضهم ببعض وليس عندي نية في أن أقصد شيئًا آخر قلنا له لكن هذا العمل نفسه حرام لا يجوز لك مصافحة المرأة الأجنبية ولا بحسن نية كما أن الإنسان لو أراد أن يتعبد لله تعالى بصلاةٍ أو غيرها مما لم ترد به الشريعة وقال: أنا لا أريد مخالفة الشريعة ولا إحداث شيء في شريعة الله ولكني أريد أن يزداد إيمان قلبي وأن يزداد عملي نقول هذا أيضًا لا يجوز لأن الأعمال الظاهرة لها ميزانٌ آخر غير الأعمال الباطنة فحديث عمر بن الخطاب ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئٍ ما نوى) هذا باعتبار عمل القلب وهو أمرٌ باطن لا يعلمه إلا الله تعالى وقول عائشة ﵂ عن النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) هذا ميزانٌ للأعمال الظاهرة فإذا كان العمل الظاهر حرامًا صار حرامًا وإن نوى به الإنسان نيةً طيبة وعلى هذا لا يجوز للإنسان أن يصافح المرأة الأجنبية منه بأي حالٍ من الأحوال حتى لو صافحها من وراء حائل كالقفازين أو طرف الخمار أو ما أشبه ذلك فإنه لا يجوز له هذا. ***
قال رسول الله ﷺ (إن الله جميل يحب الجمال) وقال ﷺ في حديث معناه (إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) وقد قرأت سير بعض الصحابة في الكتب المدرسية وتعلمت من زهدهم وورعهم ﵃ وأرضاهم وتقشفهم في المأكل والملبس مع غناهم وكثرة أموالهم حتى أن عبد الرحمن بن عوف ﵁ يلبس من الملابس التي تماثل ملابس صبيانه وغلمانه الذين يعملون عنده والسؤال هل في ذلك ما يعارض مفهوم الحديثين السابقين وهل على الغني الموسر أن يكون مظهره مناسبًا لحالته المادية أم أن عليه أن يلبس ويسكن ويأكل ما شاء في حدود الشرع الإسلامي بدون سرف ولا مخيلة وما معنى الأمر بالتحدث بالنعم في قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الأول (إن الله جميل يحب الجمال) قاله النبي ﷺ لما قال الناس إن الرجل يحب أن يكون نعله حسنًا وثوبه حسنًا فقال النبي ﷺ (إن الله جميل يحب الجمال) أي يحب التجمل في اللباس في النعال في الثوب في الغترة في المشلح لأن هذا من إظهار آثار نعمة الله وهو يوافق الحديث الذي ذكره وهو أن الله إذا أنعم على العبد نعمة يحب أن يرى أثر نعمته عليه وأثر النعمة بحسب النعمة فنعمة المال أثرها أن يكثر الإنسان من التصدق ومن نفع الخلق وكذلك أن يلبس ما يليق به من الثياب حتى أن بعض العلماء قال إن الرجل الغني إذا لبس لباس الفقراء فإنه يعد من لباس الشهرة ولكن قد تدعو الحاجة أو قد تكون المصلحة في أن يلبس الإنسان لباس الفقراء إذا كان عائشًا في وسط فقير وأحب أن يلبس مثلهم لئلا تنكسر قلوبهم فإنه في هذه الحال قد يثاب على هذه النية ويعطى الأجر على حسب نيته وأما قوله تعالى (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) فالمراد أن الإنسان يتحدث بنعمة الله ﷾ عليه لإظهار فضل الله ﷾ عليه وأن ما حصل من هذه النعمة ليس بحوله وبقوته ولكنه بنعمة الله ومنته والتحدث بالنعمة يكون بالقول وبالفعل يكون بالقول بأن يقول للناس مثلًا في المناسبة إن الله تعالى قد أعطاني المال بعد أن كنت فقيرًا وقد أعطاني الأولاد بعد أن كنت وحيدًا وما أشبه ذلك وقد هداني الله بعد أن كنت على غير هدى والتحدث بالفعل أن يفعل ما يدل على هذه النعمة إذا كان عالمًا يعلم الناس إذا كان غنيًا ينفع الناس بماله إذا كان قويًا ينفع الناس بدفعه عنهم ما يؤذيهم بحسب الحال وأما ما ذكره عن بعض الصحابة في تقشفهم فهذا على سبيل التواضع لئلا يكون من حولهم منكسر القلب يحسب أنه لا يستطيع أن يلبس مثل لباسهم أو أن يطعم مثل طعامهم والإنسان في هذه الأمور يراعي المصالح. ***
مامعنى هذا الحديث عن ابن عباس ﵄ قال قال رسول الله ﷺ (أتاني ربي في أحسن صورة، قال أحسبه قال في المنام فقال يا محمد هل تدري فيم يختصم الملأ الأعلى) الحديث هل هذا الحديث يدل على أن الرسول ﷺ رأى ربه ﷾ وهل هذا يتناقض مع قوله تعالى (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا) فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث يدل على أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى ربه في المنام ولا ينافي قوله (وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) لأن المراد بالآية في حال اليقظة وأما هذا الحديث فإنه في حال المنام فحينئذ لا تناقض بينهما. ***
ورد في دعاء الاستخارة (اللهم إني أستخيرك بعلمك وأستقدرك بقدرتك إلى قوله اللهم إن كنت تعلم أن هذا الأمر خير لي في ديني ومعاشي وعاقبة أمري فيسره لي) السؤال لماذا وردت أداة الشرط في قوله اللهم إن كنت تعلم مع أن الله ﷿ يعلم ما في السماوات وما في الأرض وما بينهما وهو سبحانه لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء أفتونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الشرط المذكور في دعاء الاستخارة اللهم إن كنت تعلم قوبل بقوله وإن كنت تعلم أن هذا شر لي وهذا يقتضي أن الله تعالى عالم إما بهذا وإما بهذا يعلم أنه خير أو يعلم أنه شر أما الإنسان فإنه لا يعلم ولكنه فوض الأمر إلى الله ﷿ في هذا الدعاء إن كنت تعلم أنه خير وإن كنت تعلم أنه شر وحينئذ لا يكون هذا علما معلقا بشرط بل علم الله تعالى شامل لكل شيء حاضرا كان أو ماضيا أو مستقبلا كما قال موسى ﵊ (عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لا يَضِلُّ رَبِّي وَلا يَنسَى) . ***
يقول السائل حازم من جدة لقد قرأت هذه العبارة في أحد الأحاديث الصحيحة ولم أعرف معناها ولكن وقع في نفسي أن هذه العبارة هي دليلٌ على قرب انقضاء الدنيا وعلى سرعة أيامها وزوالها هذه العبارة هي (ألا إن الزمان استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض) فهل ما وقع في نفسي صحيح وإذا لم يكن كذلك فما معنى ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ما وقع في نفسك ليس بصحيح بل معنى الحديث أن الزمان استدار كهيئته لأن العرب كانوا يعملون بالنسيء أي بالتأخير فيجعلون شهرًا بدل شهر لأن الأشهر منها حرم يحرم فيها القتال وهي ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب ومنها ما ليس بحرم فكان العرب يتلاعبون ينقلون الشهر المحرم إلى شهرٍ مباح وينقلون الشهر المباح إلى شهر محرم فوافقت حجة النبي ﷺ للوداع أن الشهر الذي كان العرب يجعلونه حرامًا وافق هو الحرام في حج الرسول ﷺ فاستدار الزمان كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض لكن الذي يدل على سرعة الزمان هو ما ثبت في الصحيح أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ذكر أن الساعة لا تقوم حتى يكون كذا وكذا قال (ويتقارب الزمان) وبعض العلماء قال معنى (يتقارب الزمان) أي أن البلاد تكبر فتكبر المدن المتقاربة وإذا كبرت تقاربت فحملوا تقارب الزمان على تقارب المكان وقالوا إنه يلزم من تقارب المكان تقارب الزمان لأن الإنسان إذا كان يقطع المسافة بين البلدين في يومين فكبرت البلاد فإنه يقطعها في يومٍ واحد وقال بعضهم إن المراد به الاتصالات فمثلًا فيما مضى لا يمكن أن تتصل بإنسان في الرياض إلا بعد خمسة أيام ستة أيام وعشرة أيام فأكثربالإبل وبالسيارات قبل الخطوط في يومين أو يوم ونصف اليوم والآن في ثلاث ساعات ما بين القصيم والرياض زد على ذلك اتصالات أشد وهي الهاتف والفاكس في لحظة، قالوا هذا معنى تقارب الزمان وعندي أن تقارب الزمان هو السرعة في مرور الأيام والليالي والساعات الآن يمضي الأسبوع وكأنه يوم تأتي تصلى الجمعة اليوم وتقول ما أبعد الجمعة الثانية فإذا كأنها في آخر النهار وهذا شيء مشاهد يعني كل الناس يشكون من هذا يقولون سرعة الأيام كأنها ساعات أمس نحن في صلاة الجمعة وبكرة الجمعة وكأنها يومٌ واحد بينما هي ستة أيام بين الجمعة والأخرى هذا معنى تقارب الزمان والإنسان ينبغي له في هذه الأيام أن يسأل الله دائمًا الثبات وأن يحرص على سلوك منهج السلف الصالح من الصحابة والتابعين لهم بإحسان حتى يتحقق له قول الله ﷿ (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . ***
جاء في الحديث الشريف قول الرسول ﷺ (لاوصية لوارث) وجاء في سورة البقرة قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ) الآية نرجو التوفيق في هذه المسألة لبيان تفسير الحديث والآية والجمع بينهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه السائل هو كالتوضيح لآيات الفرائض فإن الله ﷾ لما ذكر الفرائض قال في الآية الأولى منها (آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ لا تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعًا فَرِيضَةً مِنْ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا) وقال في الآية الثانية (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ (١٣) وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا خَالِدًا فِيهَا وَلَهُ عَذَابٌ مُهِينٌ) وهذا يدل على أن من كان من أهل المواريث فإنه لا يحلّ أن يوصي له الميت بشيء لأنه إذا أوصى له فقد أعطاه أكثر مما جعله الله له وهذا من تعدي الحدود وأما الآية التي في سورة البقرة فإن قوله تعالى (كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمْ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) يخص منها من كان وارثًا فإن من كان وارثًا فإنه لا يوصى له ويمكن أن يكون الوالد غير وارث فيما لو حصل اختلاف دينٍ بينه وبين ولده فإنه لا توارث بينهما فإذا حصل مانع من موانع الإرث أصبح الوالد أهلًا للوصية وأما الأقربون فكذلك نقول من كان منهم وارثًا فإنه لا وصية له ومن كان غير وارث فإنه يوصى له فتكون آية البقرة مخصوصة بآية المواريث. ***
جاسم علي هاشم الأسدي يقول ما معنى الحديث الشريف (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولدٍ صالح يدعو له) أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معروف أن الإنسان إذا مات فإنه ينقطع عمله لأنه مات والعمل إنما يكون في الحياة إلا من هذه الأمور الثلاثة لأنه هو السبب فيها الصدقة الجارية وهي الخير المستمر مثل أن يوقف الرجل بستانه على الفقراء أو يوقف عقاره على الفقراء فإن الفقراء ما داموا ينتفعون بهذا العطاء أو ينتفعون بثمرة هذا البستان فإنه يكتب له وهو أجر حاصل بعد موته لكن هو السبب في إيجاده والثاني العلم الذي ينتفع به بأن يعلم الناس ويدلهم على الخير وعلى فعل المعروف فإذا علم الناس وانتفعوا بعلمه بعد موته فإن له أجرهم من غير أن ينقص من أجورهم شيء لأن الدال على الخير كفاعل الخير وهذا دليل على بركة العلم وفائدته في الدنيا والآخرة وأما الثالث وهو الولد الصالح الذي يدعو له بعد موته فلأن الولد من كسب الإنسان وقال ﵊ في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) لأن غير الصالح لا يهتم بنفسه فلا يهتم بأبيه أو أمه وفيه إشارة إلى أنه من المهم جدًا أن يربي الإنسان أولاده تربية صالحة حتى ينفعوه في حياته وبعد مماته وفي قوله ﷺ (أو ولد صالح يدعو له) إشارة إلى أن الدعاء للأب أو لغيره من الأقارب أفضل من أن يقوم الإنسان بعبادة يتعبد لله بها ويجعل ثوابها لهم لأن النبي ﵊ لم يقل أو ولد صالح يصلى له أو يصوم له أو يتصدق له مع أن سياق الحديث في العمل انقطع عمله إلا من ثلاث فلو كان عمل الإنسان لأبيه بعد موته مما يندب إليه لبينه النبي ﷺ وأيضًا يكون دعاء الإنسان لوالديه أفضل من أن يسبح أو يقرأ أو يصلى أو يتصدق ويجعل ثواب ذلك لهم والإنسان محتاج إلى العمل الصالح فليجعل العمل الصالح لنفسه وليدعُ لوالديه بما يحب ولا يعني قوله ﷺ أو ولد صالح يدعو له أنه لو دعا له غير ولده لم ينتفع به بل دعاء أخيك المسلم نافع لك ولو كان ليس قريبًا لك قال الله تعالى (وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) فوصف الله هؤلاء الأخيار بأنهم يدعون لأنفسهم ولإخوانهم الذين سبقوهم بالإيمان وهذا يشمل إخوانهم الأحياء والأموات وقال النبي ﵊ (ما من مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًاَ إلا شفعهم الله فيه) حيث بين النبي ﷺ أن الميت ينتفع بدعاء المصلىن عليه ويكون قوله ﷺ في الحديث (أو ولد صالح يدعو له) مبنيًا على أن الولد الصالح الذي هو بضعة منه كأنه هو نفسه ولهذا قال (انقطع عمله إلا من ثلاث) فجعل دعاء الولد لأبيه من عمل الأب وقد استدل بعض الناس بهذا الحديث على أنه لا يجوز إهداء القرب للأموات قالوا لأن النبي ﷺ قال (انقطع عمله إلا من ثلاث) ولكن في الاستدلال هذا نظرًا لأن النبي ﵊ قال (انقطع عمله) ولم يقل انقطع العمل له فلو أن أحدًا من الناس غير الابن أهدى ثواب قربة إلى أحد من المسلمين فإن ذلك ينفعه لو أنك حججت عن شخص ليس من آبائك وأمهاتك نفعه ذلك وكذلك لو اعتمرت عنه أو تصدقت عنه فإنه ينفعه على القول الراجح. ***
من عنيزة ع. ع.ب يقول ما معنى هذا الحديث وهو قول النبي ﷺ (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث) وذكر منها (علم ينتفع به) وإذا لم ينتفع به بعد موته هل له أجر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أصل العلم إذا لم ينتفع به يكون ضارًا لأن العلم سلاح، إما لك أو عليك كما قال النبي ﷺ (والقرآن حجة لك أو عليك)، فالعلم إذا لم ينتفع به المتعلم ولم ينفع غيره، لم يكن لمن علمه أجرٌ، ذلك لأن أجر المعلم الذي مات فرع عن عمل المتعلم الذي نفع بعلمه، فإذا لم ينفع بعلمه ولم ينتفع به فأين يكون الأجر، ولكن السؤال الآن هل يوزر الميت لأن علمه الذي علمه هذا الإنسان لم ينتفع به الإنسان بل تضرر به؟ نقول لا، الميت لا يوزر على هذا لأن الميت الذي علم أراد بعلمه نفع الخلق، فإذا لم ينتفع به فليس عليه وزره شيء فعلى كل حال الحديث يدل على أن الميت لا يؤجر إلا بعلم ينتفع به من بعده، فأما علم لا ينتفع به من بعده فلا ينتفع به، كما أن قوله (علم ينتفع به من بعده) قد يكون القول هنا لبيان الواقع لأن الرجل إذا علم وبقيت علومه بين الناس فلابد أن ينتفع به المنتفع، قد لا ينتفع به جميع من تعلمه ولكن ينتفع به البعض فيكون هذا القيد ليس قيدًا مخرجًا من عداه وإنما هو قيد مبين للواقع. ***
السؤال: بارك الله فيكم المستمع م. ر من الرياض يقول فضيلة الشيخ نحن نعلم بأن الميت إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له فما هي الصدقة الجارية والعلم النافع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصدقة الجارية مثل أن يبني مسجدا يصلى المسلمون فيه أو يبني بيتا للمساكين يسكنونه أو يطبع كتبا ينتفع المسلمين بها أو يوقف أرضا يكون مغلها للفقراء هذه الصدقة الجارية أما العلم النافع بأن يعلم الناس مما علمه الله سواء كان تعليما عاما كالذي يكون في المساجد على عامة الناس أو تعليما خاصا للطلبة فإن هذا العلم إذا انتفع الناس به بعد موته جرى له أجره بعد الموت وفي هذا الحديث الذي ثبت عن النبي ﵊ (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة صدقة جارية أوعلم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) حث على نشر العلم حتى يتسع أجر الإنسان ويكثر أجر الإنسان وفيه حث على تربية الأولاد تربية صالحة لأنهم إذا كانوا صالحين بروا بآبائهم في الدنيا ودعوا لهم بعد الموت وفيه أيضا إشارة إلى أن الدعاء للميت أفضل من أن يهدي الإنسان له عبادة فلو قال شخص أيهما أفضل أن أدعو لأبي الميت أو أتصدق له قلنا الأفضل أن تدعو له لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (أو ولد صالح يدعو له) قال ذلك وهو يتحدث عن الأعمال ولو كانت الأعمال الصالحة أفضل من الدعاء لأرشد إليها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
قال النبي ﷺ (إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث صدقة جارية أو علم ينتفع به) هل يدخل في ذلك العلم علوم الدنيا كالفيزياء والكيمياء والرياضيات أم هو مقيد بالشرعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كل علمٍ يثاب عليه العبد ثم يعلمه الآخرين فإن المتعلمين منه يثابون عليه وإذا أثيبوا عليه نال من علمهم بعد موته ما يستحق من الأجر وأما ما لا ثواب في تعلمه فليس فيه أصلًا ثواب حتى نقول إنه يستمر فمثلًا علم التفسير والتوحيد والفقه وأصوله والعربية كل هذه علوم يثاب الإنسان عليها فإذا علمها أحدًا من الناس أثيب هذا المتعلم فنال المعلم من ثوابه ما يستحقه. ***
صالح أ. ع. من السودان الخرطوم يقول حصل اختلاف بيني وبين أحد الإخوان حول الحديث الوارد في وقوع العين من الحاسد والذي معناه (أن العين حق ولو أن شيئًا سابق القدر لكان العين) فهم يقولون إن هذا يتعارض مع بعض الآيات فما هو القول الحق في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الحق هو ما قاله ﵊ وهو (أن العين حق) وهذا أمرٌ قد شهد له الواقع ولا أعلم آياتٍ تعارض هذا الحديث حتى يقول هؤلاء إنه يعارض القرآن بل إن الله تعالى جعل لكل شيء سببًا حتى إن بعض المفسرين قالوا في قوله تعالى (وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر) قالوا إن المراد هنا العين ولكن على كل حال سواءٌ كان هذا هو المراد بالآية أم غيره فإن العين ثابتة وهي حقٌ ولا ريب فيها والواقع يشهد بذلك منذ عهد الرسول ﷺ إلى اليوم ولكن من أصيب بالعين فماذا يصنع؟ يعالج بالقراءة وإذا علم عائنه فإنه يطلب منه أن يتوضأ ويؤخذ ما يتساقط من ماء وضوئه ثم يعطى للعائن يصب على رأسه وظهره ويسقى منه وبهذا يشفى بإذن الله وقد جرت العادة عندنا أنهم يأخذون من العائن ما يباشر جسمه من اللباس مثل الفنيلة والطاقية وما أشبه ذلك بالماء ثم يسقونها العائن ورأينا ذلك يفيده حسبما ما توارد عندنا من النقول.
فضيلة الشيخ: يسقونها من أصابته العين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم فإذا كان هذا هو الواقع فلا بأس باستعماله لأن السبب إذا ثبت كونه سببًا شرعًا أو حسًا فإنه يعتبر صحيحًا أما ما ليس بسببٍ شرعي أو حسي فإنه لا يجوز اعتماده مثل أولئك الذين يعتمدون على التمائم ونحوها يعلقونها على أنفسهم ليدفعوا بها العين فإن ذلك لا أصل له سواءٌ كانت هذه من القرآن أو من غير القرآن. ***
يقول حديثٌ شريفٌ أسمعه دائمًا ولكنني لا أدرك معناه وهو (تبلغ الحلية من الرجل حيث يبلغ الوضوء) فما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (تبلغ الحلية من المؤمن حيث يبلغ الوضوء) هذا لفظ الحديث والمعنى أن أهل الجنة إذا دخلوا الجنة فإنهم يحلون فيها كما قال الله ﷿ (يحلون فيها من أساور من ذهبٍ ولؤلؤًا) (وحلوا أساور من فضة) فهم يحلون أسورة من ذهب ولؤلؤ وفضة فالمؤمن يحلى في الجنة رجلًا كان أو امرأة بهذه الحلية إلى حيث يبلغ الوضوء فعلى هذا تبلغ الحلية إلى المرفقين لأن الوضوء يبلغ إلى المرفقين هذا معنى الحديث الذي أشار إليه.
فضيلة الشيخ: أليس فيه حثٌ على زيادة الوضوء على الأماكن المحددة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس فيه.
فضيلة الشيخ: لا يفهم منه فأجاب رحمه الله تعالى: لا يفهم منه لأن الوضوء يبلغ إلى مكانٍ معين قدره الله تعالى في القرآن في قوله تعالى (وأيديكم إلى المرافق) ***
أرجو تفسير هذا الحديث (لو لم تذنبوا لذهب الله بكم ثم يأتي بأخرين يذنبون ثم يستغفرون الله) نرجو تفسيره؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعنى تفسير هذا الحديث أن الرسول ﵊ حث أمته على الاستغفار وبين أنه لابد من أن يقع الذنب والخطأ من بني آدم كل بني آدم خطاء وخير الخطائين التوابون وأنها أعني المغفرة من صفات الله ﵎ التي هي صفات كمال وهو ﷾ يحب التوابين ويحب التوبة على عباده ويحب المستغفرين ويحب المغفرة لهم فحكمة الله تعالى تقتضي أن يقع الذنب من بني آدم ثم يكون الاستغفار وتكون المغفرة بعد ذلك. ***
محمد عبد الغني محمد مسؤول بمصنع الاسمنت بالرياض يقول أرجو بيان حكم وشرح حديث رسول الله ﷺ (عمرةٍ في رمضان توازي حجة فيما سواه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أن الإنسان إذا اعتمر في شهر رمضان فإن هذه العمرة تعدل حجةً في الأجر لا في الإجزاء وقولنا لا في الإجزاء يعني أنها لا تجزئ عن الحج فلا تسقط بها الفريضة ولا يعتبر حاجًا حجًا متنفلًا وإنما يعتبر هذه العمرة من أجل وقوعها في هذا الشهر تعدل في الأجر حجةً فقط لا في الإجزاء ونظير ذلك أن النبي ﷺ أخبر بأن (من قال لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير عشر مرات كان كمن أعتق أربعة أنفسٍ من ولد إسماعيل) وهذا بلا شك بالأجر وليس بالإجزاء ولهذا لو كان عليه أربع رقاب فقال هذا الذكر لم يجزئه ولا عن رقبةٍ واحدة فيجب أن نعرف الفرق بين الإجزاء وبين المعادلة في الأجر فالمعادلة في الأجر لا يلزم منها إجزاء وكذلك قال النبي ﵊ «قل هو الله أحد) تعدل ثلث القرآن) . ولو أن الإنسان قرأها ثلاث مراتٍ في ركعة ولم يقرأ الفاتحة ما أجزأته مع أنها عَدَلت القرآن كله حينما قرأها ثلاث مرات. ***
السائلة إلهام من مدينة الأحساء تسأل وتقول قال رسول الله ﷺ (أفضل الأعمال إلى الله أدومها وإن قل) وأنا أحب المداومة على الأعمال الصالحات كصيام النوافل وقيام الليل وصلاة الضحى ولكن صلاة الضحى لا أصلىها إلا يوم الخميس والجمعة وبقية الأيام أكون في المدرسة فكيف العمل بهذا الحديث جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه السائلة هو طرف من حديث ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهو أنه (نهى أصحابه عن الكلفة في الأعمال إلا ما يطيقه العبد وقال: إن أحب العمل إلى الله أدومه) ولهذا ينبغي للإنسان أن لا يكلف نفسه من الأعمال ما لا يطيق ولو في المستقبل بل يأتي بالأعمال الصالحة التي يقدر عليها بسهولة ولا سيما أنه يراعي حال كبره وحال مرضه وما أشبه ذلك وانظر إلى عبد الله بن عمرو بن العاص ﵄ حيث (قال: لأقومن الليل كله ولأصومن الدهر كله فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعاه وسأله أقلت هذا قال نعم قال إنك لا تطيق ذلك وأمره أن يصوم ويفطر وأن يقوم وينام ونازله في الصوم حتى وصل إلى أن يصوم يومًا ويفطر يومًا قال إني أطيق أفضل من ذلك يقوله عبد الله بن عمرو بن العاص قال لا أفضل من ذلك ذاك صيام داود كان يصوم يومًا ويفطر يومًا وقال له في القيام إن داود ﵊ كان ينام نصف الليل ويقوم ثلثه وينام سدسه) لكن لما كبر عبد الله بن عمرو بن العاص شق عليه أن يصوم يومًا ويفطر يومًا وقال ليتني قبلت رخصة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم صار يصوم خمسة عشر يومًا سردًا ويفطر خمسة عشر يوما سردًا فالمهم أن الإنسان لا ينبغي أن يعتبر نفسه بنشاطه وقوته بل يتقيد بالشريعة وبما يعلم أنه يدركه عند الكبر وأما المرض فإن المرض إذا قصر الإنسان بالعمل فيه وكان من عادته أن يعمل العمل الصالح في صحته فليبشر أنه يكتب له ما كان يعمل في حال الصحة لأنه ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه قال (إذا مرض العبد أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) ومن العجب أن بعض أهل الكسل قال إذا كان الأمر كذلك أنه إذا سافر العبد كتب له ما كان يعمل مقيمًا فإنني لن أصلى تطوعًا لأنه يكتب لي ما كنت أعمله حال الإقامة وهذا غلط عظيم ولم يرد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بذلك أن يدع المسافر التطوع والنوافل بدليل أنه ﷺ كان يصلى سنة الفجر وكان يصلى الوتر وكان يصلى الضحى وهو مسافر ولم يقل إنني مسافر ويكتب لي ما كنت أعمل في حال الإقامة ولو أننا أخذنا بعموم هذا الحديث (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) لقلنا أيضًا لا تصل الفرائض لأنه يكتب لك ما كنت تعمل في حال الإقامة لكن هذا الذي ذكرته من تسرع بعض الناس في فهم نصوص الكتاب والسنة وهذا خطر عظيم جدًا وهو يقع أعني الفهم المخطيء يقع من كثير من المبتدئين في طلب العلم فيجب عليهم الحذر من التسرع ويجب على غيرهم الحذر مما شذوا به حتى يعرضه على من هو أكبر منه علمًا ودراية وإنما معنى الحديث من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا أن الإنسان إذا شغله المرض أو شغله السفر عما كان يعمله من الأعمال الصالحة في حال إقامته وحال صحته فإنه يكتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا لأنه تركه لعذر الانشغال بالسفر أو بالمرض ولم يرد النبي ﵊ أن يدع المريض أو المسافر ما كان قادرًا عليه من الأعمال الصالحة اتكالًا على ما كان يعمله في حال الصحة وحال الإقامة. ***
السؤال من أحد الإخوة السودانيين مقيم بالمملكة منطقة الباحة يقول يذهب أهل السنة والجماعة إلى القول بأن مصير الموحدين إلى الجنة في نهاية المطاف وجاء في الحديث (أنه لا يدخل الجنة قاطع رحم) وأيضًا جاء (لا يدخل الجنة نمام) فهل الموحدون من هاتين الفئتين لا يدخلون الجنة كما هو ظاهر هذه النصوص أم كيف يكون الجمع بينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه النصوص وأمثالها من أحاديث أو من نصوص الوعيد هي التي أوجبت بطائفة الخوارج والمعتزلة أن يقولوا بخلود أهل الكبائر في النار لأنهم أخذوا بهذه العمومات ونسوا عمومات أخرى تعارضها وهي ما ثبت في أدلة كثيرة من أن الموحدين أو من في قلبه إيمان ولو مثقال حبة من خردل فإنه لا يخلد في النار كما أن عمومات الأدلة الدالة على الرجاء وأن المؤمن يدخل الجنة حملت المرجئة على ألا يعتبروا بنصوص الوعيد وقالوا إن المؤمن ولو كان فاسقًا لا يدخل النار فهؤلاء أخذوا بعمومات هذه الأدلة وأولئك أخذوا بعمومات أدلة الوعيد فهدى الله أهل السنة والجماعة إلى القول الوسط الذي تجتمع فيه الأدلة وهو أن فاعل الكبيرة لا يخرج من الإيمان وأنه مستحق للعقوبة ولكن قد يعفو الله عنه فلا يدخله النار وقد يدعى له فيعفى عن عقوبته وقد تكفر هذه العقوبة بأسباب أخرى وإذا قدر أنه لم يحصل شيء يكون سببًا لتكفيرها فإنه يعذب في النار على قدر عمله ثم يكون في الجنة هذا هو مذهب أهل السنة والجماعة وعلى هذا فأحاديث الوعيد المطلقة أو العامة كما في الحديثين اللذين أشار إليهما السائل (لا يدخل الجنة قاطع رحم) (لا يدخل الجنة نمام) تحمل على أن المعنى لا يدخلها دخولًا مطلقًا أي دخولًا كاملًا بدون تعذيب بل لابد أن يتقدم ذلك التعذيب إن لم يوجد ما يمحو ذلك الإثم من عفو الله أو غيره فيكون معنى لا يدخلون الجنة أي الدخول المطلق الكامل الذي لم يسبق بعذاب وبهذا تجتمع الأدلة. ***
حديث عن الشريد بن سويد ﵁ قال (رآني رسول الله ﷺ وأنا جالس هكذا وقد وضعت يدي اليسرى خلف ظهري واتكأت على يدي فقال قعد قعدة المغضوب عليهم) رواه أبو داود نرجو شرح الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث معناه واضح يعني أن الإنسان لا يتكيء على يده اليسرى وهي خلفه جاعلا راحته على الأرض.
فضيلة الشيخ: يقول إذا قصد الإنسان أيضا بهذه الجلسة الاستراحة وعدم تقليد اليهود هل يأثم بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قصد هذا فليجعل اليمنى معها ويزول النهي. ***
قال رسول الله ﷺ (ماء زمزم لما شرب له) فهل هو لأول نية لما شرب له وهل يجوز أن يجمع الإنسان عدة نيات عند أول شربةٍ له فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إسناده حسن ولكن ما معنى قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ماء زمزم لما شرب له) هل المراد العموم وأن الإنسان إن شربه لعطشٍ صار ريان أو لجوعٍ صار شبعان أو لجهلٍ صار عالمًا أو لمرضٍ شفي أو ما أشبه ذلك أو يقال إنه لما شرب له فيما يتعلق بالأكل والشرب بمعنى إن شربته لعطش رويت ولجوعٍ شبعت دون غيرها هذا الحديث فيه احتمال لهذا ولهذا ولكن الإنسان يشربه إتباعًا لسنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وفي إتباع سنة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم الخير كله. ***
جزاكم الله خيرًا تقول السائلة (ماء زمزم لما شرب له) كما ورد في حديث الرسول ﷺ هل يشترط لتحقيق ذلك كمية معينة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الحديث أنه لا يشترط لذلك كمية معينة لكن أهل العلم قالوا إنه ينبغي للإنسان أن يشرب من ماء زمزم ويتضلع منه أي يملأ بطنه منه ولا شك أن ماء زمزم ماء مبارك وأنه طعام طعم وشفاء سقم بإذن الله ﷿.
فضيلة الشيخ: هل يشترط أن يكون الشرب في مكة يا شيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط ولهذا كان بعض السلف يأمر مَنْ يأتي به إليه في بلده فيشرب منه وهو أيضًا ظاهر الحديث (ماء زمزم لما شرب له) ولم يقيده النبي ﷺ بكونه في مكة. ***
ما معنى الحديث (إن الله خلق آدم على صورته) وهذه الهاء تعود على من؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الهاء تعود على الله ﷿ أي أن الله خلق آدم على صورته ﵎ كما جاء ذلك مفسرا في بعض الروايات (على صورة الرحمن) ولا يلزم من هذا أن يكون مماثلًا لله ﷿ لأن الله قال (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ) فنقول إن الله خلق آدم على صورته دون مماثلة وهذا ليس بغريب فهؤلاء الزمرة الأولى من أهل الجنة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر بدون مماثلة فإذا جاز هذا بين المخلوقين فبين الخالق والمخلوق من باب أولى واعلم أن ما ورد في الكتاب والسنة في كتاب الله الواجب إجراؤه على ظاهره بدون تمثيل ولا يحق لنا أن نتصرف فيه بتحريفٍ عن معناه بل نقول بإثبات المعنى وننفي المماثلة وبذلك نسلم من الشر ومن تحريف الكلم عن مواضعه. ***
فيما يتعلق بحديث أنس ﵁ قال رجلٌ يا رسول الله الرجل يعانق أخاه أو صديقه أينحني له قال (لا) قال أفيلتزمه ويقبله قال (لا) قال أفيأخذ بيده ويصافحه قال (نعم) والسؤال هل النهي الوارد في الحديث للكراهة أم للتحريم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الظاهر أنه للكراهة إلا إذا علمنا أن الشخص الآخر يتأذى بذلك فيكون للتحريم وما يفعله بعض الناس اليوم من كونه كلما لاقى الإنسان قبله لا أصل له من السنة كما في هذا الحديث وإنما المشروع المصافحة فقط لكن لو أراد أحدٌ أن يقبل رأس شخص تعظيمًا له كأبيه وأمه وأخيه الكبير وشيخه وما أشبه ذلك فلا حرج لكن كونه كلما رآه صافحه وقبل رأسه هذا ليس من السنة نعم لو قدم أحدهما من سفر ولقيه الآخر بعد هذا السفر فلا حرج وهنا شيء آخر وهو ما اعتاده كثير من الناس اليوم وهو إذا لاقى الإنسان أخذ برأسه وقبله بدون مصافحة وهذا لا شك أنه خلاف السنة يقول بعض الناس إنني أريد أن أقبل رأسك فنقول نعم تقبيل الرأس لا بأس به لكن صافح أولًا حتى تأتي بالسنة ثم قبل الرأس ثانيًا أما أن تأخذ بالرأس مباشرةً فهذا ليس من السنة. ***
حديث الرسول ﷺ (نصرت بالرعب مسيرة شهر وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا وأوتيت مفاتيح الأرض) ما هي مفاتيح الأرض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى مفاتيح الأرض أن الله ﷾ سوف يكتب له النصر حتى يملك مفاتيح الأرض وتكون خزائن الأرض بيده وهذا هو الذي وقع فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فتح مدائن الفرس والروم على يد الخلفاء الراشدين المتبعين له فحصل له مفاتيح الأرض. ***
من اليمن خالد صالح يقول كيف يمكن الجمع بين حديثي النبي ﷺ الأول حديث (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرًا من بطنه) والثاني في قوله ﷺ لأبي هريرة (اشرب يا أبا هريرة فشرب فقال له اشرب يا أبا هريرة فشرب حتى قال أبو هريرة والذي بعثك بالحق لا أجد له مسلكًا) أو كما قال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الجمع بينهما هو أن ما حصل لأبي هريرة أمرٌ نادر ولا بأس بالشبع أحيانًا لكن الذي قال النبي ﷺ فيه (ما ملأ ابن آدم وعاءً شرا من البطن) يريد إذا كان في جميع أكلاته يملأ بطنه وأما إذا شبع أحيانًا وملأ بطنه أحيانًا فلا بأس وعليه يحمل حديث أبي هريرة ثم إن حديث أبي هريرة في شرب اللبن واللبن خفيف حتى لو شرب الإنسان منه وملأ بطنه زال بسرعة بخلاف الطعام فإنه إذا ملأ بطنه منه صعب على المعدة هضمه وبقي متخمًا ومتعبًا. ***
أرجو شرح قول الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب) فأجاب رحمه الله تعالى: يريد بذلك ﷺ أن القلب عليه مدار الصلاح والفساد وهو مضغة يعني قطعة لحم بقدر ما يمضغه الإنسان صغيرة لكن تدبر الجسد كله إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله وهذا يوجب لنا أن نحرص على طهارة قلوبنا وعلى إزالة الشك والشبهات منها وأن نتفقدها أكثر مما نتفقد جوارحنا كثير من الناس تجده حريصًا على إتقان العمل الظاهر ولكنه ينسى قلبه وهذا غلط أهم شيء أن تكون دائمًا مفتشًا عن القلب ما إخلاصه؟ ما اتجاهه؟ ما توكله؟ ما استعانته؟ وهكذا فإذا صلح القلب صلح الجسد كله وإذا فسد فسد الجسد كله. ***
هذه الرسالة وردتنا من القصيم ومن الشماسية من المرسل علي اليحيى يقول طال الحديث بيني وبين أحد الأخوة من إحدى الدول العربية إلى أن وصلنا إلى صلاحية القلب حيث قال هذا الأخ إنه ليس القلب هو الذي يُصلح الجسد وجميع الجوارح بدليل أنه لو أجريت عملية نزع قلب إنسانٍ مؤمن واستبداله بقلب كافر لا يؤمن بالله لم يؤثر عليه هذا القلب الذي هو من الكافر وإنما استمر على إيمانه بالله هل هذا صحيح حيث أورد علي شبهة كنت منها حائرًا وهي أنه إذا كان هذا الحكم صحيحًا أو الكلام صحيح ما معنى قول الرسول ﷺ في الحديث (ألا وإن في الجسد مضغة إذا صَلُحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله) وفقكم الله والسلام عليكم ورحمة الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يُعلم أن كلام النبي ﷺ حق وأنه لا يصدر عنه إلا الحق فأخبر النبي ﷺ (أن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ثم قال ألا وهي القلب) فصدّر الجملة المبينة المفسرة لهذه المضغة بألا الدالة على التنبيه والتأكيد إشارةً إلى تأكد هذا الأمر وأن هذا القلب إذا صلح صلح الجسد كله ولكن القلب له مكان وله أعضاءٌ خاصة فما دام في هذا الجسم الذي خلق فيه فإنه إذا صلح لا بد أن يصلح وأما إذا نقل إلى مكانٍ آخر فإنه نُقل عن مملكته فلا يلزم من صلاحه أن يصلح الجسد الآخر لأن الرسول ﵊ إنما تحدث عن أمرٍ كان هو المفهوم في ذلك الوقت وهو أن القلب لا يتجاوز محله وبدنه الذي تكون الأعضاء فيه بمنزلة جنود السلطان المطيعين له هذا وجه ووجهٌ آخر أن يقال إن الرسول ﵊ بين محل القلب وأن المراد بالقلب القلب المعنوي الذي هو العقل الذي محله القلب وأن هذا العقل يكون في نفس الشخص الذي قُدّرت هدايته بمعنى إن القوة المعنوية العاقلة في هذا القلب المركب في هذا الجسم هي المدبرة لهذا الجسم وأنه إذا انتقل محلها تبقى هي فتبقى الهداية في قلب المؤمن المهتدي وإن زال قلبه هذا على فرض أن هذه المسألة قد تكون بمعنى أنه يُنقل قلب مسلم ويركب له قلب كافر أو بالعكس فالجواب من أحد هذين الوجهين إما أن يقال إن المراد بالقلب هي هذه المضغة الجسمية ولكنها لها الإمرة على البدن الذي ركبت فيه والذي خلقها الله فيه إذا صلحت صلح الجسد بخلاف ما إذا نُقلت إلى مملكةٍ أخرى فإنه لا يلزم أن تأتمر هذه المملكة الجديدة بأمرها أو يقال إن المراد بالقلب القوة العقلية الشائعة في نفس البدن والتي محلها ومنبعها من القلب وأحد هذين الوجهين يتبين به ما أراده النبي ﷺ ولا يلزم على أحد هذين الوجهين أن نقول أنه إذا رُكِّب قلب مؤمنٍ في كافر أن يكون هذا الكافر مؤمنًا وأنه إذا رُكَّب قلب كافرٍ في مؤمن أن يكون هذا المؤمن كافرًا.
فضيلة الشيخ: ألا نقول أنه حتى الآن لم يوجد مسألة تعارض حديث الرسول ﷺ حيث أنه لم نعرف مؤمنًا ركب له قلب كافرٍ فاستمر على إيمانه أو كافرٌ ركب له قلب مؤمنٍ فآمن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نحن قلنا إذا وجد هذا احتطنا بهذا لكن لو فرضنا وجوده فربما يوجد هذا في الأجيال القادمة فيكون الجواب بأحد الوجهين. ***
أم عبد الرحمن من السودان كسلا تقول في دعاء سيد الاستغفار الذي ورد (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك) إلى آخر الدعاء أو إلى آخر الحديث هل المرأة تستبدل عبارة أنا عبدك بعبارة أنا أمتك فأجاب رحمه الله تعالى: هذه اختلف فيها العلماء ﵏ منهم من يقول الأولى إبقاء الحديث على لفظه فتقول المرأة وأنا عبدك لأنها حقيقة عبد الله فهي من عباد الله الصالحين إن كانت من الصالحات ومنهم من قال يراعى المعنى فالمرأة تقول وأنا أمتك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت وهذا أقرب إلى الصواب لأن إبقاء اللفظ وأنا عبدك يحتاج إلى تأويل وأما وأنا أمتك فلا يحتاج إلى تأويل لأنها حقيقة أمة الله ﷿ ولهذا جاء في الحديث الصحيح (لا تمنعوا إماء الله مساجد الله) . ***
هل هناك فرق بين الوسيلة والفضيلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لعله يريد الحديث (آت محمدًا الوسيلة والفضيلة) الفرق بينهما أن الوسيلة اسم خاص لأعلى درجة في الجنة قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ينبغي أن تكون إلا لعبد من عباد الله وأرجو أن أكون هو) وأما الفضيلة فهي الفضائل في الثواب والمراتب وغير ذلك. ***
ما معنى حديث (ليس منا من لم يتغن بالقرآن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم اختلف شراح الحديث في معناه فقيل المعنى ليس منا من لم يستغن بالقرآن عن غيره فيكون في ذلك دليل على تحريم الرجوع إلى غير القرآن في العبادة والمعاملات وغيرها وقيل معنى (من لم يتغن بالقرآن) أي من لم يحسن صوته الذي يجب عليه في أداء القرآن لأنه يجب على الإنسان أن يحسن صوته على وجه تبين به مخارج الحروف ولا يحصل فيه إدغام يسقط بعض الحروف بغير ما تقتضيه اللغة العربية والمعنيان كلاهما صحيح فالواجب على الإنسان أن يتقن اللفظ بالقراءة في كتاب الله ﷿ وعلى الإنسان أن لا يعدل عن القرآن إلى غيره في التعبد والمعاملات وأما التجويد المعروف فهذا ليس بواجب لكنه من تحسين الصوت بالقراءة لا شك فهو من المحسنات وليس من الواجبات. ***
ما المقصود بالحديث (اقرأ وارتقِ ورتل كما كنت ترتل فإن منزلتك في الجنة عند آخر آية تقرؤها) هل المقصود القراءة أو الحفظ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظاهر الحديث أن المراد بذلك القراءة سواء كان عن ظهر قلب أو من مصحف وفضل الله تعالى واسع (يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) . ***
هل قول (اللهم لا شماتة) من الأدعية الواردة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني مثلًا يريد أن يتكلم عن شخص بشيء من أفعاله السيئة فيقول اللهم لا شماتة هذا الرجل يفعل كذا وكذا لا بأس بهذا إذا ساغ أن يذكر أخاه بهذا العيب لأنه لا يجوز للإنسان أن يذكر أخاه بعيب فإن ذلك من الغيبة وقد نهى الله تعالى عن الغيبة وصورها بأبشع صورة فقال (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ) نعم لو قال على سبيل العموم لو قال اللهم لا شماتة بعض الناس يفعل كذا وكذا هذا لا بأس لأنه لم يعين من تكلم فيه والمخاطب لا يدري من هو. ***
هناك حديث فيما معناه بأنه (لا يحل للمرأة أن تضع ثيابها في غير بيت زوجها) فما هو شرح هذا الحديث جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث إن صح (أن من وضعت ثيابها في غير بيت زوجها فقد هتكت الستر)، هذا إن صح فالمراد أن المرأة تضع ثيابها في حال يخشى أن يطلع عليها من لا يحل له الإطلاع عليها. ***
ما هو الحديث الوارد في فضل كثرة الصلاة على الرسول ﷺ ليلة الجمعة أو يوم الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث هو أن الرسول ﷺ حث على كثرة الصلاة والسلام عليه يوم الجمعة، ومن المعلوم أن كثرة الصلاة على النبي ﷺ في أي يوم من أيام الأسبوع فيها فضل عظيم لو لم يكن من ذلك إلا أنه امتثال لأمر الله ﷿ حيث قال (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وأنه قيام ببعض حق النبي ﷺ على أمته لأن حقه عليها عظيم أعظم من حق الوالدين ولهذا كان يجب علينا أن نقدم محبته على محبة الوالدين والولد والناس أجمعين بل وعلى النفس ومنها أن الإنسان يثاب على ذلك فإن من صلى على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم صلى الله عليه بها عشرا الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف ثم إن كثرة الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم تستلزم كثرة ورود ذكره على القلب فيزداد بذلك الرجل إيمانًا بالرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومحبة له وتمسكًا بهديه وسنته. ***
سمعت حديثًا معناه أن النبي ﷺ قال (لأصحابه أتدرون مَنْ المفلس قالوا: المفلس فينا من لا درهم له قال ﷺ: المفلس من ذكرت عنده فلم يصلِ عليّ) ومدرس الحديث عندما يشرح الحديث يكثر من ذكر الرسول ﷺ فهل يجب علينا أن نصلى عليه في كل مرة أم تكفي المرة الأولى أفيدونا ولكم جزيل الشكر ونشكركم على هذا الاهتمام الكبير يا فضيلة الشيخ وأيدكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحديث الذي أشار إليه فلا أعرفه أما الذي أعرف أن الرسول ﵊ قال (إن المفلس من يأتي يوم القيامة بحسناتٍ أمثال الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وضرب هذا وشتم هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أُخذ من سيئاتهم وطرح عليه ثم طرح في النار) هذا هو ما أعرفه من حديث المفلس الذي أشار إليه وأما الصلاة على النبي ﷺ عند ذكره فإن جمهور أهل العلم يرون أنها مستحبة وليست بواجبة ومنهم من يرى أنها واجبة لحديث أبي هريرة (أن النبي ﷺ صعد المنبر ذات يومٍ وقال: آمين آمين. آمين. فسُئل عن ذلك فقال: إن جبريل أتاني فقال رغم أنف امرئٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِ عليك قل آمين فقلت آمين) ومن المعلوم أن هذا دعاءٌ برغم أنف من ذكر عنده النبي ﷺ ولم يصلِ عليه ولهذا أخذ بعض أهل العلم من هذا أنه يجب على الإنسان إذا ذكر عنده النبي ﷺ أن يصلى عليه لأن الدعاء على مَنْ لم يفعل شيئًا دليلٌ على وجوب ذلك الشيء وأما بالنسبة لمن يسمع ذكر النبي ﷺ فيمن يكثر قراءة الحديث في المسجد أو في المدرسة أو في المعهد فهذا إذا صلى عليه أول مرة كفى كما قال أهل العلم لمن تكرر دخوله إلى المسجد إنه إذا صلى تحية المسجد أول مرة وهو عارفٌ من نفسه أنه سيتكرر دخوله فإنه يكتفي بذلك ثم إن المدرس غالبًا يقول قال النبي ﷺ أو عن النبي ﷺ وهذا القائل إذا قال فإنه يكون قد دعا الله أن يصلى على نبيه فوظيفة المستمع في مثل هذا أن يقول آمين، ويكون قوله آمين كقوله ﷺ لأن الداعي والمؤمِّن كليهما داعيان كما قال الله تعالى عن موسى (رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوْا الْعَذَابَ الأَلِيمَ) قال الله تعالى (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُمَا فَاسْتَقِيمَا وَلا تَتَّبِعَانِ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) فتمت دعوتكما أي الداعيين قال أهل العلم وكان موسى يدعو وهارون يؤمن فعليه إذا سمعت قائلًا يقول قال النبي ﷺ فقلت آمين فكأنما قلت ﷺ لأنك أمنت على دعاء المتكلم نعم إذا كان الإنسان يظن أن هذا المتكلم قال ﷺ شغلًا على العادة ولم يستحضر الدعاء فحينئذٍ نقول السامع يقول ﷺ ولا يؤمن إذا علم أن قول هذا المتكلم ﷺ درجت على لسانه بدون قصد فكأنه لم يدع بالصلاة على النبي ﷺ لكن لو علم أن المتكلم إنسانٌ فطنٌ وأنه كلما قال ﷺ يشعر أنه يدعو الله بأن يصلى على نبيه ويسلم فإنه يكتفي بقول آمين.
فضيلة الشيخ: بعض الناس إذا أراد أن ينسب إلى الرسول ﷺ شيئًا يقول قال ﷺ ولا يقول قال الرسول ﷺ أو قال محمد ﷺ ففي مثل هذه هل يقال آمين أم يقال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هنا لا شك أن الضمير في قال يرجع إلى النبي ﷺ والظاهر أن الضمير كالمذكور فعليه يدخل في قول النبي ﷺ عن جبريل (رغم أنف امرئٍ ذُكرتَ عنده فلم يصلِ عليك) . ***
ما معنى قول الرسول ﷺ لأبي موسى الأشعري ﵁ (لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن أبا موسى الأشعري عبد الله بن قيس ﵁ كان له صوت جيد وأداء قيم طيب استمع النبي ﷺ إلى قراءته ذات ليلة فأخبره بأنه أعجب بذلك وقال أسمعت قراءتي يا رسول الله قال (نعم) قال لو علمت لحبرته لك تحبيرًا، ومعنى أوتي مزمارًا من مزامير آل داوود أن داوود ﵊ آتاه الله الزبور فكان يترنم به وكان له صوت جميل حتى إن الجبال تسبح معه والطير تسبح معه تقف صواف تستمع إلى ترنمه بالزبور وتتلذذ بقراءته هذا معنى قول الرسول ﷺ (أوتيت مزمارًا من مزامير آل داوود) ومن المعلوم أنه ليس مراد الرسول ﵊ أنه أعطي مزمارًا أي آلة والعزف فإنه إنما استمع إلى قراءته لا إلى عزفه والمعازف حرام لا يحل الاستماع إليها إلا ما استثناه الشرع كالدفوف ليالي الزواج أو عند قدوم الغائب المحترم الكبير وما أشبه ذلك. ***
هناك حديث عن الرسول ﷺ يقول فيه (مَنْ قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة وجبت له الجنة) هل قراءتها -يعني- أن نتلفظ بها على اللسان فقط أم ماذا جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث بمعنى ما ذكره السائل (مَنْ قرأ آية الكرسي دبر كل صلاة لم يمنعه من دخول الجنة إلا الموت) والحديث مطلق (مَنْ قرأ) فإذا قرأها بلسانه محتسبًا ثوابها وأجرها على الله حصل له ذلك وسواء قرأها عن ظهر قلب أو من ورقة أو من مصحف لأن الحديث مطلق. ***
في الحديث الذي قاله المصطفى ﷺ بما معناه بأن (للصائم دعوة عند فطره) متى تكون هذه الدعوة هل هي قبل الفطر أم أثناء الإفطار أم بعد الإفطار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كلمة عند فطره أو حين فطره تشمل ما كان قبيل الإفطار أو معه أو بعده متصلا به فأحرص يا أخي الصائم على أن تدعو الله ﷿ عند الفطر بما تشاء من خير الدنيا والآخرة. ***
لقد سمعت من بعض الأشرطة النافعة عن المنافقين بأنهم أربعة وهم فرعون وقارون وهامان وأبي بن خلف فاستمعت إلى شرح فرعون وقارون شرحا كافيا قال من تكبر حشر مع فرعون ومن غرته دنياه بالمال حشر مع قارون وعندما شرع في ذكر هامان انتهى الشريط أو انتهى الحديث فما هي الصفات الذميمة التي أتصف بها كل من هامان وأبي بن خلف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا قول السائل أنه من المنافقين أو رؤوس المنافقين هذا غلط بل هم من المعاندين المصرحين بكفرهم والمنافق لا يعاند ظاهرا ولا يصرح بكفره فهم أئمة الكفر كما قال الله تعالى (وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ) يعني بذلك قادة الكفار (وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لا يُنصَرُونَ) ولكل من هؤلاء مزية على الآخر ففرعون غره الملك والسلطان فاستكبر هو وجنوده في الأرض بغير الحق وهامان غرته الوزارة لأنه وزير فرعون فهو لدنوه من هذا الملك الجائر اغتر بنفسه وعاند وكفر وقارون استكبر بماله غره كثرة المال فاستكبر وأبى أن يتبع موسى ﵊ قال الله تعالى (إِنَّ قَارُونَ كَانَ مِنْ قَوْمِ مُوسَى فَبَغَى عَلَيْهِمْ) وأبى بن خلف غرته السيادة في قومه ومنزلته فيهم فاستكبر عن الحق ولا شك أن الناس يحشر بعضهم إلى بعض إذا كانوا متشابهين في كفرهم قال الله ﵎ (احْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَأَزْوَاجَهُمْ وَمَا كَانُوا يَعْبُدُونَ) يعني احشروهم وأصنافهم فكل كافر فهو مع صنفه الذي شاركه في وصف الكفر. ***
أبو عبد الله مقيم بالرياض له مجموعة من الأسئلة يقول في الحديث عن الرسول ﷺ (من كتم علمًا ألجم بلجام من نار) أو كما قال ﵊ يقول السائل أنا أحفظ البعض من الأحاديث هل الواجب علي أن أبلغها أمام الناس في المساجد حيث لا أستطيع على ذلك أم ماذا أفيدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه فيمن سئل عن علم فكتمه فإنه يلجم بلجام من نار يوم القيامة ومن علم علما فإن عليه أن يبلغه لقول النبي ﷺ (ليبلغ الشاهد منكم الغائب) وطرق التبليغ كثيرة إما أن يبلغه في المجلس أو في مسجد أو في فصل دراسي أو غير ذلك بقدر الاستطاعة وينبغي إذا أراد أن يبلغه أن يتحين الفرص المناسبة حتى يقبل الناس إليه ويأخذوا منه. ***
أبو عبد العزيز إبراهيم أبو حامد من الرياض يقول فضيلة الشيخ نسمع عن قصة الأبرص والأقرع والأعمى فما هي قصتهم وهل لها علاقة بالتوحيد والفقه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قصة الأقرع وهو الذي ليس في رأسه شعر أن الله تعالى أراد أن يمتحنه وصاحبيه وهما الأبرص والأعمى فأرسل إليهم ملكا وسألهم ماذا يريدون فأما الأقرع فأخبر أنه يريد أن يذهب الله عنه القرع ويرزقه شعرا حسنا وسأله ماذا يحب من المال فقال الإبل فأعطاه ناقة عشراء وبارك الله في هذه الناقة ونتجت إبلا كثيرة حتى صار له وادٍ من الإبل وأما الأبرص فسأله الملك ماذا يريد فقال أريد أن يرزقني الله تعالى جلدا حسنا ويذهب عني هذا الذي قذرني الناس به فأعطي هذا وسأله ماذا يريد من المال فقال البقر فأعطاه بقرة حاملا وبارك الله فيها حتى صار له وادٍ من البقر وأما الأعمى فأتاه الملك وسأله ماذا يريد فقال أريد أن يرد الله إلى بصري فأبصر به الناس ولم يسأل بصرا قويا كما سأل صاحباه الأول الأقرع طلب شعرا حسنا والثاني طلب جلدا حسنا فأعطيا ما سألا الثالث الأعمى إنما طلب ما تحصل به الكفاية بصرا يبصر به الناس وصار هذا أبرك الثلاثة وسأله عن المال فلم يطلب أيضا أعلى المال بل طلب شاة فأعطي الشاة وبارك الله له فيها فصار له وادٍ من الغنم ثم أراد الله ﷿ أن يكمل الابتلاء فأتى الملك إلى الأقرع بصورته وهيئته يعني أتاه بصورة إنسان أقرع وسأله أن يعطيه من المال وذكره بنعمة الله عليه وأنه كان أقرع فأعطاه الله تعالى شعرًا حسنا وكان فقيرا فأعطاه الله المال ولكنه والعياذ بالله أنكر نعمة الله وقال إنما أوتيت هذا المال كابرا عن كابر يعني ورثته من أب عن جد وأبى أن يعطيه وأتى الأبرص ومثله أجابه بمثل ما أجابه به الأقرع وأتى الأعمى بصورته وهيئته وقال إنه فقير وابن سبيل وقد انقطعت به الحبال في سفره فسأله أن يعطيه شاة فأعطاه فقال له قد كنت أعمى فرد الله علي بصري وكنت فقيرا فأعطاني الله المال فخذ ما شيءت منه ودع ما شيءت فوالله لا أجهدك اليوم بشيء أخذته لله يعني ما أمنعك خذ ما شيءت هذا الأعمى شكر نعمة الله عليه برد البصر وشكر نعمة الله عليه بالصدقة بما أراد السائل من المال وكان هذا الرجل أعني الملك يقول لكل واحد من الاثنين إن كنت كاذبا فصيرك الله إلى ما كنت فدعا عليهما أن يردهما الله إلى حالهما إن كانا كاذبين وهما لاشك أنهما كاذبان والظاهر أن الله تعالى ردهما إلى حالهما الأولى فسلب الأقرع شعره وماله وكذلك الأبرص أما الأعمى فقال له الملك أمسك عليك مالك يعني لا أريد شيئا إنما ابتليتم فقد رضي الله عنك وسخط على صاحبيك هذه هي القصة وفيها من العبر شيء كثير وفيها ما ينافي التوحيد وذلك بكفر النعمة بالنسبة للأقرع والأبرص وفيها أيضا ما يؤكد قدرة الله ﷿ حيث إن الله تعالى أزال القرع والبرص والعمى من هؤلاء في لحظة واحدة وفيها أيضا من الفقه أنه ينبغي للإنسان أن يتصدق مما أعطاه الله ﷿ وفيه أيضا من السلوك والمنهج أن الله ﷾ قد يبتلي العبد بالنعم كما يبتليه بالنقم واختلف أرباب السلوك يعني أصحاب العبادات ورقة القلوب أيهما أفضل وأشد بلاءً فقال بعض العلماء الفقر والمرض أشد بلاءً من الغنى والصحة لأنه قل من يصبر وقال الآخرون بل الصحة والغنى أشد لأنه قَلَّ مَنْ يشكر والحقيقة أن كلا منهما ابتلاء وامتحان من الله ﷿ فالله تعالى قد يعطي المال والصحة والبنين وغير ذلك من حسنات الدنيا ليبتلي من أعطاه أيشكر أم يكفر وقد يسلب الله هذه النعم ليبتلي من سلبها عنه أيصبر أم يتضجر فعلى الإنسان أن ينتبه في مثل هذه الأمور وأن لا يتخذ من نعم الله ﷾ وسيلة إلى البطر والأشر فإن الله قال (وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لأَنْفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا وَلَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ) . ***
أم عبد الرحمن من اليمن تقول أسأل عن معنى حديث (من جلس مجلسا ولم يذكر الله تعالى تحسر عليه وندم يوم القيامة) ونحن مجموعة من الأخوات إذا التقينا وجلسنا نبدأ بذكر الله وذكر الرسول ﷺ ونذكر الصحابة والتابعين والعلماء الذين قد ماتوا ﵏ والذين ما يزالون على قيد الحياة حفظهم الله والسؤال هل نثاب عندما نذكر العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لاشك أن الإنسان إذا جلس مجلسا مع أصحابه ولم يذكروا الله ولم يصلوا على النبي ﷺ أنه قد خسر هذا المجلس وسيتحسر يوم القيامة كيف فاته في هذا المجلس أن يذكر الله ورسوله ﷺ لذلك ينبغي أن لا يخلو المجلس من ذكر الله أو ذكر الرسول ﷺ سواء في ابتداء أو في أثناء الحديث أو عند اختتام الحديث وأما ذكر الصحابة والتابعين لهم بإحسان والعلماء والأئمة فلاشك أن ذكرهم يحيي القلوب ويوجب محبتهم والترحم عليهم والاستغفار لهم لكن كوننا نقول إن هذا أمر مطلوب يحتاج إلى دليل. ***
ماهي صفات السبعين ألفًا الذين يدخلون الجنة بغير حساب ومن كان ينقصه شيء من هذه الصفات ماذا يلزمه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصفات هي التي ذكرها النبي ﵊ فقال (هم الذين لا يسترقون ولا يكتوون ولا يتطيرون وعلى ربهم يتوكلون) (لا يسترقون) يعني لا يطلبون أحد يقرأ عليهم حال مرضهم (ولا يكتوون) لا يطلبون أحدا يكويهم (ولا يتطيرون) لا يتشاءمون (وعلى ربهم يتوكلون) أي يعتمدون على الله تعالى ويفوضون أمرهم إلى الله سبحانه ولا يدخل في ذلك من عرض نفسه على الطبيب للدواء لأن النبي ﷺ لم يقل لا يتداوون بل قال (لا يكتوون ولا يسترقون) اللهم إلا أن يعلق الإنسان قلبه بالطبيب ويكون رجاؤه وخوفه من المرض متعلقا بالطبيب فهذا ينقص توكله على الله ﷿ فينبغي للإنسان إذا ذهب إلى الأطباء أن يعتقد أن هذا من باب بذل الأسباب وأن المسبب هو الله ﷾ وحده وأنه هو الذي بيده الشفاء حتى لا ينقص توكله. ***
ما معنى حديث (من مس الحصى فقد لغا ومن لغا فلا جمعة له) ولماذا خص الحصى بهذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحصى هي الحصباء التي فرش بها المسجد وكان مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في حياته مفروشا بالحصباء ومعنى (مَنْ مس الحصى فقد لغا) أي من مسه حال خطبة الإمام يوم الجمعة عبثا فقد لغا وذلك لأنه تلهى عن استماع الخطبة خطبة الإمام (ومن لغا فلا جمعة له) أي أنه يحرم من ثواب الجمعة لأن من أهم مقاصد الشرع في صلاة الجمعة الخطبة والاستماع إليها فإذا تشاغل الإنسان بمس الحصى فإنه يكون قد حرم هذه الحكمة العظيمة فيحرم من ثواب الجمعة وهذا يدل أنه يجب على الإنسان حال خطبة الجمعة أن يكون منصتا مستمعا لما يقوله الخطيب ولهذا قال النبي ﷺ (من تكلم يوم الجمعة والإمام يخطب فهو كمثل الحمار يحمل أسفارا ومن قال له أنصت فقد لغا) . ***
من قطر السائل حسن أحمد يقول فضيلة الشيخ نرجو أن تشرحوا هذا الحديث جزاكم الله خيرا عن أبي هريرة ﵁ قال قال رسول الله ﷺ (صنفان من أهل النار لم أرهما قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات رؤسهن كأسنمة البخت المائلة لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخبر النبي ﷺ أنه سيكون صنفان من الناس لم يرهما النبي ﷺ: الصنف الأول يتضمن العدوان على الناس بغير حق مستخدما سلطته في العدوان عليهم وهم قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس يعني بغير حق قال أهل العلم وهؤلاء هم الشُّرَط شُرَط الظلمة الذين يضربون الناس بغير حق فهم من أهل النار لأن من أعان ظالما لحقه من إثمه ما يستحق والصنف الثاني نساء كاسيات عاريات يعني عليهن كسوة لكنهن بمنزلة العاريات قال العلماء إما لضيق الكسوة وإما لخفتها حتى يرى من ورائها البشرة وإما لقصرها وأما قوله (مميلات مائلات) فالمعنى أنهن يملن الثياب أو المشطة أو يملن الرجال بفتنتهم ومائلات هن مائلات عن الحق بسبب فعلهن (رؤسهن كأسنمة البخت المائلة) يعني أن الواحدة منهن تتزيا بهذا الزي تجعل شعرها كبة فوق هامتها حتى يميل يمينا أو شمالا كسنام البعير والبخت نوع من أنواع الإبل معروفة بعظم السنام وميله إلى أحد الجانبين والخلاصة أن هؤلاء النساء يفعلن ما فيه الفتنة في أنفسهن ولغيرهن. ***
يقول السائل أبلغ من العمر الرابعة والعشرين وذكر في الحديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (ذكر منهم الشاب الذي نشأ في عبادة الله) فمتى يبدأ سن الشباب ومتى ينتهي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أبشر هذا السائل أنه في سن الشباب فإذا كان قد نشأ من بلوغه في طاعة الله إلى هذه السن واستمر على ذلك إلى الممات فإنه يرجى أن يكون من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله أسال الله أن يجعلني وإياه ومن سمع من الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله. ***
نوره س ص تقول في حديث عن الرسول الكريم ﷺ فيما معناه (سبعة يظلهم الله في ظله يوم القيامة يوم لا ظل إلا ظله) هل يختص هذا الظل بالرجال دون النساء علمًا بأن كل جملة تبدأ بكلمة رجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي أشارت إليه السائلة وهو قول النبي ﷺ (سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في طاعة الله ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل ذكر الله خاليًا ففاضت عيناه، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها لا تعلم شماله ماتنفق يمينه) وهذه الجمل السبع كما ذكرت السائلة مصدرة بكلمة رجل نعم ولكن ليعلم أن ما جاء من النصوص في كتاب الله أو سنة رسوله ﷺ معلقًا بالرجال فإنه يشمل النساء وما جاء معلقًا بالنساء فإنه يشمل الرجال أيضًا لأن ذلك هو الأصل أي أن الأصل تساوي الرجال والنساء في الأحكام الشرعية إلا ما قام الدليل على الاختصاص فمثلًا قوله تعالى (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ (٤) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَأَصْلَحُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) هذه الآية كما هو مسموع علق الحكم فيها بالنساء ومن المعلوم أن الحكم يعم الرجال فمن قذف المحصنين ولم يأت بأربعة شهداء فإنه يجلد ثمانين جلدة ولا تقبل له شهادة أبدًا ويكون من الفاسقين وكذلك قوله تعالى (قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١) الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ) الخ يشمل النساء وكذلك قوله تعالى (إِنَّ الصَّلاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا) يشمل النساء فالأصل إذا أنما علق بالنساء من أحكام أو أخبار يشمل الرجال وما علق بالرجال يشمل النساء إلا ما دل الدليل على تخصيصه فيعمل بمقتضى الدليل وبناء على هذه القاعدة العامة المتفق عليها يكون الحديث المشار إليه (سبعة يظلهم الله في ظله) يكون شاملًا للنساء بلا شك (شاب نشأ في طاعة الله) يمكن أن يكون للرجال والنساء الرجل قلبه معلق بالمساجد يكون للرجال فقط لأن المرأة صلاتها في بيتها أفضل لها اللهم إلا أن يتوسع في المعنى ويراد بالمساجد أماكن السجود فيعم أماكن الصلاة كلها سواء في البيت أو في المسجد فحينئذ تدخل المرأة في ذلك رجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني اخاف الله يمكن أن يوجد ذلك في النساء بأن يدعوها شاب ذو جمال وحسب فتقول إني اخاف الله فتكون المرأة كالرجل في ذلك المهم أن كل جملة من هذا الحديث تصح للنساء وتقوم بها النساء فإن الحكم يشمل النساء بلا شك وهذا كثيرًا ما يحصل فيه تساؤل ويسأل بعض النساء عما ذكر الله ﷾ لأهل الجنة من الحور والأزواج المطهرة يقلن كيف يكون للرجال حور عين وأزواج مطهرة فماذا يكون شأن النساء من أهل الدنيا والجواب على ذلك أن النساء من أهل الدنيا يتزوجن بالرجال من أهل الدنيا والرجال من أهل الدنيا خير من الولدان الذين في الآخرة الذين في الجنة لأن الولدان الذين في الجنة خدم لهؤلاء الرجال فالرجل من أهل الدنيا يكون خيرًا من الولدان في الجنة وحينئذ تنال المرأة في الجنة بغيتها ويكفي دليلًا لذلك قوله تعالى في وصف الجنة (وَفِيهَا مَا تَشْتَهِيهِ الأَنفُسُ وَتَلَذُّ الأَعْيُنُ وَأَنْتُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) . ***
في الحديث الذي (نهى الرسول ﷺ فيه عن القيل والقال وإضاعة المال وكثرة السؤال) هل السؤال هو طلب الصدقة أم هل هو السؤال عن الشيء الذي لا ينبغي أن يسأله المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كثرة السؤال تشمل سؤال العلم وسؤال المال لكن سؤال المال بلا سبب يبيحه محرم قال النبي ﷺ (من سأل الناس أموالهم تكثرا فإنما يسأل جمرًا فليستقل أو ليستكثر) وأخبر ﷺ (أن الرجل لا يزال يسأل حتى يأتي يوم القيامة وما في وجهه مزعة لحم) وأما سؤال العلم فإن كان لأمر نازل وسأل عنه ليتبين له الحكم هذا أمر لابد منه ويحمد الإنسان عليه وإن كان سؤالا عن المعضلات وإعنات المسؤول ولحوق العلماء ليسألهم حتى يضرب أقوال بعضهم ببعض فهذا مذموم وكذلك أيضا السؤال في عهد النبي ﵊ كثرته منهي عنها أخبر النبي ﷺ (أن أعظم الناس جرما أو قال إثما من سأل عن مسألة لم تحرم فحرمت من أجل مسألته) وأخبر أنه (إنما أهلك من كان قبلنا كثرة مسائلهم واختلافهم على أنبيائهم) . ***
رَغَّبَ الرسول ﷺ في قتل الوزغ و(بأن أن الذي يقتله من أول مرة يكون له مائة حسنة) ما حكم قتل الوزغ وما حكم قتل الضفادع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قتل الوزغ فإنه سنة وفيه أجر عظيم قد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه كان ينفخ النار على إبراهيم حين ألقي فيها) ثم إن فيه مضرة وأذى وأصواتا قبيحة مكروهة وأما الضفادع فلا تقتل إلا إذا آذت فإن آذت فلا بأس بقتلها لأن كل مؤذٍ يقتل كما قال الفقهاء ﵏ يسن قتل كل مؤذٍ. ***
ن ل الدوسري الأفلاج هل ورد عن الرسول ﷺ هذا الحديث (إن المؤذن إذا قال حي علي الصلاة وحي على الفلاح يلتفت وينظر إلى اليمين والشمال) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم من السنة إن يلتفت المؤذن عن اليمين وعن الشمال في حي علي الصلاة حي علي الفلاح لأن هذا أذان بلال في عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن اختلف العلماء هل يقول حي على الصلاة مرة علي اليمين ومرة علي اليسار حي علي الفلاح مرة علي اليمين ومرة على اليسار أو يقول حي على الصلاة المرتين علي اليمين وحي على الفلاح المرتين على اليسار والمعمول به المشهور أنه يقول حي علي الصلاة مرتين علي اليمين حي على الفلاح مرتين على اليسار وهذا فيما كان المؤذن يؤدي الآذان بصوته بدون واسطة أما الآن فإن غالب المؤذنين يؤدي الآذان بواسطة مكبر الصوت والالتفات هنا لا داعي له لأن الالتفات فيما سبق من أجل أن يسمع من علي يمينه وعلى يساره أما الآن فمكبر الصوت موضوع في المنارة عن اليمين وعن الشمال وعن القبلة وعن خلف القبلة فلا حاجة إلى الالتفات ثم إنه إذا التفت سوف ينحرف عن فوهة اللاقطة فيتغير الصوت فإذا بقي متوجها إلى اللاقطة ووجهه إلى القبلة فلا حاجة حينئذٍ إلى الالتفات ولكن هل يجعل أصبعيه في أذنيه في هذه الحال الجواب نعم لأن وضع الإصبعين في الأذنين مما يحسن صوت المؤذن إذ أن الصوت يخرج منه جزء بسيط من قبل الأذنين فإذا وضع أصبعيه في أذنيه كان هذا أندى للصوت وأصفى للصوت ***
سائلة تقول في هذا السؤال: يدعو الإنسان في صلاته (اللهم إني أعوذ بك من فتنة المحيا وفتنة الممات) ما المقصود بفتنة الممات جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فتنة المحيا هي أن يفتتن الإنسان بالدنيا وينغمس فيها وينسى الآخرة وهذا ما أنكره الله تعالى على العباد (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) ومن فتن الدنيا الشبهات أن يقع في قلب الإنسان شك وجهل فيما أنزل الله على رسوله ﷺ أما فتنة الممات فتشمل شيئين: الأول ما يحدث عند الموت، والثاني ما يحدث في القبر فأما الأول: وهو الذي يحدث عند الموت فإن الشيطان أعاذنا الله منه أحرص ما يكون على إغواء بني آدم عند موته لأنها هي الساعة الحاسمة فيحول بين المرء وقلبه -بمعنى- أنه يوقع الإنسان في تلك اللحظة فيما يخرجه عن دين الإسلام وليست هذه الحيلولة كحيلولة الله ﷿ التي ذكر الله تعالى في قوله (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ) لكنه أي الشيطان يحرص حرصًا كاملًا على إغواء بني آدم في تلك اللحظة وقد ذكروا عن الإمام أحمد ﵀ أنه كان حين احتضاره يغمى عليه فيسمعونه يقول: بعد، بعد فلما أفاق، قيل له: يا أبا عبد الله ما قولك بعد بعد؟ قال: إن الشيطان يتمثل أمامي يقول: فُتّني يا أحمد فُتّني يا أحمد، فأقول له: بعد، بعد-يعني- لم أفتك لأن الإنسان لا ينجو من الشيطان إلا إذا مات، إذا مات انقطع عمله ولا رجاء للشيطان فيه إن كان مؤمنًا، فيقول (الإمام أحمد): إني أقول بعد بعد أي لم أفتك لجواز أن يحصل من الشيطان فتنة عند موت الإنسان ولكنني أبشر إخواني الذين آمنوا بالله حقًا واتبعوا رسوله صدقًا واستقاموا على شريعة الله أبشرهم أن الله بفضله وكرمه لن يخذلهم لن يختم لهم بسوء الخاتمة لأن الله تعالى أكرم من عبده جل وعلا فمن صدق مع الله فليبشر بالخير لكن يكون سوء الخاتمة فيما إذا كان القلب منطويًا على سريرة خبيثة فإنه قد يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار نعوذ بالله من ذلك فهذه من فتنة الموت وإنما سميت فتنة الموت لقربها منه. أما الثاني مما تتناوله فتنة الموت: فهو فتنة الإنسان في قبره فإن الإنسان إذا مات ودفن وتولى عنه أصحابه أتاه ملكان يسألانه عن ربه ودينه ونبيه فأما المؤمن -أسأل الله أن يجعلني ومن استمع منهم - فيقول: ربي الله وديني الإسلام ونبيي محمد فينادي مناد من السماء أن صدق عبدي فافرشوه من الجنة وألبسوه من الجنة وافتحوا له بابًا إلى الجنة ويوسع له في قبره، وأما الكافر والعياذ بالله أو المرتاب فيقول ها ها لا أدري يطمس عليه حتى وإن كان في الدنيا يعرف ذلك يقول سمعت الناس يقولون شيئا فقلته. وقلبه والعياذ بالله لم يدخله الإيمان فينادي منادٍ من السماء أن كذب عبدي فأفرشوه من النار وألبسوه من النار وافتحوا له بابًا إلى النار ويضيق عليه قبره حتى تختلف أضلاعه ووالله إنها لفتنة عظيمة نسأل الله أن يقينا وإخواننا المسلمين إياها فهذا معنى قول الداعي (أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال) فهذه فتنة الممات المذكورة في هذا الحديث تشتمل على هذين الشيئين. ***
ف. ح. تقول ما معنى (النساء شقائق الرجال) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى كون النساء شقائق الرجال أن المرأة شقيقة الرجل بمعنى أنها جزء منه لأن المرأة بنت لأبيها فهي بضعة منه كما قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في فاطمة بنت محمد ﵂ (فاطمة بضعة مني) وله معنى آخر شقائق الرجال أي مساويات للرجال فيما فرض الله ﷿ على الرجال والنساء مما لا تختص به المرأة أو لا يختص به الرجل. ***
ع ع أتقول نريد فضيلة الشيخ أن يلقي الضوء على الحديث التالي قال رسول الله ﷺ (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن الدنيا عند الله تعالى ليست بشيء ولا تساوي شيئا إذ لو كانت عند الله شيئا له وزنه ما سقى الكافر منها شربة ماء لأن الكافر ليس أهلا لذلك وهذا الحديث قد تكلم فيه أهل العلم في صحته عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن إن صح فمعناه ما قلناه. ***
ما معني الحديث الذي يقول (تلك عاجل بشرى المؤمن) فأرجو إعطائي أمثلة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المؤمن يبشر في الدنيا بعمله الصالح من عدة وجوه أولا إذا شرح الله صدره إلى العمل الصالح وصار يطمئن إليه ويفرح به كان هذا دليلا على أن الله تعالى كتبه من السعداء لقول الله ﵎ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى) ويدل لهذا (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حين أخبر أن كل إنسان قد كتب مقعده من الجنة والنار فقالوا يا رسول الله أفلا ندع العمل ونتكل على ما كتب قال اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ (فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى» فمن بشرى المؤمن أن يجد المؤمن من نفسه راحة في الأعمال الصالحة ورضا بها وطمأنينة إليها ولهذا كانت الصلاة قرة عين رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن البشرى للمؤمن أن يثني الناس عليه خيرا فإن ثناء الناس عليه بالخير شهادة منهم له على أنه من أهل الخير وهذه الأمة هم الشهداء كما قال الله تعالى (لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ) ولما مرت جنازة أثنوا عليها خيرا قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وجبت يعني وجبت له الجنة وقال للصحابة أنتم شهداء الله في الأرض) فإذا كان الإنسان لا يسمع من الناس إلا الثناء عليه فهذه من نعمة الله عليه وهي بشرى ومنها أي من عاجل بشرى المؤمن أن ترى له المرائي الحسنة في المنام يأتيه هذا ويقول رأيت كذا ورأيت كذا والثاني يقول رأيت كذا ورأيت كذا أو يرى هو بنفسه لنفسه خيرا فإن هذه من عاجل بشرى المؤمن فهذه ثلاثة أمور كلها من عاجل بشرى المؤمن فليبشر الرجل ولتبشر المرأة إذا رأى كل منهما أن العمل ميسر له وأن الله ﷾ قد شرح صدره للإسلام قال الله تعالى (أَفَمَنْ شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلإِسْلامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِنْ رَبِّهِ) . ***
أبو بكر حميد من مدينة جدة يقول ما معنى حديث الرسول ﷺ (لا تتقدموا رمضان بيومٍ أو يومين إلا إذا كان الرجل يصوم يوم صدقة فليصم ذلك اليوم) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللفظ الذي ذكره السائل ليس هو لفظ الحديث لكنه بمعناه فقد (نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يتقدم الإنسان رمضان بصوم يومٍ أو يومين إلا من كان له صومٌ يعتاده فليصمه) وذلك أن تقدم صوم رمضان بيومٍ أو يومين فيه نوعٌ من التنطع والتشدد أن يقوم أحدٌ بتقدم رمضان بصوم يومٍ أو يومين احتياطًا منه على ما يزعم فيكون في هذا تنطعٌ في دين الله وقد قال النبي ﵊ (هلك المتنطعون هلك المتنطعون هلك المتنطعون) ولهذا رخص النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمن كان له صومٌ اعتاده أن يصومه ولو صادف قبل رمضان بيومٍ أو يومين فمثلًا إذا كان من عادة الإنسان أن يصوم يوم الاثنين وكان يوم الاثنين هو التاسع والعشرين من شعبان فإنه يصومه ولا إثم عليه لأنه لم يصم هذا اليوم احتياطًا لرمضان وإنما صامه لأن هذا من عادته وكذلك إذا كان من عادته أن يصوم ثلاثة أيامٍ من كل شهر ولكنه لم يصمها في شعبان ولم يتيسر له صومها إلا في آخر شعبان فصامها في اليوم السابع والعشرين والثامن والعشرين والتاسع والعشرين فإنه لا شيء عليه لأن ذلك صومٌ كان يصومه وكذلك لو كان عليه قضاءٌ من رمضان وقد بقي عليه يومٌ أو يومان فصامهما في الثامن والعشرين والتاسع والعشرين من شعبان فإنه لا يضره والمهم أن الحكمة من النهي لئلا يتنطع المتنطع فيقول أصوم قبل رمضان بيومٍ أو يومين احتياطًا ***
كيف الجمع بين حديث (لا تزال طائفة من أمتي ...) الخ وحديث (إن شرار الخلق الذين تقوم الساعة عليهم) مأجورين فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أقول إنه لا يمكن أن يتعارض القرآن بعضه مع بعض ولا السنة الصحيحة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بعضها مع بعض ولا القرآن مع السنة الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم ولا القرآن والسنة مع الواقع ولا القرآن والسنة مع صريح المعقول وذلك لأن القرآن كلام الله وقد قال الله تعالى (أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافًا كثيرا) ولأن كلام الله ﷾ حق والحق لا يتناقض وكذلك السنة النبوية التي صحت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حق والحق لا يناقض بعضه بعضا وبناءً على هذه القاعدة ننتقل إلى الجواب عن السؤال وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا تزال طائفةٌ من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله) وفي رواية (حتى تقوم الساعة) وقوله (إن الساعة لا تقوم إلا على شرار الخلق) فيحمل الحديث الأول على أن المراد بالساعة قرب الساعة والمراد بأمر الله أمر الله الذي يكون به موت المؤمنين وأولياء الله المتقين فإذا مات المؤمنون المتقون لم يبقَ إلا أشرار الخلق وعليهم تقوم الساعة. ***
ما معنى هذا الحديث الذي ما معناه (إسباغ الوضوء على المكاره وانتظار الصلاة بعد الصلاة) هل معنى ذلك الجلوس في المسجد حتى يحين موعد الصلاة التي بعدها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إسباغ الوضوء على المكاره معناه أن الإنسان يتمم وضوءه على الوجه الأكمل في الأيام الباردة وكذلك ينتظر الصلاة بعد الصلاة سواء في المسجد أو بعد المسجد وإنما المعنى أن يكون قلبه معلقًا بالصلاة إذا أدى صلاةً ينتظر الصلاة الأخرى فيكون دائمًا معلقًا قلبه في الصلاة وليس معنى الجملة الأولى إسباغ الوضوء على المكاره أن الإنسان يتقصد الماء البارد مع وجود الماء الساخن فإن هذا ليس من السنة بل إذا يسر الله لك ما فيه راحةٌ لك فهو أفضل وأكمل وأقرب إلى كمال الطهارة لكن إذا قدر أنك في بر أو في بلدٍ ليس فيها سخانات ولا يمكن تسخين الماء ثم توضأت على الكره لشدة البرد فإن هذا هو الذي يراد بهذا الحديث الذي ذكره أو ذكرته السائلة. ***
من اليمن خ. ع. د. شبوة يقول فضيلة الشيخ ما هو تفسير حديث الرسول ﷺ (من سن سنةً في الإسلام حسنة فله أجرها ... الحديث) يقول أرجو بذلك إفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) هذا لفظ الحديث وسببه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حث يومًا على الصدقة فجاء رجلٌ من الأنصار بصرة قد أثقلت يده فوضعها بين يدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال (من سن في الإسلام سنةً حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة) وهذه السنة سنة العمل والتنفيذ وليست سنة التشريع فإن سنة التشريع إلى الله ورسوله فقط ولا يحل لأحدٍ أن يشرع في دين الله ما ليس منه أو يسن في دين الله ما ليس منه لأن ذلك بدعة وقد حذر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم من البدع وقال (كل بدعةٍ ضلالة) لكن من سبق إلى عمل لم يسبقه إليه أحد أو أحيا سنةً أميتت كان قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة وكذلك أيضًا من سن سنةً تكون وسيلة إلى أمرٍ مشروع ولم يكن سبقه إليها أحد فإنه يكون داخلًا في الحديث أنه سنّ سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة كما لو ابتكر طريقةً يسهل بها الحصول على الآيات أو يسهل بها الحصول على الأحاديث أو ما أشبه ذلك فإنه في هذه الحال يكون قد سن سنةً حسنة فيكون له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. فإذا السنة في الإسلام تنقسم ثلاثة أقسام سنة تشريع وسنة عمل أو سنة سبق إلى عمل وسنة وسيلة فأما سنة التشريع فإنه لا يحل لأحدٍ أن يشرع ما لم يشرعه الله ورسوله وسنته هذه تعتبر بدعة وضلالة مردودةٌ عليه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (عليكم بسنتي وإياكم ومحدثات الأمور) (ومن عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) جاءت هذه الكلمات في أحاديث متعددة أما سنة السبق فمثله الحديث الذي ذكرناه آنفًا أن يحث أحد على عمل خير فيتقدم إنسان فيكون أول من بادر به فيتابعه الناس في ذلك فيكون قد سن سنة حسنة وأما سنة الوسيلة فكالذي ذكرناه أيضًا يبتكر الإنسان شيئًا يكون به الوصول إلى أمرٍ مشروع ولم يكن قد سبقه إلى هذا أحد فيكون قد سن في الإسلام سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ***
عبد الكريم يوسف سوداني يعمل باليمن يقول فضيلة الشيخ صعد رسول ﷺ المنبر ذات يوم فقال (آمين) ثلاث مرات فسأله الصحابة ﵃ عن سبب تأمينه فما هو الحديث وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (أن النبي ﷺ صعد المنبر فقال آمين آمين آمين فسئل النبي ﷺ عن تأمينه فقال أتاني جبريل فقال رغم أنف أمرئ ذكرت عنده فلم يصل عليك قل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك رمضان فلم يغفر له فقل آمين فقلت آمين ثم قال رغم أنف امرئ أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة فقلت آمين فقلت آمين) والمعنى ظاهر فالجملة الأولى في رجل ذكر عنده النبي ﷺ فلم يصل عليه وهذا الحديث يدل على وجوب الصلاة على النبي ﷺ إذا ذكر عند الإنسان فإن لم يفعل فإنه يستحق أن يدعى عليه بهذا الدعاء رغم أنفه ومعنى رغم أنفه أي سقط في الرغام والتراب وهذا كناية عن ذله وإهانته. الثاني أدرك رمضان فلم يغفر له وذلك بأن يهمل صيام رمضان وقيام رمضان فإن من صام رمضان إيمانًا واحتسابا غفر له ما تقدم من ذنبه ومن قام رمضان إيمانا واحتسابا غفرله ما تقدم من ذنبه فإذا أهمل وأضاع فإنه لن يحصل على هذا الثواب العظيم ويكون قد رغم أنفه. والثالث رجل أدرك أبويه أو أحدهما فلم يدخلاه الجنة أو لم يقم ببرهما الذي يكون سببا لدخول الجنة فهذا أيضًا ممن دعا عليه جبريل وأمن عليه الرسول ﷺ أن يرغم أنفه أي يصاب بالذل. ***
س. ص. مقيم بالطائف يقول ما معنى قول النبي ﷺ (وإذا خاصم فجر) فأجاب رحمه الله تعالى: معنى قول النبي ﵊ (إذا خاصم فجر) يعني إذا خاصم غيره وحاكمه إلى القاضي في خصومة مالية أو حقوقية فإنه يفجر أي يكذب ويدعي ما ليس له أو ينكر ما كان عليه فالفجور هنا بمعنى الكذب والغدر وما أشبه ذلك. ***
نوره أ. ت. من الرياض تقول في الحديث الذي ما معناه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر) أريد الشرح لهذا الحديث وهل الكبر معناه التكبر على الناس فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب معنى الحديث أن رسول الله ﷺ يخبر (أنه لا يدخل الجنة من في قلبه مثقال ذرة من كبر) وهذا النفي لدخول الجنة على نوعين فإن كان هذا الكبر مقتضيًا لكفره وخروجه عن الإسلام كما لو تكبر عن شريعة الله وردها أو رد بعضها فإن هذا النفي نفي للدخول بالكلية لأن الكافر لا يدخل الجنة أبدًا ومأواه النار خالدًا فيها مخلدًا أما إذا كان الكبر تكبرًا على الخلق وعدم الخضوع على ما يجب عليه نحوهم بدون رد لشريعة الله ولكن طغيانًا وإثمًا فإن نفي الدخول هنا نفي للدخول الكامل أي أنه لا يدخل الجنة دخول كاملًا حتى يعاقب على ما أضاع من حقوق الناس ويحاسب عليه لأن حقوق الناس لا بد أن تستوفى كاملة وبهذا يتبين الجواب عن الفقرة التالية في سؤالها وهو أن الكبر ليس هو احتقار الناس فقط بل الكبر كما فسره النبي ﵊ (بطر الحق) أي رده وعدم الاكتراث به (وغمط الناس) أي احتقارهم وازدراؤهم. ***
قال الرسول ﷺ (هن لهن ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ) ما معنى هذا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا أن النبي ﷺ (وقت المواقيت وقت لأهل المدينة ذا الحليفة ولأهل الشام الجحفة ولأهل اليمن يلملم ولأهل نجد قرن المنازل وقال هنّ لهنّ أي هذه المواقيت لأهل هذه البلاد ولمن مر عليهنّ أي على هذه المواقيت من غير أهلهنّ) فأهل المدينة يحرمون من ذي الحليفة إذا أرادوا الحج أو العمرة وإذا مر أحدهم من أهل نجد عن طريق المدينة أحرم من ذي الحليفة لأنه مر بالميقات وكذلك إذا مر أحد من أهل الشام عن طريق المدينة فإنه يحرم من ذي الحليفة لأنه مر بها وكذلك لو أن أحدًا من أهل المدينة جاء من قبل نجد ومر بقرن المنازل فإنه يحرم منه هذا معنى قوله (ولمن مر عليهنّ من غير أهلهنّ) ومن تأمل هذه المواقيت تبين له فيها فائدتان الفائدة الأولى رحمة الله ﷾ بعباده حيث جعل لكل ناحية ميقاتًا عن طريقهم حتى لا يصعب عليهم أن يجتمع الناس من كل ناحية في ميقات واحد. والفائدة الثانية أن تعيين هذه المواقيت من قبل أن تفتح هذه البلاد فيه آية للنبي ﷺ حيث إن ذلك يستلزم أن هذه البلاد ستفتح وأنها سيقدم منها قوم يؤمون هذا البيت للحج والعمرة ولهذا قال ابن عبد القوي في منظومته الدالية المشهورة: وتوقيتها من معجزات نبينا بتعيينها من قبل فتح معدد فصلوات الله وسلامه عليه. ***
ما حكم من وقف من الحجاج في اليوم الثامن أو العاشر خطأ هل يجزئهم وما معنى (الحج عرفة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لو وقف الحجاج في اليوم الثامن أو في اليوم العاشر خطأ فإن ذلك يجزئهم لأن الله تعالى قال (لا تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) وقد قال الله تعالى (وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) وأما معنى قول النبي ﷺ (الحج عرفة) فمعناه أنه لا بد في الحج من الوقوف بعرفة فمن لم يقف بعرفة فقد فاته الحج وليس معناه أن من وقف بعرفة لم يبق عليه شيء من أعمال الحج بالإجماع فإن الإنسان إذا وقف بعرفة بقي عليه من أعمال الحج المبيت بمزدلفة وطواف الإفاضة والسعي بين الصفا والمروة ورمي الجمار والمبيت في منى ولكن المعنى أن الوقوف بعرفة لا بد منه في الحج وأن من لم يقف بعرفة فلا حج له ولهذا قال أهل العلم من فاته الوقوف فاته الحج. ***
في حديث الرسول ﷺ الذي يبين فيه علامات يوم القيامة (وأن تلد الأمة ربتها) من هي الأمة وكيف تلد ربتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا من أمارات الساعة وهو وارد في حديث جبريل حين أتى النبي ﷺ فسأله عن الإسلام والإيمان والإحسان وعن الساعة فقال له حين سأله عن الساعة قال له النبي ﷺ (ما المسؤول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أماراتها قال أن تلد الأمة ربتها) والمراد بالأمة المملوكة والمراد بربتها مالكتها والمعنى أن الإماء قد يكن قد ولدن إناثًا وتكون هذه الأنثى بعد ذلك ربة أي مالكة فيكون الضمير في قوله ربتها عائدًاَ إلى الأمة باعتبار الجنس وليس باعتبار الشخص يعني أن تلد جنس الإماء من يكون في المستقبل مالكًا للإماء وليس المعنى أن هذه الأمة التي ولدت هذه الأنثى تكون هي بعينها مملوكة لها بل المراد ما ذكرت فالضمير عائد إلى الأمة باعتبار الجنس لا باعتبار الشخص وهذا يقع كثيرًا. ***
ما معنى (من حج فلم يرفث ولم يفسق خرج كيوم ولدته أمه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أن الإنسان إذا حج واجتنب ما حرم الله عليه من الرفث وإتيان النساء والفسوق وهو مخالفة الطاعة بأن يترك ما أوجب الله عليه أو يفعل ما حرم الله عليه هذا هو الفسوق فإذا حج الإنسان ولم يرفث ولم يفسق فإنه يخرج من ذلك نقيًا من الذنوب كما أن الإنسان إذا خرج من بطنه أمه فإنه لا ذنب عليه فكذلك هذا الرجل إذا حج بهذا الشرط فإنه يكون نقيًا من ذنوبه. ***
عن عائشة ﵂ قالت قال النبي صلى وسلم (لا هجرة بعد الفتح ولكن جهاد ونية وإذا استنفرتم فأنفروا) متفق عليه أريد شرحًا إجماليًا لهذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث قاله النبي ﵊ بعد أن فتح مكة وكانت مكة قبل الفتح بلد شرك يهاجر منها المسلمون إلى المدينة إلى الله ورسوله فلما فتحت مكة لم تكن الهجرة منها مشروعة لأنها صارت بلاد إسلام فسقطت الهجرة من مكة إلى غيرها وأما الهجرة من بلاد الشرك فإنها باقية إلى يوم القيامة فالنفي هنا عائد على الهجرة من مكة فقط وقوله ﵊ (ولكن جهاد ونية) معناه أن الذي بقي بعد فتح مكة على أهل مكة الجهاد إن أمكنهم ذلك أو نية الجهاد إن لم يمكنهم الجهاد أو يقال (ولكن جهاد ونية) أي جهاد في سبيل الله ونية خالصة بحيث يقصد الإنسان بجهاده أن تكون كلمة الله هي العليا وأما قوله (إذا استنفرتم فانفروا) فالمعنى أنه إذا استنفركم ولي الأمر للجهاد في سبيل الله وجب عليكم أن تنفروا لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيلَ لَكُمْ انفِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الأَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنْ الآخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلاَّ قَلِيلٌ (٣٨) إِلاَّ تَنفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَيَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئًا وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) . ***
ف هـ أجمهورية اليمن الديمقراطية يقول قرأت حديثًا عن الرسول الكريم ﷺ وأريد شرحه عن أبي هريرة ﵁ قال. قال رسول الله ﷺ (استوصوا بالنساء خيرًا فإن المرأة خلقت من ضلع أعوج وإن أعوج ما في الضلع أعلاه فإن ذهبت تقيمه كسرته وإن تركته لم يزل أعوج فاستوصوا بالنساء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: في هذا الحديث يأمر النبي ﵊ أن نستوصي بالنساء خيرًا وذلك بالرفق بهنّ ومراعاة أحوالهنّ ويبين ﷺ أنهنّ خلقنّ من ضِلَعَ وذلك بخلق حواء فإنها خلقت من ضلع آدم وحواء هي أم النساء وأم الرجال أيضًا فهي أم بني آدم فالمرأة خلقت من هذا الضلع ويبين الرسول ﵊ أن أعوج شيء في الضلع أعلاه وأنك إذا ذهبت تقيمه يعني تعدله حتى يستقيم كسرته وإن استمتعت به استمتعت به على عوج والمرأة كذلك إن استمتعت بها استمتعت بها على عوج وعلى نقص وتقصير وإن ذهبت تقيمها كسرتها وكسرها طلاقها وعلى هذا فالذي ينبغي للإنسان أن يراعي حال المرأة وأن يعاملها بما تقتضيه طبيعتها فإن الرجل أعقل من المرأة وأرشد تصرفًا فإن عاملها بالشدة لم يعش معها وإن عاملها باللين والحكمة عاش معها وإن كان ذلك لا يتم به الاستمتاع لهذا الرجل. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (لا ضرر ولا ضرار) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى (لا ضرر ولا ضرار) أنه لا يجوز إبقاء الضرر وأن الضرر منتفٍ شرعًا فكل شيء فيه ضرر فإنه يجب إزالته لأن الضرر مدفوع شرعًا وعقلًا ولا يمكن للعاقل أن يقره ولا للشريعة الإسلامية أن تقره وأما الضرار فهو من المضارة أي ولا يحل لأحد أن يضار أخاه حتى وإن كان فيما لا ضرر فيه ما دام يقصد أن يضر أخاه فمن ضار ضار الله به فهذا الحديث يدل على أن الضرر منتفٍ شرعًا سواءٌ حصل بقصد أو بغير قصد فإن حصل بقصد فهو مضارة وإن حصل بغير قصد فهو ضرر فالإنسان أحيانًا يفعل الشيء لا يريد الضرر ولكنه يحصل به الضرر فإنه في هذه الحال يجب إزالته وأحيانًا يفعل ما فيه الضرر قاصدًا ذلك وحينئذٍ يكون مضارًا ولهذا أمثلة كثيرة لو أن رجلًا فتح نافذةً في جداره بقصد إضاءة المحل وإدخال الهواء عليه ثم تبين أن هذه النافذة تضر الجار بالإطلاع عليه وعلى ما في بيته فإنه يجب رفع هذا الضرر بأن تزال النافذة أو ترفع حتى لا ينكشف الجار بها وهذا ضرر وليس بمضارة لأن الذي فتح النافذة لا يقصد ضرر جاره ولكن حصل الضرر بغير قصد ومع ذلك يجب إزالة هذا الضرر وأما المضارة فرجل صار يستعمل أشياء مزعجة في بيته بقصد الإضرار على الجيران ليس له في ذلك منفعة ولكنه يريد الإضرار على الجيران فيجب على هذا الإنسان أن يدع ما فيه الضرر على جيرانه ويكون آثمًا بقصد الإضرار. ***
ما معنى حديث (لا وتران في ليلة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه أنه لا يشرع للإنسان أن يوتر مرتين في الليلة الواحدة لأن الوتر إنما يقصد به ختم الصلاة بالوتر وإذا ختمت بوتر فلا وجه للإيتار مرة ثانية ***
لماذا خص الله ﷾ الصيام بقوله (الصوم لي وأنا أجزي به) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث حديث قدسي رواه النبي ﷺ عن ربه قال الله فيه (كل عمل ابن آدم له الحسنة بعشر أمثالها إلا الصوم فإنه لي وأنا أجزي به) وخصه الله تعالى بنفسه لأن الصوم سر بين العبد وبين ربه لا يطلع عليه إلا الله فإن العبادات نوعان نوع يكون ظاهرًا لكونه قوليًا أو فعليًا ونوع يكون خفيًا لكونه تركًا فإن الترك لا يطلع عليه أحد إلا الله ﷿ فهذا الصائم يترك طعامه وشرابه وشهوته من أجل الله ﷿ في مكان لا يطلع عليه إلا ربه فاختص الله تعالى الصيام لنفسه لظهور الإخلاص التام فيه بما أشرنا إليه وقد اختلف العلماء في معنى هذه الإضافة فقال بعضهم إن معناها تشريف الصوم وبيان فضله وأنه ليس فيه مقاصة أي أن الإنسان إذا كان قد ظلم أحدًا فإن هذا المظلوم يأخذ من حسناته يوم القيامة إلا الصوم فإن الله تعالى قد اختص به لنفسه فيتحمل الله عنه أي عن الظالم ما بقي من مظلمته ويبقى ثواب الصوم خالصًا له. ***
سمعت حديثًا عن رسول الله ﷺ في ما معناه أنه ﷺ دخل على عائشة ﵂ ووجدها قد وضعت سترًا على الجدار وهو ما يسمى بالستائر في عصرنا الحالي فقال لها (نحن قوم لم نؤمر بتغطية الحوائط أو الجدران) هل يفهم من هذا الحديث الشريف أنه يجب أن تكون مثل هذه الستائر على قدر فتحة النافذة أم يجوز أن تكون بعرض الحائط الذي توجد به النافذة أي أن تكون على جانبي النافذة أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث الذي أشار إليه السائل في صحيح مسلم أن النبي ﷺ رأى هذا الستر على الباب فظهر ذلك في وجهه ثم قال ﷺ (إن الله لم يأمرنا أن نكسو الحجارة والطين ثم هتكه) أي قطعه ففي هذا الحديث دليل على أنه لا ينبغي للإنسان أن تصل به الحال إلى أن يكسو جدران بيته بهذه الأكسية التي كرهها النبي ﷺ وبان ذلك في وجهه وأخبر بأن الله لم يأمرنا بذلك وأما الستائر التي توضع الآن فإن كانت لغرض صحيح سوى الستر كما لو أراد الإنسان بها أن يستر وجه النافذة عن الشمس أو نحو ذلك فإن هذا لا بأس به لأنه ليس كسوة للحجارة والطين ولكنه للتوقي من أذى يترقبه أو لمصلحة يرجوها بهذه الكسوة فأما مجرد الزينة أي مجرد تزيين الجدار بهذه الكسوة فإن هذا داخل في الحديث ولا ينبغي أن نفعله. ***
صلاح سليمان يسأل ما معنى الحديث الذي روي عن جابر بن عبد الله أن رسول الله ﷺ قال (اتقوا الظلم فإن الظلم ظلمات يوم القيامة واتقوا الشح فإن الشح أهلك من كان قبلكم.. الخ الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن رسول الله ﷺ يحذر من الظلم وهو العدوان على أحد سواء كان ذلك على حق الله ﷿ أو على حق عباده فالعدوان على حق الله كالشرك قال الله تعالى (إن الشرك لظلم عظيم) وكذلك ما عداه من المعاصي الكبائر فما دونها هو ظلم بحسبه وأما العدوان على حق الخلق فكثير كالعدوان على المسلم في عرضه أو ماله أو دمه فالظلم ظلمات يوم القيامة فيوم القيامة ليس فيه نور إلا للمؤمنين يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم وكذلك حذر النبي ﷺ من الشح والشح هو البخل مع الطمع فيكون الإنسان بخيلًا في بذل ما يجب عليه طامعًا فيما ليس له وهذا سبب للهلاك إذ أن الإنسان إذا كان بخيلًا منع ما يجب عليه من حقوق الله وحقوق عباده وإذا كان ذا طمع وحرص على اكتساب المال تعدى على غيره فأخذ أموالهم بغير حق. ***
صابر عبيد من السودان يقول ما معنى قول الرسول ﷺ (إن مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى إذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن هذا الكلام إذا لم تستحِ فاصنع ما شيءت كان من الآثار السابقة الموروثة عن الأنبياء السابقين ومعنى قوله (إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت) وجهان أي أن له معنيين أحدهما أنك لا تصنع شيئًا إلا إذا كان هذا الشيء لا يوقعك فيما يُستحيا منه سواءٌ كان من قبل الشرع أو من قبل العادة يعني أنك إذا أردت أن تفعل فعلًا فانظر هل هذا الفعل مما يُستحيا منه شرعًا أو عادة فلا تفعله أو مما لا يُستحيا منه شرعًا أو عادة فافعله هذا معنى المعنى الثاني أن الرجل الذي لا حياء عنده يصنع ما شاء ولا يبالي فتجد الإنسان الذي ليس عنده حياء يصنع ما يلومه الناس عليه ولا يبالي بلوم الناس لأنه لا حياء عنده وكلا المعنيين صحيح فالإنسان الذي لا حياء عنده تجده يفعل كل شيء ولا يهتم بلوم الناس ولا بانتقادهم لأنه لا حياء عنده أو المعنى الثاني الذي يحتمله الحديث أن الإنسان الحييّ هو الذي لا يصنع شيئًا إلا إذا علم أنه لا يُستحيا منه. ***
من العراق بغداد محمود أحمد يقول (نهى رسول الله ﷺ عن لبس الرجل للثوب المزعفر) فما هو الثوب المزعفر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الثوب المزعفر هو الثوب الذي صبغ بالزعفران والزعفران هو نباتٌ طيب بل هو من الطيب معروف ولونه أحمر ولهذا ينهى الرجل عن لبس الثوب الأحمر الخالص الذي ليس فيه لونٌ آخر إما نهي كراهة وإما نهي تحريم وأما إذا كان مع اللون الأحمر لونٌ آخر كما لو كان مخططًا فيه خطوطٌ حمر وخطوطٌ بيض مثلًا أو خطوطٌ حمر وخطوطٌ سود فإن هذا لا بأس به. ***
عن أبي عبد الله جابر بن عبد الله ﵄ قال كنا مع النبي ﷺ فقال (إن بالمدينة رجالًا ما سرتم مسيرًا ولا قطعتم واديًا إلا كانوا معكم حبسهم المرض) أريد شرحًا لهذا الحديث فأجاب رحمه الله تعالى: شرح هذا الحديث هو أن الرسول ﵊ بين لأصحابه فيه أن في المدينة أقوامًا يشاركون هؤلاء المجاهدين في سبيل الله في الأجر في أصل النية فهم في المدينة لكن لا يسير هؤلاء المجاهدون مسيرًا ولا يقطعون واديًا والوادي مجرى السيول إلا وهم معكم أي بنيتهم وذلك لأنهم تأخروا عن الجهاد لعذر وكل من تأخر عن العبادة بعذر فلا يخلو من حالين إحداهما أن يكون من عادته أن يعملها ثم يطرأ عليه ما يحول بينه وبينها فهذا له أجرُ فعلها كاملة لقول النبي ﷺ (من مرض أو سافر كتب له ما كان يعمل صحيحًا مقيمًا) والحال الثانية ألا يكون من عادته أن يعملها ولكن يتمناها ويود أن يكون قادرًا عليها فهذا يكتب له أجر النية فقط لا أجر العمل كاملًا ودليل ذلك (أن فقراء المهاجرين أتوا إلى النبي ﷺ يقولون ذهب أهل الدثور بالنعيم المقيم والدرجات العلا وبين أنهم كانوا ينفقون ويحجون وأن الفقراء لا يحصل لهم ذلك فأخبرهم النبي ﵊ أنهم إذا سبحوا الله وحمدوا وكبروا دبر كل صلاة ثلاثًا وثلاثين فإنهم يأتون بعمل يدركون بهم من سبقهم ولا يلحقهم من بعدهم فلما سمع الأغنياء بذلك عملوا هذا العمل فرجعَ الفقراء إلى النبي ﵊ وقالوا سمع إخواننا بما صنعنا فصنعوا مثله فقال النبي ﷺ ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء) فهؤلاء الفقراء كانوا يتمنون أن يكون لديهم مال يعتقون به ويحجون به ومع هذا لم يحصل على أجر الأغنياء الذين كانوا يفعلون ذلك ولكن لهم أجر النية حيث كانوا حريصين على العمل عاجزين عنه. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة سنة زاد في رواية لا يقطعها....الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يشير فيه رسول الله ﷺ إلى أمثلة من النعيم في جنة النعيم ذلك أن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها وهذا دليل على طول هذه الشجرة وأن في الجنة أشجارًا عظيمة لا يدركها العقل وهذا من مضمون قوله تعالى (فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) وقوله تعالى في الحديث القدسي (أعددت لعبادي الصالحين ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر) وكل ما يذكر في الجنة من الفاكهة واللحم والماء والعسل واللبن والخمر والأزواج وغير ذلك كله لا يشابه أو لا يماثل ما في هذه الدنيا وإنما يوافقه في الأسماء فقط كما قال ابن عباس ﵄ ليس في الجنة شيء في الدنيا إلا الأسماء وأما المسميات وحقائق هذه المسميات فإنه أمر لا يمكن أن يدرك في الدنيا وكل ما خطر على قلبك من نعيم فإن نعيم الجنة أعظم وأجل وأكمل ويكفي في ذلك قوله تعالى (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا (١٦) وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى) . ***
ما معنى الحديث الذي رواه أبو هريرة عن رسول الله ﷺ (الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث أن الدنيا مهما عظم نعيمها وطابت أيامها وزهت مساكنها فإنها للمؤمن بمنزلة السجن لأن المؤمن يتطلع إلى نعيم أفضل وأكمل وأعلى وأما بالنسبة للكافر فإنها جنته لأنه ينعم فيها وينسى الآخرة ويكون كما قال الله تعالى فيهم (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَهُمْ) والكافر إذا مات لم يجد أمامه إلا النار والعياذ بالله فكانت له النار ولهذا كانت الدنيا على ما فيها من التنغيص والكدر والهموم والغموم كانت بالنسبة للكافر جنة لأنه ينتقل منها إلى عذاب إلى عذاب النار والعياذ بالله فالدنيا بالنسبة له بمنزلة الجنة ويذكر عن ابن حجر العسقلاني ﵀ صاحب فتح الباري وكان هو قاضي قضاة مصر في وقته كان يمر بالسوق على العربة في موكب فاستوقفه ذات يوم رجل من اليهود وقال له إن نبيكم يقول (إن الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر) وكيف ذلك وأنت في هذا الترف والاحتفاء وهو يعني نفسه اليهودي في غاية ما يكون من الفقر والذل فكيف ذلك فقال له ابن حجر ﵀ أنا وإن كنت كما ترى من الاحتفاء والخدم فهو بالنسبة لي بما يحصل للمؤمن من نعيم الجنة كالسجن وأنت بما أنت فيه من هذا الفقر والذل بالنسبة لما يلقاه الكافر في النار بمنزلة الجنة فأعجب اليهودي هذا الكلام وشهد شهادة الحق قال أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله. ***
وردتنا من بريد المزاحمية من المقدم عبد الله بن إبراهيم بن زياد يقول في رسالته الرجاء من فضيلة الشيخ أن يجيبني على هذا السؤال: قال رسول ﷺ (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد السفيه ولتأطرنه على الحق أطرا) الرجاء من فضيلة الشيخ بيان معنى قوله ﷺ (لتأطرنه على الحق أطرا) وتكملة الحديث ومدى صحته إن أمكن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يدل على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وتأكده لأن النبي ﷺ قال: (لتأمرن) وهذه الجملة جواب لقسم مقدر تقديره والله لتأمرن وهو خبر بمعنى الأمر والإلزام، وهذا الحديث رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وفي سندهما مقال لأنه اعُل بالإرسال والانقطاع وتكملة الحديث هي (أن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل أنه كان الرجل يمر بالرجل فيقول يا هذا اتق الله ودع ما تصنع فإنه لا يحل لك ثم يلقاه من الغد وهو على حاله فلا يمنعه ذلك أن يكون أكيله وشريبه وقعيده فلما فعلوا ذلك ضرب الله قلوب بعضهم ببعض ثم قال (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ * تَرَى كَثِيرًا مِنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ) ثم قال رسول الله ﷺ (كلا والله لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر ولتأخذن على يد الظالم ولتأطرنه على الحق أطرا) ومعنى (لتأطرنه على الحق أطرا) أي تقهرنّه أي تقهرونه وتلزمونه بالحق حتى يستقيم وذلك لأنه إذا لم يستقم فإنه يكون الهلاك له ولمن سكت على منكره.
فضيلة الشيخ: في الحقيقة قلتم في إثناء الإجابة أن هذا الحديث فيه علة الإرسال والانقطاع وهذه من خصوصيات المحدثين لكن المرسل يريد أن يقف على علة الإرسال والانقطاع ما معناهما؟ فأجاب رحمه الله تعالى: علة الإرسال معناها أن يكون الحديث من مرفوعات التابعين الذين لم يسمعوا من النبي ﵊ يعني أن سند الحديث إذا كان آخره التابعي ولم يذكر صحابيهُ يسمون هذا مرسلًا، وهو من قسم الضعيف لأن التابعي ما أدرك النبي ﵊ فيكون الحديث منقطعًا، وأما من أعله بالانقطاع فقد روي مرفوعًا عن ابن مسعود ﵁ من حديث أبي عبيدة ابنه وقد قيل:إنه لم يسمع منه، وقال بعض المحدثين: إنه سمع منه فهذه علة الانقطاع وعلى كل حال الإرسال والانقطاع كلاهما من أسباب ضعف الحديث. ***
ما معنى قول الرسول ﷺ (أرى رؤياكم قد تواطأت) وقول الرسول ﷺ (خير الرؤيا الرؤيا الصالحة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد السائل بسؤاله هذا هل يريد أن الرؤيا تثبت بها الأحكام الشرعية أم لا والجواب على ذلك أن الرؤيا الصالحة التي تصدق وتقع هذه تكون جزءًا من ستة وأربعين جزءًا من النبوة كما أخبر بذلك النبي ﷺ وأما إثبات الأحكام الشرعية بالرؤيا فإن أقرها الشرع ولا يكون ذلك إلا في حياة النبي ﵊ ثبت الشرع بها لكن بإقرار الشارع لها ذلك كإقرار النبي ﷺ الآذان الذي رآه عبد الله بن زيد وكذلك هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حيث قال ﵊ (أرى رؤياكم قد تواطأت في السبع الأواخر فمن كان متحريها فليتحرها في السبع الأواخر) قال العلماء وتثبت الأحكام الفقهية إذا دلت القرائن عليها ولكنه لا يتغير بها شيءيًا من أحكام الشرع وإنما تنفذ حسب ما تقتضيه الشريعة وضربوا لذلك مثلًا برؤيا ثابت بن قيس بن شماس ﵁ حين رئي في المنام بعد استشهاده في اليمامة وذكر ﵁ ما جرى بعد استشهاده وأوصى بوصية فلما بلغ ذلك أبا بكر ﵁ نفذ وصيته لأنه ذكر أشياء قد ثبتت بالفعل حسب ما ذكرها فكان ذلك قرينة على صدق هذه الرؤيا فنفذ وصيته ﵁ بعد وفاته والمهم أن الأحكام الشرعية لا تثبت بالمرائي أبدًاَ إلا إذا أقرها الشرع وذلك لا يكون إلا في عهد النبي ﷺ فقط أما بعده فإن الرؤيا مهما كانت لا يمكن أن يتغير بها حكم شرعي أبدًا. ***
قال رسول الله ﷺ (يأتي على الناس زمان القابض فيهم على دينه كالقابض على الجمر) يقول هل أتى هذا الزمان وهل هو زماننا هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الأمر يختلف باختلاف الناس والأماكن ففي بعض الأماكن يكون الإنسان مضطهدًا في دينه مضيقًا عليه حتى يكون كالقابض على الجمر وفي هذه الحال يجب عليه أن يهاجر إلى بلد آخر يأتي فيه بدينه على حرية وطمأنينة لأن أهل العلم يقولون إذا لم يتمكن الإنسان من إظهار دينه في بلاد الكفر فإنه يجب عليه أن يهاجر ليقيم دينه وفي بعض البلاد في عهدنا هذا يجد الإنسان حرية كاملة في القيام بشعائر دينه وإظهارها وإعلانها وحينئذ لا يمكن أن نقول إن هذا العهد الذي أشار إليه النبي ﷺ موجود الآن لأننا نجد ولله الحمد في بعض البلاد الإسلامية ما يتمكن الإنسان معه من إقامة دينه على الوجه الذي يرضي الله ورسوله ***
ما معنى هذا الحديث وما صحته (بدأ الإسلام غريبًا وسيعود غريبًا كما بدأ فطوبى للغرباء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معناه إن الإسلام أول ما ظهر كان غريبًا أن يعتنقه إلا الواحد أو الاثنان أو الثلاثة أو ما أشبه ذلك فهو كالغريب في بلد غير بلده ثم تطور الإسلام وانتشر في أقطار الدنيا وصارت الغلبة للمسلمين حين كانوا متمسكين به تمسكًا يرضاه الله ﷿ ثم حصلت الفتن بين المسلمين فتأخر المسلمون تأخرًا كثيرًا وانحصر الإسلام وارتد كثير من البلدان التي كانت تعتنق الإسلام من قبل وسلط عليها الأعداء وسيتقلص الإسلام حتى يعود غريبًا ويكون الإسلام الصحيح الذي على منهاج رسول الله ﷺ وأصحابه غريبًا بين الناس لقلة من يطبق الإسلام على الوجه الذي كان عليه النبي ﷺ وأصحابه ***
من المنطقة الشرقية عبد الوهاب خالد يقول ما معنى الحديث الشريف (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث يقول فيه الرسول ﵊ (إن الإيمان ليأرز إلى المدينة كما تأرز الحية إلى جحرها) يأرز بكسر الراء ويجوز فيه الفتح والضم فأي حركة تقولها في الراء فإنك لست مخطئًا فيها ومعنى يأرز أي يرجع ويثبت في المدينة كما أن الحية إذا خرجت من جحرها رجعت إليه وهذا إشارةٌ من رسول الله ﷺ إلى أن هذا الدين سوف يرجع إلى المدينة بعد أن تفسد البلدان الأخرى كما أن الحية تخرج وتنتشر في الأرض ثم بعد ذلك ترجع إلى جحرها وفيه أيضًا إشارة إلى أن الإسلام كما انطلق من المدينة فإنه يرجع إليها أيضًا فإن الإسلام بقوته وسلطته لم ينتشر إلا من المدينة وإن كان أصله نابعًا في مكة ومكة هي المهبط الأول للوحي لكن لم يكن للمسلمين دولة وسلطان وجهاد إلا بعد أن هاجروا إلى المدينة فلهذا كان الإسلام بسلطته ونفوذه وقوته منتشرًا من المدينة وسيرجع إليها في آخر الزمان وقال بعض أهل العلم إن هذا إشارة إلى أمرٍ سبق وأن المعنى أن الناس يفدون إلى المدينة ويرجعون إليها ليتلقوا من رسول الله ﷺ الشريعة والتعاليم الإسلامية ولكن المعنى الأول هو ظاهر الحديث وهو الأصح. ***
قال رسول الله ﷺ (من صلى البردين دخل الجنة) مالمراد بالبردين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المراد بالبردين صلاة الفجر وصلاة العصر وذلك لأن صلاة الفجر فيها برد الليل وصلاة العصر فيها برد النهار وهاتان الصلاتان أفضل الصلوات الخمس قال الله تعالى (حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلاةِ الْوُسْطَى وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ) والمراد بالصلاة الوسطى صلاة العصر ولأن هاتين الصلاتين تشهدهما الملائكة الموكلون بحفظ بني آدم قال الله تعالى (وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا) ولهذا كان لهما هذا المزية أن من صلاهما دخل الجنة. ***
بارك الله فيكم (السفر قطعة من العذاب) هل هذا حديث وهل السفر أقسام وما معنى الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم السفر قطعة من العذاب لأن المسافر يتعذب في ضميره ويتعذب في بدنه وتجده قلقًا ينتظر متى يصل إلى البلد الذي هو قاصد وتجده قلقًا يخشى الحوادث لا سيما في عصرنا هذا حين كثرت هذه السيارات التي يحدث منها حوادث كثيرة خطيرة ولهذا كان المسافر لا يستريح حتى ولو سافر بالطيارة فهو لا يستريح قلبه في تعب يخشى أن تسقط الطائرة يخشى أن يحصل فيها خلل مزعج وإن لم يصل إلى حد السقوط إلى غير ذلك من الأشياء التي يعرفها من هم بسفر. أما أقسام السفر فإن له أقسام: سفر محرم وسفر مباح وسفر مكروه وسفر واجب. فالسفر الواجب السفر للحج إذا كان الحج المفروض إذا كان الإنسان ليس من أهل مكة والسفر المستحب إذا سافر الإنسان لطاعة مثل أن يسافر لصلة الرحم أو بر الوالدين أو ما أشبه ذلك وقد يكون هذا من القسم الواجب والسفر المكروه هو السفر الذي لا يحصل الإنسان فيه على فائدة إنما يكون به إضاعة الوقت وإضاعة المال والسفر المحرم المسافر لغرض محرم مثل أن يسافر والعياذ بالله لبلاد الكفر ليشبع رغبته فيزني أو شهوته فيشرب الخمر أو ما أشبه ذلك فهذا سفر محرم. ***
السائل مصطفى أحمد من جمهورية مصر العربية يقول في هذا السؤال عن أبي إمامة ﵁ قال (قيل لرسول الله ﷺ أي الدعاء أسمع قال جوف الليل الآخر ودبر الصلوات المكتوبات) نرجو شرح هذا الحديث ومعنى دبر الصلوات قبل أم بعد السلام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: (أي الدعاء أسمع) أي أقرب للإجابة لأن السمع يراد به الإجابة كما في قول الله ﵎ (إن ربي لسميع الدعاء) أي لمجيب الدعاء وقول المصلى سمع الله لمن حمده أي أجاب لمن حمده فقوله أسمع أي أقرب إلى الإجابة قال جوف الليل يعني وسط الليل والمراد به ما بعد النصف الأول لأن الله تعالى ينزل حين يبقى ثلث الليل الآخر كل ليلة إلى السماء الدنيا فيقول (من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له) . الثاني أدبار الصلوات المكتوبة وأدبارها جمع دبر وهو آخرها لأن دبر كل شيء آخره وهو قبل السلام وليس بعده ودليل ذلك في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم أما كتاب الله فقد قال الله تعالى (فإذا قضيتم الصلاة فاذكروا الله قياما وقعودا وعلى جنوبكم) ولم يذكر الدعاء بل أمر بالذكر وجاءت السنة مبينة لذلك فإنه يشرع للمصلى إذا فرغ من صلاته (أن يستغفر الله ثلاثا ويقول اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام) لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير ثلاث مرات دبر كل صلاة وعشر مرات دبر صلاة المغرب والفجر ويذكر من الأذكار ما هو معروف وأما السنة فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه لما علّم أصحابه التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) فجعل موضع الدعاء قبل السلام وهو أيضا المطابق للنظر لأن كون الإنسان يدعو الله تعالى قبل أن ينصرف من مناجاته بالسلام أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من مناجاته بالسلام بمعنى أن الإنسان إذا كان يصلى فإنه بين يدي الله يناجي ربه فكونه يدعوه قبل أن ينصرف من صلاته أولى من كونه يدعوه إذا انصرف من صلاته. ***
كيف نجمع بين قول النبي ﷺ للرجل الذي أتى إليه يسأله عن الدين فذكر له النبي ﷺ الصلاة والزكاة والصيام وبعد ما انتهي قال الرجل والله لا أزيد على هذا ولا أنقص فقال له النبي ﷺ (أفلح إن صدق) وبين ما ورد من الواجبات التي يأثم تاركها مثل تحية المسجد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن النوافل لا يأثم تاركها بتركها أبدا، ولهذا قال الرجل للنبي ﷺ لما ذكر له الصلوات الخمس هل عليّ غيرها؟ قال (لا إلا أن تطوع) فلا شيء من النوافل يكون واجبًا أبدًا. لا تحية المسجد ولا غيرها، وإن كان بعض العلماء قال بوجوب تحية المسجد وكذلك بوجوب صلاة الكسوف ومن العلماء من قال إن صلاة الكسوف فرض كفاية وهو أقرب الأقوال إلى الصواب، لكن ليس هناك شيء من النوافل،بل ليس هناك شيء من الصلوات غير الخمس يكون واجبًا، اللهم إلا بسبب كالنذر، لقول النبي ﷺ (من نذر أن يطيع الله فليطعه) لكن هذا سبب عارض يكون من فعل المكلف وعلى هذا فلا إشكال في الحديث،لكن قد يقول القائل إن هناك واجبات أخرى سوى ما ذكر في الحديث فالجواب إما أن يكون النبي ﷺ قد علم من حال الرجل السائل أن شروط الوجوب في غير ما ذكر لم تحقق فيه وإما أن يقال أن هذا كان قبل وجوب مالم يذكر لأن واجبات الدين ليست واجبة دفعة واحدة وإنما هي تأتي بحسب الحكمة التي تقتضيها. ***
ما المقصود بالحديث التالي قال ﷺ (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن إلى آخر الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الزنى والسرقة من كبار الذنوب ولهذا أوجب الله ﵎ فيهما الحد أما الزنى فإن كان الزاني لم يتزوج فإن حده أن يجلد مِئة جلدة وأن ينفى عن البلد لمدة سنة وأما إن كان محصنًا وهو الذي قد تزوج وجامع زوجته في نكاح صحيح وهما بالغان عاقلان حران فإن حده أن يرجم بالحجارة حتى يموت فالزنى والسرقة من كبائر الذنوب وإذا كانا من كبائر الذنوب فإن الإنسان لا يقدم عليهما وهو حين إقدامه عليهما مؤمن تام الإيمان بل إن إيمانه في تلك الحال وفي تلك اللحظة إما مرتفع بالكلية وأمَّا ناقص نقصًا عظيمًا استحق أن يوصف الإيمان بالنفي من أجل نقصه هذا النقص العظيم فالحديث محتمل لهذا وهذا أي محتمل لانتفاء الإيمان أصلا وذلك في اللحظة التي يقدم عليها لأنه لا يمكن لمن معه إيمان أن يقدم على هذا العمل وهو يعلم جرمه وإثمه في الدين الإسلامي وإما أن يكون المراد نفي كمال الإيمان في تلك اللحظة لكنه يكون ناقصا نقصا بينا استحق به أن يوصف بالنفي وهذا الأخير عندي أقرب وهو الذي عليه أهل السنة والجماعة والأول وإن كان محتملا لكنه قد يكون من بعض الأفراد دون بعض لذلك يجب اعتماد القول بأن المراد بذلك انتفاء كمال الإيمان فمعنى لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن أي لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن كامل الإيمان بل لابد أن يكون إيمانه ناقصا بهذا الزنى وكذلك يقال في السارق.
فضيلة الشيخ: (ولا يشرب الخمر حين يشربها وهو مؤمن) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم كلها سواء ولا ينتهب نهبة يرفع الناس إليه فيها أبصارهم حين ينتهبها وهو مؤمن. ***
ما معنى الحديث الوارد عن الرسول ﷺ (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها وإن الرجل ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها) أو كما قال ﷺ وكيف يكون الجمع بينه وبين قوله تعالى (إِنَّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الأول حديث ابن مسعود ﵁ يخبر فيه النبي ﵊ أن الرجل يعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها ذراع لقرب أجله وموته ثم يسبق عليه الكتاب. الكتاب الأول الذي كتب فيه أنه من أهل النار فيعمل بعمل أهل النار والعياذ بالله فيدخلها وهذا فيما يبدو للناس ويظهر كما جاء في الحديث الصحيح (إن الرجل ليعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار) نسأل الله العافية وكذلك الأمر بالنسبة للثاني يعمل الإنسان بعمل أهل النار فيمن الله عليه بالتوبة والرجوع إلى الله تعالى عند قرب أجله فيعمل عمل أهل الجنة فيدخلها وأما ما ذكرت من قوله تعالى (إنا لا نضيع أجر من أحسن عملًا) فإن هذه الآية لا تعارض الحديث إن الله يقول (أجر من أحسن عملًا) ومن أحسن العمل في قلبه وظاهره فإن الله تعالى لا يضيع أجره لكن الأول الذي عمل بعمل أهل الجنة فسبق عليه الكتاب كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يبدو للناس فيسبق عليه الكتاب وعلى هذا فيكون عمله ليس حسنًا وحينئذٍ لا يعارض الآية الكريمة. ***
ما معنى الحديث التالي وما صحته (من كفّر مسلمًا فقد كفر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه ولكن صح عن النبي ﷺ ما يدل عليه وهو أن من قال لشخص يا كافر أو وصف رجلًا بالكفر ولم يكن كذلك رجع على القائل وهذا الذي ثبت هو بمعنى هذا اللفظ الذي ذكره السائل وفيه التحذير الشديد من وصف المسلمين بالكفر إلا ببرهان بين من الله ﷿ وبه نعرف خطأ بعض الناس الذين صار التكفير عندهم سهلًا حتى في الأمور الاجتهادية التي لا يضلل فيها المخالف تجدهم يكفرون من خالفهم وهو أمر خطير جدًا فالواجب على المرء أن يتقي الله ﷿ في هذه المسألة وأن لا يكفر إلا من دل الكتاب والسنة على كفره ومع هذا فإن العمل أو القول قد يكون كفرًا ويكون العامل أو القائل معذورًا بجهل أو تغرير فيحتاج إلى إقامة الحجة عليه قبل أن يحكم بكفره وليعلم أن وصف الإنسان بالكفر أو الإيمان ليس موكولًا إلى الناس بل هو موكول إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فما دل الكتاب والسنة على أنه من الكفر فهو كفر وما لا دليل فيه من الكتاب والسنة على أنه كفر فلا يجوز لأحد أن يجعله كفرًا، كما أن التحليل والتحريم إنما تؤخذ من الكتاب والسنة فكذلك التكفير والتفسيق والإنسان سيكون مسؤولًا أمام الله ﷿ فيما ينطق به لاسيما في هذه الأمور الخطيرة فقد قال الله تعالى (وَلَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ (١٦) إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنْ الْيَمِينِ وَعَنْ الشِّمَالِ قَعِيدٌ (١٧) مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) . ***
مامعنى هذا الحديث قال ﵊ (من صلى الصبح فهو في ذمة الله فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء الحديث) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذا الحديث الذي ذكرته السائلة أن الإنسان إذا صلى الصبح في جماعة كان في ذمة الله أي في عهده وأمانه ومن كان في عهد الله وأمانة فإنه على خير، لأن الله ﷾ لا أحد أوفى بعهده منه كما قال تعالى (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ) وقوله ﷺ (فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء) المعنى الحث على صلاة الجماعة في صلاة الصبح لأنك إن لم تصل لم تكن في عهد الله ولا في أمانه فيطلبك الله ﷾ بذلك، وصلاة الجماعة في الفجر من أفضل الأعمال قال النبي ﵊ (أثقل الصلوات على المنافقين صلاة العشاء وصلاة الفجر ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبوًا) وقال ﷺ (من صلى البردين يعني الفجر والعصر دخل الجنة) وقال ﷺ (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) والمهم أن هذا الحديث يدل على فضيلة صلاة الفجر ولا سيما مع الجماعة وأن من صلاها جماعة فإنه في ذمة الله ﷿. ***
من العراق ع. ن. أ. يقول عندنا الأغلبية إن لم يكن الجميع يدعون بعد صلاة المغرب مع الإمام بظهور أكفهم ويقولون اللهم نجنا برحمتك من النار وأدعية أخرى علمًا بأن هناك حديث عن رسول الله ﷺ يقول (ادعوا الله بباطن أكفافكم ولا تدعوه بظهورها) هل هذا الحديث صحيح وإن كان صحيحًا فما معناه وضحوا لنا ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدعاء على وجهٍ جماعي بعد صلاة المغرب أو غيرها من الصلوات بدعة ليس من هدي النبي ﷺ ولا من هدي أصحابه ﵃ وعلى هذا فينبغي للإمام والمأمومين الكف عنه في صلاة المغرب وغيرها وأما الدعاء بظهور الأكف فقد اختلف أهل العلم فيه لأنه ورد في صحيح مسلم ما ظاهره أن النبي ﷺ كان يدعو بظهور كفيه في الاستسقاء ولكن الظاهر ما ذهب إليه شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ من أن الدعاء كله ببطون الأكف ولكن الراوي ذكر أن ظهور كفي الرسول ﵊ إلى السماء لأنه ﷺ بالغ في الرفع فظن من يراه أنه جعل ظهورهما نحو السماء وليس المعنى أنه دعا بهما مقلوبتين وهذا هو الأقرب وأما الحديث الذي ذكره السائل (ادعوا الله ببطون أكفكم) فهذا لا يحضرني سنده الآن ولا أدري عنه. ***
هل يجوز السؤال بوجه الله تعالى غير الجنة حيث قد ورد في حديث صححه الألباني جاء فيه (ملعون من سأل بوجه الله وملعون من سئل بوجه الله ولم يعط) فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم بصحته والذي أرى أنه ينبغي لطالب العلم إذا صحح أحد من أهل العلم الحديث وليس في الكتب المشهورة بالصحة والتي تلقاها أهل العلم بالقبول أرى أن يبحث هو بنفسه عن هذا الحديث وعن سنده حتى يتبين له صحته فإن الإنسان بشر ربما يخطئ كما أنه يصيب ولكن هذا الحديث لا يحضرني الآن الحكم عليه بالصحة أو بغيرها فإن صح هذا الحديث فمعناه أنه لما كان وجه الله تعالى موصوفًا بالجلال والإكرام كان لا ينبغي أن يسأل فيه إلا أعظم الأشياء وهو الجنة أما الأشياء التي دونها فإنه لا ينبغي أن يسأل كما أن المسئول إذا سئل بوجه الله وهو الوجه العظيم الموصوف بالجلال والإكرام فإنه لا ينبغي له أن يرد من سأل به بل له عليه أن يجيبه وكل هذا الذي أقوله إذا كان الحديث صحيحًا والله أعلم ولعلنا إن شاء الله تعالى نبحث عنه ويتسنى لنا الكلام عليه في موضع آخر. ***
يقول ما مدى صحة هذا الحديث وما معناه عن أبي ذر ﵁ عن النبي ﷺ أنه قال (من قال لا إله إلا الله دخل الجنة فقال أبو ذر وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق وفي رواية على رغم أنف أبي ذر) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح ومعناه أن الرسول ﵊ بين في هذا الحديث أن من حقق التوحيد وقال لا إله إلا الله فإنه يدخل الجنة ولو عمل بعض المعاصي والكبائر لأن المعاصي والكبائر لا تخرجه من الإيمان كما هو المذهب الحق مذهب أهل السنة والجماعة أن الإنسان يكون مؤمنًا بإيمانه فاسقًا بكبيرته ولا يخرج من الإيمان بالكبائر فهاهو الرجل لو قتل نفسًا محرمة بغير حق فإن ذلك من أكبر الذنوب ومع هذا لا يكون بهذا كافرًا خارجًا من الملة وقد أمرنا الله ﷾ في الطائفتين المقتتلتين أن نصلح بينهما وقال (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ) وهذا دليل على أن الإنسان لا يخرج من الإيمان بفعل الكبائر فهو يدخل الجنة وإن زنى وإن سرق ولكن هو مستحق للعذاب على هذه الكبيرة إن كانت ذات حد في الدنيا فعوقب به وإلا عوقب به في الآخرة إلا أن يشاء الله لأن الله يقول (إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء) . ***
ماصحة هذا الحديث قال رسول الله ﷺ (أتاني آتٍ من ربي فأخبرني أو قال فبشرني أنه من مات من أمتك لا يشرك بالله شيئًا دخل الجنة قلت وإن زنى وإن سرق قال وإن زنى وإن سرق) وما معناه بالتفصيل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح ومعناه أن الإنسان إذا مات على الإسلام فإنه يدخل الجنة ولو زنى وسرق ولكن لابد أن يعذب على ذنوبه بما شاء الله ﷿ إلا أن يغفر الله له وهذا الحديث لا يعني إننا نتساهل في المعاصي والكبائر بل هذا الحديث يرغب في تحقيق الإسلام وأن الإسلام يمنع من الخلود في النار ولكن على الإنسان أن يعلم أن المعاصي كما قال العلماء بريد الكفر وأن المعاصي لا تزال بالرجل حتى يصل إلى حد الكفر والعياذ بالله لأن الطاعات للقلب بمنزلة سقي الماء للشجرة إذا داوم الإنسان عليه وثابر عليه بقيت الشجرة حية نضرة وأن المعاصي بمنزلة قطع أغصان الشجرة كلما قطع الإنسان منها غصنًا ضعفت ونقصت حتى تذهب أغصانها وربما يكون في ذلك ذهاب أصلها فعلى الإنسان أن يحمي إيمانه بطاعة الله ﷿ واجتناب معصيته لكن لو فرض أنه فعل من المعاصي مالا يقتضي الكفر فإن مآله إلى الجنة إن شاء الله تعالى وقولنا في جواب السؤال فإن مآله إلى الجنة ليس معناه أن فعل المعاصي يؤدي إلى دخول الجنة لكن معناه أن العاصي مهما بلغت ذنوبه من العظم إذا لم تصل إلى حد الكفر لا بد أن يكون مآله إلى الجنة بعد أن يعذب بما يقتضيه ذنبه إلا أن يعفو الله عنه. ***
لقد ورد عن الرسول ﷺ حديث لا أعلم مدى صحته في صلاة التسابيح ووردت صفتها في عدة كتب موثوقة في كتب الأذكار للنووي وكتاب تاج الأصول وكتاب فقه السنة فما مدى صحة هذه الأحاديث وما مدى صحة هذه الصلاة وما هي صفتها إن كانت مشروعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الصلاة ليست مشروعة وذلك لأن الحديث الوارد فيها ضعيف كما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية وقال إنه لم يستحبها أحد من الأئمة وهو كما قال ﵀ لأن هذه الصلاة شاذة في طلبها وفي صفتها وهيئتها أما في طلبها فإن الحديث المروي فيها أن الإنسان يصلىها كل يوم فإن لم يفعل ففي كل أسبوع فإن لم يفعل ففي كل شهر وإن لم يفعل ففي كل سنة فإن لم يفعل ففي العمر مرة ومثل هذه العبادة لو كانت من العبادات التي فيها مصلحة للقلب ومرضاة للرب لكانت مشروعة على وجه واحد لا على هذا التخيير المتباعد فالذي نرى في هذه المسألة أن صلاة التسبيح ليست مشروعة ولو ثبت الحديث عن النبي ﵊ لكنا أول الناس يجيبون له ويقولون به وعلى كل حال من ثبت عنده هذا الحديث ورأى صحته فإنه لابد أن يقول إنها مشروعة ومن لم يثبت عنده فإنه يقول إنها ليست مشروعة والأصل عدم المشروعية حتى يتبين لأن الأصل في العبادات الحظر إلا ما ثبت الدليل به. ***
عبد الحليم عبد الهادي محمد حسين من إدارة الإتصالات الإدارية بمنطقة جدة يقول أهدى إلي أحد الإخوان قصاصة تحمل وصية تشير إلى أن النبي ﷺ قال للإمام علي ﵁ ما نصه (يا علي لا تنم إلا أن تأتي بخمسة أشياء وهي قراءة القرآن كله التصدق بأربعة آلاف درهم زيارة الكعبة حفظ مكانك بالجنة إرضاء الخصوم) قال علي وكيف ذلك يا رسول الله فقال ﷺ (أما تعلم أنك إذا قرأت قل هو الله أحد فقد قرأت القرآن كله وإذا قرأت الفاتحة أربع مرات فقد تصدقت بأربعة آلاف درهم وإذا قلت لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير عشر مرات فقد زرت الكعبة وإذا قلت لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم عشر مرات حفظت مكانك في الجنة وإذا قلت أستغفر الله العظيم الذي لا إله إلا هو الحي القيوم وأتوب إليه عشر مرات فقد أرضيت الخصوم) السؤال هو ما مدى صحة هذه الأقوال والذي أعلمه أن سورة الإخلاص (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) تعدل ثلث القرآن فما هو رأيكم في هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره أن النبي ﷺ أوصى علي بن أبي طالب ﵁ بهذه الوصايا كذب موضوع على النبي ﷺ لا يصح أن ينسب إلى الرسول ﷺ ولا يجوز أن ينقل عن الرسول ﷺ لأن من حدث عن النبي ﷺ بحديث يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين ومن كذب على النبي ﷺ متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار إلا إذا ذكره ليبين أنه موضوع ويحذر الناس منه هذا مأجور عليه والمهم أن هذا الحديث كذب على النبي ﷺ وعلى علي بن أبي طالب ﵁ وهنا نقطة عبر بها السائل وهو قوله الإمام علي بن أبي طالب ولا ريب أن علي بن أبي طالب ﵁ إمام من الأئمة كغيره من الخلفاء الراشدين فأبو بكر ﵁ إمام وعمر إمام وعثمان إمام وعلي إمام لأنهم من الخلفاء الراشدين حيث قال ﷺ (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعدي) وهذا الوصف ينطبق على أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﵃ أجمعين فليست الإمامة خاصة بعلي ابن أبي طالب ﵁ بل هي وصف لكل من يقتدى به ولهذا يقال لإمام الصلاة إمام الجماعة في الصلاة إنه إمام ويقال لمن يتولى أمور المسلمين إنه إمام لأنه محل قدوة يقتدى به وإن بعض الناس قد يقصد من كلمة الإمام أنه معصوم من الخطأ وهذا خطأ منهم وذلك أنه ليس أحد من الخلق معصومًا إلا من عصمه الله ﷿ والأولياء كغيرهم يخطئون ويتوبون إلى الله ﷿ من خطئهم فإن كل بني أدم خطاء وخير الخطائين التوابون. ***
من حماة من سوريا يزيد فرزات يقول فيها بعد السلام قد ورد على ألسنة الناس الأقوال التالية الدَّين ضال إلا ما رده الله أكثروا الخياط والخطاط فإنهما يأكلان من موقع عيونهما لا تجعلوا آخر طعامكم ماءً فهل هذه الأقوال أحاديث نبوية فإن كانت أحاديث نبوية فما مرجع كل منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأحاديث ليست أحاديث نبوية ولا تصح عن النبي ﷺ. ***
ن خ من الأردن تقول قرأت حديثًا في كتاب الرحمة في الطب والحكمة للمؤلف جلال الدين السيوطي يقول عن هشام بن القابض بن الحارث عن ابن عباس ﵄ عن رسول الله ﷺ أنه قال (يا ابن عباس ألا أهدي لك هدية علمني جبريل ﵇ إياها للحفظ قال بلى يا رسول الله قال فاكتب في طاسة بزعفران وماء ورد فاتحة الكتاب وسورة الحشر وسورة الملك وسورة الواقعة ثم تصب عليها من ماء زمزم أو ماء مطر أو من ماء نظيف ثم تشربه على الريق في السحر مع ثلاثة مثاقيل من اللبان وعشرة مثاقيل سكر ثم تصلى بعد ذلك أي بعد هذا الشراب ركعتين تقرأ فيهما قل هو الله أحد في كل ركعة خمسين مرة وفاتحة الكتاب خمسين مرة ثم تصبح صائمًا) فما درجة صحة هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث موضوع عن النبي ﵊ وليس بصحيح بل هو كذب وأثر الوضع عليه واضح جدًا ولذلك لا يجوز للمرء اعتماده ولا نقله بين الناس وذكره إلا أن يكون مقرونًا ببيان وضعه وكذبه على الرسول ﷺ لأن من ينشر مثل هذه الأحاديث الكاذبة إذا لم يبين أنها كذب على الرسول ﵊ وهو يرى أنها من الكذب على الرسول فإنه أحد الكاذبين كما ثبت ذلك عن الرسول ﷺ. ***
هل ورد أن الرسول ﷺ قال في تحريك الأصبع في التشهد والإشارة به (إنه أشد على الشيطان من وقع الحديد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد هذا ولكنني لا يحضرني الآن الحكم على سنده بصحة ولا ضعف إنما لاشك أن تحريك الأصبع في الصلاة في الجلوس بين السجدتين وفي التشهدين الأول والثاني أنه من الأمور المشروعة التي جاءت عن رسول الله ﷺ. ***
يقول الرسول ﷺ فيما معناه (إذا كنت في البادية فارفع صوتك في الأذان فإنه ما من جن وإنس إلا فيشهد لك) هل هذا الحديث صحيح ثانيًا إذا كان صحيحًا فهل وجود المكرفون في وقتنا الحاضر وأن مداه بعيد ووجود الراديو يعم على جميع الأماكن هل هذا يدخل في مضمون الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث صحيح وهو في البخاري وعمومه يتناول الصوت المسموع بواسطة وبغير واسطة فإن المسموع بواسطة المكرفون هو نفس صوت المؤذن ولهذا يعرف الناس إذا سمعوا صوت المكرفون يعرف الناس أن هذا فلان بن فلان وعلى هذا فظاهر الحديث العموم وأنه أي المؤذن إذا سُمِع صوته بواسطة أو بغير واسطة فإنه يُشهد له وفضل الله تعالى واسع وأما في الراديو فنقول أيضًا مثلما قلنا في مكبر الصوت بشرط أن يكون النقل مباشرًا أما إذا كان مسجلًا فإن الظاهر أن ذلك لا يشمله. ***
ما مدى (إذا سقط الذباب في طعام أحدكم فليغمسه لأن في أحد جناحيه داء وفي الآخر دواء) أو ما في معناه وحيث اعترض بعض الأساتذة على عدم صحة هذا الحديث نرجو تبيين ذلك وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث رواه البخاري من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال (إذا وقع الذباب في شراب أحدكم فليغمسه فإن في أحد جناحيه داءً وفي الآخر دواء) وقد زاد أبو داود (وإنه يتقي بجناحه الذي فيه الداء) وهو حديث صحيح ولا وجه للاعتراض عليه بعد ثبوته في صحيح البخاري وكون بعض الناس يقصر نظره عن معرفة الحكمة في هذا الحديث لا يدل على أن الحديث لا يصح عن النبي ﷺ وهذه قاعدة ينبغي أن يعرفها كل أحد أن الرجل إذا قصر فهمه عن حكمة الحكم الشرعي فليتهم نفسه ولا يتهم النصوص الشرعية لأنها من لدن حكيم خبير وهؤلاء الذين طعنوا في هذا الحديث أتوا من قلة ورعهم ومن قلة علمهم وإلا فقد ثبت طبًا أن في الذباب مادة تكون سببًا لبعض البكتيريا وأن هذه المادة تكون في أحد جناحيه وفي الجناح الآخر مادة أخرى تقاومها وعلى هذا فيكون الحديث مطابقًا تمامًا لما شهد له الطب وأيًا كان فإن الواجب على المرء التسليم فيما جاء في كتاب الله وفيما صح عن رسول الله ﷺ وأن لا يحاول توهين الأحاديث الواردة عن رسول الله ﷺ بمجرد أن فهمه لم يصل إلى معرفة حكمتها فإن الله تعالى يقول (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الرُّوحِ قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلًا) . ***
يقول ما مدى صحة هذين الحديثين (من لم يكن له شيخ فشيخه شيطانه) و(من لم يكن له شيخ يكون مسخرة للشيطان) وهل معنى هذا أنه لابد للمسلم أن يقلد شيخًا ويصدقه في أقواله وأفعاله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذان الحديثان باطلان موضوعان ولا يجوز نسبتهما إلى الرسول ﷺ وعلى المسلم إذا كان بين قوم اشتهر عندهم هذان الحديثان عليه أن يبين للناس بطلانهما حتى يحذروا منهما ولا يجب على المسلم أن يقلد أحدًا في عباداته ومعاملاته إلا رسول الله ﷺ ومن اعتقد من الناس أن أحدًا سوى الرسول ﵊ يجب تقليده فإنه أخطأ خطأً عظيمًا وكما قال بعض أهل العلم يستتاب فإن تاب وإلا قتل لأنه لا أحد يجب تقليده إلا رسول الله ﷺ إذ كل أحد من الناس سوى رسول الله ﷺ فإنه معرض للخطأ كما أنه يكون موافقًا للصواب فهو أي قائل هذا القول إنه لابد للإنسان من شيخ يكون سائرًا خلفه قال قولًا خطأ على إطلاقه صحيح أن من كان عاميًا من الناس لا يعرف ما يقول فإن الله تعالى أمره أن يسأل أهل الذكر كما قال تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولكن هذا لا يلزم منه أن يتخذ شيخًا معينًا يقتدي بأقواله وأفعاله بحيث لا يدع قوله لقول أحد سواه وإنما يتبع الإنسان من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب وأعني بذلك من يغلب على ظنه أنه أقرب إلى الصواب من العلماء الموثوقين بعلمهم ودينهم وأمانتهم دون الشيوخ المزورين الذين يزعمون للناس أنهم شيوخ طريقة وأن لهم مكاشفات وما أشبه هذا مما يروجه مشايخ أهل البدع فإن هؤلاء المشايخ لا يستحقون أن يتبعوا في شيء من أقوالهم بل الواجب أن يبين بطلان أقوالهم وما هم عليه من الضلال حتى يحذر الناس منهم.
فضيلة الشيخ: أعتقد أيضًا الأمر لا يقتصر على مجرد تقليدهم بل قد يتعدى ذلك إلى تقديسهم والتماس الخير والنفع منهم أيضًا ودفع الضر عنهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ربما يكون وإذا كان كذلك فإنه يخشى أن يخرج بهم هذا الاعتقاد إلى الشرك الأكبر. ***
ما معنى حديث (وجبت محبتي للمتحابين فيّ والمتزاورين فيّ والمتباذلين فيّ) فأجاب رحمه الله تعالى: والله لا أدري عن صحة هذا الحديث ولا أستطيع أن أتكلم عن معناه وأنا لا أدري عن صحته لكن ثبت عن النبي ﷺ (أن سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله وذكر منهم رجلين تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه) . ***
ما صحة هذا الحديث وما معناه يقول: سمعت حديثًا (من قال حين يمسي وحين يصبح اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أعوذ بك من شر ما صنعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فأغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت إن مات من ليلته أو نهاره دخل الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح فإن الإنسان ينبغي له أن يقول هذا كل صباح وكل مساء (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك) هذه الجملة (اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت) فيها الإقرار بالربوبية والألوهية بالربوبية حين قال (اللهم أنت ربي) والألوهية حين قال (لا إله إلا أنت) (خلقتني وأنا عبدك) فيه الاعتراف التام بأن الفضل لله ﷿ في إيجاد العبد لأنه هو الذي خلقه واوجده من العدم وفيه الذل الكامل لله ﷿ في قوله (وأنا عبدك) والعبد يجب عليه أن يذل لسيده وأن يقوم بطاعته وأن لا يخالف أمره (وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت) يعني أنا على عهدك في القيام بطاعتك وعلى وعدك في التصديق به فإن الله تعالى وعد من قام بعهد الله أن يفي له جل وعلا بعهده وقوله (ما استطعت) أي بقدر استطاعتي ففيه اعتراف ببذل الوسع والطاقة في طاعة الله ﷿ (أعوذ بك من شر ما صنعت) يعني أعوذ بك من شر ما صنعت يعني نفسه فإن الإنسان يصنع السوء فتكون له عاقبة وخيمة فيقول (أعوذ بك من شر ما صنعت) (أبوء لك بنعمتك علي) يعني أعترف بنعمتك عليّ وإفضالك عليّ في أمور الدين وأمور الدنيا (وأبوء بذنبي) أعترف به والاعتراف بالذنب لله تعالى من أسباب المغفرة (وأبوء بذنبي فاغفر لي) مغفرة من عندك وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم. ***
أم راشد من القصيم الرس تقول سمعت (بأن من يقول قبل آذان المغرب اللهم أنت ربي لا إله إلا أنت خلقتني وأنا عبدك وأنا على عهدك ووعدك ما استطعت أبوء لك بنعمتك علي وأبوء بذنبي فاغفر لي فإنه لا يغفر الذنوب إلا أنت من قالها من ليلته دخل الجنة) هل هذا الحديث صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الحديث صحيح وهو سيد الاستغفار ويقال صباحًا ويقال مساءً فينبغي للإنسان أن يحفظه أو يجعله في ورقة يكتبها ويقوله في الصباح وفي المساء. ***
هل هذا الحديث وارد وهو أن النبي ﷺ قال لأبي بكر ﵁ (الشرك أخفى من دبيب النمل وسأدلك على شيء إذا فعلته أذهب الله عنك صغار الشرك تقول اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم وأستغفرك لما لا أعلم تقول ذلك ثلاث مرات) أرجو من فضيلتك توضيح معنى الحديث وهل هو صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعرف هذا الحديث أما معنى الحديث فإن الإنسان يستعيذ بالله ﷿ أن يشرك بالله وهو يعلم وأن يستغفر الله لما لا يعلم أنه شرك لأن الإنسان قد يقع في الشرك وهو لا يدري فيستغفر الله تعالى من شركٍ لم يعلم به. ***
ما صحة هذا الحديث عن ابن عمر ﵄ قال، قال رسول الله ﷺ (رحم الله امرأً صلى قبل العصر أربعًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث فيه مقال لأن من أهل العلم من ضعفه ومنهم من حسنه وأظن بعض العلماء أيضًا صححه فإذا عمل به الإنسان رجاء الثواب فإنه يرجى له الحصول على الثواب وهو رحمة الله ﷿ ولكن هذا لا يدل على أن هذه الصلاة راتبة ولهذا ليس للعصر راتبة لا قبلها ولا بعدها لكن إذا صلى الإنسان فإنه يكون إن صح الحديث نائلًا لهذا الدعاء من رسول الله ﷺ. ***
ما صحة هذا الحديث الذي معناه رَغَّبَ رسول الله ﷺ بصلاة أربع ركعات قبل العصر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) لكن في صحته نظر والأمور المشروعة لا تثبت إلا بدليل صحيح ولهذا لم يستحبها بعض أهل العلم. ***
ما صحة هذا الحديث الذي معناه رَغَّبَ رسول الله ﷺ بصلاة أربع ركعات قبل العصر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعا) لكن في صحته نظر والأمور المشروعة لا تثبت إلا بدليل صحيح ولهذا لم يستحبها بعض أهل العلم. ***
سمعت أن الرسول ﷺ قال (من صلى أربع ركعات قبل العصر دخل الجنة) فهل هذا صحيح وهل تجوز صلاتها بعد آذان العصر وقبل أداء الفريضة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث فيه مقال فقد اختلف العلماء فيه وعلى تقدير صحته فالمعنى أن من صلى أربع ركعات بسلامين بين الآذان والصلاة والذي أعرف من الحديث أنه بلفظ (رحم الله امرأ صلى قبل العصر أربعًا) ولا أعرفه بهذا اللفظ الذي ذكره السائل. ***
في بعض الشوارع نقرأ عبارات (النظافة من الإيمان) و(أكرموا عمتكم النخلة) ويقولون تحت ذلك حديثٌ شريف ما صحة ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح النخلة ليست عمةً لنا ولا أظنها عمةً لبقية الأشجار أيضًا وأما (النظافة من الإيمان) فهذا ليس بحديث لكن معناه صحيح فإن الدين الإسلامي يدعو إلى النظافة ولهذا جاء بتقليم الأظفار ونتف الآباط وحلق العانة وقص الشوارب والاغتسال كل أسبوع حتى إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فأوجب صلى الله عليه وعلى آله وسلم غسل الجمعة على كل إنسانٍ بالغ وهذا من النظافة ووقت لأخذ الأظفار والشارب والعانة والإبط وقت أربعين يومًا يعني أنها لا تترك فوق أربعين يومًا فلا تترك الأظفار ولا الإبط ولا العانة ولا الشارب فوق أربعين يومًا لأن النبي ﷺ وقت لأمته أن لا تترك فوق أربعين يومًا. ***
م. ك. س. من الدمام يقول ما مدى صحة هذين الحديثين الحديث الأول (النظافة من الإيمان) والحديث الآخر (من أخذ الأجرة حاسبه الله بالعمل) أرجو إيضاح مدى صحة هذين الحديثين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحديث الثاني فلا أعلم له أصلًا وإذا كان الإنسان لا يعلم للحديث أصلًا عن رسول الله ﷺ أصلًا فإنه لا يجوز أن ينسبه إليه حتى يتيقن. وأما الحديث الأول (النظافة من الإيمان) فإن هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ وإن كان مشهورًا عند الناس ولكن لا شك أن الدين الإسلامي يأمر بكل ما فيه الخير والمصلحة للإنسان ومن ذلك النظافة. فإن النظافة في البدن والملبس والمسكن من الأمور المحمودة عرفًا التي لا تنافي الشرع وما كان محمودًا عرفًا ولا ينافي الشرع فإنه من الأمور المطلوبة التي ينبغي للإنسان أن يتصف بها بل إن النبي ﵊ قال في يوم الجمعة (لو تطهرتم ليومكم هذا) والاغتسال للجمعة لا شك أنه نوع من النظافة لأن الجمعة يحصل بها اجتماع الناس كثيرًا في مكان واحد ويحصل لهم من العرق ما قد تكون فيه رائحة كريهة ولا سيما في أيام الصيف وقبل أن توجد هذه المكيفات التي تمنع من شدة الحرارة على كل حال النظافة أمر محمود شرعًا وعرفًا وأما إضافة هذا الحديث إلى رسول الله ﷺ فإنه حديث ضعيف لا يضاف إلى رسول الله ﷺ. ***
أسأل عن هذا الحديث هل هو حديث (النظافة من الإيمان) أم أثر وجهونا بهذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أدري هل هو حديث مرفوع أم أثر أو كلام لبعض العلماء ولكن لا شك أن الدين الإسلامي يدعو إلى النظافة ولهذا قال النبي ﷺ (الفطرة خمس أو قال خمس من الفطرة الختان والإستحداد وقص شارب نتف الآباط وتقليم الأظفار) وأمر بالاغتسال كل أسبوع كل يوم جمعة حتى إنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أوجب ذلك فقال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) . ***
فضيلة الشيخ هل هذا حديث (حب الدنيا رأس كل خطيئة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديثٌ موضوع ليس بصحيح وحب الدنيا إذا كان يريد أن يستعين به على طاعة الله فليس خطيئة وإن كان يريد الدنيا ويؤثرها على الآخرة فقد خاب قال تعالى (بل تؤثرون الحياة الدنيا والآخرة خيرٌ وأبقى) وقال الله تعالى (من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب) . ***
ما صحة هذا الحديث (من صلى علي حين يصبح عشرًا وحين يمسي عشرًا أدركته شفاعتي يوم القيامة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري عن صحته. ***
ع. ح. م. من الرياض يقول ما مدى صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ وهو أن أسماء ﵂ دخلت على النبي ﷺ وهي ترتدي ملابس خفيفة فأشاح عنها بوجهه وقال لها رسول الله ﷺ (يا أسماء إن المرأة إذا بلغت المحيض يجب أن لا يظهر منها إلا الوجه والكفان) أو كما قال ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف سنده منقطع وفيه رواةٌ فيهم نظر ثم هو منكر المتن إذ كيف يليق بأسماء ﵂ أن تدخل على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وعليها ثيابٌ رقاق إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أجل وأكرم من أن تدخل عليه امرأة عليها ثيابٌ رقاق يقتضى أن يصرف النبي ﷺ وجهه عنها فهو منكر المتن ضعيف السند لا معول عليه وقد بينا ذلك في رسالةٍ لنا اسمها رسالة الحجاب هي صغيرة الحجم لكنها كبيرة المعنى فمن أحب أن يقرأها ففيها فائدةٌ وخيرٌ إن شاء الله تعالى. ***
نحن مجموعة من الشباب نقوم بصيد نوع من أنواع الطيور يقال له القطا ليلًا واعترضنا بعض الإخوان وقالوا إن صيد الطيور في أوكارها ليلًا محرم مستدلين بحديث (لا تأتوا الطيور في أوكارها ليلًا) ما حكم صيد الطيور في أوكارها ليلًا وما مدى صحة هذا الحديث فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والصيد جائز ليلًا ونهارًا إلا أنه في الليل على خطر لأن الإنسان قد يتجشم شجرة تؤذيه أو حفرة يقع فيها لشفقته على إدراك الصيد أما من حيث الصيد نفسه فإنه حلال ليلًا ونهارًا قال الله تعالى (هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا) (البقرة: من الآية٢٩) ولم يقيد زمنًا دون زمن. ***
ناجي المطيري يقول في الحديث (لعن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم راكب الفلاة وحده) نرجو من فضيلتكم معنى هذا الحديث وهل هو صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: إنه قد ورد النهي عن سفر الإنسان وحده لأنه يتعرض للخطر والبلاء فقد يهجم عليه ولا يجد من يساعده وقد يمرض فيحتاج إلى ممرض وقد يموت فيحتاج إلى من يقوم بتغسيله وتكفينه والصلاة عليه ودفنه فلذلك نهى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن سفر الرجل وحده لكن في عصرنا الحاضر إذا ركب الإنسان سيارته وحده ومشى مسافرًا في طريق مسلوك كطريق المدينة مكة مثلًا فإن النهي لا يشمله وذلك لأن هذه الطرق أصبحت والحمد لله وكأن الإنسان في المدينة لا يزال يشاهد السيارات ذاهبة وراجعة فكأنه في المدينة فلا يشمله النهي عن السفر وحده أما الحديث (أن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعن راكب الفلاة وحده) فلا أدري عن صحته. ***
ما صحة هذا الحديث (الدعاء مخ العبادة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم بهذا اللفظ ليس بصحيح،الصحيح (الدعاء عبادة) ويدل لذلك قوله ﵎ (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فقال (ادعوني) ثم قال (إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي) وهذا يدل على أن الدعاء عبادة ولا شك أنه عبادة من الناحية النظرية فإن الإنسان إذا دعا ربه فقد بنى دعاءه على أمرين الأمر الأول شدة حاجته إلى الله ﷿ وافتقاره إليه وأنه لا ملجأ له إلا ربه ﵎ والأمر الثاني تعظيمه لله ﷿ وإيمانه بأنه تعالى قادر على استجابته وأنه ﷾ عالم بدعائه وأنه سامع لدعائه وهذا عبادة فأكثر أخي المسلم من دعاء الله ﷿ لعلك تصادف ساعة إجابة فيحصل لك مطلوبك وإذا لم يحصل مطلوب الإنسان فهو على خير لن يخيب أبدًا أولًا الدعاء عبادة يثاب عليه. ثانيا أن الله تعالى إما أن يستجيب له ما دعا به وإما أن يصرف عنه من السوء ما كان متوقعًا وإما أن يدخر ذلك له عند الله ﷿ يوم القيامة فهو لن يخيب أبدًا بخلاف سائل المخلوق الذي يسأل المخلوق يستهجنه المخلوق كما قال الشاعر: لا تسألن بني آدم حاجة وسل الذي أبوابه لا تحجب فالله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب يستهجنك وربما يعطيك وربما لا يعطيك وإذا لم يعطك ربما ينتهرك وربما يصعر خده لك لكن الرب ﷿ إذا سألته أحبك وأثابك وأجاب مطلوبك أو صرف عنك ما هو أعظم أو ادخره لك يوم القيامة فعليك بسؤال الله في كل شيء والاستعانة بالله تعالى في كل شيء وقل اللهم بفضلك أغنني عمن سواك. ***
ما حكم قول اللهم لا سهل إلا ما جعلته سهلًا فإنك تجعل الحزن إذا شيءت سهلًا وهل هو حديث فأجاب رحمه الله تعالى: هذا كلام مسجوع معناه صحيح لكن لا حاجة إليه يكفي عنه أن يقول القائل اللهم يسرنا لليسرى وجنبنا العسرى واغفر لنا في الآخرة والأولى ومن المعلوم أن الله ﷿ قادرٌ على أن يجعل السهل صعبًا والصعب سهلًا لأنه على كل شيء قدير فبهذه المناسبة أنصح إخواني الحريصين على الدعاء في الصلاة وفي أوقات الدعاء مثل الدعاء بين الأذان والإقامة وفي الدعاء في عرفة وفي الدعاء في مزدلفة أن يحرصوا أتم الحرص على الدعاء بما جاءت به السنة لأن الداعي بذلك أعلم الخلق بما يليق وبما ينفع من الدعاء فليتحروا الأدعية التي دعا بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في الأحاديث الصحيحة أيضًا لأن هناك أحاديث ضعيفة فيها أدعية غير صحيحة ويا حبذا لو أن إخواني طلبة العلم كتبوا ما تيسر من الأدعية الصحيحة الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إما مطلقة وإما مقيدة في الصلاة أو في وقوف عرفة أو في الطواف أو في السعي لو فعلوا ذلك لحصل خير كثير في حفظ هذه السنن والبعد عن الأدعية الكثيرة المسجوعة التي لا خير فيها بل ربما تشتمل على أمور تخل بالعقيدة. ***
ما صحة هذا الحديث (إذا خرجت من منزلك فصلِّ ركعتين تمنعانك من مخرج السوء وإذا دخلت إلى منزلك فصلِّ ركعتين تمنعانك مدخل السوء) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير صحيح ولا يعمل به لكن الإنسان مأمور إذا دخل بيته أن يتسوك أول ما يدخل ثم يسلم على أهله (لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كان أول ما يبدأ به إذا دخل بيته أن يتسوك ثم يسلم على أهله) وقد قال الله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) فحث الله تعالى على أن يكون لنا أسوة حسنة في رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ومن التأسي به أن نبدأ إذا دخلنا بيوتنا بالسواك. ***
ما معنى هذا الحديث وهل هو صحيح يقول (إذا خرج أحدكم من بيته فليقل بسم الله لا حول ولا قوة إلا بالله ما شاء الله توكلت على الله حسبي الله ونعم الوكيل) ؟ الشيح: لا أعلم هذا الحديث واردًا عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
هل هناك دعاء معين مأثور لمن ركبته الديون حتى تقضى عنه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك حديثًا خاصًا لكن الإنسان يدعو الله ﷿ فيقول اللهم اقض عني الدين وأغنني من الفقر ويلح على ربه ﷾ فإن الله يحب الملحين في الدعاء. ***
م ن من المدينة النبوية يقول أسأل عن هذا الدعاء هل هو وارد (اللهم يا من لا تراه العيون ولا يصفه الواصفون) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا غلط هذا غلط عظيم لأنه إذا قال اللهم يا من لا تراه العيون وأطلق صار في هذا إنكار لرؤية الله تعالى في الآخرة وقد ثبت عن النبي ﷺ (أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب وكما يرون القمر ليلة البدر) وقد أنكر قوم رؤية الله ﷿ وقالوا إن الله لا يرى لا في الدنيا ولا في الآخرة وذلك بناء على عقولهم التي يعتمدون في إثبات الصفات لله ﷿ ونفيها عنه عليها أي على عقولهم وهذا خطأ عظيم أن يحكِّم الإنسان عقله في أمر من أمور الغيب لأن أمور الغيب لا يمكن إدراكها إلا بمشاهدتها أو مشاهدة نظيرها أو خبر الصادق عنها فتجدهم ينكرون رؤية الله ويحرفون كلام الله ورسوله بناء على عقيدتهم المبنية على العقل الفاسد لأن حقيقة تحكيم العقل أن يسلم الإنسان لما أخبر الله به ورسوله تسليمًا تامًا فإن هذا مقتضى العقل ومقتضى الإيمان قال الله تعالى (فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) وهؤلاء المنكرون لرؤية الله تعالى في الآخرة لم يسلموا تسليمًا بل أنكروا ذلك وقالوا لا يمكن فقيل لهم سبحان الله النصوص واضحة في هذا في القرآن الكريم قال الله تعالى (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ (٢٢) إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) ناضرة أي حسنة (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي تنظر إلى الله ﷿ وإضافة النظر إلى الوجوه يعني أنه بالعين لأن أداة النظر في الوجه هي العين فحرفوا الكلم عن مواضعه وقالوا (إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ) أي إلى ثواب ربها ناظرة وهذا تحريف زادوا في الآية كلمة كما زادت بنو إسرائيل حرفًا حين قيل لهم قولوا حطة فقالوا حنطة وقيل لهم إن الله ﷾ يقول (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ) وهذه الآية تدل على ثبوت أصل الرؤية لأن معنى لا تدركه أي تراه ولا تدركه لأنه أعظم من أن يحيط به شيء من مخلوقاته والعجب أنهم يستدلون بهذه الآية على نفي الرؤية وهي حجة عليهم وقيل لهم إن موسى ﵊ قال (رَبِّ أَرِنِي أَنظُرْ إِلَيْكَ) ولو كانت الرؤية ممتنعة على الله ﷿ لكانت غير لائقة به وموسى أحد الرسل أولي العزم لا يمكن أن يسأل الله مالا يليق به أبدًا مستحيل قالوا إن الله قال له (لن تراني) نعم قال (لن تراني) يعني في الدنيا لن تثبت لرؤيتي ولهذا ضرب الله لهم مثلًا فقال (انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكًا) اندك الجبل ساوى الأرض حينئذٍ خر موسى صعقا مما رأى فيكون بهذه الآية التي استدلوا بها على نفي الرؤية دليل عليهم والحمد لله وقيل لهم إن الله تعالى يقول في الفجار (كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ) وجعل هذا عقابًا عليهم ولو كان الأبرار لا يرونه لاستوى في هذا الحكم الفجار والأبرار ولهذا قال الإمام الشافعي ﵀ إن الله لم يحجب هؤلاء عنه في حال الغضب إلا وقد أذن للأبرار أن يروه في حال الرضا أو كلمة نحوها وهذا استدلال جيد وقيل لهم إن الله ﵎ قال (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ) وقد فسر أعلم الخلق بكلام الله وأنصح الخلق لعباد الله وأفصح الخلق فيما يقول قال (إن الزيادة هي النظر إلى وجه الله) وقيل لهم إن الله تعالى قال (لهم ما يشاءون فيها ولدينا مزيد) وقد فسر المزيد بأنه النظر إلى وجه الله كما فسر به النبي ﷺ الزيادة، وقيل لهم إن الله تعالى قال (فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ (٣٤) عَلَى الأَرَائِكِ يَنظُرُونَ) وحذف المفعول ليعم كل نظرة يستمتعون بها ويتلذذون بها وأجلها رؤية الله ﷿ فهم ينظرون الرب ﷿ وينظرون ما أعد الله لهم من النعيم وينظرون الكفار الذين كانوا في الدنيا يضحكون بهم وإذا مروا بهم يتغامزون، وقيل لهم إن النبي ﷺ وهو أعلم الخلق بالله وأنصحهم لعباد الله وأفصحهم في المقال وأسدهم في القول قال (إنكم سترون ربكم كما ترون القمر ليلة البدر لا تضامون في رؤيته فإذا استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وصلاة قبل غروبها فافعلوا) وأخبر أن المؤمنين يرون ربهم يوم القيامة عيانًا بأبصارهم كما يرون الشمس صحوًا ليس دونها سحاب، فانظر إلى هذا التثبيت والتقرير والتوكيد لرؤية الله ﷿ بضرب هذه الأمثلة التي لا يشك فيها أحد الشمس في حال الصحو ليس معهاسحاب لا يشك أحد في رؤيتها والقمر ليلة البدر لا أحد يحتجب عنه رؤيته كل يراها ولهذا أجمع الصحابة ﵃ وأئمة الأمة على ثبوت رؤية الله ﷿ في الآخرة لم يرد عن أحد منهم أنه نفى ذلك أبدًا وأدنى ما يقال لهؤلاء ائتوا إلينا لنجلس في أحد المساجد ولندعو الله ﷿ فنقول اللهم من أنكر رؤيتك في الآخرة فاحرمه منها يا رب العالمين لا أظن أن يثبت لهم قدم على ذلك أبدًا لن يصبروا أن يأتوا ويدعوا الله ﷿ بهذا الدعاء مما يدل على أن إيمانهم بانتفاء الرؤية ليس إيمانًا عن يقين، والخلاصة أن رؤية الله ﷾ ثابتة بالقرآن والسنة وإجماع السلف ونسأل الله تعالى لمن أنكرها أن يهديهم إلى الحق حتى يلقوا الله ﷿ وهم مؤمنون بكتابه وسنة رسوله ﷺ ومتبعون للصحابة ﵃ في هذه المسألة البينة الواضحة. ***
هل كان الرسول ﷺ يحيي ليلتي العيدين بالقيام أو قراءة القرآن وهل يوجد حديث للترغيب في قيام هاتين الليلتين فأجاب رحمه الله تعالى: فيهما أحاديث ضعيفة في فضل إحيائهما وأما من فعل الرسول ﷺ فلم يكن يفعل ذلك لم يكن يحيي الليل وما قام الليل كله إلا في ليالي العشر الأخيرة من رمضان رجاء لليلة القدر فإنه (كان ﵊ إذا دخل العشر أحيا الليل كله) . ***
هل من أجر لمن يموت يوم الجمعة أو ليلة الجمعة وأنه يوقى من فتنة القبر كما جاء في الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في هذا حديثًا صحيحًا والإنسان موته ليس باختياره فإذا مات يوم الجمعة فليس من كسبه أو يوم الاثنين فليس من كسبه قال الله ﵎ (إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ) فالإنسان يجهل بأي أرض يموت هل في بلده أو في بلد آخر هل هو داخل مملكته أو خارج مملكته كذلك أيضًا لا يدري متى يموت لأن علم الموت كعلم الساعة مجهول هو عند الله تعالى وحده فإذا كان كذلك فمات الإنسان في أي يوم فإن موته في أي يوم الجمعة أو الاثنين أو الخميس أو غيره أو غيرها ليس من كسبه حتى يثاب عليه لكن إن ثبت عن النبي ﷺ في ذلك حديث فالواجب الإيمان به والتسليم له. ***
م س يقول ما صحة هذا الحديث (إن لله في كل يوم وليلة مائة وعشرين رحمة تنزل على هذا البيت ستون للطائفين وأربعون للمصلىن وعشرون للناظرين إليها أي إلى الكعبة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والنظر إلى الكعبة ليس بعبادة بل النظر إلى الكعبة إن قصد الإنسان بذلك أن يتأمل هذا البناء المعظم الذي فرض الله على عباده أن يحجوا إليه وأزداد بهذا التفكير إيمانا صار مطلوبًا من هذه الناحية وأما مجرد النظر فليس بعبادة وبهذا يتبين ضعف قول من يقول إن المصلى يسن له إذا كان يشاهد الكعبة أن ينظر إليها دون أن ينظر إلى موضع سجوده فإن هذا القول ضعيف لأنه ليس عليه دليل ولأن الناظر إلى الكعبة والناس يطوفون حولها لابد أن ينشغل قلبه والسنة للمصلى أن ينظر إلى موضع سجوده إلا في حال التشهد فإنه ينظر إلى موضع إشارته أي إلى إصبعه وهو يشير بها وكذلك الجلوس بين السجدتين فإنه يشير بإصبعه عند الدعاء فينظر إليه. ***
محمد حسن من اليمن يقول هل الأذان في أذن المولود والإقامة في أذنه الأخرى سنة أم لا وما صحة الأحاديث في هذا الأمر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما حديث الإقامة في اليسرى فإنه ضعيف وأما حديث الأذان في أذنه اليمنى فلا بأس به على أن فيه مقالا أيضا ولكن هذا يكون حين الولادة مباشرة قال العلماء والحكمة في ذلك أن يكون أول ما يسمعه الأذان الذي هو النداء إلى الصلاة والفلاح وفيه تعظيم الله وتوحيده والشهادة لنبيه ﷺ بالرسالة. ***
ما صحة هذا الحديث (من صلى علي يوم الجمعة ثمانين مرة غفرت ذنوبه) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح ***
قولهم (اللهم لك صمت وعلى رزقك أفطرت) هل ورد فيه حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ورد أيضًا لكنه أعل بالإرسال لأنه عن أحد التابعين عن النبي ﷺ وهو معاذ بن زهرة وهو تابعي فالحديث مرسل وعند علماء الحديث أنه إذا كان الحديث مرسلًا -يعني- رفعه التابعي أو الصحابي الذي لم يسمع من الرسول ﷺ فإنه يكون منقطعًا فلا يحكم بصحته حتى يعلم من الواسطة بين هذا الرجل وبين النبي ﷺ. ***
ليلى الغامدي من الباحة تقول أسأل عن هذا الحديث عن أنس ﵁ قال. قال رسول الله ﷺ (مَنْ صلى علي في يوم ألف مرة لم يمت حتى يرى مقعده من الجنة) هل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بصحيح ولكن لاشك أن الإكثار من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خير للمرء فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أخبر (أن من صلى عليه مرة واحدة صلى الله عليه بها عشر) فأكثر من ذكر الله وأكثر من الصلاة على النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإن ذلك خير قال الله ﵎ (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ) . ***
أيمن عبد المنعم من مصر يقول سمعت حديثا ينص على أن الصلاة لابد وأن يقابلها متعة من الفرد وسعادة فإن لم يكن كذلك فإن أبواب السماء تغلق لتلك الصلاة هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح لكنه لا شك أن الإنسان الذي تكون صلاته متعة له وقرة عين له فإن له حظا كبيرا مما كان عليه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم (حبب إلي من دنياكم النساء والطيب وجعلت قرة عيني في الصلاة) فإذا دخل الإنسان في صلاته وأعتقد أنه يناجي ربه وأن حياته في الحقيقة هي ما أمضاه في طاعة الله وأن هذا هو عمره الحقيقي فإنه لا شك أن الصلاة ستكون قرة عينه وراحة نفسه وأنه سيألفها وإذا سلم منها انتظرها مرة أخرى وأنه يجد بعد ذلك نورا وسعادة وانتهاءً عن المنكر والفحشاء كما قال الله ﵎ (اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ الْكِتَابِ وَأَقِمْ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنْ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ) أما مَنْ فَرَّطَ فيها وأضاعها وثقلت عليه وكان من حين ابتدائه بها إلى أن ينتهي وقلبه يفكر ويدور يمينا وشمالا فإن الصلاة ستكون شاقة عليه وسوف يخرج منها كخروج الهارب من السبع ولا يرى أنه اغتنم هذا الوقت الذي كان يصلى فيه وأنه هو عمره الحقيقي ولهذا أقول إنه ينبغي للإنسان إذا قام إلى الصلاة أن يستشعر عظمة من قام بين يديه وأن يؤمن إيمانًا كاملًا بأنه ﵎ يعلم ما توسوس به نفسه وأن يحرص غاية الحرص أن يجمع قلبه على ما يقول ويفعل في صلاته وألا يذهب يجول يمينا وشمالا وإذا حدث له ذلك فهنا الدواء الناجع الذي وصفه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لرجل من أصحابه شكا إليه أنه إذا دخل في الصلاة يوسوس يعني يفكر يمينا وشمالا (فأمره النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا وجد ذلك أن يتفل عن يساره ثلاثا ويستعيذ بالله من الشيطان الرجيم قال الرجل ففعلت ذلك فأذهب الله عني ما أجد) نسأل الله أن يعيننا جميعا على ذكره وشكره وحسن عبادته. ***
يقول السائل سمعت حديثًا شريفًا (أن الشهداء خمسة وذكر منهم المبطون) فمن هم الباقون إن كان الحديث صحيحًا وما معنى المبطون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح رواه البخاري ومسلم وغيرهما والباقون هم المطعون، والغريق، وصاحب الهدم والشهيد في سبيل الله، ولكن هذه الشهادة تختلف أحكامها في الدنيا فإن الشهيد في سبيل الله لا يغسل ولا يكفن ولا يصلى عليه وإنما يدفن في ثيابه التي استشهد فيها بخلاف هؤلاء الأربعة -يعني- يجب تغسيلهم وتكفينهم والصلاة عليهم والمبطون: هو الذي أصيب بداء البطن بمعنى أنه يكون فيه إسهال أو وجع في بطنه ومنه ما يسمى بالزائدة إذا انفجرت وما أشبه ذلك فكل أدواء البطن التي تكون سببًا للموت فإنها داخلة في قوله ﷺ (المبطون) لا سيما التي يكون الموت فيها محققًا عاجلًا. ***
تقول السائلة أم عبد الرحمن من اليمن هل هذا الكلام من الحديث النبوي: (أبغض بغيضك هونا ما عسى أن يكون حبيبك يوما ما وأحبب حبيبك هونا ما عسى أن يكون بغيضك يوما ما) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا روي حديثا لكنه لا يصح أما معناه فصحيح يعني أنه لا ينبغي للإنسان أن يفرط في الحب فإنه ربما كان هذا الحبيب يوما من الأيام بغيضا لك ومن المعروف أن الإنسان إذا أفرط في الحب أفضى إلى حبيبه بكل ما عنده من سر وأخبره بكل حالاته فإذا قدر أنه صار بغيضا له يوما من الأيام فإن هذا البغيض سوف يفشي سره ويبينه للناس ثم إن المحبة المفرطة غالبا ما تفضي إلى بغض مفرط لأن المحبة المفرطة توجب لصاحبها أن يكون حساسا بالنسبة إلى حبيبه فيغار إذا رأى أحدا إلى جنبه أو أحدا يكلمه أو ما أشبه ذلك وتكون الحبة عنده من هذا الحبيب قبة وحينئذٍ لقوة الغيرة والمحبة تنقلب هذه المحبة بغضاء وكذلك بالعكس قد يبغض الرجل الإنسان بغضا شديدا ثم يقلب قلبه مقلب القلوب فيحبه بعد ذاك حبا شديدا لهذا لا ينبغي للإنسان أن يفرط في المحبة ولا في البغضاء فإن قال قائل المحبة لا يملكها الإنسان والبغض أيضا لا يملكه الإنسان يعني لا يملك أن يجعل محبته خفيفة أو ثقيلة أو بالعكس فالجواب أن الأمر كذلك ولكن يجب عليه أن يقلل من آثار هذه المحبة ومن آثار هذا البغض بحيث لا يسرف في الملازمة عند المحبة ولا في المباعدة عند البغضاء وهذا يمكن للإنسان أن يتصرف فيه وكذلك لا يسرف في بذل المال لمن أحبه ولا في تقديمه على نفسه وما أشبه ذلك من مقتضيات المحبة التي يمكن للإنسان أن يتصرف فيها. ***
هل إذا نظر شخص إلى سوءة أخيه بدون قصد يكون آثما كما في حديث (مَنْ نظر إلى سوءة أخيه المسلم فهو ملعون) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف ويرويه بعض الناس بلفظ (لعن الله الناظر والمنظور) ولكن لا يحل للرجل أن ينظر إلى عورة أخيه لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل ولا المرأة إلى عورة المرأة) ويجب عليه إذا رأى أخاه كاشفا عورته يقضي حاجته مثلا يجب عليه أن يكف بصره ولا يحل له أن ينظر إليها لأن في ذلك امتهانا لأخيه وإثارة للفتنة فقد يصور له الشيطان هذه العورة بصورة ليست على ما هي عليه ويحصل بهذا فتنة للناظر والمنظور ولكن على الإنسان أيضا أن يحفظ عورته إلا من زوجته أو ما ملكت يمينه وعليه أن يلبس الثياب الساترة وبهذه المناسبة أود أن أنبه ما يفعله بعض الناس من لباس سراويل قصيرة تغطي نصف الفخذ ثم يلبس فوقها ثوبا شفافا لا يستره فإن ذلك حرام عليهم ولا تصح صلاتهم في هذا السروال القصير الذي ليس عليه إلا ثوب رهيف لأن الواجب على المصلى الرجل أن يستر ما بين السرة والركبة بثوب ساتر. ***
السائل يقول في حديث عن النبي ﷺ وهو عن ابن عباس باختصار الحديث (جاء علي بن أبي طالب ﵁ وقال للرسول إني تفلت مني القرآن فعلمه الرسول ﷺ دعاء وصلاة أربع ركعات مخصوصة بقراءة) فذكر هذا الحديث مفصلًا في الكتاب الصغير وروى هذا الحديث الترمذي ورواه الحاكم فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ليس بصحيح عن النبي ﷺ فلا عبرة به، لكن مما يعين على الحفظ ما أمر به النبي ﵊ في قوله (تعاهدوا هذا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتا من الإبل في عقلها) فأمر بتعاهده لئلا ننساه، والتعاهد أن يكرر الإنسان تلاوته بحضور قلب فإذا كرر تلاوته بحضور القلب فهذا هو التعاهد فيكون ذلك معينا على بقاء القرآن وحفظ القرآن. ***
سمعت حديثا يقول (من كثر لغطه في مجلس فليقل بعد أن يقوم سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك تغفر خطاياه في ذلك المجلس) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا أيضًا حديث صحيح ينبغي للإنسان أن يختم مجلسه به لأنه كالطابع على المجلس (سبحانك اللهم وبحمدك أشهد أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك) . ***
ما صحة الحديث القدسي التالي يقول قال الله تعالى (إذا أطعت رضيت وإذا رضيت باركت وليس لبركتي نهاية) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بلفظه لا أعرف عنه شيئا لكن لا شك أنه إذا أطيع فإن طاعة الله ﷾ سبب لرضاه ورضاه سبب لكل خير وبركة قال الله ﵎ (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا) وقال الله تعالى (وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ) . ***
محمد أحمد من الأردن يقول أسأل عن صحة حديث نبوي سمعته من أحد الإخوة قبل أكثر من سنة فقد سمعته يقول بأن النبي ﷺ قال (صلاة بعمامة خير من أربعين صلاة بدون عمامة) هل هذا حديث أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث حديث باطل موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم والعمامة كغيرها من الألبسة تتبع عادات الناس فإن كنت في أناس اعتادوا لبس العمامة فالبسها وإذا كنت في أناس لا يعتادون لبس العمامة وإنما يلبسون الغترة أو يبقون بلا شيء يستر رؤوسهم فافعل كما يفعلون فالعمامة ليست من الأمور المطلوبة شرعا لكنها من الأمور التابعة لعادات الناس والإنسان مأمور أن يلبس ما يلبسه الناس إلا إذا كان محرما لأنه إذا خالف الناس في لباسهم صار لباسه شهرة وقد (نهي عن لباس الشهرة) اللهم إلا إذا كان في بلد غريب وكان لباس أهل هذا البلد يخالف لباس هذا الرجل القادم إليهم فحينئذٍ لا بأس أن يبقى على لباسه في بلده لأن الناس يعرفون أن هذا رجل غريب وأنه لا غرابة أن يكون لباسه مخالفًا للباسهم كما يوجد الآن عندنا ولا سيما في مكة والمدينة أناس يلبسون ثيابهم على الزي الذي كانوا عليه في بلادهم ولا أحد يستنكر ذلك وخلاصة القول أن نقول هذا الحديث الذي أشار إليه السائل حديث باطل موضوع مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثانيًا أن نقول لبس العمامة ليس سنة ولكنه خاضع لعادات الناس الذين يعيش بينهم هذا الرجل فإن كانوا يلبسون العمامة لبسها وإن كانوا لا يلبسونها لم يلبسها وأقول إن السنة موافقة الناس الذين تعيش فيهم في لباسهم ما لم يكن لباسا ممنوعا شرعا فإنه يجب اجتنابه عليك وعليهم ثم إني ذكرت أن الإنسان إذا قدم إلى بلد يخالف لباسهم لباس أهل بلده وهو معروف أنه غريب فلا حرج عليه أن يبقى على زي أهل بلده لأنه لا يعد ذلك شهرة. ***
(عفي عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه) هل هذا حديث وإن كان حديثا فما درجته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح المعنى وإن كان في سنده ما فيه لكن تشهد له نصوص الكتاب والسنة فالخطأ معفو عنه معذور به الإنسان لقول الله ﵎ (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) قال الله قد فعلت وكذلك النسيان لهذه الآية وكذلك الإكراه لقول الله ﵎ (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) هذه نصوص عامة تشمل كل ما يقع من خطأ أو نسيان أو إكراه وهناك نصوص خاصة تبين ذلك أيضا فمنها ما ثبت في صحيح البخاري عن أسماء بنت أبي بكر ﵂ وعن أبيها (أن الناس أفطروا في يوم غيم على عهد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم طلعت الشمس ولم يأمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بالقضاء) لأنهم أفطروا عن ظن أخطؤوا فيه وكذلك (عدي بن حاتم ﵁ كان يتسحر ويأكل وكان قد جعل تحت وساده عقالين أحدهما أسود والثاني أبيض وكان يأكل حتى تبين العقال الأبيض من العقال الأسود ثم أمسك فأخبر بذلك النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمره بالقضاء) وفي الصحيح من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه فإنما أطعمه الله وسقاه) وعلى هذا الخطأ والنسيان والإكراه كلها معفو عنها في هذه الشريعة الميسرة المسهلة نسأل الله تعالى أن يزيدنا تمسكا بها وثباتًا عليها إلى الممات لكن ما نُسي من الواجبات فإنه يقضى إذا لم يفت سببه فإذا نسي الإنسان أن يصلى فإنه يصلى إذا ذكر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك ثم تلا قوله تعالى (وَأَقِمْ الصَّلاةَ لِذِكْرِي» . ***
ورد عن الرسول ﷺ حديث معناه أن (من صلى صلاة الصبح في جماعة وجلس يذكر الله حتى تطلع الشمس ثم صلى ركعتين فإن ذلك يعدل حجة وعمرة تامة تامة) هل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مختلف في صحته لكن الإنسان إذا فعل ذلك راجيا ثواب الله فأرجو ألا يكون عليه في ذلك بأس. ***
ما صحة حديث (أول من يفتح باب الجنة أنا وأم اليتيم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كونه ﷺ هو أول من يستفتح باب الجنه فصحيح وأما كون أم اليتيم معه فلا أدري. ***
قال رسول الله ﷺ (من استطاع الحج ولم يحج فليمت إن شاء يهوديًا وإن شاء نصرانيًا) مامعنى ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث في صحته نظر والمعنى إن صح الحديث أنه إذا مات فإنه يخشى أن يكون كافرًا إما مع اليهود وإما مع النصارى. ***
يقول السائل ما صحة حديث (من تهاون بالصلاة عاقبه الله بخمس عشرة عقوبة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا مما ينشر أيضًا وهو كذب لا أصل له ولا يجوز لأحدٍ نشره إلا أن يكتب عليه مبينًا أن هذا حديثٌ موضوعٌ مكذوب على رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فحينئذٍ يكون هذا من باب العلم وليكن تعليقه عليه بمحلٍ لا يمكن أن يقص ويبقى الأصل المكذوب يعني بعض الناس لو علق مثلًا وجعل مسافةً بين تعليقه وبين الأصل المعلق عليه جاء بعض الناس وقص هذا التعليق وأبقى الأصل معلقًا عليه وكما تعلم الآن أن آلات التصوير يمكن أن يتصرف فيها الإنسان على ما يشاء. ***
ما المراد بقول النبي ﷺ عن افتراق الأمة (كلهم في النار إلا واحدة) وما هي الواحدة وهل الاثنتان والسبعون فرقة كلهم خالدون في النار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أخبر النبي ﵊ أن اليهود افترقوا على إحدى وسبعين فرقة والنصارى افترقوا على اثنتين وسبعين فرقة وأن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة وعلى الرغم من محاولة العلماء تعداد هذه الفرق فإنهم لم يصلوا إلى النتيجة إلا بتكلف والأولى أن نبهم ما أبهمه الرسول ﵊ نقول ثلاث وسبعون فرقة وأما كيفية هذا الافتراق فإن ضبطه صعبٌ جدًا جدًا وقوله (كلها في النار إلا واحدة) يشمل ما إذا كانت الفرقة التي حصلت مخرجةً من الملة أو غير مخرجة لأن من الأعمال من توعد فاعله بالنار مع أنه لا يخرج من الإسلام مثل قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذابٌ أليم المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) ومثل قوله تعالى (إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلمًا إنما يأكلون في بطونهم نارًا وسيصلون سعيرا) ومثل قوله ﷺ (ما أسفل الكعبين ففي النار) يعني من الإزار وأما الواحدة الناجية فقد بينها الرسول ﵊ بأنها من كانت على مثل ما عليه هو وأصحابه ومن تمسك بسنة الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين من بعده فهو من الناجين والفرقة الناجية هي المنصورة إلى قيام الساعة سواء حصل منها قتالٌ مع ضدها أم لم يحصل لأنها منصورةٌ بظهور أمرها وسنتها وهذا ما يوحي به كلام شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ حيث قال في العقيدة الوسطية في أولها أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أهل السنة والجماعة وعلى هذا فيجب على الإنسان أن يتحرى سنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسنة الخلفاء الراشدين والصحابة المرضيين الذين قال الله تعالى عنهم: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ) . ***
وجدت في تفسير ابن كثير حديثًا يقول فيه الرسول ﷺ ما معناه (ستفترق هذه الأمة على ثلاث وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة) فهل هذا الحديث صحيح وما هي الفرقة الناجية من هذه الفرق الضالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح بكثرة طرقه وتلقي الأمة له بالقبول فإن العلماء قبلوه وأثبتوه حتى في بعض كتب العقائد وقد بين النبي ﵊ (أن الفرقة الناجية هي الجماعة) الذين اجتمعوا على ما كان عليه النبي ﷺ وأصحابه من عقيدة وقول وعمل فمن التزم ما كان عليه رسول الله ﷺ من العقائد الصحيحة السليمة والأقوال والأفعال المشروعة فإن ذلك هو الفرقة الناجية ولا يختص ذلك بزمن ولا بمكان بل كل من التزم هدي الرسول ﵊ ظاهرًا وباطنًا فهو من هذه الجماعة الناجية وهي ناجية في الدنيا من البدع والمخالفات وناجية في الآخرة من النار. ***
سألني أحد الزملاء في العمل عن صحة الحديث هذا نصه عن رسول الله ﷺ قال (رجب شهر الله وشعبان شهري ورمضان شهر أمتي) فما مدى صحة هذا الحديث جزاكم الله خيرا فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديثٌ لا يصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا يجوز للإنسان أن ينشره بين الناس لا بالكتابة ولا بالقول إلا إذا كان الحديث مشهورًا بين الناس وأراد أن يتكلم ويبين أنه موضوع فهذا طيب وأما إذا لم يكن مشهورًا بين الناس فالإعراض عنه أولى حتى لا ينتشر بين الناس وهو ليس صحيحًا إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ما صحة الحديث الذي يقول (من تصبح بسبع تمرات لا يضره سحرٌ ولا سم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا حديثٌ صحيح إذا تصبح الإنسان بسبع تمرات فإنه لا يصيبه ذلك اليوم سمٌ ولا سحر ولكن في بعض ألفاظ الحديث أن هذه التمرات قيدت بتمر العجوة وفي بعضها قيدت بتمر العالية فمن العلماء من قال إنه يتقيد بهذا التمر وليس ذلك ثابتًا لكل تمر ومنهم من أخذ بالحديث المطلق وهو أن أي تمرٍ يتصبح به الإنسان فإنه إذا تصبح بسبع تمرات لا يصيبه في ذلك اليوم سمٌ ولا سحر وعلى كل حال فالإنسان إذا أفطر بهذه السبع يعني تصبح بها فإن كان الحديث مطلقًا حصل له ذلك وإن لم يكن مطلقًا وكان مقيدًا بتمر العجوة أو بتمر العالية فإن هذه السبع لا تضره ونحن قلنا أنه إذا كان التصبح بسبع تمرات ليس على الإطلاق فإنه لا يضره بناءً على أن اللفظ المطلق يجب الأخذ بإطلاقه ويكون اللفظ المقيد إذا كان مطابقًا للمطلق في حكمه ليس ذلك على سبيل القيد وإنما هو ذكرٌ لبعض الأفراد بخلاف من أراد أن يتخذ شيئًا سنة ولم يرد به نص فإنه لا يوافق على هذا ولكن هذا قد ورد فيه نصٌ محتمل فنحن نقول ما دام النص محتملًا فإن كان الإنسان بأكله التمرات السبع موافقًا لما أراده رسول الله ﷺ فذاك وإن لم يكن موافقًا فإنه لا يضره. ***
ما صحة حديث (الساعي على الأرملة والمسكين له أجر شهيد) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعلم عنه لكن جاء في حديثٍ آخر (الساعي على الأرملة والمساكين كالمجاهد في سبيل الله قال الراوي وأحسبه قال كالصائم لا يفطر وكالقائم لا يفتر) . ***
ما صحة حديث (التائب من الذنب كمن لا ذنب له) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم عن صحته بهذا اللفظ لكن لا شك أن التائب من الذنب إذا كانت التوبة نصوحًا فإن هذا الذنب لا يؤثر عليه بل ربما يزداد إيمانًا وعملًا صالحًا بعد التوبة ويكون بعد التوبة خيرًا منه قبلها ألا ترى إلى قول الله تعالى (والذين لا يدعون مع الله إلهًا آخر ولا يقتلون النفس التي حرم الله إلا بالحق ولا يزنون) وكل هذه من الكبائر العظيمة شرك وقتل نفس عمدًا بغير حق وزنى ففيها اعتداء على حق الله بالشرك وعلى حق المخلوق بالنفس وعلى حق المخلوق بالعرض ومع ذلك يقول. يقول تعالى (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا (٦٨) يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا (٦٩) إِلاَّ مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا) ألا ترى إلى آدم حيث حصل منه ما حصل بأكل الشجرة التي نهاه الله ﷾ عن أكلها قال الله تعالى (وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوَى (١٢١) ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى) فحصل له الاجتباء والتوبة والهداية والتوبة من الذنوب واجبة وتجب المبادرة بها لئلا يحضر الإنسان أجله فلا تنفعه التوبة ويحسن بنا أن نذكر شروط التوبة النصوح فنقول التوبة النصوح لها خمسة شروط الشرط الأول الإخلاص لله تعالى بها بحيث لا يحمله على التوبة الخوف من الناس أو مراءاة الناس أو الوصول إلى منصب أو ما أشبه ذلك فتكون توبته لله ﷿ فرارًا من عقابه ورجاءً لثوابه الشرط الثاني الندم على ما وقع منه من الذنب بحيث يشعر في نفسه تحسرًا وغمًا لما حصل منه حتى ينكسر قلبه لله ﷿ وتخضع نفسه لله وتذل لله ﷿ بندمه على ما صدر منه الشرط الثالث الإقلاع عن الذنب فلا توبة مع الإصرار على الذنب بل التوبة مع الإصرار على الذنب نوعٌ من السخرية فإذا أراد الإنسان مثلًا أن يتوب من الربا ولكنه يمارس الربا مستمرٌ عليه فإن دعواه التوبة منه كذب وهي إلى الاستهزاء بالله أقرب منه إلى تعظيم الله ولو أراد الإنسان أن يتوب من شرب الخمر ولكنه يمارس شرب الخمر فإن توبته لا تصح لأنه كيف يكون صادقًا في توبته وهو يفعل الذنب أراد أن يتوب من غيبة الناس ولكنه يغتابهم فالتوبة لا تصح لأنه لا بد أن يقلع عن الذنب أراد أن يتوب من غصب أموال الناس وأموالهم عنده ولم يردها عليهم فكيف تصح توبته الشرط الرابع العزم على أن لا يعود في المستقبل يعني بأن ينطوي قلبه على أنه لا يعود إلى هذا الذنب أبدا فإن قال إنه تائب وهو بنيته أنه متى سنحت له فرصة فعل هذا الذنب فإنه ليس بتائب بل لا بد من أن يعزم على أن لا يعود في المستقبل فإن عاد في المستقبل بعد أن عزم أن لا يعود فإن توبته الأولى لا تفسد لكن لا بد من تجديد التوبة الشرط الخامس أن تكون قبل حضور الأجل فإذا بقي الإنسان مصرًا على المعصية حتى حضره الأجل فتاب فإنه لا يقبل منه ذلك لقول الله تعالى (وَلَيْسَتْ التَّوْبَةُ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئَاتِ حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمْ الْمَوْتُ قَالَ إِنِّي تُبْتُ الآنَ) وكذلك لا تصح التوبة بعد طلوع الشمس من مغربها لقول النبي ﷺ (لا تنقطع الهجرة حتى تنقطع التوبة ولا تنقطع التوبة حتى تطلع الشمس من مغربها) فهذه الشروط الخمسة هي الشروط لكون التوبة نصوحًا مقبولة عند الله. ***
ما صحة الحديث القائل (لا تشد الرحال إلا إلى ثلاثة مساجد الحديث) وما معنى ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري ومسلم وغيرهما من أئمة الحديث ومعناه أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ينهى أن تشد الرحال للسفر إلى مساجد غير المساجد الثلاثة وهي المسجد الحرام ومسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم والمسجد الأقصى الذي في فلسطين وذلك لأن هذه المساجد الثلاثة لها من المزية والفضل ما ليس لغيرها فالصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم خيرٌ من ألف صلاةٍ فيما سواه إلا المسجد الحرام وأخرج مسلمٌ هذا الحديث من طريقٍ آخر بلفظ (إلا مسجد الكعبة) أما المسجد الحرام وهو مسجد الكعبة فالصلاة فيه بمائة ألف صلاة والمسجد الأقصى الصلاة فيه بخمسمائة صلاة وهذه المزية ليست للمساجد الأخرى فلا تشد الرحال إليها وإذا كانت المساجد وهي بيوت الله لا تشد الرحال إليها بقصد مكانها إلا هذه المساجد الثلاثة فغير ذلك من باب أولى فلا تشد الرحال إلى المقابر ليعبد الله هناك وأشد من ذلك وأقبح أن يعتقد الإنسان أن للعبادة حول القبور أو بين القبور مزية على غيرها وليعلم أنه ليس من شد الرحل المنهي عنه أن يشد الرحال إلى بلدٍ لطلب العلم أو طلب الرزق أو لأجل أن يحضر خطبةً ينتفع بها أكثر من الخطب التي تلقى في بلده فإن هذا ليس شدًا للرحل إلى المسجد ولكنه شد رحلٍ إلى العلم وشد الرحل إلى العلم أمرٌ مطلوب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (من سلك طريقًا يلتمس فيه علمًا سهل الله له به طريقًا إلى الجنة) وقد التبست على بعض الناس هذه المسألة فظنوا أن الرجل إذا ذهب من بلدٍ إلى آخر من أجل أن يستمع إلى خطبة الخطيب في المسجد الذي شد الرحل إليه داخلٌ في هذا النهي وليس الأمر كذلك بل هذا كما قلت شد رحلٍ إلى العلم وشد الرحل إلى العلم لا يدخل فيما نهي الرسول ﵊ من شد الرحل إلى الأماكن. ***
المستمع حمود بن سليمان الجهني من المدينة المنورة يقول فضيلة الشيخ وجدت في أحد الكتب وفي أحد المساجد حديث من أدى فريضة في رمضان فذلك يعادل سبعين فريضة ومن أدى نافلة كمن أدى فريضة وفيما سواه ومن أفطر يوما من رمضان متعمدا لم يقبل منه القضاء ولو صام الدهر كله) وقرأت أن هذا الحديث ضعيف بينما أئمة المساجد يتحدثون بهذا الحديث بأنه صحيح وكذلك في الإذاعة فأرجو من فضيلة الشيخ إجابتي وإرشادي جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث المذكور كما ذكر الأخ السائل حديث ضعيف لكن بعض أهل العلم غفر الله لنا ولهم يتساهلون في الحديث إذا كان ضعيفا وهو في فضائل الأعمال ويقولون إن المقصود به الترغيب فإن كان صحيحا فهذا هو المطلوب وإن لم يكن صحيحا فإنه لا يضر لأنه يعطي الإنسان قوة في الطاعة إذا كان في الترغيب أو بعدا عن المعصية إذا كان في الترهيب ولكن القائلين بهذا يقولون لابد من ثلاثة شروط الأول أن لا يكون الضعف شديدا والثاني أن يكون لهذا الحديث أصل صحيح مثل أن يرد حديث في فضل صلاة الجماعة وهو ضعيف فهذا له أصل لأن الشرع حث على صلاة الجماعة والثالث أن لا يعتقد صحته إلى النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا ينسبه إلى الرسول ﷺ بصيغة الجزم بل يقول يروى أو يذكر أو ما أشبه ذلك لكن بعض العلماء المحققين قالوا لا يجوز رواية الضعيف وإلقاؤه بين الناس سواء تمت فيه هذه الشروط أم لم تتم وذلك لأن في ما صح عن النبي ﷺ كفاية وهذا أقرب إلى الصواب لأن الباب الأول لو فتح لم يميز الناس بين الضعيف الشديد الضعف والضعيف الخفيف الضعف ولتعلق الناس بأحاديث ضعيفة وحفظوها في صدورهم وأصبحت كالعقيدة عندهم وفي ما صح عن رسول الله ﷺ في فضائل الأعمال كفاية. ***
من جدة المستمع أبو زاهر يقول هل هذا حديث (صوموا تصحوا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم هو حديث لكنه ضعيف فلا عمل عليه. ***
ماصحة هذا الحديث (رحم الله امرأً عرف قدر نفسه) هل له أصل وهل هو وراد في الأحاديث فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم له أصلا لكن معناه صحيح لأن الإنسان إذا عرف قدر نفسه خضع لربه وقام بعبادته وعرف أنه لا غنى له عن ربه طرفة عين وإذا عرف نفسه عرف قدره بين الناس فتحمله هذه المعرفة على أن لا يتكبر عليهم ولا يحتقرهم لأن الكبرياء من كبائر الذنوب وغمط الناس من الأمور المحرمة ولهذا لما حذر النبي ﷺ من الكبر قالوا يا رسول الله كلنا يحب أن يكون ثوبه حسنًا ونعله حسنًا فقال ﵊ (إن الله جميل يحب الجمال الكبر بطر الحق وغمط الناس) فبطر الحق يعني رده وغمط الناس يعني احتقارهم وازدراءهم فإذا عرف الإنسان قدر نفسه عرف منزلته بين الناس ونزل نفسه منزلتها فتواضع لخلق الله ﷿ ومن تواضع لله رفعه الله ***
سمعت حديثًا في المذياع (أن أناسًا يأتون يوم القيامة بحسنات مثل الجبال فيمحوها الله قيل من هم يا رسول الله قال هم الذين إذا خلو بمحارم الله انتهكوها) فكيف يمكن الجمع بين هذا الحديث وبين الحديث (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره لا أعلم ما حاله ولا أدري عنه لكن ثبت عن النبي ﵊ أنه قال (من تعدون المفلس فيكم قالوا من لا درهم عنده ولا دينار أو قالوا ولا متاع فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إنما المفلس الذي يأتي يوم القيامة بحسنات مثل الجبال فيأتي وقد ظلم هذا وشتم هذا وضرب هذا وأخذ مال هذا فيأخذ هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن بقي من حسناته شيء وإلا أخذ من سيئاته فطرح عليه ثم طرح في النار) هذا هو الذي ثبت عن النبي ﷺ أما ما ذكره السائل فلا أعلم عن حاله وأما (كل أمتي معافى إلا المجاهرين) فنعم كل الأمة معافاة إلا المجاهر في المعصية فيأتي بها جهارًا أمام الناس أو أتى بها سرًا ثم جعل يحدث بها لأن الإنسان لا يجوز له الجهر بالمعصية لا سرًا ولا جهرًا فإذا فعلها سرًا وستر الله عليه فإنه لا ينبغي أن يكشف ستر الله بل يتوب الى الله ﷿ فيما بينه وبين ربه ويكون ذلك اسلم لعرضه وأبرأ لسمعته. ***
ما صحة حديث (من شغله القرآن عن مسألة الله أعطاه الله أفضل مما يعطي السائلين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا ضعيف (من شغله ذكري عن مسألتي أعطيته أفضل ما أعطي السائلين) لأن مسألة الله تعالى من عبادته كما قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) فالإنسان مأمور بالذكر ومأمور بالدعاء ولا يغني أحدهما عن الآخر. ***
ورد في معنى الحديث (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل هم فرجًا ومن كل ضيق مخرجًا ورزقه من حيث لا يحتسب) ما صيغة ذلك الاستغفار فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا هذا الحديث ضعيف ولكن معناه صحيح لأن الله تعالى قال (وَأَنْ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتَاعًا حَسَنًا إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى وَيُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ) وقال تعالى عن هود (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلْ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا وَيَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلَى قُوَّتِكُمْ وَلا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ) ولا شك أن الاستغفار سبب لمحو الذنوب وإذا محيت الذنوب تخلفت آثارها المرتبة عليها وحينئذٍ يحصل للإنسان الرزق والفرج من كل كرب ومن كل هم فالحديث ضعيف السند لكنه صحيح المعنى. ***
ماصحة حديث (من كتم علمًا ألجمه الله بلجام من نار) نرجو التفصيل وكيف يكون الكتمان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كتمان العلم يكون بإخفائه حين تدعو الحاجة إلى بيانه والحاجة التي تدعو إلى بيان العلم بالسؤال إما بلسان الحال وإما بلسان المقال فالسؤال بلسان الحال أن يكون الناس على جهل في دين الله بما يلزمهم في الطهارة في الصلاة في الزكاة في الصيام في الحج في بر الوالدين في صلة الأرحام فيجب حينئذٍ بيان العلم أو بلسان المقال بأن يسألك إنسان عن مسألة من مسائل الدين وأنت تعرف حكمها فالواجب عليك أن تبينها ومن كتم علمًا مما علمه الله فهو على خطر عظيم قال الله تعالى (إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنزَلْنَا مِنْ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُوْلَئِكَ يَلْعَنُهُمْ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمْ اللاَّعِنُونَ (١٥٩) إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُوْلَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ) وقال تعالى (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ) وليعلم طالب العلم أنه كلما بيَّن العلم ازداد هذا العلم فإن العلم يزيد بزيادة نفسه قال الله تعالى (وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآتَاهُمْ تَقْواهُمْ) . ***
ما مدى صحةحديث (إن الله تجاوز عن أمتي ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح (إن الله تعالى تجاوز عن هذه الأمة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم) وهو شامل لكل شيء لأن حديث النفس لا يستقر فإن استقر في القلب واطمأن الإنسان إليه واعتقده صار عملًا لكنه عمل القلب ليس عمل جوارح أما مجرد حديث النفس مثل الوساوس والهواجيس التي لا يركن إليها الإنسان ولا يعتمدها ولا يعتقدها ولا يقر بها فإن الإنسان لا يؤاخذ عليها وهذا من تخفيف الله ﷾ على هذه الأمة لأن الإنسان لا يخلو أحيانًا من مثل هذه الأحاديث النفسية. ***
(من شرب الخمر فقد كفر بما أنزل الله تعالى على أنبيائه ومن سلم على شارب الخمر أو صافحه أحبط الله تعالى عمله أربعين سنة) هل هذا حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بحديث ولا يصح عن النبي ﷺ لكن شرب الخمر محرم بإجماع المسلمين الاجماع الذي ينبني على الكتاب والسنة فقد قال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ*إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه قال (كل مسكر حرام) وأنه قال (ما أسكر من الفرق أي الإناء الواسع الكبير فملء الكف منه حرام) و(ما أسكر كثيره فقليله حرام) فلا يجوز للإنسان شرب الخمر بإجماع المسلمين المبني على الكتاب والسنة وقد ورد التحذير من شربه بأن من شربه في الدنيا لم يشربه في الآخرة وأما السلام على شارب الخمر فإنه ينظر فيه فإن كان هجره سببًا لصلاحه وتركه الخمر فليهجر وإن كان لا يستفيد من الهجر شيئًا بل ربما يزداد في طغيانه فإنه لا يهجر. ***
(إذا كنت في صلاة فدعاك أبوك فأجبه وإن دعتك أمك فأجبها) هل هذا حديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بحديث ولكنه حكم من الأحكام فإذا دعا المصلى أبوه أو أمه فإن كان في صلاة فريضة فإنه لا يجوز له أن يجيبهما بالكلام أو بعبارة أعم فإنه لا يحل له أن يجيبهما بما تبطل به الصلاة لأن صلاة الفريضة يجب إتمامها اللهم إلا أن يضطر إلى ذلك لإنقاذهم من هلكة فحينئذٍ يجب عليه أن يقطع الصلاة ويقوم بما يجب وأما إذا كانت الصلاة نافلة ودعاه أبواه أو أحدهما فإنه ينظر إن كان يخشى إذا لم يجبهما أن يقع في نفوسهما شيء فليجب وليستأنف الصلاة بعد ذلك وإذا كان يعرف أن أبويه إذا علما أنه يصلى لم يكن في نفوسهما شيء فليعمل ما يبين لهما أنه في صلاة حتى يعذراه مثلًا لو ناداه أبوه أو أمه وهو يصلى فتنحنح أو رفع صوته بالقراءة حتى يعلم أبوه أو أمه أنه في صلاة فيقتنعا بذلك لكن بعض الوالدين لا يقتنع بهذا حتى ولو كان أبنه في صلاة فإنهما يريدا منه أن يجيبهما وفي هذه الحال كما قلت يقطع صلاته ويجيب دعوتهما. ***
م. ع. ج. تقول ما معنى هذا الحديث (اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا واعمل لأخرتك كانك تموت غدًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا القول المشهور لا يصح عن النبي ﷺ فهو من الأحاديث الموضوعة ثم إن معناه ليس هو المتبادر إلى أذهان كثير من الناس من العناية بأمور الدنيا والتهاون بأمور الآخرة بل معناه على العكس وهو المبادرة والمسارعة في إنجاز أعمال الآخرة والتباطؤ في إنجاز أمور الدنيا لأن قوله اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدًا يعني أن الشيء الذي لا ينقضي اليوم ينقضي غدًا والذي لا ينقضي غدًا ينقضي بعد غدٍ فاعمل بتمهل وعدم تسرع لو فات اليوم فما يفوت اليوم يأتي غدًا وهكذا أما الأخرة فاعمل لأخرتك كأنك تموت غدًا أي بادر بالعمل ولا تتهاون وقدر كأنك تموت غدًا بل أقول قدر كأنك تموت قبل غد لأن الإنسان لا يدري متى يأتيه الموت وقد قال ابن عمر ﵄ (إذا أصبحت فلا تنتظر المساء وإذا أمسيت فلا تنتظر الصباح وخذ من صحتك لمرضك ومن حياتك لموتك) هذا هو معنى هذا القول المشهور إذًا فالجواب أن هذا لا يصح عن رسول الله ﷺ وأن معناه ليس كما يفهمه كثير من الناس من إحكام عمل الدنيا وعدم إحكام عمل الآخرة بل معناه المبادرة في أعمال الآخرة وعدم التأخير والتساهل فيها وأما أعمال الدنيا فالأمر فيها واسع ما لا ينقضي اليوم ينقضي غدًا وهكذا. ***
هدى من الطائف تقول فضيلة الشيخ تسأل هل ثبت عن النبي ﷺ الحديث الشريف (أنت مع من أحببت) وإذا ثبت فكيف نكون مع الأنبياء والشهداء الذين نحبهم وقد فضلوا علينا كثيرًا ونحن أقل منهم في العمل وفي الفضل وفي المنزلة بكثير جدًا أرجو بهذا توجيهي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ثبت عن النبي ﵊ أنه سئل عن الرجل يحب القوم ولما يلحق بهم فقال النبي ﵊ (المرء مع من أحب) والمعية لا تقتضي المساواة المعية تدل على مطلق المصاحبة ولا يلزم أن يكون مساويًا له في الدرجة وفي الأجر والثواب أرأيت لو قلت فلان مع فلان في الحجرة لكن أحد الرجلين يجلس على كنب مستريحًا وتقدم له الأكلات الطيبة الشهية والآخر يجلس على حصير وتقدم له أكلات مناسبة فهنا هما معًا في مكان واحد لكن يختلف كل واحد عن الآخر فإذا كان المرء مع من أحب فالمعنى أنه معهم مصاحب لهم ولكنه لا يلزم من هذه المصاحبة والمعية أن يكونوا سواء في الثواب. ***
مامعنى قول الرسول ﷺ (فضل العالم على الجاهل يوم القيامة كفضلي على سائر الناس) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر لي أن هذا الحديث ضعيف ولكن لا شك أن العالم لا يساويه الجاهل بأي حال من الأحوال لقول الله تعالى (قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) وقوله تعالى (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) أما أن يفضله بهذا المقدار المعين فإن الحديث في ظني ضعيف ولم أكن أحرره والله أعلم. ***
عودة مرعي يعمل بالاتصالات السعودية يقول قرأت في كتاب مختار الأحاديث النبوية تأليف السيد أحمد الهاشمي ﵀ حديثا رواه ابن ماجه (من باع دارًا ولم يجعل ثمنها في مثلها لم يبارك له فيها أو لم يبارك له فيه) السؤال ما صحة هذا الحديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث شواهد الشريعة تدل على أنه ليس بصحيح لأن الإنسان إذا باع بيته فإنه يتصرف في ثمنه بما شاء لأنه ملكه سواء اشترى به بدله أو حج به أو بذله في إعانةٍ على طلب العلم أو غير ذلك مما أباح الله له. ***
ع. ع. ف. من السودان أبو سليم تقول ورد عن الرسول ﷺ أنه وجد حلقة علم وحلقة ذكر فجلس في حلقة العلم فهل هذا صحيح وإن كان كذلك فكيف كان يذكر أولئك الذين كانوا في حلقة الذكر أو ماذا يقولون والرسول ﷺ لم يمنعهم ولكنه فضل حلقة العلم وهل يعتبر هذا دليلًا على أن حلق الذكر الجماعي بدعة مع أن الرسول ﷺ في هذا الحديث إن كان صحيحًا لم ينههم عن ذلك وإنما اجتنبهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا أعلم صحته ولا أظنه يصح عن النبي ﷺ ولكن الاجتماع على العلم لاشك أنه من أفضل الأعمال لأن العلم نوع من الجهاد في سبيل الله فإن الدين إنما قام بالعلم والبيان والقتال لمن نابذه وعارضه ولم يخضع لأحكامه وأما الذكر فإن الاجتماع أيضًا على الذكر لا بأس به ولكنه ليس الاجتماع الذي يفعله بعض الصوفية يجتمعون جميعًا ويذكرون الله تعالى بصوت واحد أو ما أشبه ذلك إنما لو اجتمعوا على قراءة القرآن أو ما أشبه هذا مثل أن يقرأ أحد والآخرون ينصتون له ثم يديرون القراءة بينهم فهذا ليس فيه بأس ولا حرج فيه. ***
ماصحة هذا الحديث قال الرسول ﷺ (من قرأ حم الدخان في ليلة أصبح يستغفر له سبعون ألف ملك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ضعيف لا يصح. ***
هل هناك أحاديث واردة في سورة الواقعة بأنها تفرج عن الفاقة عند قراءتها في كل مساء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد حديث لكنه ضعيف. ***
ما صحة الحديث: قال الرسول ﷺ (من قرأ سورة الواقعة في كل ليلة لم تصبه فاقة أبدا) فأجاب رحمه الله تعالى: هذا حديث ضعيف. ***
ما صحة هذا الحديث: (ألا أدلكم على كلمة تنجيكم من الشرك تقرؤون قل ياأيها الكافرون عند منامكم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح فلم يثبت استحباب قراءة يا أيها الكافرون عند المنام وأما كون هذه السورة إخلاصا فهو صحيح فإن فيها نفي عبادة غير الله ونفي التعبد بغير ما شرع الله قال الله تعالى (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) (لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ* وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ*وَلا أَنَا عَابِدٌ مَا عَبَدْتُمْ*وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ*لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ) ففي هذه الآية البراءة من الشرك وأهله وهذا خالص التوحيد ولهذا تسمى هذه السورة مع سورة قل هو الله أحد سورتي الإخلاص لأن في هذه السورة قل يا أيها الكافرون إخلاص العبادة وفي قل هو الله أحد إخلاص المعبود. ***
ماصحة هذا الحديث قال الرسول ﷺ (من قرأ قل هو الله أحد ألف مرة فقد اشترى نفسه من الله تعالى) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف ويجب التنبيه على أن كثيرا من الأحاديث التي وردت في فضائل بعض السور أو بعض الآيات ضعيفة أو قد تصل إلى حدِّ الوضع كذلك يجب التنبه لهذا وأن يعرض الإنسان هذه الأحاديث على أهل العلم بالحديث حتى يتبين الصحيح من الضعيف. ***
عن أبي هريرة ﵁ قال رسول الله ﷺ (من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطت خطاياه ولو كانت مثل زبد البحر) متفق عليه. هل هذا الحديث صحيح ومن هم أصح الرواة في أحاديث الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أن من قال سبحان الله وبحمده في اليوم مائة مرة حطّت خطاياه وإن كانت مثل زبد البحر لأن فضل الله واسع وعطاؤه جل وعلا أحب إليه من منعه والحديث متفق عليه كما قال السائل أي رواه البخاري ومسلم وأزيد القاري فائدة وهي قول الرسول ﵊ في الحديث الصحيح الذي ختم به البخاري صحيحه (كلمتان حبيبتان إلى الرحمن خفيفتان على اللسان ثقيلتان في الميزان سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم) فأكثر منها أخي المسلم سبحان الله وبحمده سبحان الله العظيم فإنهما كلمتان فيهما هذه الفوائد العظيمة حبيبتان إلى الرحمن ثقيلتان في الميزان ولا يشقان على أحد لأنهما خفيفتان على اللسان. ويقول السائل ما هو أصح الأحاديث فنقول له أصح الأحاديث ما اتفق عليه الأئمة كالبخاري ومسلم وأبي داود الترمذي وابن ماجه والإمام أحمد والإمام مالك وما أشبه ذلك فإذا اتفق هؤلاء عليه فهو أصح ما يكون ثم عند الانفراد نقول أصحها البخاري ثم مسلم فما اتفقا عليه فهو أصح وما انفرد به البخاري فهو أصح مما انفرد به مسلم ثم ما كان على شرطهما ثم ما كان على شرط البخاري ثم ما كان على شرط مسلم وهكذا يرتبها أهل العلم في مرتبة القوة والضعف. ***
ما صحة هذا الحديث (إن الله لا يقبل صلاة رجل مسبل إزاره) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث روي عن النبي صلى الله عليه واله وسلم لكنه ضعيف لا تقوم به حجة والمسبل إزاره وإن قبلت صلاته فهو آثم بل إثمه كبيرة من كبائر الذنوب لأن النبي ﵌ توعّد ما كان أسفل من الكعبين بالنار فقال ﵊ (ما أسفل من الكعبين ففي النار) أي ما كان أسفل من الكعبين فإنه في النار أي يعذب به صاحبه على قدر ما نزل من ثوبه والتعذيب هنا التعذيب الجزئي للمكان الذي وقعت فيه مخالفة وليس تعذيبا للبدن كله فالتعذيب المجزأ أمر واقع ففي الصحيحين من حديث أبي هريرة ﵁ أن النبي ﵌ قال (ويل للأعقاب من النار) لمّا رأى بعض أصحابه توضؤوا وخففوا غسل الأقدام قال (ويل للأعقاب من النار) فجعل النبي ﵌ الوعيد على ما حصلت فيه المخالفة فقط أما إذا جر ثوبه خيلاء فإنّ الأمر أشد وأعظم قال النبي ﵊ (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم) قال أبو ذر وهو راوي الحديث خابوا وخسروا من هم يا رسول الله قال (المسبل والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب) وفي حديث آخر أنّ النبي ﵌ قال (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه) فالعقوبة في جرّ ثوب الخيلاء أشدّ وأعظم وعلى هذا فمن أسبل ثوبه أو سرواله أو مشلحه إلى أسفل من الكعبين فهو آثم بكل حال ولكنه إن كان خيلاء فعليه هذا الوعيد الشديد وقد تهاون بعض الناس في هذا الأمر فعلى إخواني الذين ابتلوا بهذا الأمر أن يتوبوا إلى الله ﷿ مما صنعوا وأن لا يبدلوا نعمة الله كفرا بها بل يشكروه على ما يسر لهم من اللباس ويستعملوه على الوجه الذي ليس فيه سخط الله ﷿ وقد جاء شاب من الأنصار إلى عمر بن الخطاب ﵁ حين طعن جاء إليه يعوده فلما ولىّ هذا الشاب إذا إزاره قد نزل فقال له يا ابن أخي (ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأبقى لثوبك) فأمره عمر ﵁ بأن يرفع ثوبه وبيّن له فائدتين عظيمتين فائدة دينيه وهي التقوى وفائدة دنيوية وهي بقاء الثوب لئلا تأكله الأرض بحكه عليها. ***
ما مدى صحة هذا الحديث وما المقصود به (لعن الله الواصلة والمستوصلة إلى آخره) فما المقصود من هذا الحديث وهل يقصد به الشعر المصنوع من الشعر الذي سقط أو الشعر المصنوع من الألفاف وغيرها من المصنوعات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواصلة هي التي تصل رأس غيرها والمستوصلة هي التي تطلب أن يفعل ذلك بها ووصل الشعر شعر الرأس بالشعر محرم بل هو من الكبائر لأن النبي ﷺ لعن من فعله ووصل الشعر بغير شعر اختلف فيه أهل العلم فمنهم من قال إنه لا يجوز لأن النبي ﷺ (نهى أن تصل المرأة بشعرها شيئًا) وكلمة (شيئًا) عامة تشمل الشعر وغيره وعلى هذا فالشعور المصنوعة التي تشبه الشعور التي خلقها الله ﷿ لا يجوز أن توصل بالشعور التي خلقها الله ﷾ بل هي داخلة في هذا الحديث والحديث فيه الوعيد الشديد على من فعل ذلك لأن الرسول ﷺ (لعن الله الواصلة والمستوصلة) واللعن معناه الطرد والإبعاد عن رحمة الله وقد ذكر أهل العلم أن كل ذنب رتب الله تعالى عليه عقوبة اللعن فإنه يكون من الكبائر. ***
ما رأي الشرع في نظركم في زواج الشغار وهل الحديث الذي يقول (لا شغار في الإسلام) صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نظري في نكاح الشغار أنه حرام لنهي النبي ﷺ عنه كما في حديث ابن عمر وكما في الحديث الذي أشار إليه السائل حيث قال (لا شغار في الإسلام) والشغار أن يزوج الرجل موليته على أن يزوجه الآخر موليته بدون مهر أو يسمَّى لهما مهر قليل على سبيل الحيلة وإنما كان الشغار محرمًا باطلًا لأن الله تعالى قال (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ) فجعل الله تعالى حل المرأة مشروطًا بدفع المال وهكذا جاء في الحديث عن النبي ﷺ أنه (نهى عن نكاح الشغار) . ***
راشد علي الحربي يقول سمعت حديثًا عن المصطفى ﷺ قال (أنت ومالك لأبيك) وقد سمعت بأن في هذا الحديث ضعفًا ما صحة هذا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الصحيح أنه ليس بضعيف وأنه حجة وأن الإنسان وماله لأبيه ومعنى ذلك أن الإنسان إذا كان له مال فإن لأبيه أن يتبسط بهذا المال وأن يأخذ منه ما شاء لكن بشروط: الشرط الأول ألا يكون في أخذه ضرر على الابن فإن كان في أخذه ضرر كما لو أخذ غطاءه الذي يتغطى به من البرد أو أخذ طعامه الذي يدفع به جوعه فإن ذلك لا يجوز للأب. الشرط الثاني ألا تتعلق به حاجة الابن فلو كان عند الابن أمة يتسراها فإنه لا يجوز للأب أن يأخذها لتعلق حاجة الابن بها وكذلك لو كان للابن سيارة يحتاجها في ذهابه وإيابه وليس لديه من الدراهم ما يمكنه أن يشتري بدلها فليس للأب أن يأخذها في مثل هذه الحال. والشرط الثالث ألا يأخذ المال من أحد أبنائه ليعطيه لابن آخر لأن في ذلك إلقاء للعداوة بين الأبناء ولأن فيه تفضيلًا لبعض الأبناء على بعض إذا لم يكن الثاني محتاجًا فإن كان محتاجًا فإن إعطاء الأب أحد ابنائه لحاجته دون إخوته الذين لا يحتاجون ليس فيه تفضيل بل واجب عليه على كل حال هذا الحديث حجة أخذ به العلماء واحتجوا به ولكنه مشروط بما ذكرنا فإن الأب ليس له أن يأخذ من مال ولده ما يضره وليس له أن يأخذ من مال ولده ما يحتاجه الابن وليس له أن يأخذ من مال ولده ليعطي ولدًا آخر والله أعلم. ***
عصام محمد محمود سليم من العراق محافظة نينوى يقول ماصحة هذا الحديث وما معناه (إذا سجد أحدكم فليضع يديه قبل ركبتيه ولا يبرك بروك البعير) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث معناه أن الرسول ﷺ (نهى أن يبرك الإنسان في سجوده كما يبرك البعير) لأن الله تعالى فضل بني آدم على الحيوانات ولاسيما في العبادة التي هي من أجل العبادات وهي الصلاة فتشبه الإنسان بالبهائم مخالف لمقصود الصلاة ومخالف للحقيقة التي عليها بنو آدم والتفضيل على البهائم والحيوانات ولهذا لم يذكر الله تعالى مشابهة الإنسان للحيوان إلا في مقام الذم كما في قوله تعالى (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا) وكما في قوله تعالى (فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِنْ تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَثْ) وكما في قوله ﷺ (الذي يتكلم يوم الجمعة والإمام يخطب كمثل الحمار يحمل أسفارا) وكقول ﷺ (العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه) فالتشبه بالحيوان في أداء العبادة يكون أشد وأعظم والبعير إذا برك كما نشاهده يبدأ بيديه فأول ما يصل يديه ويخر عليهما ثم يكمل بروكه فنهى النبي ﷺ الساجد أن يبرك كما يبرك البعير وذلك بأن يقدم يديه قبل ركبتيه فإذا قدم يديه قبل ركبتيه في حال السجود فقد برك بروك البعير وعلى هذا يكون المشروع أن يبدأ بركبتيه قبل يديه كما روي ذلك عن النبي ﷺ من فعله أنه كان يسجد على ركبتيه ثم يديه كما أن هذا الموافق للنزول باعتبار البدن فتنزل الأسافل أولًا بأول كما ترتفع الأعالي أولًا بأول فلهذا عند النهوض من السجود يبدأ بالجبهة والأنف ثم باليدين ثم بالركبتين وفي النزول كذلك يبدأ بالأسفل بالركبتين ثم باليدين ثم بالجبهة والأنف وأما قوله في الحديث (وليبدأ بركبتيه قبل يديه) فهذا مما انقلب على الراوي كما حقق ذلك ابن القيم في زاد المعاد وكما هو ظاهر من اللفظ لأنه لو قدر أن الحديث ليس فيه انقلاب لكان آخره مخالفًا لأوله لأنه إذا بدأ بيديه قبل ركبتيه فإنه قد برك كما يبرك البعير والنهي لا يبرك كما يبرك البعير مقدم على المثال لأن النهي محكم والتمثيل قد يقع فيه الوهم من الراوي وحينئذ فنقول صواب الحديث وليبدأ بركبتيه قبل يديه ليكون المثال مطابقًا للقاعدة وهي النهي عن البروك كما يبرك البعير فإن قال قائل إن البعير يبرك على ركبتيه لأن ركبتيه في يديه فإذا وضع الإنسان ركبتيه قبل يديه فقد برك على ما يبرك عليه البعير قلنا نعم ركبتا البعير في يديه ولا إشكال في ذلك ولكن الرسول ﷺ لم يقل فلا يبرك على ما يبرك عليه البعير حتى نقول إنك إذا بدأت بالركبتين عند السجود فقد بركت على ما يبرك عليه البعير وهو الركبتان وإنما قال ﷺ (كما يبرك البعير) فالنهي عن الكيفية والصفة وليس عن العضو المسجود عليه وبهذا يتبين جليًا أن حديث أبي هريرة ﵁ في النهي عن البروك كبروك البعير موافق لحديث وائل بن حجر المروي عن النبي ﷺ أنه (كان يبدأ بركبتيه قبل يديه) والله أعلم. ***
من الزبير البصرة ف. أ. ف. يسأل عن هذا الحديث عن ابن عباسٍ ﵁ عن النبي ﷺ قال (أقام رسول الله ﷺ تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة) فنحن إذا سافرنا تسعة عشر قصرنا وإذا زدنا أتممنا ما صحة هذا الحديث يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث صحيح أخرجه البخاري وغيره وذلك (أن رسول الله ﷺ فتح مكة في رمضان وأقام فيها تسعة عشر يومًا يقصر الصلاة وأفطر أيضًا بقية الشهر) لأنه فتحها في آخر الشهر ذكروا أنه فتح مكة يوم الجمعة الموافق العشرين من شهر رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ولم يصم بقية الشهر كما ثبت ذلك في صحيح البخاري من حديث ابن عباس أيضًا يقول ابن عباس نحن إذا أقمنا تسعة عشر يومًا قصرنا وإذا زدنا أتممنا وهذا رأيه ﵁ في المدة التي ينقطع بها حكم السفر بالنسبة للمسافر والعلماء مختلفون في هذه المسألة أي فيما إذا أقام المسافر متى ينقطع حكم السفر في حقه على أكثر من عشرة أقوال ذكرها النووي ﵀ في شرح المهذب وهذا يدل على أنه ليس هناك سنةٌ صحيحةٌ صريحة في تحديد المدة التي ينقطع بها حكم السفر والمسألة مسألةٌ اجتهادية وليس هذا موضع ذكر آراء العلماء في ذلك لكن كأن السائل والله أعلم أشكل عليه ما قاله ابن عباس ﵄ مع المشهور بين الناس في أن المدة التي ينقطع بها حكم السفر خلاف ما قاله ابن عباس ﵄ من ولكن ليعلم السائل أن هذه من مسائل الخلاف. ***
فوزي عبد الحميد حسن مصري الجنسية ومقيم بعمان الأردن يقول ما مدى صحة الحديث القائل فيما معناه (من بر الوالدين بعد مماتهما أن تصلى لهما مع صلاتك وأن تصوم لهما مع صيامك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ ولكن من بر الوالدين بعد مماتهما أن تستغفر لهما وتدعو الله لهما وتكرم صديقهما وتصل الرحم التي هم الصلة بينك وبينها هذا من بر الوالدين بعد موتهما وأما أن تصلى لهما مع صلاتك الصلاة الشرعية المعروفة أو أن تصوم لهما فهذا لا أصل له. ***
من مصر المستمع شريف عبد القادر يقول مامعنى حديث عن عطاء بن يسار ﵁ قال: أتى رجل النبي ﷺ ذات يوم ثائر الرأس واللحية فأشار إليه ﷺ كأنه أمره بإصلاح شعره ففعل ثم رجع فقال ﷺ (أليس هذا خيرًا من أن يأتي أحدكم ثائر الرأس كأنه شيطان) أخرجه مالك السؤال ما القصد بهذا الحديث وهل هذا الحديث عن الرسول ﷺ نرجو بهذا إفادة فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث كما ساقه السائل مرسل فإن عطاء بن يسار لم يدرك النبي ﷺ والحديث المرسل عند أهل العلم من قسم الضعيف إذ أن المرسل لا يقبل حتى يأتي موصولًا من وجه آخر أو يكون الحديث المرسل مشهورًا معمولًا به ومتلقى بالقبول من الأمة فإن هذه الشهرة والعمل وتلقيه بالقبول يجعله ثابتًا أو يكون له شاهد متصل من حديث آخر يتقوى به أما إصلاح الشعر من حيث هو إصلاح فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه كان يرجل شعره وأنه ﵊ يبدأ بيمينه كما قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يعجبه التيمن في تنعله وترجله وفي طهوره وفي شأنه كله) وينبغي أن يكون تسريح الشعر وترجيله غبًا أي يومًا بعد يوم اللهم إلا إذا دعت الحاجة إلى ترجيله كل يوم كما لو كان الإنسان يزاول أعمالًا تقتضي الشعث والغبرة ويحب أن يرجله كل يوم ونحن نتكلم عن الشعر الذي ينبغي اتخاذه وأما ما يفعله بعض الناس من اتخاذ الشعر على وجه لا يقره الشرع فإننا ننهاه أصلًا عن اتخاذ الشعر على كيفية لا يقرها الشرع. ***
من الجزائر ب عثمان يقول ما صحة الحديث (العين حق) وإن كان كذلك فما هو العلاج الذي يسلكه المؤمن لاتقاء العين وكيف تصيب العين الإنسان وإن كان هناك علاج فما هي الطريقة في نظركم مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث صحيح والعين حق والواقع يشهد بذلك والعين عبارة عن صدور شيء من نفس حاسد يحسد الناس على ما آتاهم الله من فضله فهو أي العائن شرير لا يريد من الناس أن يتمتعوا بنعم الله فإذا رأى في شخص نعمة من نعم الله عليه فإن هذا الحسد الكامن في نفسه ينطلق حتى يصيب ذلك المتنعم بنعم الله ﷿ والطريق إلى الخلاص من العين بالنسبة للعائن أن يبرك على من رآه متنعمًا الله فيقول اللهم بارك على فلان وما أشبه ذلك من الكلمات التي تطمئن نفسه وتكبت ما فيها من حسد وأما بالنسبة للرجل الخائف من العين فإن العلاج لذلك أن يكثر من قراءة الأوراد صباحًا ومساء كآية الكرسي وسورة الإخلاص وسورة (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) (قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وغيرها مما جاءت به السنة هذا علاج للوقاية منها قبل الإصابة أما بعد أن يصاب بها فإنه يؤخذ من وضوء العائن أو مما يغتسل به من الماء يؤخذ منه فيصب على المصاب بالعين أو يحثو منه فإذا فعل ذلك فإنه يبرأ منها بإذن الله فيؤمر العائن بأن يتوضأ أو يغتسل ويؤخذ ما تناثر من مائه ويصب على المصاب أو يحثو منه أو يجمع بين الأمرين وبذلك يزول أثر العين.
فضيلة الشيخ: الغبطة هل تدخل في الحسد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغبطة لا تدخل في الحسد لأن الحاسد يتمنى زوال نعمة الله على غيره والغابط يغبط هذا الرجل بنعمة الله عليه ولكنه لا يتمنى زوالها. ***
خ. و. خ. تقول ماصحة هذا الحديث سئل رسول الله ﷺ سؤالًا من وفد اليمن قالوا له نجد في أنفسنا أشياء نتعاظم أن نقولها فقال لهم (ذلك هو الإيمان) فإذا جاءك خاطر يضايقك التفكير منه وتبعده عن ذهنك فهذا هو الإيمان وعليك بالاستمرار بالاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم هل هذا الحديث يا فضيلة الشيخ صحيح وما معناه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا أعرفه لكن ورد معناه في أكثر من حديث عن رسول الله ﷺ في الخواطر التي يلقيها الشيطان في قلوب ابن آدم وأن الإنسان يجد في نفسه ما يحب أن يخر من السماء أو أن يكون حممة أي فحمة ولا يتكلم به فقال النبي ﷺ (أوجدتم ذلك قالوا نعم قال ذلك صريح الإيمان) يعني ذلك خالص الإيمان وهذا يدل على أن هذه الوساوس لا تؤثر في الإيمان ولا تخدشه ولا تنقصه ذلك لأنها وساوس يلقيها الشيطان في قلب الإنسان إذا علم منه أنه مؤمن حقًا ليفسد بذلك إيمانه ويوقعه في الشكوك والشبهات أما إذا كان القلب مريضًاَ فإن الشيطان لا يتسلط عليه بمثل هذا الأمر وإنما يتسلط عليه من نواح أخرى كالسلوك والمعاملات السيئة وما أشبه ذلك المهم أن الرسول ﵊ لما شكا إليه الصحابة عما يجدونه في نفوسهم من مثل هذه الوساوس أرشدهم إلى أمرين قال (فليستعذ بالله ولينته يستعذ بالله من الشيطان الرجيم فإن ملجأ الإنسان هو ربه ﷿ الذي بيده ملكوت السماوات والأرض فإذا أحسست بمثل هذه الوساوس فقل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم أي اعتصم بالله ﷿ من الشيطان الرجيم والأمر الثاني الذي أرشد إليه الرسول ﵊ في هذه الحال أن ينتهي أي أن ينتهي من وقع في قلبه من هذه الوساس عن التفكير فيها أو الركون إليها فيدعها ويلتفت إلى شؤونه إلى عبادته إلى معاملاته مع أهله إلى معاملاته إلى من يتعامل معه ويتناسى هذا بالكلية وبهذا تزول هذه الوساوس والشكوك ويبقى القلب صافيًا لاتؤثر فيه هذه النزغات التي تأتي من عدوه الشيطان قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) . ***
عن عثمان بن حنيف ﵁ أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ (فقال يا رسول الله أدع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فأنطلق فتوضأ ثم صلى ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمد ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم فشفعه) ما صحة هذا الحديث وما معناه يا فضيلة الشيخ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف أهل العلم في صحته فمنهم من قال إنه ضعيف ومنهم من قال إنه حسن ولكن له وجهة ليست كما يتبادر من اللفظ فإن هذا الحديث معناه أن النبي ﷺ أمر هذا الرجل الأعمى أن يتوضأ ويصلى ركعتين ليكون صادقًا في طلب شفاعة النبي ﷺ له وليكون وضوؤه وصلاته عنوانًا على رغبته في التوسل بالنبي ﷺ والتوجه به إلى الله ﷾ فإذا صدقت النية وصحت وقويت العزيمة فإن النبي ﷺ يشفع له إلى الله ﷿ وذلك بأن يدعو النبي ﷺ له فإن الدعاء نوع من الشفاعة كما ثبت ذلك في الحديث الصحيح عن النبي ﷺ إنه قال (ما من رجل مسلم يموت فيقوم على جنازته أربعون رجلًا لا يشركون بالله شيئًا إلا شفعهم الله فيه) فيكون معنى هذا الحديث أن هذا الأعمى يطلب من النبي ﷺ أن يدعو الله له لأن هذا الطلب نوع شفاعة أما الآن وبعد موت النبي ﷺ فإن مثل هذه الحال لا يمكن أن تكون لتعذر دعاء النبي ﷺ لأحد بعد الموت كما قال ﷺ (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث إلا من صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له) والدعاء بلا شك من الأعمال التي تنقطع بالموت بل الدعاء عبادة كما قال تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) ولهذا لم يلجأ الصحابة ﵃ عند الشدائد وعند الحاجات إلى سؤال النبي ﷺ أن يدعو الله لهم بل قال عمر ﵁ حين قحط المطر اللهم إنا نتوسل إليك بنبينا فتسقينا وإنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقنا وطلب من العباس ﵁ أن يدعو الله بالسقيا فدعا فسقوا وهذا يدل على أنه لا يمكن أن يطلب من رسول الله ﷺ بعد موته أن يدعو لأحد لأن ذلك غير ممكن لأن ذلك متعذر لانقطاع عمله بموته ﷺ وإذا كان لا يمكن لأحد أن يطلب من النبي ﷺ أن يدعو له بعد موته أي موت النبي ﷺ فإنه لا يمكن ومن باب أولى أن يدعو أحد النبي ﷺ نفسه بشيء من حاجاته أو مصالحه فإن هذا من الشرك الأكبر الذي لا يغفره الله والذي حرم الله على من اتصف به الجنة قال الله تعالى (وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذًا مِنْ الظَّالِمِينَ) وقال تعالى (فَلا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنْ الْمُعَذَّبِينَ) وقال الله ﷿ (وَمَنْ يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ لا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّمَا حِسَابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ) وقال تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فالمهم أن من دعا رسول الله ﷺ بعد وفاته أو غيره لدفع ضرر أو جلب منفعة فهو مشرك شركًا أكبر مخرجًا عن الملة وعليه أن يتوب إلى الله ﷾ وأن يوجه الدعاء إلى العلي القدير الذي يجيب دعوة المضطر إذا دعاه ويكشف السوء وإني لأعجب من قوم يذهبون إلى قبر فلان وفلان يدعونه أن يفرج عنهم الكربات ويجلب لهم الخيرات وهم يعلمون أن هذا الرجل كان في حال حياته لا يملك ذلك فكيف بعد موته بعد أن كان جثة وربما يكون رميمًا قد أكلته الأرض فيذهبون يدعونه ويَدَعون دعاء الله ﷿ الذي هو كاشف الضر وجالب النفع والخير مع أن الله تعالى أمرهم بذلك وحثهم عليه فقال (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) وقال (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) وقال تعالى منكرًا على من دعاء غيره (أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الأَرْضِ أَءلَهٌ مَعَ اللَّهِ) نسأل الله تعالى أن يهدينا جميعًا إلى صراط مستقيم ***
ورد عن النبي ﷺ والراوي عثمان بن حنيف أن أعمى أتى إلى رسول الله ﷺ فقال (يا رسول الله ادع الله أن يكشف عن بصري قال أو أدعك قال يا رسول الله إنه قد شق علي ذهاب بصري قال فانطلق فتوضأ ثم صلّ ركعتين ثم قل اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فيقضي حاجتي وتذكر حاجتك اللهم شفعه فيّ) ما صحة هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث اختلف العلماء في صحته فمنهم من أنكره وقال إنه لا يصح عن النبي ﷺ ومنهم من قال إنه صحيح وعلى تقدير صحته فإنه ليس من باب التوسل بذات النبي ﷺ ولكنه من باب التوسل بدعائه بدعاء النبي ﷺ كما هو ظاهر ولكن أمره النبي ﷺ أن يصلى ركعتين تمهيدًا وتوطئة لاستجابة الله ﷾ لشفاعة النبي ﷺ فيه لأنه كلما تحقق الإيمان في الشخص كان أقرب إلى نيل شفاعة الرسول ﷺ ولهذا في هذا الحديث يقول يا رسول الله يقول اللهم إني أسألك وأتوجه إليك بنبينا محمدٍ ﷺ نبي الرحمة يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي فإن قوله يا محمد إني أتوجه بك إلى ربي يخاطب النبي ﷺ وهذا يدل على أن رسول الله ﷺ كان حاضرًا وأن هذا طلبًا من النبي ﷺ أن يشفع فيه إلى الله ﷿ ثم سأل الله ﷿ أن يقبل هذه الشفاعة وقال اللهم شفعه في وهذا لا يكون دليلًا على التوسل بذات الرسول ﷺ وإني بهذه المناسبة أقول إن التوسل إلى الله ﷾ بالدعاء على نوعين نوع جائز ونوع ممنوع والجائز على عدة وجوه: الوجه الأول أن نتوجه إلى الله تعالى بأسمائه. والثاني أن نتوجه إلى الله تعالى بصفاته. والثالث أن نتوجه إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله. والرابع أن يتوجه إلى الله تعالى بالعمل الصالح. والخامس أن يتوجه إلى الله تعالى بذكر حاله وفقره إلى ربه. والسادس أن يتوجه إلى الله ﷿ بدعاء من ترجى إجابته أما الأول وهو التوجه إلى الله تعالى بأسمائه فقد يكون باسمٍ خاص وقد يكون بالأسماء عمومًا ففي حديث ابن مسعود ﵁ الحديث المشهور (أسألك اللهم بكل اسمٍ هو لك سميت به نفسك أو أنزلته في كتابك أو علمته أحدًا من خلقك أو استأثرت به في علم الغيب عندك) هذا من التوسل بالأسماء على سبيل العموم وقول السائل اللهم إني أسألك أن تغفر لي فإنك أنت الغفور الرحيم هذا من التوسل بالاسم الخاص المناسب لما تدعو الله به وهو داخلٌ في قوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وأما التوسل بالصفات بصفات الله فقد يكون بصفاتٍ معينة وقد يكون بالصفات عمومًا فتقول اللهم إني أسألك بصفاتك العليا أن تغفر لي وقد يكون بصفةٍ خاصة مثل قولك اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيرًا لي وتوفني ما علمت الوفاة خيرًا لي فتوسلت إلى الله بعلمه وقدرته وهنا صفتان خاصتان والتوسل إلى الله تعالى بالإيمان به وبرسوله مثل قوله تعالى (رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَارِ) ومثال التوسل بالعمل الصالح توسل الثلاثة الذين انطبق عليهم الغار فلم يستطيعوا أن يزحزحوا الصخرة التي سدت عليهم الباب فتوسل أحدهم إلى الله تعالى بكمال بره والثاني بكمال عفته والثالث بكمال وفائه بالعقد والقصة مشهورة ومثال التوسل بمثل حال الداعي مثل أن تقول اللهم إني فقير إليك ذليل بين يديك وما أشبه ذلك ومنه قول موسى (رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ) ومثال التوسل إلى الله تعالى بدعاء من ترجى إجابته توسل الصحابة ﵃ بدعاء النبي صلى الله عذه وسلم كما في حديث أنس أن رجلًا دخل يوم جمعة وأن النبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله هلكت الأموال وتقطعت السبل فادع الله يغيثنا فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم أغثنا اللهم أغثنا اللهم أغثنا) قال أنس ﵁ فوالله ما في السماء من سحابٍ ولا قزع يعني ما في السماء سحابٌ واسع ولا قزع من الغيم وما بيننا وبين سلعٍ من بيتٍ ولا دار فخرجت من ورائه سحابة مثل الترس فلما توسطت السماء انتشرت ورعدت وبرقت وأمطرت فما نزل النبي ﷺ من المنبر إلا والمطر يتحادر من لحيته صلوات الله وسلامه عليه ثم بقي المطر أسبوعًا كاملًا فدخل الرجل أو رجلٌ آخر في الجمعة الأخرى والنبي ﷺ يخطب فقال يا رسول الله تهدم البناء وغرق المال فادع الله يمسكها فرفع النبي ﷺ يديه وقال (اللهم حوالينا ولا علينا) وجعل يشير إلى النواحي ﵊ وما يشير إلى ناحيةٍ إلا انفرج السحاب عنها وخرج الناس يمشون في الشمس فهذا من التوسل بدعاء من ترجى إجابته وفي الصحيح أيضًا من حديث عمر ﵁ أنه استسقى فقال اللهم إنا نتوسل إليك بعم نبينا فاسقينا وإننا نتوسل إليك بعم نبينا ابن عباس ادع الله فيدعو الله فيسقون هذه أصناف التوسل الجائز أما التوسل الممنوع فأن نتوسل بشيء ليس وسيلةً وليس سببًا في حصول المقصود مثل أن يتوسل بذات النبي ﷺ أو بجاه النبي ﷺ فإن التوسل بذاته أو بجاهه ليس سببًا في حصول المقصود لأنك إذا لم يكن لديك سببٌ يوصل إلى حصول المقصود لم ينفعك جاه رسول الله ﷺ عند ربه لأن جاهه إنما ينفعه هو صلوات الله وسلامه عليه ولهذا لم ينتفع أبو لهب بجاه النبي ﷺ ولا بذاته لأنه ليس لديه وسيلة تمنعه من عذاب الله وكذلك توسل أصحاب الأوثان بأوثانهم الذين قالوا (ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفا) فإن هذا التوسل لا ينفعهم بشيء لأنهم مشركون وإنني أنصح إخواني المسلمين أن يحرصوا على إتباع الآثار فيما يتوسلون به إلى الله وما أحسن الامتثال لقوله تعالى (وَلِلَّهِ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا) وهذا خير ما يتوسل به المرء أن يتوسل إلى الله تعالى بأسمائه الدالة على صفاته العظيمة وعلى ذاته فهذا خير متوسلٌ به. ***
ما معنى هذا الحديث وهل هو صحيح (إن الله ﷾ يغضب يوم القيامة غضبًا لم يغضب قبله ولن يغضب بعده) لماذا هذا الغضب فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هكذا ورد في الحديث عن النبي ﷺ أما لماذا هذا الغضب فلا أعلم ذلك والله ﷾ أعلم بما يحدثه ﷾ في خلقه ***
فضيلة الشيخ في كتاب تنبيه الغافلين حديث يقول (من قال لا إله إلا الله من قلبه خالصًا صافيًا ومده بالتعظيم كفر الله عنه أربعة آلاف ذنب من الكبائر) هل هذا صحيح فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح والحديث عليه علامة الوضع ظاهرة وهذا الكتاب الذي أشار إليه السائل كتاب تنبيه الغافلين هو من كتب الوعظ التي يكون فيه الغث والسمين والصحيح والحسن والضعيف والموضوع وأصحاب هذه الكتب يأتون بالأحاديث الضعيفة أو الموضوعة عن حسن نية ليرققوا بذلك قلوب الناس ويخوفوهم من غضب الله ﷿ وهذه الطريق غير سديدة لأن غنى الناس بما في كتاب الله من المواعظ وبما صح عن رسول الله ﷺ منها كاف في إصلاح الخلق ولأن أهل الوعظ اقتصروا في وعظهم على ما جاء في كتاب الله وما صح في السنة عن رسول الله ﷺ لكان ذلك كافيًا ومجزئًا عن كل ما سواه (ولو أنهم فعلوا ما يوعظون به لكان خيرًا لهم وأشد تثبيتًاَ) والقرآن الكريم كله موعظة وشفاء وبيان وهدى كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ) أما ما جاء في كتب الوعظ من الأحاديث الضعيفة والموضوعة فهو من العمل الصادر عن اجتهاد ولكنه ليس من العمل الذي يحمد عليه فاعله لكن يرجى له المغفرة والعفو من الله ﷿ مع حسن نيته ***
ما صحة حديث رواه الترمذي والحاكم ومعناه أن علي بن أبي طالب ﵁ كان ينفلت منه القرآن فجاء إلى النبي ﷺ وأخبره بذلك فقال الرسول ﷺ (صلِّ ليلة الجمعة أربعة ركعات تقرأ من الأولى الفاتحة وسورة يس وفي الثانية الفاتحة وسورة الدخان وفي الثالثة الفاتحة والسجدة وفي الرابعة الفاتحة وسورة الملك فإذا فرغت فاحمد الله وصل عليه واذكر هذا الدعاء وذكر دعاءً مطولًا قال الرسول ﷺ افعل ذلك ثلاث أو خمس أو سبع مرات تجب بإذن الله) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي ﵊ كما ذكر أهل العلم ولكن الذي يعين على حفظ القرآن وبقائه هو تعاهد القرآن كما أمر بذلك النبي ﷺ قال (تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفلتًا من الإبل في عقلها) فإذا كنت تريد أن يبقى القرآن معك فأكثر من تلاوته بحسب ما تخشى على نفسك إذا كنت تخشى أن تنساه إلا أن تقرأه في ثلاثة أيام فاقرأه في ثلاثة أيام أو في سبعة أو عشرة المهم أن هذا يرجع إلى الشخص نفسه وبقاء حفظ القرآن يكون بتعاهد تلاوته واعلم أنك إذا تلوت القرآن فلك بكل حرف عشر حسنات ليس حسنةً واحدة بل عشر حسنات والإنسان يحب الخير ويحب كثرة الثواب أما هذا الحديث الذي ذكره فإنه لا يصح عن رسول الله ﷺ. ***
محمد أبو زهرة مصري يقول عن معقل بن يسار ﵁ أن رسول الله ﷺ قال (قلب القرآن يس ما قرأها رجلٌ يريد الله والدار الآخرة إلا غفر الله له اقرؤها على موتاكم) ما مدى صحة هذا الحديث فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث ضعيف لا يصح عن النبي ﷺ وسورة يس استحب بعض العلماء قراءتها على المحتضر لحديثٍ آخر ورد في ذلك وفيه أيضًا نظر وهو قول الرسول ﵊ (اقرأوا على موتاكم يس) ومن المعلوم أن فضائل الأعمال سواءٌ كانت من القرآن أو من غيره لا يمكن أن يثبت بها حكمٌ شرعي إلا بدليلٍ صحيح وإن كان بعض العلماء ﵏ وعفا عنهم يرخص في الأحاديث الواردة في فضائل الأعمال أو في الترهيب ولا يشدد فيها لكن الأولى أن يقتصر على ما صح عن رسول الله ﷺ ترغيبًا وترهيبًا والذين ذكروا إثبات الفضائل بالأحاديث الضعيفة اشترطوا ثلاثة شروط: ١. أن لا يكون الضعف شديدًا ٢. وأن لا يعتقد أن النبي ﷺ فعل ذلك ٣. وأن يكون لهذا العمل الذي رتب عليه هذا الفضل أصلٌ ثابت بطريقٍ صحيح قالوا فهذا قالوا فهذه الشروط تصور ذكر فضيلة العمل إن كان مطلوبًا أو الترهيب منه إن كان منهيًا عنه لأنه لم يدخل فيه حكمٌ شرعي غاية ما فيه أن النفس ترجو ما فيه من فضائل وتحذر من المساوئ. ***
يقول سمعت حديثًا من أحد الخطباء قال. قال رسول الله ﷺ (أتعرفون من هم أكثر الناس إيمانًا قالوا الملائكة قال وكيف لا يؤمنون وهم عند الله قالوا فهم الأنبياء قال وكيف لا يؤمنون وهم ينزل عليهم الوحي قالوا فنحن قال فكيف لا تؤمنون وبينكم رسول الله قالوا فمن هم قال هم قومٌ يأتون من بعدي يؤمنون بي ولم يروني) فهل هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أعلم عن صحته ولكن لا شك أن الذي يؤمن عن مشاهدة ونظر ورؤية ليس كالذي يؤمن بالغيب ولهذا قال النبي ﵊ ذات يوم (ليتنا نرى إخواننا قالوا يا رسول الله أو لسنا إخوانك قال أنتم أصحابي ولكن إخواني من يأتون بعدي يؤمنون بي ولم يروني) هذا الحديث أو معناه وكل أحدٍ يعرف الفرق بين أن يؤمن الإنسان بشيء يشاهده وبين أن يؤمن بشيء يخبر عنه فإن المشاهدة عين يقين والإخبار علم يقين وبينهما فرق أما الحديث الذي ساقه السائل فلا أعلم عنه. ***
هل صحيح (أن رسول الله ﷺ كان إذا مشى لا يرى له ظل) نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا غير صحيح بل إن رسول الله ﷺ كغيره من البشر له ظل ويحتاج ما يحتاج إليه البشر من الأكل والشرب واللباس والدفء والبرودة وغير ذلك وقد ثبت في الصحيح من حديث المغيرة بن شعبة (أن رسول الله ﷺ كان لابسًا جبةً شامية في غزوة تبوك) (وكذلك كان يصب على رأسه الماء في أيام الصيف وهو صائم من العطش ليتبرد) وكذلك كان يجوع ويعطش ﵊ ويروى ويشبع ويحتاج إلى النوم فينام ويمرض ويبول ويتغوط وكل ما يعتري البشر من الأحكام البشرية فهو ثابتٌ له ﵊ وقد ذكر الله تعالى ذلك في قوله (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ يُوحَى إِلَيَّ) فقال (قُلْ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ) وقال (وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ) فوصفهم بأنهم رجال فلهم ما للرجال وعليهم ما على الرجال أما الخصائص النبوية التي خص الله بها الأنبياء فلنبينا محمدٍ رسول الله ﷺ أكملها وأتمها. ***
عبد الله العربي من مصر يقول ماصحة القول (إذا ضاقت الصدور فعليكم بزيارة القبور) هل هذا حديث عن النبي ﷺ وإذا كان حديثًا فنرجو التوضيح له مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن السائل لم يضبط هذه الكلمة والذي أسمع عن هذه الكلمة أنهم يقولون إذا ضاقت الأمور فعليكم بأصحاب القبور يعني إذا ضاقت عليك الأمور فاذهب لأصحاب القبور وادعهم ليغيثوك وينجوك مما وقع بك ولا شك أن هذا الأمر شركٌ أكبر أي أن الإنسان يذهب إلى أصحاب القبور ليدعوهم لينجوه مما وقع به من البلاء لا شك أنه شركٌ أكبر يخرج الإنسان عن الإسلام موجبٌ للخلود في النار والعياذ بالله كما قال الله تعالى (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ) فالدعاء لا يكون إلا لله ﷿ قال الله تعالى (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ) وقال تعالى (وَمَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُو مِنْ دُونِ اللَّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَهُمْ عَنْ دُعَائِهِمْ غَافِلُونَ) فدعاء أصحاب القبور لا يجدي شيئًا بل هو يضر الإنسان ويخرجه من الإسلام فإن قال قائل إنه قد حدثت وقائع تدل على انتفاع الداعي بدعوة أصحاب القبور فيدعو الإنسان صاحب القبر في إنجائه من هلكة أو في حصول مطلوبٍ له فينجو من الهلكة ويحصل المطلوب فالجواب على ذلك أن نقول إن هذا الذي حصل إثر دعاء صاحب القبر لم يحصل بدعاء صاحب القبر قطعًا وإنما حصل عنده فتنةً له أي للداعي فإن الله تعالى قد يفتن الإنسان بشيء يستمر فيه الإنسان المفتون على معصية الله والله ﷾ حكيم وأما أن يحصل هذا الشيء أي النجاة من المكروب وحصول المطلوب بدعاء أصحاب القبور فهذا أمرٌ لا يمكن أبدًا لأن الله ﷾ أخبر بأن الذي يدعو من دون الله لا يستجيب للداعي إلى يوم القيامة وأما الكلمة التي قالها السائل إذا ضاقت عليكم الأمور فعليكم بزيارة القبور فهذا ليس بحديثٍ عن رسول الله ﷺ ولا يصح بل إن زيارة القبور تذكر الآخرة فينبغي أن يقال إذا رأيت من نفسك الغفلة عن الآخرة والانغماس في الدنيا والترف فعليك بزيارة القبور لتتعظ وتعتبر بأصحابها فإن أصحابها الذي كانوا محبوسين فيها الآن هم قرناؤك بالأمس على ظهر الأرض وربما يكونون أكثر منك غنى وأشد منك قوة وأعظم منك فتوة ومع ذلك صاروا مرتهنين محبوسين في قبورهم فالإنسان إذا زار المقبرة تذكر الآخرة ولهذا قال رسول الله ﷺ (زوروا القبور فإنها تذكر الآخرة) وينبغي لمن زار القبور أن يدعو لهم بالدعاء الوارد عن الرسول ﷺ مثل (السلام عليكم دار قومٍ مؤمنين وإنا إن شاء الله بكم لاحقون يرحم الله المستقدمين منا ومنكم والمستأخرين نسأل الله لنا ولكم العافية اللهم لا تحرمنا أجرهم ولا تفتنا بعدهم واغفر لنا ولهم) . ***
قال ﷺ (يغفر الله للشهيد كل ذنبٍ إلا الدَّين) هل معنى هذا الحديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أي نعم معنى هذا الحديث صحيح يعني أن أن الله ﷿ يغفر للشهيد كل ذنب إلا الدين لأن الدين حقٌ للآدمي فلا بد من وفائه ولكن الدين إذا كان الإنسان أخذه يريد أداءه فقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (من أخذ أموال الناس يريد أداءها أدى الله عنه ومن أخذها يريد إتلافها أتلفه الله) فإن كان هذا الشهيد الذي عليه الدين قد أخذ أموال الناس يريد أداءه فإن الله تعالى يؤدي عنه إما بأن ييسر أحدًا في الدنيا يقضي عنه هذا الدين وإما بأن يوفيه الله تعالى عنه يوم القيامة فيزيد الدائن درجاتٍ أو يكفر عنه سيئات. ***
أع س يقول هل هذا الحديث يا فضيلة الشيخ (لعن الله الشارب قبل الطالب) وارد لأنه يتردد على ألسنة كثير من الناس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث الذي ذكره السائل (لعن الله الشارب قبل الطالب) هذا لا أصل له ولا يصح عن النبي ﷺ ولكنه من الأحاديث التي اشتهرت على ألسن الناس وليس لها أصل وهي كثيرة تتردد بين عامة الناس والواجب على الإنسان أن يتحرى فيما ينسبه إلى الرسول ﷺ من قول أو فعل أو تقرير لأن الكذب على الرسول ﷺ ليس كالكذب على أحد منا لأنه كذب على شريعة الله ﷾ وقد صنف العلماء ﵏ في الأحاديث الواردة على ألسن الناس وليس لها أصل صنفوا في هذا كتبًا ومنها تمييز الطيب من الخبيث فيما يدور على ألسنة الناس من الحديث ومن الأحاديث المشتهرة على ألسن الناس وليس لها أصل قولهم (حب الوطن من الإيمان) وقولهم (خير الأسماء ما حمد وعبد) وقولهم (المعدة بيت الداء والحمية رأس الدواء) وأمثال ذلك كثير والوارد عن النبي ﷺ في الأسماء قوله (أحب الأسماء إلى الله عبد الله وعبد الرحمن) وثبت ذلك عنه ﷺ والمهم أنه يجب على الإنسان أن يتحرى فيما ينسبه إلى النبي ﷺ حتى لا يقع في الوعيد الشديد الذي قال فيه الرسول ﷺ (من كذب عليّ متعمدًا فليتأبوا مقعده من النار) وقال (من حدث عني بحديث يرى أو يرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين) . ***
عن أنس ﵁ (أن رسول الله ﷺ لم يزل يقنت الصبح حتى فارق الدنيا) ما حكم القنوت في صلاة الصبح وما مدى صحة هذا الحديث افتنوني جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يصح عن النبي ﷺ لأن جميع الواصفين لصلاة الرسول ﷺ لم يذكروا أنه قنت في الفجر إلا في النوازل فإنه كان يقنت في الفجر وفي غير الفجر أيضًا بل يقنت في جميع الصلوات الخمس وبناء على ذلك فإنه لا يسن القنوت في صلاة الفجر إلا إذا كان هناك سبب كنازلة تنزل بالمسلمين والنازلة إذا نزل بالمسلمين فإن القنوت لا يختص بصلاة الفجربل يكون فيها وفي غيرها وذهب بعض أهل العلم إلى أن القنوت في صلاة الفجر سنة ولكن ما هو القنوت الذي يُقنت في صلاة الفجر ليس هو قنوت الوتر كما يظنه بعض العامة ولكنه قنوت يدعو فيه الإنسان بدعاء عام للمسلمين مناسب للوقت الذي يعيشه وإذا ائتم الإنسان بشخص يقنت في صلاة الفجر فإنه يتابعه ويؤمن على دعائه ولا ينفرد عن المصلىن كما نص على ذلك إمام أهل السنة أحمد بن حنبل ﵀. ***
السائل إبراهيم ب ع الكويت يقول ما صحة حديث (أسفروا بالفجر فإنه أعظم للأجر) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يحضرني سند هذا الحديث ولا أدري ما سنده لكن اختلف العلماء ﵏ في معناها فمنهم من قال (أسفرو بالفجر أو بالصبح فإنه أعظم لأجوركم) المعني أخروا صلاة الفجر حتى يكون الإسفار التام ومنهم من قال أسفرو بالصبح أي لا تتعجلوا حتى يتبين الصبح لأن الصبح يكون خفيا أول ما يطلع ولهذا لم يرتب الله تعالى الأحكام علي طلوع الصبح بل على تبين الصبح حيث قال تعالى في الصيام (فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمْ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنْ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنْ الْفَجْرِ) وهذا القول أن المراد به تحقق الفجر هو الصواب لأن السنة بينت ذلك فقد كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يصلى الصبح بغلس. ***
هذا أخونا السائل إبراهيم أبو حامد يقول في هذا السؤال ما صحة هذه الأحاديث يا فضيلة الشيخ الأول (إن الأمة لا تجتمع على ضلالة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث بهذا اللفظ لا يصح أن أمة النبي ﷺ لا تجتمع على ضلالة لكن قد دلت الأدلة على أن إجماع الأمة حجة وأن الأمة معذورة بالعمل به وما كان ضلالة فإنه لا عذر للأمة بالعمل به ومن الأدلة على ذلك قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ) فإن ظاهر قوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ) يدل على أنه إذا حصل الاتفاق فإن قولهم كالذي قام به الدليل من الكتاب والسنة ومن الأدلة على ذلك أي على أن إجماع المؤمنين حجة قول الله ﵎ (وَمَنْ يُشَاقِقْ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءَتْ مَصِيرًا) وعلى هذا فيكون الإجماع أي إجماع الأمة والمراد إجماع علماء الأمة المجتهدين يكون دليلا صحيحًا يؤخذ به في الأحكام لكن الغالب أن ما أجمع عليه العلماء من الأحكام يكون قد دل عليه الكتاب والسنة إما بطريق المنطوق أو المفهوم أو الإشارة وقد يكون الدليل معلومًا لعامة العلماء وقد يكون خفيًا على بعض العلماء. ***
ماصحة هذا الحديث (أبغض الحلال إلى الله الطلاق) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح بل هو ضعيف لكن الطلاق لا شك أنه خلاف الأولى وقد أمر الله تعالى بالصبر على المرأة وكذلك جاء في السنة، فقال الله ﵎ (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْرًا كَثِيرًا) وهذه إشارة إلى أنه ينبغي للإنسان أن يصبر على المرأة ولو كره منها ما كره وفي السنة (لا يفرك مؤمن مؤمنة - أي لا يبغضها - إن كره منها خلقًا رضى منها خلقًا آخر) وعلى هذا فلا ينبغي للإنسان أن يطلق إلا عند الحاجة الملحة أو الضرورة وكذلك إذا سألت هي الطلاق لتضررها من الزوج أو تأذيها أو ما شبه ذلك من الأسباب فإنه ينبغي للزوج أن يوافقها على طلبها، وإن كان من النساء من تطلب الطلاق لسبب يسير لكن عند الغضب تطلب الطلاق من أجله فإذا وقع الطلاق ندمت ندمًا عظيمًا ورجعت إلى زوجها تطلب منه المراجعة وقد يكون ذلك بعد فوات الإمكان وقد تكون هي الطلقة الثالثة فيطلق الزوج استجابة لرغبة الزوجة ثم يحصل الندم منه ومنها وإنني بهذه المناسبة أود أن أوجه نصيحتين: النصيحة الأولى إلى الزوج وهي ألا يتسرع في إجابة الزوجة إذا طلبت الطلاق لأن المرأة ناقصة العقل والتفكير تفكيرها لا يتجاوز قدمها فقد تطلب الطلاق في حال غضب ثم تندم ندما عظيمًا إذا وقع فليكن الزوج أوسع منها صدرًا وأبعد منها نظرًا وليمنعها أي لا يجيبها إلى ما سألت وإذا ضيقت عليه فليخرج من البيت ثم يرجع مرة أخرى فلعلها تكون بردت عليها سَوْرَة الغضب المهم ألا يتسرع وهو إذا تسرع في هذه الحال لا عذر له لأن بعض الأزواج يقول أنا أكرهت على الطلاق لأنها طلبت مني ذلك وألحت علي أو لأن أباها طلب ذلك وألح علي أو ما أشبه ذلك وهذا لا يعد إكراها ولا عذرًا له فيه والطلاق واقع. أما النصيحة الثانية فهي للزوجة لا تتسرع في طلب الطلاق من الزوج بل عليها أن تصبر وتتحمل المرة تلو الأخرى حتى إذا أيست من الصلاح والإصلاح فلا بأس لأن الله تعالى قد جعل لكل ضيقٍ فرجًا لكن كونها تتسرع وتريد من الزوج أن يكون على هواها في كل شيء لا ينبغي منها ذلك وأكثر ما يقع هذا فيما إذا تزوج الزوج بزوجة أخرى فإنها حينئذٍ تسارع إلى طلب الطلاق والإلحاح به وتندم حين لا ينفع الندم فنصيحتي لها أن تصبر وتحتسب الأجر من الله ﷿ على صبرها وتحملها الأذى وسيجعل الله تعالى لها فرجًا ومخرجًا.
فضيلة الشيخ: يستفسر أيضا عن صحة هذا الحديث (أوصى رسول الله ﷺ بسابع جار) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضا لا يصح لكن ثبت (عن النبي ﷺ أنه أوصى بالجار خيرًا) كما هو في القران (والجار ذي القربى والجار الجنب) وقال ﵊ (مازال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه) وقال ﷺ (من كان يؤمن بالله واليوم الأخر فليكرم جاره) وقال ﷺ (والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه) والأحاديث في هذا كثيرة وللجار حق حتى ولو كان كافرًا وهو حق الجوار فإنه ينبغي للإنسان أن يحسن إلى جيرانه ولو كانوا أعداءً له في الدين ولو كانوا أعداءً له عداوة شخصية لا مبرر لها امتثالًا لأمر الله ﷿ وأمر رسوله ﷺ قال الله تعالى (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا ... إلى قوله.. (وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) وقال النبي ﷺ (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره) وقد ذكر العلماء ﵏ أن الجار إن كان كافرًا بعيدًا في النسب يعني ليس من أقاربك فله حق الجوار وإن كان مسلمًا فله حق الجوار والإسلام وإن كان قريبًا فله حق الجوار والإسلام والقرابة. ***
السؤال: ما صحة هذاالحديث (إذا شرب اثنين في إناء واحد غفر لهما أو دخلا الجنة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا أعلم عنه لكن لا أظن أنه يصح عن النبي ﷺ وشرب الاثنين من الإناء الواحد لا بأس به ولاحرج فيه والتنزه عن مثل هذا أمر صعب ولو أراد الإنسان أن يتنزه عن كل إناء شرب فيه غيره للحقه بذلك حرج شديد ولم يكن في بدنه مناعة لما يدخل إليه من المكروبات التي تكون عند كثير من الناس وهو خالٍ منها وقد كان المترفون يتحرزون من أن يشربوا بإناء شرب فيه غيرهم فيصابون بأمراض أكثر مما يصاب الآخرون والذي ينبغي للإنسان ألا يشق على نفسه في مثل هذه التحرزات لأن فيها حرجًا ولأنه يبقى جسمه لا مناعة فيه وحينئذ يتأثر بأدنى سبب وبلغني أن كثيرًا من الناس في الأمم المتطورة في الحياة الدنيا رجعوا عن هذا التحرز الشديد إلى الحالة الطبيعية التي عليها كثير من الناس في كون الإنسان لا يشق على نفسه في هذا التحرز الشديد نعم لو فرض أن أحدًا من الناس مصاب بوباء جرت العادة أنه معدٍ فهذا ليس من المستحسن أن يشرب الإنسان في هذا الإناء الذي شرب فيه هذا المصاب بالمرض الذي جرت العادة بأنه يعدي لقول النبي ﷺ (فر من المجذوم فرارك من الأسد) ولكن مع هذا يجب أن نؤمن بأن العدوى لا تكون معدية بطبيعتها الذاتية ولكنها معدية بإذن الله ﷿ فإن الله تعالى قد جعل لكل شيء سببًا. ***
ماصحة هذا الحديث (إن الله لا ينظر إلي الصف الأعوج) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث غير صحيح ولكن لا شك أن النبي ﷺ أمر بتسوية الصفوف وكان ﵊ يمر بالصف يمسح صدورهم ومناكبهم ويأمرهم بالتسوية فخرج ذات يوم وقد عقلوا عنه فرأى رجلًا باديًا صدره أي متقدمًا فقال ﵊ (لتسوون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم) أي بين قلوبكم حتى تكونوا أعداءً متباغضين وهذا وعيد لمن ترك تسوية الصف وهو دليل على وجوب التسوية كما ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم وما نشاهده الآن من التهاون في تسوية الصف لا بالنسبة للإمام ولا بالنسبة للمأمومين أمرٌ يؤسف له فإن كثيرًا من الأئمة يلتفت يمينًا وشمالًا يقول استووا اعتدلوا سووا صفوفكم وربما يكون يرى الصف غير مستوٍ ولا يقول يا فلان تقدم ويا فلان تأخر مما يُفهِم الناس أن هذه كلمةٌ كأسطوانةٍ تُجَرُّ عليها الإبرة وتحدث صوتًا أي أنه لا قيمة لهذه الكلمة عند الناس الآن لأنهم لا يشاهدون فعلًا يؤكد هذه الكلمة والذي ينبغي في حق الإمام أن يلتفت يمينًا وشمالًا وأن يستقبل الناس بوجهه وإذا رأى شخصًا متأخرًا قال تقدم يا فلان أو متقدمًا قال تأخر يا فلان حتى يحس الناس بأن هذه الكلمة لها معنى أي استووا اعتدلوا كذلك أيضًا المأمومون تجد أنهم لا يبالون يكون الرجل إلى يمين صاحبه أو إلى يساره متقدمًا عليه أو متأخرًا عنه لا يحاول إن يسوي الصف وهذا من الغلط وكذلك أيضا أهمل كثيرٌ من الأئمة وكثيرٌ من المأمومين مسألة التراص فتجد الصف تكون فيه الفرج الكثيرة لا يسدها أحد وهذا غلط لأن النبي ﷺ أمر بالتراص وأخبر أن الملائكة عند الله ﷿ يتراصون، وبعض الناس فهم فهمًا خطأً في كون الصحابة ﵃ يلصق الرجل كعبه بكعب أخيه ومنكبه بمنكبه فجعل يفرج بين رجليه تفريجًا بالغًا حتى يلصق كعبه بكعب أخيه ومابين الأكتاف منفرج انفراجًا بقدر انفراج الرجلين وهذا أيضا من الغلط ومِنْ فَهْم النصوص على غير مرادها ليس المراد مجرد إلزاق الكعب بالكعب والمنكب بالمنكب فإلصاق الكعب بالكعب ليس مقصودًا لذاته بل هو مقصودٌ لغيره وهو التراص والتسوية لكن المشكل أن بعض الناس يفهم الشيء فهمًا خاطئًا ثم ينشره بين الناس ثم يَشِيعُ وكأنه هو السنة التي أرادها الصحابة ﵃ كذلك أيضًا يخطئ كثيرٌ من الناس بكيفية التسوية فبعض الناس يظن التسوية هي استواء الأصابع وهذا فهم خاطئ والتسوية استواء الأكعب يعني أن يكون كعب الإنسان مساويًا لكعب جاره لا يتقدم عليه ولا يتأخر وأما الأصابع فقد تكون رجل الرجل طويلة تتقدم أصابعه على أصابع الرجل التي تكون قدمه قصيرة وهذا لا يضر فالمساواة إنما هي بالأكعب لأن الكعب هو الذي عليه اعتماد الجسم حيث إنه في أسفل الساق والساق يحمل الفخذ والفخذ يحمل الجسم وليس التساوي بأطراف الأصابع بل بالأكعب أكرر ذلك لأني رأيت كثيرًا من الناس يجعلون مناط التسوية رؤوس الأصابع وهذا غلط هناك أمر آخر يخطئ فيه المأمؤمون كثيرًا ألا وهو تكميل الصف الأول فالأول ولا سيما في المسجدين المسجد الحرام والمسجد البنوي فإنهم لا يبالون أن يصلوا أوزاعًا أربعة هنا وأربعة هناك أو عشرة هنا وعشرة هناك أو ما أشبه ذلك وهذا لا شك أنه خلاف السنة. والسنة إكمال الأول فالأول حتى إن الرجل لو صلى وحده خلف الصف مع أن الصف لم يتم فإن صلاته غير صحيحة بل هي باطلة يجب عليه أن يعيدها لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم رأى رجلًا يصلى وحده خلف الصف فأمره أن يعيد الصلاة وقال (لا صلاة لمنفرد خلف الصف) فإن قال قائل إذا كنت لو ذهبت إلى طرف الصف فاتتني الركعة فهل أصلى وحدي خلف الصف اغتنامًا لإدراك الركعة نقول: لا، اذهب إلى طرف الصف ولو فاتتك الركعة ولو كانت الركعة الأخيرة لعموم قول النبي ﷺ (ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا) وأنت مأموربتكميل الأول فالأول فافعل ما أمرت به وما أدركت فصل وما فاتك فاقضه هذه تنبيهات أرجوالله ﷾ أن تجد آذانًا صاغية من إخواننا الأئمة والمأمومين ذكرتها تعليقًا على قول السائل إن الله لا ينظر إلى الصف الأعوج حيث إن هذا الحديث لايصح عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
ماصحة هذا الحديث قال رسول الله ﷺ (يدخل الجنة أقوام قلوبهم وأفئدتهم مثل أفئدة الطير) وما معنى هذا الحديث بالتفصيل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل أن أجيب على هذا السؤال أحب أن أنبه أنه إذا كان المتكلم بالحديث لا يدري عن صحته عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم فإنه لا يجزم في نسبته للرسول ﷺ بل يقول ما مدى صحة ما يذكر عن النبي ﷺ أو ما يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يسلم من الجزم بنسبة الحديث إلى رسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وهولا يدري أيصح عنه أم لا أما معنى هذا الحديث فهو أن أهل الجنة إذا أرادوا دخول الجنة فإن الله ﷾ يحبسهم على قنطرة بين الجنة والنار أي يوقفهم على قنطرة بين الجنة والنار بعد عبور الصراط ثم يقتص من بعضهم لبعض حتى ينزع ما في صدورهم من غل فيدخلون الجنة وأفئدتهم كأفئدة الطير ليس فيها حقد ولا غل بل هي قلوب بريئة نزيهة طاهرة يقول الله ﷿ (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٧) لا يَمَسُّهُمْ فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ) أما عن صحة الحديث فإنه يحتاج إلى مراجعة. ***
ما معنى هذا الحديث ومدى صحته عن عبد الله بن أبي قتادة قال دخل علي أبي وأنا أغتسل يوم الجمعة فقال غسلك هذا من جنابة أو للجمعة قلت من جنابة قال أعد غسلًا آخر إني سمعت رسول الله ﷺ يقول (من اغتسل يوم الجمعة كان في طهارة إلى الجمعة الأخرى) رواه الطبراني في الأوسط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث لا يحضرني الآن حكمه هل هو صحيح أو غير صحيح لكن غسل الجمعة مؤكد جدًا بل هو واجب على القول الراجح عندي واجب على من يحضر الجمعة ودليل ذلك حديث أبي سعيد الخدري ﵁ أن النبي ﷺ قال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) وقال ﷺ (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولما دخل عثمان بن عفان ﵁ يوم الجمعة وأمير المؤمنين عمر بن الخطاب يخطب كأنه لامه على تأخره فقال والله ما عدوت على أن توضأت ثم جئت فقال والوضوء أيضًا وقد قال النبي ﷺ (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) قال ذلك وهو يخطب الناس وكأنه ﵁ يرى أن هذا الأمر لابد منه، وكيف والذي نطق به أفصح الخلق وأنصح الخلق وأعلم الخلق يقول غسل الجمعة واجب ثم يعقب ذلك بذكر وصف مناسب للتفريق والإلزام وهو قوله على كل محتلم أي على كل بالغ وليس لهذا الحديث ما يعارضه إلا الحديث الذي اختلف فيه حديث سمرة (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) وفي القلب من هذا الحديث شيء أولًا من جهة اختلاف العلماء في سماع الحسن بن سمرة إما مطلقًا أو فيما سوى حديث العقيقة وثانيًا أن التركيب اللفظي فيه ليس كالتركيب المعهود من كلام النبي ﷺ لأنه من المعلوم أن النبي ﷺ أفصح العرب وصياغة هذا الحديث فيها شيء من الركاكة وفي القلب منه شيء، وإذا كان كذلك فإنه لا ينبغي أن يعارض به الحديث الصريح الصحيح الواضح (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) و(إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وإذا كان من المعروف عند أهل العلم أن الأصل في الأمر الوجوب ثم عقب النبي ﷺ هذا الوجوب في قوله غسل الجمعة واجب فلا مناص عن العمل بذلك، وإذا اجتمع على الإنسان غسل الجمعة وغسل الجنابة فلا بأس أن ينويهما بغسل واحد لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) وكما لو دخل الإنسان المسجد فصلى الفريضة فإنها تجزئ عن تحية المسجد وقال بعض أهل العلم إنه لابد أن يغتسل أولًا من الجنابة ثم يغتسل ثانيًا للجمعة ولكن القول الأول أولى وهو الاكتفاء بغسل واحد عن الجنابة وعن غسل الجمعة لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) فإذا نوى هذا الغسل عنهما جميعًا حصل. ***
ما صحة هذا الحديث (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الحديث أخرجه مسلم في صحيحه بلفظين أحدهما (عمرة في رمضان تعدل حجة) والثاني (عمرة في رمضان تعدل حجة معي) وهو دليل على أن العمرة في رمضان لها مزية عن غيره من الشهور فإذا ذهب الإنسان إلى مكة في رمضان وأحرم للعمرة وأداها فإنه يحصل له هذا الثواب الذي ذكره النبي ﷺ. ***
أصول الفقه
المستمع عثمان محمد عبد الله سوداني يقول لقد ظهرت عندنا في السودان دعوات كثيرة منها الدعوة إلى تجديد الفقه الإسلامي كيف يكون ذلك التجديد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول السائل إنه ظهرت عندهم دعوات جديدة في بلادهم منها الدعوة إلى تجديد الفقه الإسلامي فهذا التجديد إن أراد به مقترحه أن يجدد التبويب وعرض المسائل الفقهية حتى يكون ملائمًا للذوق العصري فهذا لا بأس به وما هو إلا تغير أسلوب من حال إلى حال ليقرب المعنى إلى أذهان الناس على أن التجديد على هذا الوجه له مساوئ منها أننا نرى كثيرًا من المعاصرين الذين يكتبون فيما كتبه السابقون يطيلون الكلام والتفصيلات حتى يذهب آخر الكلام أوله ويضيع الإنسان بين هذه التقسيمات وبين الكلام الذي يعتبر حشوًاَ وهذه سيئة عظيمة تبدد الفكر وتضيع الأوقات في مسائل قد يدركها الإنسان بنصف الوقت الذي يقضيه في قراءة هذه الكتب الجديدة ولا أقول إن هذا وصف لكل كتاب جديد بل في كثير من الكتب المصنفة الجديدة ما يكون على هذا النمط. وإن أرادوا مقترحوا التجديد في الفقه أن يغير بهذا التجديد ما دلت النصوص على حكمه فإن هذا مبدأ خطير مبدأ باطل إذ لا يجوز للإنسان أن يغير شيئًا من أحكام الله ﷿ فإن أحكام الله تعالى باقية ما بقي هذا الدين وهذا الدين سيبقى إلى يوم القيامة لقول النبي ﷺ (لا تزال طائفة من أمتي على الحق ظاهرين لا يضرهم من خذلهم ولا ما من خالفهم حتى يأتي أمر الله) هذا هو رأينا نحو هذا الاقتراح الذي اقترحه هذا المقترح من تجديد علم الفقه. ***
محمد مصري مقيم بالرياض يقول ما الفرق بين الجائز والحلال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا فرق بينهما فالحلال هو الجائز والجائز هو الحلال إلا إن الجائز أحيانا يراد به ما يقابل المستحيل والواجب الوجود فيقولون الأشياء باعتبار الوجود ثلاثة أقسام مستحيل الوجود وواجب الوجود وجائز الوجود أما شرعا فإنه لا فرق بين الجائز والحلال. ***
نجيب أحمد يقول البعض يقول بأن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها هل هذا صحيح وهل إذا ترك الشخص سنة من السنن المؤكدة يعاقب عليها أم أنه حرم نفسه الأجر العظيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي ذكره السائل هو حق وهو الذي عليه أهل العلم أن ترك السنة لا يوجب الإثم اللهم إلا إذا تركها كراهة لها أو زهدا فيها أو رأى نفسه أنه مستغنٍ عنها أو ما أشبه ذلك فهذا له حكمه أما مجرد أن يقول إن الله فرض علي الفرائض والحمد لله الذي هداني لها وأنني أقمتها على الوجه المطلوب وأما النوافل فأنا في سعة منها فهذا لا بأس به ولا إثم عليه لكن قد تكون السنة مؤكدة جدا جدا إلى قريب الوجوب فهذه كره بعض العلماء أن ندعها خوفا من الإثم ومن ذلك ما يذكر عن الإمام أحمد ﵀ أنه قال (من ترك الوتر فهو رجل سوء لا ينبغي أن تقبل له شهادة) مع أنه أي الإمام أحمد يرى أن الوتر سنة وليس بواجب لكن لتأكد السنية كأن الإمام أحمد ﵀ رأى أن تهاونه به يدل على عدم مبالاته ولهذا قال (لا ينبغي أن تقبل له شهادة) لأنه إذا كان لا يبالي بالوتر مع أهميته وآكديته فإنه قد يتهاون بالشهادة أيضا. ***
هل كل ما كان يفعله الرسول ﷺ يعتبر من السنة ويثاب على فعله المسلم أقصد الأمور الخصوصية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأمور الخاصة بالرسول ﵊ خاصة به ليس لنا فيها تعلق ومنها قوله تعالى (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَحْلَلْنَا لَكَ أَزْوَاجَكَ اللاَّتِي آتَيْتَ أُجُورَهُنَّ وَمَا مَلَكَتْ يَمِينُكَ مِمَّا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَيْكَ وَبَنَاتِ عَمِّكَ وَبَنَاتِ عَمَّاتِكَ وَبَنَاتِ خَالِكَ وَبَنَاتِ خَالاتِكَ اللاَّتِي هَاجَرْنَ مَعَكَ وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) فالنكاح بالهبة لا ينعقد ولا يصح إلا لرسول الله ﷺ لأن الله قال (خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) الوصال في الصوم وهو ألا يفطر الإنسان بين اليومين منهي عنه إلا للرسول ﵊ ولهذا لما نهى النبي ﵊ عن الوصال) قالوا يا رسول الله إنك تواصل فقال (إني لست كهيئتكم) فبين الرسول ﵊ أن الأمة لا تساويه في هذا الحكم فما كان خاصًا بالرسول ﵊ فهو خاص به لا يشمل حكمه الأمة وأما ما لم يقم دليل على الخصوصية به فإن الأصل أن الأمة تتأسى برسول الله ﷺ فيما فعل لقوله تعالى (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) وهذا في الأمور التعبدية ولهذا قال (لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الآخِرَ) . أما الأمور العادية فإن فعل النبي ﵊ لها يدل على إباحتها ولكنها تكون تبعًا للعادة لا يحكم عليها بأنها سنة مطلوبة بعينها وهناك أشياء يفعلها النبي ﵊ على سبيل الجبلة والطبيعة كالأكل والشرب والنوم فهذا ليس له حكم لأنه يفعله ﵊ بمقتضى الطبيعة والجبلة لكن قد يكون هذا النوع مشتملًا على أمور مشروعة مثل النوم على الجنب الأيمن مثل الأكل باليمين والشرب باليمين وما أشبه ذلك فالحاصل أن أفعال الرسول ﵊ قسمها أهل العلم على أقسام متعددة والبحث فيها مطول موجود في أصول الفقه فمن أحب أن يراجعه فليراجعه هناك. ***
ع م ف الرويلي يقول في رسالته وبعد أبعث لكم هذه الرسالة وأقول لكم فيها إن لي خالة متزوجة وبعد أنها مخلوعة الشعور -يقصد بها جنون تقريبًا- وبعده ذهبت مع زوجها وزوجها أخذها وهي كمثل ما أقول لكم وبعد أنها أحرقت نفسها أهل عليها خطأ من هذا الحرق أم لا وهل هي من أصحاب الجنة أو النار أفيدونا أفادكم الله عن هذا الأمر ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي فهمت من قوله مخلوعة الشعور أنها ليس لها عقل فإذا كان ما فهمته هو الواقع فإن فعل المجنون لا يعاقب عليه المرء لأن المجنون لا عقل له والله ﵎ إنما يعاقب من كان عاقلًا ويروى عن النبي ﷺ أنه قال (رفع القلم عن ثلاثة عن النائم حتى يستيقظ وعن الصغير حتى يبلغ وعن المجنون حتى يُفيق) فهذه المرأة التي أحرقت نفسها ليس عليها ذنب مادامت أحرقت نفسها في هذه الحال وأما هل هي في النار أو في الجنة فهذا أمره إلى الله ﷾. ***
السائل مصري يقول ما هي أنواع الإكراه التي رخص الله لعباده عند وقوعها وما الفرق بين أُكره واستُكره مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإكراه والاستكراه معناهما واحد والإكراه أن يرغم الإنسان على فعل الشيء أو على قول الشيء ومن أكره على شيء قولي أو فعلي فإنه لا حكم لقوله ولا حكم لفعله لقوله تعالى (مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلاَّ مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنْ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) فإذا كان الكفر وهو أعظم الذنوب إذا أكره عليه الإنسان فإنه لا حرج عليه ولا إثم فما دونه من الذنوب من باب أولى فلو أُكره الصائم على الأكل مثلا فأكل فإن صومه صحيح ولو أكره الرجل على أن يطلق امرأته فطّلق فلا طلاق عليه ولو أكره الإنسان على إن يشرك بالله فأشرك فلا إثم عليه إذا كان قلبه مطمئنا بالأيمان واختلف العلماء ﵏ فيمن أكره علي الطلاق فطّلق ناويًا الطلاق لكنه بغير اختيار منه هل يقع طلاقه أو لا يقع فمن العلماء من قال إن طلاقه يقع لأنه نواه وأن الذي يرفع عنه الطلاق أن يطّلق دفعا للاكراه ولكن الصحيح أنه لا طلاق عليه حتى ولو نوى الطلاق لأنه مجبر على هذه النية وكثير من العامة لا يفرقون بين هذا وهذا. ***
المستمع ص. من محافظة قنا مركز نقاوة جمهورية مصر العربية يقول ما هي الضرورات الخمس التي أمرنا الشارع الحكيم بالحفاظ عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من المعلوم أن هذه الشريعة الإسلامية جاءت لجلب المصالح أو تكميلها ودفع المضار أو تقليلها وهذا عامٌ يشمل كل ما يحتاج الإنسان إليه في أمور دينه ودنياه ولا ينحصر الأمر في الضرورات الخمس التي أشار إليها السائل بل هو عام لكل مصلحة سواءٌ كانت تتعلق بالنفس أو بالمال أو بالبدن أو بالعقل أو بالدين بل كل شيء تحصل به المصلحة أو يحصل به تكميل المصلحة فهو أمرٌ مطلوب لا بد منه فهو أمرٌ مطلوب إن كان أمرًا لا بد منه فإنه يكون على سبيل الوجوب وإن كان أمرًا دون ذلك فإنه يكون على سبيل الاستحباب وكل شيء يتضمن ضررًا في أي شيء كان فإنه منهيٌ عنه إما على سبيل وجوب الترك وإما على سبيل الأفضل والأكمل وهذه القاعدة العظيمة لا يمكن أن تنحصر جزيئاتها وهي مفيدةٌ لطالب العلم لأنها ميزانٌ صادق مستقيم ويدل عليه آياتٍ من كتاب الله ﷿ وأحاديث من سنة الرسول ﷺ فمن ذلك قول الله تعالى (يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من نفعهما) فهنا أشار الله ﷿ إلى أن في الخمر والميسر إثمٌ كبير ومنافع متعددة للناس ولكن الإثم أكبر من النفع ولهذا جاءت الشريعة الكاملة بالمنع منهما منعًا باتًا في قوله تعالى (يا أيها الذين آمنوا إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجسٌ من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون إنما يريد الشيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدكم عن ذكر الله وعن الصلاة فهل أنتم منتهون) ومن هنا نعلم أن من جملة الحكم التي حرم الله من أجلها الخمر والميسر والأنصاب والأزلام أنها توقع العداوة والبغضاء بين الناس وهذه مفسدة اجتماعية مع ما فيها من المفاسد الأخرى كالإخلال بالعقل والإخلال بالدين فإن الأزلام تؤدي إلى المغامرة في الإقدام والإحجام والأنصاب شرك وأنصاب تعبد من دون الله ﷿ ومن ذلك أيضًا قوله تعالى (ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما) وهذا أمرٌ لحفظ النفس ووقايتها من كل ضرر ومن ذلك أيضًا قوله تعالى (وإن كنتم مرضى أو على سفر فجاء أحدٌ منكم من الغائط أو لامستم النساء فلم تجدوا ماءً فتيمموا صعيدًا طيبًا فامسحوا بوجوهكم وأيديكم منه) فأمر بالتيمم في هذه الحال خوفًا من الضرر أو استمرار الضرر بالمرض الذي يخشى من استعمال الماء فيه ومن ذلك قوله تعالى في آية الصيام (وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والسنة في ذلك أيضًا كثيرة منها قوله ﷺ لعبد الله بن عمرو بن العاص (إن لنفسك عليك حقا وإن لربك عليك حقا وإن لأهلك عليك حقا) ومن ذلك أيضًا تأنيبه الذين قال بعضهم أصوم ولا أفطر وقال الثاني أقوم ولا أنام وقال الثالث لا أتزوج النساء فقال ﷺ (أنا أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء فمن رغب عن سنتي فليس مني) والخلاصة أن هذه الشريعة الكاملة جاءت بتحصيل المصالح أو تكميلها وبدرء المفاسد أو تقليلها. ***
الأخ السائل س ص ع من الرياض يقول أرجو تفسير هذه العبارة الضرورات تبيح المحظورات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى هذه العبارة أن الإنسان إذا اضطر إلى شيء من المحرم على وجه تندفع به الضرورة صار هذا المحرم مباحًا مثال ذلك رجل في مخمصة أي في جوع شديد وليس عنده إلا ميتة فإن أكل الميتة سَلِمَ من الهلاك وإن لم يأكل هلك فهنا نقول يحل له أن يأكل الميتة، لأنه في ضرورة. كذلك لو لم يكن عنده إلا لحم خنزير وهو جائع جوعا شديدا فإن أكل من لحمه بقي وإن لم يأكل هلك فنقول له هذا جائز لأن الضرورات تبيح المحظورات وأما فيما يتعلق بالدواء فإن بعض الناس يظن أن هذه العبارة يدخل فيها الدواء وأن الإنسان يجوز أن يتداوى بمحرم إذا اضطر إليه كما زعم وهذا غلط لأن الدواء لا تندفع به الضرورة يقينا ولأنه قد يستغني عنه فيشفى المريض بدون دواء، أما الأول فكم من إنسان تداوى بدواء نافع ولكنه لم يستفد منه وأما الثاني فكم من إنسان ترك الدواء وشفاه الله بدون دواء. ***
كيف نحكم على نواهي النبي ﷺ بأنها نواهي تحريم أو نواهي كراهية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا أيضًا موضع خلاف بين الأصوليين هل النهي للتحريم أو للكراهة فمنهم من يرى أنه للتحريم ومنهم من يرى أنه للكراهة ومنهم من فصل في ذلك فقال إن كان النهي يتعلق بالعبادات فهو للتحريم وإن كان النهي يتعلق بالآداب فهو للكراهة وليس هناك في الواقع ضابطٌ شامل لكل نهيٍ يرد عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأنك يمر بك مناهٍ حملها العلماء على الكراهة ومناهٍ أخرى حملها العلماء على التحريم وعلى هذا فينظر الإنسان في كل نهيٍ بعينه هل هذا النهي يقتضي التحريم بمقتضى قواعد الشريعة أو يقتضي الكراهة بمقتضى قواعد الشريعة وخلاصة الجواب أن نقول للعلماء في مقتضى النهي ثلاثة أقوال: القول الأول أنه التحريم مطلقا وعلى هذا من صرف نهيًا لغير التحريم طولب بالدليل. والقول الثاني أنه للكراهة مطلقا وعلى هذا فمن صرف نهيًا للتحريم طولب بالدليل. والقول الثالث التفصيل فإن كان النهي فيما يتعلق بالآداب والأخلاق فهو للكراهة وإذا كان فيما يتعلق بالعبادات فهو للتحريم. ***
بعض الناس يقولون بأن الواجب موجود فقط في القرآن وأن ما قاله الرسول سنة فقط ليست إلزامية فماذا نرد على مثل هؤلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني يقولون إن الأوامر التي في القرآن على الوجوب والتي في السنة على الاستحباب نقول هؤلاء أخطؤوا خطأ كبير لأن ما جاءت به السنة كالذي جاء به القرآن قال الله ﵎ (مَنْ يُطِعْ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَمَنْ تَوَلَّى فَمَا أَرْسَلْنَاكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظًا) وقال تعالى (وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا) وقال تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ) بل إن ما جاءت به السنة جاء في القرآن لأن الله أمرنا أن نطيع الله ورسوله فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) وقال تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) ولا فرق بين السنة والكتاب في هذه الأمور نعم يفرق بين السنة والكتاب في الثبوت فالقرآن ثابت بالنقل المتواتر والسنة منها المتواتر ومنها الصحيح ومنها الحسن ومنها الضعيف ومنها الموضوع المكذوب على الرسول ﵊ فيتثبت فيها وأما إذا ثبتت عن الرسول ﵊ فما ثبت عن الرسول فهو كالذي جاء في القرآن. ***
هناك بعض الأمور التي سنها الرسول ﷺ ولم يؤكد عليها فهل يجوز لنا العمل بها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما لم يسنه الرسول ﵊ فإنه بدعة وقد حذر النبي ﵊ من البدع بل قال الرسول ﵊ (كل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار) وأما ما سنه ولم يؤكده فإنه إذا ثبت أنه من سنته ﵊ كان من سنته وكان في المرتبة التي تليق به وإن كان مؤكدًا صارت سنة مؤكدة وإن كان دون ذلك صارت سنة غير مؤكدة ومثال السنة غير المؤكدة قوله ﷺ (صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب صلوا قبل المغرب وقال في الثالثة لمن شاء كراهية أن يتخذها الناس سنة) أي أن يتخذها الناس سنة مؤكدة راتبة فالخلاصة أن ما لم يسنه الرسول ﵊ فهو بدعة ولا يجوز لأحد أن يتعبد لله به وما سنه وما لم يؤكده كان سنة ثم ثبت الذي جعله الشارع فيها وما سنه وأكده فإنه قد يكون واجبًا وقد يكون سنة مؤكدة حسب ما تقضيه النصوص الشرعية. ***
نسمع من العلماء عبارة العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب ما معنى ذلك وما الدليل عليها جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: معنى ذلك أنه إذا ورد النص على سبب خاص فإن العبرة بعمومه ومثال ذلك قوله تعالى (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ) ثم قال (الَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْكُمْ مِنْ نِسَائِهِمْ مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ) ثم قال (وَالَّذِينَ يُظَاهِرُونَ مِنْ نِسَائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا قَالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسَّا) فهنا سبب نزول هذه الآيات أن رجلًا ظاهر من امرأته وجاءت المرأة تشتكي إلى رسول ﷺ وهو في حجرته عند عائشة فنزلت الآيات فالسبب خاص والحكم عام وفي هذه القصة قالت عائشة ﵂ (الحمد لله الذي وسع سمعه الأصوات والله إني لفي الحجرة وإنه ليخفى عليَّ بعض حديثها) تقول ﵂ (الحمد لله) وهذا ثناء على الله ﷿ ووصف له بالكمال أن وسع صوت هذه المرأة من فوق سبع سماوات وعائشة ﵂ في نفس الحجرة ويخفى عليها بعض حديثها وهذا حق أن الله تعالى يسمع السر وأخفى، وإذا آمن الرجل بذلك فإنه بلا شك سوف يقيم لسانه وسوف لا يتكلم إلا بما يرضي الرب ﷿ وبما أذن فيه لأنه يعلم أن كل كلمة يقولها فإن الله تعالى يسمعها فوق سبع سماوات وحينئذ يجب التحرز من إطلاق قول اللسان فلقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لمعاذ بن جبل (أفلا أخبرك بملاك ذلك كله - بعد أن ذكر له أشياء من شرائع الإسلام - قال: قلت بلى يا رسول الله. فأخذ بلسان نفسه، وقال: كف عليك هذا. فقال معاذ: يا رسول الله أئنا لمؤاخذون بما نتكلم به قال: ثكلت أمك يا معاذ وهل يكب الناس في النار على وجوههم-أو قال- على مناخرهم إلا حصائد ألسنتهم) فليحذر اللبيب العاقل المؤمن من إطلاق لسانه فكم من كلمة أوجبت لصاحبها النار والعياذ بالله وكم من كلمة أدخلت الجنة يتكلم الرجل بالكلمة مما يرضي الله ﷿ فيرتقي بها إلى درجات العلى ويتكلم بالكلمة من غضب الله يهوي بها في النار ولعل السائل فهم الآن معنى قول العلماء العبرة بعموم اللفظ لا بخصوص السبب فإن آيتي الظِّهار شاملة لكل مَنْ ظاهر من امرأته. والظِّهار أن يقول الرجل لامرأته أنت عليَّ كظهر أمي وهذا يعني تحريمها التحريم المغلظ لأن ظَهْر الأم من أعظم وأغلظ المحرمات وقد قال الله تعالى في هذا الظهار (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا) فمنكر لأن الشرع لا يقره وزور لأنهم كذبوا فليست الزوجة كظهر الأم. ***
يقول بعض علماء الأصول من موانع اعتبار الدليل - مفهوم المخالفة- ولذلك يقدمون المنطوق من الآيات والأحاديث على المفهوم منها عند التعارض فهل لقاعدتهم هذه نص ينص عليها من الكتاب والسنة أم لا؟ وإذا لم يكن لها نص من الكتاب والسنة فما حكم هؤلاء في الإسلام لأنهم يرفضون بشدة حكم المفهوم من الآيات القرآنية والأحاديث النبوية إذا تعارض مع المنطوق فمثلًا يرفضون حكم ما تضمنته آية المائدة وهي قوله تعالى (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) بدعوى أنها مفهوم ويأخذون ما تضمنته آية الأنعام وهو قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كُنتُمْ بِآيَاتِهِ مُؤْمِنِينَ) ويحتجون بهذه الآيات ونحوها بتحليل ذبحية كل من في الأرض جميعًا إذا ذكر الله عند ذبح الذبيحة وإن كان الذابح وثنيًا أو مرتدًا أجيبونا بارك الله فيكم عن هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القاعدة التي ذكرها أهل الأصول في أن دلالة المنطوق أقوى من دلالة المفهوم ظاهرة جدًا لأن دلالة المنطوق واضحة في محلِّ النطق أما دلالة المفهوم فإن اللفظ يدل عليها لا في محلِّ النطق وما دل عليه اللفظ في محل النطق فإنه أولى ولأنّ دلالة المفهوم قد تكون غير مرادة وقد تصدق ببعض الصور دون بعض بخلاف دلالة المنطوق فإنها دالّة على كل صورها دلالة مطابقة ودلالة تضمّن ودلالة إلتزام وأما ما ذكره السائل من التمثيل بآية المائدة مع آية الأنعام فإنه لا ريب أن غير أهل الكتاب لا تحل ذبيحتهم لأن الله تعالى خصّص ذلك بقوله (وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ) وهذا القيد ليس من باب اللقب كما قاله بعضهم وإنما هو من قيد الوصف إذ أن صلة الموصول بمنزلة الوصف فأنت إذا قلت يعجبني الذي فهم فهو بمنزلة قولك يعجبني الفاهم والفاهم وصف وله مفهوم يعلّق به الحكم فطعام الذين أوتوا الكتاب هو كقولك طعام المؤتَيْن الكتاب وهذا وصف وليس لقبًا كما ادعاه بعضهم وبناءً على ذلك تكون دلالة المنطوق فيه ظاهرة ودلالة المفهوم فيه ظاهرة لأن الحكم إذا عُلِّق على وصف ثبت بوجوده وانتفى بانتفائه فيكون منطوق الآية طعام الذين أوتوا الكتاب حلٌّ وطعام غير الذين أوتوا الكتاب ليس بحلّ وبهذا يكون قوله تعالى (فَكُلُوا مِمَّا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ) أي مما ذبحه من هو أهل للذبح وهو المسلم والكتابي من اليهود والنصارى هذا هو القول الراجح الذي عليه جمهور أهل العلم. ***
نقرأ كثيرًا في كتب التفاسير عن الحرف الزائد في القرآن مثل ليس كمثله شيء وهو السميع البصير فيقولون بأن الكاف زائدة قال لي أحد الإخوة ليس في القرآن شيء اسمه زائد أو ناقص أو مجاز فإن كان الأمر كذلك فما القول في قوله تعالى (واسأل القرية) (وأشربوا في قلوبهم العجل) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن القرآن ليس فيه شيء زائد إذا أردنا بالزائد ما لا فائدة فيه فإنّ كل حرف في القرآن فيه فائدة أما إذا أردنا بالزائد ما لو حذف لاستقام الكلام بدونه فهذا موجود في القرآن ولكن وجوده يكون أفصح وأبلغ وذلك مثل قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) فالباء هنا نقول إنها زائدة في الإعراب ولو لم تكن موجودة في الكلام لاستقام الكلام بدونها ولكن وجودها فيه فائدة وهو زيادة تأكيد نفي أي نفي أن يكون الله ظالمًا للعباد وهكذا جميع حروف الزيادة ذكر أهل البلاغة أنها تفيد التوكيد في أي كلام كانت ولهذا نقول إنها أي الباء في مثل قوله تعالى (وَمَا رَبُّكَ بِظَلاَّمٍ لِلْعَبِيدِ) أو الكاف في قوله تعالى (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ) نقول إنها زائدة كيف نقول زائدة أي بمعنى أنها لو حذفت لاستقام الكلام بدونها ولكنها مفيدة معنىً ازداد بها الكلام بلاغة وهو التوكيد وأما قوله ليس في القرآن مجاز فنعم ليس في القرآن مجاز وذلك لأن من أبرز علامات المجاز كما ذكره أهل البلاغة صحة نفيه وليس في القرآن شيء يصح نفيه وتفسير هذه الجملة أن من أبرز علامات المجاز صحة نفيه أنك لو قلت رأيت أسدًا يحمل سيفًا بتارًا فكلمة أسد هنا يراد بها الرجل الشجاع ولو نفيتها عن هذا الرجل الشجاع وقلت هذا ليس بأسد لكان نفيك صحيحًا فإن هذا الرجل ليس بأسد حقًا فإذا قلنا إن في القرآن مجازًا استلزم ذلك أن في القرآن ما يجوز نفيه ورفعه ومعلوم أنه لا يجرؤ أحد على أن يقول إن في القرآن شيء يصح نفيه وبذلك علم أنه ليس في القرآن مجاز بل إن اللغة العربية الفصحى كلها ليس فيها مجاز كما حقق ذلك شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم وأطنب في الكلام على هذه المسألة شيخ الإسلام في الإيمان وابن القيم في الصواعق المرسلة فمن أحب أن يراجعهما فليفعل وأما قوله تعالى (وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا) ما الذي يفهم السامع من هذا الخطاب سيكون الجواب يفهم منه أن المسؤول أهل القرية كلها ولا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن نسأل القرية التي هي مجتمع القوم ومساكنهم أبدًا بل بمجرد ما يقول اسأل القرية ينصب الفهم والذهن أن المراد اسأل أهل القرية وعبر بالقرية عنهم كأنهم يقولون اسأل كل من فيها وكذلك قولهم أشربوا في قلوبهم العجل فإنه لا يمكن لأي عاقل أن يفهم من هذا الخطاب أن العجل نفسه صار في القلب وإنما يفهم منه أن حب هذا العجل أشرب في القلوب حتى كأن العجل نفسه حل في قلوبهم وهذا فيه من المبالغة ما هو ظاهر أعني في مبالغة هؤلاء في حبهم للعجل والأمر هذا ظاهر جدًا فكل ما يفهم من ظاهر الكلام فهو حقيقته فلتفهم هذا أيها الأخ الكريم أن كل ما يفيده ظاهر الكلام فهو حقيقته ويختلف ذلك باختلاف السياق والقرائن فكلمة القرية مثلًا استعلمت في موضع نعلم أن المراد بها أهل القرية واستعملت في موضع نعلم أن المراد بها القرية التي هي مساكن القوم ففي قوله تعالى (فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا وَهِيَ ظَالِمَةٌ) لاشك أن المراد بذلك أهل القرية لأن القرية نفسها وهي المساكن لا توصف بالظلم وفي قوله تعالى (إِنَّا مُهْلِكُواْ أَهْلِ هَذِهِ الْقَرْيَةِ) لا شك أن المراد بالقرية هنا المساكن ولذلك أضيفت لها أهل فتأمل الآن أن القرية جاءت في سياق لا يفهم السامع منها أن المراد بها أهل القرية وجاءت في سياق آخر لا يفهم السامع منها إلا المساكن مساكن القوم وكل ما يتبادر من الكلام فإنه ظاهره وحقيقته وبهذا يندفع عنا ضلال كثير حصل بتأويل بل بتحريف الكلم عن مواضعه بادعاء المجاز فما ذهب أهل البدع في نفيهم لصفات الله ﷿ جميعها أو أكثرها بل بنفيهم حتى الأسماء إلا بهذا السلّم الذي هو المجاز. ***
ح. س. س. من الظهران يقول ما المقصود بقاعدة الاستصحاب ومتى يؤخذ بها وهل يلزمني الأخذ بها أم أنا مخير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بقاعدة الاستصحاب البناء على الأصل لأن الأصل الثابت يجب استصحابه إلا بدليلٍ يرفعه فمثلًا لو توضأ إنسان ثم طرأ عليه شك هل أحدث أم لا فإنه لا يلتفت إلى هذا الشك استصحابًا للأصل الذي هو الوضوء ولو أحدث الإنسان ثم أراد الصلاة وشك هل توضأ بعد حدثه أو لا فإنه يجب عليه استصحابًا للأصل وهو الحدث وهذه القاعدة لها أصل في قول رسول الله ﷺ حين سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة فقال (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فإن هذا استصحابٌ للأصل وهو بقاء الوضوء حتى يتبين زواله ولها أي لهذه القاعدة أدلةٌ كثيرة يعرفها المتأمل في كتاب الله وسنة رسوله ﷺ. ***
تقول السائلة هل يحتج بالقاعدة التي تقول المعروف عرفا كالمشروط شرطا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المطرد عرفا كالمشروط وبعضهم يعبر عن هذه القاعدة بقوله الشرط العرفي كالشرط اللفظي وهذه القاعدة قد أحال الله تعالى عليها في الكتاب العزيز فقال جل وعلا (وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) وقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في النساء (لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ) فما كان العرف فيه مطردا لا يتبادر إلى الأذهان إلا ما كان عليه الناس فهو كالمشروط لفظًا يجب الوفاء به إذا كان شرطا إذا كان يثبت حقا على أحد فإنه يجب على من هو عليه الحق أن يوفي به. ***
ما المراد بتعبير بعض العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تعبير العلماء بقولهم هذا معلوم بالضرورة من الدين يعني أن الدين الإسلامي جاء به ضرورة لابد أن يأتي به فمثلا وجوب الصلوات الخمس معلوم بالضرورة من الدين تحريم الخمر بعد أن حرمت كذلك فالشيء الذي لا يمكن لأحد من المسلمين جهله هو المعلوم بالضرورة من الدين. ***
ما المراد بقاعدة المشقة تجلب التيسير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الكلمة فيها شيء من النظر لكن لو قيل اليسر مع المشقة لكان أولى كما قال ﷿ (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والمعنى أن الإنسان إذا شق عليه القيام بالواجب فإنه يعفى عنه كما في قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لعمران بن الحصين (صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنب) وقال ﷿ في الصيام (فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمْ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . ***
سيد حسن سيد يوسف من العراق محافظة قضاء زاهون ناحية العلا يقول من المجتهد وما هي شروط الاجتهاد وهل يكفي للعالم مثلا أن يدعي الاجتهاد بمجرد مطالعته للكتب واستنباط ما يحتاجه منها أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المجتهد هو من بذل جهده أي طاقته للوصول لمعرفة الحكم الشرعي بدليله فإذا كان عند الإنسان علم بمدلولات الألفاظ وعلم بأدلة الكتاب والسنة وما فيها من عموم وخصوص وإطلاق وتقييد وناسخ ومنسوخ وكان لديه أيضا اطلاع بما قاله أهل العلم ومدارك علومهم فإنه يمكنه أن يكون مجتهدًا فيما يبذل جهده فيه للوصول إلى معرفة الحق والاجتهاد يمكن أن يتجزأ فيكون في باب من أبواب العلم كباب الطهارة مثلًا أو باب الصلاة أو باب الزكاة أو باب الصوم أو باب الحج ويمكن أن يكون في مسألة من مسائل العلم كمسألة في كتاب الطهارة أو في كتاب الصلاة أو في كتاب الزكاة أو في كتاب الصيام أو في كتاب الحج أو في النكاح أو غير ذلك مما يمكن للإنسان أن يبذل فيه جهدًا ويطلع على الأدلة وعلى مدارك العلماء ومآخذهم حتى يصبح عنده ملكة يستطيع بها أن يرجح بين هذه الأقوال فيما توصل إليه من البحث والقول بأن باب الاجتهاد قد أغلق قول ليس على إطلاقه بل إن الاجتهاد كما قلت يمكن إن يتجزأ في باب أو في مسألة من مسائل العلم ولا يمكن أن نهجر الاستدلال بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ مع أن الكتاب والسنة باقيان والحمد لله بأيدينا إلى اليوم فلا يمكن أن نقول للناس لا تأخذوا أحكام دينكم من كتاب الله ولا من سنة رسوله ﷺ ولكن خذوه مما كتبه أهل العلم الذي قد يكون ما كتبوه خطأ وقد يكون صوابًا والإنسان إنما يكلف بحسب ما يستطيع ولكن مع ذلك لا أرى أن كل إنسان يمكنه أن يأخذ الحكم من الكتاب والسنة بحيث إذا رأى نصًا أخذ به مع احتمال أن يكون له تقييد أو تخصيص أو نسخ في مكان آخر بل على الإنسان أن يبقى ويتمهل وينظر ويحرر ويحقق حتى يتبين له الحق. ***
المهندس أبو محمد س. م. من إيران طهران بعث برسالة يقول نقرأ في بعض الكتب أن لأحمد بن حنبل في المسألة الفلانية قولين أو ثلاثة فلا أدري هل يعني ذلك أن هذه الأقوال هي عدة آراء رآها الإمام أحمد ولم يترجح عنده أحدها أم أنها آراء قد نسخ اللاحق منها السابق أم ماذا نرجو بيان ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بيان ذلك أن العلماء الكبار المجتهدين قد تختلف اجتهاداتهم من آنٍ إلى آخر بحسب ما يبلغهم من العلم والإنسان بشر وطاقةٌ محدودة قد يكون عنده في هذا الوقت علمٌ ثم يتبين له أن الأمر بخلافه في وقتٍ آخر إما بسبب البحث ومراجعة الكتب وإما بالمناقشة فإن الإنسان قد يركن إلى قولٍ من الأقوال ولا يظن أن هناك معارضًا له ثم بالمناقشة معه يتبين له أن الصواب في خلافه فيرجع والحاصل أن الإمام أحمد إذا روي عنده في مسألةٍ أقوال متعددة فإن معنى ذلك أنه ﵀ يتطلع في القول الثاني على أمرٍ لم يطلع عليه في الأمر الأول فيقول به ثم هل نقول إن هذه الآراء باقية أو نقول إن آخرها نسخ أولها؟ نقول إن هذه الآراء باقية وذلك لأن هذه الآراء صادرةٌ عن اجتهاد والاجتهاد لا ينقل باجتهادٍ مثله فقد يكون الصواب في قوله الأول مثلًا فتبقى هذه الأقوال اللهم إلا إذا صرح برجوعه عن القول الأول مثل قوله ﵀ كنت أقول بطلاق السكران حتى تبينته فتبينت أنني إذا قلت بوقوع الطلاق أتيت خصلتين حرمتها على زوجها الأول وأحللتها إلى زوجٍ آخر وإذا قلت وإذا قلت بعدم الطلاق أتيت خصلةً واحدة أحللتها للزوج الأول فهذا صريحٌ في أنه رجع عن القول الأول فيؤخذ بالقول الثاني أما إذا لم يصرح فإن القولين كلاهما ينسب إليه ولا يكون الثاني ناسخًا وربما يقال إنه إذا أيد القول الثاني بنص واستدل له فإنه يعتبر رجوعًا عن القول الأول لأن النص واجب الإتباع فإذا قيل بهذا فله وجه وحينئذٍ يكون قوله الثاني هو مذهبه والله أعلم ***
عبد الله يقول بعض الأخوة يقول بأنه لا تجوز المذهبية أي تقليد أحد المذاهب الأربعة وإنما العمل بالدليل لكن ذلك يجعلني أتساءل دائمًا لقد كانت منابع هؤلاء الأئمة الكتاب والسنة والسؤال هل يجوز تقليد أي مذهب من المذاهب الأربعة دون التعصب لها مع العلم أني لست عالمًا ولا طالب علم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان لا يستطيع أن يستخرج الحكم بنفسه من الكتاب والسنة فما عليه إلا التقليد لقول الله ﵎ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ومن المعلوم أن العامي لا يمكن أن يستخلص الحكم من الأدلة لأنه عامي فما عليه إلا أن يقلد وفي هذه الحال يجب عليه أن يقلد من يرى أنه أقرب إلى الصواب لسعة علمه وقوة دينه وأمانته ولا يحل لإنسان أن يقلد على وجه التشهي بمعنى أنه إذا رأى القول السهل الميسر تبعه سواءٌ كان من فلان أو من فلان فهذا ربما يقلد عشرة أشخاص في يومٍ واحد حسبما يقتضيه مزاجه والواجب إتباع من يرى أنه أقرب إلى الصواب لعلمه وأمانته أما التزام التمذهب بمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه على كل حال فهذا ليس بجائز وذلك لأنه فيه طاعة غير الله ورسوله على وجه الإطلاق ولا أحد تجب طاعته والعمل بقوله على وجه الإطلاق إلا الله ﷿ ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
من باكستان يقول ما هو التقليد وما هو الاجتهاد وهل التقليد كان موجودًا في زمن الصحابة والتابعين فيقلد بعضهم بعضا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الاجتهاد هو بذل الجهد في الوصول إلى حكمٍ شرعي من الأدلة الشرعية الكتاب والسنة والإجماع والقياس الصحيح هذا هو الاجتهاد ومن المعلوم أنه لا يصلح للاجتهاد إلا من كان عارفًا بطرقه وعنده علم ودراية حتى يتمكن من الوصول إلى استنباط الأحكام من أدلتها التي أشرت إليها وأما التقليد فهو الأخذ بقول مجتهد من غير معرفة دليله بل يقلده ثقةً بقوله والتقليد في الواقع حاصلٌ من عهد الصحابة ﵃ فإن الله تعالى يقول (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ولا شك أن من الناس في عهد الصحابة ﵃ وإلى عهدنا هذا من لا يستطيع الوصول إلى الحكم بنفسه لجهله وقصوره ووظيفة هذا أن يسأل أهل العلم وسؤال أهل العلم يستلزم الأخذ بما قالوا والأخذ بما قالوا هو التقليد وعلى هذا فنقول من لا يتمكن من الوصول إلى الحق بنفسه فليتمكن من الوصول إليه بتقليد غيره من أهل العلم الذين أمر بسؤالهم إذا لم يكن عالمًا ولكن إذا سألنا سائل من أقلد فالجواب أن الواجب أن تقلد من تراه أقرب إلى الحق لأن أهل العلم كالأطباء فهم أطباء القلوب وإذا كان الواحد منا إذا مرض وكان في البلد أطباء كثيرون فإنه سوف يختار من كان أحذق وأعرف بالطب والأدوية والعلاج ولا يمكن لأحد أن يذهب إلى طبيبٍ قاصر مع وجود من هو أحذق منه إلا عند الضرورة كذلك في التقليد اختر من تراه أقرب إلى الحق لكونه أعلم وأتقى لله ﷿ وفي هذه الحال تكون قد امتثلت أمر الله تعالى في قوله (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) . ***
علي إبراهيم من الرياض يقول ما هي شروط الاجتهاد ومن هو المقلد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما شروط الاجتهاد فإن العلماء مختلفون فيها لكن لا بد من أن يكون الإنسان لديه اطلاع على الأدلة الشرعية وعلى مواقع النزاع بين أهل العلم وأن يكون لديه ملكة يستطيع بها أن يرجح الراجح ويزيف المرجوح والاجتهاد قد يتجزأ بمعنى أنه قد يكون الإنسان مجتهدًا في باب من أبواب العلم دون غيره أو في مسألة من مسائل العلم دون غيرها فقد يكون الإنسان لديه اجتهاد في كتاب الطهارة مثلًا يحرره ويحققه وينظر آراء العلماء وينظر الأدلة ويخلص من هذا إلى أن يستطيع الترجيح بين الأقوال حسب القواعد المعروفة عند أهل العلم وقد يكون مجتهدًا في مسألة من مسائل الطهارة مثلًا كالوضوء ولكنه في غيره ذلك لا يستطيع الاجتهاد وأما المقلد فهو الذي ليس عنده علم وإنما يأخذ العلم من غيره تقليدًا كقوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) وقد أجمع العلماء كما ذكره عبد البر ﵀ على أن المقلد لا يعد من أهل العلم مهما بلغ في التقليد ومهما بلغ من الاطلاع على كتب من قلدهم لأنه في الحقيقة إن تكلم فهو ناقل عن غيره وإن رجع إلى كتب من قلدهم فهو تابع لغيره فليس من العلماء ولهذا لا يجوز للإنسان أن يستفتي شخصًا مقلدًا مع أنه يمكنه أن يستفتي من لديه اجتهاد ثم المقلد إذا دعت الضرورة إلى استفتائه فإنه لا يفتي بالشيء مضيفًا له إلى نفسه بل يقول قال فلان كذا أو قال فلان كذا أو قال الحنابلة كذا أو الشافعية كذا أو ما أشبه ذلك ممن يفتي بتقليدهم أو من يفتي بناء على تقليدهم. ***
هل هناك شروط للمجتهد أو للاجتهاد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العلماء ذكروا للاجتهاد شروطًا أهمها أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة علمٌ بأدلة الشرع وملكةٌ يتمكن بها من استنباط الأحكام من أدلتها لأن من ليس عنده علمٌ من الشرع كيف يكون مجتهدًا في شيء لا علم له فيه ومن عنده علم لكن ليس عنده ملكة يتمكن بها من استنباط الأحكام صار كمن بيده سيف لكن لا يعرف أن يقتل به فلا بد من أن يكون عند الإنسان علمٌ وملكة فإذا كان عند الإنسان علمٌ وملكة صار من أهل الاجتهاد ولا فرق بين أن يكون مجتهدًا اجتهادًا عامًا أو اجتهادًا خاصًا فإن بعض الناس قد يكون مجتهدًا في مسألةٍ معينة يعلم أدلتها ويتمكن من التطبيق على هذه الأدلة ولكنه في مسائل أخرى جاهل بمنزلة الأمي فيوجد من طلبة العلم من يكون عنده علمٌ في مسائل العبادات يمكن أن يجتهد به ولكن في المعاملات ليس عنده علم أو يكون عنده علم في المعاملات العقدية كالبيوع والإيجارة والرهن والوقف وما أشبه ذلك وليس عنده علم في مسائل المواريث والفرائض فعلى كل حال قد يتجزأ الاجتهاد فيكون الإنسان مجتهدًا في مسألةٍ أو بابٍ من أبواب العلم دون المسائل الأخرى. ***
أبو ساطع الحديثي من العراق محافظة الأنبار يقول إن هناك عدة مذاهب في الإسلام منها المذهب الشافعي والمذهب الحنبلي والمذهب الحنفي والمذهب المالكي ويقال إنه في بعض مذاهب أخرى هل تلك المذاهب كانت موجودة في زمن الرسول ﷺ فأجاب رحمه الله تعالى: ليست هذه المذاهب موجودة في عهد النبي ﷺ وهذه المذاهب في الحقيقة ما هي إلا آراء اجتهادية من أئمتها ﵏ وهم مع ذلك مجمعون قاطبة على أنه متى تبين الدليل فإن الواجب إتباعه وطرح آراءهم خلافًا للمتعصبين لهم الذين يجعلون أقوال هؤلاء الأئمة بمنزلة النصوص الشرعية التي لا تجوز مخالفتها والتي يعتبرون مخالفتها منكرًا وهذا حرام عليهم ولا يجوز لهم فكل من تبين له الدليل واستبانت له السنة فإنه يحرم عليه أن يقدم عليها قول أحد كائنًا من كان حتى ولو كان أبا بكر وعمر وعثمان وعليًا ﵃ أجمعين فإن الواجب بإجماع أهل العلم على من استبانت له السنة أن يتبعها على أي مذهب كان وبهذا نعرف أنه ينبغي لأهل العلم أن يكون أكبر همهم الدأب على البحث في مصادر السنة بل في مصادر الشريعة وهما الكتاب والسنة علمًا وفهمًا وتفهيمًا وعملًا حتى يرجع الناس إلى ما كان عليه السلف الصالح من الرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وحتى يحصل الاتفاق والائتلاف بينهم لأنه لا يمكن أن يحصل تمام الاتفاق والائتلاف مع وجود التنازع في الآراء والاختلاف حتى ولو كانت فقهية من الأمور التي يسمونها فرعية فإنه لابد أن يحصل تباين وتباعد بين المسلمين إذا تعصب كل منهم لما كان عليه إمامه مع أن الأئمة ﵏ وجزاهم خيرًا والمحققون من أتباعهم والعلماء كلهم يرون أنه لا يجوز لأحد تستبين له السنة أن يخالفها لأقوالهم. فضيلة الشيخ: أيضًا يقول في أي زمن ظهرت هذه ولماذا ظهرت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ظهرت هذه بعد انقراض العصر الأول من الصحابة ﵃ في القرن الثاني من قرون هذه الأمة أما ولماذا ظهرت فهذا السؤال لا يمكن الإجابة عليه لأن ظهورها لم تظهر لأجل أن تتبع ولكن الذين قالوا بها من الأئمة هذا هو اجتهادهم لكن صار لهم أتباع وطلاب أخذوا عنهم ثم نشروا هذه المذاهب وما زالت تتسع باتساع الأمة الإسلامية حتى كثر أتباعها غالب المسلمين انحصروا في هذه المذاهب الأربعة مع أن هناك مذاهب أخرى لها ما لهذه المذاهب وعليها ما على هذه المذاهب من التصويب والتخطئة لأن كل أحد يؤخذ من قوله ويترك إلا رسول الله ﷺ. ***
هل من الواجب على المسلم أن يعتنق مذهبًا معينًا من هذه المذاهب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يلزم أحدًا من المسلمين أن يعتنق مذهبًا من هذه المذاهب وإنما يجب عليه أن يعتنق ما دل عليه كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ولكنه إذا كان ليس أهلًا لذلك أي ليس أهلًا لأخذ الأحكام من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن عليه أن يسأل أهل العلم سواء كانوا منتمين إلى هذه المذاهب أم غير منتمين أن يسألهم ليعمل بما يقولون لقول الله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) فهذا الواجب عليه إذا كان لا يستطيع أن يصل إلى معرفة الحق بنفسه من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ فإن الواجب عليه أن يسأل من يثق به من أهل العلم. ***
ما حكم تقليد مذهب من المذاهب الأربعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينقسم الناس إلى أقسام بالنسبة لالتزام المذاهب فمن الناس من ينتسب إلى مذهبٍ معين لظنه أنه أقرب المذاهب إلى الصواب لكنه إذا تبين له الحق اتبعه وترك ما هو مقلدٌ له وهذا لا حرج فيه وقد فعله علماء كبار كشيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ بالنسبة لمذهب الإمام أحمد بن حنبل فإنه أعني ابن تيمية كان من أصحاب الإمام أحمد ويعد من الحنابلة ومع ذلك فإنه حسب ما اطلعنا عليه في كتبه وفتاويه إذا تبين له الدليل اتبعه ولا يبالي أن يخرج على ما كان عليه أصحاب المذهب وأمثاله كثير فهذا لا بأس به لأن الانتماء إلى المذهب ودراسة قواعده وأصوله يعين الإنسان على فهم الكتاب والسنة وعلى أن تكون أفكاره مرتبة. ومن الناس من هو متعصب لمذهبٍ معين يأخذ برخصه وعزائمه دون أن ينظر في الدليل بل دليله كتب أصحابه وإذا تبين الدليل على خلاف ما في كتب أصحابه ذهب يؤوله تأويلًا مرجوحًا من أجل أن يوافق مذهب أصحابه وهذا مذموم وفيه شبه من الذين قال الله فيهم (أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزِلَ مِنْ قَبْلِكَ يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ وَقَدْ أُمِرُوا أَنْ يَكْفُرُوا بِهِ وَيُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُضِلَّهُمْ ضَلالًا بَعِيدًا (٦٠) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ رَأَيْتَ الْمُنَافِقِينَ يَصُدُّونَ عَنْكَ صُدُودًا) وهم وإن لم يكونوا بهذه المنزلة لكن فيهم شبهٌ منهم وهم على خطرٍ عظيم لأنهم يوم القيامة سوف يقال لهم ماذا أجبتم المرسلين لا يقال ماذا أجبتم الكتاب الفلاني أو الكتاب الفلاني أو الإمام الفلاني. القسم الثالث من ليس عنده علم وهو عاميٌ محض فيتبع مذهبًا معينًا لأنه لا يستطيع أن يعرف الحق بنفسه وليس من أهل الاجتهاد أصلًا فهذا داخلٌ في قول الله ﷾ (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) ويتفرع على هذا السؤال سؤال آخر وهو إذا سأل العامي شيخًا من العلماء فأفتاه وسمع شيخًا آخر يقول خلاف ما أفتي به ممن يأخذ بقوله؟ يتحير العامي أيأخذ بقول هذا أو هذا وهو ليس عنده قدرة على أن يرجح أحد القولين بالدليل فيقال في جواب هذا السؤال لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها انظر ما يميل إليه قلبك من الأقوال واتبعه فإذا مال قلبك إلى قول فلان لكونه أعلم وأورع فاتبعه وإذا تساوى عندك الرجلان فقيل يؤخذ بأشدهما وأغلظهما احتياطًا وقيل يؤخذ بأيسرهما وأسهلهما لأنه الأقرب إلى قاعدة الشريعة والأصل براءة الذمة وقيل يخير والأقرب أنه يأخذ بالأيسر لقول الله تعالى (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمْ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمْ الْعُسْرَ) والأدلة متكافئة أو لأن المفتيين كلاهما في نظر السائل على حدٍ سواء. ***
هل العوام غير العالمين بالمذاهب ملزمون باتباع مذهب معين من المذاهب الأربعة وما هو المذهب الذي تحبذون اتباعه وجزاكم الله عنا خير الجزاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أنه لا يلزم أحدًا أن يتبع مذهبًا دون مذهب إلا مذهبًا واحدًا وهو مذهب رسول الله ﷺ وهؤلاء الأئمة الأربعة كلهم يريدون أن يتمسكوا بمذهب الرسول ﵊ ولكنهم بشر يخطئون ويصيبون ولا نرى أن واحد منهم يجب إتباع قوله إتباعًا مطلقًا بل نقول من تبين أن الصواب في قوله وجب اتباعه من أجل أنه صواب لا من أجل أنه قول فلان أو فلان هذا ما نراه في هذه المسألة. ***
ما حكم الإفتاء إذا علمت فتوى السؤال من شيخ من كبار العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإفتاء بقول بعض العلماء الذين تثق بهم، لا بأس به ولكن لتكون صيغة الإفتاء بقولك قال فلان كذا وكذا، إذا كنت متيقنًا من قوله ومن أن هذه الصورة التي سئلت عنها هي التي يقصدها هذا العالم، وأما أن تفتي به جزمًا فهذا لا ينبغي لأنك إذا أفتيت به جزمًا نسبت الفتوى إليك، وأما إذا نقلتها عن غيرك فأنت ناقل وتسلم من أن ينسب إليك ما لست أهلًا له فالإنسان المقلد ينبغي له أن ينسب القول إلى من قلده لا إلى نفسه بخلاف الذي يستدل على حكم المسألة من الكتاب والسنة وهو من أهل الاستدلال فلا بأس أن يفتي ناسبًا الشيء إلى نفسه. ***
حامد إبراهيم بالرياض يقول إذا أفتى الإنسان فتوى لأحدٍ من الناس ثم ذهب هذا المفتي وبعد حين من الزمن راجع هذا المفتي أقوال أهل العلم فوجد فتواه خطأ فماذا يعمل وهل عليه اثم نرجو الافادة بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت الفتوى الأولى عن اجتهاد وكان هو جديرًا بأن يجتهد ثم بعد البحث والمناقشة تبين له خطأ اجتهاده الأول فإنه لا شيء عليه وقد كان الإئمة الكبار يفعلون مثل هذا فتجد عن الواحد منهم في المسألة الواحدة عدة أقوال أما إذا كانت فتواه الأولى عن غير علم وعن غير اجتهاد ولكنه يظن ظنًا وبعض الظن اثم فإنه يحرم عليه أصلًا أن يفتي بمجرد الظن أو الخرص لأنه إذا فعل ذلك فقد قال على الله بلا علم والقول على الله بلا علم من أكبر الذنوب لقوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وعليه أن يبحث عن الذي استفتاه حتى يخبره بأن فتواه خطأ وغلط فإذا فعل هذا فأرجو أن يتوب الله عليه ومسألة الفتيا بغير علم مسألة خطيرة لأنه لا يضل بها المستفتي وحده بل ربما ينشرها المستفتى بين الناس ويضل بها فئام من الناس وهي خطأ وظلم. ***
ما هي الشروط التي يجب أن تتوفر في المفتي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الشروط في المفتي هي أن يكون مطلعًا على غالب أقوال أهل العلم ومطلعًا على الأدلة الشرعية في هذا الحكم الذي أفتى به وأما مجرد الظن والتقليد فإنه لا يفتى به لكن التقليد إذا كان ليس هناك مجتهد وليس بإمكان الإنسان أن يجتهد وهو من طلبة العلم الذين يعرفون ما كتبه العلماء فلا حرج عليه أن يفتي به للضرورة. ***
كنت أجلس في أحد المجالس وسمعت أختين لا أعرفهما تسأل إحداهما الأخرى عن حكم شرعي فأجابتها بأنها لا تعلم عن الحكم وكانت هذه المرأة قد سمعت حكم هذا الأمر من أحد العلماء في برنامج نور على الدرب فهل تقول أخبرها رغم أنها لم توجه لها السؤال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خلاصة هذا السؤال أن امرأة سألت أخرى عن حكم مسألة شرعية فقالت لا أدري وكان إلى جانبهما امرأة تعرف الحكم الشرعي فهل تخبر هذه السائلة مع أنها لم تسألها فالجواب نعم تخبرها لأنها محتاجة كما لو أن المرأة سألت أخرى درهما لتشتري به خبزا لها فقالت ليس معي شيء والأخرى معها الدرهم فتعطيها بل هذا أبلغ لأنه علم شرعي فتقول مثلا المرأة الثالثة إني سمعت في نور على الدرب أن هذه المسألة حكمها كذا وكذا وحينئذ تنتفع السائلة والمسئولة. ***
صالح سلمان من السودان يقول لقد شاع في هذا الزمان التسرع بالفتوى من غير علم ولا بصيرة فما حكم الشرع في نظركم في مثل هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم الشرع فيما نرى ويراه غيرنا من أهل العلم أنه لا يجوز التسرع في الفتوى بغير علم بل إن الفتوى بغير علم من أعظم الذنوب قرنها الله تعالى بالشرك في قوله تعالى (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فالمفتي معبر عن الله ﷿ ومعبر عن رسول الله ﷺ معبر عن الله لأنه يتكلم عن أحكام الله في عباد الله ومعبر عن رسول الله ﵌ لأن العلماء ورثة الأنبياء فإذا كان الأمر كذلك فيا ويله إن افترى على الله كذبا وعلى رسوله فليتحرز الإنسان من التسرع في الفتوى وليقتدي بالسلف الصالح حيث كانوا يتدافعونها كل منهم يدفعها إلى الأخر ليسلم من مسئوليتها وليعلم أن الإمامة في الدين لا تكون بمثل هذا بل إن الناس إذا رأوا المتسرع في الفتوى وعرفوا كثرة خطئه فإنهم سوف ينصرفون عنه ولا يثقون بفتواه وأما إذا كان رصينا متأنيًا لا يفتى إلا عن علم أو عن غلبة ظن فيما يكفى فيه غلبة ظن فإنه حين إذن يكون وقورا محترما بين الناس ويكون لكلامه اعتبار وقبول ***
المستمع من جمهورية مصر العربية رمز لاسمه بـ م ل م يقول هناك ممن ينتسبون إلى العلم يفتي بدون دليل فإن طولب بالدليل غضب وثار وقال هل أفني عمري في البحث عن الأدلة ومن العجب أنه علم تلاميذه ومريديه عبارة غريبة فحواها بأن العالم لا يسأل عن الدليل ما الحكم في مقولة هذا الذي ينتسب إلى العلم وما الحكم أيضًا في فتواه وأيضًا غضبه من طلب الدليل وما الحكم في مقولة تلاميذه ومريديه من أن العالم لا يسأل عن الدليل ثم ما الحكم في استفتاء من حاله كهذا أفيدونا في هذا الأمر الخطير جزاكم الله عنا خير الجزاء على أن تكون الإجابة مشفوعة بالأدلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أن ما ذكره السائل قد يوجد من بعض الناس ولاسيما من كان أكبر همه أن يكون ذا جاه بين العامة فإن من الناس من يفتي سواء كانت فتواه مستندة إلى دليل أم كانت فتواه مجرد تقليد لمن يعظمه من العلماء السابقين أو اللاحقين وقد ذكر ابن عبد البر ﵀ إجماع العلماء على أن المقلد لا يعد من العلماء لأن المقلد ليس إلا نسخة كتاب من مذهب من يقلده وليس من العلماء في شيء ولهذا أرى أن التقليد لا يجوز إلا عند الضرورة وقد شبه شيخ الإسلام بن تيميّة ﵀ التقليد بأكل الميتة يجوز عند الضرورة وأما مع القدرة على الدليل فإن التقليد لا يجوز وهذا مفهوم من قوله تعالى (فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ) أما حال هذا الرجل الذي إذا طلب منه الدليل غضب وقال كيف أفني عمري في طلب الدليل فإن هذا يدل على جهله وعلى جهالته أيضًا لأن الإنسان العالم ينبغي له أن يفرح إذا طلب منه السائل الدليل لأن طلب السائل للدليل إذا لم يكن المقصود به الإعنات والإشقاق يدل على محبة هذا السائل لكونه يبني عقيدته أو قوله أو عمله على أساس من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ليعبد الله على بصيرة فإن الحقيقة أن العلم معرفة الهدى بدليل والإنسان سوف يسأل يوم القيامة ماذا أجاب المرسلين كما قال الله تعالى (وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ) وليس يقال له ماذا أجبت فلانًا أو فلانًا من الناس سوى الرسل عليهم الصلاة والسلام ونصيحتي لهذا العالم أن يتق الله تعالى في نفسه وأن لا يفتي إلا بدليل من الكتاب والسنة اللهم إلا عند الضرورة وأن يحرص تلاميذه على طلب الدليل من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ ويمرنهم عليه وعلى استنباط الأحكام من أدلتها حتى ينفع الله به ونحن جربنا بأنفسنا فأحيانًا تمر بنا المسألة نطلبها فيما عندنا من كتب أهل العلم فلا نجد لها حكمًا ثم إذا رجعنا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وجدناها قريبة يتناولها اللفظ بعمومه أو بمفهومه أو بإشارته أو بلازمه أو غير ذلك من أنواع الدلالة المعروفة إما في القرآن وإما في السنة وهذا يدل على قصور بني آدم وأنه مهما بلغوا من الذكاء وتفنيد الأحكام على دلائلها فإنهم لم يحيطوا بما تتطلبه أحوال الخلق وما يجب عليهم لكن كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هما اللذان يحتويان ذلك كله ولكن هذا أيضًا يعتمد على قوة الفهم لكتاب الله وسنة رسوله ﷺ وقوة الفهم تكون هبة من الله ﷿ على العبد إما تفضلًا منه وإما بهداية الله له بممارسة الكتاب والسنة والتأمل فيهما والنظر في دلالاتهما ولهذا فإني أحث إخواني ولاسيما طلبة العلم أن يكون مرجعهم دائمًا إلى كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأن يستعينوا على فهمهما واستنباط الأحكام منهما بما كتبه أهل العلم الراسخون فيه من القواعد والضوابط التي تعين طالب العلم على استنباط الأحكام من أدلتها فإنه في الحقيقة لا غنى لطالب العلم عما كتبه السلف في كيفية استخراج الأحكام من أدلتها وأما قول هذا الشيخ أن العالم لا يطلب منه الدليل فهذا خطأ بل العالم حقًا هو الذي يعرض الدليل أولًا بقدر ما يستطيع وبحسب فهم السائل فإن لم يفعل وطلب منه الدليل فليكن منشرح الصدر في سؤال أو في طلب الدليل وليأتي بالدليل وكما أسلفت آنفًا أن تمرين الطلبة على استخراج الأحكام من أدلتها من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ هو بالحقيقة من أكبر الوسائل التي تعين على انتشار الأحكام واستخراج أحكام المسائل الجديدة التي لم تكن معروفة في سلفنا الصالح. ***
فضيلة الشيخ محمد حقيقة في حلقة سابقة استمعنا إلى سؤال عن أحد الأشخاص الذي أدى العمرة وقد أفتاه مجموعة من الإخوان ما بين فدية وقال آخر تحرم من التنعيم تسرع بعض الناس في الفتوى فضيلة الشيخ هل لكم تعليق عليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لنا تعليق على هذا وهو أنه يحرم على الإنسان أن يسارع في الفتية بغير علم لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْأِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ولقول الله ﵎ (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) ولقول الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْؤُولًا) وربما يدخل هذا في قول النبي ﷺ (من قال في القرآن برأيه فليتبوأ مقعده من النار) وفي الأثر (أجرؤكم على الفتية أجرؤكم على النار) وكان السلف ﵏ يتدافعون الفتيا كل منهم يحيلها على الآخر ولكن الذي يظهر لي أن هذا السائل لم يفته أحد من العلماء لكنه فتوى مجالس من العامة أي قال كل واحد منهم أظن أن عليك كذا أن عليك كذا ومع ذلك فإننا لا نعذره لأن الواجب عليه أن يسأل أهل العلم الذين هم أهل للإفتاء لكنني أحذر صغار الطلبة الذين يتسرعون في الإفتاء فتجد الواحد منهم يعرف دليلا في مسألة وقد يكون هذا الدليل عاما مخصوصا أو مطلقا مقيدا أو منسوخا غير محكم فيتسرع في الفتيا على ضوئه دون أن يراجع بقية الأدلة وهذا غلط محض يحصل فيه إضلال المسلمين عن دينهم ويحصل فيه البلبلة والإشكال حتى فيما يقوله العلماء الذين يفتون عن علم لأن هذا الإفتاء الذين حصل لهم بغير علم والذي فيه مخالفة الحق ربما يضعه الشيطان في قلوبهم موضع القبول فيحصل بذلك عندهم التباس وشك لهذا نقول لإخواننا إياكم والتسرع في الفتيا واحمدوا ربكم أنه لا يلزمكم أن تقولوا بشيء إلا عن علم أو عن بحث تصلون فيه على الأقل إلى غلبة في الظن وكم من مفسدة حصلت في الإفتاء بغير علم ربما يحصل بذلك إفطار في صوم أو قضاء صوم غير واجب أو ربما تصل إلى حد أكبر كما يرد علينا أمور كثيرة في هذا الباب والله المستعان. ***
أحسن الله إليكم من الأردن هذا شاب يقول أنا شاب في العشرين من عمري ترك والدي ﵀ مبلغا من المال فاشترى أخي الكبير بالمال أراضي وقام بتسجيل الأراضي التي قمنا بشرائها باسم الأخوة الذكور فقط وأضاف مبلغ عليه وأنا الآن أريد هذه الحصة نقدا ولا أريد هذه الأرض أفتونا يا فضيلة الشيخ في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نفتيه بأن نرده إلى الحاكم الشرعي هناك لأن مسائل الخصومة أو ما يقدر أن يكون فيها خصومة لا يجيب عنها المفتي وإذا أجاب عنها المفتي فقد يكون عند خصمه ما لم يذكره للمفتي هذه من جهة وقد يكون رأي المفتي غير رأي الحاكم في المسائل الخلافية لذلك ننصح إخواننا المفتين إذا عرضت عليهم أي مشكلة بين اثنين ألا يفتوا فيها لأن هذا ما فيه ألا جر النزاع وربما ترفع القضية للحاكم ويحكم الحاكم بغير ما أفتى به هذا المفتي فيتحدث الناس قال المفتي كذا وقال الحاكم كذا مع إنه قد يدلى عند الحاكم بحجة لم تذكر عند المفتي فنصيحتي لإخواني المفتيين سواء في السعودية أو غيرها ألا يفتوا بما فيه نزاع نعم لو فرض أن المستفتي سأل عن مسألة يكون الحق فيها عليه هو فهنا قد نقول إن للمفتي رخصة أن يفتي بها لأجل أن يقطع النزاع بين المستفتي وبين خصمه ويختصر الطريق أما إذا كانت المسألة محتملة أن تكون لهذا أو لهذا أو هي له على خصمه فهنا نقول لا تفتي وحوّلها إلى الحاكم وذمتك بريئة. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا السائل من الرياض أ. أ. يقول لدينا أحد الزملاء يفتي الزملاء في العمل في كل صغيرة وكبيرة ونعلم خطورة الفتوى بغير علم فحدثونا عن خطر ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المفتي في الأمور الشرعية معبر عن دين الله فلا يحل لأحد أن يفتي بغير علم فإن ذلك من كبائر الذنوب قال الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) وقال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقال تعالى (وَلا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمْ الْكَذِبَ هَذَا حَلالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لا يُفْلِحُونَ (١١٦) مَتَاعٌ قَلِيلٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) ومن أفتى بغير علم فقد وضع نفسه شريكًا مع الله ﷿ في تشريع الأحكام فنصيحتي لهذا الذي نصب نفسه مفتيًا في كل صغيرة وكبيرة أن يتوب إلى الله ﷿ وأن لا يفتي إلا بما علم أنه من شرع الله ﷿ أو غلب على ظنه أنه من شرع الله بعد الاجتهاد التام وقد اتخذ بعض الناس الفتوى حرفة يترفع بها على من أفتاه ويري الناس أنه ذو علم وهذا خطأ وسفه في العقل وضلالٌ في الدين وقد قال الله تعالى في كتابه (يَرْفَعْ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ) ولم يقل الذين يفتون، فعلى المرء أن يعرف قدر نفسه وأن يكل الأمر إلى أهله وأن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويذكر الوعيد فيمن قال على الله ما لا يعلم. ***
بارك الله فيكم هذا السائل أحمد حسين يقول إذا سئل المسلم عن شيءٍ يعرفه في أمور الدين وهو ليس متفقهًا في أمور الدين فهل يجب عليه أن يخبره بهذا الشيء وإذا كان المسئول يعمل هذا العمل فهل يحرم عليه أن يخبر غيره بهذا الشيء أم أنه يظل صامتًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سئل المسلم عن شيءٍ يعرفه من أمور الدين فإن عليه أن يجيب لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (بلغوا عني ولو آية) ولكن إذا قال له السائل مثلًا من أين علمت أن هذا حكمه كذا وكذا فليسنده إلى من سمعه منه من العلماء حتى يكون السائل مطمئنًا أما إذا كان لا يعلم فإنه لا يجوز له أن يخبره ولا عبرة لما يشتهر بين العامة فإن العامة قد يشتهر عندهم أن هذا الشيء جائز وهو ليس بجائز وقد يشتهر عندهم أن هذا ليس بجائز وهو جائز لكن إذا كان يعلم الحكم عن عالم من العلماء الموثوق بعلمهم فعليه أن يخبر به وإلا فإنه يجب عليه أن يتوقف لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) ولقوله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) . ***
سمعت من بعض الناس أن علماء آخر الزمان يتوسعون في الدين أي يبيحون كُلّ شيء بحيث إنهم يقولون إن رسول الله ﷺ يقول لا تأخذوا من علماء آخر الزمان فهم يضلونكم هل هذا حديث صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا الحديث الذي ذكرت لا أصل له وليس بصحيح وعلماء الضلال موجودون في أول هذه الأمة من بعد عصر القرون المفضلة إلى اليوم وإلى ما بعد اليوم والله أعلم وليس هذا خاصًا بآخر الزمان فقد ورد في صدر هذه الأمة بعد القرون المفضلة ورد علماء مضلون صاروا أئمة لمن بعدهم في الضلال والدعوة إلى الضلال والعياذ بالله وليس هذا خاصًا بآخر هذه الأمة وأما ما نسمعه من بعض كبار السن من إنكارهم ما يسمعون من العلم فإن هذا من جهلهم في الحقيقة وليس غريبًا أن يقع منهم مثل هذا الإنكار لأنهم جهلة ولو كان عندهم علم لكانوا يطلبون لما سمعوه من هذه العلوم يطلبون الدليل فإذا وجدوا الدليل علموا أن ما قيل ليس بجديد ولكن الذي جَّد هو سماع هؤلاء له ولا يلزم من تجدد سماع هؤلاء لما سمعوه من العلم أن يكون العلم جديدًا فالواجب على المسلم إذا سمع شيئًا ليس في معلومه من شريعة الله ﷾ الواجب عليه أن يبحث عن دليل هذا الذي سمع فإذا كان دليلًا صحيحًا وجب عليه القبول وإن لم يكن صحيحًا فله الحق في أن يرفض بل يجب عليه أن يرفض إذا كان يخالف دليلًا آخر أصح منه. فضيلة الشيخ: إذن نستطيع أن نقول أن انتشار العلم وكثرة العلماء والبحث هو الذي أدَّى إلى هذه المعرفة التي كانت خافية عليهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو هذا لكن في الحقيقة الذي يخشى منه الآن هو أن بعض الناس يتسرعون في الفتوى ولا يحققون ما يقولون وهذه هي المسألة الخطيرة جدًا لأننا نسمع هذا كثيرًا ونقرأه كثيرًا وينقل إلينا كثيرًا مسائل أفُتي فيها نعلم أن المفتي لو أنه بحث وفتش لوجد أن الصواب في خلاف ما أفتى به ولكنه لم يشأ أن يتكلف المشقة في طلب الحق فتجده يفتي بما يراه يقول أرى كذا وأرى كذا والعامة لا يميزون بين قوله أرى كذا وبين قوله هذا حكم الله فهم يرون أن من يعتقدونه عالمًا أنه إذا قال أرى كذا فمعناه أن هذا هو الشرع مع أن الأمر بخلافه والذي أنصح به إخواني ألا يتسرعوا فإن التسرع إلى الفتوى بدون بحث وتحقيق وعلم هو في الحقيقة مرض خطير ويجب على المرء أن يعلم بأنه إذا أفتى بحكم من أحكام الشريعة فإنما هو مبلغ عن شريعة الله ﷾ لخلقه وهو مسؤول عن ذلك فليحذر هذا الأمر العظيم. فضيلة الشيخ: إذن هناك سؤال لابد من طرحه مادمتم تفضلتم بهذا الحديث وهو هل يجوز للمفتى أن يقول أرى وهو يجد نصًا أو يجد فتوى سابقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان النص صريحًا فإنه لا يقول أرى إذا كان النص صريحًا يقول هذا حكم الله لقوله تعالى أو لقول النبي ﷺ وإذا كان النص غير صريح فلا حرج أن يقول أرى لأن الحديث ليس بصريح فيما يقول وقد يكون رأيه أو فهمه للحديث ليس بصحيح فحينئذٍ يقول هذا رأيي وأما الرأي المجرد الذي ليس له مستند فهذا لا يجوز الفتوى به مطلقًا لأنه لو قيل كذلك لكان من الذين يقولون في القرآن برأيهم لأن من قال في القرآن برأيه كما أنه لتفسير القرآن فهو أيضًا لبيان أحكام القرآن والشريعة فمجرد الرأي لا يجوز الفتوى به حتى يكون له مستند من نص أو إجماع أو قياس صحيح يكون به الرائي من أهل النظر والقياس والمعرفة. فضيلة الشيخ: بالنسبة للفتوى إذا كان هناك فتوى سابقة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كذلك بالنسبة للفتوى السابقة لا يجب عليه أن يلتزم بها لأن الفتوى السابقة يجوز عليها الخطأ كما يجوز على الفتوى اللاحقة وإنما يعتمد فيما يفتي إذا استطاع على الكتاب والسنة. ***
هل من توجيه لأولئك الذين يفتون دون علم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هناك توجيه واجب أن نوجه إخواننا الذين يتسرعون في الفتوى ونقول لهم إن الأمر خطير لأن المفتي يعبر عن شريعة الله فهل هو على استعداد إذا لاقى الله ﷿ وسأله عما أفتى به عباده من أين لك الدليل أمّا المفتي بلا علم ليس عنده دليل حتى لو أصاب فقد أخطأ لقول الله ﵎ (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) والقول على الله بلا علم يشمل القول عليه في ذاته أو أسمائه أو صفاته أو أحكامه وقال الله تعالى (وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُوْلَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا) وقال تعالى (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ) وفي الحديث (أجرأكم على الفتيا أجرؤكم على النار) وكان السلف ﵏ يتدافعون الفتيا حتى تصل إلى من يتعين عليه الإجابة وإني أقول لهؤلاء الذين يريدون أن يسبقوا إلى السؤدد والإمامة أقول لهم اصبروا فإن كان الله قد أراد بكم خيرا ورفعة حصلتم ذلك بالعلم وإن كانت الأخرى فإن جرأتكم على الفتيا بلا علم لا تزيدكم إلا ذلا بين العباد وخزيا يوم الميعاد وإني لأعجب من بعض الإخوة الذين أوتوا نصيبا قليلا من العلم أن يتصدروا للإفتاء وكأن الواحد منهم إمام من أئمة السلف حتى قيل لي عن بعضهم حين أفتى بمسألة شاذة ضعيفة إن الإمام أحمد بن حنبل يقول سوى ذلك فقال هذا المفتي لمن أورد عليه هذا الإيراد ومن أحمد بن حنبل أليس رجلا إنه رجل وإنا نحن رجال ولم يعلم الفرق بين رجولته التي ادعاها ورجولة الإمام احمد إمام أهل السنة ﵀ وأنا لست أقول إن الإمام أحمد قوله حجة لكن لا شك أن قوله أقرب إلى الصواب من قول هذا المفتي الذي سلك بنيات الطريق والله أعلم بالنيات. ***
هل من نصيحة إلى من يتصدر للفتيا من دون علم وقد يوقع غيره في الخطأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نصيحتنا لهذا وأمثاله الذين يفتون بغير علم أن يتقوا الله ﷿ وأن يعلموا بأنهم إذا أفتوا إنما يتكلمون عن الله ﷾ ويقولون على الله وقد حرم الله على عباده أن يقولوا عليه ما لا يعلمون وقرن ذلك بالشرك به فقال سبحانه (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّي الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لا تَعْلَمُونَ) فليحذر المؤمن من أن يكون واقعًا فيما حرمه الله عليه ولا يفتي إلا بعلم إن كان من أهل العلم فبما أعطاه الله من العلم وإن كان من العامة فبما سمعه وتيقنه من أهل العلم ومع هذا فإنه ينبغي للعامي أن يتحرز غاية التحرز إذا استفتى أحدًا من أهل العلم فإن بعض العامة يستفتون فيصورون الشيء بغير حقيقته فيفتون على ضوء ما سمعه المفتي ويحصل بذلك الخطأ العظيم وبعض العامة يصور الشيء على حقيقته ولكنه لا يفهم الجواب على حقيقته فيقع أيضًا في خطر عظيم فيضل ويضل الناس. ***
6 / 2
_________
فتاوى الطهارة
_________
Unknown page
المياه
7 / 1
أحسن الله إليكم ما هي أقسام المياه وما حكم الاغتسال من المياه الراكدة؟
فأجاب رحمه الله تعالى: المياه قسمان فقط لا ثالث لهما إما طهور وإما نجس فالنجس ما تغير بالنجاسة طعمه أو لونه أو ريحه والطهور ما عدا ذلك ويجوز الاغتسال بالماء الراكد لكن الأفضل ألا ينغمس فيه ولكن يأخذ بيديه ويغتسل خارج الماء يعني خارج مجمع الماء، هذا إذا كان الماء راكدًا لا يصب فيه شيء كالغدران في البر وأما إذا كان يأتيه ماءٌ آخر ويتجدد كماء البرك في البساتين فهذا لا بأس به، كذلك أيضًا إذا كان الماء كثيرًا كماء البحار وماء الأنهار فلا بأس أن يغتسل الإنسان في نفس الماء وهنا سؤال لو أن الإنسان نوى رفع الجنابة وانغمس في الماء والماء يشمل جميع جسده وخرج وتمضمض واستنشق فهل يجوز أن يصلى بدون وضوء؟ وجواب هذا السؤال نعم يجوز أن يصلى بدون وضوءٍ لأنه فعل ما أمر الله به وهو قول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءًا ولكن لا بد من المضمضة والاستنشاق لأنهما في حكم الظاهر أي لأن الفم وداخل الأنف في حكم الظاهر أي لا بد من المضمضة والاستنشاق لكن لا شك أن الغسل الكامل أن يتوضأ الإنسان أولًا وضوءًا كاملًا ثم يغتسل فيفيض الماء على رأسه ثلاث مرات ثم على سائر جسده.
***
هذه رسالة من المستمع عمر أحمد عوض عبد الكريم سوداني مقيم بالكويت يقول هل يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو المستخرج من الأرض بواسطة المكائن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو بوضع ملح فيه لأن النبي ﷺ سئل عن الوضوء بماء البحر فقال (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) ومن المعلوم أن مياه البحار مالحة فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء المالح سواء كان الملح حادثا فيه طارئًا عليه أو كان مالحًا من أصله وكذلك يجوز الوضوء بالماء الذي أخرج بالمكائن وغيرها من الآلات الحديثة لأن هذا داخل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ - إلى قوله- وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ***
بارك الله فيكم يقول السائل في قريتنا الريفية نعتمد كل الاعتماد على مياه الأمطار وفي قريتنا مجموعة من المساجد وفي نفس المسجد توجد بركة للماء أي للوضوء وتجلس هذه البرك أحيانًا أكثر من عشر سنوات لم يتبدل الماء فيها وأحيانًا يكون لون الماء أخضر فهل نتوضأ من هذا أم ماذا نفعل علمًا بأنه لا يوجد لدينا مياه جارية فاعتمادنا على الأمطار أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الماء الذي يتغير من طول مكثه يجوز الوضوء به والغسل منه لأن النبي ﷺ قال (الماء طهور لا ينجسه شيء) وأجمع العلماء على أن الماء إذا تغير بالنجاسة صار نجسًا وهذا التغير الذي يحدث للماء من طول مكثه ليس تغيرًا بالنجاسة حتى وإن أخضر أو صارت له رائحة كريهة فإنه طهور يجوز التطهر به غسلًا ووضوءًا وإزالة للنجاسة. ***
المستمع عوض ناصر أحمد اليافعي من الطائف يقول في سؤاله يوجد عندنا مسجد في القرية وهو مهجور منذ فترة طويلة ولا أحد يصلى فيه وكذلك الماء لا يوجد فيه إلا أيام الأمطار وإن وجد هذا الماء فالمصلون يتوضؤون بهذا الماء الوضوء الكامل فهل يجوز ذلك علمًا بأنه يبقى فترة طويلة وتخرج منه رائحة ويتغير لونه ولازالوا يتوضؤون منه فما هو الحكم في ذلك وهل يجوز بناء مسجد آخر قريب منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن وضوءهم من هذا الماء المتغير بمكثه لا بأس به وهذا الماء طهور وإن تغير لأنه لم يتغير بممازج خارج عنه إنما تغير بطول مكثه في هذا المكان وهذا لا بأس به، يتوضؤون منه ووضوؤهم صحيح. أما إقامة مسجد آخر بقرب هذا المسجد فإنه لا يجوز لأن ذلك من الإضرار بالمسجد الأول وقد ذكر أهل العلم أن ذلك محرم وأنه يجب هدم المتأخر منهما لأنه هو الذي حصل به الإضرار ولا يخفى على الجميع قول الله ﷿ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لا يخفى على أحد هذه الآية وأن كل من بنى مسجدًا يحصل به الإضرار بالمسجد الآخر وتفريق المسلمين فإنه يكون له نصيب من هذه الآية فضيلة الشيخ: لكن لو عمل على إصلاح هذا المسجد وإعادة بنائه من جديد وتحسينه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لكن هذا إذا كان هذا المسجد القديم لا يمكن الانتفاع به فإنه لا بأس من تجديد بنائه على وجه يكون به راحة المصلىن ومثل هذا ينبغي أن تراجع فيه الجهات المسؤولة حتى لا يتلاعب الناس بالمساجد القديمة. ***
نحن مجموعة من الشباب نلعب في ملعب مزروع زراعة طبيعية ولكنه يسقى من مياه المجاري أعزكم الله وإخواني المستمعين بعد تكريرها فهل علينا الاغتسال قبل الصلاة لأنه يحصل أن يسقط أحدنا على الزرع فأرجو الإفادة بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم الاغتسال يعني أن تغسلوا ثيابكم أو أبدانكم من هذا الماء المكرر لأن هذا الماء المكرر قد زالت نجاسته بما أضيف إليه من المواد الكيماوية التي ذهبت بالنجاسة والماء النجس يكون تطهيره بإضافة شيء إليه يزول به أثر النجاسة من طعم أو لون أو ريح بل قال العلماء إن الماء النجس إذا زال تغيره بنفسه صار طهورا لكن بعض العلماء اشترط أن يكون كثيرا أي بالغًا للقلتين فإذا زال تغيره بنفسه وقد بلغ القلتين فهو طهور وإن كان دون القلتين فإنه لا يطهر إلا بإضافة ماء طهور كثير إليه ولكن القول الراجح أنه متى زالت النجاسة من الماء النجس بأي مزيل فإنه يكون طهورا لا ينجس الثياب ولا الأبدان. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع حسين محمود موسى من جمهورية مصر العربية الأقصر يقول إذا كان إنسان يغتسل من الجنابة من إناء بِقُرْبِهِ وقد تسقط من جسمه قطرات من الماء في ذلك الإناء الذي يغترف منه فهل تفسد طهارته أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تفسد طهارته إذا كان الإنسان يتوضأ أو يغتسل من إناء وينزل من الماء إلى الإناء الذي يغترف منه فإن هذا لا بأس به ولا حرج لأن هذه القطرات ليست نجسة حتى تنجس الماء وإذا لم تكن نجسة فإن الماء يبقى على طهارته والماء لا ينجس إلا إذا تغير بنجاسة وأما إذا تغير بغير نجاسة كما لو تغير بشيء طاهر وبقي على اسم الماء فإنه يكون طهورا مطهرًا. ***
رسالة وردتنا من المستمع من الحفر صالح محمد صالح يقول في رسالته إذا كان الحاج معه ماء من زمزم فقط وحضرت الصلاة فهل يتوضأ منه أو يتيمم؟ نظرًا لأن ماء زمزم مبارك ويتخذ للشرب فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ماء زمزم كما قال الأخ هو مبارك وقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أن (ماء زمزم لما شرب له) ولكن -يُقال- من بركته أيضًا أن يتطهر به العبد لأداء الصلاة فالوضوء به جائز ولا حرج لأنه ماء فيدخل في عموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى أن قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) فعلى هذا يجب عليه أن يستعمل هذا الماء أي ماء زمزم في طهارته ولا يجوز له العدول إلى التيمم ما دام هذا الماء موجودًا. ***
من الدمام مستمع رمز لاسمه بـ أ. أ. يقول جماعة أدركتهم الصلاة وهم في سفر وليس معهم ماء للوضوء ومع أن الجو كان ممطرًا والغدير كان على جانب الطريق إلا أنهم شكوا في هذا الماء أنه غير طاهر لاسيما أن هناك عمالًا يعملون على الطريق ليسوا بمسلمين وخوفًا من أن يكون هؤلاء العمال قد استعملوا هذا الماء فإنهم قرروا عدم استعمال الماء وتيمموا مع أن الأرض كانت مبتلة وليس هناك غبار وقبل انتهاء وقت الصلاة وجدوا الماء ما حكم الشرع في نظركم في هذه الحالة يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القضية اشتملت على أمور أولًا أنهم تركوا استعمال الماء خوفًا من أن يكون نجسًا مع أنه ماء نزل من السماء وقد قال الله تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) فالماء النازل من السماء من أطهر المياه فهو طهور مطهر والشك الذي وقع في نفوسهم من أجل قرب العمال حوله وهم غير مسلمين شك لا يمنع من استعماله لأن الأصل بقاء طهارته وكان الواجب عليهم أن يتوضؤوا بهذا الماء دون اللجوء إلى التيمم لأنه إذا شك الإنسان في طهارة الماء أو نجاسته فإنه يبني على الأصل، فإذا كان أصل الماء طاهرًا لم يؤثر الشك في نجاسته وإن كان أصله نجسًا فالأصل بقاؤه على نجاسته وهذا الماء الذي في الغدير الأصل فيه الطهارة بل هو طهور مطهر ثانيًا قال السائل إن الأرض كانت رطبة فتيمموا عليها وليس فيها غبار وجوابه أن نقول إن التيمم على الأرض رطبة كانت أم يابسة ترابية كانت أم رملية أم صخرية جائز لعموم قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والصعيد كل ما تصاعد على الأرض ولقول النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فالتيمم على الأرض جائز على أي صفة كانت ثالثًا قال هذا الرجل السائل إنهم صلوا ثم وجدوا الماء والإنسان لو تيمم وصلى وهو عادم للماء ثم وجد الماء ولو في الوقت فإنه لا يعيد لأن ذمته قد برئت من التيمم عند فقد الماء والصلاة لكن هؤلاء القوم تيمموا في حال لا يحل لهم فيها التيمم لأن الواجب عليهم أن يتطهروا بهذا الماء الذي في الغدير فالاحتياط في حق هؤلاء أن يعيدوا الصلاة التي صلوها إذا لم يكونوا قد أعادوها في ذلك الوقت وإعادتهم لها تكون على صفة ما وجبت عليهم فإن كانت صلاة مقصورة فإنهم يعيدونها مقصورة ولو كانوا في بلادهم لأن القول الراجح أن مَنْ أعاد صلاة مقصورة قَصَرَها ومن أعاد صلاة تامة أتمها لقول النبي ﷺ (مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) فإن قوله ﷺ (فليصلها) يشمل أداءها على صفتها. ***
تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا وكان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلًا إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلًا وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضًا هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي ﷺ لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير المسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير المسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير المسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس ﵄ (طعامهم ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية) (وأجاب يهوديًا على إهالة سنخة وخبز شعير) وأقر عبد الله بن مغفل على (أخذ الجِراب من الشحم الذي رُمي به في فتح خيبر) فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة ﵂ (أن قومًا قالوا: يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال النبي ﷺ: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) يعني أنهم جديدو الإسلام، ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي ﷺ هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم (فقال: سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعابًا كثيرًا لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوبًاَ أو مسروقًا ومن الجائز أن يكون ثمنه حرامًا ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فُعِلَ على وجهٍ تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال الثاني وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد قال الله ﷿ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله ﷾ قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر هو عدو لله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله ﷿ وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه. ***
أحسن الله إليكم السائل سوداني مقيم في المملكة يقول لدينا أحواض للماء يا فضيلة الشيخ في الخلاء تشرب منها الغنم وهي أقل من القلتين وتشرب منها الكلاب في الليل فهل يجوز الوضوء من ذلك وغسل الملابس منها رغم أن الماء يتجدد يوميًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الماء طاهر سواء بلغ القلتين أم لم يبلغ القلتين إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة فيكون نجسًا ولكن الغالب إذا كان يتجدد كل يوم أنه لا يتغير وكذلك إذا كان كثيرًا فالغالب أنه لا يتغير والقاعدة التي ينبني عليها الحكم هي: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فهو نجس وإن لم يتغير فهو طهور. ***
تقول السائلة وقعت هرة في بئر ولم يخرجها أحد وتغيرت رائحة الماء وبعد أكثر من شهر أخذنا من هذا الماء وتوضأنا منه للصلاة ولا تزال الرائحة متغيرة فهل هذا الماء نجس أم لا وإن كان نجس فهل علينا أن نعيد تلك الصلوات أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سقطت في البئر هرة وماتت ثم تغير الماء برائحتها فإنه يكون تغير بنجاسة وإذا تغير الماء بنجاسة فهو نجس بالإجماع وإذا كان نجسًا فإنه لا يمكن أن يُطَهّر بل النجس يُتَطَهّر منه ولا يُتَطهر به وعلى هذا فيكون وضوؤكم من هذا الماء المتغير بالنجاسة وضوءًا فاسدًا غير صحيح وتكون صلاتكم غير صحيحة لأنكم صلىتم بغير وضوءٍ صحيح وتكون ثيابكم التي تلطخت بهذا الماء نجسة وصلىتم بثيابٍ نجسة وتكون أبدانكم التي تلطخت بهذا الماء نجسة أيضًا وتكونون صلىتم وعليكم نجاسة في أعضائكم فالواجب إذًا أن تحصوا الصلوات التي صلىتم بها بهذا الوضوء الذي كان من هذا الماء النجس وأن تعيدوا تلك الصلوات وليُعلم أن الميتة نوعان ميتة طاهرة فهذه إذا تغير الماء بها لم يكن نجسًا كميتة الجراد مثلًا وميتة السمك لأن ميتة السمك طاهرة ولو سقط آدميٌ في ماء وأنتن الماء من رائحته بعد موته فإن الماء يكون طاهرًا غير نجس لأن ميتة الآدمي طاهرة وعلى هذا فنقول إذا تغير الماء بميتةٍ نجسة فهو نجس وإن تغير بميتة طاهرة فهو طاهرٌ مطهر. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج من السودان يقول لدينا مكان يمتلئ بماء الأمطار وهذا الماء عرضة للتلوث ويتبول فيه الأطفال أعزكم الله وإخواني المستمعين وأيضًا تتبول فيه البهائم وليس لدينا مصدرٌ للماء غير هذا هل لنا أن نتوضأ منه يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الماء الذي ذكره السائل يجب أن يُنظر في أمره وأن يحرص على منع الناس منه ما دام متلوثًا بما يسبب المرض وما دام يُبال فيه ويتلوث بالنجاسة، وإبقاؤه هكذا مفتوحًا للعامة فيه خطرٌ عليهم في صحتهم وفي طهارتهم. أما من حيث صحة الوضوء به فإنه إن لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه فلا حرج أن يتوضأ الإنسان منه لأن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فإذا لم يتغير شيء من صفاته الثلاث الطعم واللون والريح بنجاسة فإنه يجوز الوضوء به ولكن كما أسلفت ينبغي بل قد يجب منع الناس منه لأنه مضر ما دام عُرضةً للتلوث لما يسبب من الأمراض. ***
هذه الرسالة وردتنا من مجموعة من المستمعين يقولون في رسالتهم مشكلتنا هي أننا مجموعة من المدرسين من دولة عربية إسلامية نعمل في اليمن الشقيق ونحن في إحدى القرى وهذه القرية بها مسجد ولها إمام والمسجد به بركة من الماء وهذه البركة يأتي إليها المصلون من أهل القرية فتجد من يتطهر فيها أي يستحم ويتطهر ونجد من يستنجي حولها وكذلك يتوضأ فيها أي أن هذه البركة لكل شيء للتطهر والاستنجاء والوضوء وماؤها يتغير كل أسبوع تقريبًا وحاولنا نهيهم عن ذلك فلم يستمعوا إلينا والمشكلة الأكبر هي إمام المسجد فهو يتوضأ أيضًا منها ولم يستمع إلى كلامنا فما هو رأيكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن النبي ﷺ (نهى أن يغتسل الإنسان في الماء الراكد أو الدائم الذي لا يجري) وعلى هذا نقول لهؤلاء لا تغتسلوا في هذا الماء إذا أردتم الاغتسال فخذوا منه بإناءٍ أو اغرفوا منه بأيديكم وليكن ما يتساقط من جلودكم خارج هذا المجتَمَع من الماء وكذلك بالنسبة للوضوء إذا كانوا يتوضؤون منه وما يتساقط يكون خارجًا عنه فهذا لا بأس به وكذلك الاستنجاء إذا كانوا يغترفون منه وما تسرب يكون خارجًا عنه فإن هذا لا بأس به ولكن المشكل ما ذكر السائلون بأنهم كانوا يغتسلون فيه فقد نهى النبي ﷺ (أن يغتسل الإنسان جنبًا في الماء الدائم الذي لا يجري) فيُنهى هؤلاء عن ذلك ثم إنه من الناحية الصحية قد يكون مضرًا أيضًا وينبغي أن ينُظر في هذا من الناحية الطبية فإذا كان هذا الماء يتلوث بهذه الأعمال فإنهم ينهون عنه. ***
المستمع آدم من السودان يقول عندما كنت منتدبًا في الجمهورية العربية اليمنية شاهدت معظم السكان لديهم بركة ماء بجانب المسجد يتوضأ بداخلها هؤلاء ويسبحون بداخلها علمًا بأن الماء الذي بداخلها قد تغير لونه وطعمه ورائحته ويقولون بأن هناك قدرًا من الماء يمكن للإنسان الوضوء فيه السؤال ما هي نصيحتكم لهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذا الماء الذي في البركة إذا كان دائمًا لا يجري فإن النبي ﷺ نهى عن الاغتسال فيه فقال: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري) لأن الاغتسال في هذا الماء الدائم الذي لا يجري يجعله وَسِخًا وربما يكون في الإنسان أمراض تؤثر على غيره فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا هذا العمل الذي يعملونه في هذا الماء الدائم الراكد الذي لا يجري وكذلك ربما يكون منهم كشف للعورة فيكون هذا إثمًا ظاهرًا لأنه لا يحل لإنسان أن يكشف عورته لأحدٍ من الناس يراها وبإمكانهم أن يجعلوا هناك حمامات وخزانا فوق هذه الحمامات يتوضؤون منه ويغتسلون. ***
باب الآنية
يقول هل يجوز الانتفاع بجلود الميتة وعظامها وشعرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت من حيوانٍ يباح بالذكاة كبهيمة الأنعام فيجوز الانتفاع بجلدها لكن بعد الدبغ لأنه بالدبغ الذي يزول به النتن والرائحة الكريهة يكون هذا الجلد طاهرًا يباح استعماله في كل شيء حتى في غير اليابسات على القول الراجح لأنه يَطْهُرُ بذلك كما قال النبي ﵊ (يُطهرها الماء والقَرَظ) وأما إذا كان الجلد من حيوانٍ لا يحل بالذكاة فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم والله أعلم. ***
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع عبد الرحمن م س من مقديشو الصومال يقول أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون أنه لحراسة منزلهم وكثيرًا ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم أيضًا هل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط وهل يؤثر لمسه باليد على صحة الوضوء أم يعتبر ناقضًا وما حكم استعمال الآنية التي قد يلعق طعامه وشرابه فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص به الشارع والنبي ﵊ رخص في ذلك في ثلاثة أمور: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب. وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها. والثالث كلب الصيد ينتفع به الصائد. هذه الثلاث التي رخَّص النبي ﷺ فيها باقتناء الكلب وما عداها فإنه لا يجوز وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يُقتنى لحراسة البيت ومن فيه وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد وإن كان مسه برطوبة أي حيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أويده أو يد الماس رطبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم ويجب غسلها أي غسل اليد بعده سبع مرات إحداها بالتراب وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء أي شرب منه غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة (عن النبي ﵊: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداها بالتراب) . ***
باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة
المرسل ماطر المطيري من القصيم عنيزة يقول أرجو أن تفيدوني عن ذكر الله ﷾ هل يجوز ذكر الله داخل الحمام أم لا يجوز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربه في داخل الحمام لأن المكان غير لائق لذلك أما إن ذكره في قلبه فلا حرج عليه بدون أن يلفظ به بلسانه وإلا فالأولى ألا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر حتى يخرج منه. ***
رسالة وصلت من المستمع ع. ص. ج. شبوة اليمن يسأل عن البسملة قبل الاستنجاء في الحمام وأرجو الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي ﷺ التسمية على الاستنجاء سواء كان داخل الحمام أو خارجه وإنما يشرع لمن أراد أن يدخل الحمام الذي يقضي فيه حاجته أن يقول (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإن قال قبل ذلك (باسم الله) فهو حسن أما قوله (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) فقد ثبت في الصحيحين وأما (باسم الله) فقد جاء فيه حديث في السنن لا بأس بالأخذ به والعمل به ولكن التسمية مشروعة عند الوضوء إما وجوبًا على رأي بعض أهل العلم وإما استحبابًا على القول الثاني لأهل العلم وهو الراجح وعلى هذا فإذا انتهى من الاستنجاء وستر عورته وأراد أن يتوضأ فإنه ينبغي له أن يقول (باسم الله) . ***
علي صالح فتاح من العراق يقول هل يجوز للإنسان أن يذكر الله في الحشوش أي الحمامات ودورات المياه التي تقضى فيها الحاجات كأن يقول سبحان الله أو أستغفر الله وهو جالس في الخلاء أجلكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف عند كثير من أهل العلم أن ذلك من المكروه إذا ذكر الله تعالى بلسانه وأما ذكره له بالقلب وإمرار هذا على قلبه فلا بأس به ولا حرج. ***
يقول السائل بالنسبة للإنسان يتوضأ في الحمام ويخرج إلى الغسالات وهي في الأبنية الحديثة تبدو ظاهرةً جدًا هل يجوز أن يذكر الله عند تكملة وضوئه على الغسالة غسالة الأيدي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسالة الأيدي إذا كانت خارج الحمام وخارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله تعالى عندها أما إذا كانت داخل محل قضاء الحاجة فإنه لا يذكر الله تعالى بلسانه فيها في هذا الموضع كما أشرنا إليه أولًا ولكن يذكر الله بقلبه لا حرج عليه فيه. ***
يقول السائل مع كثرة تلاواتي للقرآن الكريم والحمد لله عندما أدخل إلى الخلاء أجد نفسي وبدون شعور أذكر بعض الآيات التي تعلقت بالذهن فما حكم ذلك يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وهو جالس يقضي حاجته لأن في ذلك نوعا من الامتهان له وعليه يجب عليك أن تتحفظ وأن تدخل إلى هذا المكان وأنت في شعور تام تدرك ما تقول ولا يمضي بك الوسواس حتى تقرأ شيئًا من القرآن أي إنِّي أقول اضبط نفسك إذا دخلت هذا المكان حتى لا تقرأ شيئًا من كتاب الله ﷿. ***
سؤال من الأخوات من جنوب المملكة المغربية السؤال يقول هل يجوز لنا الكلام أو التحدث مع الآخرين داخل دورات المياه؟ علمًا بأننا نقوم ببعض الأشغال داخل هذه الدورات كغسل الثياب مثلًا نظرًا لظروفنا أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان أن يتكلم في داخل دورات المياه إذا كان ليس على قضاء حاجته أما إذا كان على قضاء حاجته وهو كاشفٌ عورته فإنه لا يتحدث وكذلك أيضًا لا يتحدث بكلام الله ﷿ فلا يقرأ القرآن وهو في هذه الأماكن لأن القرآن أكرم وأجل من أن يقرأه الإنسان في هذه الأماكن التي هي موضع الأذى والقذر. ***
بارك الله فيكم مستمع رمز لاسمه بـ م ل م من مصر يقول عندنا في مصر يقولون لمن يخرج من الخلاء (شفيتم؟) فيقال لهم (شفاكم الله وعافاكم) فهل في هذا حرج أم أن ذلك يعد من البدع وإن كان من البدع فنرجو الدليل وما الذي يفعله المصلى إذا فرغ من قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ولم يبدأ الإمام في قراءة السورة هل يسكت أم يعيد قراءة الفاتحة مرة أخرى أم يبدأ في قراءة السورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما المسألة الأولى: وهي أنهم إذا خرج الخارج لقضاء حاجته قالوا له: شفاك الله، فإن هذا لا أصل له ولم يكن السلف الصالح يفعلون ذلك وهم خير قدوة لنا والإنسان مشروع له إذا أراد دخول الخلاء ليقضي حاجته من بول أو غائط أن يقدم رجله اليسرى ويقول عند الدخول (باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإذا خرج قدم اليمنى وقال: (غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) وإن اقتصر على قول (غفرانك) فحسن أما هذا الدعاء الذي أشار إليه السائل فلا أصل له ولا ينبغي أن يتخذه الناس عادة لأن مثل هذه الأمور إذا اتخذت عادة صارت سنة وظنها الناس مشروعة وهي ليست مشروعة. وأما المسألة الثانية: وهي إذا سكت الإمام بعد قراءة الفاتحة ثم قرأها المأموم قبل أن يشرع الإمام بقراءة السورة فماذا يصنع المأموم بعد قراءته الفاتحة والإمام لم يزل على سكوته، فالجواب على ذلك أننا نقول للإمام أولًا لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها والمشروع لك أن تسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة وحينئذ يسكت لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط. ***
يقول السائل البعض يقضي حاجته أو يستنجي في المكان المخصص للوضوء مما يجعل عورته تنكشف لمن حوله فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز له، لا يجوز لإنسانٍ أن يكشف عورته بحيث يراها من لا يحل له النظر إليها فإذا كشف الإنسان عورته في الحمامات المعدة للوضوء والتي يشاهدها الناس فإنه يكون بذلك آثمًا وقد ذكر أهل الفقه ﵏ أنه في هذه الحال يجب على المرء أن يستجمر بدل الاستنجاء بمعنى أن يقضي حاجته بعيدًا من الناس وأن يستجمر بالأحجار أو بالمناديل ونحوها مما يباح الاستنجاء به حتى ينقي محل الخارج بثلاث مسحاتٍ فأكثر قالوا إنما يجب ذلك لأنه لو كشف عورته للاستنجاء لظهرت للناس وهذا أمرٌ محرم وما لا يمكن تلافي المحرم إلا به فإنه يكون واجبًا وعلى هذا نقول في الجواب إنه لا يجوز للمرء أن يتكشف أمام الناظرين لاستنجاءٍ بل يحاول أن يكون في محلٍ لا يراه أحد. ***
يقول السائل إنني أتوضأ دائمًا في الحمام هل يجوز الوضوء الصغير في الحمام أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز الوضوء في الحمام ولا حرج فيه ولكن ينبغي للإنسان أن يتحفظ من إصابة النجاسة له فإذا تحفظ من ذلك فليتوضأ في أي مكان كان. ***
بارك الله فيكم المستمع ممدوح مقيم بالدمام يقول ما حكم الوضوء داخل دورات المياه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يتوضأ الإنسان داخل دورات المياه ولكن يُشْكِلُ على هذا أن الوضوء تُشْرَعُ فيه التسمية إما وجوبًا وإما استحبابًا فكيف يُسمي وهو في داخل دورة المياه نقول يُسمي إما بقلبه بدون أن ينطق به وإما أن ينطق بذلك والعلماء الذين قالوا إنه يكره ذكر اسم الله في داخل المراحيض يقولون إنه في هذه الحال يسمي بقلبه ويكتفي بالتسمية، على أن التسمية على القول الراجح ليست بواجبة وإنما هي سنة إن أتى بها الإنسان فهو أكمل وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح ولا حرج عليه. ***
يقول هل يشترط ستر العورة في الوضوء بمعنى هل يجوز الوضوء في الحمام بعد الاستحمام بدون ستر العورة أي قبل لبس الملابس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن الإنسان إذا انتهى من الاغتسال يلبس ثيابه لئلا يبقى مكشوف العورة بلا حاجة ولكن لو توضأ بعد الاغتسال من الجنابة قبل أن يلبس ثوبه فلا حرج عليه في ذلك ووضوؤه صحيح ولكن هذا الوضوء ينبغي أن يكون قبل أن يغتسل فإن النبي ﵊ (كان يتوضأ عند الغسل قبل الاغتسال) أما بعد الغسل فلا وضوء ولو أن الإنسان نوى الاغتسال واغتسل بدون وضوء سابق ولا لاحق أجزأه ذلك لأن الله تعالى لم يوجب على الجنب إلا الطهارة بجميع البدن حيث قال ﷿ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يوجب الله تعالى وضوءًا وعلى هذا فلو أن أحدًا نوى رفع الحدث من الجنابة وانغمس في ماء بركة أو بئر أو في البحر وهو قد نوى رفع الحدث الأكبر أجزأه ذلك ولم يحتج إلى وضوء. ***
السؤال من المستمعة ع. م الحربي المدينة النبوية تقول هل يجوز الوضوء داخل الحمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح للإنسان أن يتوضأ داخل الحمام وهذا يقع كثيرًا تكون المغسلة التي تغسل بها الأيدي في داخل الحمام ويتوضأ الإنسان في داخل الحمام ولا حرج في هذا، لكن إذا كان الحمام حمام مسجد والناس ينتظرون هذا ليخرج وفي المسجد محل للوضوء فهنا نقول لا تتوضأ داخل الحمام لأن الناس محتاجون إليه وليس لك الحق أن تحجزه عن الناس بل إذا استنجيت فاخرج وتوضأ في المواضئ. ***
يقول السائل كما تعلمون فضيلة الشيخ أعزكم الله وإخواني المستمعين أن انتشار المدنية والمباني الحديثة قد أدى غالبًا إلى وجود الحمامات والأحواض للأيدي والوجوه ودورات المياه في مكانٍ واحد فهل يجوز الوضوء في هذه الأماكن أم يجب حمل ماء الوضوء خارج هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يتوضأ في المكان الذي تخلى فيه من بوله أو غائطه لكن بشرط أن يأمن من التلوث بالنجاسة بأن يكون المكان الذي يتوضأ فيه جانبًا من الحمام بعيدًا عن مكان التخلي أو ينظف المكان الذي ينزل فيه الماء من الأعضاء في الوضوء حتى يكون طاهرًا نظيفًا. ***
بارك الله فيكم ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في مَنْ يدخلون دروات المياه وفي جيوبهم إما مصاحف أو أوراق فيها ذكر أو حديث أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما دخولهم بالمصاحف فإنه قدصرح كثير من أهل العلم بأن ذلك حرام وأنه لا يجوز للإنسان أن يدخل المراحيض ومعه مصحف تكريمًا للمصحف وأما ما عدا ذلك فإن الدخول فيه ليس بمحرم والإنسان يحتاج كثيرًا إلى الدخول بأوراق فيها أحاديث، فيها ذكر، فيها كلام لأهل العلم، وليس هناك دليل صحيح صريح يدل على كراهة ذلك. ***
بارك الله فيكم المستمع جمال عبده يقول هل يصح أن يدخل المسلم دورة المياه أعزكم الله وإخواني المستمعين وهو يحمل أوراقًا فيها اسم الله تعالى نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب يجوز له أن يدخل بهذه الأوراق إذا كانت في جيبه ومستورةً فيه لأن هذا أمرٌ تدعو الحاجة إليه بل قد تدعو الضرورة إليه أحيانًا بحيث يكون الإنسان في حمامات عامة لا يمكنه أن يُخرج ما في جيبه من هذه الأوراق لأنه يخشى عليها وهو مضطرٌ لأن تكون معه والمسلم إذا دخل بمثل هذه الأشياء في بيت الخلاء فإنه لا يمكن أن يريد بذلك امتهانها أبدًا. ***
يقول السائل م. ش. ب. فضيلة الشيخ أنا مؤذن لجامع الحي ومن العادة غالبًا أكون آخر مَنْ يخرج مِن المسجد ولكنني قبل الخروج النهائي منه أقوم بالإشراف على دورات المياه والتفحص فيها وقبل دخولي فيها أُخْرِجُ ما عندي من أوراقٍ وكتيبات، كتب فيها أسماء الله وحتى المحفظة، حتى لا أنال الإثم بإدخالي لها فهل عملي هذا صحيح أم هو مجرد مبالغة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا مبالغة ولا حاجة إليه. ***
تقول السائلة قرأت في كتابٍ للشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ عن الوضوء يقول فيه أن من شروط الوضوء (الاستجمار أو الاستنجاء قبله) فهل يعني ذلك بأنه لا يصح الوضوء إلا بالاستنجاء أو الاستجمار قبله دائمًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد الشيخ ﵀ أن الإنسان إذا بال أو تغوط ثم توضأ قبل أن يستنجي فوضوؤه غير صحيح يعني لا بد أن يستنجي أولًا ثم يتوضأ وأما إذا لم يكن بول ولا غائط فإنه لا يجب الاستنجاء بل يتوضأ بدون ذلك مثاله رجل بال في الساعة الحادية عشرة صباحًا ولم يتوضأ ثم أذن لصلاة الظهر فهنا نقول يتوضأ بدون استنجاء لأنه استنجى أولًا ولا حاجة لإعادته هذا معنى كلام الشيخ ﵀. ***
يقول السائل إذا غسلت العورة ثم لبست السروال وانتصفت في الوضوء ثم أحدثت هل أبدأ الوضوء من جديد أو أتجدد أرشدوني جزاكم الله خيرا لأني في حيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان إذا غسل عورته وأنقى المحل لا يجب عليه إعادة غسل العورة مرةً ثانية إلا إذا خرج منه شيء وعلى هذا فالرجل السائل إذا كان أحدث في أثناء وضوئه أي في أثناء تجديده كما يقول العامة فإنه لا يعيد غسل فرجه إذا لم يخرج منه خارجٌ محسوس فالريح لا يجب غسل الفرج منها إذا لم يخرج معها بلل، فعليه إذا أحدثٍ بريحٍ في أثناء وضوئه فإنه لا يعيد غسل فرجه والمراد بريحٍ لا رطوبة معها فإنه لا يعيد غسل فرجه، وإنما يعيد الوضوء من جديد بمعنى أنه يعود فيغسل كفيه ويتمضمض ويغسل وجهه ... الخ ***
أحسن الله إليكم يقول السائل إذا خرج من الإنسان ريح هل يجب عليه أن يعيد الاستنجاء أم يكتفي بالوضوء بدون استنجاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الريح لا توجب الاستنجاء إلا إذا خرج معها بلل وإلا فمجرد الريح لا يجب فيه الاستنجاء وعليه فلو خرج منه ريحٌ وهو على وضوء ثم أراد الصلاة وجب عليه أن يتوضأ ولا يجب عليه أن يستنجي. ***
بارك الله فيكم يقول السائل هل خروج الريح أعزكم الله وإخواني المستمعين يفسد الاستنجاء وهل من ضرورة لإعادة الاستنجاء مرة ثانية حتى يتوضأ الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الريح من الدبر ناقض للوضوء لقول النبي ﵊ (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) لكنه لا يُوجِبُ الاستنجاء أي لا يُوجِبُ غسل الفرج أعني غسل الدبر لأنه لم يخرج شيء يستلزم الغسل وعلى هذا فإذا خرجت ريح انتقض الوضوء ويكفي الإنسان أن يتوضأ أي أن يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق ويديه إلى المرفقين ورأسه يمسحه ويمسح أذنيه ويغسل قدميه إلى الكعبين وهنا أنبه على مسألة تخفى على كثير من الناس وهي أن بعض الناس يبول أو يتغوط قبل حلول وقت الصلاة ثم يستنجي فإذا جاء وقت الصلاة وأراد الوضوء فإن بعض الناس يظن أنه لا بد من إعادة الاستنجاء وغسل الفرج مرة ثانية وهذا ليس بصواب فإن الإنسان إذا غسل فرجه بعد خروج ما يخرج منه فقد طَهُرَ المحل وإذا طَهُرَ فلا حاجة إلى إعادة غسله لأن المقصود من الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي بشروطه المعروفة المقصود به تطهير المحل فإذا طَهُرَ فلن يعود إلى النجاسة إلا إذا تجدد الخارج مرة ثانية. ***
هل يلزم الاستنجاء عند كل وضوء أم عند الحدث الأصغر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستنجاء هو تطهير المحل القبل أو الدبر من التلوث بالنجاسة التي حصلت فإذا تطهر الإنسان من هذه النجاسة فقد طهر المحل ولا حاجة إلى إعادة غسله مرة ثانية إلا إذا حصل بول أو غائط من جديد وعلى هذا فلو أن الإنسان قضى حاجته بعد طلوع الشمس ثم استنجى أو استجمر استجمارًا شرعيًا ثم حان وقت صلاة الظهر وتوضأ من غير أن يغسل فرجه كان ذلك جائزًا وكان عملًا صحيحًا لأن الله ﷿ يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ولم يذكر الله ﷾ غسل الفرج فدل هذا على أن الوضوء يختص بهذه الأعضاء الأربعة فقط الوجه واليدان والرأس والرجلان وأما غسل الفرج فإنه لسبب وهو تلوث المحل بالنجاسة فإذا طَهُرَ المحل من هذه النجاسة لم يحتج إلى إعادة تطهيره مرة أخرى إلا بنجاسة جديدة. ***
يقول السائل أفتونا في تجديد الوضوء هل يستنجي له أم يبدأ من الكف مباشرة دون الاستنجاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التجديد لا يحتاج إلى استنجاء لأن الاستنجاء إنما هو لتطهير القبل في البول والدبر في الغائط فقط فمتى طَهُرَ هذا المحل ولم يحدث بول ولا غائط بعد ذلك فلا حاجة إلى إعادة غسله مرة أخرى فمثلا لو أن الإنسان نقض وضوءه ببول في الساعة العاشرة ضحى ثم حان وقت صلاة الظهر ولم يبل بعد ذلك فإنه لا يحتاج إلى غسل ذكره بل يتوضأ وضوءًا فقط والوضوء المعروف هو أن يغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات ويغسل وجهه ثلاثًا ويديه إلى المرفقين ثلاثًا ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه هذا هو الوضوء ويجب أن نصحح اللفظ عند كثير من الناس فإن كثيرًا من الناس يجعل الوضوء بمعنى غسل الفرجين وهذا غلط الوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس مُرتَّبه كما ذكر الله تعالى في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ***
سائلة تقول: هل يجب الاستنجاء والوضوء لكل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب الاستنجاء لكل صلاة ولا الوضوء فإذا دخل وقت الصلاة وهي على طهارة فلتصل وإذا بقي حتى دخول الوقت الثاني فلتصل لأن الوضوء لا يجب إلا من حدث، ثم إن بعض الناس يظن أن الاستنجاء تابع للوضوء فتجده لا يتوضأ إلا واستنجى قبله وإن لم يحصل منه بول ولا غائط، ويسأل بعض الناس فيما لو حصل منه بول أو غائط قبل صلاة الظهر بساعة ثم قضى حاجته واستنجى استنجاءً تامًا ثم أذن الظهر هل يكتفي بالاستنجاء الأول أم لابد أن يعيد الاستنجاء مرة أخرى؟ فنقول: بل يكتفي بالاستنجاء الأول ولا حاجة أن يستنجي مرة أخرى لأن الاستنجاء إنما هو لتطهير المحل من الخارج منه وهذا قد طَهَّرَ المحل فلا حاجة لأن يعيد مرة ثانية. ***
السائل ع. ع. من جمهورية مصر العربية يقول هل الاستنجاء بالتراب الطاهر يجوز مع العلم بوجود الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الاستجمار بالأحجار أو بالتراب أو بالخرق المنقية بدلًا عن استعمال الماء في إزالة الخارج من السبيلين جائز إلا أنه يشترط أن يكون ثلاث مسحات فأكثر وأن تكون منقية وألا يكون الاستجمار بشيء نجس ولا بشيء محترم كالطعام ولا بعظم ولا بروث لأن النبي ﷺ (نهى أن نستنجي بعظم وروث) وعلل ذلك (بأنها طعام إخواننا من الجن وطعام بهائمهم فالعظام يجدونها أوفر ما تكون لحمًا والأرواث يجدونها علفًا لدوابهم) هكذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا كنا نهينا أن نستجمر بطعام الجن وطعام دوابهم فطعامنا وطعام دوابنا من باب أولى بالنهي ويجوز الاستجمار بدون استعمال الماء بالشروط التي ذكرتها وإن كان الماء موجودًا وعلى هذا فتطهير محل الخارج يكون بواحد من أمور ثلاثة إما بالأحجار وحدها أو ما ينوب عنها من التراب والثياب والخرق، وإما بالماء وحده، وإما بالتراب والماء جميعًا. ***
يقول السائل ما حكم قضاء الرجل الحاجة قائمًا وهل ثبت عن النبي ﷺ أنه فعل ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم قضاء الرجل الحاجة خاصة البول قائمًا لا بأس به لكن بشرطين، الشرط الأول: أن يأمن من التلوث بالبول والشرط الثاني: أن يأمن من ناظر ينظر إليه، وقد ثبت عن النبي ﷺ من حديث حذيفة ﵁ (أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم -السباطة الزبالة- فبال قائمًا) ﷺ وعلى هذا فلا يكون البول قائمًا محرمًا كما يفهمه كثير من العامة ومن العجائب أن العامة كما -قيل إن العوام هوام- أنهم ينكرون إنكارًا بالغًا أن يبول الإنسان قائمًا ولكنه يهون عليهم أن يبول الإنسان والناس ينظرون إلى عورته ولهذا تجدهم لا يهتمون بهذا الأمر اهتمامًا كبيرًا والذي ينبغي للإنسان أن يستتر عن الأعين حتى ببدنه أما بعورته فيجب أن يكون ساترًا لها عن الأعين فإذا كان الإنسان يبول في صحراء أو يتغوط في صحراء فمن الأفضل أن يبعد حتى يتوارى عن الناس إما بشجرة أو أكمة أو وادٍ أو نحو ذلك هذا من الآداب الشرعية وأما الاستتار عن الأعين بالنسبة للعورة فهو أمر واجب لابد منه وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أنه ثبت عن النبي ﵊ من حديث أبي أيوب الأنصاري ﵁ أنه (قال -أعني النبي ﷺ: لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) وهذا عام في الصحراء والبنيان ولهذا (قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله ﷿ وقوله ﷺ في هذا الحديث (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتهم ممن إذا شرقوا أو غربوا لا يستقبلون القبلة وهو من حسن تعليم الرسول ﵊ فإنه كان من هدي الرسول ﷺ أنه إذا ذكر شيئًا ممنوعًا فتح للأمة الباب الجائز حتى لا توصد الأبواب أمامها وهذا هو أيضًا طريقة القرآن كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا) لما نهاهم أن يقولوا (راعنا) فتح لهم القول الجائز أن يقولوا (انظرنا) وكذلك ثبت عن (النبي ﵊ في قصة التمر الذي جاء به بلال إليه وكان تمرًا جيدًا فقال له: أكل تمر خيبر هكذا قال: لا ولكننا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال الرسول ﵊: لا تفعل ولكن بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا - أي جيدًا) فلما ذكر له الممنوع فتح له الجائز وهكذا ينبغي لكل داعية يدعو إلى الله ﷿ يأمر الناس وينهاهم إذا نهاهم عن أمر منكر أن يفتح لهم الباب الجائز من نوعه حتى يلج الناس منه، عودًا على الحديث الذي أشرت إليه يقول النبي ﵊ (ولكن شرقوا أو غربوا) ولكن قد ثبت في الصحيحين من (حديث ابن عمر أنه قال: رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي ﷺ يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) وهذا يدل على أنه إذا كان في البنيان فإنه يجوز استدبار الكعبة فيبقى النهي عن استقبالها قائمًا غير مخصص وعلى هذا فإذا بنى الإنسان بيتًا فإنه يجب أن يلاحظ هذه المسألة بحيث لا تكون وجوه الجالسين على قضاء الحاجة مستقبلة القبلة بل تكون القبلة عن أيمانهم أو عن شمائلهم وهذا هو الأفضل أو عن أدبارهم أما استقبالها فلا يجوز لا في الفضاء ولا في البنيان. ***
هذه رسالة وردت من السائل شعيب خليفة عثمان من بنغازي بليبيا يقول قمت بزيارةٍ لإحدى الدول الإسلامية ولقد أعجبني كثيرًا حرص أهلها على حضور الصلوات الخمس في مواعيدها جماعة ولكن لفت نظري شيء حول عملية قضاء الحاجة فإنه يوجد بجوار كل مسجد دوراتٍ للمياه ولكن يتم قضاء الحاجة وقوفًا رغم وجود دورات مياهٍ عادية والذي ساءني أكثر أنني أراهم بعد قضاء الحاجة مباشرةً ينصرفون إلى الوضوء دون استنجاء جهلًا منهم وظنًا أن الاستنجاء إنما يكون من الغائط فقط فأرجو توجيه نصحيةٍ إلى هؤلاء وإرشادهم إلى وجوب التطهر قبل بدء الوضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نشكر الأخ السائل على اهتمامه بأحوال المسلمين فإن من اهتم بأمر المسلمين كان ذلك دليلًا على محبته وشفقته عليهم أما بالنسبة لما يصنعه أولئك الإخوة فإن كونهم يبولون قيامًا لا بأس به فإن البول قائمًا يجوز بشرطين أحدهما: أن يأمن من التلوث بالبول، والثاني: أن يأمن من النظر إلى عورته، وأما كون هؤلاء الإخوة لا يستنجون من البول بل ينصرف الإنسان منهم دون أن يتطهر لا باستنجاءٍ ولا باستجمار فإن هذا غلطٌ منهم كبير وهو سببٌ للعقوبة وعذاب القبر لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباسٍ ﵄ (أن رسول الله ﷺ مر بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فبين رسول الله ﵊ أن هذين الرجلين يعذبان في قبورهما بسببين السبب الأول عدم الاستبراء من البول وهو ينطبق على حال هؤلاء ثم إن كثيرًا من أهل العلم يقولون إن الوضوء لا يصح إلا بعد أن يتم الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي وعلى هذا فيكون هؤلاء قد صلوا بغير وضوءٍ صحيح ومن صلى بغير وضوءٍ صحيح فإن صلاته لا تصح ولا تقبل منه لقول النبي ﵊ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فأوجه النصيحة إلى هؤلاء الإخوان أن يتقوا الله ﷿ وأن يستنجوا من البول ويستبرئوا منه وأن يستنجوا بعد البول بالماء أو يستجمروا بأشياء مباحة أي مما يباح الاستجمار به فيمسح المحل ثلاث مسحاتٍ فأكثر تكون منقية فإن الاستجمار الشرعي الذي تتم به الشروط يجزئ عن الاستنجاء بالماء. ***
حفظكم الله يقول السائل سمعنا (حديث جابر ﵁ بأنهم عند فتح بلاد الشام كانوا يجدون حمامات متجهة إلى القبلة قال فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله) فهل لا يجوز استقبال القبلة عند التخلي حتى وإن كان ذلك في البيوت ثم ماذا عن (حديث ابن عمر ورؤيته للرسول ﷺ وهو يتخلى في الفضاء مستقبلًا القبلة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قوله في الأول (حديث جابر أنهم قدموا الشام فوجدوا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة) فليس الحديث لجابرٍ ﵁ بل هو لأبي أيوب الأنصاري (يقول: إنهم قدموا الشام فوجدوا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة -يعني وجوهها نحو الكعبة- قال: فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله ﷿ وأبو أيوب هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال: لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بولٍ ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) وأما حديث ابن عمر فإنه كان (يقول: رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته مستقبلًا الشام مستدبر الكعبة) وحديث ابن عمر لا يعارض حديث أبي أيوب ﵁ لأن حديث أبي أيوب في الاستقبال وحديث ابن عمر في الاستدبار وبينهما فرق وعلى هذا فنقول في تحرير حكم المسألة إنه في الفضاء لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها بغائط ولا بول وأما في البنيان فيجوز استدبارها دون استقبالها وعلى هذا فمن بنيت حماماته على استقبال الكعبة فليعدلها حتى تكون الكعبة عن يمينه أو عن شماله. ***
باب السواك وسنن الفطرة
بارك الله فيكم هذا السائل من ليبيا بنغازي أسعد ن. أ. يقول حدثونا عن فضل السواك وعن أوقاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فضل السواك قال فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب) وهاتان أعظم فائدتين، الفائدة الأولى: الطهارة الحسية وهو طهور الفم من الأوساخ وتطهير الأسنان واللثة واللسان والفائدة الثانية: وهي أعظم أنه مرضاةٌ لله ﷿ وفي هذا الحديث حثٌ على السواك لذكر الفائدتين العاجلة والآجلة فالعاجلة تطهير الفم والآجلة رضا الرب ﷿ ويدل لفضله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني لأمرتهم أمر إيجاب ولا يجب الشيء إلا لمصلحته العظيمة التي اقتضت أن يكون الناس ملزمين به ولكن عارضت هذه المصلحة العظيمة المشقة التي خافها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمته فترك إلزامهم بذلك أما مواضع السواك المؤكدة فهي، أولًا: عند الوضوء ومحل ذلك عند المضمضة وإن أخر التسوك إلى أن ينتهي من الوضوء كله فلا حرج. الثاني عند الصلاة سواءٌ كانت الصلاة صلاة الفريضة أو نافلة وسواءٌ كانت صلاةً ذات ركوعٍ وسجود أو ليس فيها ركوع ولا سجود كصلاة الجنازة. الثالث: عند القيام من النوم فإنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) . الرابع: عند دخول المنزل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كان إذا دخل منزله فأول ما يبدأ به السواك) وما عدا ذلك فإنه مشروع كل وقت لكن يتأكد في هذه المواضع الأربعة. ***
أحسن الله إليكم السائلة أ. م تقول هل استعمال معجون الأسنان يغني عن السواك وهل يثاب من استعمله بنية طهارة الفم أي هل يعادل السواك في الأجر الذي رغب فيه الرسول ﷺ لمن يستاك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم استعمال الفرشاة والمعجون يغني عن السواك بل وأشد منه تنظيفًا وتطهيرًا فإذا فعله الإنسان حصلت به السنة لأنه ليس العبرة بالأداة العبرة بالفعل والنتيجة، والفرشاة والمعجون يحصل بها نتيجة أكبر من السواك المجرد لكن هل نقول إنه ينبغي استعمال المعجون والفرشاة كلما استحب استعمال السواك أو نقول إن هذا من باب الإسراف والتعمق ولعله يؤثر على الفم برائحة أو جرح أو ما أشبه ذلك؟ هذا ينظر فيه. ***
بارك الله فيكم المستمع من جازان يحيى قاسم يقول ما حكم السواك أثناء الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بدعة إن قصد الإنسان أن يتعبد لله بالسواك حال الصلاة وعبث وحركة مكروهة إن كان الإنسان لا يريد هذا ولكنه يريد أن يطهر فمه والسواك المشروع إنما يكون قبل الصلاة إذا أراد فعلها وكذلك عند الوضوء فالسواك عند الوضوء سنة والسواك عند الصلاة سنة وأما السواك في أثناء الصلاة فهو إما عبث مكروه وإما بدعة يكون بدعة إن قصد الإنسان التعبد لله به ويكون عبثًا مكروهًا إن لم يقصد التعبد، وعلى كل حال فلا يتسوك الإنسان وهو يصلى وإنني بهذه المناسبة أحب أن أتوسع قليلًا في حكم الحركات في الصلاة الحركات في الصلاة قال العلماء إنها تنقسم إلى خمسة أقسام حركة واجبة وحركة مستحبة وحركة مباحة وحركة مكروهة وحركة محرمة فأما الحركة الواجبة فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة أي الحركة التي إن فعلتها صحت صلاتك وإن لم تفعلها بطلت مثال ذلك رجل يصلى فرأى في غترته نجاسة فهنا يجب عليه أن يتحرك ليخلع غترته حتى لا يكون حاملًا للنجاسة ودليل ذلك أن النبي ﷺ (صلى بأصحابه ذات يوم وعليه نعلاه فخلعهما في أثناء الصلاة ثم خلع الناس نعالهم فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم، قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني إن فيها قذرا) وكذلك لو كان الإنسان يصلى إلى غير القبلة فجاء رجل فقال له إن القبلة على يمينك فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى جهة القبلة وهذه الحركة واجبة لأنه لو بقي على ما اسْتَقْبَلَهُ أولًا لبطلت صلاته ودليل ذلك (أن أهل مسجد قباء كانوا يصلون صلاة الصبح إلى جهة الشام فجاءهم آت فقال إن النبي ﷺ نزل عليه القرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا إلى الكعبة) وصارت القبلة التي كانوا يصلون إليها أولًا خلفهم لأن مستقبل الشام مستدبر الكعبة ومستقبل الكعبة مستدبر الشام و(كان النبي ﷺ أول ما قدم المدينة يصلى إلى بيت المقدس وبقي على ذلك سنة وأربعة أشهر أو سنة وسبعة أشهر ثم بعد هذا أمر أن يتوجه إلى الكعبة) قال الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) إذًا الحركة الواجبة هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة. الحركة المستحبة هي التي يتوقف عليها تمام الصلاة لا صحتها ومن ذلك (فعل النبي ﵊ لابن عباس ﵄ فإن ابن عباس ﵄ من حرصه على العلم بات ذات ليلة عند خالته ميمونة أم المؤمنين زوج النبي ﷺ فلما قام النبي ﷺ يصلى من الليل قام ابن عباس ﵄ فوقف عن يساره فأخذ النبي ﷺ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه) فهذه حركة من النبي ﷺ ومن ابن عباس لكنها لإكمال الصلاة وكذلك لو كان المصلى يصلى في الصف فرأى فرجة في الصف الذي أمامه فإنه يستحب له أن يتقدم إلى هذه الفرجة لأن ذلك من تمام الصلاة وكذلك لو كان في جيبه أي في مخباته شيء يؤذيه في صلاته ويشوش عليه فأخرجه من جيبه ووضعه في الأرض فإن هذه الحركة مستحبة لأنها من تكميل صلاته. أما الحركة المباحة وهي القسم الثالث فهي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة حركة يسيرة لحاجة فإنها تكون مباحة ومن ذلك لو أن رجلًا من الناس أتى إليك وأنت تصلى فقال أعطني القلم من فضلك لأكتب به فأخذته من جيبك وأعطيته إياه فلا حرج فهذه حركة يسيرة لحاجة ومن ذلك أيضًا (أن النبي ﷺ فتح الباب لعائشة وهو يصلى) ومن ذلك أيضًا (أنه ﷺ كان يصلى بالناس وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ أي أن رسول الله ﷺ جدها من قبل أمها فكان يحملها وهو يصلى بالناس فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها على الأرض) هذه حركة لكنها يسيرة لحاجة فهي جائزة وأما الحركة المكروهة وهي القسم الرابع فهي الحركة اليسيرة إذا لم يكن لها حاجة كما يفعله كثير من الناس تجده يخرج الساعة ينظر إليها بدون حاجة يخرج القلم من جيبه بدون حاجة يعدل إستيك الساعة بدون حاجة ربما يتجرأ على أعظم من هذا ربما يكون قد نسي شيئًا فذكره وهو يصلى فأخرج القلم وكتب ما نسيه إما براحته وإما بورقة يخرجها من جيبه كل هذا مكروه لأنه عبث لا يحتاج إليه الإنسان ولا تتعلق به مصلحة الصلاة وأما المحرّم من الحركات وهو القسم الخامس فهو كل حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة مثل أن يتحرك الإنسان حركات كثيرة في حال القيام في حال القعود وتتوالى هذه الحركات بدون ضرورة فإنها محرمة وتبطل الصلاة أما إذا كانت لضرورة كما لو هاجمه أسد أو هاجمته حية فعمل عملًا كثيرًا لمدافعتها فإن ذلك لا يضره لقول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ***
يقول السائل ماحكم السواك أثناء خطبة الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السواك أثناء خطبة الجمعة مما يشغل الإنسان عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب ولكن إذا كان السواك من أجل استماع الخطبة بحيث يصيب الإنسان نعاس فيتسوك لطرد النعاس فإن هذا لا بأس به بل قد يكون مأمورًا به لأن هذا السواك من مصلحة استماعه للخطبة. ***
ما حكم الختان بالنسبة للفتاة وهل صحيح أن الرسول ﷺ نهى عنه وأن له أضرارًا في مستقبل الفتاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الختان بالنسبة للفتاة ذهب بعض أهل العلم إلى أنه واجب كما أنه واجب في حق الفتى وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ﵀ أن الختان واجب على الذكر والأنثى وذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة في حق الأنثى واجب في حق الذكر وهذا هو الذي عليه عمل الناس في بلادنا هذه وهو أنه واجب في حق الفتى غير واجب في حق الفتاة وفيه قول ثالث لأهل العلم أنه سنة في حقهما جميعًا في حق الفتى والفتاة وأقرب الأقوال عندي أنه سنة في حق الفتاة واجب في حق الذكر ومن طُرُقِ أدلة وجوبه ما قاله بعض أهل العلم وهو أن قطع شيء من البدن محرم ولا يستباح المحرم إلا بشيء واجب لأن المستحب لا يستباح به محرم وهذه طريقة لا بأس بها إلا أنه قد تنتقض علينا في مسألة المرأة. ***
بارك الله فيكم المستمعة أم محمد من القاهرة تقول هل يجوز صبغ شعر الرجل بأي لون ما عدا الأسود أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه لا يجوز للرجل أن يصبغ شعره باللون الأسود ليزيل عنه البياض الذي حصل بالشيب أو بأي سببٍ آخر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) والظاهر أنه إذا ابيضَّ بغير الشيب يعني بسبب من الأسباب فإنه لا يجوز أن يصبغ بالسواد أما صبغ الشيب بالسواد فالحديث ظاهر بوجوب تجنبه وأما صبغ الرجل شعره بغير الأسود فهذا إنما يكون للزينة ولا يليق بالرجل أن يصبغ شعره للزينة لأنه ليس امرأةً حتى يُنَشَّأ في الزينة والحلية فأرى أن لا يصبغ شعر رأسه بغير الأسود ولا يجوز بالأسود إذا كان لتغيير الشيب. ***
تقول السائلة ما حكم نتف الشيب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نتف الشيب إذا كان في الوجه فإنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) قال العلماء والنمص هو نتف شعر الوجه أما من غير الوجه كشيب الرأس فقد كرهه أهل العلم وقالوا يكره نتف الشيب ولا أدري ماذا يصنع هذا الشائب إذا كان كلَّما ابيضت شعرةٌ نتفها فسوف يقضي على رأسه كله لأن الشيب كالنار يشتعل في الرأس كما قال زكريا ﵊ (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) . ***
يقول السائل ما حكم اللحية في الإسلام نريد من سيادتكم الأحاديث أو بعض الأحاديث التي وردت فيها وماذا نفعل حيث أصبح كل ملتحٍ في المجتمع يُنظر له نظرة غريبة من قبل الناس ويضطهد أيضًا في بعض الأحيان وكي لا يقع الإنسان في حلقها كما يقع كثير من الشباب الذين يطلقونها نريد الطريق وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية في الإسلام هي من هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام فقد كان نبينا ﷺ عظيم اللحية) وقال الله تعالى عن موسى وهارون قال هارون لموسى (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) فهي من هدي المرسلين وهي أيضًا من سنن الفطرة كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ حيث قال (عشر من الفطرة وذكر منها اللحية) وقد أمر النبي ﷺ بإعفائها وإرخائها وهذا يدل على أن حلقها محرم لمخالفته الفطرة وللوقوع في معصية الرسول ﷺ وأما كون معفيها ومبقيها ينظر إليه نظرة استغراب واستنكار واستهانة فهذا من البلاء الذي يُبتلى به المرء على دينه هل يصبر عليه أو يراعي فيه غير الله وقد قال الله تعالى (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) والواجب على المسلم أن يصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى ما يناله من الأمور المؤذية في جانب الله ﵎ فنصيحتي للأخ أن يصبر ويحتسب وسوف تنفرج الأمور وسوف تكون العاقبة للمتقين. ***
المستمع عبد الله سوداني يقول ما حدود اللحية في الشرع وهل الشعر الذي يبتدئ من جوار الأذنين إلى الذقن تابع للحية أم لا، وما حكم من يحصر اللحية في الذقن بمعنى يحلق الشعر الذي في الخدين أفيدوني في سؤالي جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية هي شعر الخدين والوجه ولكن لكل جزءٍ منها اسم فالذي على اليمين واليسار يسميان العارضين والذي في ملتقاهما من أسفل يسمى الذقن وكل ذلك يدخل في مسمى اللحية فاللحية إذًا تشمل جميع ما على الوجه من الشعر ولا يجوز لأحدٍ أن يحلق منها شيئا لأن ذلك خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله (خالفوا المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وقوله (خالفوا المجوس اعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي روايةٍ (وفروا اللحى) وليعلم أن بعض الناس التبس عليهم الأمر بصنيع عبد الله بن عمر ﵄ حيث (كان إذا حج قبض على لحيته فقص منها ما زاد على القبضة) فظن بعض الناس أن هذا من ابن عمر ﵄ تشريع وأن ما زاد على القبضة يسن أخذه بل بالغ بعضهم حتى قال إن ما زاد على القبضة من الإسبال المحرم ولا شك أن هذا خطأ عظيم في الفهم والعبرة بكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل هل الشعر النابت على العنق من الأمام يعتبر من اللحية وما حكم حلقه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس الشعر النابت على الرقبة تحت الحنك من اللحية ويجوز حلقه لأنه ليس منها والمحرم إنما هو حلق اللحية فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بإعفاء اللحى وقال (خالفوا المجوس) وقد كان هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إعفاء اللحية فقد قال هارون لأخيه موسى (يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) وهذا يدل على أن لهارون لحية وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عظيم اللحية كثيف اللحية فهل يليق بالمسلم أن يتأسى برسل الله صلى الله عليهم وسلم وعلى رأسهم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه أم يتأسى بالمجوس والمشركين أعتقد أنه لا إشكال في أن المؤمن يريد أن يتأسى بالرسل عليهم الصلاة والسلام لعله يكون ممن قال الله فيهم (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) . ***
يقول السائل ما حكم صبغ اللحية بالصبغة السوداء حيث إنني رأيت البعض من الناس يصبغون لحاهم أرجو الإجابة في سؤالي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صبغ الشيب أمر مطلوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر به فقال: (غيروا هذا الشيب) ولكن لا يحل أن يصبغ بالسواد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (جنبوه السواد) ولما ورد في ذلك من الوعيد حيث جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون لحاهم بالسواد حتى تكون كحواصل الطير لا يريحون رائحة الجنة) أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يمكن أن يستغني عن السواد الخالص بلون بني بين الأسود والأصفر ويحصل بذلك على فعل السنة وعلى تجنب المحرم. ***
يقول السائل بالنسبة لصبغ اللحية بالأسود هل هو جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن صبغ اللحية بالأسود حرام لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتغيير الشيب و(قال: جنبوه السواد) وورد الوعيد على مَنْ صبغ بالسواد وإذا اجتمع الأمر باجتنابه والوعيد على فعله كان ذلك دليلا على أنه أي الصبغ بالسواد حرام. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل هل مشط اللحية والقيام بتطييبها يوميا يدخل ضمن (النهي عن الترجل إلا غبًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الترجل هو تسريح الشعر ودهنه وتحسينه وتزيينه وقد (نهى النبي ﷺ عن الترجل إلا غبًا) أي يوما فيوما ذلك أنه إذا اشتغل الإنسان بإصلاح هندامه وصار هو أكبر همه فإنه يشتغل به عن أمور أهم وأعظم أما إذا فعله غبا يعني يوما يترجل ويوما لا يترجل أو يوما يترجل ويومين لا يترجل أو يومين يترجل ويوما لا يترجل صار هذا دليلًا على أنه ليس ذلك عنده بأهمية كبيرة تشغله عن ما هو أهم فلذلك نقول لا ينبغي للإنسان أن يبالغ ويسرف في الترجيل ترجيل الشعر ولا أن يهمله أيضا لأن النبي ﷺ قال لما تحدث عن الكبر (قالوا يا رسول الله إنا نحب أن يكون النعل حسنًا والثوب حسنا فقال ﵊: إن الله جميل يحب الجمال أي يحب التجمل الكبر بطر الحق وغمط الناس) ولهذا ليس المتكبر من يلبس الثياب الحسنة والجميلة أو النعل الحسن والجميل الكبر أن يرد الحق وأن يغمط الناس ويحتقرهم حتى ولو كان عليه ثياب خَلِقَة فإنه قد يكون متكبرًا في قلبه والعياذ بالله مستكبرًا على دين الله وعلى عباد الله وقد أخبر النبي ﷺ أنه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر) فعلى الإنسان أن يكون متواضعًا لله متواضعًا لخلق الله يقدم شريعة الله على هوى نفسه وينزل عباد الله منزلتهم ولا يستطيل على أحد ولا يفخر على أحد. ***
بارك الله فيكم سؤال من المستمع ص ق ح يقول هل يجوز نتف الشيب الموجود بالرأس أو اللحية بالنسبة للرجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نتف الشيب من اللحية من النمص لأن النمص نتف شعر الوجه والنمص ملعون فاعله فهو من كبائر الذنوب وأما نتف شعر الشيب من الرأس فإنني أقول إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صبغه بالسواد الذي فيه إخفاء الشيب فإن نتفه أشد من صبغه بالسواد وعلى هذا فلا ينتفه ونقول لهذا الذي نتف الشعرة أو الشعرتين من الشيب في رأسه نقول إنه إذا بدأ الشيب في الرأس فسوف يعمه فهل كلما ابيضت شعرة من رأسه ينتفها إن فعل ذلك فإنه لم يبقى على رأسه شعرة. ***
بارك الله فيكم المستمع م. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في حلق اللحية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن حلق اللحية محرم لأنه معصية لرسول الله ﷺ ومن عصى رسول الله ﷺ فقد عصى الله ولأنه مشابهة للمشركين والمجوس وقد صح عن النبي ﷺ أنه أمر بمخالفة المشركين والمجوس و(قال: من تشبه بقوم فهو منهم) فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته بل الواجب عليه توفيرها وإرخاؤها وإعفاؤها كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله ﷺ. ***
أحسن الله إليكم هل حلق اللحية معصية للرسول ﷺ ويعاقب عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية معصية للرسول ﷺ وخروج عن سنة الرسول ﷺ واتباع لسنة المجوس والمشركين دليل ذلك قول النبي ﷺ (خالفوا المجوس خالفوا المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فقال ﵊ (خالفوا المشركين خالفوا المجوس) وبين وجه المخالفة في قوله (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فمن حلق لحيته فقد عصى أمر النبي ﷺ في قوله (وفروا اللحى) ومن حلق لحيته فقد اتبع سبيل المجوس والمشركين ومن حلق لحيته فقد خالف هدي الأنبياء والمرسلين فإنهم عليهم الصلاة والسلام لهم لحى ألم تسمعوا إلى قول الله ﵎ عن هارون أنه قال لموسى (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ألم يبلغكم أن (النبي ﷺ كان كثيف اللحية عظيمها) ثم إنه أي حالق اللحية مخالف للفطرة لأن النبي ﷺ أخبر (أن إعفاء اللحية من الفطرة) وعلى هذا فيكون حالق لحيته واقعا في هذه المحاذير الأربعة مخالفة هدي الأنبياء والمرسلين موافقة هدي المجوس والمشركين معصية الرسول ﷺ مخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها فعلى الذين ابتلاهم الله بذلك أن يتوبوا إلى الله تعالى بصدق وإخلاص وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. ***
بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية ع. ع. م. يقول هل يعتبر حلق اللحية من الكبائر وهل يوجد حديث عن الرسول ﷺ يبين فيه العقاب الشديد لمن حلق لحيته أرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية من الكبائر باعتبار إصرار الحالقين يعني أن الذين يحلقون لحاهم يصرون على ذلك ويستمرون عليه ويجاهرون بمخالفة السنة فمن أجل ذلك صار حلق اللحى كبيرة من حيث الإصرار عليه أما الأحاديث الواردة في ذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها من الفطرة أي أن إعفاء اللحى من الفطرة وبناء على ذلك يكون من حلقها مخالفًا لما فُطِرَ الناس عليه، ثانيًا أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حلق اللحية من هدي المجوس والمشركين ونحن مأمورون بمخالفة المجوس والمشركين بل وكل كافر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ تشبه بقومٍ فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية (في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم -سنده جيد وأقل أحواله يقتضي التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) ثالثا: أن النبي ﵊ أمر بإعفاء اللحية وقال (أعفوا اللحى) وفي لفظٍ (وفروا) وفي لفظٍ (أرخوا) وقال (خالفوا المشركين خالفوا المجوس) والأصل عند أكثر العلماء أن أوامر الله ورسوله للوجوب حتى يوجد ما يصرفها عن ذلك ووجهٌ آخر أظنه الرابع أن إعفاء اللحية هدي النبي ﵊ وهدي الرسل السابقين والقارئ يقرأ قول الله تعالى عن هارون حين قال لأخيه موسى (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) والعالم بسنة الرسول ﷺ قد بلغه أنه ﵊ كث اللحية عظيم اللحية) ولو خير العاقل بين هدي الأنبياء والمرسلين وهدي المشركين فماذا يختار إذا كان عاقلًا فسيختار هدي الأنبياء والمرسلين ويبتعد عن هدي المجوس والمشركين لهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله أقول اتقوا الله امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إعفاء اللحية فإن الله قال (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الإمام أحمد (أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من البغي فيهلك) فالمسألة عظيمة فنحن نخاطب جميع إخواننا المسلمين أن يتقوا الله ﷿ وأن يتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يؤجروا على ذلك ويحصل لهم مع طيب المظهر باللحية التي جمَّل الله بها وجه الرجل الطيب المبطن وهو طيب القلب لأن الإنسان كلما ازداد تمسكًا بدين الله ازداد قلبه طيبًا ولنستمع إلى قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ما قال فلنكثرن ماله فلنرفهنه، قال (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) حتى لو كان فقيرًا قلبه مطمئن راضٍ بقضاء الله وقدره فحياته طيبة نسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا بذكره والإيمان به وأن يهدي جميع المسلمين لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل من المعروف أن تربية اللحية للرجال سنةٌ مؤكدة ولكن إذا كانت زوجة الرجل تقول لازم تحلق لحيتك وإلا لا أمكنك من نفسي أرجو أن تتحدثوا عن هذا الموضوع بإمعان مع العلم أنني ممن هو واقعٌ في ذلك مع زوجتي بحيث أقنعتها ولم تقتنع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يراعي أحدًا بالطاعة في معصية الله فلا يطيع زوجته ولا أمه ولا أباه ولا من ولي عليه في معصية الله أبدًا لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق وحلق اللحية محرم مخالفٌ لهدي النبي ﷺ وهدي الأنبياء من قبله وهدي المسلمين عمومًا فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وثبت (أنه ﷺ كان كث اللحية) وقال هارون لأخيه موسى (يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) وأخبر الرسول ﷺ أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها فيحرم على الرجل أن يحلق لحيته حتى وإن اعتاد الناس ذلك حتى وإن طالبته زوجته بهذا حتى ولو هددته بأن تشارعه وهو إذا شارعها فإن المحكمة الشرعية التي تحكم بشريعة الله لن تمكنها من أي عملٍ ينافي الزوجية بسبب هذا التمسك بشريعة النبي ﷺ أما هذه الزوجة فإني أنصحها بأن تتقي الله ﷿ في زوجها وأن لا تأمره بمعصية الله ﷿ فإنها إذا أمرته بمعصية الله كانت آثمة وإن لم يفعل المعصية لأنها تحب منه أن يفعلها وهو لا يجوز له أن يوافقها في ذلك. ***
بارك الله فيكم يقول السائل هل صحيح أن مقدار اللحية قبضة يد كما ورد ذلك عن عبد الله بن عمر ﵄ وكيف كانت لحية الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية لا تحد بالقبضة لعموم أمر النبي ﷺ بإعفائها فهي ليس لها حد وفعل ابن عمر ﵁ اجتهادٌ منه والاجتهاد لا يقابل ولا يدفع به النص والنبي ﵊ عمم قال (أعفوا اللحى) (أرخوا اللحى) (وفروا اللحى) فليس للحية قدر محدد أما رسول الله ﷺ الذين أخبروا عن أوصافه أخبروا بأنه ﷺ واسع اللحية عظيمها) ولكن لم يذكروا لها طولًا محددًا فيما اعلم. ***
بارك الله فيكم رسالة المستمع رأفت من جمهورية مصر العربية يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في تقصير اللحية ورفع اليدين بعد كل صلاة للدعاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقصير اللحية مخالف لأمر النبي ﷺ في اعفاء اللحى فإن النبي ﷺ أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتركها على ما كانت عليه وأخبر ﵊ أن هذا مخالفة للمجوس فقال ﵊ (خالفوا المجوس: أعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وعلى هذا فإنه لا يقص شيئًا من شعر لحيته بل يبقيها على ما هي عليه والإنسان كلما تمسك بالشرع ازداد إيمانًا ويقينًا ومحبة لطاعة الله وسهل عليه مخالفة العادات التي يعتادها أهل بلده وأهل زمنه. وأما رفع اليدين للدعاء بعد كل صلاة فإن هذا ليس من السنة والسنة للإنسان إذا أراد أن يدعو الله ﷿ أن يدعوه بعد إكمال التشهد وقبل السلام كما أمر بذلك النبي ﵊ حيث قال بعد أن ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ومعلوم أن كون الإنسان يدعو قبل أن يسلم أولى من حيث النظر من كونه يدعو بعد أن يسلم لأنه إذا كان في صلاته كان يناجي ربه فإذا انصرف من صلاته انقطعت المناجاة وكون الإنسان يدعو الله ﷿ في حال المناجاة أولى من كونه يدعوه بعد انقضاء المناجاة إذًا فقد دل الأثر والنظر على أن الدعاء قبل السلام أفضل من الدعاء بعده ثم إننا نقول هل كان من هدي الرسول ﵊ أنه كلما سلَّم دعا؟ لا ليس من هديه لا في الفريضة ولا في النافلة ونحن نعلم علم اليقين أن خير الهدي هدي محمد ﷺ فاتخاذ هذا سنة في الراتبة أي كلما فرغ من الصلاة دعا في فرض أو نفل يعتبر من البدع التي لم ترد عن النبي ﷺ لكن لو دعا الإنسان أحيانًا فإننا نرجو أن لا يكون في ذلك بأس. أقول نرجو أن لا يكون في ذلك بأس ما لم يكن الإنسان أسوة وقدوة كالعالم الذي إذا رآه العامة ربما يرون أن هذه سنة راتبة دائمة فإنه في هذه الحال لا يدعو بل يجعل دعاءه قبل أن يسلم. ***
أحسن الله إليكم من جامعة الملك سعود بالرياض السائل م. ف. س يقول هل يجوز للشخص أن يقصر من لحيته وما هو الحد الأدنى في ذلك أو يطلقها كاملة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب إطلاقها كاملة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خالفوا المجوس أعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (أرخوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فالواجب إبقاء اللحية كما هي ولا يتعرض لها بقص ولا بحلق. ***
المستمع م. ج من الرياض يقول فضيلة الشيخ عرفنا حكم حلق اللحية ولكن ما حكم من أخذ بعضًا من لحيته هل يدخل هذا في الحلق أيضا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية إننا عرفنا أنه حرام من قول النبي ﵊ (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (أرخوا اللحى) وفي لفظ (أوفوا اللحى) والقص منها مخالفة لهذا الأمر لأن من قصها فإنه لم يعفها ولم يوفِّها ولم يوفرها ولكنه لاشك أن القص أخف من الحلق لأن الحلق إذهاب للشعر بالكلية والقص إذهاب لبعضه وإذهاب البعض ليس كإذهاب الكل لكن هو داخل في المعصية إذا أخذ منها شيئًا وعلى هذا فالواجب على مَنْ يتقي الله ﷿ أن يتجنب حلق اللحية والأخذ منها وسيسهل عليه ذلك إذا كان قد عزم وصمم واحتسب الأجر من الله فإنه يهون عليه الأمر يهون عليه إعفاء اللحية وإبقاؤها ولو طالت لأن الإنسان إذا كان يحتسب ما يقوم به على الله ﷿ وينتظر ثوابه بذلك فإنه يهون عليه كل شيء. ***
هذه الرسالة من عبد الله صلاح من المدينة المنورة يقول أنا شاب جامعي والحمد لله هديت إلى تربية اللحية ولكني آخذ منها قليلًا من ناحية الرقبة ومن ناحية أعلى الخد وقد عارضني البعض وقال غير جائز، علما أن هذا الشعر الزائد يضايقني فما رأي فضيلتكم أشيروا عليَّ هداكم الله وإيانا المرسل عبد الله صلاح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما تحت الحلق فإنه ليس من اللحية لأنه ليس نابت على اللحيين وأما ما كان على الخدين فمقتضى كلام أهل اللغة إنه من اللحية وعلى هذا فإننا لا نري لهذا الأخ أن يأخذ منه شيئًا وأن يبقي الشعر على الخدين وعلى العارضين كما هو لأنه من اللحية حسب ما في كلام أهل اللغة العربية. ***
هذه رسالة وردتنا من المستمع ع ش ع يقول في رسالته أنا الحمد لله أعفي لحيتي وأقص من شاربي غير أنني أقص من طول لحيتي بالمقص ولا آخذ منها شيئًا بالموسى لا من أعلاها ولا من أسفلها مع أن الشعر الذي أقصه إذا تركته يضايقني ولا أستطيع تركه أفيدوني وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ هذا يتضمن أمرًا محمودًا ثبت الأمر به من قبل الشارع وأمرًا غير محمود أما الأمر المحمود فهو كونه يقص من شاربه فإن قص الشارب من الفطرة التي فطر الله العباد على استحسانها وعلى أنها مكملة للطهارة والنظافة وهي أيضًا مما أمر به النبي ﷺ وأما الأمر غير المحمود فهو كونه يأخذ من لحيته فإن أخذه من لحيته مخالف لأمر النبي ﷺ حيث أمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين وإذا كان في هذا مخالفة للنبي ﷺ فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يفعله لقول الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) وهاهنا مسألة وهي أن بعض الناس يظنون أن الأمر بإعفاء اللحى من أجل مخالفة المجوس والمشركين ويقولون إن من المشركين اليوم من يعفي لحيته وعلى هذا فلا يكون في إعفائها مخالفة لهم فنقول ليس هذا فقط هو العلة في الأمر بإعفاء اللحية بل هناك علة أخرى وهي أنها من الفطرة كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ فيما رواه مسلم أن النبي ﷺ قال (عشر من الفطرة وذكر منها إعفاء اللحية) وعلى هذا فإعفاء اللحية من الفطرة ثم إن كوننا يشرع لنا هذا العمل من أجل مخالفة المشركين في الأصل لا يقتضي إذا وافقونا عليه في النهاية أن ندعه نحن لأن الحقيقة أنهم إذا أعفوا لحاهم فهم الذين تشبهوا بنا في ثاني الحال لأن الأصل أننا مأمورون بمخالفتهم حين التشريع على أننا لا نسلم أن كل المشركين اليوم يعفون لحاهم كما هو الواقع والمشاهد. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الرحمن ع. ك. يقول شعر لحيتي في الجزء الأيمن أكثف من الجزء الأيسر فهل عليّ إثم إذا قمت بتسويتها حتى تتساوى مع الجهة الأخرى أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي ﷺ أنه (قال: خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وفي رواية أخرى (أرخوا اللحى) وكل هذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يحلق شيئًا من لحيته وظاهر الحديث العموم فيشمل حتى هذه الحال التي ذكرها السائل اللهم إلا أن يكون ذلك مشوهًا لوجهه كثيرًا فهذا ربما ينظر فيه وأما مجرد انه فوّت الجمال فإن هذا لا يبيح له أن يأخذ شيئًا من لحيته وهو إذا اتقى الله ﷾ وفعل ما أمر به النبي ﷺ فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا. ***
يقول السائل أنا مستمع للبرنامج وأسأل عن الحكم فيمن أخذ من لحيته بما يسمى التزيين وقص شيئًا منها أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تزيين اللحية إنما يكون باتباع ما أرشد إليه النبي ﵊ في قوله (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) ولا ثوب للإنسان ولا حلية للإنسان أحسن من ثوب وحلية التقوى قال الله تعالى (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) والإنسان إذا اتقى الله عز جل كساه الله تعالى جمالًا يظهر على وجهه وعلى أخلاقه حتى يكون خيرًا مما فاته مما يكون فيه معصية لرسول الله ﷺ. ***
بارك الله فيكم مستمع للبرنامج يقول ما حكم ترك إزالة شعر الإبط لفترة طويلة وهل هناك مدة معينة يجب إزالته عند مضيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إزالة شعر الإبط من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها وجاءت بها الشرائع منزلة من الله ﷿ وكذلك قص الأظافر والشارب وحلق العانة والختان فهذه الأشياء كلها من الفطرة التي يرتضيها كل عاقل لم تتغير فطرته وقضتها الشرائع المنزلة من عند الله ﷿ وقد (وقَّت النبي ﷺ في الشارب والعانة والإبط والأظافر وقَّت لها أربعين يومًا) فلا تترك فوق أربعين يومًا وعلى هذا فنقول إذا كان الرسول ﵊ قد وقَّت لأمته هذه المدة فهي المدة القصوى وإن حصل سبب يقتضي أن تزال قبل ذلك فإنها تزال كما لو طالت الأظافر أو كثرت الشعور في الإبط أو الشارب طال قبل الأربعين فإنه يزال لكن الأربعين هي أقصى المدة وغايتها ومن العجب أن بعض الجهال يبقي أظافره مدة طويلة حتى تطول وتتراكم فيها الأوساخ وهؤلاء قد تنكروا لفطرتهم وخالفوا السنة التي دعا إليها رسول الله ﷺ ووقَّتها لأمته ولا أدري كيف يرضون لأنفسهم أن يفعلوا ذلك مع ما فيه من الضرر الصحي فوق المخالفة الشرعية وبعض الناس يبقي ظفرًا واحدًا من أظفاره إما الخنصر وإما السبابة وهذا أيضًا جهل وخطأ فالذي ينبغي للمسلمين أن يترسموا وأن يتمشوا على ما خطه النبي ﵊ ورسمه لهم من فعل هذه السنن التي تقتضيها الفطرة قص الأظفار والشارب وحلق العانة ونتف الآباط أما الختان فإنه معروف يفعل في الصغر وهو الأفضل وأرجح الأقوال فيه أنه واجب في حق الرجال سنة في حق النساء. ***
المستمعة ل. ج. م. من الموصل من العراق تقول ما الحكم في تطويل الأظافر مع العلم أنها نظيفة وهل قصها سنة أم فرض أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر أو قصها من سنن الفطرة التي فطر الله الخلق على استحسانها قدرًا وسنَّها لهم شرعًا وقد (وقَّت النبي ﷺ فيها وفي قص الشارب وحلق العانة ونتف الآباط أن لا تترك فوق أربعين يومًا) وعلى هذا فلا تترك الأظافر فوق أربعين يومًا لا تقص سواء كانت نظيفة أم وسخة لأن خير الهدي هدي محمد ﷺ وعدم قصها مخالف للفطرة التي فُطِرَ الناس عليها وإبقاؤها أكثر من أربعين يومًا إذا كان الحامل له على ذلك الاقتداء بالكفار الذين انحرفت فطرهم عن السلامة فإن ذلك يكون حرامًا لأن النبي ﷺ (قال: من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد بإسناد جيد قال شيخ الإسلام ابن تيمية (أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) أما إذا كان الحامل لإبقائها وتركها أكثر من أربعين يومًا بمجرد هوى في نفس الإنسان فإن ذلك خلاف الفطرة وخلاف ما وقته النبي ﷺ لأمته. ***
حفظكم الله السائلة تسأل عن حكم تربية الأظافر لمدةٍ معينة لستة شهور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأظافر والعانة والإبط والشارب (وقَّت فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن لا تترك فوق أربعين يومًا) فإذا تمت الأربعون فلا بد من إزالتها حتى ولو كانت قصيرة لأن الناس يختلفون في نمو الأظافر والشعور لكن لا تزيد على أربعين يومًا فمثلًا لو قدر أن الإنسان مضى له أربعون يومًا وأظافره ليست طويلة ولكنه يمكن قصها فإنه يقصها ولو كانت قصيرة وكذلك يقال في شعر العانة والشارب والإبط وأما ما تفعله بعض النساء تقليدًا لنساء الكفار من إطالة الأظفار أو إطالة بعضها فإن هذا خلاف السنة وأخشى أن يكون الفاعل آثمًا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وقَّت أن لا تترك فوق أربعين) . ***
السائلة ريهام محمود تقول سمعت من بعض الناس بأنه من اللازم أن تقصر الأظافر بعد أربعين ليلة فنرجو من فضيلتكم إيراد النص سواء من الكتاب أو السنة يؤيد هذا القول وهل المقصود أظافر اليدين والرجلين أم أظافر اليدين فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث عن أنس بن مالك ﵁ قال (وَقَّتَ لنا رسول الله ﷺ في الشارب والإبط والعانة والأظفار ألا تترك فوق أربعين يوما أو قال ليلة) فالمسألة ليس خاصة بالأظفار بل هي في الأظفار وفي الإبط وفي العانة وفي الشارب لا تترك فوق أربعين يوما ومن الخطأ أن بعض النساء خاصة تبقي أظفارها تطول وبعضهن تقص أظفارها إلا ظفر إصبع واحدة فتبقيها حتى تكون كرأس الحربة وكل هذا من الجهل وإلا فأظن أن المسلم إذا علم بحكم الله ورسوله فلن يحيد عنه، المهم ألا تترك هذه الأربعة فوق أربعين يومًا. ***
أحسن الله إليكم تقول السائلة من الرياض هناك كثير من الطالبات إذا نصحناهن بأن تطويل الأظافر مخالف للسنة تساهلت بهذا وقالت بأن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فهل من توجيه لهؤلاء النسوة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أوجه كلمتي هذه إلى جميع النساء الصغار منهن والكبار وأقول على المرأة أن تتقي الله ﷿ وأن تنجي نفسها من النار فإن النبي ﷺ أخبر أنه وجد أن أكثر أهل النار النساء وعليها أي على المرأة أن تتبع سنة الرسول ﷺ وقد قال أنس ﵁ (إن النبي ﷺ وقت في الأظفار وشبهها مما يؤخذ أربعين يوما) وظاهر هذا الحديث أنه لا يجوز تأخير تقليم الأظفار أكثر من أربعين يوما وأما قولها إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فهذا تهاون منها ألم تعلم أنها سيأتيها اليوم الذي تتمنى أن يكون في حسناتها زيادة حسنة واحدة ثم إن هذه الموضة من أين أخذت إنها ليست معروفة لا في أمهاتنا ولا في جداتنا ثم إن هذه الموضة التي يكون فيها المناكير يكون فيها شيء يمنع من وصول الماء إلى الظفر وهذا يخل بالوضوء إذ من شرط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى الظفر ثم إن من هذه الموضات حسب ما سمعنا أن بعضهن تجعل إصبعا واحدًا فيها المناكير وتطوّل ظفره والباقي تقلم وهذه مخالفة ظاهرة لأن الأظافر طريقها واحد إما أن تقلم كلها وإما أن تترك كلها وتركها فوق أربعين يومًا خلاف ما وقَّته النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته. ***
تقول السائلة هل يجوز لي تقليم أظافري في فترة الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تقليم الأظافر سنة وفي أي وقت وعلى أي حال وقد (وقَّت النبي ﷺ لتقليم الأظافر وحف الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك فوق أربعين يومًا) وبهذا نعرف خطأ بعض الناس الذين يبقون هذه الأشياء أكثر من أربعين يومًا فتجد أظفارهم تطول طولًا فاحشًا لا يقصها وكذلك شاربه وكذلك إبطه وكذلك عانته والذي ينبغي للمسلم أن يتقيد بما قيده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يترك هذه الأشياء فوق أربعين يومًا. ***
بارك الله فيكم المستمعة فاطمة من السودان تقول ماذا يفعل الإنسان بالشعر المتساقط أو الأظافر هل يتم حرقها أم وضعها في التراب أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذهب بعض أهل العلم أنه ينبغي للإنسان أن يدفن ما يزيل عن نفسه من شعر وظفر واستدلوا لذلك (بفعل الصحابة ﵃ فإن تيسر هذا فذاك وإن لم يتيسر فلا بأس أن يضعه في أي مكان كان. ***
تقول السائلة عندما أقصر من شعري أو أظافري أضع ذلك في كيس النفايات ما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى في هذا بأسًا ومن العلماء من قال ينبغي أن يدفن ذلك (لفعل بعض الصحابة ﵃ . ***
باب فروض الوضوء وصفته
ما حكم التسمية في الوضوء وإذا كان الإنسان في موضعٍ لا يُذكر فيه اسم الله فهل تكفي النية وإذا نسي الإنسان التسمية فهل يصح وضوؤه أفيدونا وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية في الوضوء مشروعة لأن هذا من الأفعال الهامة التي تنقص بركتها إذا لم يسمِ الله عليها ولكنها ليست بواجبة على ما نراه وإن كان بعض العلماء يرى أنها واجبة لقول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) لكن عندنا نحن لم يثبت قال الامام أحمد: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وعلى هذا فيكون القول بوجوبه قولًا ضعيفًا أو قولًا مرجوحًا فيما نراه والذين يقولون بالوجوب يرون أنها تسقط بالسهو وأن الرجل لو سها عنها حتى أتم وضوءه فوضوؤه صحيح وإن سها عنها ثم ذكرها أثنائه سمى واستمر في وضوئه وأما إذا كان في موضع لا ينبغي فيه ذكر الله فإنه يسمي بقلبه ولا ينطق بها بلسانه ويكون بذلك قد فعل ما ينبغي. ***
رسالة وصلت للبرنامج من المستمع راجح ضويحي يقول من المعلوم أن من واجبات الوضوء التسمية مع الذكر عند بدء الوضوء هل تجوز التسمية إذا كان الوضوء داخل دورة المياه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل من المعلوم وجوب التسمية في الوضوء هذا صحيح بالنسبة للمشهور من مذهب الإمام أحمد ﵀ ولكن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فمنهم من يرى الوجوب بناءً على صحة الحديث عنده وهو قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ومنهم من يرى أن التسمية لا تجب لأن هذا الحديث لم يثبت عنده كما قال الإمام أحمد ﵀ (لا يثبت في هذا الباب شيء) فوجوب التسمية على الوضوء محل خلاف بين أهل العلم لكن من قال بالوجوب فإنه إذا توضأ الإنسان في مكان لا ينبغي فيه ذكر الله فإنه يسمِّي ولاحرج عليه في ذلك لأن الواجب لا يسقطه الشيء المكروه فإذا قلنا بكراهة الذِّكر في الحمام مثلًا فإن ذلك لا يسقط وجوب التسمية في الوضوء لأن الواجب أوكد من ترك المكروه فيسمي ولا حرج عليه في ذلك. ***
هذا مستمع من جمهورية مصر العربية المنصورة محمود السعيد عبد الخالق يقول السادة القائمين على هذا البرنامج الجليل نورٌ على الدرب إني لأتوجه لفضيلتكم بوافر الشكر لإتاحتكم لي هذه الفرصة لتتفضلوا مشكورين بالإجابة على أسئلتي يقول ما هو موقف الإسلام الحنيف من الوضوء وما يستلزمه من ذكر اسم الله في مكانٍ كالخلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية على الوضوء سنة إذا سمَّى الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يسمِ فلا إثم عليه ولا فساد لوضوئه بل وضوؤه صحيح وذلك أن قول رسول الله ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) قد اختلف العلماء ﵏ في ثبوته وفي مدلوله فمن العلماء من ضعفه حتى قال الإمام أحمد ﵀ (لا يثبت في هذا الباب شيء) ومن العلماء من قال إنه حجة ثم اختلفوا أيضًا هل هذا النفي نفي للكمال أو نفيٌ للصحة فمنهم من قال إنه نفيٌ للكمال وإن الوضوء بالتسمية أتم ولا تتوقف صحته عليها ومنهم من قال إنه نفيٌ للصحة وإن الوضوء بدون التسمية ليس بصحيح لأن هذا هو الأصل في النفي لأن الأصل في النفي أن يكون المنفي معدومًا إما حقيقة وإما شرعًا إلا أن يقوم دليلٌ على أن المراد بذلك نفيٌ للكمال والأقرب عندي أن التسمية عند الوضوء سنة وذلك لأن جميع الواصفين لوضوء الرسول ﷺ ليسوا يذكرون عنه التسمية مع أنهم يذكرون الوضوء في مقام التعليم للناس كما كان أمير المؤمنين عثمان ﵁ يدعو بالطشت فيه الماء فيتوضأ والناس ينظرون إليه ليعلمهم وضوء رسول الله ﷺ ولم يكن يذكر التسمية فإن سمَّى الإنسان على وضوئه كان أكمل وإن لم يسمِ لا إثم عليه ووضوؤه صحيح ثم إن التسمية في الخلاء وشبهه لا بأس بها لأن غالب المخليات عندنا نظيفة فإن الماء يزيل النجاسة ويذهب بها وإنْ أحب أن يسمي بقلبه بأن يستحضر التسمية بقلبه بدون أن ينطق بها بلسانه فهذا طيب. ***
يقول عندما أشرع في الوضوء وعند غسل الوجه أشك أنني هل ذكرت البسملة في البداية أم لا أود معرفة ما إذا كان يتوجب عليّ إعادة الوضوء أم أواصل تكملة الوضوء جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شك الإنسان هل سمى عند الوضوء أم لم يسم فإنه يسمي حينئذٍ ولا يضره ذلك شيئًا وذلك لأن غاية ما فيه أن يقال إنه نسي التسمية في أوله والإنسان إذا نسي التسمية في أول الوضوء ثم ذكر في أثنائه فإنه يسمي ويبني على ما مضى من وضوئه ومع ذلك فإن أهل العلم ﵏ اختلفوا هل التسمية في الوضوء واجبة أم سنة. والأقرب أنها سنة وليست بواجبة لأن الحديث الوارد فيها قال عنه الإمام أحمد ﵀: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وجميع الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا التسمية فيما نعلم وحينئذٍ تكون التسمية سنة إن أتى بها الإنسان كان ذلك أكمل لوضوؤه وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح. ***
سائل يقول في سؤاله ما حكم من ترك التسمية عند وضوئه ولم يتذكر إلا بعد فراغه من الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من نسي التسمية على الوضوء حتى فرغ منه فإنه لا شيء عليه ووضوؤه صحيح حتى لو فُرِضَ أنه تعمد ترك التسمية عند الوضوء فإن في صحة وضوئه خلافًا بين العلماء فمنهم من يقول إن وضوءه صحيح ولا شيء عليه وذلك لأن الأحاديث المتكاثرة عن النبي ﷺ في وصف وضوئه ليس فيها ذكر للتسمية وحديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ليس بثابت مرفوع إلى النبي ﷺ كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام عن الإمام أحمد ﵀ أنه قال: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وذهب بعض أهل العلم إلى أن التسمية على الوضوء واجبة وأنه إذا تعمد تركها لم يصح وضوؤه ولكن القول الأول أقرب إلى الصواب أي إن التسمية على الوضوء سنة إن أتى بها الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح. ***
بارك الله فيكم يقول هذا السائل فضيلة الشيخ إذا توضأت ونسيت البسملة هل يصح الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية على الوضوء سنة وليست بواجبة بل هي من مكملات الوضوء لأن أكثر الواصفين لوضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكروا أنه يسمي لكن ورد عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وقد اختلف العلماء في ثبوت هذا الحديث وعدمه فالإمام أحمد ﵀ قال: (لا يثبت في هذا الباب شيء) كما نقله عنه صاحب البلوغ، ومن العلماء من جعل هذا الحديث حجة أي إنه ثابتٌ عنده عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن يبقى النظر في هذا النفي هل هو نفيٌ للصحة أو هو نفيٌ للكمال؟ وإذا كانت النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وضوئه لم تذكر هذه البسملة في أكثر ما ورد إن لم يكن كل ما ورد من فعل الرسول ﵊ فإنه يتعين أن يحمل ذلك على الكمال فالتسمية على الوضوء أكمل لكن لو تركها الإنسان متعمدًا فإن وضوءه صحيح ولا إثم عليه. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع من القصيم يقول فضيلة الشيخ هل يستحب استقبال القبلة حال الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض الفقهاء أنه يستحب استقبال القبلة حال الوضوء وعلل ذلك بأنه عبادة وأن العبادة كما يتوجه الإنسان فيها بقلبه إلى الله فينبغي للإنسان أن يتوجه بجسمه إلى بيت الله حتى أن بعضهم قال إن هذا متوجه في كل عبادة إلا بدليل ولكن الذي يظهر لي من السنة أنه لا يسن أن يتقصد استقبال القبلة عند الوضوء لأن استقبال القبلة عبادة ولو كان هذا مشروعا لكان نبينا ﵌ أول من يشرعه لأمته إما بفعله وإما بقوله ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان يتقصد استقبال القبلة عند الوضوء. ***
ما الحكم في البدء بالأعضاء الشِّمال قبل اليمين في الوضوء؟ وهل الصلاة التي أديت على هذا النحو صحيحة أم تجب إعادتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البداءة بالشمال قبل اليمين في الوضوء في غسل اليدين والرجلين خلاف السنة فإن السنة أن يبدأ الإنسان باليمين لقول عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) ولقوله ﵊ (ألا فيمنوا ألا فيمنوا ألا فيمنوا) . فالبداءة باليمين أفضل ولكن لو بدأ بالشمال فإنه يكون مخالفًا للسنة ووضوؤه صحيح لأنه لم يدع شيئًا واجبًا في الوضوء وترك السنن في العبادات لا يوجب فسادها وإنما يوجب نقصها وكلما كانت العبادة أكمل كان أجرها أعظم والحاصل أن هذا الرجل الذي بدأ بشماله قبل يمينه في وضوئه. وضوؤه صحيح وصلاته التي صلاها بهذا الوضوء صحيحة. فضيلة الشيخ: حتى لو كان متعمدًا لم يكن ناسيًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو كان متعمدًا لأنه كما قلت سنة وليس بواجب. ***
يقول السائل يا فضيلة الشيخ هل تخليل اللحية يكون بعد غسل الوجه أم أثناء غسل الوجه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تخليل اللحية يكون أثناء غسل الوجه لأن ما ظهر من اللحية من الوجه فيكون تخليلها تبعًا لغسل الوجه أي مع غسل الوجه. ***
يقول ما حكم تخليل اللحية والأصابع عندما يتوضأ المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما تخليل الأصابع فقد ورد فيه حديث لقيط بن صبرة وهو حديث جيد (أن الرسول ﵊ قال له "خلل بين الأصابع") ولا سيما أصابع الرجلين لأنها متلاصقة وأما تخليل اللحية فقد ورد فيه عن الرسول ﵊ حديث ضعيف أنه (كان يخلل لحيته في الوضوء) ولكنه ليس كتخليل الأصابع والشعر الذي على الوجه من لحية وشارب وحاجب إن كان كثيفًا لا تُرى منه البشرة اكتُفي بغسل ظاهره إلا في الغُسل من الجنابة فيجب غسل ظاهره وباطنه وأما إذا كان غير كثيف وهو ما تُرى منه البشرة فلابد من أن يغسله غسلًا يوصل الماء البشرة لأنه لَمّا ظهرت البشرة من وراء الشعر صدق عليها اسم المواجهة التي من أجلها اشُتق الوجه. ***
يقول السائل ما هو الدعاء الذي يمكن أن أقوله قبل وضوئي وبعده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الوضوء تقول (باسم الله) أما بعد الوضوء فإنك تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن لكل عضو ذكرًا مخصوصًا فإن هذا لا أصل له ولهذا لا يُسن للإنسان أن يدعو الله ﷾ كلما غسل وجهه قال اللهم حرم وجهي على النار وإذا غسل يديه قال ذِكرًا بعده وكذلك مسح رأسه قال ذكرًا هذا لا أصل له في الشرع والتعبد لله به من البدع. ***
تقول السائلة ما حكم التشهد عند الوضوء هل هو واجب أم سنة وهل يلزم النطق به عند تأدية كل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد بعد الوضوء سنة وليس بواجب ولكن فيه ثوابًا عظيمًا قال النبي ﷺ (ما من أحدٍ يسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) وهذا ثوابٌ عظيم لا ينبغي للإنسان أن يتهاون به ولكنه ليس بواجب. ***
السائل يقول هل ورد هذا الدعاء بعد الوضوء (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد ذلك وهو دعاءٌ مناسب لأن الله تعالى قال في كتابه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فإذا سألت الله تعالى أن يجعلك من هؤلاء فهذا يستلزم أنك دعوت الله ﷾ أن تكون من أحبابه الذين يحبهم. ***
تقول السائلة ما حكم رفع الأصبع في التشهد بعد الوضوء مع المداومة على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم له أصلًا وإنما المشروع لمن انتهى من الوضوء أن يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وكفاية. ***
يقول المستمع ما الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث أنه يبقى طاهرًا والمكث على الطهر والبقاء على الطهر من الأعمال الصالحة ولأنه ربما يذكر الله ﷾ في احواله كلها فيكون ذكر الله تعالى على طهر ولأنه قد يعرض له صلاة في مكان ليس فيه ماء يسهل الوضوء منه فيكون مستعدًا لهذه الصلاة المهم أن كون الإنسان يبقى على طهارة دائمًا فيه فوائد كثيرة. ***
هل يجوز نطق النية جهرًا عند الوضوء الصغير أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التكلم بالنية والنطق بها في الوضوء أو الغسل أو الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو غيرها من العبادات كله مخالف لهدي الرسول ﷺ لأنه ليس من هديه أن ينطق بالنية والنية محلها القلب فإنها هي القصد والقصد والإرادة محلهما القلب وهي بينك وبين الله ﷿ والله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فلا حاجة إلى أن تذكر ما نويت لأن الله تعالى يعلمه ولكن عليك أن تصحح أعمالك باتباع الرسول ﷺ. ***
يقول السائل سمعت أن من شروط صحة الوضوء استصحاب النية وقد زادت الوساوس عندي عندما سمعت هذا فإذا وصلت إلى مسح الرأس أعدت الوضوء من أوله أو إلى اليد اليسرى كذلك أعدته وقد تتكرر هذه الحالة أكثر من أربع مرات فبماذا تنصحونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ننصحك بأن نُعْلِمَكَ بأن النية استصحابها معناه ألا تنوي قطع الوضوء، هذا معنى ألا تنوي قطعه وليس معنى استصحاب النية أن تكون على تذكرٍ لها من أول الوضوء إلى آخره فإذا عزبت عن خاطرك ونسيتها وغفلت عنها فإن ذلك لا يضر لأن الاستصحاب معناه ألا ينوي القطع فإذا وصلت إلى غسل رأسك أو غسل ذراعك اليسرى وشككت هل أنت استمررت في هذه النية أم لم تستمر فإن الأصل بقاؤها والاستمرار فلا تعد الوضوء، وإنِّي أحذرك من أن تسترسل في هذا الأمر لأنك إذا استرسلت فيه لا يقتصر على الوضوء فقط بل يتعدى ذلك إلى الصلاة وإلى غيرها من العبادات وحينئذٍ تبقى دائمًا في حيرة وفي قلق والنبي ﵊ قطع هذا الأمر حين (سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فأنت يا أخي اقطع الوساوس عنك واعلم أنك لو كلفت أن تعمل بدون نية ما استطعت كل إنسانٍ عاقل يعي ما يفعل أو يقول فإنه لن يقول شيئًا إلا بنية ولن يفعل شيئًا إلا بنية. ***
يقول السائل هل يشترط في الوضوء تسمية الصلاة التي سيصلىها بهذا الوضوء ولو كان لأكثر من صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط أن يسمي الصلاة التي توضأ لها يعني لا يشترط أن ينويها وكذلك لا ينطق بها بلسانه كما هو المعروف أن النطق بالنية ليس من الأمور المستحبة لكن إذا توضأ لصلاة الظهر مثلًا فله أن يصلى الظهر ويتنفل بهذا الوضوء وله أن يصلى العصر والمغرب والعشاء ما دام على وضوئه ولا حاجة إلى تعيين الصلاة كما أنه لو توضأ بنية رفع الحدث بدون أن ينوي صلاة أو غيرها فإنه يرتفع حدثه وله أن يصلى به ما شاء. فضيلة الشيخ: ولو سمى لا يتقيد بالتسمية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو سمى لا يتقيد بالتسمية. فضيلة الشيخ: مثل لو نوى بوضوئه صلاة الظهر مثلًا يجوز له أن يصلى العصر والمغرب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
يقول السائل هل يجوز أن يقول قبل الوضوء اللهم إني نويت رفع الحدث للصلاة الفلانية وكذا وكذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يعبر عنه بالتكلم بالنية أو النطق بالنية وهو بدعة وذلك لأن الرسول ﷺ لم يكن من هديه أن يتكلم بالنية في أي عبادة من العبادات وخير الهدي هدي محمد ﷺ ثم إن النية بينك وبين الله والله ﷾ لا يحتاج إلى أن يُعلم بما نويت فإنه يعلم السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولو قلنا إنك تتكلم بالنية لقلنا تقول أيضًا اللهم نويت أن أتوضأ فأغسل وجهي وأغسل يدي وأمسح رأسي وأغسل رجلي وأذهب إلى الصلاة وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل هل أستطيع الوضوء قبل الأذان أي قبل دخول وقت الصلاة وذلك كي أستطيع أن أصلى صلاة السنة القبلية والتبكير إلى الصلاة في المسجد وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو هذا ما أشار إليه قبل قليل أنه يمكنه أن يتوضأ قبل الوقت بزمن ينقطع فيه هذا البول ***
بارك الله فيكم هذا السائل يسأل عن كيفية الطهارة قبل الأذان أم وبعده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية الطهارة قبل الأذان ككيفيتها بعد الأذان وإذا تطهر للصلاة قبل الأذان فلا حرج إلا من كان به سلس بول (*فإنه لا يتطهر للصلاة إلا إذا دخل وقتها) .
(*هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى ١٩٩،١٩٨،١٩٧) ***
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا فلاح حسن الحمداني من نينوى العراق يقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلامي وتحياتي إلى علمائنا الأفاضل وإلى أسرة برنامج نور على الدرب إنني أسأل يا فضيلة الشيخ عن الطريقة الصحيحة في الوضوء والأقوال والكلمات الواجب ذكرها وهل تعتبر بعض القطرات من البول أعزكم الله وإخواني المسلمين التي تلامس الملابس بعد الخروج من دورة المياه ناقضة للوضوء مع العلم أنني أبقى لفترة طويلة في الدورة حتى لا تتكرر العملية عندي ولكن ما العمل أرشدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء هو غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ومسح الرأس ومنه الأذنان وغسل الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وليس فيه قول واجب إلا التسمية فإن العلماء اختلفوا في وجوبها، فمنهم مَنْ قال: إنها واجبة لأنه صح عنده قول الرسول ﵊ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ومنهم مَنْ قال إنها سنة لأنه لم يثبت عنده قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ولأن الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يسمي أما الذكر بعد الوضوء وهو قول المتوضئ إذا فرغ من وضوئه (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فليس بواجب وأما ما ذكر من كونه يذكر الله عند غسل وجهه وعند غسل يديه وعند مسح رأسه وعند غسل رجليه فإن هذا لا أصل له ولم يرد عن النبي ﷺ الذكر عند كل عضو من أعضاء الوضوء، وأما ما ذكره السائل عن نفسه من كونه إذا بال ثم استنجى خرج منه قطرات من البول بعد أن يخرج من محل نقض الوضوء فإن هذه القطرات لا تخلو من إحدى حالين إما أن تكون مستمرة بحيث لا يحصل فيها توقف فهذه لها حكم سلسل البول أي إن الإنسان إذا توضأ تحفظ بقدر ما يستطيع بعد أن يغسل فرجه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم صلَّى (*ولا يتوضأ للصلاة قبل دخول وقتها) هذا إذا كانت هذه القطرات مستمرة لا تتوقف، أما إذا كانت تتوقف ولكنها تحصل بعد البول بنحو ربع ساعة أو ما أشبه ذلك فإنه ينتظر حتى تتوقف فإن خرجت بعد هذا انتقض وضوؤه لأن ما خرج من السبيلين ناقض للوضوء بكل حال.
(*هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى ١٩٩،١٩٨،١٩٧) ***
هذه رسالة وردتنا من طالب العلم أحمد شرهان مزهري من جيزان يقول في رسالته بعد الدعاء بطول العمر لمن يجيبون على الأسئلة وأن ينفع بإجابتهم يقول وبعد فأنا أعرف أن أتوضأ جيدًا فيما أعتقد لا بل إنني أعلِّم الكثير من الناس والوضوء كما أعرفه هو أبدأ بغسل القبل والدبر ثم أتمضمض وأستنشق ثم أغسل وجهي جيدًا ثم أغسل يدي إلى المرفقين ثم أخذ قليلًا من الماء وأضعه على رأسي كله ثم أضع يدّي في الماء وأمسح أذني ثم أمسح رقبتي وكل ذلك ثلاث مرات ثم أغسل الرجل اليمنى ثم اليسرى وهذا العمل أخذته من عائلتي أليس هذا العمل صحيحًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله فيقال أطال الله بقاءك على طاعته أو أطال الله عمرك على طاعته لأن مجرد طول العُمر قد يكون خيرًا وقد يكون شرًّا فإن (شرَّ الناس من طال عمره وساء عمله) وعمر الإنسان في الحقيقة ما أمضاه بطاعة الله ﷿ أما مالم يمضه بطاعة الله فإنه خسران فإما أن يكون عليه وإما أن يكون لا له ولا عليه وهذه النقطة أكثر الذين يدعون بذلك إنما يريدون البقاء في الدنيا فقط ولهذا أرجو من إخواننا الذين يقدمون مثل هذه العبارة لنا أو لغيرنا أن يقيدوها بطول العمر على طاعة الله ﷾ وأما ما ذكره الأخ من أنه يعلم كيف يتوضأ ثم وصف كيف يتوضأ فإن ما ذكره فيه خطأ وصواب أولًا الخطأ يقول أنه كان إذا أراد أن يتوضأ يغسل فرجه ودبره يعني يغسل الفرجين فهذا ليس بصحيح وليس من الوضوء غسل الفرجين وإنما غسل الفرجين سببه البول أو الغائط فإذا بال الإنسان غسل فرجه المقدم وإذا تغوط غسل دبره وإذا لم يكن منه بول ولا غائط فلا حاجة إلى غسلهما ثم إنه ذكر بعد ذلك يغسل وجهه ولكنه سقط عنه غسل الكفين قبل غسل الوجه ثم إنه ذكر أيضًا أنه يأخذ ماء ويصبه على رأسه وأنه يأخذ ماء لأذنيه فيمسحهما وأنه يفعل ذلك ثلاث مرات وكل هذا ليس بصحيح فإن الرأس لا يبل بالماء وإنما يمسح ببلل اليد فقط فتغمس يدك في الماء ثم تمسح بها رأسك مرة واحدة لكن تبدأ به من مقدم الرأس إلى أن ينتهي إلى منابت الشعر من الخلف ثم تردهما وتمسح الأذنين بما بقي من بلل اليدين بعد مسح الرأس ولا تأخذ لهما ماءً جديدًا إلا إذا يبست اليد فخذ لهما ماءً جديدًا ثم إنه ذكر أنه يمسح الرقبة وليس مسح الرقبة بمشروع بل هو من البدع لأنه لم يذكر في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ هذه هي الأخطاء التي ذكرها السائل في كيفية الوضوء وهي تقديم غسل الفرجين، إسقاط غسل الكفين قبل غسل الوجه، غسل الرأس بدلًا عن مسحه، أخذ ماء جديد للأذنين، مسح الرقبة خمسة أشياء والآن نصوغ كيفية الوضوء على الوجه المشروع فنقول أولًا تقول (باسم الله) والتسمية على الوضوء سنة مؤكدة بل قال بعض العلماء إنها واجبة وأنه لا يصح الوضوء بدون تسمية ثم تغسل كفيك ثلاث مرات ثم تتمضمض وتستنشق ثلاث مرات وتستنثر بعد الاستنشاق ثم تغسل وجهك ثلاث مرات ثم تغسل يدك اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق والمرفق داخل في الغسل ثلاث مرات ثم اليسرى كذلك ثم تمسح رأسك بيديك من مقدمه إلى مؤخره ثم ترجع ثم تمسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما تدخل السبابتين في الصماخين وتمسح بالإبهامين ظاهر الأذنين ثم تغسل رجلك اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم اليسرى كذلك ثم تقول بعد هذا (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وإن اقتصرت في المضمضة وغسل الوجه وغسل اليدين وغسل الرجلين إن اقتصرت على واحدة فلا حرج عليك وإن اقتصرت على اثنتين فلا حرج عليك وإن غسلت بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين فلا حرج عليك لكن الرأس لا يكرر مسحه بل هو مرة واحدة في كل حال هذه صفة الوضوء المشروعة وأرجو من الأخ أن ينتبه لها وأن يحرص على تطبيقها. فضيلة الشيخ: قلتم لو اقتصر بأخذ غرفة واحدة أو باثنتين على بعض الأعضاء لكن لو زاد على الثلاث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الزيادة عن الثلاث غير مشروعة بل هي إما مكروهة أو محرمة فلا ينبغي أن يزيد على ذلك. ***
بارك الله فيكم سؤال من المستمع ف. ر. ج. من سوريا يقول المضمضة والاستنشاق هل تكون في آنٍ واحد أم كلٌ على حده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المضمضة والاستنشاق تكونان بكفٍ واحد إلا أن لا يستطيع الإنسان فإن بعض الناس لا يستطيع أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحد فتجده يفرد المضمضة بكف والاستنشاق بكفٍ آخر ولا حرج في ذلك إن شاء الله. ***
السائل يقول هل يجوز المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين إلى المرفقين مرة واحدة أو مرتين تكفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكفي مرة واحدة يعني يكفي أن يغسل وجهه ويديه ورجليه مرة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ (مرة مرة) و(مرتين مرتين) و(ثلاثا ثلاثا) ويجوز أن يغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ورجليه مرة ويجوز العكس والواجب هو أن يعم العضو بالغسل مرة واحدة والثانية أفضل من الواحدة والثالثة أفضل من الاثنتين والرابعة لا تجوز. ***
المستمعة أمل عبد الكريم من العراق محافظة القادسية تقول في رسالتها ما حكم الشرع في نظركم في غسل الوجه والأيدي بالصابون عند الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن غسل الأيدي والوجه بالصابون عند الوضوء ليس بمشروع بل هو من التعمق والتنطع وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه (قال: هلك المتنطعون هلك المتنطعون -قالها ثلاثًا-) نعم لو فرض أن في اليدين وسخًا لا يزول إلا بهذا أي باستعمال الصابون أو غيره من المطهرات المنظفات فإنه لا حرج في استعماله حينئذ وأما إذا كان الأمر عاديًا فإن استعمال الصابون يعتبر من التنطع والبدعة فلا تستعمل. ***
فضيلة الشيخ هذا السائل من المدينة المنورة رمز لاسمه ب م. م يقول هل يلزم المتوضئ أن يغسل وجهه بكفيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ما وجه هذا السؤال هل يلزم المتوضئ أن يغسل وجهه بكفيه وهل هناك أداة لغسل الوجه سوى الكفين ولعله أراد هل يجوز للمتوضئ أن يغسل وجهه قبل غسل كفيه فإن كان أراد ذلك فإننا نقول لا حرج على المتوضئ أن يغسل وجهه قبل غسل كفيه لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ولم يذكر غسل الكفين لكن الأفضل أن يبدأ بغسل الكفين ثلاثا ولاسيما إذا كان قائما من نوم الليل فإنه يتأكد في حقه ألا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا لقول النبي ﷺ (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) هذا ما نظنه مراد السائل فإن كان أراد شيئا سوى ما ظنناه فليكتب مرة ثانية إلى البرنامج وليوضح سؤاله. فضيلة الشيخ: لعلّه يقصد أنه يغسل وجهه بكفٍّ واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يريد ذلك فلا بأس. ***
السائل رمز لاسمه ب ر م ك الشهري يقول هل مسح الأذنين يكون من ظاهرهما أم من الظاهر والباطن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مسح الأذنين كيفيته أن يدخل الإنسان سبابتيه يعني إصبعيه ما بين الوسطى والإبهام في صماخ الأذنين دون أن يرصها حتى تتألم يدخلها في الصماخ، والإبهام يمسح به ظاهر الأذنين وهو الصفحة التي تلي الرأس. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائلة تقول ما هي صفة مسح المرأة لرأسها في الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة مسحها رأسها في الوضوء كصفة الرجل بمعنى أنها تبدأ من مقدم الرأس حتى تنتهي إلى آخره ثم تعود إلى المكان الذي بدأت منه وليعلم أن الأصل تساوي الرجل والمرأة في العبادات إلا ما دل عليه الدليل ولهذا لما قال الله ﵎ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) كانت هذه الآية شاملة للنساء والرجال مع أنها لفظا في النساء فقط ولما قال الله ﵎ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) كان هذا عاما فيمن قذف الرجل أو قذف المرأة مع أن اللفظ في النساء ولما قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) كان هذا عاما للرجال والنساء وإن كان اللفظ للرجال فالمهم أن هذه القاعدة مفيدة ولأن الأصل تساوي الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية إلا ما قام عليه الدليل ومما قام عليه الدليل قول النبي ﷺ (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجال الحازم من إحداكن قالوا: يا رسول الله وما نقصان دينها؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصوم، قيل: وما نقصان عقلها؟ قال أليس شهادة الرجل بشهادة المرأتين) وكذلك في العقيقة للذكر شاتان وللأنثى شاة واحدة وكذلك في الميراث ميراث الأولاد وميراث الإخوة لغير أم يكون للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك في الأبوين الأم ترث أقل من الأب في جميع المواضع. ***
مسح الشعر بالنسبة للمرأة في الوضوء هل هو من منابت الشعر إلى أطرافه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب مسح الرأس فقط دون ما استرسل من الشعر فيكون منبت الشعر هو الذي يمسح. ***
بارك الله فيكم السؤال للمستمعة ن. ف. من جدة تقول مسح الرأس مع الأذنين في الوضوء مرة أم ثلاث مرات وهل الرقبة تدخل معهما في الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مسح الرأس والأذنين إنما يكون مرة واحدة وهكذا كل ممسوح لا يمسح إلا مرة واحدة المسح على الجوربين أو الخفين مرة واحدة والمسح على الجبيرة مرة واحدة وهكذا كل ممسوح فإنه لا يكرر لأن الممسوح خفف في كيفية تطهيره وفي كميته أيضًا وأما الرقبة فإنها لا تدخل في الرأس فلا تمسح بل مسح الرقبة مع الرأس من البدع التي ينهى عنها لأن النبي ﵊ لم يكن يمسح رقبته وكل شيء يتعبد به الإنسان مما لا أصل له عن النبي ﷺ فإنه بدعة. ***
تقول السائلة هل المسح في الرأس يكون شاملًا حتى الجوانب وإذا مسحت من الأمام إلى الخلف ثم أقوم بإرجاع يدي إلى الأمام سوف أضطر إلى إرجاعها مرة أخرى إلى الخلف لأن شعري سيكون منقوشا فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في مسح الرأس في الوضوء أن يكون شاملًا لجميع الرأس من الجبهة إلى العنق ومن الأذن إلى الأذن ويكفي في المسح إن يُمِرَّ الإنسان يديه على رأسه من ناصيته إلى عنقه مارًّا بجوانبه ولكن الأفضل أن يمر بيديه من الناصية إلى الخلف ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه وحينئذ لا حرج على المرأة إذا انتفش شعرها أن تمر يديها عليه لا تعبدا ولكن من أجل تسكين الرأس. ***
بارك الله فيكم المستمعة من ليبيا تقول هل يجب على المرأة مسح الرأس وإذا كان الشعر طويلا ماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على المرأة أن تمسح رأسها في الوضوء وأن تغسله في الغسل من الجنابة والحيض والمسح في الوضوء يكون من مقدم الرأس إلى مؤخره من منابت الشعر وأما ما استرسل فإنه لا يلزم مسحه لأن المسح إلى حد منابت الشعر فقط فما كان من الرقبة فأنزل فإن مسحه ليس بواجب. ***
هل يجب على المرأة أثناء الوضوء وأثناء المسح على الرأس أن تعيده أو أن تقوم بإرجاعه إلى الوراء وما كيفية المسح على الرأس بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة والرجل على حدٍ سواء يبدأ المتوضئ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه. ***
بارك الله فيكم السائلة نور من ليبيا تقول من المعلوم أن مسح الرأس يبدأ من الأمام إلى الخلف ثم الرجوع باليدين إلى الأمام لكنني تقول عندما أريد العودة باليدين من الخلف إلى الأمام لا تنسحب يدي إلى الأمام وإنما يعرقلها الشعر فكيف العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعرقلها الشعر إذا ضغطت على الرأس أما إذا مسحت مسحا خفيفا فإن الشعر لا يعرقلها فيما يظهر وعلى كل حال فالواجب مسحه مرة واحدة من الأمام إلى الخلف وكذلك من الجانبين فإذا استوعبت الرأس بالمسح على أي صفة كانت فقد أبرأت الذمة لكن الرجوع إلى الوراء ثم الرجوع إلى قدام هذا من باب السنة وليس من باب الواجب. ***
رسالة وردت إلينا من السائل ح م د من الوشم يقول توضأت أمام شخص فغسلت يدي إلى منتصف العضدين ورجلي إلى منتصف الساقين فأنكر علي فعلي هذا بقوله من زاد في غسل الأعضاء في الوضوء فقد تعدى حد الله ورسوله فقلت له إنه ورد حديث عن النبي ﷺ ما معناه أنه (قال تدعى أمتى يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) فقال هذا الحديث لم يثبت عن النبي ﷺ أرجو إفادتنا عن ذلك ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما ذكره من الحديث فهو صحيح ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء) وهذا ثابت لا شك فيه فأمَّا قوله (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل) فقد اختلف فيه أهل العلم بالحديث فمنهم من قال إنه من كلام النبي ﷺ ومنهم من قال إنه من كلام أبي هريرة ورجح هذا ابن القيم ﵀ في كتابه النونية حيث قال: وأبو هريرة قال ذا من كيسه فغدا يميزه أولو العرفان وعلى هذا فإن صدر الحديث من كلام الرسول ﷺ وهو قوله (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء) أما من الناحية العملية وهي كون هذا الرجل الذي توضأ زاد حتى بلغ نصف العضد ونصف الساق فإن هذا أيضًا محل خلاف بين أهل العلم بناءً على صحة آخر الحديث عن النبي ﷺ فمن رأى أنه من قوله قال إنه ينبغي مجاوزة محل الفرض ومن رأى أنه ليس من قوله قال إن الله تعالى في القرآن حدد إلى الكعبين في الرجلين وإلى المرفقين في اليدين فلا نتعدى ما حده الله تعالى وكذلك الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي ﷺ تحدد اليدين بالمرفقين والرجلين بالكعبين وأكثر ما ورد في ذلك فيما أعلم حديث أبي هريرة أنه (توضأ فغسل يديه حتى أشرع بالعضدين وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين) وهذا الإشراع معناه أنه تجاوز المحل لكن ليس إلى هذا الحد وهذا الذي فعل أبو هريرة ذكر أنه وضوء النبي ﷺ، وعلى هذا فالذي ينبغي أن يعدو الكعبين قليلًا وأن يعدو المرفقين قليلًا وفائدة ذلك هو التحقق من غسل ما أوجب الله غسله إلى المرفقين وإلى الكعبين. ***
هل يجوز للإنسان أن يزيد في غسل الأعضاء عند الوضوء كغسل القدمين إلى الأعلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله ﷾ في آية الوضوء والغسل والتيمم حدودا للأعضاء التي تغسل في الوضوء فقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فلم يحدد الله ﷾ الوجه ولم يحدد الرأس لأن حدهما معلوم أما اليدان فإنهما عند الإطلاق صالحان لأن يكون حد اليد إلى الكتف وأن يكون حد الرجل إلى أعلى الفخذ فلهذا احتاج المحل إلى القيد فقيد الله تعالى غسل اليدين إلى المرافق والمرافق داخلة فيما يجب غسله وقيد غسل الرجلين إلى الكعبين والكعبان داخلان فيما يجب غسله فليس من السنة أن نتعدى ما حدد الله ﷿ وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء) فهو بيان للواقع ولما يثاب عليه العبد وأنهم محجلون من آثار الوضوء والوضوء قد علمنا حده من كتاب الله ﷿ فيكون التحديد منتهيا إلى الكعبين حتى لو فرض أن الإنسان زاد في وضوئه إلى نصف الساق مثلا أو نصف العضد فإن التحجيل لا يزيد على الحد الذي ذكره الله ﷿ وخلاصة الجواب أنه لا يسن للإنسان أن يزيد في الوضوء على ما حدده الله ﷿. ***
السائلة أ. ع تقول توضأت ولا أدري هل غسلت أحد الأعضاء ثلاثة أم لا فماذا أفعل وهل أعيد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الأعضاء ثلاثةً ليس بواجب والواجب غسلة واحدة تعم جميع العضو الذي يجب تطهيره وعلى هذا فلا شيء عليك ما دمتي قد تيقنت أنك قد غسلته غسلة واحدة تعم جميع المكان الذي يجب تطهيره ثم اعلمي أن الشك بعد الفراغ لا عبرة به يعني لو فرغ الإنسان من الوضوء وبعد فراغه شك هل تمضمض واستنشق أم لا؟ فلا شيء عليه. شك هل غسل ذراعه أو لا فلا شيء عليه، إلا إذا تيقن أنه لم يغسله فحينئذ يجب العمل بمقتضى هذا اليقين أي يجب إعادة الوضوء كله إذا كان قد طال الزمن أو إعادة العضو الذي ترك وما بعده إن كان الزمن قصيرًا. ***
إذا غسل المتوضئ يده أو رجله ثلاث مرات ولكنها لم تنظف فهل يزيد على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يزيد على ذلك تعبدًا بالوضوء ولكن يجعل الزيادة للتنظيف لا للوضوء لأن الوضوء لا يزاد فيه على ثلاث غسلات. فضيلة الشيخ: إذا شك المتوضئ في أثناء الوضوء هل استنشق أم لا فماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك كثيرًا ما يقع من هذا المتوضئ فإنه لا عبرة به لأن الشك الكثير يكون وسواسًا أما إذا كان شكًا طارئًا حقيقة فإنه إذا شك هل تمضمض أم لا، يعيد المضمضة ويعيد غسل اليدين وما بعد ذلك من أجل مراعاة الترتيب فإذا مسح رأسه ثم طرأ عليه الشك هل تمضمض أم لا، فإنه يتمضمض ثم يغسل يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه. ***
تقول السائلة إني امرأة اغتسل من أسفل السرة إلى الرجل ثم أتوضأ أفعل ذلك في كل صلاة وبعض الناس يقولون لي بأن هذا من الوسوسة وهل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي تفعلين من غسل أسفل البدن لا أصل له والمرأة إذا كان عليها غسلٌ من جنابةٍ أو حيضٍ أو نفاس وجب عليها أن تغسل جميع بدنها كالرجل إذا وجب عليه غسلٌ من الجنابة فإنه يجب عليه أن يغسل جميع بدنه أما ما عدا ما يوجب الغسل فإن عملك هذا غير مشروع وللمرأة إذا قضت الحاجة من بول أو غائط أن تغسل ما أصابته النجاسة فقط دون ما سواه ثم تتوضأ للصلاة وأما هذا العمل الذي تعملينه فلا شك أنه من الوسواس ومن الإسراف ومجاوزة الحدود فعليك أن تستغفري الله وأن تمتنعي عنه. ***
ما مقدار الماء الذي يتوضأ به المصلى لأني سمعت (أن النبي ﷺ يتوضأ بالمد تارة وبثلثيه مرة أخرى) وكم يساوي المد بالكيلوات وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المد بالكيلوات يساوي نصف كيلو وعشرة غرامات هذا تقديره بالكيلوات وأما ما مقدار الماء الذي يتوضأ به فقد ذكر الأخ ما صح به الحديث عن النبي ﵊ أنه (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) ولكن إذا لم يسبغ بهذا القدر فإنه يجب عليه إسباغ الوضوء يعني لو فُرِضَ ما عرف كيف يؤدي فَرْضَ الوضوء بهذا المقدار فإنه يجب عليه أن يؤدي فَرْضَ الوضوء ولو زاد على هذا المقدار ولكن لاشك أن الإنسان البصير يمكنه أن يتوضأ بالمد كما فعل النبي ﷺ. ***
ما المقصود بثلثي المد وهل يكفي الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بثلثي المد يعني اثنين من ثلاثة من المد وقد عرفت مقداره بالكيلو من قبل وأما هل يمكن الوضوء به؟ نقول يمكن بالنسبة للإنسان البصير الذي يستطيع أن يدبر الماء ولا سيما إذا كان عليه خف أو جورب وكانت الرجل لا تحتاج إلى غسل فإنه ما يبقى عنده للغسل إلا وجهه ويداه وهذا أمر بسيط ربما يمكن بثلثي المد. ***
يقول السائل ما حكم الإسراف في الغسل أو الوضوء أو اللباس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسراف هو مجاوزة الحد في كل شيء وقد قال الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) فأمر بالأكل والشرب ونهى عن الإسراف ثم ختم النهي بقوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ونفي الله تعالى المحبة عن المسرفين تدل على كراهته له أي للإسراف وعلى هذا فيكون الإسراف محرمًا في المآكل والمشارب والملابس والمساكن وغيرها وكذلك أيضًا بالنسبة للغسل وبالنسبة للوضوء لا يتجاوز الإنسان ما حده الشرع في ذلك والنبي ﵊ (توضأ مرة مرة) و(مرتين مرتين) و(ثلاثًا ثلاثًا) وتوضأ وضوءًا متفاوتًا بعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين وبعضها مرة فلا ينبغي للمرء المؤمن أن يتجاوز ما شرعه النبي ﷺ في الوضوء ولا في الغسل. ***
بارك الله فيكم المستمع فاضل من تركيا يقول هل مرور الماء فقط على الأماكن التي يتوجب غسلها عند الوضوء دون غسلها يجوز؟ أي دون غسل تلك الأماكن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في الوضوء والغسل أن يمر الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره وأما دلكه فإنه ليس بواجب لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه كما لو كان الماء باردًا جدًا أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك فحينئذٍ يتأكد الدلك ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة هل يبلغ الوضوء لو وضع الإنسان يده أو رجله تحت الصنبور دون المسح عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحصل الوضوء إذا عم الماء جميع الرجل فإنه يكفي لكن إذا دلكها أي الرجل أو اليد فهو أحسن خصوصًا إذا كان فيها أثر دهنٍ أو زيت لأن أثر الدهن أو الزيت يجعل الماء يتفرق وربما لا يصيب بعض الأماكن فالغسل هو الفرض والتدليك ليس بفرض. ***
أحسن الله إليكم إذا توضأ الرجل للصلاة ووجد بعد الانتهاء من الوضوء أن جزءًا بسيطًا من اليد لم يأتِ عليه الماء ماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعيد الوضوء والصلاة لأن وجود شيء يمنع وصول الماء في الأعضاء التي يجب تطهيرها يعني أنه لم يطهر العضو فقد قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فإن كان على الوجه شيء يمنع وصول الماء فإن هذا غسل بعض وجهه وكذلك يقال في بقية الأعضاء ولهذا اشترط العلماء ﵏ لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء كالعجين والبوية والجبس وما أشبهها. ***
السائلة ن س س تقول إذا صلىت وبعد الصلاة تذكرت أنني لم أغسل ذراعي هل أعيد الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تيقنت أنها لم تغسله وجب عليها أن تعيد الوضوء والصلاة وأما إذا كان مجرد شك فليس عليها شيء صلاتها صحيحة ووضوؤها تام. ***
بارك الله فيكم المستمعة م. ع. ج. تسأل عن الأقراط التي تغطي جزءًا من الأذن وكذلك المشابك التي توضع على الشعر هل تعتبر حائلًا يمنع الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تعتبر حائلًا يمنع الوضوء ولا سيما الأقراط التي في الأذن والمشابك التي تمسك الشعر إنما هي في شيء ممسوح وهو الرأس والشيء الممسوح يجوز ويهون فيه الحائل لهذا جاز المسح على العمامة وجاز المسح على خمر النساء عند كثير من أهل العلم فهذا لا يضر ولا يمنع من صحة الوضوء لكن إذا جاء الغسل فلا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر كما يصل إلى ظاهر الشعر. ***
رسالة وصلت من مستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ. د ص أيقول في رسالته سمعت من أحد الشيوخ أن الزيت حائل على البشرة عند الوضوء وأنا أحيانًا عندما أعمل بالطبخ تساقط بعض قطرات الزيت على شعري وأعضاء الوضوء فهل عند الوضوء لا بد من غسل هذه الأعضاء بالصابون أو الاغتسال حتى يصل الماء إليها كما أنه أضع بعض الزيت على شعري كعلاجٍ له ماذا أفعل أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين بأن الله ﷿ قال في كتابه المبين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) والأمر بغسل هذه الأعضاء ومسح ما يمسح منها يستلزم إزالة ما يمنع وصول الماء إليها لأنه إذا وجد ما يمنع وصول الماء إليها لم يمكن غسلها وبناءً على ذلك نقول إن الإنسان إذا استعمل الدهن في أعضاء طهارته فإما أن يبقى الدهن جامدًا له جرم فحينئذ لا بد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه وإن بقي الدهن هكذا جرمًا فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وحينئذ لا تصح الطهارة أما إذا كان الدهن ليس له جرم وإنما أثره باق على أعضاء الطهارة فإنه لا يضر ولكن في هذه الحال يتأكد أن يمر الإنسان يده على العضو لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء فربما لا يصيب جميع أعضاء جميع العضو الذي يطهره فالسائل إذًا نقول له إن كان هذا الدهن أو الزيت الذي يكون على اعضاء طهارتك جامدًا له جرم يمنع وصول الماء فلا بد من إزالته قبل أن تتطهر وإن لم يكن له جرم فإنه لا حرج عليك أن تتطهر وإن لم تغسله بالصابون لكن أمِرَّ يدك على العضو عند غسله لئلا ينزلق الماء عنه. ***
المستمعة خ. ج من الطائف تقول أنهم يستعملون دهنًا لترطيب البشرة وعندما نستعمل هذا من الملاحظ أن الماء ينزل من البشرة بسرعة ولا نشعر بالماء هل هذا الدهن يمنع وصول الماء إلى البشرة في الوضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدهن له طبقة يعني قشرة فإنه يمنع وصول الماء ولا بد من إزالته قبل الوضوء وإذا لم يكن له قشرة وإنما ينزلق الماء من فوقه انزلاقًا فإن ذلك لا يمنع وصول الماء لكن في هذه الحال ينبغي للإنسان أن يمر يده على العضو الذي يغسله ليتيقن أن الماء مر على جميعه لأن الماء إذا كان ينزل من العضو فربما يكون بعض المواضع لا يصلها الماء. ***
هل يجوز للمرأة أن تصلى وهي تضع المكياج على وجهها علمًا بأنها توضأت ثم وضعت المكياج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن المكياج ليس له طبقةٌ تمنع وصول الماء فليس هناك فرق بين أن تضعه المرأة قبل الوضوء أو بعده ولكن يبقى النظر في استعمال المكياج هل هو جائز أو غير جائز نقول إن كان خديعة وغشًّا مثل أن تتمكيج المرأة عند رؤية خطيبها لها فهذا لا يجوز لأنه غش وخديعة من وجه ولأنه ليس للمخطوبة التي يريد خاطبها أن ينظر إليها أن تتجمل لأنها مازالت أجنبيةً من الرجل وأما إذا لم يكن غشًّا ولا خداعًا فليسأل الأطباء هل هذا ضارٌ في المستقبل أو لا لأننا سمعنا أن المكياج الذي يعطي البشرة جمالًا يكون في النهاية ضررًا على المرأة بحيث تتغير بشرة الوجه بسرعة فليراجع الأطباء في هذا. ***
بارك الله فيكم مستمعة تقول إذا دهن الإنسان جسمه بالكريم وأراد الوضوء هل يزيل الكريم مع العلم أن مثل هذه الزيوت إذا ادهن بها الإنسان وأراد أن يغسل يديه ينزل الماء بسرعة فماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدهون إذا كانت جامدة تمنع وصول الماء فإنه لابد من إزالتها، وإن كانت مائعة وتَشَرَّبها الجلد ولم يبق لها أثر ظاهر على الجلد فإنه لا حرج أن يتوضأ الإنسان أو يغتسل دون أن يستعمل الصابون في إزالتها وذلك لأن المحظور هو ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، فأما ما لا يمنع فلا يضر أن يمر به الماء سريعًا ويَزِلَّ عنه سريعًا ما دام ليس هناك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، إذًا الجواب على التفصيل: إذا كان هذا الدهن جامدًا له طبقة تمنع وصول الماء فلابد من إزالته، وإن لم يكن له طبقة تمنع وصول الماء فلا حرج أن يتطهر ولو كان الماء ينزلق بسرعة ولا يثبت لأنه ليس في هذا العضو ما يمنع وصول الماء. ***
يقول السائل لقد وصف لي أحد الأطباء نوعًا من الأدوية عبارة عن دهان ذي قوام فهل لو استعملته لا يؤثر على صحة الوضوء لأنه ربما قد يحول بين الماء والبشرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تستعمل الدواء الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة لأنه ليس علاجًا يزيله أما إذا كان هذا علاجًا يزيله فلا حرج عليك أن تستعمله لأن مدته مؤقتة أما إذا كان شيئًا يخفيه ويمنع وصول الماء فإنه لا يجوز والحمد لله هذا أمر يكون في كثير من الناس والإنسان إذا اعتاد هذا الأمر هان عليه والأمر يكون شاقًا عليه أول ما يخرج به ولكن إذا اعتاده وصار الناس ينظرون إليه فإنه لا شك أنه يزول عنه هذا الاحساس الذي يحس منه. ***
من محمد أبي عبد الله يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل تحجب بعض الدهونات مثل الفازولين الماء عن البشرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدهونات مثل الفازلين تحجب الماء عن البشرة إذا كانت جامدة ولها طبقة أما إذا لم تكن جامدة فإنها لا تحجب، لكن ينبغي على مَنْ كان على يده أو رجله أو شيئمن أعضاء وضوئه شيء من هذا أنه إذا غسل هذا العضو أن يُمرّ يده على مكان هذا الدهن لأنه إذا لم يمر يده فإنه ربما ينزلق الماء عن المكان ولا يصيبه فهذا هو الذي ينبغي أن يتفطن له والحاصل أن هذه الدهون إن كانت جامدة بحيث تمنع وصول الماء لكونها كالقشرة على الجلد فإنه لا بد من إزالتها قبل الطهارة وإذا لم تكن جامدة فلا حرج فيها. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ محمد المستمعة م. ر من مكة المكرمة تقول عند وضعي للدهون على بشرتي هل يجوز أن أغسل وجهي للوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وضع الدهون على البشرة التي يجب غسلها في الطهارة ينقسم إلى قسمين القسم الأول دهون لا يكون لها قشر لكن لها أثر على الجلد بحيث إذا مر الماء من فوقها تمزق يمينا وشمالا فهذه لا تؤثر لأنها لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة والثاني ما له طبقة تبقى على الجلد تمنع وصول الماء فهذه لابد من إزالتها قبل الوضوء إذا كانت على أعضاء الوضوء لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ومعلوم أنه إذا كان على هذه الأعضاء طبقة مانعة من وصول الماء إليها فإنه لا يقال إنه غسلها بل غسل ما فوقها ولهذا قال العلماء ﵏ من شروط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة لكن ما يوضع على الرأس من الحناء وشبهه لا يضر إذا مسحت عليه المرأة لأنه ثبت (عن النبي ﷺ أنه كان ملبدًا رأسه في حجة الوداع) وتلبيد الرأس يمنع من مباشرة الماء عند المسح للشعر ولأن طهارة الرأس طهارة مخففة بدليل أنه لا يجب غسله بل الواجب مسحه حتى وإن كان الشعر خفيفا بل حتى وإن لم يكن على الرأس شعر فإن طهارته خفيفة ليست إلا المسح فلهذا سمح فيه فيما يوضع عليه ولهذا جاز للإنسان للرجل أن يمسح على العمامة مع أنه بإمكانه أن يرفعها ويمسح رأسه لكن هذا من باب التخفيف وكذلك على قول كثير من العلماء أنه يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها الملفوف من تحت ذقنها. ***
أحسن الله إليكم السائلة مرئية محمود من ليبيا تسأل هل يعتبر الزيت حائلًا بين الشعر ووصول ماء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر الزيت حائلًا بين الماء والشعر إلا أن يكون جامدا له طبقة فنعم يكون حائلا لكن إذا لم يكن له طبقة فليس بحائل. ***
تقول السائلة إذا صبغ الرجل لحيته بالكتم أو المرأة إذا صبغت شعرها بأحد الأصباغ أو الألوان فهل يكون ذلك حائلًا لوصول الماء إلى الشعر أثناء الوضوء وما حكم استخدامهم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أدري هل هذه الأشياء لها جرم وقشرة تمنع وصول الماء أم لا فينظر وأما صبغ الشيب بالسواد الخالص فلا يجوز لأن النبي ﷺ قال (جنبوه السواد) وورد حديثٌ في السنن بالوعيد على ذلك لكن إذا كان الإنسان يريد أن يغير الشيب ولا بد فليجعله بنيًا لا أسود محضًا ولا أصفر محضًا. ***
ما حكم صلاة المرأة التي تضع المناكير على يديها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يصح وضوؤها لم تصح صلاتها لقول النبي ﷺ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فمادام الوضوء غير صحيح فالصلاة غير صحيحة أيضًا. فضيلة الشيخ: هل تلزمها الإعادة في هذه الحال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن هذا لا يجوز فإنه يلزمها الإعادة وإذا كانت تجهل فإنه لا إعادة عليها بناءً على القاعدة المعروفة عند أهل العلم والتي دل عليها الكتاب والسنة وهي: أن الجاهل لا يلزم بإعادة ما ترك من واجب ولا يأثم بفعل ما فعل من محظور لكن قد يكون هذا الجاهل مُفرِّطًا لم يسأل ولم يبحث فنلزمه بالواجب من هذه الناحية حيث إنه ترك ما يجب عليه من التعلم أما إذا لم يحصل منه التفريط وإنما كان غافلًا غفلة نهائية ولا يعرف عن هذه الأمور ولا تحدثه نفسه بأنها حرام أو ما أشبه ذلك فإنه يرفع عنه ولهذا لم يأمر النبي ﷺ المسيء في صلاته الذي كان لا يطمئن فيها لم يأمره بإعادة ما مضى من صلاته وكان لا يحسن غير ما كان يصنع أمام الرسول ﷺ وقد قال له النبي ﷺ (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ) وإنما أمره بإعادة الصلاة الحاضرة لأن وقتها لم يخرج فهو مطالب بفعلها على وجه التمام. فضيلة الشيخ: إذًا نستطيع نقول للمسلمات اللواتي استمعن لإجابتكم هذه يجب عليهن إزالة هذه المناكير وإن صلت بعد سماع هذه الإجابة وعليها مناكير فيلزمها الإعادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم فهي آثمة وعليها الإعادة. ***
إذا نسي الإنسان أثناء الوضوء ولم يتشهد هل يبطل وضوؤه وكذلك إن لم يلتزم بالترتيب التام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد لا يكون في أثناء الوضوء كما هو ظاهر سؤال الأخ وإنما التشهد بعد الفراغ من الوضوء ومع هذا فالتشهد سنة فإن من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال (أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فهو سنة وليس بواجب أي التشهد بعد الفراغ من الوضوء وأما من نسي الترتيب فبدأ بغسل عضو قبل الآخر فإن ذلك موجب لبطلان وضوئه إذا كان متعمدًا لأن (رسول الله ﷺ حينما أقبل على الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ثم قال: أبدأ بما بدأ الله به) وفي رواية للنسائي (إبدؤوا بما بدأ الله به) بلفظ الأمر وإذا قرأنا آية الوضوء وجدنا أن الله تعالى بدأ بغسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين وعلى هذا فيجب الترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة على ما أمر الله تعالى به في كتابه لكن إذا نسي الترتيب فلم يرتب فقد اختلف أهل العلم هل يصح وضوؤه حينئذ أولا يصح والأحوط والأولى أن يُعيد الوضوء فيما خالف ترتيبه فمثلًا إذا كان قد غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه نقول له أعد مسح الرأس لأنه وقع في غير محله ثم أغسل الرجلين ولا حاجة إلى أن تعيد الوضوء من أوله، لأنه عندما تعيد ما حصل فيه مخالفة الترتيب تعيد العضو وما بعده أي العضو الذي حصل فيه المخالفة وما بعده. ***
هل يجوز أن نصلى فريضتين بوضوء واحد دون نية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا توضأ لصلاة الظهر مثلًا ثم حضرت صلاة العصر وهو على طهارة أن يصلى صلاة العصر بطهارة الظهر وإن كان لم ينوها حين تطهره لأن طهارته التي تطهرها لصلاة الظهر رفعت الحدث عنه وإذا ارتفع حدثه فإنه لا يعود إلا بوجود سببه وهو أحد نواقض الوضوء المعروفة بل إن الإنسان لو توضأ بغير نية الصلاة توضأ بنية رفع الحدث فقط فإنه يصلى بذلك ما شاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته. ***
ما حكم من يصلى أربعة فروض بوضوء واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن هذا لا بأس به لا بأس أن يصلى الإنسان بالوضوء أربع صلوات أو أكثر. وإن توضأ فهو أحسن وأفضل لأنه تجديدٌ للوضوء فقد ثبت ذلك من فعل رسول الله ﷺ. ***
هل يصلى بوضوء واحد أكثر من صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصلى بالوضوء الواحد أكثر من صلاة سواء صلاها في وقت واحد كما لو كان عليه فوائت وقضاها في وقت واحد أو صلاها في أوقاتها فلو توضأ لصلاة الفجر ولم ينتقض وضوؤه إلا بعد صلاة العشاء فصلَّى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد فلا حرج عليه. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع ج م ع الجيزة مصر يقول فضيلة الشيخ توضأت بنية صلاة الجنازة ثم أذن العصر فهل وضوء الجنازة يكفي لصلاة العصر أم أتوضأ لصلاة العصر مرة ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توضأت لصلاة الجنازة فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لصلاة النافلة فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لرفع الحدث فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لقراءة القرآن فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لذكر الله فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة لأن الحدث يرتفع إذا توضأت لهذه الأشياء وإذا ارتفع الحدث جاز لك فعل الصلاة ويستمر ذلك إلى دخول وقت الصلاة ولو طال الوقت مادمت على طهارتك حتى لو فُرِضَ أنك توضأت لصلاة الفجر وبقيت إلى صلاة العشاء على طهارتك فلا حرج عليك. ***
تقول السائلة أحيانًا أجد بعض فضلات الطعام على أسناني فهل يجب إزالة هذه الفضلات قبل الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أنه لا يجب إزالتها قبل الوضوء لكن تنقية الأسنان منها لا شك أنه أكمل وأطهر وأبعد عن مرض الأسنان لأن هذه الفضلات إذا بقيت فقد يتولد منها عفونة ويحصل منها مرض للأسنان وللثّة فالذي ينبغي للإنسان إذا فرغ من طعامه أن يخلل أسنانه حتى يزول ما علق بها من أثر الطعام وأن يتسوك أيضًا لأن الطعام يغير الفم وقد قال النبي ﵊ في (السواك إنه مطهرة للفم مرضاة للرب) وهذا يدل على أنه كلما احتاج الفم إلى تطهير فإنه يطهر بالسواك. ***
يقول السائل ما هي أنواع المأكولات والمشروبات التي يجب على المسلم أن يتمضمض بعد أكلها أو شربها إذا كان على وضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على المسلم أن يتمضمض مما أكل مطلقًا سواء كان لحمًا أم خبزًا أم غير ذلك لكن إذا أكل شيئًا فيه دسم فإن الأفضل أن يتمضمض تطهيرًا لفمه من هذا الدسم الذي علق به سواء كان على وضوء أو كان على غير وضوء سواء أراد الصلاة أم لم يرد فالمأكولات نوعان نوع خال من الدسم ونوع فيه دسم فالذي فيه دسم ينبغي أن يتمضمض منه ولا يجب والذي ليس فيه دسم ينظر إن كان مما يتلوث به الفم فإنه يتمضمض منه وإن كان لا يتلوث به فإنه لا يتمضمض. ***
هل يجوز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نعم يجوز للإنسان إذا توضأ أن ينشف أعضاءه وكذلك إذا اغتسل يجوز له أن ينشف أعضاءه لأن الأصل فيما عدا العبادات الحل حتى يقوم دليل على التحريم وأما (حديث ميمونة ﵂ أنها جاءت بالمنديل إلى رسول الله ﷺ بعد أن اغتسل فرده وجعل ينفض الماء بيده) فإن رده للمنديل لا يدل على كراهته لذلك فإنها قضية عين يحتمل أن يكون المنديل فيه ما لا يحب النبي ﷺ أن يتمندل به من أجله ولهذا (جعل النبي ﷺ ينفض الماء بيده) وقد يقول قائل إن إحضار ميمونة المنديل إلى رسول الله ﷺ دليل على أن ذلك أمر جائز عندهم وأمر مشهور وإلا فما كان هناك داع إلى إحضارها للمنديل وأهم شيء أن تعرف القاعدة التي أشرنا إليها وهي أن الأصل فيما سوى العبادات الأصل الحل حتى يقوم دليل على التحريم. ***
أحسن الله إليكم هذا سائل يقول بالنسبة للكلام أثناء الوضوء هل هو مكروه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام في أثناء الوضوء ليس بمكروه لكن في الحقيقة أنه يشغل المتوضئ لأن المتوئ ينبغي له عند غسل وجهه أن يستحضر أنه يمتثل أمر الله وعند غسل يديه ومسح رأسه وغسل رجليه يستحضر هذه النية فإذا كلمه أحد وتكلم معه انقطع هذا الاستحضار وربما يشوش عليه أيضًا وربما يحدث له الوسواس بسببه فالأولى ألا يتكلم حتى ينتهي من الوضوء لكن لو تكلم فلا شيء عليه. ***
رسالة من الطالب فاضل ناصر من الجمهورية العراقية بغداد يقول فيها هل يجوز شرب الماء أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يشرب الإنسان الماء أثناء الوضوء لكن إذا كان مكان الماء بعيدًا بحيث تنقطع الموالاة إذا ذهب ليشرب فإنه ينتظر حتى ينتهي من وضوئه ثم يذهب ويشرب. ***
أثابكم الله هذه رسالة من المستمع رمز لاسمه بالأحرف م. غ. ط. من العراق يقول إذا كان الإنسان فاقدًا لأحد أعضاء الوضوء كاليد أو الرجل مثلًا فهل يلزمه التيمم عن غسل ذلك العضو المفقود وما الحكم لو ركب له عضوٌ صناعي فهل يلزمه غسله في الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فقد الإنسان عضوًا من أعضاء الوضوء فإنه يسقط عنه فرضه إلى غير تيمم لأنه فقد محل الفرض فلم يجب عليه حتى لو ركب له عضوٌ صناعي فإنه لا يلزمه غسله ولا يقال إن هذا مثل الخفين يجب عليه مسحهما لأن الخفين قد لبسهما على عضوٍ موجودٍ يجب غسله أما هذا فإنه صنع له على غير عضوٍ موجود لكن أهل العلم يقولون إنه إذا قطع من المفصل فإنه يجب عليه غسل رأس العضو مثلًا لو قطع من المرفق وجب عليه غسل رأس العضد ولو قطعت رجله من الكعب وجب عليه غسل طرف الساق. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج يقول بأنه شاب حدث له حادث مرور ولا مرد لقضاء الله ﷾ ويقول سبب لي هذا الحادث إصابة بالعمود الفقري وأدى ذلك إلى عدم التحكم في عملية الخروج والعجز عن الوضوء سؤالي بما أنني لا أستطيع الوضوء ولعسر التيمم ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ هل أصلى بدون وضوء وتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما العجز عن الوضوء فإن كان السائل يقصد بالوضوء ما يقصده كثير من العوام وهو غسل الفرج من البول أو الغائط أقول إن كان يقصد ذلك فإنه بإمكانه أن يستجمر بالمناديل استجمارًا شرعيًا يكون ثلاث مسحات فأكثر منقية ويجزئه ذلك عن الماء وأما إذا كان يريد بالوضوء غسل الأعضاء أو بعبارة أصح تطهير الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدان والرأس والرجلان وأنه لا يستطيع أن يتوضأ على هذا الوجه فإنه يتيمم فيضرب الأرض بيديه ويمسح بهما وجهه وكفيه فإن عجز عن ذلك وليس عنده من ييممه فإنه يصلى على حسب حاله ولا حرج عليه لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقول النبي ﷺ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
يقول كيف يصلى ويتوضأ المريض أفيدونا بذلك مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كيف يتوضأ فإن الواجب عليه أن يتوضأ بالماء إذا قدر على استعماله بلا ضرر لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين فإن كان الماء يضره أو كان غير قادر على استعماله فإنه يتيمم لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فتيمموا وكيفية التيمم أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم يمسح بهما وجهه وكفيه ويسمح كفيه بعضهما ببعض هذه هي كيفية التيمم لمن لا يستطيع التطهر بالماء وإذا تيمم المريض فإن تيممه هذا يقوم مقام الوضوء فما دام باقيًا على طهارته لم تنتقض بشيء من النواقض فإنه لا يلزمه إعادة التيمم حتى ولو بقي من الصباح إلى العشاء لأن الله ﷾ قال بعد ذكر التيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به فدلت الآية الكريمة والحديث النبوي على أن التيمم مطهر إلا أن طهارته مؤقتة متى زال العذر المبيح للتيمم فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء فلو تيمم عن جنابة لعدم الماء ثم وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل وإن لم تتجدد الجنابة ودليل ذلك حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري مطولًا (في قصة الرجل الذي رآه النبي ﷺ معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما منعه أن يصلى في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. ثم جيء بالماء إلى النبي ﷺ واستقى الناس منه وارتووا وبقي منه بقية فأعطى هذا الرجل هذه البقية، وقال له: خذ هذا أفرغه على نفسك) فدل ذلك على أن التيمم إنما يكون مطهرًا في الوقت الذي يكون استعماله جائزًا وأما إذا زال العذر المبيح له فإن حدثه يعود عليه ويجب عليه استعمال الماء عند إرادة الصلاة وأما كيف يصلى المريض فقد بينه النبي ﷺ بقوله لعمران بن حصين (صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبك) فيجب على المريض أن يستقبل القبلة ويصلى قائمًا ولو كان معتمدًا على عصا أو على جدار أو على عمود أو نحو ذلك فإن لم يستطع القيام فإنه يصلى قاعدًا وفي حال قعوده يكون متربعًا لا مفترشًا ويومئ بالركوع، وفي السجود يسجد على الأرض إن تمكن فإن لم يتمكن أومأ بالسجود أيضًا ويجلس بين السجدتين وفي التشهد كما كان يجلس في العادة ويجب على المريض أن يتجنب في صلاته كل ما يتجنبه الصحيح من النجاسات وغيرها فيصلى في ثياب طاهرة ويصلى على فراش طاهر فإن كان عليه ثياب نجسة لا يتمكن من خلعها صلى فيها ولا إعادة عليه لعدم قدرته على خلع هذه الثياب إلا إذا كان يمكن أن يغسلها مثل أن تكون النجاسة في أسفلها ويمكن أن يغسلها فليغسلها وكذلك الفراش إذا كان متنجسًا فإن الواجب عليه إزالته ليصلى على طاهر فإن لم تمكن إزالته بسط عليه شيئًاَ طاهرًا وصلى عليه فإن لم يمكن ذلك صلى عليه ولو كان نجسًا إن كان لا يمكنه أن يتحول عنه وكل هذه التسهيلات كلها مأخوذة من قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ومن قول النبي ﷺ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
يقول السائل رجل يداه مقطوعتان لا يستطيع الغسل بهما هل يسقط عنه الغسل في مثل هذه الحالة وكذلك إذا أراد أن يقرأ من المصحف هل له أن يضعه على رجليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت اليدان المقطوعتان قد قطعتا من فوق المرفق فإن غسلهما يسقط وأما إذا قطعتا من مفصل المرفق فإنه يجب عليه أن يغسل بطرف العضد وإذا كانتا قد قطعتا من نصف الذراع مثلا فإنه يجب عليه أن يغسل ما بقي من الذراع مع المرفق فهذه ثلاث أحوال الحالة الأولى أن يكون القطع من فوق المرفق مما يلي العضد فلا يجب عليه أن يغسل شيئا الثانية أن يكون القطع من المرفق فيجب عليه أن يغسل رأس العضد الثالثة أن يكون القطع من نصف الذراع مثلا فيجب عليه أن يغسل ما بقي من الذراع مع المرفق أما مس المصحف فإنه لا بأس أن يضع الرجل المصحف على فخذيه وهو جالس ويقرأ منه. ***
باب المسح على الخفين
بارك الله فيكم سؤال من مستمعة للبرنامج تقول ما الحكمة من المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من المسح على الخفين هي أن هذا المسح يقوم مقام غسل الرجل وذلك لأن الواجب على الإنسان في الوضوء أن يطهر أربعة أعضاء الوجه واليدين والرأس والرجلين فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الإنسان إذا كان لابسًا جوارب أو خفين فإنه لا يكلف أن ينزعهما ثم يغسل قدميه لما في ذلك من المشقة في النزع والإدخال مرة أخرى وستكون الرِّجْلُ أيضًا رطبة بالماء فيترطب الجورب أو الخف فيزداد أذى بهذه الرطوبة فمن رحمة الله ﷾ أن شرع لعباده أن يمسحوا على الخفين أو الجوربين بدلًا عن غسل الرجلين ولكنه في مدة محددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسحها بعد الحدث وما قبلها لا يحسب من المدة فإذا قُدِّرَ أنَّ شخصًا لبس الجوربين لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة المغرب ومسحهما أول مرة بعد الحدث لصلاة المغرب فإن ما قبل صلاة المغرب لا يحسب من المدة فله أن يمسح إلى المغرب من اليوم الثاني إذا كان مقيمًا وإلى ثلاثة أيام إذا كان مسافرًا، وإنه بهذه المناسبة ينبغي أن نعرف أن المسح على الخفين لا بد له من شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة. والشرط الثاني: أن يكونا طاهرين ودليل هذا قول النبي صلى الله وسلم للمغيرة بن شعبة حينما أراد أن يخلع خفيه (قال له النبي ﵊: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) . الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة فإن حصل عليه الجنابة وجب عليه خلع الجوربين أو الخفين وغسل الرجلين ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ (قال أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سَفْرًا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . والشرط الرابع: أن يكون في المدة التي قدرها النبي ﷺ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فلو مسح بعد انتهاء مدة المسح فإن وضوءه غير صحيح وعليه أن يعيده ويتوضأ من جديد وضوءًا كاملًا يغسل فيه قدميه هذه الشروط التي دلت عليها سنة رسول الله ﷺ. ***
هذه رسالة من المستمع إبراهيم محمد يقول في سؤاله كيف تقدر مدة المسح على الخفين أهي بالساعات أم بالفروض وكيف ذلك بالنسبة للمسافر والمقيم وهل تقاس عليها العمامة التي تربط على الرأس بإحكامٍ ولا يسهل خلعها عند كل وضوءٍ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة من أهم المسائل التي يحتاج الناس لبيانها ولهذا سوف نجعل الجواب أوسع من السؤال إن شاء الله تعالى فنقول إن المسح على الخفين ثابتٌ بدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فهو من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (أرجلِكم) بكسر اللام فتكون معطوفة على قوله (برؤوسِكم) فتدخل في ضمن الممسوح والقراءة التي يقرؤها الناس في المصاحف (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) بفتح اللام فهي معطوفة على (وجوهَكم) فتكون من ضمن المغسول وحينئذٍ فالأرجل بناءً على القراءتين إما أن تمسح وإما أن تغسل وقد بينت السنة متى يكون الغسل ومتى يكون المسح يكون الغسل حين تكون القدم مكشوفة ويكون المسح حين تكون مستورةٌ بالخف ونحوه أما السنة فقد تواتر عن النبي ﷺ المسح على الخفين وعده أهل العلم من المتواتر كما قال الناظم: مما تواتر حديث من كذب..... ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوض..... ومسح خفين وهذي بعض فمسح الخفين مما تواترت به الأحاديث عن النبي ﷺ والمسح على الخفين إذا كان الإنسان قد لبسهما على طهارة أفضل من خلعهما وغسل الرجل ولهذا لما أراد المغيرة بن شعبة ﵁ أن ينزع خفي رسول الله ﷺ عند وضوئه (قال له: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما) وللمسح على الخفين شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارةٍ كاملة من الحدث الأصغر والأكبر فإن لبسهما على غير طهارة فإنه لا يصح المسح عليهما. والشرط الثاني: أن يكون المسح في مدة المسح كما سيأتي بيان المدة إن شاء الله تعالى. والشرط الثالث: أن يكون المسح في الطهارة الصغرى، أي في الوضوء أما إذا صار على الإنسان غسلٌ فإنه يجب عليه أن يخلع الخفين ليغسل جميع بدنه ولهذا لا يُمسح على الخفين في الجنابة كما في حديث صفوان بن عسَّال ﵁. هذه الشروط الثلاثة هي من شروط جواز المسح على الخفين، أما المدة فإنها يومٌ وليلة للمقيم وثلاثة أيامً بلياليها للمسافر ولا عبرة بعدد الصلوات بل العبرة بالزمن فالرسول ﵊ وقتها يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر واليوم والليلة هو أربعٌ وعشرون ساعة وثلاثة الأيام بلياليها اثنتان وسبعون ساعة لكن متى تبتدئ هذه المدة؟ تبتدئ هذه المدة من أول مرة في المسح وليس من لبس الخف ولا من الحدث بعد اللبس لأن الشرع جاء بلفظ المسح والمسح لا يتحقق إلا بوجوده فعلًا (يمسح المقيم يومًا وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام) فلا بد من تحقق المسح، وهذا لا يكون إلا بابتداء المسح في أول مرة فإذا تمت أربعٌ وعشرون ساعة من ابتداء المسح انتهى وقت المسح بالنسبة للمقيم وإذا تمت اثنتين وسبعين ساعة انتهى المسح بالنسبة للمسافر ونضرب لذلك مثلًا يتبين به الأمر رجلٌ تطهر لصلاة الفجر ثم لبس خفيه ثم بقي على طهارته حتى صلى الظهر وهو على طهارته وصلى العصر وهو على طهارته وبعد صلاة العصر في الساعة الخامسة تطهر لصلاة المغرب ثم مسح فهذا الرجل له أن يمسح إلى الساعة الخامسة من اليوم الثاني فإذا قُدِّر أنه مسح في اليوم الثاني في الساعة الخامسة إلا ربعًا وبقي على طهارته حتى صلى المغرب وصلى العشاء فإنه حينئذٍ يكون صلى في هذه المدة صلاة الظهر أول يوم والعصر والمغرب والعشاء والفجر في اليوم الثاني والظهر والعصر والمغرب والعشاء فهذه تسع صلوات صلاها، وبهذا علمنا أنه لا عبرة بعدد الصلوات كما هو مفهومٌ عند كثير من العامة حيث يقولون إن المسح خمسة فروض، هذا لا أصل له وإنما الشرع وقته بيومٍ وليلة تبتدئ هذه المدة من أول مرةٍ مسح وفي هذا المثال الذي ذكرنا عرفت كم صلى من صلاةٍ في لبس الخفين وفي هذا المثال الذي ذكرناه تبين أنه إذا تمت مدة المسح فإنه لا يمسح بعد هذه المدة، ولو مسح بعد المدة - أي - بعد تمامها فمسحه باطل لا يرتفع به الحدث، لكن لو مسح قبل أن تتم المدة ثم استمر على طهارته بعد تمام المدة فإن وضوءه لا ينتقض بل يبقى على طهارته حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوضوء فهذا المثال الذي ذكرنا أنه مسح في اليوم الثاني في تمام الخامسة إلا ربعًا أي قبل تمام المدة بربع ساعة ثم بقي على طهارته إلى المغرب وإلى العشاء فيصلى المغرب والعشاء بطهارته وذلك لأن القول بأن الوضوء ينتقض بتمام المدة أي بتمام مدة المسح قولٌ لا دليل له فإن تمام المدة معناه أنه لا مسح بعد تمامها وليس معناه أنه لا طهارة بعد تمامها فإذا كان المؤقت هو المسح دون الطهارة فإنه لا دليل على انتقاضها بتمام المدة وحينئذٍ نقول في تقرير دليل ما ذهبنا إليه: هذا الرجل توضأ وضوءًا صحيحًا بمقتضى دليلٍ شرعي صحيح فإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن نقول بانتقاض هذا الوضوء إلا بدليلٍ شرعي صحيح ولا دليل على أنه ينتقض بتمام المدة وحينئذٍ تبقى طهارته حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوضوء التي ثبتت بالكتاب أو السنة هذه خلاصة موجزة عن المسح على الخفين وله فروعٌ كثيرة لكنه ليس هذا موضع ذكرها وهي معلومةٌ في كتب أهل العلم والحمد لله، أما المسافر فإن له ثلاثة أيامٍ بلياليها أي اثنتان وسبعون ساعةً تبتدئ من أول مرةٍ مسح، ولهذا ذكر فقهاء الحنابلة ﵏ أن الرجل لو لبس خفيه وهو مقيم في بلده ثم أحدث في نفس البلد ثم سافر ولم يمسح إلا بعد أن سافر، قالوا: فإنه يُتِمُّ مسح مسافر في هذه الحالة فاعتبروا ابتداء المدة من المسح من أول مرةٍ مسح وهذا مما يدل على ضعف القول بأن ابتداء المدة من أول حدثٍ بعد اللبس، أما مسألة العمامة فالعمامة قد ثبت عن النبي ﷺ جواز المسح عليها وهي من حيث النظر أولى بالمسح من الخفين لأنها ملبوسةٌ على ممسوح فهي أصلًا طهارة هذا العضو - أي المسح - وطهارة الرأس أخف من طهارة الرجلين لأن طهارته تكون بالمسح فالفرع عنه وهو العمامة يكون كذلك بالمسح ولكن هل يشترط فيها ما يشترط في الخف بأن يلبسها على طهارة وتتقيد مدتها بيومٍ وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر أو المسح عليها مطلق متى كانت على الرأس مسحها سواءٌ لبسها على طهارة وبدون توقيت - إلا أنه في الحدث الأكبر لا يمسح عليها لأنه لا بد من الغسل في جميع البدن - هذا فيه خلاف بين أهل العلم والذين قالوا بأنه لا يشترط لبسها على طهارة ولا مدة لها قالوا لأنه ليس في ذلك دليلٌ عن النبي ﷺ وقياسها على الخفين كما يقولون قياسٌ مع الفارق لأن الخفين لُبِسا على عضوٍ مغسول طهارته لا بد من الغسل فيها وأما هذه فقد لُبِسَت على عضوٍ ممسوح وطهارته أخف فلهذا لا يشترط للبسها طهارة ولا توقيت لها ولكن لا شك أن الاحتياط أولى، والأمر في هذا سهل فإنه ينبغي أن لا يلبسها إلا على طهارة وأن يخلعها إذا تمت مدة المسح ويمسح رأسه ثم يعيدها. فضيلة الشيخ: ما هي الأشياء التي تبطل المسح على الخفين أو على العمامة غير انتهاء المدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبطل المسح أيضًا خلع الخف إذا خلع الخف بطل المسح في أي وقتٍ كان لكن الطهارة باقية ودليل كون خلع الخف يبطل المسح حديث صفوان بن عَسَّال (أمرنا رسول الله ﷺ أن لا ننزع خفافنا) فدل هذا على أن النزع يبطل المسح فإذا نزع الإنسان خفه بعد مسحه بطل المسح عليه بمعنى أنه لا يعيد لبسه فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملًا يغسل فيه الرجلين وأما طهارته إذا خلعه فإنها باقية فالطهارة لا تنتقض بخلع الممسوح وذلك لأن الماسح إذا مسح تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي فلا تنتقض هذه الطهارة إلا بمقتضى دليلٍ شرعي وليس هناك دليل شرعي على أنه إذا خلع الممسوح بطل الوضوء وإنما الدليل على أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح ولا يعاد المسح مرة أخرى إلا بعد غسل الرجل في وضوء كامل وعليه فنقول أن الأصل بقاء هذه الطهارة الثابتة بدليل شرعي حتى يوجد الدليل، وإذا لم يكن دليل فإن الوضوء يبقى غير منتقض وهذا هو القول الراجح عندنا. ***
يقول ما هي أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين له حكم واحد وهو أن الإنسان إذا لبسهما على طهارة بالماء فإنه يجوز له أن يمسح عليهما لكن بثلاثة شروط: الشرط الأول: هو ما أشرنا إليه أن يكون قد لبسهما على طهارة بالماء ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ﵁ (أنه صَبَّ على النبي ﷺ وضوءه فتوضأ النبي ﷺ فأهوى المغيرة إلى خفيه لينزعهما فقال النبي ﷺ دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) فقوله ﷺ (فإني أدخلتهما طاهرتين) تعليل لقوله (دعهما) والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا فدل هذا على أنه إذا لبسهما الإنسان على طهارة جاز له المسح وإذا لبسهما على غير طهارة فإنه لا يمسح الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر دون الأكبر لحديث صفوان بن عسال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) فقوله (إلا من جنابة) يدل على أنه لا يجوز مسحهما مع الجنابة بل يجب نزعهما. الشرط الثالث: أن يكون في المدة المحددة شرعًا وهي للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها للمقيم يوم وليلة تبتدئ من أول مرة مسح وليس من الحدث بعد اللبس وليس من اللبس وذلك لأن النصوص جاءت بأن يمسح يومًا وليلة ولا يتحقق المسح إلا بوجوده فعلًا فالمدة التي تسبق المسح لا تحسب من المدة التي قدرها النبي ﷺ فإذا قُدِّرَ أن الرجل توضأ لصلاة الفجر ثم بقي على طهارته وانتقض وضوؤه قبل الظهر بساعتين ثم توضأ لصلاة الظهر ومسح فإن ابتداء المدة يكون من مسحه حين مسح لصلاة الظهر وليس من الحدث الذي سبق الظهر بساعتين فيكمل على هذا المسح يومًا وليلة إن كان مقيمًا وثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافرًا وقد اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان يمسح خمسة أوقات إذا كان مقيمًا وهذا ليس بصحيح وإنما يمسح يومًا وليلة كما جاء به النص وهذا يمسح وقد يصلى أكثر من خمس صلوات فلو أنه مسح في الساعة الثانية عشرة ظهرًا فلما كان اليوم الثاني مسح في الساعة الثانية عشرة إلا ربعًا ظهرًا ثم بقي على طهارته حتى صلى العشاء فإنه في هذه الحالة يكون صلى تسع صلوات ظهر اليوم الأول والعصر والمغرب والعشاء والفجر وظهر اليوم الثاني والعصر والمغرب والعشاء وذلك لأن المدة إذا تمت وقد مسحت قبل أن تتم وبقيت على طهارتك فإن طهارتك لا تنتقض وقول مَنْ قال إن الطهارة تنتقض بتمام المدة لا دليل عليه والأصل بقاء الطهارة حتى يقوم دليل على انتقاضها لأن القاعدة الشرعية أن ما ثبت بدليل لا يرتفع إلا بدليل ولم يرد عن رسول الله ﷺ أن من تمت مدة مسحه انتقضت طهارته فإذا لم يرد ذلك وجب أن يبقى الوضوء على حاله والنبي ﵊ إنما وقت المسح ولم يوقت الطهارة لو كان النبي ﷺ وقت الطهارة لكانت الطهارة تنتقض بتمام اليوم والليلة وهو إنما وقت المسح، نعم لو مسح الإنسان بعد تمام المدة ولو ناسيًا فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء وأن ينزع خفيه ويغسل قدميه حتى لو صلى بهذا الوضوء الذي كان بعد تمام المدة ومسح فيه فإنه يجب عليه إعادة الصلاة ولو كان ناسيًا، وأما إذا كان مسافرًا فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها ويكون ابتداء المدة كما أسلفت من أول مرة مسح ثم لو مسح (*في الحضر ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم) يومًا وليلة أما لو لبس الخفين في الحضر ولم يمسح إلا في السفر فإنه يتم ثلاثة أيام ولو أنه ابتدأ المسح في السفر ثم وصل إلى بلده فإنه لا يمسح إلا مسح مقيم فإن كانت مدة مسح المقيم قد انتهت وجب عليه الخلع وغسل رجله إذا توضأ وإن كانت لم تنته فإنه يتمها على مسح مقيم يومًا وليلة من أول مرة مسح.
(*هذا رأي الشيخ في القديم انظر فتوى ١٥٥) فضيلة الشيخ: لو كان يلبس أكثر من جورب فالحكم يكون على الأعلى حيث لو فسخ الأعلى ينتقض الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس الجوربين فأكثر فإن لبس الثاني قبل أن يحدث فله الخيار بين أن يمسح الأعلى أو الذي تحته لكنه إذا مسح أحدهما تعلق الحكم به. فضيلة الشيخ: أول مرة يعني أول مسح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مسح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به فلو خلعه بعد مسحه فإنه لابد أن يخلع الثاني عند الوضوء ليغسل قدميه وقال بعض أهل العلم إنه لو لبس جوربين ومسح الأعلى منهما ثم خلعه فله أن يمسح الثاني مادامت المدة باقية لأن هذين الخفين صارا كخفٍ واحدٍ فهو كما لو كان عليه خف له بطانة وظِهَارة فمسح الظِّهارة ثم تمزقت الظِّهارة أو انقلعت فإنه يمسح البطانة لأن الخف واحد قال هؤلاء العلماء ﵏ فالخفان الملبوسان كأنهما خف واحد، ولكن الأحوط ما ذكرته آنفًا من أنه إذا مسح الخف الأعلى ثم نزعه فلا بد أن يخلع ما تحته وبناء على ذلك نقول مَنْ لبس جوربًا وخفًا يعني كنادر على الشراب وصار يمسح الكنادر فإنه إذا خلع الكنادر بعد مسحها لا يعيد المسح عليها مرة أخرى بل يجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ويخلع الجوارب ليغسل قدميه إلا على القول الثاني الذي أشرت إليه ولكن الأحوط هو القول الأول وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا المستمع م ع ص من ثادق يقول فضيلة الشيخ نرجو من فضيلتكم بيان شيء عن أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين من الشرائع التي جاء الإسلام بها وهي فريضة من فرائض كثيرة تدل على يسر الإسلام وسهولته وأن الله ﷾ منَّ علينا بدين ميسر فالإنسان قد يحتاج إلى لبس الخفين أو الجوارب أو الشراب اتقاءً للبرد أو اتقاءً للغبار أو ما أشبه ذلك مما تختلف فيه أغراض الناس فمن ثم رخص للعباد أن يمسحوا على الجوارب أو على الكنادر وألا يشقُّوا على أنفسهم بنزعها وغسل الرجل ولكن للمسح على ذلك شروط لا بد منها الشرط الأول: أن يلبسها على طهارة فإن لبسها على غير طهارة لم يجز المسح عليها لقول النبي ﷺ للمغيرة حين أهوى لينزع خفيه أي خفي النبي ﵌ قال (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فإن لبسهما على غير طهارة ونسي فمسح وجب عليه أن يعيد الوضوء ويغسل رجليه من جديد ويعيد الصلاة إن كان صلى بالوضوء الذي مسح فيه ما لبسه على غير طهارة. الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر أما الحدث الأكبر فإنه إذا أجنب الرجل وعليه جوارب لبسها على طهارة وجب عليه خلعهما وغسل قدميه لأن طهارة الحدث الأكبر أشق من طهارة الحدث الأصغر ولذلك تعم جميع البدن وليس فيها شيء ممسوح إلا الجبيرة للضرورة ويجب إيصال الماء في الطهارة الكبرى إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا فهي أشد وأغلظ ولهذا جاءت السنة بأن لا يمسح في الطهارة الكبرى على الجوارب أو الخفين ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليها إلا من جنابه ولكن من غائط وبولٍ ونوم) . الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي حددها النبي ﵌ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث لا من اللبس ولا من الحدث بل من المسح في وضوء بعد الحدث حتى يتم ثلاثة أيام إن كان مسافرا أو يوما وليلة إن كان مقيما مثال ذلك إذا تطهر لصلاة الفجر ولبس ثم أحدث في الساعة العاشرة ضحى ثم لم يتوضأ ثم تطهر في الساعة الثانية عشرة ومسح فإن ابتداء المدة يكون من الساعة الثانية عشرة لا من الفجر ولا من الساعة العاشرة بل من الساعة الثانية عشرة لأنها الساعة التي ابتدأ المسح فيها. وليعلم أن الرجل إذا مسح وهو مقيم ثم سافر قبل تمام مدة مسح المقيم فإنه يتم مسح مسافر مثال ذلك رجل لبس خُفَّيه ثم مسح عليهما لصلاة الظهر مثلا ثم سافر بعد الظهر أو بعد العصر فإنه يتم مسح مسافر أما إن تمت مدة مسح المقيم قبل أن يسافر فإنه لا يبني على مدة تمت بل يجب عليه أن يغسل قدميه إذا توضأ وكذلك العكس بالعكس لو مسح وهو مسافر ثم وصل البلد فإن مَسْحُهُ مسح المقيم فإن كان مضى له يوم وليلة للسفر فعليه أن يخلع ويغسل قدميه عند الوضوء وإن بقي من اليوم والليلة شيء أتمه يوما وليلة فقط وليُعلم كذلك أن مدة المسح إذا تمت وهو على طهارة فإن طهارته لا تنتقض بل يبقى طاهرا حتى تبطل طهارته بناقض من النواقض المعروفة فإذا قُدِّرَ أن شخصا ما مسح أول مرة في الساعة الثانية عشرة من يوم الأحد وهو مقيم ثم مسح من يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة والنصف أي بقي عليه نصف ساعة ويتم يوما وليلة ثم مضت عليه الثانية عشرة والواحدة والثانية وهو لا يزال على طهارته فإن طهارته باقية لم تنتقض بانتهاء المدة لكنه إذا انتقض وضوؤه بعد اكتمال المدة وجب عليه أن يغسل قدميه إذا توضأ لأن المدة قد تمت. إذًا فالمسح على الخفين أو الجوارب سنة إذا كان الإنسان لابسا لهما لكن بشروط ثلاثة الشرط الأول: أن يلبسها على طهارة. الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر دون الأكبر. والثالث: أن يكون ذلك في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث. ***
نأمل بشرح أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين من السنة ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ وكان المغيرة بن شعبة ﵁ يصب عليه وضوءه فأهوى لينزع خفي الرسول ﵊ فقال (دعهما - يعني لا تخلعهما - ومسح عليهما) فدل ذلك على أن لابس الخفين الأفضل له أن يمسح ولا يخلعهما ليغسل قدميه. وللمسح على الخف شروط أهمها: الشرط الأول: أن يلبسهما أي الخفين على طهارة فيتوضأ وضوءا كاملا ثم يلبس فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح عليهما بل عليه أن يخلعهما ويغسل قدميه ثم يلبسهما على الوضوء والشرط الثاني: أن يكون المسح في الحدث الأصغر دون الأكبر لحديث صفوان بن عسال قال (إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) فقال (إلا من جنابة) فالجنابة لابد فيها من خلع الخفين وغسل الرجلين لأن الجنابة لا يمسح فيها إلا للضرورة وذلك بأن يكون على الإنسان جبيرة إما جبس أو لزقة أو دواء فهذا يمسح في الحدث الأصغر والأكبر أما ما سوى الضرورة فإنه لا مسح في طهارة الجنابة. الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي رخص فيها الشارع بالمسح وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فمن مسح بعد انتهاء المدة لم يصح وضوؤه ويجب إذا تمت المدة وأراد الإنسان أن يتوضأ أن يخلعهما ويتوضأ ويغسل قدميه وابتداء المدة يكون من أول مرة مسح بعد الحدث لا من اللبس ولا من الحدث ولكن من أول مرة مسح بعد الحدث مثال ذلك لو أن رجلًا توضأ لصلاة الفجر يوم الاثنين ولبس الخفين وبقي على طهارته إلى الليل ثم نام وقام لصلاة الفجر وتوضأ ومسح فابتداء المدة هنا من مسحه لصلاة الفجر يوم الثلاثاء فتكون المدة التي مضت قبل المسح غير معدودة عليه لأن المدة تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث ولو أنه توضأ لفجر يوم الاثنين ولبس الخفين وبعد ارتفاع الشمس أحدث ولكن لم يتوضأ حتى أذن الظهر فتوضأ الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الاثنين فهنا يمسح إلى ما قبل الثانية عشرة من يوم الثلاثاء ونحن قلنا إنه أحدث قبل الزوال في يوم الاثنين فهنا نقول المدة تبدأ من وقت المسح من الثانية عشرة وله أن يمسح إلى الثانية عشرة إلا دقيقة واحدة من اليوم الثاني وكذلك يقال في المسافر إنه تبتدئ مدته من أول مرة مسح بعد الحدث وهناك شروط أخرى اختلف فيها العلماء ﵏ هل هي شرط أو ليست بشرط؟ فلنضرب عنها صفحًا. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ حدثونا عن المسح على الخفين عن كيفيته ومدته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية المسح على الخفين أن يمسح الإنسان من أطراف الأصابع إلى الساق ظاهر الخفين لا باطنهما ولكن يشترط للمسح على الخفين شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة فإن لم يلبسهما على طهارة لم يصح المسح عليهما لقول النبي ﵌ حين أراد المغيرة بن شعبة أن ينزع خفيه قال (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) ثم مسح عليهما والشرط الثاني: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول مسحة مسحها بعد الحدث فلو قُدِّرَ أن رجلا مقيما لبس خفيه لصلاة الفجر ولم يمسح عليهما من الحدث إلا لصلاة العشاء أي بقي كل يومه طاهرا فإن مدته تبتدئ من مسحه عند صلاة العشاء لا من لبسه للخفين والمهم أنه لابد أن يكون المسح في المدة المحددة وهي ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم. الشرط الثالث أن يكون ذلك في الحدث الأصغر وهو ما أوجب الوضوء فأما الحدث الأكبر وهو ما أوجب الغسل فإنه لا يمسح فيه على الخفين لحديث صفوان بن عسَّال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﵌ أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفرًا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . ***
ما هي مدة المسح على الخفين للمقيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدته يوم وليلة أربعٌ وعشرون ساعة تبتدئ هذه المدة من أول مرةٍ مسح إلى دورها من اليوم الثاني فإذا مسح في تمام الساعة الثانية عشرة من اليوم فإنه له أن يمسح إلى تمام الساعة الثانية عشرة من اليوم الذي يليه وإذا مسح قبل انتهاء المدة وبقي على طهره فإنه إذا انتهت المدة وهو على طهره فإنه لا ينتقض وضوؤه ويبقى على وضوئه حتى ينتقض بناقضٍ معلوم. فضيلة الشيخ: إذًا المدة التي قبل المسح لا يُعتدُّ بها كأن يتوضأ مثلًا للفجر ويستمر على طهارته الظهر والعصر والمغرب ثم يتوضأ للعشاء الآخرة تبدأ المدة من العشاء الآخرة لمدة أربع وعشرين ساعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وأقول لك أيضًا لو فرض أنه صلَّى العشاء الآخرة بوضوء الفجر ولم يمسح إلا الفجر من اليوم الثاني فإن المدة تبتدئ من الفجر من اليوم الثاني ولنفرض أنه قبل زمن بداية المسح من اليوم الثالث مسح قبل انتهاء المدة وبقي على طهارته إلى العشاء من الليلة الثالثة أو الرابعة فإن ذلك صحيح أيضًا ولهذا يخطئ بعض العوام الذين يقولون الذي يلبس الخفين يصلى فيهما خمسة أوقات، والصحيح أنه ربما يصلى أكثر من خمسة أوقات. ***
السائل دحماني رضا يقول بالنسبة للمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يومًا وليلة وقد سمعنا حديثًا عن (عمر ﵁ بأن المسافر يمسح أسبوعًا) فهل هذا الأثر صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ثبت بالسنة أن المسافر يمسح ثلاثة أيامٍ بلياليها فعليك بما صحت به السنة ودع عنك الآراء مهما كان قائلها ما دام عندك أصلٌ من السنة فهو المعتمد وهو الذي تسأل عنه يوم القيامة كما قال الله ﷿ (ويَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ) . ***
يقول السائل إذا صلَّى المسلم فرضًا بعد أن انتهى وقت المسح على الشراب فهل يعيد الصلاة أم ماذا عليه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعيد الصلاة لأنه إذا تمت مدة المسح ثم انتقض الوضوء وجب عليه أن يخلع ثم يلبس على طهارة من جديد لأن النبي ﷺ وقت ذلك (بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر) فمثلا إذا قدرنا أنه انتهى وقت المسح قبل الظهر بساعة ثم انتقض وضوءه ومسح ناسيا فعليه أن يتوضأ ويعيد صلاة الظهر وأما إذا انتهت المدة وهو على طهارة فليستمر في طهارته حتى ينقضها يعني يستمر يصلى ولا حرج ولو تمت المدة لأن تمام المدة معناه امتناع المسح من جديد لا انتقاض الوضوء. ***
بارك الله فيكم السائل يقول هل يلزم إعادة الوضوء بعد انتهاء مدة المسح أم يكتفي بغسل الرجلين فقط وإعادة لبس الجوربين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا انتهت مدة المسح فإنه إذا توضأ يجب عليه أن ينزع الجوربين ويتوضأ عند الصلاة وضوءًا كاملًا ولا يجزىء أن يغسل رجليه فقط ويلبس الجوربين لأن من شرط جواز المسح على الجوربين أو الخفين أن يلبسهما على طهارة كاملة. ***
بارك الله فيكم ما صحة المسح على الجوارب وهل لهذه الجوارب شروط إذا كان المسح عليها جائزًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح من أقوال أهل العلم جواز المسح على الجوربين فإنه قد روي عن النبي ﷺ (أنه قد مسح عليهما) ولأن العلة التي من أجلها أبيح المسح على الخفين موجودة في الجوربين فإن العلة في جواز المسح على الخفين مشقة النزع وغسل الرجل بالماء ثم إدخالها في الخف وهذا موجود في الجوربين بل قد يكون نزع الجوربين أشق من نزع الخفين وشروط المسح على الجوربين: الأول: أن يلبسهما على طهارة ودليل ذلك حديث المغيرة بن شعبة ﵁ (أنه كان مع النبي ﷺ في سفر فتوضأ قال المغيرة فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الأكبر لحديث صفوان بن عسال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) الشرط الثالث: أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعًا وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وابتداء المدة من أول مسح حصل بعد الحدث وليس من اللبس ولا من الحدث نفسه، نضرب لذلك مثلًا برجل لبس خفيه حين توضأ لصلاة الفجر وأحدث في منتصف الضحى ولم يتوضأ وتوضأ لصلاة الظهر بعد الزوال فإن ابتداء المدة يكون من الوقت الذي مسح فيه لصلاة الظهر أي من بعد الزوال وما قبل ذلك لا يُحتسب من المدة. الشرط الرابع: وهو أن يكون الجوربان أو الخفان طاهرتين فإن كانتا نجستين فإنه لا يمكن المسح عليهما وذلك لأن الخفين أو الجوربين إذا كانتا نجستين فإن الصلاة فيهما ممنوعة لما ثبت في السنن من أن رسول الله ﷺ (صلَّى بأصحابه ذات يوم في نعاله وفي أثناء الصلاة خلعهما فخلع الناس نعالهم فلما انصرف من صلاته سألهم ما بالهم خلعوا نعالهم قالوا يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا قال فإن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا) وهذا يدل على أنه لا تجوز الصلاة في نعل فيه قذر والخف مثله وعلى هذا فلا بد أن تكون الجوربان أو الخفان طاهرتين فهذه أربعة شروط وهناك شروط اختلف فيها العلماء ﵏ ولكن كل شرط لا يثبت بدليل من الكتاب والسنة أو إجماع فإنه لا عبرة به. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل هل يجوز المسح على الجوربين في الوضوء وهل له شروط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز المسح على الجوربين بشروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة. والشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة لأن الجنابة لا يُمسح فيها إلا على الجبيرة. والشرط الثالث: أن يكون في المدة المحددة شرعا وهي للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها تبتدئ هذه المدة من أول مسحة بعد الحدث مثال ذلك لو أن رجلا لبس الجوربين من صلاة الفجر بعد أن تطهر لصلاة الفجر ولم يمسح إلا لصلاة الظهر فإن المدة تبتدئ من صلاة الظهر لأن ما قبل المسحة الأولى بعد الحدث لا يحسب من المدة وإذا تمت المدة والإنسان على طهارة بقي على طهارته حتى تنتقض فإذا انتقضت فليتوضأ من جديد ويغسل رجليه. ***
ما الحكم في المسح على الجوارب أثناء الوضوء وخصوصًا عند ما يكون الإنسان في عمل أجير عند الغير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الجوارب سنة إذا لبسها الإنسان على طهارة ولم يحصل عليه غسل وكان ذلك في المدة المحددة شرعًا وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا كان على الإنسان جوارب لبسها على طهارة فإنه يمسحها بدلًا عن غسل الرجلين لكن في المدة المحددة فقط وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر وفي الحدث الأصغر فقط وإذا تمت مدة المسح والإنسان على طهارة فإن طهارته باقية لا تنتقض بتمام المدة لأن النبي ﷺ إنما وقت المسح ولم يوقت الطهارة لكنه لا يسمح بعد تمام المدة لأن ما خرج عن الحد الشرعي فهو مردود على فاعله قال النبي ﵊ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ***
هذه رسالة وردت من م. م. م. من حوطة بني تميم يقول كثير من الناس يمسحون في الوضوء على الكندرة فما الحكم في هذا أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن المسح على الكندرة أو على الشراب مستحب، ولكن لابد فيه من أن يوضع على طهارة، وأن يكون في المدة المحددة، وأن لا يكون على الإنسان غسل، لأن مسح الكندرة أو الشراب يختص بالحدث الأصغر فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة وكان الممسوح عليه طاهرًا، فالمسح عليه سنة، لأن الرسول ﷺ حين توضأ فأراد المغيرة بن شعبة ﵁ أن ينزع خفيه (قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما) . ***
المستمعات طالبات من ثانوية تحفيظ القرآن بالمدينة المنورة يسألن ما الدليل على المسح على الشراب لا على الخفين حيث إن كثيرًا من الناس ينكر ذلك بحجة أن الدليل ورد في المسح على الخفين ولم يرد في المسح على الشراب وهل يلزم عند المسح على الشراب أن لا يصل الماء إلى البشرة نرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا: المسح على الخفين سنة بمعنى أنه لو كان على الإنسان خفان وتوضأ وأراد أن يخلعهما ثم يغسل قدميه لم يكن آثما بذلك لكنه مخالف للسنة لأن النبي ﷺ توضأ وعليه خفان فأراد المغيرة بن شعبة أن ينزع خفيه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) ثانيًا: المسح على الجوارب وهي الشراب قد ورد فيه حديث عن رسول الله ﷺ وصح عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين - أي الشراب - وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء ثم غسل الرجل ثم إدخالها وهي رطبة فإن في ذلك مشقة من جهة النزع واللبس ومن جهة إدخال الرجل وهي رطبة وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تماما في الجوربين فإن في نزعهما مشقة وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين ولكن هل يشترط في الجوربين أي الشراب أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة وإنه عليهما لو حصل خرق ولو يسير كمبطٍ فإنه لا يجوز المسح عليها ومنهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين يمنعان وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا ساترين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف ومنهم من قال لا يشترط ذلك كله وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين ولو كان يرى من ورائهما الجلد ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم وهذا القول هو الصحيح لأنه لا دليل على الاشتراط والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين كما هي موجودة في الثخينين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين كما يجوز على الجوربين الثخينين. ***
بارك الله فيكم المسمع منجاد من حائل يقول إنه يعاني من تشقق في مؤخرة قدمه من أثر الوضوء فلبس شرابا خفيفا ومسح عليه يومًا وليلة أو أقل بما في ذلك صلاة الفجر يقول بعد ما أصحو من النوم وأتوضأ وأمسح عليه مرة واحدة علمًا بأن مدة المسح لم تنته فما رأيكم حول هذا والله يرعاكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن هذا العمل جائز ولا بأس به أن الإنسان يلبس الجوارب إما للتدفئة وإما لغرض آخر وهذا الرجل مادام لا يمسح على هذه الجوارب إلا في المدة التي قدرها النبي ﵊ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإنه قد أتى معروفًا ولا إنكار عليه فيه هذا. ***
رسالة من السودان عباس حسن يقول ما حكم من يتوضأ ويمسح على الشراب الذي يلبسه في رجليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضوء الإنسان إذا كان عليه جوارب أو خُفَّان فَمَسَحَهُمَا أنَّ وضوءه صحيح وصلاته صحيحة لكن بشرط أن يلبس هذه الجوارب أو الخفين على طهارة وأن يكون المسح في الطهارة الصغرى دون الجنابة وأن يكون في الوقت المحدد شرعا وهو يوم وليلة من أول مرة مسح للمقيم وثلاثة أيام بلياليها من أول مرة مسح للمسافر فإذا مسح الجوارب أو الخفين على الوجه المشروع فإنه يصلى فيهما ما شاء من فروض ونوافل إلى أن تنتهي المدة. ***
يقول السائل ما كيفية المسح على الشُّرَّاب وهل يجوز المسح على الشراب عند القيام من النوم للصلاة وما هي المدة وجهونا في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية المسح على الشراب أن يبل الإنسان يديه بالماء ثم يمسح من أطراف الأصابع إلى الساق يمر بيده مرة واحدة من أطراف الأصابع إلى الساق ثم إن شاء مسح اليمنى قبل اليسرى وإن شاء مسحهما جميعا لأن السنة في ذلك محتملة لهذا ولهذا والأمر في ذلك واسع ولا يكرر المسح لأن القاعدة عند الفقهاء ﵏ أن كل شيء ممسوح فإنه لا يسن تكرار المسح عليه لأن طهارته مخففة فينبغي أن يكون مخفَّفًا في الكيف ومخفَّفًا في الكم. وأما المسح على الشراب عند القيام من النوم فنقول ما دامت المدة باقية فامسح حتى تنتهي والمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا كان مقيما ومسح أول مرة في الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الأربعاء فله أن يمسح إلى قبيل الساعة الثانية عشرة من يوم الخميس يعني أربعا وعشرين ساعة سواء نام أم لم ينم وإذا تمت المدة وهو على طهارة بقي على طهارته حتى تنتقض ولكنه لا يمسح بعد تمام المدة بل عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يخلع الجوارب وأن يتوضأ وضوءًا كاملًا بغسل القدمين. ***
هل يجوز للمصلى أن يتوضأ بدون غسل رجله والمسح على النعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء لا بد فيه من أن يغسل الإنسان وجهه ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وأن يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى المرفقين وأن يمسح بجميع رأسه وبأذنيه وأن يغسل رجليه فإذا لم تتم هذه الطهارة على هذا الوجه فإنها طهارةٌ غير صحيحة ولا تصح بها الصلاة وأما المسح على النعل فإنه لا يجوز المسح على النعل بل لا بد من خلع النعل وغسل الرجل أما الخف وهو ما يستر الرجل فإنه يجوز المسح عليه سواءٌ كان من جلد أو من قطن أو من صوف أو من غيرها بشرط أن يكون مما يحل لبسه أما إذا كان مما يحرم لبسه كالحرير على الرجل يعني لو لبس جِرابًا من الحرير فإنه لا يجوز له أن يمسح عليه لأنه محرمٌ عليه لبسه فإذا كان مباحًا جاز المسح عليه إذا لبسه على طهارة وكانت المدة المقررة شرعًا وهي يومٌ وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول يومٍ مسح وتنتهي بتمام أربعٍ وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم واثنتين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر. ***
بارك الله فيكم المستمع سعد يسأل ويقول هناك من يقول بجواز المسح على كل خف سواء كان مخرقًا أو ممزقًا وسواء أمكن متابعة المشي فيه أم لا، بل لو كان على قدميه لفافة لجاز المسح على ذلك كله وحجتهم أن النبي ﷺ رخص للمسلمين في مسح الخفين في أحاديث كثيرة ليس في شيء منها افتراض سلامة الخف من الشق وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز نرجو من فضيلة الشيخ بيان مدى صحة هذا القول جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا القول الذي أشار إليه السائل وهو جواز المسح على كل ما لبس على الرجل هو القول الصحيح وذلك أن النصوص الواردة في المسح على الخفين كانت مطلقة غير مقيدة بشروط وما ورد عن الشارع مطلقًا فإنه لا يجوز إلحاق شروط به لأن إلحاق الشروط به تضييق لما وسعه الله ﷿ ورسوله والأصل بقاء المطلق على إطلاقه والعام على عمومه حتى يرد دليل على التقييد أو التخصيص وقد حكى بعض أصحاب الشافعي عن عمر وعلي بن أبي طالب ﵄ جواز المسح على الخف وعلى الجورب الرقيق وهذا يعضد هذا القول الذي أشار إليه السائل وهو جواز المسح على الجوارب الخفيفة الرقيقة وعلى الجوارب المخرقة وكذلك الخف وكذلك على القول الراجح المسح على اللفافة بل إن جواز المسح على اللفافة أولى لمشقة حلها ولَفِّها وهذا هو الذي يتمشى مع قوله ﷿ حين ذكر آية الطهارة في الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . ***
السائل علاء حسين يقول هل يجوز المسح على الخف الممزق أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه يجوز المسح على الخف المخرق وعلى الجورب الخفيف الرهيف الذي تبدو منه البشرة لأنه لا دليل على اشتراط أن لا يكون فيه خرق أو شق أو أن لا يكون خفيفًا ولو كان هذا شرطًا لجاء في الكتاب والسنة والأصل في جواز المسح على الجورب والخف التخفيف على الأمة فإذا اشترطنا شروطًا لا دليل عليها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاد التخفيف تثقيلًا فالصواب جواز المسح على الجورب مادام اسمه باقيًا سواءً كان خفيفًا أم ثقيلًا مخرّقًا أم سليمًا ومن المعلوم أن مدة المسح للمقيم يوم وليلة بشرط أن يلبس على طهارة وأن لا تحصل له جنابة فإن لبس على غير طهارة لم يجز المسح وإن أصابته جنابة وجب عليه الخلع وغسل الرجلين أما المسافر فالمدة في حقه ثلاثة أيام والعبرة بالزمن لا بالصلوات وأما ما اشتهر عند العامة أن المدة خمس صلوات فغلط فالسنة إنما جاءت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر وتبدأ المدة من أول مرة مسح بعد الحدث فلو فرض أن الرجل لبس الجورب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد وبقي على طهارته كل اليوم ومسح أول مرة لصلاة الفجر يوم الاثنين فابتداء المدة يكون من المسح يوم الاثنين لأن ما قبل المسح لا يعتبر من المدة ولا يحسب من المدة. ***
بارك الله فيكم السائل يقول هل يجوز المسح على الشُّرَّاب ولو كان رقيقا أو به قطع بسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز المسح على الشُّرَّاب وإن كان خفيفا وإن كان به خروق لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أنه يشترط أن يكون صفيقا وألا يكون فيه خروق بل كل ما سُمّي جوربًا أو خفًا جاز المسح عليه على أي صفة كان وعلى أي حالة كان لكن ليُعلم أن المسح على ذلك لابد فيه من شروط: الشرط الأول: أن يلبسه على طهارة ودليل ذلك (حديث المغيرة بن شعبة أنه أهوى لينزع خفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) يعني أنه أدخلهما على طهارة، الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة ونحوها لحديث صفوان بن عسال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وابتداء المدة من أول مرة مسح بعد الحدث وانتهاؤها معلوم مما ذكرنا فهي أي المدة أربع وعشرون ساعة للمقيم واثنتان وسبعون ساعة للمسافر ففي هذه المدة يمسح الإنسان لكن كما قلنا في الحدث الأصغر دون الأكبر لأن الأكبر لابد فيه من غسل البدن ومنه القدمان. ***
ما حكم لبس الجورب اليمين قبل غسل الرجل اليسرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به يعني لا بأس أن يلبس الجورب في الرجل اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى ولكن اختلف العلماء في هذه الحال هل يمسح عليهما إذا لبسهما وتوضأ بعد ذلك أو لا يمسح، فيه خلاف بين العلماء ولا شك أن الاحتياط أن ينتظر الإنسان حتى يغسل الرجل اليسرى ثم يلبس بعد كمال الوضوء تمامًا. ***
كيف يكون المسح على الشُّرَّاب هل نبدأ بالمسح على الرجل اليمنى ثم اليسرى أو نمسح عليهما معًا بكلتا اليدين ولا بأس في ذلك علمًا أن هذا هو عمل الناس اليوم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن المسح على الخفين كالمسح على الأذنين أنه يمسحهما مرة واحدة أي جميعًا بدون أن يقدم اليمنى على اليسرى فيمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى كما أنه يمسح الأذنين كذلك دفعة واحدة والراجح عندي أنه يمسح الرجل اليمنى قبل اليسرى وذلك لأن مسح الرجلين قائم مقام غسلهما وهما عضوان كل عضو مستقل عن الآخر وإذا كان المسح بدلًا عن الْغَسل والْغَسل يشرع فيه تقديم اليمنى على اليسرى فإن البدل يكون له حكم المبدل ولا يصح قياسهما على الأذنين لأن (الأذنين من الرأس) وهما عضو واحد وكما أن الرجل إذا مسح على رأسه يمر بيديه عليه ويكون مسحه لجانب الرأس الأيمن والأيسر دفعة واحدة كذلك أيضًا المسح على الأذنين يكون دفعة واحدة لأنهما من الرأس وأما الرجلان فإنهما عضوان كل عضو مستقل عن الآخر فيكون لكل عضو حكمه وقد (كان رسول الله ﷺ يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) . ***
يقول السائل مَنْ لبس الجوربين على طهارة كاملة ثم أحدث ولبس جوربًا آخر هل يمسح على الأعلى ثم الأسفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس جوربًا على طهارة ثم لبس فوقه آخر على طهارة بمعنى أنه لبس الجورب لصلاة الفجر ثم عند صلاة المغرب وجد أنه محتاج إلى جورب آخر فتطهر لصلاة المغرب ومسح على الجورب الأول ثم لبس الجورب الثاني فوقه فإنه يمسح لصلاة العشاء على الجورب الأعلى ولا يمسح على الأسفل ولكن هذا المسح مبني على مسح الجورب الأول بمعنى أنه إذا تم يوم وليلة من مسحه على الجورب الأول انتهت مدة المسح إن كان مقيمًا وثلاثة أيام إن كان مسافرًا ولا يحتسب المدة من مسحه على الجورب الأعلى لأن الجورب الأعلى فرع عن الجورب الأسفل وأما مسح الجوربين جميعًا فليس بمشروع. ***
رَجُلٌ مسح على خفيه أو على الجوارب ثم نسي بعد ذلك ونزعهما دون أن ينتقض وضوؤه فهل عليه غسل رجليه أم الوضوء كاملًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مسح الإنسان على خفيه في الوقت المحدد شرعًا وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا مسح على الخف ثم نزعه بعد المسح عليه فإن طهارته لا تنتقض بل هو باقٍ على طهارته وذلك لأن نقض الطهارة بخلع الخف يحتاج إلى دليل وليس في السنة بل ولا في القرآن أيضًا ما يدل على أن خلع الخف ينقض الوضوء فإذا لم يكن هناك دليل على أن خلع الخف ينقض الوضوء فالأصل بقاء الطهارة لأن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن أن تنتقض إلا بدليل شرعي ولا دليل في المسألة ومع أن الذي عَلَّلَ به بعض الذين يقولون بأنه إذا خلع ما مسح عليه انتقض وضوؤه ما عللوا به من أن الممسوح عليه قد زال نقول الجواب عنه أن المسوح عليه كان مسحه فرعًا عن غسل الرِّجل وكان مسحه يعتبر تطهيرًا للرِّجل لأنه قام مقام الغسل فإذا كان فرعًا عن طهارة غسل الرِّجل فإن الرِّجل مازالت باقية والحدث عنها قد ارتفع بمسح الخف الذي كان عليها وعلى هذا فلا تأثير لخلع الخف ثم إن هناك قياسًا بيِّنًا فيما لو مسح الرجل رأسه ثم حلقه بعد مسحه فإن طهارته لا تنتقض مع أن الشعر الذي كان ممسوحًا قد زال ومع ذلك فإن طهارته لا تنتقض ولا فرق بين هذا وهذا والقول بأن هذا أي مسح الرأس أصلى ومسح الخفين بدل لا تأثير له في الأمر لأن العلة الموجبة للنقض على قول من يقول به هي أن الممسوح قد زال وهو حاصل فيما إذا حلق رأسه بعد مسحه ومع ذلك فإننا لا نقول بانتقاض طهارته فيما إذا حلق رأسه بعد مسحه فكذلك لا نقول بانتقاض طهارته فيما إذا خلع خفه بعد مسحه. فضيلة الشيخ: لكن إذا كان المسح فرعًا من غسل الرجل وزال الفرع بانت الرجل وانكشفت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لكنها بانت بعد أن تمت الطهارة فإنه لما مسح تمت الطهارة الآن وتمام الطهارة معناه أنه لا يمكن أن يزول هذا التمام إلا بوجود دليل شرعي. فضيلة الشيخ: إذًا لو انشق الجورب مثلًا بعد مسحه وبانت الرجل فلا شيء عليه في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. فضيلة الشيخ: ولو مسح على الخف ثم صلى بالشّراب لا بأس به أيضًا أي مسح على الكندرة وخلعها وصلى بالشراب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مسح على الكندرة ثم خلعها فلا حرج عليه ولكنه في هذه الحال ما يمكن أن يعيد الكندرة إلا بعد غسل رجله لو أراد أن يتوضأ مرة ثانية وذلك لأن الإنسان إذا خلع الممسوح فإنه لا يمكن أن يعاد هذا الممسوح إلا على طهارة بالماء فضيلة الشيخ: يعني لابد من نزع الشُّرَّاب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لابد من نزع الشُّرّاب ما دام أنه كان يمسح على الكنادر أما لو كان يمسح على الشُّرّاب من الأصل من أول مرة فلا حرج عليه فيما إذا خلع الكنادر أو أبقاها. فضيلة الشيخ: هذه الظاهر أنها غير مفهومة كونه مثلًا خلع الكندرة وعليه الشراب وقد مسح على الكندرة ثم صلى هذا الوقت بالشراب ثم جاء وقت آخر وقد لبس الكندرة على الشراب لأنه خرج من المسجد ثم مسح فهل له أن يمسح على الشراب بدون غسل الرجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمسح لا على الشراب ولا على الكندرة لأنا قلنا إنه إذا خلع الممسوح فإنه لا يمكن أن يُعاد هذا الممسوح إلا على طهارة. طهارة بالماء فإذا كان كذلك فإنه يلزم من نزع الممسوح ألا يلبسه وإلا على طهارة بماء. فضيلة الشيخ: إذًا إذا كان المسلم يريد أن يبقي الشراب والكنادر على رجليه فعليه أن ينزع الكنادر ويمسح على الشراب باستمرار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من أول الأمر. ***
أحسن الله إليكم أبو عوضة من عسير يقول إذا لبست الخفين ثم خلعتهما عند النوم وعند الفجر لبستهما ومسحت عليهما ومدة المسح عليهما لم تنته فهل هذا جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بجائز لأن الإنسان إذا مسح الخف ثم خلعه بعد مسحه فإنه لا يعيد المسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملًا يغسل فيه رجليه ثم يلبس الخف من جديد وعلى هذا فمن كان يعتاد أن يخلع خفه عند النوم أو عند دخول المسجد أو عند دخول المجالس فإنه يمسح على الجورب الذي تحته حتى يكون في سعه. ***
السائل محمد أحمد مصري ومقيم بالرياض يقول إذا تطهر الرجل ثم لبس الجوارب ثم أحدث ثم توضأ مرة أخرى ومسح على الجوارب ثم خلع الجورب ولبسه مرة أخرى فهل يصلى بذلك الوضوء أي الثاني وكذلك هل يمسح على الجورب إذا أراد الطهارة لصلاة أخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس الإنسان الجورب ثم أحدث ومسحه تمت طهارته فإذا خلعه بعد المسح فهو باق على طهارته يُصلى ما شاء حتى ينتقض وضوؤه فإذا أنتقض وضوؤه فإنه لا يحل له أن يلبس الجورب مرة ثانية إلا بعد الوضوء وضوءًا كاملًا يغسل فيه القدمين وأُعطي السائل والمستمعين قاعدة مفيدة وهي أنه متى خلع ما مسحه من جورب أو خف فإنه لا يعيده مرة أخرى إلا بعد أن يتوضأ وضوءا كاملا يغسل فيه القدمين وعلى هذا نقول إذا خلع الجورب الذي مسحه أو الخف الذي مسحه وهو على طهارة فإنه يبقى على طهارته ولا تبطل الطهارة بهذا الخلع لكن يبطل المسح بمعنى أنه لا يمكن أن يعيده فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملا يغسل فيه القدمين. ***
بارك الله فيكم يقول السائل لبست الجوارب وعند الوضوء نسيت هل لبستهما على طهارة أم لا فماذا عليَّ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تخلعهما وأن تغسل قدميك وذلك لأن هذا شك في وجود الشرط والأصل عدم الوجود فلا يحل لك أن تمسح على الجوارب وأنت في شك هل لبستهما على طهارة أم لا، والمسح على الخفين جائز بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ أما في كتاب الله ففي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) على قراءة الجر لأن في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) قراءتين قراءة بالنصب (وَأَرْجُلَكُمْ) فتكون معطوفة على قوله (وُجُوهَكُمْ) وتكون حينئذٍ مغسولة وقراءة بالجر (وَأَرْجُلِكُمْ) وحينئذٍ تكون معطوفة على قوله (بِرُءُوسِكُمْ) فتكون ممسوحة وقد بينت السنة متى يكون مسح الرِّجل ومتى يكون غسلها فيكون غسلها إذا كانت مكشوفة ويكون مسحها إذا كانت مستورة بالجوارب أو الخفين والسنة قد تواترت بذلك عن النبي ﷺ من قوله وفعله وممن روى ذلك عنه علي بن أبي طالب ﵁ وقد قال بعض العلماء بيتين يعد فيهما بعض ما تواتر عن النبي ﷺ من السنة فقال: مما تواتر حديث من كذب..... ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض..... ومسح خفين وهذي بعض قال الإمام أحمد ﵀ (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي ﷺ وأصحابه) ولكن لا بد لجواز المسح من شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة لقول المغيرة بن شعبة ﵁ (كنت مع النبي ﷺ في سفر فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ثم مسح عليهما) فلو لبسهما على غير طهارة فإنه لا يجوز المسح عليهما. والشرط الثاني: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث ولا تبتدئ من اللبس ولا من الحدث بعد اللبس حتى يمسح لأن النبي ﷺ وقَّت المسح فقال (يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام) يعني في مسح الخفين ولا يتحقق المسح إلا بفعله وعلى هذا فلو أن أحدًا توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين أو الجوربين ثم أحدث قبل الظهر بساعتين ولم يتوضأ ثم توضأ لصلاة الظهر فإن ابتداء المدة من الوضوء لا من الحدث الذي قبل الظهر بساعتين ولو قُدِّر أنه توضأ لصلاة الفجر ولبس خفيه أو جوربيه وبقي على طهارته إلى صلاة العشاء ثم نام ولم يتوضأ ثم قام لصلاة الفجر من اليوم الثاني ومسح فإن ابتداء المدة يكون من فجر اليوم الثاني. والقاعدة في هذا أن المدة التي تسبق المسح أول مرة لا تحسب من المدة وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من تقييد المدة بخمس صلوات ليس مبنيًا على أصل صحيح لأن المثال الثاني الذي ذكرناه قد مضى على هذا الرجل اللابس أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وكلها لا تحسب من المدة وسيكون ابتداء المدة من المسح لصلاة الفجر من اليوم الثاني. أما الشرط الثالث: فهو أن يكون المسح في الحدث الأصغر أي في الوضوء لا في الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ أن النبي ﷺ (أمرهم أن يمسحوا يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر وألا ينزعوا خفافهم إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . الشرط الرابع: طهارة الخف أو الجورب فلو لبس خفًا مصنوعًا من شيء نجس كجلد الحيوان النجس فإنه لا يمسح عليه هذه الشروط الأربعة التي لا بد من تحققها لجواز المسح على الخف أو الجورب. وأما الخروق التي تكون في الجورب فإنها لا تضر مادام اسم الجورب باقيًا وذلك لأنه لا دليل على اشتراط ذلك ولأن السلامة منها قد تكون نادرة أو قليلة ولأن كل شرط يضاف إلى عمل من الأعمال فإنه يضيقه ويقيده وما كان كذلك فإنه لا بد فيه من دليل عن الشارع وليس هناك دليل يدل على اشتراط ألا يكون الجورب أو الخف مخرقًا وإذا لم يدل دليل على ذلك فإن الواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله لئلا نضيق على عباد الله فيما يسره الله لهم وإذا تمت مدة المسح فإنه لا يجوز للإنسان أن يمسح بعد تمامها فإن مسح ولو ناسيًا فإن وضوءه لا يصح لأنه مسح على وجه ليس عليه أمر الله ورسوله وقد قال النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولكن طهارته التي تمت قبل انقضاء المدة تبقى كما هي ولا تنتقض بانتهاء المدة مادام لم يحدث بعد انتهاء المدة فيصلى بطهارته ما شاء من فروض ونوافل ويفعل جميع ما يفعله من كان على طهارة لأن الطهارة التي سبقت انتهاء المدة تمت على وجه شرعي وما تم على وجه شرعي فإنه لا يجوز نقضه أو إفساده إلا بدليل شرعي وبناءً على هذه القاعدة يتبين أيضًا أن الإنسان لو مسح على الجورب في أثناء المدة ثم خلعه فإن طهارته لا تنتقض أيضًا بل يبقى على طهارته حتى يحدث وإذا أحدث فلا بد من غسل رجليه مع وضوئه وذلك لأن هذا الذي خلع ما مسحه من الجوربين أو الخفين قد تمت طهارته قبل الخلع بمقتضى الدليل الشرعي وما تم بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يجوز إفساده أو إبطاله إلا بدليل شرعي. ***
يقول السائل لي عم موظف ودائمًا أنا معه في خصام لأنه أحيانًا يمسح على ناصيته وعلى الغترة لأنه لابس العقال عليها ولا يدخل يده تحت الطاقية فهل هو على حق أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على حق بل الواجب عليه مسح الرأس لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وكان النبي ﵊ (يمسح على جميع رأسه من مقدمه إلى قفاه ثم يرد يديه) ولكنه ﵊ إذا كان عليه عمامة مسح على ناصيته وعمامته ولا يدخل يده من تحت العمامة لأن العمامة كما هو معروف ليّات متعددة يلويها الإنسان على رأسه ففي حلها نوع من المشقة بخلاف العقال والغترة والطاقية فإنه ليس فيها شيء من المشقة فيما لو أدخل يده ومسح على رأسه وعلى هذا فلا يقاس العقال والغترة والطاقية على العمامة التي كان الرسول ﵊ يمسح عليها لما بينهما من الفرق نعم يقاس عليها بعض القبوعة والقبوعة يلبسها الناس في أيام الشتاء تكون شاملة للرأس كله ولها طوق من تحت الحنك فهذه فيها مشقة في نزعها ثم في نزعها في البرد بعد دفء الرأس بها غالبًا ما يكون عرضة للتأثر لذلك يجوز أن يمسح الإنسان على هذه القبوعة لما فيها من المشقة مشقة النزع والتعرض للمرض بخلعها في حال الدفء ثم يَهِبُّ بها الهواء فيتأثر. فضيلة الشيخ: في كثير من الدول الإسلامية وبالأخص السودان يعملون عمامة قريبة أو شبيهه بعمامة الرسول ﷺ لأنهم كانوا يلفونها لفًا على الرأس وتزيد على المترين طولها فيجوز لهم أن يمسحوا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لهم أن يمسحوا عليها بلا شك. ***
أحسن الله إليكم أم معاذ من الرياض تسأل وتقول عن الوضوء عند المسح على الشعر إذا كان عليه حناء هل يجوز ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تمسح المرأة على رأسها ولو كان مغطىً بالحناء لأن (النبي ﷺ كان إذا أحرم بالحج لبد رأسه) ومن المعلوم أنه يتوضأ ويمسح عليه. ***
بارك الله فيكم ما حكم المسح على الجبيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الجبيرة جائز على القول الراجح والجبيرة هي ما يوضع على الكسر أو على الجرح أو نحوه من لفائف ولكن يجب أن نعلم أن الجبيرة لا يجوز أن تتعدى موضع الحاجة وهي ما يحتاج فيه إلى شدها ولو تجاوز محل الألم أو الكسر المهم أن يقال إن الجبيرة في حاجة إلى هذه اللفافة وتختلف الجبيرة عن المسح على الخفين: بأن مسحها ضرورة يعني لا يجوز إلا للضرورة. وأنه لا يشترط أن يلبسها على طهارة. وأنه ليس لها مدة. وأنه يجوز المسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر. وأن المسح يعم جميعها إذا كانت في محل ما يجب تطهيره فإن كانت في محل بعضه يجب تطهيره وبعضه لا يجب مثل أن تكون الجبيرة في المرفق ضَافِيَةً على العضد والذراع فما كان في مكان التطهير فإنه يمسح عليه وما زاد عليه فإنه لا يمسح فلا فيجب المسح على الجبيرة جميعها أما في الخف أو الجورب فإنما يمسح أكثر ظاهره وكيفية مسحه أعني مسح الخف والجورب أن تبل يديك بالماء ثم تمرهما على ظاهر الخف أو الجورب من الأصابع إلى الساق ولا يمسح أسفله ولا يمسح عقبه فعن علي ﵁ أنه قال (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي ﷺ يمسح أعلى الخف) وقوله ﵁ (لو كان الدين بالرأي) يعني بالرأي المجرد بدون نظر وتأمل وإلا فإن الإنسان إذا نظر وتأمل في المسح على الخف أو الجورب وجد أن أعلاه أولى بالمسح لأن أسفله يلاقي الأرض ويحمل معه أوساخًا فلو مسح لكان في ذلك زيادة تلويث لأن المسح ليس كالغسل يزيل الأذى والوسخ ولكنه عبادة يفعله الإنسان تأسيًا برسول الله ﷺ فلا يستفيد من مسح أسفل الخف ما يستفيده من مسح أعلاه ولهذا كان الدين موافقًا للعقل تمامًا في أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله. ***
السائل سوداني ومقيم في جدة يقول في هذا السؤال تعرضت لحرق نار على إصبعي وأنا متوضئ فوضعت عليه اللصقة لصقة جروح ثم توضأت لباقي الصلوات ولمدة خمسة أيام تقريبا وأنا أمسح على اللصقة فقط دون أن يلامس الماء الجرح فهل فعلي صحيح أفيدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفعل صحيح وذلك أن الإنسان إذا كان على يده لصقة على جرح أو جبس على كسر أو ما أشبهه فإنه يمسح عليه كله حتى يبرأ ولا يشترط أن يلبس ذلك على طهارة لأنه لا دليل على اشتراط لبسه على طهارة بخلاف الجوارب والخفين فإنه لا يمسح عليهما إلا إذا لبسهما على طهارة. ***
باب نواقض الوضوء
المستمع م. ز. خ. من العراق الموصل بعث يقول ما هي نواقض الوضوء التي لو حصل للمتوضئ شيء منها بطل وضوؤه وهل كشف العورة من فوق الركبة من نواقض الوضوء بمعنى لو انكشفت عورة إنسان فوق ركبتيه فهل يلزمه إعادة الوضوء وهل الاستحمام للجسد كله يكفي عن الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن ثلاثة أسئلة في الواقع ونذكرها لا على التفصيل، أولًا: يقول هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟ نقول الاستحمام إن كان عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك ونوى في ذلك رفع الجنابة فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطهر أي أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلًا وإن كان الأفضل للمغتسل عن الجنابة أن يتوضأ أولًا حيث كان النبي ﵊ (يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض الماء على رأسه فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات ثم يغسل باقي جسده) أما إذا كان الاستحمام للتنظف أو التبرد فإنه لا يكفي عن الوضوء لأن ذلك ليس من العبادة وإنما هو من الأمور العادية وإن كان الشرع يأمر بالنظافة لكن النظافة لا على هذا الوجه بل النظافة مطلقًا بأي شيء يحصل به التنظيف وعلى كل حال إذا كان الاستحمام للتبرد أو للنظافة فإنه لا يجزئ عن الوضوء. المسألة الثانية: التي تضمنها السؤال كشف العورة هل ينقض الوضوء؟ والجواب أنه لا ينقض الوضوء حتى لو نظر إليه أحد فإنه لا ينتقض وضوؤه لا هو ولا الناظر وإن كان عند العامة أو عند بعض العامة أن النظر إلى العورة ناقض للوضوء أو أن كشفها ناقض للوضوء فهذا لا أصل له. أما المسألة الثالثة فهي نواقض الوضوء فنقول نواقض الوضوء مما حصل فيه خلاف بين أهل العلم لكن نذكر ما يكون ناقضا بمقتضى الدليل: فمن نواقض الوضوء الخارج من السبيلين أي الخارج من القبل أو الدبر فكل ما خرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء سواء كان بولًا أو غائطًا أم مذيًا أم منيًا أم ريحًا كل شيء يخرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض الوضوء لكن إذا كان منيًّا وخرج بشهوة فمن المعلوم أنه يوجب الغسل وإذا كان مذيًا فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء أيضًا ومما ينقض الوضوء أيضًا النوم إذا كان كثيرًا بحيث لا يشعر النائم لو أحدث أما إذا كان النوم يسيرًا يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء ولا فرق في ذلك بين أن يكون نائمًا مضطجعًا أو قاعدًا معتمدًا أو قاعدًا غير معتمد والمهم هو حالة حضور قلبه فإذا كانت هذه الحال بحيث لو أحدث أحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض وإذا كان في حال لو أحدث لم يحس بنفسه فإنه يجب عليه الوضوء وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما هو مظنة الحدث فإذا كان الحدث منتفيًا لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه فإنه لا ينتقض الوضوء والدليل على أن النوم بنفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء ولو كان ناقضًا لنقض يسيره وكثيره كما ينقض البول يسيره وكثيره. ومن نواقض الوضوء أيضًا أكل لحم الجزور أي الناقة أو الجمل فإذا أكل الإنسان لحمًا من لحم جزور الناقة أو الجمل فإنه ينتقض وضوؤه سواء كان نيئًا أم مطبوخًا لأنه ثبت عن رسول الله ﷺ من حديث جابر بن سمرة (أنه سئل ﵊ أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شيءت قال أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فكونه يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعًا إلى مشيئة الإنسان دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس براجع إلى مشيئته وأنه لابد منه وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئًا كان أم مطبوخًا ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر فينقض الوضوء أكل الكرش والأمعاء والكبد والقلب والشحم كل شيء داخل في حكم اللحم فإنه ينقض الوضوء وجميع أجزاء البعير ناقض لأن رسول الله ﷺ لم يفصِّل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا ولو كان الحكم يختلف لكان النبي ﵊ يبينه للناس حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيوانًا يختلف حكمه بالنسبة لأجزائه فهو أعني الحيوان إما حلال أو حرام وإما موجب للوضوء أو غير موجب وأما أن يكون بعضه له حكم وبعضه له حكم آخر فهذا لا يُعرف في الشريعة الإسلامية وإن كان معروفًا في شريعة اليهود كما قال الله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير محرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم فقال (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ به) ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن الشحم - أي شحم الخنزير - محرم وعلى هذا فنقول اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم ويدخل فيه الأمعاء والكرش ولأن الوضوء من هذه الأجزاء أحوط وأبرأ للذمة فإن الإنسان لو أكل من هذه الأجزاء من الكبد أو الأمعاء أو الكرش لو توضأ وصلى فصلاته صحيحة لكن لو لم يتوضأ وصلَّى فصلاته باطلة عند كثير من أهل العلم وعلى هذا فيكون أحوط وما كان أحوط فإنه أولى لأنه أبرأ للذمة وقد قال النبي ﵊ (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . ***
من الظهران المستمع ح. س. س. يقول من المعروف أن من نواقض الوضوء الحدث الأصغر والسؤال هو إذا أحدث رجل هل عليه الوضوء فقط أم الوضوء والاستنجاء معًا وإذا أراد الصلاة أو قراءة القرآن ما الحكم في ذلك نرجو الإفادة وما الحكم فيمن يعاني من هذه الغازات إذ أنها تشكل عليه أثناء كل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحدث الأصغر هو كل ما يوجب وضوءًا وينقسم إلى أقسام فإن كان الحدث ببولٍ أو غائط وجب فيه الاستنجاء والوضوء وإن كان بغيرهما لم يجب فيه الاستنجاء لأن الاستنجاء إنما يجب لإزالة النجاسة ولا نجاسة إلا في البول والغائط فعلى هذا إذا خرجت الريح من شخص وهو متوضئ فما عليه إلا الوضوء وهو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين وليس عليه استنجاء لأنه لم يوجد سببٌ يقتضيه وأما ما يظنه بعض العامة من وجوب الاستنجاء قبل كل وضوء فهذا لا أصل له وأما ما ذكر السائل من الغازات التي تحدث له أثناء صلاته فإن هذه الغازات لا تؤثر شيئًا إذا لم تخرج لأن (النبي ﷺ سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة؟ فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) يعني حتى يتيقن ذلك تيقنًا محسوسًا إما بسماع الصوت أو بشم الرائحة وأما مجرد الوهم الذي يحصل من الغازات في البطن فإن ذلك لا يؤثر وهذا من رحمة الله ﷾ بعباده أنه لا يرتفع اليقين إلا بيقين فالطهارة المتيقنة لا ترتفع إلا بحدث متيقن وذلك لأن وجود الوضوء بيقين لا يرفعه إلا يقين وكذلك لو شك الإنسان في حدوث حدثٍ دلت عليه النصوص ولم يتيقن أنه حدث معه فإنه لا وضوء عليه وخلاصة الجواب أن نقول من انتقض وضوؤه ببولٍ أو غائط وجب عليه الاستنجاء والوضوء ومن انتقض وضوؤه بحدثٍ غير البول أو الغائط فليس عليه إلا الوضوء فقط وأن من شك وهو في الصلاة أو خارج الصلاة بانتقاض وضوئه لوجود غازاتٍ في بطنه فإنه لا شيء عليه ولا يلزمه الوضوء حتى يتيقن. ***
يقول السائل إذا شرعتُ في الوضوء أحس بوجود ريح فإذا توقفت عن الوضوء لإخراج الريح أحيانًا لا يخرج فهل إذا نويت إبطال الوضوء يبطل الوضوء بالنية أم لا بد من الحدث حقيقة أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا نوى قطع الوضوء فإن وضوءه ينقطع وعليه أن يبتدئه من جديد أما إذا نوى أن يحدث ولكنه لم يحدث فإن هذا نوى فعل محظور فإذا لم يفعل هذا المحظور بقي على ما كان عليه كما لو أن أحدًا يصلى فقُرع عليه الباب فهمّ أن يكلمه ثم عاد من هذا الهم واستمر في صلاته فإنه لا بأس بذلك ولهذا قال العلماء في ضابط هذه المسألة إذا نوى قطع العبادة انقطعت لا إن عزم على فعل محظور فلم يفعله فإنها لا تبطل إلا بفعل هذا المحظور فهذا الرجل الذي عزم على أن يحدث ولم يفعل يبقى على نية الوضوء ويستمر في تكميل وضوؤه فأما إذا نوى قطعه فإنه ينقطع وعليه أن يعيده من جديد قال النبي ﵌ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . ***
السائل عبد الله أبو عمرو من الرمثة الأردن يقول فضيلة الشيخ حفظكم الله أنا أعاني من مشكلة تسبب لي الهم وهي أنني وبعد الخروج من الخلاء دورة المياه أجلكم الله أشعر وأحس بنزول قطرات من البول في أثناء الوضوء أو في الصلاة أو قبل ذلك أو بعد ذلك وتستمر إلى نصف ساعة ثم تنقطع هذه القطرات وتجف تماما وأنا مريض بهذا المرض منذ سنوات وقد تعالجت ولكن لم ينفع العلاج وسؤالي يا فضيلة الشيخ هل وضوئي وصلاتي صحيحة أم عليّ أن أنتظر حتى تجف القطرات علما بأنها تجف وتنقطع بعد نصف ساعة ولكن هذا الانتظار يشق علي ويسبب لي الحرج في بعض المرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ينبغي أن نسأل عن السبب الذي يوجب مثل هذا المرض فمن أسبابه أن بعض الناس إذا فرغ من بوله جعل يعصر ذكره وربما أمر يده من أصل الذكر على قنوات البول زعما منه أن ذلك يؤدي إلى فراغ هذه القنوات من البول وهذا يوجب استرخاء هذه العضلات وربما تتمزق فيحصل بذلك ضرر على الإنسان ولهذا كان الذين يفعلون هذا الشيء يسرع إليهم هذا السلس الذي أشار إليه هذا السائل ومما يسبب ذلك أيضا أن بعض الناس يتوهم أنه خرج منه شيء ويلقي الشيطان في قلبه أنه خرج شيء فيذهب يفتش في ذكره ويعصر رأس الذكر وهذا خطأ وعلاج هذين السببين أما الأول فعلاجه أن يكف عنه وألا يعصر الذكر وإذا انتهى البول غسل رأس الذكر وانتهى كل شيء وأما الثاني وهو الشك هل نزل شيء أم لا فدواؤه ما ثبت (عن النبي ﷺ أنه سئل عن الرجل يجد في بطنه شيئا فيشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وهذا دواء ناجع بإذن الله لأنه وصفة من طبيب هو رسول الله ﷺ. ثانيا مما يتعلق بالجواب على هذا السؤال أن أهل العلم يقولون إن صاحب السلس إذا كان له عادة أن ينقطع سلسه بعد ربع ساعة أو نصف ساعة أو في زمن يتسع للصلاة قبل خروج وقتها فإنه ينتظر حتى ينقطع فإذا انقطع استنجى ثم توضأ وصلى وعلى هذا فنقول للأخ احرص على أن يكون بولك قبل دخول وقت الصلاة بزمن ينقطع فيه هذا البول في أول الوقت حتى تدرك صلاة الجماعة وهذا وإن حصل فيه مشقة على الإنسان فإن الأجر على قدر المشقة لن تضيع هذه المشقة سدى لأنها مشقة من أجل إقامة عبادة الله ﷿ ومتى حصلت المشقة من أجل إقامة العبادة فإنه يؤجر الإنسان عليها كما جاء في الحديث (أجركِ على قدر نَصَبِك) فليستعن هذا السائل بالله ﷿ ويصبر على ما يحصل له من المشقة ويسأل الله المثوبة والعافية ونحن نسأل الله له العافية والشفاء إنه على كل شيء قدير. ***
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا فلاح حسن الحمداني من نينوى العراق يقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلامي وتحياتي إلى علمائنا الأفاضل وإلى أسرة برنامج نور على الدرب إنني أسأل يا فضيلة الشيخ عن الطريقة الصحيحة في الوضوء والأقوال والكلمات الواجب ذكرها وهل تعتبر بعض القطرات من البول أعزكم الله وإخواني المسلمين التي تلامس الملابس بعد الخروج من دورة المياه ناقضة للوضوء مع العلم أنني أبقى لفترة طويلة في الدورة حتى لا تتكرر العملية عندي ولكن ما العمل أرشدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء هو غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ومسح الرأس ومنه الأذنان وغسل الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وليس فيه قول واجب إلا التسمية فإن العلماء اختلفوا في وجوبها، فمنهم مَنْ قال: إنها واجبة لأنه صح عنده قول الرسول ﵊ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ومنهم مَنْ قال إنها سنة لأنه لم يثبت عنده قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ولأن الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يسمي أما الذكر بعد الوضوء وهو قول المتوضئ إذا فرغ من وضوئه (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فليس بواجب وأما ما ذكر من كونه يذكر الله عند غسل وجهه وعند غسل يديه وعند مسح رأسه وعند غسل رجليه فإن هذا لا أصل له ولم يرد عن النبي ﷺ الذكر عند كل عضو من أعضاء الوضوء، وأما ما ذكره السائل عن نفسه من كونه إذا بال ثم استنجى خرج منه قطرات من البول بعد أن يخرج من محل نقض الوضوء فإن هذه القطرات لا تخلو من إحدى حالين إما أن تكون مستمرة بحيث لا يحصل فيها توقف فهذه لها حكم سلسل البول أي أن الإنسان إذا توضأ تحفَّظَ بقدر ما يستطيع بعد أن يغسل فرجه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم صلى ولا يتوضأ للصلاة قبل دخول وقتها، هذا إذا كانت هذه القطرات مستمرة لا تتوقف، أما إذا كانت تتوقف ولكنها تحصل بعد البول بنحو ربع ساعة أو ما أشبه ذلك فإنه ينتظر حتى تتوقف فإن خرجت بعد هذا انتقض وضوؤه لأن ما خرج من السبيلين ناقض للوضوء بكل حال. فضيلة الشيخ: هل يستطيع بهذا الوضوء وبعد صلاة الفرض إلى صلاة الفرض التالية أن يقرأ القرآن وأن يمسك بالمصحف ويصلى نوافل وغير ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يستطيع هذا ما دمنا قلنا إنه ينتظر حتى ينقطع البول ثم يتوضأ فوضوءه باقٍ حتى يحدث. ***
السائل شهاب أحمد يقول في هذا السؤال بعد أن يتوضأ الإنسان ويكمل الوضوء تخرج منه بعض قطرات من البول فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه إذا تأكد يقينًا أنه خرج البول فعليه أن يغسل ما أصابه من البول أو أصاب بدنه وأن يستنجي الاستنجاء الشرعي وأن يعيد الوضوء لكن يجب أن يُعلم أن هذا قد يكون وسواسا ووهمًا لا حقيقة له فلا يلتفت إلى ذلك وليتله عنه وليعرض عنه وليشتغل بما سواه ويتناس هذا الأمر مع الاستعاذة بالله ﷿ وحينئذٍ يرفع الله عنه هذه الوساوس لكن نحن نجيب على أن الأمر متيقن والحكم كما ذكرنا أنه يستنجي ويغسل ما أصاب ثوبه أو بدنه من النجاسة ويتوضأ. ***
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل عندما أتبول وأستنجي بالماء أحس بقطرات تخرج مني وهذا مما يضايقني عند أداء الصلوات وهذه القطرات تستمر لفترة هل الماء يقطع الشك باليقين أفتونا في هذا السؤال علمًا بأنني سئمت وضاق صدري بسبب هذا أرجو منكم الإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السائل يقول أحس بقطرات ومجرد الإحساس ليس بشيء ولا ينبغي أن يلتفت إليه بل يتلهى عنه ويعرض أما إذا تيقن أنه يخرج شيء فنعم لا بد أن يغسل ما أصاب ثوبه أو بدنه من هذا البول وأن يعيد الوضوء ما لم يكن حدثه دائمًا - أي باستمرار - يخرج منه البول فهذا له شأنٌ آخر فنقول له إذا أردت أن تصلى فاغسل الذكر وما أصابه البول ثم صل ولو خرج بعد ذلك فإنه لا يضر ولكن ينبغي له أن يتحفظ بقدر المستطاع. ***
هذه الرسالة وردتنا من طالب في متوسطة ابن هشام بالرياض ورمز إلى اسمه بحرف ي ع ع ح يقول في رسالته أنا عندما أتبول لا ينزل جميع البول وإنما يبقى منه قليلًا وأحاول إنزاله ولكن لا أستطيع وبعد ذلك أتوضأ للصلاة وأنا في الطريق إلى المسجد أو في الصلاة أحس أن الباقي قد نزل فأذهب إلى البيت وأغسل مكان النجاسة فهل تصح صلاتي وما هو الحكم والحل في هذه الحالة وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذه الحالة أن تراجع الطبيب المختص في المسالك البولية لعلك تجد عنده ما يشفي الله به هذا المرض وأما بالنسبة لحكم الشرع في ذلك فإنه ينبغي لك أن تتقدم قبل أن يحين فعل الصلاة فتتبول وتبقى على بولك حتى يخرج جميع البول فإذا غلب على ظنك أنه خرج جميع البول فقمت بعد الاستنجاء وتوضأت ثم خرجت إلى المسجد وأحسست بأنه نزل فإن لم تتيقن أنه خرج فلا شيء عليك وإن تيقنت أنه خرج فقد انتقض وضوؤك وعليك أن ترجع إلى البيت وتغسل ثيابك وما لوثك من البول وتعيد الوضوء لتصلى صلاة صحيحة. ***
السائل أ. ع. م. يقول إنني أبلغ من العمر عشرين سنة وقد هداني الله لأداء الواجبات والحقيقة أنني أعاني من مشكلة وهي بعد ما أنتهي من قضاء البول أعزكم الله وأغسل الأثر وبعدما ألبس وأقوم يسقط على الثياب قليل منه دون قصد مني وإذا كنت في الصلاة وقمت من السجود يسقط أيضًا دون قصدٍ مني أرجو أن توضحوا لي هل تصح صلاتي وماذا أفعل هل أغسل الثياب الداخلية كلما سقط عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان هذا الخارج الذي يخرج من ذكرك يخرج دائمًا باستمرار فإن حكمه حكم سلسل البول وحكم سلسل البول أن الإنسان (*لا يتوضأ للصلاة حتى يدخل وقتها) إن كانت ذات وقت أو حتى يوجد سببها إن كانت ذات سبب وكيفية الوضوء لها أن يغسل فرجه وما لوثه ثم يتحفظ بحفاظة عصابة يضعها على المحل لئلا ينتشر الخارج إذا خرج إلى الثياب والسراويل ثم بعد ذلك يتوضأ ولا يضره ما خرج بعد هذا وهذا إذا كان الخارج باستمرار أما إذا كان الخارج إنما يخرج في زمن قليل بعد انقضاء البول ثم بعد ذلك يمسك فإنه ينتظر حتى يخلص هذا الخارج ثم بعد ذلك يغسل ما أصابه ويتوضأ كالمعتاد.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
كيف يصلى المصاب بسلس البول وكيف يطمئن على صحة وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سلس البول هو استمرار خروجه بدون إرادة من الإنسان وهو من الأمراض التي قد تعالج ويشفي الله المريض منها ولهذا ننصح من حصل له ذلك أن يعرض نفسه على الطبيب أولًا وقبل كل شيء فلعل الله ﷾ أن يجعل في ذلك شفاء ورحمة أما بالنسبة لوضوئه فوضوئه صحيح حتى ولو خرج منه شيء أثناء الوضوء أو بعده ذلك لأنه لا طاقة له في منع هذا الخارج وقد قال الله ﵎ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وقال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لكن أهل العلم ﵏ قالوا (*إنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها) فإذا توضأ بعد دخول الوقت صلَّى ما شاء من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت ويجب عليه في هذه الحال أن يَتحفَّظ بأن يضع شيئًا على ذكره ليقلل انتشار البول إلى ملابسه وبدنه نسأل الله لإخواننا السلامة والعافية.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
ما رأي فضيلتكم في رؤية نقطة أو نقطتين من الماء الأبيض الرقيق تنزل قبل نزول البول عندما تكون كمية قليلة وأحيانًا أخرى تكون هذه الرؤية بعد الاستيقاظ من النوم دون تذكر أي رؤيا في أثناء النوم وأيضًا بدون ظهور أي شيء على الملابس الداخلية وهل لون الملابس له دخلٌ في الحلم بل أحيانًا تكون الرؤية بعد أداء أكثر من فرض بوضوءٍ واحد وبدون الشعور بلذة أو نظر أدى إليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبدو لي أن هذا ليس ناتجًا عن شهوة أو تذكر كما قاله في آخر السؤال وعلى هذا فإن هذا الماء الأبيض الرقيق لا يعتبر مذيًا ولا منيًا وإنما هي رواسب فيما يبدو في قنوات البول تنعقد على هذا الوجه وتخرج قبل البول وربما تخرج بعده أحيانًا فعليه يكون حكمها حكم البول تمامًا بمعنى أنه يجب تطهيرها وتطهير ما أصابت ولا يجب أكثر من ذلك. ***
عندما أُداعبُ زوجتي يخرج مني أشياء دون ما يخرج عادة من الجماع فهل يعتبر جنابة أو ناقضًا للوضوء وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يخرج منك عند الملامسة والمداعبة وتكرار النظر لشهوة لا يعتبر منيًا لأن المني هو الذي يخرج دفقًا بلذة وهو غليظ ويحس الإنسان به عند خروجه إحساسًا خاصًا ولكن هذا السائل الذي يخرج أقرب ما يكون مذيًا والمذي لا يوجب الغسل وإنما يوجب غسل الذكر والأنثيين فقط ثم الوضوء كغيره مما يخرج من السبيلين حيث يوجب الوضوء لكن المذي يوجب غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصبهما ويوجب الوضوء أيضًا وقد ذكر أهل العلم أن الذي يخرج من الذكر أربعة أنواع: البول: وهو معروف. والودي: وهو ماء أبيض يخرج عند انتهاء البول. والمذي: وهو ماء لزج يخرج عقب الشهوة بدون أن يحس به الرجل. والمني: وهو هذا الماء الدافق الذي يخرج بلذة وبإحساس مخصوص. وهذه الأنواع لكل واحد منها حكم. أما البول والودي فهما نجسان يوجبان غَسل ما أصابه شيء منهما ويوجبان الوضوء أيضًا. وأما المذي فإنه نجس لكن نجاسته خفيفة يجزئ فيه النضح فيما أصابه منه ينضح بالماء ويوجب غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصبهما شيء منه ويوجب الوضوء. وأما المني فإنه طاهر ويوجب الغسل لجميع البدن وقد (كانت عائشة ﵂ تغسل رطب المني وتفرك يابسه من ثوب النبي ﷺ . ***
أحسن الله إليكم تقول هذه الأخت السائلة في فتوى لفضيلتكم حفظكم الله وسدد خطاكم ذكرتم بأن المرأة التي تنزل منها السوائل باستمرار يجب عليها الوضوء لكل صلاة وأنا أخجل أن أخبر بهذا الحكم لكل امرأة أصادفها علمًا بأنني لا أعلم هل هذه المرأة تنزل منها السوائل أم لا مع أنني أحاول في كثيرٍ من الأحيان إخبار النساء اللاتي أعرفهن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المرأة التي تنزل منها السوائل دائمًا لا ينتقض وضوؤها إذا خرج هذا السائل لكنها على المشهور من مذهب الحنابلة ﵏ أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة يعني مثلًا إذا دخل وقت الظهر تتوضأ لصلاة الظهر لكن بعض أهل العلم يقول لا يجب عليها أن تتوضأ إلا أن يوجد ناقضٌ غير هذا السائل مثال ذلك امرأة توضأت الساعة الحادية عشرة صباحًا والخارج يخرج منها باستمرار نقول وضوؤها صحيح تصلى ما شاءت فإذا دخل وقت الظهر وجب عليها الوضوء عند الحنابلة ﵏ وقال بعض العلماء إنه لا يجب عليها أن تتوضأ لصلاة الظهر لأنها قد توضأت من قبل وهذا الحدث دائم وهو لا ينقض الوضوء فإذا كان لا ينقض الوضوء فمن الذي قال إن دخول وقت الصلاة ينقض الوضوء؟ بل نقول إنها تصلى بالوضوء الذي قامت به الساعة الحادية عشرة إلا إن وجد ناقضٌ آخر كخروج ريحٍ من الدبر أو ما أشبه ذلك من نواقض الوضوء فهنا تتوضأ لوجود الناقض وهذا القول ليس بعيدًا من الصواب وكنت فيما سبق أجزم بما عليه الفقهاء الحنابلة وأوجب الوضوء لكل صلاة وبعد الإطلاع على هذا القول الثاني وهو عدم الوضوء وقوة تعليله فإني أرجع عن كلامي الأول إلى الثاني وأقول ليس عليها الوضوء إلا أن يحصل حدث آخر غير هذا الخارج السائل فأرجو الله تعالى أن يكون فيما ذهبت إليه أخيرًا صوابٌ وموافقة لشريعة الله ﷿. ***
امرأة تعاني من كثرة الإفرازات مما يعرضها للمتاعب من حيث كثرة الوضوء وخصوصا خارج المنزل هل يشرع لها أن تصلى الظهر والعصر بوضوء واحد والمغرب والعشاء بوضوء واحد وهل يشرع لها الجمع تقديما وتأخيرا مع القصر أو بدون سبب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الإفرازات التي تخرج من المرأة هي إفرازات طبيعية لكن بعض النساء تكون باستمرار وبعض النساء لا تستمر فإذا استمرت هذه الإفرازات مع المرأة فهي أولا طاهرة لأنه لا دليل على نجاستها والنساء قد ابتلين بهذا من عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينقل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأمرهن بغسل هذه الرطوبة. ثانيا هي أيضا لا يجب الوضوء لها إذا توضأ الإنسان لأول مرة من حدث بقي على طهارته ولا حاجة إلى إعادة الوضوء عند كل صلاة إن توضأت فهو أفضل وإلا فليس عليها بواجب بل تبقى على طهارتها الأولى حتى تنتقض بناقض وعلى هذا لو توضأت لصلاة الظهر وبقيت على طهارتها ولم يحصل حدث آخر من غائط أو بول أو ريح أو أكل لحم الإبل أو ما أشبه ذلك فإنها تصلى العصر بدون وضوء لأن الوضوء لشيء لا ينقطع لا فائدة منه حتى لو توضأت فالشيء باقٍ هذا هو القول الراجح الذي ترجح عندي أخيرا ولا يخفى ما فيه من اليسر على النساء ما دام لم يكن هناك نص صريح واضح في هذا الأمر وأما حديث أن النبي ﷺ أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة فقد اختلف الحفاظ في ثبوت هذه اللفظة (توضيء لكل صلاة) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن فيه احتمالا أنَّ المعنى توضيء لكل صلاة بدون اغتسال - يعني - لا يجب عليكِ الغسل كما أوجب عليها الغسل إذا انتهت عادتها الطبيعية. ***
ما ينزل من المرأة من إفرازات هل يلزمها الوضوء أم أنها لا تتوضأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك بصفة مستمرة فإنها تتوضأ وتبقى على طهارتها حتى تحدث بحدث آخر فمثلا إذا تطهرت هذه المرأة التي يخرج منها هذا السائل دائمًا لصلاة الظهر ولم تحدث ببول ولا غائط ولا ريح حتى دخل وقت العصر فإنها تصلى العصر بالطهارة الأولى لأن طهارتها لم تنتقض فالحدث الدائم لا ينقض الوضوء على القول الراجح وإنما ينتقض بناقض آخر وكذلك لو توقف هذا السائل المستمر ثم عاد فلا بد أن تتوضأ. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع غ. م. ج. الشمري من المنطقة الشرقية الجبيل يقول هل خروج الريح يبطل الوضوء وهل يكفي وضوء الأطراف فقط أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء لأن النبي ﷺ (قال: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) وهذا دليل على أن الريح تنقض الوضوء وهو كذلك فإذا تيقن الإنسان خروج الريح من دبره وجب عليه الوضوء ولكنه لا يجب عليه الاستنجاء الذي هو غسل الفرج لأنه لم يحصل شيء يلوث الفرج ويكفيه أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه، وبهذه المناسبة أود أن أبين بأن الاستنجاء لا علاقة له بالوضوء فإن الاستنجاء يراد به تطهير المحل من النجاسة التي تلوث بها سواء توضأ الإنسان أو لم يتوضأ، وبناءً على ذلك لو أن أحدًا بال في أول النهار واستنجى ثم أذن الظهر وأراد أن يتوضأ للصلاة فإنه لا يحتاج إلى الاستنجاء مرة ثانية وإنما يكفيه أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه، ومن المعلوم أن غسل الوجه يدخل فيه المضمضة والاستنشاق وأن مسح الرأس يدخل فيه الأذنان، وقد كان بعض العامة يظن أن الاستنجاء مرتبط بالوضوء حتى أنه إذا بال مثلًا في أول النهار ثم أراد أن يتوضأ لصلاة الظهر أعاد الاستنجاء وإن كان لم يخرج منه شيء، وهذا لا أصل له، هذا جهل، فينبغي للإنسان أن يتعلم من أحكام دينه ما تقوم به شعائر الله. ***
السائل م م ح من المنطقة الشرقية يقول هل نقض الوضوء مثل خروج الريح أثناء الطواف يبطل الطواف ويلزمني الإحرام مرة ثانية وإن لم أتوضأ فهل علي ذنب وماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا انتقض وضوء الطائف في أثناء الطواف فإن طوافه يبطل عند جمهور العلماء كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل بالإجماع وعلى هذا فيجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعيد الطواف من أوله لأن ما سبق الحدث بطل بالحدث ولا يلزمه أن يعيد الإحرام وإنما يعيد الطواف فقط وذهب شيخ الإسلام ﵀ إلى أن الطائف إذا أحدث في طوافه أو طاف بغير وضوء فإن طوافه صحيح وعلى هذا فيستمر إذا أحدث في طوافه يستمر في الطواف ولا يلزمه أن يذهب فيتوضأ وعلل ذلك بأدلة من طالعها تبين له رجحان - قوله ﵀ ولكن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام لقوة دليله ورجحانه فإنه إذا فرغ من طوافه لا يصلى ركعتي الطواف لأن ركعتي الطواف صلاة تشترط لها الطهارة بإجماع العلماء. ***
هذا السائل من جدة المملكة العربية السعودية يقول إنه شخص مصاب بالغازات ولكن هذه الغازات لا يصاحبها رائحة وإنما فقط في بعض الأحيان أصوات وأحيانًا تكون هذه الأصوات خفيفة هل هذه الغازات تنقض الوضوء وتبطل الصلاة وإذا كان كذلك يا فضيلة الشيخ هل يلزمه الوضوء لكل صلاة إذا دخل وقتها أم يجوز له أن يتوضأ قبل وقت الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الغازات ملازمة له ولا يمكنه منعها فإن حكمها حكم سلس البول وعلى هذا فلا يتوضأ للصلاة (*إلا بعد دخول وقتها) وإذا توضأ فلا يضره ما خرج بعد ذلك لأنه بلا اختيار منه لكن لو توضأ قبل دخول وقت الصلاة ولم يخرج منه شيء وبقي حتى دخل وقت الصلاة وصلى فصلاته صحيحة لأن وضوءه الأول صحيح ولم يوجد له ناقض فيبقى على وضوئه ويصلى به الصلاة بعد دخول وقتها وأنا أنصح مثل هذا الأخ أقول اعرض نفسك على الأطباء وانظر ما هو الداء وما سببه قد يكون سببه اختلاف المآكل أو المشارب فإذا كان سببه اختلاف المآكل أو المشارب فليتجنب ما يكون سببًا لهذه الغازات وإذا كان مرضًا في الأمعاء فليحاول الاستشفاء بالأدوية أو غيرها.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) . ***
ماذا يجب على من به سلس البول أو الريح من حيث الطهارة للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على من به سلس بول أو ريح ألا يتوضأ للصلاة (إلا بعد دخول وقتها*) فإذا غسل فرجه تلجم بشيء حتى لا تتعدى النجاسة إلى ثيابه وإلى فخذيه ثم يتوضأ ويصلى الصلاة وله أن يصلي فروضًا ونوافل أما إذا كان يريد صلاة نافلة في غير وقت الفريضة فإنه إذا أراد أن يفعل هذه النافلة فعل ما ذكرنا غسل فرجه وتحفظ بشيء ثم توضأ ثم صلى.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
أحسن الله إليكم يقول السائل قرأت في بعض الكتيبات الصغيرة عن نواقض الوضوء وكان من ضمن نواقض الوضوء هذا الشرط وهو (النجاسة الفاحشة الخارجة من الجسد) أفيدونا عن معرفة هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد القائل بذلك (الخارج النجس من البدن) يعني من غير الدبر والقبل كما لو جرح الإنسان فخرج منه دم وكان هذا الدم كثيرًا أو تقيّأ الإنسان وخرج منه قيء كثير فإنه نجس ينقض الوضوء والصحيح أنه لا ينقض الوضوء لأنه لا دليل على نقض الوضوء وإذا لم يكن فيه دليل على نقض الوضوء بذلك فإنه لا يجوز أن نفسد عبادة الخلق بما لا دليل فيه لأن الوضوء ثبت بدليلٍ شرعي وما ثبت بدليلٍ شرعي فإنه لا يجوز رفعه إلا بدليلٍ شرعي كيف نجسر على أن نفسد عبادة عباد الله بشيء ليس فيه دليل من الله ﷿ وسوف يسأله الله عن ذلك يوم القيامة كل من ادعى مفسدًا لأي عبادةٍ من العبادات من صلاة أو صيام أو وضوء أو غيرها بلا دليل فليستعد للمساءلة يوم القيامة لأنه كما لا يجوز أن نثبت عبادةً إلا بدليل فلا يجوز أن نفسد عبادة إلا بدليل فالقول الراجح في هذه المسألة أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء وأما الخارج من السبيلين إذا كان دائمًا لا يمكن للإنسان دفعه ولا إمساكه كسلس البول فإنه لا ينقض الوضوء يتوضأ الإنسان أول مرة ثم لا يلزمه إعادة الوضوء إلا إذا وجد ناقض غير هذا البول الذي يخرج قال بهذا طائفةٌ من أهل العلم ﵏ وقال آخرون بل إنه لا ينقض الوضوء ولكن عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة. ***
ما حكم الدم الخارج من جسد الإنسان سواءٌ كان من الأنف أو غيره هل يعتبر نجسًا يجب غسل ما أصابه من الملابس وينقض الوضوء وما هو الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله هو الذي يخرج من الحيوان في حال حياته مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل إذا جاع فصد عرقًا من بعيره وشرب دمه فهذا هو المحرم وكذلك الدم الذي يكون عند الذبح قبل أن تخرج الروح، هذا هو الدم المحرم النجس ودلالة القرآن عليه ظاهرة في عدة آياتٍ من القرآن بأنه حرام ففي سورة الأنعام صرح الله ﵎ بأنه نجس فإن قوله تعالى (فإنه رجسٌ) يعود على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس كما قيل يعود على الخنزير فقط ولو تأملت الآية وجدت أن هذا هو المتعين (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) ذلك الشيء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي أن ذلك الشيء الذي استثني من الحل هو الذي يكون نجسًا فالتعليل تعليل للحكم الذي يتضمن هذه الأمور الثلاثة وهذا أمر ظاهر لمن يتدبره وليس من باب الخلاف هل يعود الضمير إلى بعض المذكور أو إلى كل المذكور بل هذا واضحٌ لأنه تعليلٌ لحكمٍ ينتظم ثلاثة أمور هذا هو الدم المسفوح. أما الدم الذي يبقى في الحيوان الحلال بعد تذكيته تذكيةً شرعية فإنه يكون طاهرًا حتى لو انفجر بعد فصده فإن بعض العروق يكون فيها دمٌ بعد الذبح وبعد خروج الروح بحيث إذا فصدتها سال منها الدم وهذا الدم حلالٌ وطاهر وكذلك دم الكبد ودم القلب وما أشبهه كله حلال وطاهر. وأما الدم الخارج من الإنسان فالدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين من القبل أو الدبر فهو نجسٌ وناقضٌ للوضوء قل أم كثر لأن النبي ﷺ أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقًا وهذا دليلٌ على نجاسته وأنه لا يعفى عن يسيره وهو كذلك فهو نجس لا يعفى عن يسيره وناقض للوضوء قليله أو كثيره وأما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو من السن او من جرحٍ بحديدة أو بزجاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارجٌ من غير السبيلين من البدن سواءٌ من الأنف أو من السن أو من غيره سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه والله أعلم. ***
حمود قاسم من اليمن الشمالي يقول في رسالته هل خروج الدم إذا جُرح الإنسان يبطل الوضوء أم يكفي تطهير العضو الذي خرج منه الدم نرجو إفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء سواء خرج من الأنف كالرعاف أو خرج من جرح أو خرج من أجل اختبار الدم عمدًا من الإنسان فكل هذا لا ينقض الوضوء سواء كان قليلًاَ أم كثيرًا هذا هو القول الراجح وذلك لعدم الدليل على النقض والنقض حكم شرعي يحتاج إلى دليل والوضوء قد ثبت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي وليس هناك دليل شرعي يدل على انتقاض الوضوء بخروج شيء من البدن من غير السبيلين سواء كان دمًا أم قيحًا أم قيئًا ما دام من غير السبيلين فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره ولكن إذا خرج من العضو وكان كثيرًا فإنه يغسله كما ورد في الحديث الصحيح (أن فاطمة ﵂ كان تغسل الدم من وجه الرسول ﷺ حين جرح في غزوة أحد) . ***
بارك الله فيكم ما حكم الدم إذا خرج من إنسان يصلى هل يقطع الصلاة أم لا أرجو الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الدم الذي خرج من المصلى خارجًا من القبل أو الدبر فإنه ناقضٌ للوضوء وفي هذه الحال يجب عليه أن ينصرف وأن يغسل ما أصابه من الدم ويتوضأ من جديد ويبدأ الصلاة من جديد وأما إذا كان من غير السبيلين أي من غير القبل والدبر مثل أن يكون من الأنف أو من الأسنان أو من جُرْحٍ آخر أو من جُرْحٍ انبعث فإنه يبقى في صلاته إن تمكن من أدائها بدون انشغالٍ بهذا الدم ويكمل الصلاة لأن القول الراجح أن الدم لا ينقض الوضوء ولو كان كثيرًا ولكن إذا كان كثيرًا فإن أكثر أهل العلم يرون أن الدم نجس إذا كثر ولا يعفى عنه وحينئذٍ لا بد أن يخرج من الصلاة حتى يُطهر ما أصابه من الدم ثم يعود ويصلى بلا وضوء على القول الراجح أي يبدأ الصلاة من جديد وأما إذا كان الدم يسيرًا فإنه يستمر في صلاته ولا حرج عليه. ***
يقول السائل إذا كنت أؤدي الصلاة ونزل من أنفي رعاف أثناء الصلاة فوقع على ثوبي فهل تبطل الصلاة أم لا وهل الرعاف ناقض للوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرعاف ليس بناقض للوضوء سواء كان كثيرًا أم قليلًا وكذلك جميع ما يخرج من البدن من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء مثل القيء والمادة التي تكون في الجروح فإنه لا ينقض الوضوء سواء كان قليلًا أم كثيرًا لأن ذلك لم يثبت عن النبي ﷺ والأصل بقاء الطهارة فإن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي وليس هناك دليل على أن الخارج من غير السبيلين من البدن ينقض الوضوء وعلى هذا فلا ينتقض الوضوء بالرعاف ولا بالقيء سواء كان قليلًا أم كثيرًا ولكن إذا كان يزعجك في صلاتك ولم تتمكن من إتمامها بخشوع فلا حرج عليك أن تخرج من الصلاة حينئذٍ وكذلك لو خشيت أن تلوث المسجد إذا كنت تصلى في المسجد فإنه يجب عليك الانصراف لئلا تلوث المسجد بهذا الدم الذي يخرج منك أما ما وقع على الثياب من هذا الدم وهو يسير فإنه لا بأس به ولا ينجس الثوب. ***
يقول السائل كنت في صلاة فخرج دم من أنفي فهل صلاتي باطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة ليست باطلة إذا خرج الدم من الأنف، أما لو خرج من الدبر أو من القبل فإن الوضوء ينتقض فتبطل الصلاة وأما إذا خرج من الأنف أو من جرح آخر فإن الصلاة لا تبطل بذلك، لكن ربما يكون عاجزًا عن إتمامها إذا كثر خروج الدم ففي هذه الحال ينصرف من صلاته حتى يقف الدم ثم يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد. ***
بارك الله فيكم ما حكم خروج الدم من الفم بعد الوضوء سواء بالسواك أو من غير سواك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الدم من الفم بعد الوضوء لا ينقض الوضوء بل لو خرج من غير الفم دم كثير أو قليل فإنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين القبل أو الدبر فإنه ينقض الوضوء ولكن إذا خرج الدم من الفم فإنه لا يجوز ابتلاعه لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وليعلم أن جميع ما يخرج من البدن سوى البول والغائط والريح وهي تخرج من السبيلين أعني هذه الثلاثة فما عداها لا ينقض الوضوء قد يحتجم الإنسان فلا ينتقض وضوؤه قد يرعف أنفه فلا ينتقض وضوؤه قد تجرح قدمه فلا ينتقض وضوؤه وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بخروج شيء من البدن سوى الخارج من السبيلين وإذا لم يكن دليل فإن الأصل بقاء الطهارة على ما هي عليه لأنها ثابتة بدليل شرعي وما ثبت بدليل شرعي فإنه لا ينقض إلا بدليل شرعي. ***
السائل عبد الكريم الزهراني من المدينة المنورة يقول أفتونا يا فضيلة الشيخ فيمن يعمل غسيل كلى هل خروج الدم أثناء غسيل الكُلى ينقض الوضوء وكيف يصوم ويصلى أثناء الغسيل الكلوي بالنسبة لكبار السن قد يتوافق غسيل الدم أثناء قيام الصلاة وجهونا في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء سواء كان بولًا أم غائطًا أم رطوبة أم ريحًا كل ماخرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء. أما بالنسبة للصلاة فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته الظهر والعصر في وقتيهما فيقول له مثلا أخَّر الغسيل عن الزوال بمقدار ما يُصلى به الظهر والعصر أو قدمه حتى أتمكن من صلاتي الظهر والعصر قبل خروج وقت العصر، المهم أنه يجوز له الجمع دون تأخير الصلاة عن وقتها وعلى هذا فلا بد من التنسيق مع الطبيب المباشر. وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك أحيانًا أقول إن هذا ليس كالحجامة لأن الحجامة يستخرج منها الدم ولا يعود إلى البدن وهذا مفسد للصوم كما جاء به الحديث والغسيل يُخرج الدم ويُنظف ويُعاد إلى البدن لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذيه تغني عن الأكل والشرب فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلىً بذلك أبد الدهر يكون ممن مُرِضَ مرضًا لا يُرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكينًا وأما إذا كان ذلك في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضي بعد ذلك وأما إذا كان هذا الخلط الذي يُخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن لكن يصفي الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم وحينئذ له أن يستعمل الغسيل ولو كان في الصوم ويُرجع في هذا الأمر إلى الأطباء. ***
يقول السائل أنا شاب وكثيرًا ما يظهر على وجوه الشباب ما يسمى بحب الشباب وأحيانًا أضع يدي عليها فتخرج بعض القطرات من الدم فهل هذه القطرات تفسد الوضوء وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القطرات لا تفسد الوضوء وليست نجسة أيضًا بل هي طاهرة ولا تضرك وأعلم أيها السائل أن جميع ما يظهر من البدن من الدم والقيح وغيره لا ينقض الوضوء أيضًا إلا إذا كان خارجًا من السبيلين من القبل أو الدبر فلو انجرحت أو رعف أنفك أو حصل دم من ضرسك أو ما أشبه ذلك وخرج دم ولو كثيرًا فإن وضوءك باقٍ لم ينتقض هذا هو القول الصحيح وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بذلك والأصل بقاء الطهارة وأما ما خرج من السبيلين فهو ناقض ولا إشكال فيه. ***
من جمهورية مصر العربية المستمعة س. م، ع تقول فضيلة الشيخ هل القيء ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن القيء لا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا وذلك لأنه لا دليل على كونه ناقضا والأصل بقاء الوضوء وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وغيره أن ما ثبت بدليل لا يمكن أن ينقض إلا بدليل وليس عن النبي ﷺ دليل على أن القيء ناقضٌ للوضوء وكذلك يقال في الجروح إذا خرج من الجرح دم ولو كان كثيرا فإنه لا ينقض الوضوء ولا ينقض مما يخرج من الجسد إلا البول والغائط والريح وكذلك ما خرج من مخرج البول والغائط من دم أو قيح أو نحوهما. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول السائل هل إذا نام الإنسان في السجود في صلاة الجماعة هل عليه أن يعيد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان نومًا عميقًا بحيث لو أحدث الإنسان لم يحس بنفسه فحينئذ ينتقض وضوؤه وأما إذا غاب عن الدنيا لكنه لو أحدث لأحس بنفسه فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة وسواء كان قاعدًا أو مضطجعًا لأن المدار كله على فقد الإحساس فمتى فقد الإحساس بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه انتقض وضوءه وإذا كان لم يفقد الإحساس بحيث لو أحدث لأحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض هذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة في مسألة انتقاض الوضوء بالنوم. ***
رجل مصاب بمرض عصبي فيأتيه الإغماء أحيانًا ويستمر به مدة ثم يفيق فما الحكم بالنسبة للوضوء هل ينتقض بالإغماء أم لا وكذلك لو طالت مدة الإغماء حتى فاتت عدة فروض من الصلوات فهل يقضيها أم لا يقضيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوضوء فإنه ينتقض بالإغماء، لأن الإغماء أشد من النوم، والنوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقًا بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أما النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسَّ بنفسه فإن هذا لا ينقض الوضوء سواءً كان من نائم أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ أو أي حال من الأحوال مادام لو أحدث لأحسَّ بنفسه فإن نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم، فإذا أغمي على الإنسان فإنه يجب عليه الوضوء، أما لو أغمي عليه مدة فات بها عدة صلوات أو صلاة واحدة فإن العلماء اختلفوا في هذا، هل يجب عليه القضاء مدة الإغماء أو لا يجب؟ فمنهم من قال إنه يجب عليه قضاء الصلوات التي تفوته في مدة الإغماء، قالوا: لأن الإغماء كالنوم والنائم يجب عليه قضاء الصلاة لقول النبي ﵊ (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة وذلك لأنه لا يصح قياسه على النائم لأن النائم إذا استيقظ أُوقِظ وصحا بخلاف المغمى عليه فإنه لا يملك إيقاظ نفسه ولا يملك أحد أن يوقظه فبينهما فرق ومع وجود الفارق لا يصح القياس ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي إبراءً لذمته، ثم إن كان هذا واجبًا عليه بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته وإن لم يكن واجبًا عليه فإن ذلك يكون تطوعًا يؤجر به عند الله. ***
يقول السائل صلىت الفجر في المسجد وأثناء قراءة الإمام في الركعة الأولى حصل عندي دوخة ثم أغمي علي وأفقت ثم قمت فأكملت الصلاة معهم فماذا يجب عليّ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أغمي على الإنسان وهو على وضوء فإن وضوءه ينتقض لأن الإغماء أشد من النوم والنوم المستغرق الذي لا يدري النائم فيه أحدث أم لم يحدث ناقض للوضوء لحديث صفوان بن عسال في المسح على الخفين قال (أمرنا رسول الله ﷺ أن نمسح على خفافنا إذا كنا سفرًا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) والإغماء أشد فقدًا للوعي والإحساس من النوم فمن أغمي عليه وهو على وضوء انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة وبناءً على ذلك فإنه يجب عليك الآن أن تعيد صلاة الفجر التي أغمي عليك فيها ثم أتممتها بدون وضوء. ***
من ليبيا المستمع محمد حمودة عبد القادر يقول هل الغفلة تبطل الوضوء وهل يجب في هذه الحالة أن يتوضأ المسلم وضوءًا كاملا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد بالغفلة هل يريد بها النوم؟ فإن كان يريد النوم فإن النوم ناقض للوضوء بشرط أن يكون عميقًا وعلامة العميق أن يكون النائم لا يحس بنفسه لو أحدث فإذا نام الإنسان هذه النومه أي إنه نام نومة لو أحدث لم يحس بنفسه فإن عليه أن يتوضأ لحديث صفوان بن عسال قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن ما غائط وبول ونوم) وفي الحديث (العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) لكن إذا كان النوم خفيفًا يحس بنفسه الإنسان لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء سواء أكان الإنسان جالسًا أو مضطجعًا أو مستندًا أو غير مستند لأن المدار كله على العقل أي عقل الشيء وفهمه فإن كان السائل يريد بالغفلة النوم فهذا جوابه أما إذا كان يريد بالغفلة الغفلة عن ذكر الله فإن هذا لا ينقض الوضوء ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يديم ذكر الله تعالى كل وقت فإن هذا هو العقل قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ***
ما حكم مس العورة سواء كان قبلًا أو دبرًا أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني كأنه يقصد نقض الوضوء بذلك الصواب عندي أن مس العورة لا ينقض الوضوء لأن الأحاديث الواردة في ذلك مختلفة والأصل عدم النقض إلا أن الجمع بين حديث طلق بن علي حين (سئل النبي ﷺ عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال إنما هو بضعةٌ منك) وحديث بسرة (من مس ذكره فليتوضأ) يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أن الإنسان إذا مس ذكره لشهوة وجب عليه الوضوء وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء ويكون هذا جمعًا بين الحديثين ويدل لهذا الجمع أن الرسول ﷺ علل عدم النقض بأنه (بضعة) يعني فإذا كان (بضعةً منك) فإن مسه كمس بقية الأعضاء: كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس رأسه أو مس أنفه أو مس أي طرفٍ منه فإنه لا ينتقض وضوؤه كذلك الذكر فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء فيكون هنا الجمع بين الحديثين أن يقال إذا مس ذكره لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض وجمع بعض العلماء بجمعٍ آخر بأن الأمر في قوله (فليتوضأ) ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب وعلى كل حال فوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقًا أو الفرج مطلقًا فيه نظر والصواب عندي خلافه. فضيلة الشيخ: لكن مس الإنسان لِقُبُلِهِ في الصلاة لا يكون إلا من وراء حائل وهذا يمكن أن يكون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان من وراء حائل لا يعتبر مسًا فلا يقال مسه لأن المس هو المباشرة أي مباشرة الشيء بالشيء وأما إذا مسه من وراء حائل فإنما هو مس الثوب ثم إنه يمكن أن يمسه بدون حائل لا سيما في الزمن الأول ليس عليهم إلا الوِزْرة فيمكن أن يُدخلَ يده لحكه أو نحوه. ***
إذا اغتسل ثم لمس عورته فهل عليه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليه شيء - يعني - أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لكن إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء لأنه بهذا التفصيل تجتمع الأدلة فإن (النبي ﷺ سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال لا إنما هو بضعة منك) أي جزءٌ منك ومس الإنسان لجزءٍ من نفسه لا يعتبر ناقضا للوضوء فهو كما لو مس رجله بيده فإن وضوءه لا ينتقض والحديث الآخر حديث بسرة بنت صفوان (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ) يدل على وجوب الوضوء من مس الذكر والجمع بينه وبين الحديث الأول أن يقال إن مسه الإنسان لشهوة فإنه يخالف مس بقية الأعضاء فينتقض وضوؤه وأما إذا مسه لغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه وليعلم أن المس هو المس بلا حائل أما إذا كان مع حائل فإن ذلك لا يعد مسًا فلا ينقض الوضوء حتى لو كان لشهوة فإنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه ما يوجب الوضوء. ***
هل تنظيف الأطفال وما ينتج عن ذلك من لمس أعضائهم الخاصة ينقض الوضوء وهل لمس المرء لذكره بدون شهوة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الأطفال لا ينقض الوضوء ولو مست المرأة ذكر طفلها أو فرج ابنتها القبل أو الدبر وكذلك لو مس الإنسان ذكره بغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث طلق بن علي ﵁ حين سأله عن الرجل يمس ذكره في الصلاة قال أعليه الوضوء؟ قال لا ثم قال إنما هو بضعة منك) أي عضو من أعضائك وهذا التعليل تعليل لا يمكن زواله لأنه علل بأنه عضو من الأعضاء وتعليله إياه بأنه عضو من الأعضاء يدل على أنه إذا مسه لشهوة فعليه الوضوء لأن مسه لشهوة مس خاص بالعضو أي بالذكر فالإنسان لا يمكن أن يمس ساقه لشهوة ولا فخذه لشهوة ولا أذنه لشهوة إنما تكون الشهوة في نفس الذكر والخلاصة أن القول الراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة أنه إن مسه لشهوة وجب عليه الوضوء وإن كان بغير شهوة لم يجب عليه سواء تعمد أم لم يتعمد. ***
هل النظر إلى عورة رجلٍ ما أو امرأةٍ ما سواء كان شابًا أم طفلًا أم شيخًا ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء وما علمت أحدًا من أهل العلم قال إن النظر للعورة ينقض الوضوء لكن هذا مشهورٌ عند العامة ولا أصل له. ***
هل ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة لأن القول الراجح أن مس الفرجين لا ينقض الوضوء إلا مس الذكر إذا مسه لشهوة فإنه ينتقض الوضوء وهذا القول الذي فصلناه هو القول الذي تجتمع به الأدلة ومن المعلوم أن المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة فإنه لا يمكن أن تمسه لشهوة وعلى هذا فلا ينتقض وضوؤها. ***
تقول السائلة هل تنظيف الطفل من النجاسة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يُمَس الفرج فإنه لا ينتقض الوضوء وهذا لا إشكال فيه ولا أظن السائلة تريده لكن إذا مست الفرج فالصحيح أيضًا أنه لا ينتقض الوضوء ولكن إن توضأت احتياطًا فهو أولى ولا فرق بين الذكر والأنثى. ***
هل مس المرأة يبطل الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم ﵏ في مس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ فمنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقًا ومنهم من قال إنه ينقض الوضوء مطلقًا ومنهم من قال إن كان لشهوة نقض الوضوء وإن كان لغير شهوة لم ينقض الوضوء والقول الراجح أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا إلا أن يخرج شيء من المس كالمذي وشبهه فإن الوضوء ينتقض بهذا الخارج وقد استدل القائلون بأن اللمس ينقض مطلقًا بقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وفي قراءة أخرى سبعية (أو لَمستم النساء) بناءً على أن المراد باللمس ملامسة الرجل للمرأة باليد أو بغيرها من الأعضاء والصواب أن المراد بالملامسة في هذه الآية هو الجماع كما فسر ذلك ابن عباس ﵁ ويدل لهذا أن الآية الكريمة ذكر الله تعالى فيها الطهارتين الأصلىتين وطهارة البدل وذكر الله تعالى فيها السببين سبب الطهارة الكبرى وسبب الطهارة الصغرى ففي قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في هذا ذكر الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر وفي قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ذكر الله تعالى الطهارة الكبرى وسببها وهو الجنابة وفي قوله (فَتَيَمَّمُوا) ذكر الله تعالى طهارة البدل وهي التيمم وعلى هذا فيكون قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يكون فيه إشارة إلى ذكر الموجبين للطهارتين ففي قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) ذكر موجب الطهارة الصغرى وفي قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ذكر موجب الطهارة الكبرى ولو حملنا اللمس على اللمس باليد وغيرها من الأعضاء بدون جماع لكان في الآية ذكر لموجبين من موجبات الطهارة الصغرى وإغفال لموجب الطهارة الكبرى وعلى كل حال هذه الآية ليس فيه دلالة لما ذهب إليه أولئك القوم الذين قالوا بنقض الوضوء إذا مس الرجل المرأة والأصل براءة الذمة وبقاء الطهارة وما ثبت بدليل لايرتفع إلا بدليل مثله أو أقوى منه فإذا كانت الطهارة ثابتة بدليل شرعي فإنه لا ينقضها إلا دليل شرعي مثل الذي ثبتت به أو أقوى. ***
لمس المرأة أهو ناقض للوضوء على المذهب الشافعي أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنا شخصيًا لا أُجيب السؤال على من طلب أن تكون الإجابة على مذهب من لا يجب اتباعه سواءٌ كان مذهب الشافعي أو الإمام أحمد أو الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة لأن الفرض على المسلم أن يسأل عن هدي النبي ﷺ لأنه هو الذي يجب اتباعه لا أن أسأل عن مذهب فلان وفلان أما الجواب على السؤال فأنا أقول له مقتضى الأدلة الشرعية أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا سواءً كان لشهوة أم غير شهوة إلا أن يحدث إنزال أو مذي فإن حصل بذلك إنزال أو مذي أو غيرهما من الأحداث وجب الوضوء بهذا الحدث لا بمجرد المس. إذًا نقول لا دليل على بطلان الوضوء من مس المرأة فإذا لم يقم دليلٌ صحيحٌ صريح فإننا لا يمكن أن ننقض طهارةً ثبتت بمقتضى دليلٍ صريحٍ صحيح، أما قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع لأن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ) إنما جاء في معرض التيمم لا معرض الغسل وهي مقابلةٌ لقوله في الطهارة بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولتسمعوا إلى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذا الوضوء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) هذا الغسل بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) هذا موجب الطهارة الصغرى لكن في التيمم الآية انقسمت إلى قسمين القسم الأول منها في طهارة الماء عن الحدث الأصغر بغسل الأعضاء الأربعة وعن الحدث الأكبر بالتطهير الكامل للبدن القسم الثاني الطهارة بالتراب عن الحدث الأصغر قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وعن الحدث الأكبر قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فتبين الآن أن الآية ليس فيها دليلٌ على نقض الوضوء بمس المرأة وإنما فيها مقابلة قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) في طهارة الماء بقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) في طهارة التيمم. ثم إننا لو قلنا إن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يراد به الحدث الذي ينقض الوضوء لكان في الآية تكرار لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) فيه الإشارة إلى الحدث الأصغر فيكون في الآية لو حملنا قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) على ما ينتقض به الوضوء لكان في الآية تكرارٌ لذكر موجبين للوضوء وإغفال موجب الغسل وهذا بلا شك خلاف ما تقتضيه بلاغة القرآن وبيانه. وأقول للأخ الذي يطلب الحكم على مذهب الشافعي أولًا أرجو منه ومن غيره أن يكون طلبهم الحكم على ما تقتضيه شريعة الرسول ﵊ وهديه لا على ما يقتضيه رأي فلان وفلان لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وليس معنى قولي هذا الحط من قدر أهل العلم أبدًا بل إن من رفع قدر أهل العلم أن نقبل كلامهم وتوجيهاتهم والشافعي ﵀ وغيره من الأئمة كلهم يأمروننا ويوجهوننا إلى أن نتلقى الأحكام مما تلقوه هم من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقول إن كون الإنسان يتجه إلى مذهب معين لفلان أو فلان لا شك أنه ينقص من اتجاهه إلى السنة ويغفل عنها حتى كأنك لتجده لا يطالع إلا كتب فقهاء مذهبه ويدع ما سواها وهذا في الحقيقة ليس بسبيلٍ جيد فالسبيل الجيد أن يتحرى الإنسان ويكون هدفه اتباع الرسول ﷺ فقط سواءٌ وافق فلانًا أم خالفه ولا حاجة لي الآن إلى أن أسوق أقوال هؤلاء الأئمة في وجوب تلقي الشريعة من الرسول ﵊ دون أن نقلدهم وهذا أمرٌ معلوم يمكن الرجوع إليه في كتب أهل العلم والذي أعرف من المذهب الشافعي ﵀ أنه يرى نقض الوضوء بمس المرأة مطلقًا إذا كان باليد ولكنه قولٌ مرجوح كما عرفنا مما قررناه سابقًا والله الموفق. ***
رسالة وردتنا من المرسل فوزي المتولي من جمهورية مصر العربية والإقامة في الأفلاج يقول هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة منهم من يقول إن مس المرأة لا ينقض مطلقًا ومنهم من يقول إن مسها ينقض مطلقًا ومنهم من توسط وقال إن مسها لشهوة ينقض الوضوء وإن مسها لغير شهوة لا ينقض الوضوء والصواب من هذه الأقوال أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا ولو بشهوة لكنه مع الشهوة يستحب الوضوء من أجل تحرك الشهوة إلا إذا خرج منه شيء كالمذي مثلًا فإنه يجب عليه أن يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ وضوءه للصلاة يعني أنه ينتقض وضوؤه وأما بدون خارج فإنه لا ينتقض وذلك لأن الأصل براءة الذمة ولم يرد عن النبي ﷺ حديث يدل على نقض الوضوء بمس المرأة بل إنه روي عنه ﷺ (أنه قبَّل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) وهذا الحديث وإن كان بعضهم يضعفه لكنه يوافق الأصل وهو عدم النقض وأما قوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) إلى آخر الآية فإن المراد بالملامسة هنا الجماع كما فسرها بذلك ابن عباس ﵄ وهو أيضًا مقتضى سياق القرآن الكريم لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) إشارة إلى أحد أسباب الوضوء وقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) إشارة إلى أحد أسباب الغسل فتكون الآية دالة على الموجبين موجب الوضوء وموجب الغسل ولو قلنا المراد بالملامسة اللمس لكانت الآية دالة على موجبين من موجبات الوضوء ساكتة عن موجبات الغسل وهذا نقص في دلالة القرآن فعليه نقول إن حملها على الجماع كما فسرها به أبن عباس هو مقتضى بلاغة القرآن وإيجازه ودلالته فعليه يكون في الآية ذكر الموجبين للطهارة الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى كما أنه ذكر ﷾ الطهارتين الصغرى والكبرى والطهارتين الأصلىة والبدلية فذكر الوضوء وذكر الغسل وذكر الطهارة الأصلىة بالماء وذكر الطهارة الفرعية بالتيمم وذكر أيضًا الموجبين للطهارتين الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى وهذا هو مقتضى البلاغة والتفصيل في القرآن وعليه فنقول إذا قبَّل رجلٌ زوجته ولو بشهوة أو ضمَّها إليه ولو بشهوة أو باشرها ولو بشهوة بدون جماع فإنه لا ينتقض وضوؤه إلا إن خرج شيء وكذلك بالنسبة إليها لا ينتقض وضوؤها وأما إذا حصل الجماع ولو بدون إنزال فإنه يجب عليهما جميعًا الغسل لحديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) . ***
هل مس المرأة ينقض الوضوء سواء كانت زوجة الرجل أو غيرها وهل في هذا خلافٌ بين المذاهب الأربعة فأنا ملتزم بالمذهب الشافعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة إذا كانت غير محرم للإنسان محرم سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وعلى هذا فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه مطلقًا سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وأما إذا كانت المرأة زوجته فإنه يجوز أن يمسها لشهوة ولغير شهوة والصحيح أن وضوءه لا ينتقض سواء مسها لشهوة أم لغير شهوة إلا أن يخرج منه خارج بسبب هذا المس فينتقض وضوؤه من الخارج كما لو أمذى مثلًا وأما مجرد المس ولو بشهوة فإنه لا ينقض هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم وأما سؤال السائل هل في ذلك خلاف بين أهل العلم، نعم فيه خلاف فمن أهل العلم من يرى أن مس المرأة ينقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ومنهم من يرى أنه لا ينقض سواء كان لشهوة أم لغير شهوة ومنهم من يفصل فيقول إن مسها لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسها لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه ولكن الصواب أنه لا ينتقض مطلقا ما لم يخرج منه خارج. ***
السائل علي بن كمال مصري ومقيم بالطائف يقول الرجاء من فضيلة الشيخ توضيح الحكم الراجح في هل ينقض وضوء من لمس المرأة بدون حائل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة وسواء كان بحائل أو بغير حائل فلو قبَّلها أو ضمَّها أو باشرها بدون جماع ولكنه لم يخرج منه شيء لا مني ولا مذي فإن وضوءه صحيح لأنه لا دليل على أن المس ينقض الوضوء وإذا لم يكن دليل فالأصل بقاء الوضوء لأن ما ثبت بدليل لا يرفع إلا بدليل فإذا ثبت أن هذا وضوؤه صحيح وأنه باق عليه فإنه لا يمكن أن يُنقض هذا الوضوء إلا بدليل وذلك لأن النقض وعدم النقض أمر حكمي شرعي مرجعه إلى الله ورسوله فإن جاء عن الله ورسوله ما يدل على أن مس المرأة بشهوة ناقض فعلى العين والرأس وإن لم يأتِ فليس لنا أن نفسد عبادة عباد الله إلا ببرهان من الله. ***
بارك الله فيكم المستمع ع م من جدة يقول هل مس الزوجة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس الزوجة لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج من الماس شيء فإن كان مذيا وجب عليه غسل الذكر والأنثيين أي الخصيتين والوضوء وإن كان منيَّا وجب عليه أن يغتسل أما إذا لم يخرج شيء فإن مسها لا ينقض الوضوء ولو حصل انتشار الذكر. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل من اليمن من تعز يقول هل لمس المرأة ينقض الوضوء لأن الرجل في بيته قد يلامس يد زوجته من خلال تناول الأشياء وما تفسير قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء إلا أن يحدث إنزال فيوجب الغسل أو يحدث مذي فيوجب الوضوء أما إذا لم يحصل شيء فإنه لا ينقض الوضوء حتى لو قبَّلها لشهوة وضمَّها لشهوة وقبض على يدها لشهوة فكل هذا لا ينقض الوضوء وأما قول الله ﵎ (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع كما فسرها بذلك عبد الله بن عباس ﵄. ***
أنا طبيب أقوم بمعالجة النساء وذلك للكشف على النبض ولقد سمعت من بعض الناس بأن مس المرأة ينقض الوضوء ولو كان بغير شهوة وجهوني بعملي هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال يتطلب شيئين الشيء الأول مباشرة المرأة لمعالجتها فهذا إن كان الرجل يحس بالشهوة عند مس المرأة فإنه يحرم عليه أن يمسها لأنها أجنبية منه ولأن مس النساء بشهوة من دواعي الفاحشة فالواجب عليه إذا أحس بذلك أن يتوقف وكذلك إذا علم من نفسه أنه قوي الشهوة وأن شهوته تتحرك عند أدنى ملامسة للمرأة فإن الواجب عليه الكف عن هذا أما إذا كان لا تتحرك شهوته ولا يبالي بمس المرأة ويمسها وكأنه يمس الرجل أو المرأة من بناته فلا حرج عليه عند الضرورة أن يمسها بل لا حرج عليه أن يمس كل ما تدعو الحاجة إليه أما الشيء الثاني فهو نقض الوضوء بمس المرأة فنقول إن مس المرأة لا ينقض الوضوء بكل حال حتى لو مس الرجل امرأته بشهوة أو باشرها لشهوة فإن وضوءه لا ينتقض ما لم يخرج منه مذي أو مني وإن خرج منه مني وجب عليه الغسل. ***
المستمع أحمد أحمد من مصر مقيم في الرياض يقول في رسالته إذا قبَّل الزوج زوجته وكان متوضئًا فهل ينتقض الوضوء ويلزم إعادة الوضوء إذا أدى الصلاة أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قَبَّلَ الرجل امرأته بشهوة ولم يخرج منه شيء فإن القول الراجح أن وضوءه لا ينتقض ولكن إن توضأ فهو أفضل وذلك لأن الوضوء إذا تم بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا ينتقض ولا يفسد إلا بدليل شرعي لأن ما ثبت بدليل لا يمكن رفعه إلا بدليل مساوٍ لذلك الدليل أو بما هو أقوى منه وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن تقبيل الزوجة ناقض للوضوء أما قول الله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فإن المراد بالملامسة هنا الجماع وتفسيره باللمس باليد بعيد جدًا وذلك لأننا إذا قرأنا هذه الآية تبين لنا أنه يتعين أن يكون المراد بالملامسة الجماع كما فسرها به عبد الله بن عباس ﵄ واستمع إلى الآية يقول الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذه الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر ثم قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وهذه الطهارة الكبرى الاغتسال التي سببها الحدث الأكبر كالجنابة ونحوها ثم قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فذكر الله ﷾ السببين الموجبين للطهارة الأصغر والأكبر فقال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وهذا السبب الأصغر وهو ما نعنيه بقولنا الحدث الأصغر وقال (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) وهذا هو السبب الأكبر الذي نعنيه بقولنا الحدث الأكبر فتكون الآية قد دلت على الطهارتين الكبرى والصغرى وعلى سببيهما أي على سبب الصغرى وهو المجيء من الغائط وسبب الكبرى وهو ملامسة النساء ولو جعلنا الملامسة هنا بمعنى اللمس باليد وأنه ناقض للوضوء لكان في الآية زيادة ونقص تكون في الآية زيادة حيث جعلنا (لامَسْتُمْ) موجب للطهارة الصغرى أيضًا فيكون في الآية ذكر سببين من أسباب الطهارة الصغرى وهذا زيادة إذ أن ذكر سبب واحد كاف وفيه أيضًا إهمال ذكر سبب الطهارة الكبرى وهذا نقص وعليه فيكون سياق الآية دالًا على أن المراد بالملامسة الجماع ليتم بذلك التفصيل والتقسيم وإذا كان المراد بالملامسة الجماع فإنه لا دليل على أن لمس المرأة باليد أو بالتقبيل ناقض للوضوء فيبقى الوضوء على حاله لعدم وجود دليل يفسده. ***
هل التسليم على الأجنبية ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسليم عليها بالقول باللسان لا ينقض الوضوء ولا تأثير له والتسليم بالمصافحة إذا التزم الإنسان ما شرطناه بأن يكون من وراء حائل لا ينقض الوضوء أيضًا وأما التسليم على الأجنبية مباشرة بدون حائل باليد فإنه محرم ولا يجوز ومع ذلك لو فعل فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن مس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو مسَّ الرجل امرأته لشهوة أو قبَّلها لشهوة فإنه لا ينتقض وضوئه بذلك إلا أن يخرج منه خارج، فإن خرج منه خارج وجب عليه أن يفعل ما يقتضيه ذلك الخارج من غسل إن كان منيًّا أو من غسل الذكر والأنثيين إن كان مذيًا مع الوضوء. ***
هل ملامسة المرأة الأجنبية تنقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ملامسة المرأة الأجنبية محرمة لا شك وعلى المرء أن يتوب إلى الله تعالى منها وأن يحرص على أن يتزوج لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) ولكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء إذا خرج منه مذي وجب عليه غسل ذكره وخصيتيه والوضوء وإذا خرج منه مني وجب عليه الغسل والمهم أنه يجب على المرء أن يربأ بنفسه عن هذه السفاسف وأن يبتعد عما يوجب الفتنة فإن ذلك أسلم لدينه وعرضه. ***
هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول بأنه رجل مساعد طبيب في الريف يعالج المرضى ويتعرض لمخالطة النساء بدون قصد وذات مرة يقول قمت بمعالجة إحدى العجائز في إحدى القرى فقدمت لها مغذيا وعند نهاية المغذي قبل صلاة العشاء أمسكت بيد المرأة لإبعاد المغذي عنها وذهبت للصلاة بدون وضوء لأنني كنت على وضوء فهل لمس المرأة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لمس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو أن الإنسان مس زوجته وقبَّلها لشهوة ولم يحدث مذيٌ ولا مني فإن وضوءه باقٍ لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن مس المرأة لشهوة لا ينقض الوضوء. ***
هل أكل لحم الجزور ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن أكل لحم الجزور ناقض للوضوء موجب له (لقول النبي ﷺ حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فلما جعل الوضوء من لحوم الغنم راجعا إلى مشيئة الإنسان علم أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعا إليه وأنه واجب إذ لو كان غير واجب لكان راجعا إليه وقد جاء الأمر بذلك صريحا حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) والأصل في الأمر الوجوب وعلى هذا فلو أكل الإنسان لحم إبل نيئا أو مطبوخا قليلا أو كثيرا هبرا أو كبدا أو كرشا أو مصران أو أي شيء من أجزائها فإن وضوءه ينتقض وعليه أن يتوضأ من جديد لكن ليس عليه أن يغسل فرجه لأنه لم يَبُل ولم يتغوط. ***
بارك الله فيكم هل الوضوء من أكل لحم البعير يشمل المعدة والكبد والأحشاء عمومًا أم هو خاصٌ باللحم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم على النحو التالي أولًا هل لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض وثانيًا هل هو عام بكل البعير أم هو خاصٌ بما يعرفه العامة عندنا بالهبر اللحم الأحمر والراجح من أقوال أهل العلم أنه ينقض الوضوء سواءٌ من لحم الهبر أو الكرش أو الكبد أو الأمعاء أو غيره لعموم قول الرسول ﷺ (توضؤوا من لحوم الإبل) ولعموم قوله (حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت) ولأن هذا اللحم سواءٌ كان أحمر أو أبيض من حيوانٍ واحد والحيوان الواحد في الشريعة الإسلامية لا تختلف أجزاؤه في الحكم إن كان حلالًا فهو للجميع وإن كان حرامًا فهو للجميع بخلاف شريعة اليهود فإن الله تعالى يقول (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أما هذه الشريعة فليس فيها حيوانٌ تختلف أجزاؤه حلًا وحرمة أو أثرًا بل إن الأجزاء كلها واحدة لأنها تتغذى من طعامٍ واحد وبشرابٍ واحد وبدمٍ واحد وعلى هذا فيكون الراجح هو العموم أن جميع أجزاء البعير يكون ناقضًا للوضوء قليله وكثيره لعموم الأدلة بذلك وإطلاقها ولأن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) فكان ذلك شاملًا لجميع أجزاء الخنزير سواءٌ كان المعدة أو الكبد أو الشحم أو غير ذلك وعليه يجب على من أكل شيئًا من لحم الإبل من كبدها أو قلبها أو كرشها أو أمعائها أو لحمها الأحمر أو غير ذلك يجب عليه أن يتوضأ للصلاة لأمر النبي صلى الله عيه وسلم بذلك ثم إنه حسب ما علمناه أن ذلك له فائدة طبية لأنهم يقولون إن للحم الإبل تأثيرًا على الأعصاب لا يهدئه ويبرده إلا الماء وهذا من حكمة الشرع وسواءٌ كانت هذه الحكمة أم كانت الحكمة غيرها فنحن متعبدون بما أمرنا به لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ولهذا يقول الأطباء لا ينبغي للإنسان العصبي أن يكثر من أكل لحم الإبل لأن ذلك يؤثر عليه والله أعلم. فضيلة الشيخ: يُفهم من هذا أنه ليست هناك علة واضحة بل هو أمرٌ تعبدي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عند أكثر أهل العلم الذين يقولون بنقض الوضوء به أن الأمر تعبدي وقال بعض العلماء أن له هذه العلة. فضيلة الشيخ: علة طبية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
السائل عبد الكريم س. ع يقول يوجد مدرس عندنا يقول إن لحم الإبل لا ينقض الوضوء قلنا له ولماذا قال أنه على (زمن الرسول ﷺ اجتمعوا عند أحدهم فأكلوا الإبل فطلع من أحدهم رائحة كريهة فقال رسول الله ﷺ لكي لا يحرج صاحبه الذي أطلع الرائحة من أكل لحم الإبل فليتوضأ فتوضأ الصحابة لكي لا يحرجوا صاحبهم) يقول المدرس فصارت عادة من أكل لحم الإبل فليتوضأ يقول السائل ونحن الطلاب درسنا في الابتدائي أن من أكل لحم الإبل فليتوضأ ولم يُقَلْ لنا هذه القصة أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القصة لا أصل لها إطلاقًا كذب على النبي ﷺ والنبي ﵊ يستطيع أن يقول من احدث فليتوضأ في تلك الساعة ولا يلزم الناس جميعًا أن يتوضئوا من أجل جهالة الذي وقع منه هذا الصوت وعلى كل حال هذه القصة باطلة والصواب من أقوال أهل العلم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل سواء أكله نيئًا أو مطبوخًا قليلًا كان أم كثيرًا من جميع أجزاء البدن لعموم قول النبي ﷺ (توضئوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل فقال يا رسول الله أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فلما وَكَلَ الوضوء من لحم الغنم إلى مشيئته دلَّ ذلك على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعًا إلى مشيئته وهذا هو معنى وجوب الوضوء من لحم الإبل. ***
ما الحكمة في أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء وباقي اللحوم لا تستوجب ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة في هذا هي طاعة رسول الله ﷺ حيث قال (توضؤوا من لحوم الإبل) (وسئل ﷺ أتوضأ أي سأله سائل فقال أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم عائدًا إلى مشيئة الإنسان وفي لحم الإبل (قال نعم) دَلَّ ذلك على أنه لا بد من الوضوء من لحم الإبل وأنه لا يرجع لاختيار الإنسان ومشيئته وإذا أمر النبي ﷺ بشيء فإنه حكمة ويكفي المؤمن أن يكون الأمر أمرًا لله ورسوله قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (ولما سئلت عائشة ﵂ عن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) فجعلت الحكمة هي الأمر فإذا أمر الله ورسوله بشيء فالحكمة في فعله على أن بعض أهل العلم أبدى حكمة في ذلك وهي أن لحوم الإبل فيها شيء من إثارة الأعصاب والوضوء يهدئ الأعصاب ويبردها ولهذا أمر الرجل إذا غضب أن يتوضأ والأطباء المعاصرون ينهون الرجل العصبي عن كثرة الأكل من لحم الإبل فإن صحت هذه الحكمة فذاك وإن لم تصح فإن الحكمة الأولى هي الحكمة وهي أمر رسول الله ﷺ والتعبد لله تعالى بتنفيذ أمر نبيه ﷺ. ***
يقول السائل من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل فهل لبنها ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل أيّ لحم كان سواء الكبد أو الكلية أو الأمعاء أو الكرش أو اللحم الأحمر كل شيء إذا أكله الإنسان منه انتقض وضوؤه به لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قال توضؤوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم راجعًا إلى مشيئة الإنسان وأما الإبل (فقال نعم) دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعًا إلى مشيئة الإنسان وأنه لا بد منه أما لبنها ففيه حديث إسناده حسن في الأمر بالوضوء منه لكنه ليس على سبيل الوجوب والدليل (أن العرنيين الذين جاؤوا إلى المدينة اجتووها أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها) ولم يقل توضؤوا مع أن الحاجة داعية إلى بيان ذلك لو كان واجبًا فالصواب أن الوضوء من ألبانها سنة وليس بواجب وأما من لحومها فواجبٌ لا بد منه. ***
بارك الله فيكم أبو عبد الله يقول شخص تناول طعام العشاء عند أحد زملائه وشك بعد الصلاة هل اللحم لحم غنم أم لحم جمل فهل يسأل أم لا وإذا تعذر السؤال هل يعيد الصلاة أم لا أفيدونا بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أكل الإنسان لحمًا وشك هل هو لحم إبل أو لحم غيره فإنه لا يلزمه أن يسأل ولكن إذا علم ولو فيما بعد فعليه أن يعيد الصلاة وبهذا السؤال نعرف أن السائل يعرف الفرق بين لحم الإبل ولحم غيرها فإن لحم الإبل ينقض الوضوء لقول النبي ﷺ (توضؤوا من لحوم الإبل) ولأنه (سئل أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قالوا أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فجعل الوضوء من لحم الغنم عائدًا إلى مشيئة العبد وجزم بالوضوء من لحم الإبل فدل على أن لحم الإبل يجب الوضوء منه وأنه لا يعود إلى مشيئة العبد ولحم الإبل يشمل جميع أجزاء البعير كالكبد والكرش والأمعاء والقلب وغير ذلك لأن النبي ﵊ لم يخصص منها شيئًا فدل هذا على العموم ومما يدل على أن اللحم إذا أضيف إلى الحيوان فهو شامل لجميع أجزائه قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ومن المعلوم أن لحم الخنزير يشمل الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغير ذلك أما لحم غير الإبل فإنه لا ينقض الوضوء لكن ذكر كثير من أهل العلم أنه يستحب الوضوء مما مست النار لأن الوضوء مما مست النار كان مأمورًا به لكنه ليس على سبيل الوجوب. ***
الوطء بالقدم على النجاسة وهي لا تزال رطبة هل هذا ينقض الوضوء لو كان الإنسان متوضئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء ولا دخل للنجاسة في الوضوء حتى لو تلوث الإنسان بالنجاسة ببدنه أو بثوبه فإن وضوءه باقٍ. فضيلة الشيخ: إذًا عليه فقط أن يطهر الموضع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه أن يطهر ما يجب تطهيره. ***
بارك الله فيكم السائل يقول إذا أصابت رجلي أو يدي نجاسة فغسلتها فهل أبقى على طهارتي بعد ذلك أم أن النجاسة نقضت وضوئي جزاكم الله خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة لا تنقض الوضوء فإذا أصاب الإنسان نجاسة فإن وضوءه باقٍ ولكن يغسل هذه النجاسة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن جميع الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا البول والغائط فأما الدم إذا خرج من الأنف أو إذا خرج من جرح أو نحو ذلك فإنه ليس بنجس ولا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا. ***
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول تقليم الأظافر بعد الوضوء هل يبطله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر بعد الوضوء لا يبطل الوضوء حلق الرأس بالنسبة للرجال بعد الوضوء لا ينقض الوضوء وقد استدل بعض العلماء بكون حلق الرأس بعد الوضوء لا ينقض الوضوء استدل لذلك بأن خلع الخفين بعد الوضوء لا ينقض الوضوء فكذلك حلق الرأس بعد الوضوء ولا شك أن القول الراجح في مسألة الخفين أن نزعهما لا ينقض الوضوء لعدم الدليل على ذلك والوضوء ثبت صحيحا بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يرفع إلا بدليل شرعي. ***
بارك الله فيكم المستمعة ن. ع. من الزلفي تقول فضيلة الشيخ أنا أعاني من كثرة الوساوس وبالخصوص في الصلاة والوضوء فعندما أتوضأ أشك في وضوئي فأعيده كذلك في الصلاة أحيانًا أشك بعدم قراءتي للفاتحة أو غير ذلك ما الحل أرشدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل أن يتعوذ الإنسان من الشيطان الرجيم إذا حصلت له هذه الشكوك وألا يلتفت إليها وأن يعرض عنها إعراضًا تامًا وقد أرشد إلى مثل هذا رسول الله ﷺ حين (شكي إليه الرجل يخيل إليه إنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فإذا توضأتِ وشككتِ هل أنتِ أتممتِ الوضوء أم لم تتميه فالأصل الإتمام لا تلتفتي وإذا شككت أنك نويت أم لم تنوي فالأصل النية وإذا شككت سميت أم لم تسمي فالأصل التسمية وأقول هذا فيمن ابتلي بالوسواس لأن الذي ابتلي بالوسواس لا تكون شكوكه إلا وهمًا ليس لها أساس وعلى هذا فلا تلتفتي إلى مثل هذه الشكوك أبدًا لا في الصلاة ولا في الوضوء وأنا أظن كما هو الواقع كثيرًا أنك إذا ضغطتي على نفسك ولم تلتفتي إلى هذا الوسواس فستجدين مشقة وضيقًا وألمًا نفسيًا ولكن هذا يزول قريبًا فاصبري عليه وفي مدة يسيرة يزول. ***
السائلة تقول بأني أغسل العضو المراد غسله في الوضوء أكثر من المطلوب بسبب الوسواس وأيضا في الصلاة أعيد قراءة الفاتحة اكثر من مرة واكرر أيضا التسليم عدة مرات وفي إحدى المرات دار خلاف بيني وبين زوجي حول هذا الموضوع فقال بأن هذا محرم فما رأيكم فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن الزيادة في الوضوء على ثلاث من تعدي حدود الله وقد قال الله ﵎ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه توضأ مرة مرة) (ومرتين مرتين) (وثلاثا ثلاثا) وقال (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) وكذلك يقال في الصلاة لا يكرر المصلى أذكار الصلاة أكثر من مرة إلا ما وردت به السنة فلا يكرر الفاتحة ولا التكبيرة ولا قراءة سورة مع الفاتحة وأما ما ورد فيه التكرار كالتسبيح في الركوع وفي السجود لا بأس به يكرر ما شاء وإني أنصح هذه المرأة من التمادي في الوسواس وأقول إنه ربما تصل إلى حال شديدة لأن الشيطان يستدرج بني آدم من الأصغر إلى الأكبر والعياذ بالله فعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وألا تزيد على ما جاءت به الشريعة لا في وضوءها ولا في صلاتها. ***
الحاج تركي أسود يقول عندما أبدأ في الصلاة وفي منتصفها أشك في نقض الوضوء أحيانًا ولذلك أتوضأ مرتين أو أكثر وسبب نقض الوضوء هو يقول انحناء في الظهر نرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أجاب عنه النبي ﷺ حيث (سُئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فما دمت في صلاة الفريضة ثم طرأ عليك هذا الشك هل أحدثت أم لم تحدث فإنه لا يحل لك أن تخرج منها بل الواجب أن تستمر في صلاتك حتى تنتهي إلا إذا تيقنت أن شيئًا خرج فإذا تيقنت ذلك فعليك أن تخرج ولا يحل لك أن تمضي بعد أن أحدثت وهذا الحديث الذي أفتانا به رسول الله ﷺ يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع وهي أن اليقين لا يزول بالشك وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فما دامت الطهارة متيقنة فإنها لا تزول بالشك وما دامت باقية فإن الأصل بقاؤها حتى يثبت زوالها وفي هذا الحديث راحة للإنسان وطمأنينة للنفس حيث يبقى بعيدًا عن الوساوس والشكوك لأنه بهذا الحديث يطرح الشك ويبني على ما استيقن وهي الطهارة أما إذا تيقن الحدث في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يخرج منها وهذا أمر قد يقع في أثناء الصلاة وبعض الناس يبقى في صلاته إذا كان في المسجد جماعة يخجل أن ينصرف من صلاته أمام الناس فهذا خطأ فإن الله تعالى أحق أن يخشى وأحق أن يستحي منه وفي هذه الحال أعني فيما إذا أحدث في أثناء صلاة الجماعة فإنه يخرج ويضع يده على أنفه كأنه حصل له رعاف حتى يزول عنه الخجل والحياء ثم يتوضأ ويرجع إلى المسجد ليدرك مع الجماعة ما بقي من الصلاة. ***
من المرسلة الحائرة أ. ص. ع. م. وردتنا هذه الرسالة تقول فيها أنا دائمًا أتوضأ للصلاة خمس مرات أو أكثر لأنني أشك في الطهارة فما هو الحل لديكم وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل لدينا أن تكثر هذه المرأة من ذكر الله تعالى والاستعاذة من الشيطان الرجيم وأن لا تلتفت إلى ما عَمِلَت بعد انتهاء عملها منه فإذا توضأت أول مرة فإنها لا تعيد الوضوء مرةً ثانية مهما طرأ على بالها من الشك والوسواس لأنها إذا فتحت على نفسها هذا الأمر فربما يصل بها الوسواس إلى أن تشك في صلاتها وفي إيمانها وإسلامها وهذا ضررٌ وخطرٌ عظيم فالواجب عليها الإكثار من ذكر الله والاستعاذة من الشيطان الرجيم عند حدوث هذا وألا تلتفت إليه ما دام فعلته فلا تعيده مرةً ثانية. ***
أبو عبد الله يقول إذا دخل الشخص دورة المياه وفي نيته أنه يتوضأ لكن بعد الخروج لا يدري هل توضأ أم لا وقد تكرر ذلك عنده عدة مرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك الذي يعتريه شكًا دائمًا فإنه لا يلتفت إليه لأنه يشبه الوسواس بل هو وسواس أما إذا كان طارئًا فإنه يجب عليه أن يتوضأ لأنه شك في وجود الوضوء والأصل عدم وجوده وقد ذكر بعض العلماء ضابطًا للشك. فقال (والشك بعد الفعل لا يؤثر.....وهكذا إذا الشكوك تكثر) فنقول لهذا السائل إذا كانت أكثر عادتك أنك تتوضأ وكثرت عليك الشكوك في أنك لم تتوضأ فابني على العادة الأكثر وعلى أنك متوضئ أما إذا كان الشك نادرًا فإنه يجب عليك أن تتوضأ لأن الأصل عدم وجود الوضوء. ***
من سلطنة عمان، صحار السائل س. م. ج. يقول كنت ذات يوم أصلى إمامًا لصلاة الجمعة وفي التشهد الأخير من صلاتي بالناس شككت في وضوئي هل توضأت أم لا علمًا أنني قبل موعد الصلاة بربع ساعة تقريبًا اغتسلت غسل الجمعة ولكني لم أتأكد هل توضأت بعده أم لا فهل يكفي ذلك الغسل وإن كنت لم أنوِ به الطهارة من الحدث الأصغر أم لا وإن لم يكن كافيًا فماذا علي أن أفعل وما الحكم في صلاة المأمومين خلفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أبين قاعدة نافعة في باب الحدث وغيره وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان وهذا الأصل مبني على ما ثبت عن النبي ﷺ (في الرجل يخيل إليه أنه أحدث فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) ومن أمثلة هذا الأصل إذا كان الإنسان قد توضأ فشك هل أحدث أم لا فإنه يبقى على وضوئه وطهارته لأن الأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث ومن هذا الأصل إذا أحدث الإنسان ثم شك هل رفع حدثه أم لم يرفعه فإن الأصل بقاء الحدث وعدم رفعه فعليه أن يتوضأ إن كان الحدث أصغر وأن يغتسل إن كان الحدث أكبر وبناءً على ذلك فإننا نقول في مثل هذه الحال التي ذكرها السائل لو شك الإمام في أثناء الصلاة في التشهد الأخير أو فيما قبله هل تطهر من حدثه أم لا فإن الأصل عدم الطهارة وحينئذٍ يجب عليه أن ينصرف من صلاته وأن يعهد إلى أحد المأمومين بإتمام الصلاة بهم إمامًا فيقول مثلًا تقدم يا فلان أكمل الصلاة بهم ويبنون على ما مضى من صلاتهم هذا هو القول الراجح في هذه المسألة وبه يتبين أن صلاة المأمومين ليس فيها خلل سواء ذكر الإمام في أثناء الصلاة أو بعد تمام صلاته أنه ليس على طهارة فإن ذكرها بعد تمام صلاته فقد انتهت صلاة المأمومين على أنها صحيحة ولا إشكال فيها وإن ذكر في أثناء صلاته فإن المأمومين لم يفعلوا شيئًا يوجب بطلان صلاتهم لأنهم فعلوا ما أمروا به من متابعة هذا الإمام والأمر الخفي الذي لا يعلمون به ليسوا مؤاخذين به لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وكوننا نلزمهم بأمر خفي يتعلق بالإمام هذا من الأمور التي لا تدخل تحت الوسع وعلى هذا فنقول إذا تبين للإمام في أثناء صلاته أنه ليس على وضوء أو أحدث في أثناء الصلاة فإنه يعهد إلى واحد من المأمومين أن يتقدم ويكمل بهم الصلاة ولا حرج في ذلك وعلى هذا فنقول للأخ السائل إذا حدث منك مثل هذا في صلاة الجمعة فإنك تعهد إلى أحد المأمومين يتقدم يكمل بهم صلاة الجمعة وأما أنت فتذهب وتتطهر ثم ترجع فإن أدركت ركعة من الصلاة مع الجماعة في الجمعة فأتِ بعدها بركعة واحدة لتكون لك جمعة وإن أدركت أقل من ركعة بأن جئت بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع في الركعة الثانية فقد فاتتك الجمعة فتصلىها ظهرًا. ***
تقول السائلة إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول ﵊ كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا ﵊ بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي ﵊ بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول ﵊ هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين. أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا. وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحة مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسيًا أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرمًا وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم. ***
أحسن الله إليكم السائل سلطان عبد الرحمن يقول هل يجوز مس المصحف من غير وضوء مع وضع حاجز قماش أو نحوه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يضع قماشا يحول بينه وبين مس المصحف ويقرأ فيه ولو كان على غير وضوء وهنا يقول السائل هل يجوز مس المصحف مع وضع قماش؟ وهذا التعبير غير صحيح لأنه إذا كان هناك قماش لم يكن هناك مس المس لا يمكن إلا إذا لم يكن هناك حائل والصحيح أنه لا يجوز مس المصحف والإنسان على غير وضوء بدون حائل لقوله في الحديث الذي كتبه النبي ﷺ لعمر بن حازم (أن لا يمس القرءان إلا طاهر) وهذا الحديث وإن كان مرسلا لكنه قد اعتبره أهل العلم وأخذوا به وفرعوا عليه مسائل كثيرة في الفقه وعليه فلا يجوز مس المصحف إلا إذا كان على طهارة وأما إذا وضع حائلا فإنه ليس بماس له فلا حرج فإن قال قائل ما تقولون في الصبيان الذين يحملون جزءا من القرآن الكريم وهم على غير وضوء؟ نقول إن بعض العلماء قال إن الصبيان يستثنون من هذا لأن الصبي غير مكلف فلا يجب عليه شيء ومنهم من قال إنه وإن لم يجب عليه شيء لكن يجب على وليه أن يمنعه من مس المصحف بلا وضوء ولكن هنا الحاجة قائمة لمس المصحف بدون وضوء لأن الصبي قد يكون غير عارف بالوضوء ثم لو توضأ فليس مضمونا أن يحفظ نفسه من الحدث فيعفى عن ذلك للمشقة والله أعلم. ***
بارك الله فيكم تقول هذه السائلة هل يجوز مس المصحف بغير وضوء ولو كان الفرد مثلًا في سيارة وأراد أن يقرأ من المصحف وهو غير متوضيء فهل يجوز له مس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أراد الإنسان أن يقرا القرآن من المصحف وهو غير متوضيء فلا حرج عليه لكنه لا يباشر مس المصحف بل يجعل بينه وبينه حائلًا إما بأن يلبس قفازين وإما بان يضع منديلًا يحول بينه وبين مس المصحف وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الكتاب الذي كتبه لعمرو ابن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) وهذا الكتاب وإن كان مرسلًا تكلم فيه العلماء لكن تلقاه أهل العلم بالقبول وعملوا بما فيه من أحكام وتلقي الأمة بالقبول لحديث مرسل يدل على أن له أصلًا ولأن الوضوء من تعظيم كتاب الله ﷿ فكان ينبغي للإنسان ألا يمس القرآن إلا وهو متوضيء. ***
تقول السائلة من القصيم البعض من المعلمات تضطر أن تمسك المصحف وهي غير طاهرة وذلك في مجال التعليم الابتدائى علما بأن المصحف مضافًا إلى كتاب التوحيد والفقه فهل يعتبر هذا في حكم المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المصحف مضافًا إلى كتاب التوحيد والفقه وكان هذا المجلد أكثر ما فيه من غير القرآن فإنه لا بأس بمسه لأنه لا يعد مصحفا إذ أن أكثره ليس من القرآن وأما إذا أضيف إلى غيره وأكثره من القرآن فإنه في حكم المصحف فلا يجوز لمن عليه حدث أكبر أو أصغر أن يمسه بيده مباشرة ولكن يمكن أن يمسه من وراء حائل بأن يجعل على يده منديلًا أو تلبس المرأة قفازين أو ما أشبه ذلك. ***
محمد عثمان معلم باليمن الشمالي يقول في رسالته أعمل في مدرسة وهي بعيدة عن القرية وأُدَرّسُ التلاميذ القرآن الكريم ولا يوجد ماء في المدرسة أو بالقرب منها للوضوء والقرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فماذا أفعل في هذه الحالة أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن في المدرسة ماء ولا في قربها فإنه ينبه على الطلبة أن لا يأتوا إلا وهم متطهرون وذلك لأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر لحديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي ﷺ له -وفيه- (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا الرافع للحدث بدليل قوله تعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ففي قوله (لِيُطَهِّرَكُمْ) دليل على أن الإنسان قبل أن يتطهر لم تحصل له الطهارة وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمس القرآن إلا وهو طاهر متوضئ إلا أن بعض أهل العلم رخص للصغار أن يمسوا القرآن لحاجتهم لذلك وعدم إدراكهم للوضوء ولكن الأولى أن يؤمر الطلاب بذلك أي بالوضوء حتى يمسوا المصحف وهم على طهارة وأما قول السائل لأن القرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فكأني به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجوب التطهر لمس المصحف والآية ليس فيها دليل لهذا لأن المراد بقوله (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ والمراد بالمطَهَّرون الملائكة ولو كان يراد بها المتطهرون لقال لا يمسه إلا المطهرون أو إلا المتطهرون ولم يقل (إلا الْمُطَهَّرُونَ) وعلى هذا فليس في الآية دليل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة لكن الحديث الذي أشرنا إليه آنفًا هو الذي يدل على ذلك. ***
المستمع ف. ر. ج. من سوريا يقول فضيلة الشيخ هل تصح قراءة القرآن بغير وضوء أرجو منكم إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز قراءة القرآن بغير وضوء وقد قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) وقراءة القرآن من ذكر الله لكنها لا تجوز إذا كان الإنسان جنبًا حتى يغتسل (لأن النبي ﷺ كان يُقرئ أصحابه القرآن ما لم يكونوا جنبًا) كما جاء ذلك عن علي بن أبي طالب ﵁ وأما مس المصحف فلا يجوز إلا بوضوء لأن في حديث (عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يمس القرآن إلا طاهرٌ) وهذا الحديث وإن كان مرسلٌ إلا أن الأمة تلقته بالقبول والمرسل إذا تلقته الأمة بالقبول صار صحيحًا والطاهر هنا الطاهر من الحدث وليس المؤمن لأنه لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر ويدل على أن الطاهر هو المتوضئ قول الله ﵎ في آية الوضوء التي جمع الله فيها بين الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وعلى هذا فلا يحل للإنسان إذا كان على غير وضوء أن يمس المصحف إلا من وراء حائل بأن يجعل منديلًا على يده أو قفازًا أو يتصفح المصحف بسواكٍ أو نحوه. ***
السائل عبد الرحمن يوسف يقول هل يجوز لي أن أقرأ القرآن على صدري وأنا على غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لحافظ القرآن أن يقرأ القرآن على غير وضوء ولكن الأفضل أن يكون على وضوء أما من يقرأ في المصحف فلا بد أن يتوضأ لأنه لا يتسنَّى له أن يمس المصحف إلا بوضوء لكن يمكن أن يقرأ من المصحف وإن لم يتوضأ بان يلبس قفازًا أو يجعل معه منديلًا يقلب به الأوراق أو مسواكًا يقلب به الأوراق ويقرأ. ***
السائل محمد علي من المنطقة الجنوبية يقول هل يجوز أن أقرأ القرآن بغير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تقرأ القرآن بغير وضوء لكن لا تمس المصحف فإن احتجت إلى مس المصحف فأجعل بينك وبينه حائلًا بأن تمسه بواسطة المنديل أو المسواك تقلب به الورق أو ما أشبه ذلك لأن القول الراجح أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر كما في حديث عمرو بن حزم المشهور المستفيض أما قراءة القرآن بدون مس المصحف فهي جائزة للمحدث إلا أن يكون الإنسان جنبا فإنه لا يقرأ القرآن حتى يغتسل من الجنابة (لأن النبي ﷺ كان يقرئ القرآن أصحابه ما لم يكن جنبا) . ***
باب الغسل
كيف يكون غسل الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة له صفتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي أن يغسل الإنسان بدنه كله لقوله تعالي (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإذا غسل الإنسان بدنه كله على إي صفة كانت بنيةٍ أجزأه ذلك ومن المعلوم أن المضمضة والاستنشاق داخلان في هذا لأن الأنف والفم في حكم الظاهر لا في حكم الباطن ولهذا كان الرسول ﷺ يتمضمض ويستنشق في الوضوء وهذا في تفسير قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعلى كل حال هذه الصفة الواجبة في الغسل أن يعم الإنسان جميع بدنه بالماء مرة واحدة ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وأما الصفة المستحبة فهو أن يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وضوءًا كاملًا يغسل وجهه بعد المضمضة والاستنشاق ويغسل يديه إلى المرفقين ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه حتى يروِي أصوله إذا كان ذا شعركثير ثم يفيض عليه ثلاثة مرات على الرأس ثم يغسل سائر جسده هذا على صفة ما روته عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أما ما روته ميمونة ﵂ فإن الأمر يختلف بعض الشيء فإنه يغسل فرجه وما لوثه ويضرب بيده على الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثة لينظفها بعد هذا الغسل ويغسلها ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثم يغسل رأسه غسلًا كاملًا ولا يغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على سائر جسده ثم يغسل رجليه في مكان آخر هكذا روته أم المؤمنين ميمونة ﵂ والأفضل للإنسان أن يفعل الصفتين جميعًا بمعني أن يغتسل على صفة ما جاء في حديث عائشة ﵂ أحيانًا وعلى صفة ما جاء في حديث ميمونة أحيانًا ليكون عاملًا للسنتين جميعًا وإذا كان الإنسان لا يدرك إلا صفة واحدة من هاتين الصفتين فلا حرج عليه في ملازمتها، ولا يلزم إعادة الوضوء لأن النبي ﷺ لم يكن يتوضأ بعد الغسل لكن إن مس ذكره فإنه يجب عليه الوضوء لا من أجل جنابة سابقة ولكن من أجل الحدث الطارئ وهو مس الذكر إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء لأنها مسألة خلافية بين أهل العلم والله الموفق. ***
هذه الرسالة وردتنا من عبد الله عمر من جدة فيها أسئلة كثيرة كلها تدور حول الغسل من الجنابة وخرجنا من مجملها بالسؤال التالي ما هي كيفية الغسل من الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: للغسل من الجنابة كيفيتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي تعميم جميع الجسم بالغسل بمعنى أن يغسل جميع جسمه بالماء على أي كيفيةٍ كانت ومنها لو نوى وانغمس في بركة أو في ساقيه تمشي انغمس كله حتى عم الماء جميع بدنه فإنه بذلك يكون قد تطهر من الجنابة والكيفية الثانية المستحبة هي كالآتي: أولًا: يغسل يديه أي كفيه ثلاث مرات. ثانيًا: يغسل فرجه وما تلوث به من أثر الجنابة. ثالثًا: يتوضأ وضوءه للصلاة أي يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه. رابعًا: يغسل رأسه فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات ولا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر. خامسًا: يغسل بقية جسمه بالماء مرةً واحدة فهذه كيفية مشروعة كما جاء ذلك في حديث عائشة ﵂ في صفة غسل النبي ﷺ من الجنابة وإن اغتسل على ما جاء في حديث ميمونة ﵂ فلا حرج وهو قريبٌ من هذه الصفة إلا أنه يختلف بأنه لا يغسل رجليه إذا توضأ في أول الأمر وإنما يؤخر غسلها حتى ينتهي من الغسل ويغسلها بعد ذلك كما فعل الرسول ﷺ. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ أبو فيوض العتيبي من الرياض يقول هل غسل الجنابة مثل غسل يوم الجمعة أو غسل التنظف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يقول هل غسل الجنب الجمعة كغسل الجنابة لأن هذا أولى. غسل الجنابة وغسل الجمعة سواء بمعنى أن الإنسان عندما ينظف فرجه من أثر الجنابة يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يفيض الماء على رأسه حتى يرويه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده هذا في الغسل من الجنابة ومثله الغسل يوم الجمعة ومثله الغسل عند الإحرام بحج أو عمرة وإذا أغتسل من الجنابة واقتصر عليه كفاه عن الوضوء فيما بعد ولكن يجب أن يلاحظ أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وواجبان في الغسل لابد منهما فإذا اغتسل بنية رفع الجنابة مع المضمضة والاستنشاق وهما من الغسل وإنما ذكرتهما لأن بعض الناس يظن أن الغسل ليس فيه مضمضة ولا استنشاق فإنه يكفيه عن الوضوء حتى لو انغمس في بركة ماء ثم خرج وكان أنغمس بنية غسل الجنابة ثم خرج وتمضمض وأستنشق فليذهب فليصلّ لأن غسل الجنابة مبيح للصلاة قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله ﷾ في الجنابة إلا التطهر والاغتسال ولم يذكر الوضوء فدل هذا على أن الغسل من الجنابة رافع للحدث الأصغر والأكبر. ***
أولًا أود أن أخبركم بأنني أحبكم في الله وأحب كل من ينتفع بعلمه المسلمين وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ورزقكم الدرجات العليا من الجنة إن شاء الله وأقول لكل من يساهم في هذا البرنامج جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ثانيًا أرسل لفضيلتكم برفقة هذا الخطاب صور من كتاب كيفية الصلاة وفي هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن كيفية الصلاة حيث تناول من ضمن ذلك الحديث عن الغسل حيث ذكر الأحوال التي يجب فيها الغسل كما ذكر فرائض الغسل وذكر من ضمن الفرائض النية حيث ذكر الكاتب بأنه عندما يريد الإنسان أن يغتسل عليه أن ينوي بقلبه لفرض وأن يتلفظ بالنية بأن يقول نويت فرض الغسل فلا مانع ويجوز منه ذلك. والسؤال هل يجوز التلفظ بالنية مع أننا نعرف بأن التلفظ بالنية بدعة فهل هذا صحيح وذلك موضح لديكم بالصورة المرفقة بالخطاب وأيضًا ذكر الكاتب بأن الفرض الثاني هو تعميم الجسد بالماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول كما استمع إليه من يستمع هذا البرنامج وفيه تقول أنها تحبنا في الله فأسأل الله تعالى الذي أحبتنا فيه أن يحبها وفيه أيضا حينما دعت بالتوفيق ورفعة الدرجات قالت في نهاية دعائها (إن شاء الله) ولا ينبغي للإنسان إذا دعا الله ﷾ أن يقول إن شاء الله في دعائه بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فإن الله ﷾ لا مُكره له وقد قال ﷾ (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فوعد بالاستجابة فحينئذٍ لا حاجة لأن يقال إن شاء الله فإن الله ﷾ إذا وفق الإنسان للدعاء فإنه يجيبه إما بمسألته أو بأن يرد عنه شرًا أو يدخرها له يوم القيامة وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت ولكن ليعزم المسألة وليُعظم الرغبة فإن الله تعالى لا مُكره له) فإن قال قائلٌ ألم يثبت (عن النبي ﷺ أنه كان يقول للمريض لا بأس طهورٌ إن شاء الله) فنقول بلى ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاءً فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء وهذا التعبير يقع من كثيرٍ من الناس وأما ما ذكرته من أن الرجل إذا دخل مغتسله فإنه يستقبل القبلة عند الغسل فهذا ليس بصحيح فإن جميع الذين نقلوا صفة غسل النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يستقبل القبلة حين اغتساله ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه رسول الله ﷺ لأمته إما بقوله وإما بفعله فلما لم نجد ذلك عن رسول الله ﷺ مع وجود سببه لو كان مشروعًا علم أنه ليس بمشروع وهذه القاعدة تنفع الإنسان في هذا المقام وغيره وهو أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي ﵊ ولم يشرع له قولٌ أو فعل فإنه ليس بمشروع أي فإنه لا يشرع له قول ولا فعل ومن ذلك النية نية العبادة أي التلفظ بها فإن العبادات كان الرسول ﵊ يفعلها ولا يتلفظ بالنية لها ولو كان هذا مشروعًا لفعله ولو فعله لنقل إلينا كذلك استقبال القبلة حين الغسل نقول هذا وجد سببه في عهد الرسول ﵊ وهو الغسل ولم ينقل عنه أنه كان يتجه إلى القبلة حين اغتساله ولو كان مشروعًا لفعله ولو فعله لنقل إلينا. ***
عندما يحتلم الشخص فهل يغسل جميع جسمه أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا احتلم الرجل أو المرأة فإن رأيا آثر المني بعد اليقظة وجب عليهما الغسل ويجب تعميم البدن بالماء أما إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئًا فإنه لا يجب عليه الغسل لأن النبي ﷺ (سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها الغسل قال نعم إذا هي رأت الماء) فقيد النبي ﷺ وجوب الغسل بما إذا رأت الماء. ***
أحسن الله إليكم السائل طاهر أحمد من اليمن يقول هل الوضوء وترتيب غسل الأعضاء في غسل الجنابة شرط لصحة الغسل أم يكفي النية وغسل الجسم مرةً واحدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي غسل الجسم مرةً واحدة مبتدءًا بأي جهةٍ منه مع المضمضة والاستنشاق لكن الأفضل أن يغسل الإنسان فرجه أولًا وما لوثه من الجنابة ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثة مرات فإذا أرواه أفاض الماء على سائر جسده مبتدئًا بالأيمن من الجسد هذا هو الأفضل وإن أتى بالغسل مرةً واحدة كفى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءًا وعلى هذا فلو أن إنسانًا نوى الغسل من الجنابة وانغمس في نهر أو بحر أو بركة ثم خرج وتمضمض واستنشق فقد ارتفع عنه الحدث فيصلى وإن لم يتوضأ. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع إبراهيم سوداني يقول رجل اغتسل غسل الجنابة ولم يصب الماء ثلاثة مرات على رأسه فهل غسله صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل الواجب الذي تبرأ به الذمة أن يعم الإنسان الماء جميع بدنه بمعنى أن يوصل الماء إلى جميع بدنه من رأسه وماتحت الشعر إلى جميع الجسد على أي صفة كانت لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولكن الأفضل أن يغتسل كما ورد عن النبي ﷺ وصفته أن يغسل كفيه ثلاثًا ثم يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يحثي الماء على رأسه ثلاث مرات حتى يرويه ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأكمل والأفضل وأما الواجب فأن يعم الماء جميع بدنه وبناءً على هذا يتبين أن ما فعله السائل صحيح وأن الجنابة قد ارتفعت به. ***
أحسن الله إليكم سائلة تسأل هل كيفية الغسل من الجنابة مثل كيفية الغسل من الحيض - أعني - غسل المرأة من الحيض مع توضيح ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة وغسل الحيض شيء واحد إلا أن الحائض ينبغي لها أن تبالغ في التنظيف وتغسل رأسها أيضًا بالسدر لأنه أنظف وأطيب. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول هل يجوز للشخص أن يغتسل بالماء العادي دون أن يستعمل منظفات كالشامبو مثلا إذا كان عليه حدث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وذلك بالماء فالماء يكفي في الاغتسال من الجنابة ولكن إذا قُدِّرَ أن على جسده دهن أو كانت مادة الدهن في جسده كثيرة فهنا لابد أن يمر يده على جسمه حتى يتيقن من أن الماء أصاب جميع جسده لأن غسل الجنابة لا بد أن يشمل جميع البدن ومن ذلك المضمضة والاستنشاق. ***
المستمعة أم عمر من العراق تسأل هل غسل الجسم والمسح على الرأس والتشهد دون تبليل الرأس يعتبر تطهر من الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ في كتابه العزيز (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فلابد من تطهير جميع الجسد من الجنابة حتى الرأس وحتى ما تحت الشعر، فيجب على المرأة وعلى الرجل ذو الرأس الكثيف الشعر يجب عليهما جميعًا أن يغسلا رؤوسهما غسلًا يصل إلى أصول الشعر ويدخل فيما بين الشعر ولهذا كان النبي ﷺ عند الاغتسال (يصب على رأسه حتى إذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات) قال أهل العلم ويخلل الشعر من أجل أن يتيقن دخول الماء إلى أصوله، وأما المسح على الرأس في غسل الجنابة فإنه لا يجزئ لأن المسح إنما يكون في الوضوء فقط كما قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) . ***
إذا ألصق الرجل على جسمه لصقه عن مرض في جسمه في ناحية من أنحاء الجسم ووجب عليه الغسل فهل يكفي الغسل أم يتعفر بالتراب أفتونا جزاكم الله عنا خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على شيء من أجزاء جسمه لصقة وضعها لحاجة فإنه يمسحها إذا أغتسل أو إذا توضأ وهي في أعضاء الوضوء وهذا المسح قائم مقام الغسل كما أن المسح على الخفين في الرجلين قائم مقام غسلهما فإذا مسح عليهما أجزئه عن التيمم الذي هو العفور عند العامة ولا يجمع بين التيمم والمسح لأنه جمع بين طهارتين كل منهما بدل عن الأخرى ولا يجمع بين البدل والمبدل منه وعلى هذا فنقول إذا أصابتك الجنابة واللصقة في صدرك مثلًا أو في ظهرك فامسحها عند الاغتسال ويجزئك ذلك عن التيمم وتكون طهارتك تامة. ***
امرأة وضعت على أظافرها مناكير ثم اغتسلت عن الحدث الأكبر وهي لم تُزِل هذه المناكير عن أظافرها ولم تتذكر إلا بعد ثلاث أو أربع ساعات فهل يلزمها إعادة الغسل بعد إزالة هذا المناكير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نسأل عن لبس هذا المناكير ولبس هذا المناكير فيما أعرف أنها أظافر طويلة إذا رآها الإنسان ظن أن أظافر المرأة طويلة وهذا لا شك أنه تقبيح وإظهار لأمر تخالف به المرأة الفطرة لأن الفطرة قص الأظافر وهذه عكس قص الأظافر بمعنى أنها تظهر المرأة وكأن أظافرها طويلة فهي تريد أن تتجمل بما يخالف الفطرة ونصيحتي لأخواتي أن يدعن هذه المناكير ثم إنها تقبح أصابع المرأة ولا تجملها ويحدث أحيانا أن تنسى المرأة إزالتها ثم تتوضأ أو تغتسل وهي عليها فلا يصح لها غسل ولا وضوء لأن هذه المناكير تمنع وصول الماء أما الإجابة عن السؤال فنقول إن عليها أن تعيد الغسل وأن تعيد الصلاة التي صلتها في هذا الغسل يعني في الغسل الأول الذي لم يصح. ***
السائل فتحي منصور من الجماهيرية الليبية يقول أنا أشكو من كثرة الشك في الطهارة من الجنابة لدرجة أنني أعيد الغسل مرة أخرى أو مرتين فما الحكم في هذا وماذا يجب علي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن الشكوك إذا كثرت فإنه لا يلتفت إليها لأنه وسواس كما نص على ذلك أهل العلم وعليه فإذا كثرت الشكوك فاطرحها ولا تلتفت لها ولا تبالِ بها ولا تعد الغسل بل استمر في صلاتك وعبادتك ولا تعد شيئًا من طهارتك. ***
يقول السائل ما حكم من أخر غسل الجنابة يوما أو أكثر بدون عذر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من أخر ذلك بدون عذر فإنه لا شك أنه آثم وأنه فعل جُرما عظيما حيث صلَّى بدون طهارة والصلاة بدون طهارة من كبائر الذنوب حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك لأن ذلك من باب اتخاذ آيات الله هزوا لكن المشهور عند جماهير أهل العلم أنه لا يكفر من صلى محدثا ولكنه قد فعل إثما عظيما والعياذ بالله وعليه في مثل هذه الحال أن يتوب إلى ربه ﷾ وأن يعيد الصلاة التي صلاها وعليه الجنابة لأنه صلى صلاة بغير طهور وقد قال النبي ﵊ (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) . ***
أحسن الله إليكم هذا سائل من سوريا يقول بأنه طالب يدرس في سوريا والبرد في الشتاء يكون قارسًا جدًا يقول عندما أحتلم يصعب علي الغسل في الصباح الباكر خوفًا من التعرض إلى المرض خاصة أنني أكون ذاهب إلى المدرسة ماذا أفعل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اغتسل من الجنابة والأمر الحمد لله متيسر السخانات في الحمامات ومن ليس عنده سخانا أمكنه أن يسخن الماء في القدر ونحوه ويغتسل ويكون اغتساله في محل لا يتعرض فيه للهواء والبرد ولا يحل له أن يدع الاغتسال إلا أن يكون مريضا يخشى على نفسه من زيادة المرض أو بطء البرء أو ما أشبه ذلك فلا بأس أن يتيمم حتى يسخن الجو ويغتسل بعد ذلك. ***
شكر الله لكم هذا الهادي محمد من اليمن الشمالي يقول في رسالته احتلمت في ليلة شديدة البرودة يتعذر فيها الاستحمام فقمت لصلاة الصبح وتيممت وصلىت الصبح وجاء الظهر فنسيت الجنابة وتوضيت وصلىت إمامًا وجاء العصر فتذكرت الجنابة فقمت واغتسلت وأعدت صلاة الصبح والظهر ولكن الجماعة تفرقوا أرجو أن تفيدوني عن هذا العمل وعن حكم صلاة الجماعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما صلاتك الصبح التي صلىتها بالتيمم نظرًا لأنه لا يمكنك استعمال الماء لشدة برودته فإن كان عندك شيء يمكنك أن تسخن الماء فيه أو أن تسخن الماء به فإن تيممك لا يصح لأنه يمكنك أن تسخن الماء وتغتسل به ثم تصلى وإن لم يكن عندك ما تسخن به الماء وخفت على نفسك من البرد وتيممت فإن صلاتك الصبح صحيحة بالتيمم ولا حاجة إلى إعادتها وأما صلاة الظهر التي نسيت أن تغتسل عن الجنابة لها فإنها غير صحيحة ويجب عليك أن تعيدها وأما الجماعة الذين صلوا خلفك فإنه لا إعادة عليهم ذلك لأنهم لا يعلمون عن جنابتك شيئًا وكل إمام فعل مفسدًا في الصلاة لا يعلم عنه المأموم فإن صلاة المأموم لا تتأثر بفساد صلاته حتى إن الإمام لو دخل في الصلاة ناسيًا لحدثه ثم ذكر في أثناء الصلاة فإن صلاة المأمومين لا تبطل بذلك بل في هذه الحال إذا تذكر أنه على غير طهارة في أثناء صلاته يجب عليه أن ينصرف من الصلاة وأما بالنسبة للمأمومين فإنه يقول لأحد منهم تقدم يا فلان فأتم بهم الصلاة فإن لم يفعل ذلك فلهم أن يتموها فرادًا ولهم أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة وصلاتهم صحيحة على كل حال. ***
سؤال من المرسل عبد الكريم س. ع. من قبيلة سمر يقول أنه في ذات يوم قام قبل صلاة الفجر وقد احتلم وكان هذا اليوم شديد البرد فذهب إلى المدرسة بعد أن تعفر وصلى الفجر، ثم وهو في الطريق إلى المدرسة أراد أن يعود لكي يغتسل ولكنه لم يفعل وذهب إلى المدرسة ولما رجع الظهر أيضًا لم يغتسل ويقول أرجو أن يبين أمري في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أمره في هذا الموقف أما بالنسبة لما مضى فإن عليه إعادة الصلاتين اللتين صلاهما بدون غسل من الجنابة لأنه في البلد ويستطيع أن يسخن الماء ويغتسل به وأما بالنسبة للمسألة من حيث هي فإن الرجل إذا استيقظ وعليه جنابة وخاف من البرد وليس لديه ما يسخن به فإنه يتيمم ولكنه إذا دفيء أو وجد ما يسخن به وجب عليه الغسل. ولو فرض أنه في سفر في بر والماء عنده لكنه بارد وليس عنده ما يسخن به ففي هذه الحال يجوز أن يتيمم عن هذه الجنابة وإذا قدر على استعمال الماء وكان لا يضره وجب عليه أن يغتسل. ***
عندما استيقظ من النوم متأخرًا لصلاة الفجر وقد أحدثت حدثًا يستدعي الغسل فإن عملية الغسل تفوتني إدراك الجماعة هل يجوز أن أتيمم وأدرك الجماعة أم لا بد من الغسل ولو فاتتني صلاة الجماعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد من الغسل وإن فاتتك صلاة الجماعة لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولأن الغسل من الجنابة شرطٌ لصحة الصلاة وأما صلاة الجماعة فالصحيح أنها ليست بشرطٍ لصحة الصلاة بل تصح صلاة الإنسان منفردًا ولكنه يأثم إذا كان قادرًا على حضور الجماعة ولم يحضر. ***
يقول المستمع إذا كان على الإنسان أكثر من غُسْل في البرية وتيمم لهذه الموجبات لعدم الماء ثم وصل بعد وقت إلى المدينة فهل من الأفضل أو من السنة أن يغتسل أم يجب عليه وجوبًا الاغتسال عن تلك الجنابات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه وجوبًا أن يغتسل عن الجنابات التي كانت عليه وتيمم عنها فإذا تيمم عن جنابة من أجل عدم الماء ثم وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وإذا تيمم عن جنابة من أجل المرض ثم برئ من المرض يجب عليه أن يغتسل لأنه كما أسلفنا قبل قليل إذا زال المبيح للتيمم انتقض التيمم ووجب استعمال الماء وفي الحديث (فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمَسه بشرته) . ***
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضًا لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله ﷾ (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت (عن النبي ﷺ أنه قال جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطَّهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادمًا له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله ﷺ واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي ﵊ أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. ***
هذه رسالة وردتنا من سورية من محمد صلاح الدين يعقوب تتعلق بالحج يقول منذ سنتين قضيت فرض الحج والحمد الله، ولكن عندما كنت في الليلة الثالثة في منى احتلمت وأصبحت اليوم الثالث جنبًا، وقبل طلوع الشمس تيممت وصلىت حتى المساء ورجمت الشيطان، وعند عودتي إلى مكة المكرمة اغتسلت وصلىت المغرب والعشاء وطفت طواف الإفاضة ومضيت، يقول حتى الآن لم أذبح أرجو إعلامي هل كان حجي صحيحًا؟ وهل الذبح واجب أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يذكر تفاصيل الحج وكيفيته من أوله إلى أخره، لكن الذي ذكر الآن لا يوجب بطلان حجه، فحجه لا يفسد بما ذكره ولكن يجب عليه إذا احتلم في منى أو غيرها من المشاعر أن يغتسل فإن تعذر عليه ذلك وخاف فوات الوقت فإنه يتيمم، ولكن إذا تيمم لصلاة الفجر مثلًا التي خاف فوات وقتها فإنه يتعين عليه أن يطلب الماء في النهار ليغتسل ويصلى بغسل. فضيلة الشيخ: ألا يكفي التيمم عن الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكفي إلا إذا تعذر استعمال الماء فإن الواجب التطهر بالماء فإذا تعذر إما لعدم وجود الماء، وإما لخوف الضرر باستعماله جاز أن يتيمم. فضيلة الشيخ: بالنسبة للبادية الذين يقيمون في البر يكون عليهم عدة جنابات ويتيممون عنها، هل يلزمهم إذا وردوا للبلد أن يغتسلوا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يلزمهم إذا وردوا إلى البلد وقدروا على الماء أن يغتسلوا عن الأشياء الماضية لأن الجنابة بالتيمم لا ترتفع ارتفاعًا مطلقًا وإنما ارتفاع حتى يوجد الماء، وهكذا أيضًا في الوضوء إذا تيمم عن حدث أصغر ووجد الماء وجب عليه أن يتوضأ لقول النبي ﷺ (الصعيد الطيب طهور المسلم أو قال وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) فلابد من هذا، عودًا على سؤال الأخ نقول وأما الهدي فلا ندري هل يجب عليه أم لا لأنه إذا كان متمتعًا وهو قادر على الهدي وقت حجه وجب عليه أن يهدي، وكذلك إذا كان قارنًا، أما إذا كان غير قارن ولا متمتع وهو مفرد فإنه لا يجب عليه الهدي. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع أ. ع. مقيم في الرياض يقول كنت جنبًا في يوم كان شديد البرودة فخشيت على نفسي فلم أغتسل الغسل الكامل لجسدي بالماء بل اغتسلت من أسفل جسدي من السرة إلى أسفل وتوضأت وصلىت بغسلي هذا جميع الأوقات قرابة أسبوع فهل صلاتي تلك صحيحة أم عليّ الإعادة أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الاغتسال الذي قام به لا يجزئه وذلك لأن الاغتسال لا بد أن يعم جميع البدن والرجل هذا لم يغسل إلا أسافل بدنه ثم إن الظاهر من سؤاله أنه لم يتيمم وعلى هذا فيكون قد صلى بغير طهارة لا طهارة تيمم ولا طهارة ماء فتلزمه الإعادة أي إعادة ما صلى لأنه فرط في عدم السؤال وكان عليه أن يسأل من يومه عن هذا العمل ثم إني أقول إذا أصاب الإنسان جنابة في يوم شديد البرد وخاف على نفسه ولم يجد ما يسخن به الماء فإنه يتيمم ولا حاجة أن يغسل أسافل بدنه بل يتيمم عن الجنابة وإذا هيئ له فيما بعد أن يغتسل وجب عليه أن يغتسل. ***
بارك الله فيكم من ليبيا السائل م. م. أ. يقول من عليه جنابة واغتسل ليؤدي فريضةً وبعد أن صلى نافلةً قبل الفريضة انتقض غسله فهل يعيد الغسل أم يتوضأ وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من انتقض غسله فكأنه أصابته جنابةٌ أخرى لأن الغسل لا ينتقض إلا بجنابة وعلى هذا فيلزمه أن يغتسل مرةً ثانية لترتفع عنه الجنابة يعني لو أن الإنسان اغتسل من الجنابة ثم صلى نافلة ثم أجنب مرةً ثانية وجب عليه أن يغتسل للصلاة المقبلة سواء كانت فريضة أم نافلة. ***
يقول السائل إذا اتصل الرجل بزوجته ولامسها حيث يكون الاتصال بالزوجة جنسيًا وجاء وقت الصلاة ثم قام وتوضأ ثم صلى هل تصح صلاته مع أنني اتصلت بزوجتي في الفراش وقمت في الليل ولامستها ثم جاء وقت صلاة الصبح فقمت وتوضئت حيث أديت الوضوء بصورة كاملة ثم صلىت فهل صلاتي صحيحة أم عليَّ إعادتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المباشرة موجبة للغسل فإن صلاتك هذه غير صحيحة وعليك إعادتها بعد الغسل وإذا كانت هذه المباشرة لا توجب الغسل فإن صلاتك صحيحة لأنك توضأت في حالٍ لا يجب عليك سوى الوضوء والمباشرة التي توجب الغسل هي واحدةٌ من أمرين إما جماع وإن لم يحصل إنزال فمتى جامع الرجل زوجته فإنه يجب عليه وعليها الغسل سواءٌ حصل الإنزال منهما أو لم يحصل لحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) زاد مسلمٌ (وإن لم ينزل) الأمر الثاني الذي يجب فيه الغسل الإنزال فمتى أنزل الإنسان وجب عليه الغسل سواءٌ عن جماعٍ أو مباشرة أو تذكر أو أي شيء كان متى أنزل أي دفق المني بشهوة فعليه الغسل وفي هذه الحال قد يجب الغسل على المرأة دون الرجل وقد يجب على الرجل دون المرأة وقد يجب عليهما جميعًا فإذا حصل الإنزال من الرجل دون المرأة فإن عليه الغسل وحده وليس عليها غسل وإذا أنزلت هي دون الرجل فعليها الغسل دون الرجل وإذا أنزلا جميعًا فعليهما جميعًا الغسل وهذه الصورة كما عرفنا سابقًا إذا كانت بدون إيلاج أما الإيلاج فهو موجبٌ للغسل عليهما جميعًا وإن لم يحصل إنزال. ***
يقول السائل هل الرجل الذي يجامع إذا اغتسل بعد الجماع ولم يبول قبل أن يغتسل لا ترتفع عنه الجنابة لأنه سمع أنه لا نقاء من الجنابة إلا بعد البول قبل الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا صحة لما سمع فالطهارة من الجنابة تحصل وإن لم يكن البول لأن الله تعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) يعني اغتسلوا ولا يُشترط أن يتبول الإنسان بعد جماعه ولكنه إذا بال فإنه أحسن من الناحية الطبية لئلا تبقى فضلات المني في مجاريها أي في مجاري البول فإذا بال فإنها تظهر ولهذا يقال تبول بعد الجماع ولو بنقطة حتى يزول ما بقي أما أن يكون شرطًا لارتفاع الحدث فهذا ليس بصحيح. ***
إذا اغتسل الشخص من الجنابة بعد الحدث مباشرة وبعد أن انتهى ولبس ملابسه أحس بخروج شيء أو وجد أثرًا لسائل قد خرج منه فماذا عليه في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل الذي خرج منه إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنها بقية ما كان من الجنابة الأولى فلا يوجب الغسل وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويعيد الوضوء فقط. ***
يقول السائل اثناء تنظيفي من البول أشاهد مادة تخرج وهي تشبه المني فهل هذا يوجب الاغتسال أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يوجب الاغتسال لأن ذلك ليس بمني بل هو فضلاتٌ راسبة في القنوات المنوية تخرج أثناء البول إذ المني الذي يوجب الغسل هو ما يخرج بشهوة، هذا هو المني الذي يوجب الغسل فأما ما خرج بدون شهوة فليس فيه غسل إلا إذا كان من نائم فإن النائم إذا استيقظ من نومه ووجد عليه أثر المني وجب عليه أن يغتسل سواءٌ ذكر احتلامًا أو لم يذكر أما اليقظان فلا يجب عليه الغسل بخروج المني إلا إذا كان بلذة. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل إذا شك الرجل أنه احتلم فلما استيقظ من نومه لم يجد للاحتلام أي أثر لا في الثوب ولا على الجسم هل في مثل هذه الحالة يجب الاغتسال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه الاغتسال إذا احتلم وهو نائم ثم أصبح ولم يَرَ شيئًا من آثار الجنابة فإنه لا غسل عليه لأن (أُمَّ سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا هي رأت الماء) فاشترط النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوجوب الغسل عليها أن ترى الماء يعني الجنابة. ***
هل يلزمني الغسل إذا احتلمت ورأيت أني قد اغتسلت غسل الجنابة في المنام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الجنابة التي رأيت الماء فيها - أي المني - بعد استيقاظك وجب عليك أن تغتسل، وإن لم تره لم يجب عليك الغسل، لأن (النبي ﷺ سئل عن المرأة ترى في منامهن ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا لم تَرَ الماء لم يجب عليك الغسل، وإن رأيت الماء وجب عليك الغسل، واغتسالك في المنام ليس بشيء، كما أنك لو رأيت المني ولم تر حُلمًا فإنه يجب عليك أن تغتسل. ***
هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل المشروع كغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء لأن الله ﵎ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءًا فالجنابة إذا اغتسل الإنسان عنها أجزأته عن الوضوء وجاز أن يصلى وإن لم يتوضأ وأما إذا كان الغسل غير مشروع كالغسل للتبرد ونحوه فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأنه ليس بعبادة. ***
أحسن الله إليكم هل الغسل يجزئ عن الوضوء أم لابد من الوضوء بعد الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل أنواع غسل عن جنابة يجزئ عن الوضوء وغسل للجمعة لا يجزئ عن الوضوء وغسل للتبرد لا يجزئ عن الوضوء وغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء نوى الوضوء معه أم لم ينو لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءا ولأن (النبي ﷺ أعطى الرجل الذي كان على جنابة ماءً وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يذكر له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترتيبا لكن الأفضل في غسل الجنابة أن يغسل الإنسان ما أصابه من التلويث ثم يتوضأ وضوءا كاملا بغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين ثم يفيض الماء على رأسه حتى يظن أنه أرواه ثلاثة مرات ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأفضل ولو أن الإنسان كان في مسبح أو في بركة ونوى غسل الجنابة وأنغمس في الماء ثم خرج لم يبق عليه إلا المضمضة والاستنشاق فإذا تمضمض واستنشق ارتفعت الجنابة. ***
إذا اغتسل الرجل من الجنابة هل يعيد الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء ما دام قد تمضمض واستنشق وعمَّ بدنه بالغسل فلا وضوء عليه لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وهو يكفي لأن الآية في سياق القيام إلى الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فدل ذلك على أن تطهر الجنب أي غسله جميع بدنه كافٍ في رفع الجنابة. ***
بارك الله فيكم إذا لم يكن الاستحمام لغسل الجنابة عن طريق غمس الجسد كله في ماء يعمه بل كان مثلًا بالوسائل الموجودة حاليًا أو بإناء صغير يغترف منه أو بنحو ذلك بمعنى أنه يتعرض إلى لمس فرجيه بيديه هل يؤثر هذا الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الفرج يكون قبل الاغتسال كما كان النبي ﵊ يفعله وحتى لو فرض أن الإنسان في أثناء الغسل مس ذكره فإنه لا ينتقض وضوءه على القول الراجح عندنا لأنه ليس بقصد منه ثم إن الأحاديث في ذلك متعارضة فمن العلماء من جمع بينهما ومنهم من رجح بعضها على بعض والذي نرى في هذه المسألة أن مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة فإن كان بغير شهوة فالوضوء منه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب هذا الذي نراه في هذه المسألة ويرى بعض أهل العلم أنه لا ينقض مطلقًا ويرى آخرون أنه ينقض مطلقًا. ***
إذا أصابت الإنسان جنابة هل يكتفي بالاستحمام دون الوضوء أم أنه يلزمه الوضوء بعد الاستحمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء لكن لابد من المضمضة والاستنشاق ودليل ذلك قوله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر صفة معينة فإن قال قائل هذا مجمل والسنة بينت أنه لابد من الوضوء قبل الغسل ومن غسل الرأس ثلاثا قبل غسل بقية البدن حسب ما جاءت به السنة قلنا هذا الإيراد وارد لكن قد ثبت في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -الطويل- (في قصة الرجل الذي أعتزل قومه ولم يصل فسأله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى هذا الرجل منه وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يبين له ﷺ كيفية معينة فدل هذا على أنه متى حصل تطهير جميع البدن ارتفعت الجنابة ويدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر كما تدخل العمرة في الحج فيمن حج قارنًا. ***
المستمع عبد الله أبو بكر من الرياض يقول: إذا توضأ الإنسان واغتسل لرفع الحدث الأكبر هل يجوز له أن يصلى بعد الاغتسال بذلك الوضوء أم يتوضأ ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئ عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء وأحدث بعد الغسل فيجب عليه أن يتوضأ وأما إذا لم يحدث فإن غسله عن الجنابة يجزئه عن الوضوء سواء توضأ قبله أم لم يتوضأ لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق فإنه لا بد منهما في الوضوء والغسل. ***
السائل حامد عبد الرزاق من الأردن يقول هل الاستحمام يغني عن الوضوء وتجوز الصلاة به من غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الاستحمام عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء لكن يجب أن يلاحظ أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق وأما إذا كان الاستحمام للتنظيف أو للتبرد فإنه لا يجزيء عن الوضوء بل لا بد أن يتوضأ الإنسان بعد أن يفرغ من الاستحمام. ***
السائل م م ع يقول رجل اغتسل من الجنابة واغتسل بقصد النظافة فهل ذلك يغنيه عن الوضوء للصلاة أم لابد من الاغتسال الكامل للبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما مَنْ اغتسل من أجل الجنابة فإنه يجزئه عن الوضوء لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله تعالى وضوءًا وأما الاغتسال للتبرد فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأن الاغتسال للتبرد ليس عن حدث فلا يكون مجزئا بل لابد أن يتوضأ بعد أن ينتهي من الاغتسال للتبرد. ***
رسالة وصلت من القصيم المستمع ق ب د يقول هل يجوز للجنب قراءة القرآن أو المعوذات وآية الكرسي وبعض الأذكار الواردة عن الرسول ﷺ قبل نومه وهو جنب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن والإنسان جنب لا تجوز على أصح أقوال أهل العلم وهو قول جمهور أهل العلم فيما أعلم وذلك لأن الجنب بإمكانه أن يغتسل ويزيل عنه المانع خلاف الحائض فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن الحائض تقرأ القرآن للمصلحة أو الحاجة، فقراءتها إياه للمصلحة كقراءة الأوراد القرآنية كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين وقراءتها للحاجة كقراءتها إياه خوفًا من النسيان أو من أجل أداء الاختبار في المدارس أو من أجل تعليم أبنائها أو ما أشبه ذلك والفرق بين الحائض وبين الجنب أن الحائض لا يمكنها إزالة المانع بخلاف الجنب وعلى هذا فنقول للجنب إذا كنت تريد أن تقرأ الأوراد القرآنية فاغتسل ثم اقرأها وهذا أفضل وأطيب وأما الأذكار والأوراد غير القرآنية فإنه لا بأس للجنب أن يقرأها لقول عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) ولكن ذكر الله تعالى على طهارة أفضل مما إذا لم يكن على طهارة كما قال النبي ﵊ (إني أحب أن لا أذكر الله إلا على طهارة) أو كلمة نحوها ولكن لا يمتنع أن يذكر الإنسان ربه وهو جنب بشيء غير القرآن وله أيضًا أي الجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة فله أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) وله أن يقول إذا أصيب بمصيبة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وله أن يقول (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) وله أن يقول (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إذا لم يقصد القراءة. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء فضيلة الشيخ هذه سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيًّا عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعا بأدعية من القرآن قاصدا الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج. ***
إذا جاز للجنب أن يذكر الله وهو جنب وكان ضمن بعض الأدعية والأذكار بعض الآيات الكريمة مثل (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) و(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إلى غير هذه الآيات الكريمة فهل يجوز للجنب قراءتها أثناء الذكر أو الدعاء وهل يجوز للجنب أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن مثل الآيات التي قالها السائل (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم) كل هذه إذا لم يقصد بها التلاوة فإنها تجوز ولا حرج فيها وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الله تعالى يقول (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . ***
المستمع م. خ. ف. يسأل ما حكم الشرع فيمن يقرأ أو يردد آيات قرآنية سرًا أو جهرًا وهو جنب أو من يقضي وقتًا أو أيامًا وهو على جنابة دون الاغتسال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال من شقين الشق الأول قراءة القرآن والإنسان جنب والراجح من أقوال أهل العلم أن هذا حرام، وأنه لا يحل للجنب أن يقرأ شيئًا من القرآن على سبيل التلاوة لأنه قد روى عن النبي ﷺ من غير وجه ما يدل على منع الجنب من قراءة القرآن، ومن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال (كان النبي ﷺ يقرئنا القرآن ما لم نكن جنبًا)، ومعلوم أن إقراء النبي ﷺ القرآن لأصحابه واجب لأنه من تبليغ الرسالة التي أمر بها رسول الله ﷺ فإذا كان لا يقرئهم إياه وهم جنب دل ذلك على تحريم قراءة القرآن على الجنب لأن الواجب لا يمنعه إلا شيء محرم ولا يصح قياس هذا على الحائض والفرق بينهما أن الجنب يمكنه أن يتلافى هذا المانع من قراءة القرآن فيغتسل بخلاف الحائض فإن حيضها ليس بيدها، والحائض على القول الراجح لها أن تقرأ القرآن عند الحاجة إليه كالمعلمة والمتعلمة ومن تقرأه من أجل الورد عند النوم أو في الصباح أو في المساء، أمّا قراءة الجنب للقرآن فإنه حرام حتى يغتسل. الشق الثاني: في السؤال وهو أنه يبقى أيامًا لا يغتسل للجنابة فهذا يستلزم أنه لا يصلى أو أنه يصلى وهو جنب، وكلا الأمرين محرم بلا شك فالجنب لا يحل له أن يصلى بإجماع المسلمين حتى إن بعض أهل العلم يقول إذا صلى الإنسان وهو جنب فقد ارتد عن الإسلام لأن صلاته وهو جنب تدل على أنه مستهزئ وساخر بآيات الله كيف يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) ثم يقوم هذا الرجل فيصلى وهو جنب، يتقرب إلى الله بما نهى الله عنه، ومن لا يرى أنه يكفر بذلك يرى أنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وأنه على خطر، وإن كان هذا الرجل الذي يبقى أيامًا وهو جنب لا يصلى فالأمر أخطر وأعظم فإن ترك الصلاة على القول الراجح كفر مخرج عن الملة كما قررنا أدلة ذلك في غير موضع من هذا المنبر نور على الدرب ونصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله تعالى في نفسه وأن يبادر بالاغتسال من الجنابة فإنه كلما كان الإنسان أطهر كان أنقى ولا شك أنه لا يحل له إذا حانت الصلاة أن يدع الاغتسال من الجنابة فيدع الصلاة أو يصلى بلا غسل. ***
هل يجوز التشهد على الجنابة في دورة المياه وذكر اسم الله أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد يكون بعد الفراغ وهذا يمكن أن يكون بعد خروجك من هذا المكان إذا خرجت تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التسمية فليست بواجبة عند الوضوء ولا عند الغسل على القول الراجح وإنما هي سنة فإن أتيت بها فهو أولى وإن لم تأت بها فيكفي التسمية بالقلب. فضيلة الشيخ: كثيرًا من المنازل الجديدة من الفلل وغيرها يكون الحمام في مكان واحد مع مغاسل اليدين فقد يستنجي الإنسان في الحمام ثم يخرج إلى هذا المغاسل ويتوضأ عليها فهل يجوز التسمية والتشهد عند هذه الغسالات مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ما دامت الغسالات خارج المكان فضيلة الشيخ: خارج المكان لكن السقف واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر فضيلة الشيخ: وإذا قطعت بجدار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قطعت بحاجز أو باب فهذا وحده وهذه وحدها فلا حرج فيها. وهنا مسألة وإن لم تكن في السؤال أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الناس يجعل إتجاه الحمامات إلى القبلة إذا جلس لقضاء حاجته وقد قال النبي ﵊ (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها) وثبت في الصحيح من حديث ابن عمر (أنه رأى النبي ﷺ يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) وعلى هذا فإن الحديث الأول يدل على تحريم استقبال القبلة مطلقًا في البنيان وغير البنيان وهو الذي فهمه راويه أبو أيوب حيث قال (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله) والحديث الثاني يدل بظاهره على أن استدبار القبلة في البنيان لا بأس به ولكن بعض الناس كما أشرت إليه قد يبنونها مستقبل القبلة فهؤلاء عليهم أن يغيروها لتكون القبلة عن أيمانهم أو شمائلهم. ***
من العراق بغداد محمد جاسم يقول إذا حدثت لي الجنابة فهل يجوز لي أن أحمد الله وأدعو بهذا الدعاء عند الاستيقاظ من النوم (الحمد لله الذي أماتني ثم أحياني وإليه النشور) وإذا عطست فهل يجوز لي أن أحمد الله وإذا تثاءبت فهل يجوز لي أن استعيذ بالله من الشيطان وقد تأتي في بالي بعض الآيات فهل يجوز أن أقرأها عن ظهر قلبي وأنا محدث الحدث الأكبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ذكر الله تعالى وأنت على جنابة فإنه لا بأس به فإن (النبي ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه) كما ثبت ذلك عنه من حديث عائشة فتجيب المؤذن وتذكر الله بعدما تقوم من النوم وكذلك تذكر الله عند الأكل وعند الشرب وتحمد الله عند العطاس وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب فليس فيها سنة عن النبي ﷺ واتخاذها سنة ليس بصحيح وهي لم ترد عن رسول الله ﷺ والنبي ﵊ أرشد من يتثاءب لسُنّة فعلية وهي كظم التثاؤب إن استطاع وإلا فليضع يده على فيه ولم يأمر النبي ﷺ من تثاءب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا ثبت ذلك أيضًا من فعله فيما أعلم وعلى هذا فلا ينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ومن علم بسنة في ذلك فليتبعها فإننا لا نقول إلا ما بلغه علمنا والعلم عند الله ﵎ وأما قراءة القرآن للجنب فالأحوط عليه ألا يقرأ ولكن له أن يذكر الله تعالى فيما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة كما لو قال مثلًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإن هذه آية من كتاب الله ومع ذلك إذا لم يقصد بها القراءة فلا حرج عليه فيها. ***
جزاكم الله خيرا ما حكم الاغتسال يوم الجمعة وهل وردت فيه أحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال يوم الجمعة واجب على كل بالغ عاقل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فصرح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه واجب ومن المعلوم أن أعلم الخلق بشريعة الله رسول الله ومن المعلوم أن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله ومن المعلوم أن أعلم الناس بما يقول رسول الله ﷺ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفصح العرب فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة وقال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فكيف نقول ليس بواجب لو أن هذه العبارة جاءت في متن من المتون الذي ألفه عالم من العلماء وقال فيه فصل غسل الجمعة واجب لم يشك أحد يقرأ هذا الكتاب إلا أن المؤلف يرى وجوبه هذا وهو آدمي معرض للخطأ والصواب فكيف والقائل بذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيد هذا الوجوب بما يقتضي الإلزام حيث قال (على كل محتلم) أي بالغ وهذا يدل على أن الغسل ملزم به وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غسل الجمعة (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا فيه نظر من جهة سنده ومن جهة متنه ثم لا يمكن أن يعارض به حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين وغيرهما الصريح الواضح وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ولكن متى يبتدئ هذا الوجوب أقرب ما يقال أنه يبتدئ إذا طلعت الشمس لأن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقت للفجر فالأحوط أن يكون اغتساله بعد طلوع الشمس والأفضل أن يكون عند إرادة الذهاب إلى المسجد وإذا قلنا إنه واجب فهل تصح الجمعة بدونه يعني لو تعمد تركه وصلى هل تصح فالجواب نعم تصح لأن هذا غسل ليس عن جنابة ولكنه أو جبه النبي صلى الله وسلم ليتبين ميزة هذا اليوم عن غيره ويدل لهذا أنه ثبت عن (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه كان يخطب فدخل عثمان وهو يخطب فكأنه عرَّض به أي عرض بعثمان أنه تأخر إلى الخطبة فقال عثمان والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال عمر ﵁: والوضوء أيضا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وصلَّى عثمان بدون غسل وفي هذا الأثر عن عمر ﵁ دليل واضح على أن غسل الجمعة واجب وإلا فكيف يوبخ عمر ﵁ عثمان ﵁ أمام الناس على تركه. فضيلة الشيخ: لو اغتسل ليلا أو بعد الفجر ونوى به غسل الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اغتسل قبل الفجر فلا ينفعه لأن اليوم لم يدخل بلا إشكال وإن اغتسل بعد الفجر ففيه احتمال لكن الأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس. ***
المستمع أبو عبد العزيز يقول إذا أراد المسافر أن يصلى الجمعة مع المسلمين فهل يلزمه الغسل أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل غسل الجمعة واجب أو سنة مؤكدة في هذا للعلماء ثلاثة أقول القول الأول أنه واجب مطلقا والقول الثاني أن سنة مطلقا والقول الثالث تفصيل فإن كان على الإنسان وسخ كثير يخشى من ثوران رائحته في هذا الاجتماع الكبير فإنه يجب عليه الغسل إزالة للأذى وإلا فإن الغسل في حقه سنة والذي يتبين من الأدلة الشرعية أنه واجب على الإطلاق لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ (أن النبي ﵌ قال غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فتأمل كلمة (واجب) ممن صدرت وبماذا أحيطت هذا الكلمة صدرت من أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم فيما يريد وهو محمد رسول الله ﵌ ولا شك أن النبي ﵌ يعلم معنى كلمة (واجب) فلو لم يرد بها الإلزام لكان التعبير بها فيه إهانة ومن المعلوم أن رسول صلى الله عليه آله وسلم لا يأتي بعبارة مبهمة يريد بها خلاف ظهرها بل لا يأتي بعبارة إلا وهو يريد ما يستفاد منها من ظاهر اللفظ لأنه أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم لعباد الله ثم إن هذه الكلمة أحيطت بما يدل أن المراد بها الوجوب الإلزامي وهو قوله (على كل محتلم) أي على كل بالغ فإن البلوغ وصف يقتضي إلزام المخاطب بما يوجه إليه من خطاب فهو وصف مناسب لعلة الإجابة وعلى هذا فلا مناص من القول بوجوب الغسل على من أراد الجمعة وأتى إليها ويدل لذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ (كان يخطب يوم الجمعة فدخل عثمان فسأله يعني لمّا تأخر فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت يعني ثم جاء فقال له عمر وهو يخطب الناس والوضوء أيضًا وقد قال النبي ﵌ إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وعلى هذا فمن ترك غسل الجمعة فهو آثم لتركه الواجب لكن الصلاة صحيحه لأن هذا الغسل واجب عن غير حدث فلا يمنع صحة الصلاة وحينئذٍ يتبين جواب سؤال السائل أنه إذا كان مسافرا وحضر الجمعة فهل عليه الغسل نقول نعم عليه الغسل لقول النبي صلى اله عليه وآله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولكن إذا كان يشق عليه ذلك بكونه لا يجد الماء أو لا يجد إلا ماء بارد في أيام الشتاء ويخاف على نفسه من البرد فأنه لا أثم عليه في هذه الحال لأن الله تعالى يقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ويقول جل ذكره (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي ﵌ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ومن هذه النصوص أخذ العلماء قاعدة مفيدة جدا لطالب العلم وهو أنه (لا واجب مع عجز) كما أنه (لا محرم مع الضرورة) لقوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) . ***
نعلم أنه من المستحب للرجل يوم الجمعة الغسل والتطيب ولبس أحسن الثياب فهل هذا ينطبق حتى على المرأة أيضًا ولها نفس الأجر؟ وهل يصح الاغتسال قبل الجمعة بيومٍ أو يومين وينوى به الجمعة أم لا يصح إلا في يومها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأحكام خاصةٌ بالرجل لأنه هو الذي يحضر الجمعة وهو الذي يطلب منه التجمل عند الخروج وعلى هذا فإنه هو الذي يطلب منه أن يغتسل يوم الجمعة ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إلى الجمعة أما النساء فلا يشرع في حقهن ذلك ولكن كل إنسانٍ ينبغي له إذا وجد في بدنه وسخًا أن ينظفه فإن ذلك من الأمور المحمودة التي ينبغي للإنسان ألا يدعها وأما الاغتسال للجمعة قبلها بيومٍ أو يومين فلا ينفع لأن الأحاديث الواردة في ذلك تخصه بيوم الجمعة وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة هذا هو محل الاغتسال الذي ينبغي أن يكون وأما قبلها بيومٍ أو يومين فلا يجزئه ولا ينفعه عن غسل الجمعة. ***
إذا اغتسل المسلم للجنابة قبيل فجر الجمعة أو بعده هل يكفي هذا لغسل الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما كان قبل الفجر فلا يكفي لأنه لم يدخل اليوم وأما بعد الفجر فيكفي لكن الأفضل أن يعيده بعد طلوع الشمس حتى يتأكد أنه حصل في يوم الجمعة ثم إن العلماء ﵏ قالوا إن الأفضل أن يكون الاغتسال عند المضي إلى الصلاة فمثلًا إذا قدرنا أنه يذهب إلى الصلاة قبل الزوال بساعتين فإنه يغتسل في ذلك الوقت ووجه ذلك أنه إذا تطهر عند المضي صار أبلغ وأضمن من أن يحصل له وسخ بعد ذلك. ***
بارك الله فيكم هل يشرع للعيد غسل كالجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك سنة عن رسول الله ﵌ أنه كان يغتسل لصلاة العيد ولكن ذكر عن بعض السلف أنه كان يغتسل لصلاة العيد وأخذ بذلك كثير من أهل الفقه وقالوا أنه يسن أن يغتسل لصلاة العيد لأنها صلاة اجتماع عام فشرع فيها الأغتسال كيوم الجمعة فإن اغتسل الإنسان فحسن وإن لم يغتسل فلا يقال أنه فوت سنة. ***
ثبت عن الرسول ﷺ أنه اغتسل من الإغماء فهل هو واجب أم مستحب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الإغماء ليس بواجب وإنما هو مستحب لأنه يجدد للبدن نشاطه ويعيد عليه ما تخلف من الهلع بواسطة الإغماء وليس بواجب لأن ذلك لم يثبت إلا من فعل الرسول ﵌ قال أهل العلم وما ثبت بفعل الرسول ﵌ وقد فعله على سبيل التعبد فإنه يكون مشروعا ولا يكون واجبا لأنه لم يصحبه أمر من الرسول ﷺ. ***
باب التيمم
المستمع ع. ع. أ. مقيم بالعراق يقول في رسالته ما صفة التيمم المشروعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم المشروعة أن ينوي الإنسان أنه يريد أن يتيمم لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئٍ ما نوى) ثم يضرب الأرض بيده ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه وبهذا يتم تيممه ويكون طاهرًا يحل له بهذا التيمم ما يحل له بالتطهر بالماء لأن الله ﷿ لما ذكر التيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فبين الله تعالى أن الإنسان بالتيمم يكون طاهرًا وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن التيمم رافع للحدث ما دام الإنسان لم يجد الماء فيجوز له إذا تيمم ولم يحصل منه حدث أن يصلى ما شاء من فروض ونوافل ويرتفع حدثه فلا يبطل بخروج الوقت فلو تيمم لصلاة الظهر مثلًا حتى دخل وقت العصر فله أن يصلى صلاة العصر بهذا التيمم وإذا تيمم من الجنابة أول مرة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى بل يتيمم للوضوء فقط. ***
بارك الله فيكم يقول هذا السائل ما هي كيفية التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لابد أن نعلم أن التيمم لا يجوز إلا إذا تعذر استعمال الماء بفقد الماء أو تضرر باستعماله فإذا جاز التيمم فصفته أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم يمسح وجهه كله بكفيه ويمسح براحة كل يد على ظهر الأخرى وكذلك يمسح الراحتين بعضهما ببعض ***
ما هي صفة التيمم وبماذا يبطل وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة فيمسح وجهه كله بباطن كفه ثم يمسح يده اليمنى باليسرى وبالعكس هذه هي الصفة المشهورة قال أهل العلم وينبغي أن يخلل أصابعه وأما ما يبطل به التيمم فإن التيمم إن كان عن جنابة بطل بكل ما يوجب الغسل وإن كان عن وضوء بطل بما يوجب الوضوء هذا ما دامت إباحة التيمم قائمة فأما إذا لم يبح التيمم مثل أن يتيمم لفقد الماء ثم يجده فإنه يبطل تيممه بوجود الماء وكذلك لو تيمم لمرض ثم شفي منه فإنه يبطل تيممه بشفائه من هذا المرض ولا يبطل التيمم بخروج الوقت على القول الراجح وذلك لأن النبي ﷺ قال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به كالوَضوء بالفتح ما يتوضأ به والسَّحور بالفتح ما يتسحر به وقال الله ﷿ بعد أن ذكر الطهارة بالماء والتيمم قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهرًا فإنه لا تبطل طهارته إلا بما تبطل به طهارة الماء لأن التيمم بدل عنه والبدل له حكم المبدل فلو تيمم الإنسان عن جنابة مثلًا فإنه يرتفع حدثه ولا يعيد التيمم عن هذه الجنابة إلا إذا حصل له جنابة أخرى أو موجب للغسل سواها وإذا تيمم عن ناقض من نواقض الوضوء فإنه يبقى على طهارته حتى يوجد أحد النواقض فلو تيمم الرجل لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة الظهر أو إلى صلاة العصر لم يأت بناقض من نواقض الوضوء من بول ولا نوم ولا غائط ولا أكل لحم إبل ولا غيرها مما ينقض الوضوء فإنه في هذه الحال يصلى بالتيمم الذي تيمم به لصلاة الفجر. فضيلة الشيخ: وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من وجد ماءً يكفي لبعض وضوئه فإنه يستعمله ويتمم للباقي بناءً على قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليهم وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا الرجل استطاع أن يستعمل الماء في بعض أعضاء وضوئه فلزمه استعماله وعجز عن استعماله بالبقية لفقد الماء فيتمم لذلك. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا سائل يقول هل يشترط في مسح الوجه عند التيمم تعميم جميع الوجه بالصعيد الطاهر أم مجرد امرار اليدين على الوجه فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان في التيمم أن يمسح جميع الوجه لقول الله ﵎ (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فكما يجب تعميم الرأس المستفاد من قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كذلك نستفيد تعميم الوجه في قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الأنف وما حوله فهذا غلط بل الواجب أن يمسح من الأذن إلى الأذن عرضًا ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولًا. ***
من أحمد شرهان مزهري من جيزان يسأل كيف يتيمم من عدم الماء لأنني خرجت مع مجموعة من الطلاب فكان لكل مجموعة منهم طريقة فمنهم من يضرب الأرض أربع مرات واحدة للوجه وواحدة لليدين إلى المرفقين وواحدة للرأس والأذنين وواحدة للرجلين وبعضهم ضرب ضربتين واحدة منهن للوجه والثانية لليدين فقط أما أنا فقد أنكروا فعلي لأني ضربت ضربة واحدة للوجه واليدين فقط فقالوا من علمك هذا التيمم فقلت سمعته من محدث في المسجد فقالوا وهل كل ما سمعت في المسجد صحيح وهذا ما دفعني للسؤال عبر برنامجكم وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأخ ذكر أن جماعة اختلفوا في كيفية التيمم على ثلاثة وجوه وأصح هذه الوجوه هو ما عمله الأخ السائل حيث ضرب بيديه الأرض مرة واحدة مسح بها وجهه وكفيه وهذه الصفة هي الصفة الصحيحة التي دل عليها حديث عمار بن ياسر في تعليم النبي ﷺ له كيفية التيمم فإن (عمار بن ياسر ﵁ بعثه رسول الله ﷺ في حاجة فأجنب فلم يجد الماء فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتى إلى النبي ﷺ فذكر له ذلك فبين له النبي ﵊ أنه يكفيه أن يقول بيديه هكذا وضرب بيديه الأرض مرة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذه هي الكيفية المشروعة المستحبة وأما ضرب الأرض مرتين واحدة في الوجه والثانية للكفين فهذه الصفة قال بها بعض أهل العلم بناءً على حديث ضعيف في ذلك ولكن الصواب ما أشرنا إليه من قبل وأما الذين ضربوا أربع مرات وجعلوا واحدة للوجه وواحدة لليدين وواحدة للرأس وواحدة للرجلين فما أشبه اجتهادهم هذا باجتهاد عمار بن ياسر الذي أشرنا إليه حيث ظنوا أن طهارة التيمم كطاهرة الماء تشمل الأعضاء الأربعة ولكن الصواب معك أنت أيها السائل حيث ضربت مرةً واحدة وأما قولهم هل كل ما سمعت يكون صوابًا فنقول كما قالوا ليس كل ما يسمع يكون صوابًا بل الصواب ما وافق الكتاب والسنة وكثيرًا ما نسمع أشياء تقال لا سيما على سبيل الوعظ والتخويف والترغيب وهي ليست بصحيحة وعلى هذا فينبغي الحذر في مثل هذه الأمور مما يُسمع أو يُكتب. فضيلة الشيخ: قلتم أنه يضرب الأرض بيديه ثم يمسح اليمنى على اليسرى ثم يمسح وجهه وظاهر كفيه لكن لو ضرب الأرض ومسح مباشرة وجهه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج يبدأ بالوجه أولًا ثم باليدين ثانيًا لأن الله يقول (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فقدم الوجه فضيلة الشيخ: لكن إذا فرك أو مسح يدًا بيد ألا يذهب الغبار من اليدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر ذهاب الغبار ليس بواجب بل إنه في صحيح البخاري (أن الرسول ﷺ نفخ في كفيه حينما أراد أن يضرب بهما الأرض نفخ فيهما ثم مسح) فهذا يدل على أن مسألة الغبار ليس بلازمة ولهذا يجوز التيمم على القول الراجح على الأرض التي لا غبار فيها كالرمل والأرض المبلولة بالماء والمطر وما أشبهها. ***
سائلة تقول إذا لم تستطع أن تتوضأ هل تتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا لم تستطع الوضوء فإنها تتيمم لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فضيلة الشيخ: وما هي طريقة التيمم إذا كانت مريضة عاجزة عن التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أن يأتي أهلها بالتراب فيضرب الرجل الذي هو محرمٌ لها أو المرأة يديها على الأرض ثم يمسح وجه المريضة وكفيها، وإذا تيممت مثلًا لصلاة الظهر وبقيت على طهارتها إلى العصر فلا يحتاج إلى إعادة تيمم، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ولها أي لهذه المرأة أن تجمع بين الظهر والعصر وأن تجمع بين المغرب والعشاء إذا شق عليها أداء كل صلاة في وقتها لكن بدون قصر لأنها ليست مسافرة. ***
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضًا لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله ﷾ (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه قال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادمًا له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله ﷺ واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي ﵊ أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. ***
بارك الله فيكم هل يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم إذا كان في بعض أعضاء الوضوء جرح أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه لا يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم فلو كان في يده جرح لا يمكنه غسله ولا يمسح عليه فإنه يتوضأ أولًا ويتيمم للجرح بعد أن ينتهي وضوئه لأنه لم يغسل أو يمسح محل الجرح ولا يشترط أيضًا الموالاة في هذه الحال فلو توضأ هذا الوضوء وذهب إلى المسجد ثم تيمم عن الجرح الذي كان في يده ولم يغسله ولم يمسح فلا بأس بذلك، ولعلَّنا نتكلم عن موضوع الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء فنقول إن الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء يجب أولًا غسله إذا كان لا يتضرر بالماء فإن كان يتضرر بالماء وكان عليه لفافة فإنه يمسح هذه اللفافة وتغني عن غسله وعن التيمم وإن لم يكن عليه اللفافة وكان الماء يضره يمسحه بالماء إذا كان لا يضره المسح فإن كان يضره المسح تيمم عنه فالمراتب ثلاثة: الأولى: أن لا يضره الغسل فيجب عليه الغسل. الثانية: أنْ لا يضره المسح فيجب عليه المسح إما على اللفافة إن كان ملفوفًا أو على الجرح مباشرة، الثالثة: أن يضره الغسل والمسح فيتمم عنه ولا يشترط التيمم كما ذكرنا آنفًا ترتيب ولا موالاة. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة من ليبيا هل التيمم بنية الغسل من الدورة الشهرية أو من الجنابة هل هو مثل تيمم الوضوء وإذا كانت هناك زيادات وإيضاحات أرجو بيانها مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم لا يختلف فيه الحدث الأصغر والأكبر فالتيمم عن الجنابة أو عن غسل الحيض كالتيمم عن البول والغائط والريح دليل ذلك قول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وهذا من القرآن ومن السنة حديث عمار بن ياسر ﵁ (أن النبي ﷺ بعثه في حاجة فأجنب فلم يجد الماء قال فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت له ذلك فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيده الأرض مرة واحدة ثم مسح وجهه وكفيه ظاهرهما بباطنهما) فالتيمم عن الجنابة وعن غسل الحيض كالتيمم عن الحدث الأصغر والقول الراجح من أقوال العلماء أن التيمم رافع للحدث ما دام لم يجد الماء أو يُشفى من المرض الذي تيمم من أجله وعلى هذا فإذا تيمم الإنسان لصلاة الفجر وبقي على طهارته لم ينقضها ببول أو غائط أو ريح أو غيرها مما ينقض الوضوء حتى جاء وقت الظهر فإنه يصلى الظهر بتيممه للفجر وكذلك لو استمر إلى العصر صلى العصر وإذا تيمم الإنسان لصلاة نافلة صلى به فريضة كما لو تيمم لصلاة الضحى وبقي على طهارته إلى أن جاء وقت الظهر وصلى الظهر بالتيمم الذي تيممه من أجل صلاة الضحى فإن صلاته الظهر صحيحة لأن حكم التيمم حكم طهارة الماء سواء بسواء ما لم يجد الماء أو يشفى من مرضه إن كان تيممه من أجل مرض وإذا أصابته جنابة فتيمم لها ثم انتقض وضوءه وأراد الصلاة فإنه لا يعيد التيمم عن الجنابة وإنما يتيمم للحدث الأصغر لأن الجنابة ارتفعت بالتيمم الأول لكن إذا وجد الماء فإن عليه أن يغتسل لأن رفع التيمم للحدث رفع موقت ويدل لذلك (أن النبي ﷺ صلى ذات يوم فرأى رجلًا منعزلًا لم يصل في القوم فسأله فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك وكان حينئذ لا ماء ثم أتى الماء فأمره النبي ﷺ أن يغتسل) فدل ذلك على أن التيمم يرفع الجنابة لكنه رفع موقت إذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل ويدل لذلك أيضًا إن النبي ﷺ قال (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) . ***
هل هناك فارق بين التيمم بدلًا من الوضوء والتيمم بدلًا من الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بينهما فرق فإذا تيمم عن جنابة بقي على طهارته هذه من الجنابة ولا يعيد التيمم لكل صلاة بل لا يعيده إلا إذا أجنب مرة ثانية فيعيد التيمم عن هذه الجنابة الأخيرة أو إذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل وإن لم تتجدد الجنابة لأنه كما أسلفنا زوال المبيح للتيمم يوجب انتقاضه وأما إذا تيمم عن الوضوء فهو أيضًا باق على طهارته حتى يوجد ناقضًا من نواقض الوضوء فإذا وجد ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يتيمم عن الوضوء وعلى هذا فلا فرق بينهما إذا تيمم عن جنابة لا يعيد التيمم لها إلا بوجود سبب وجوبه وإذا تيمم للوضوء لا يعيد التيمم له إلا بوجود سبب وجوبه وهو الحدث الأصغر. فضيلة الشيخ: لكن أنا فيما أعتقد أن السائل يقصد بالفرق الفرق في الهيئة أو في الكيفية لأنا كما عرفنا منكم سابقًا أن التيمم ضربة واحدة يمسح الإنسان وجهه وظاهر كفيه بها ولكن مثلًا التيمم عن الجنابة هل هو مثل التيمم للوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم كيفيته عن الجنابة وعن الوضوء واحدة ولا فرق بينهما لأن الله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فلا فرق بين هذا وهذا كله على حد سواء وذلك لأن التيمم فرع وليس بأصل حتى يُلحق به بل هو فرع طهارة مستقلة ثم إن المقصود منه إظهار التعبد لله ﷾ وهذا كافٍ في التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر. ***
المستمع أأ الرياض يقول في رسالته إذا كان الإنسان جنبًا وتعذر عليه استعمال الماء لشدة البرد وأراد أن يتيمم وقد نزل المطر على الأرض فبالتالي لا يوجد غبار في هذا التراب ومن شروط التيمم أن يكون في التراب المستعمل له غبار فماذا يفعل يا فضيلة الشيخ أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان جنبًا فإن عليه أن يغتسل لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإن كانت الليلة باردة ولا يستطيع أن يغتسل بالماء البارد فإنه يجب عليه أن يسخنه إذا كان يمكنه ذلك فإن كان لا يمكنه أن يسخنه لعدم وجود ما يسخن به الماء فإنه في هذه الحال يتمم عن الجنابة ويصلى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وإذا تيمم عن الجنابة فإنه يكون طاهرًا بذلك ويبقى على طهارته حتى يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم قال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال النبي ﷺ عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء بعد ذلك فأعطاه النبي ﷺ ماء وقال أفرغه على نفسك) فدل هذا على أن المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك عن جنابة أو عن حدث أصغر والمتيمم إذا تيمم عن جنابة فإنه يكون طاهرًا منها حتى يحصل له جنابة أخرى أو يجد الماء وعلى هذا فلا يعيد تيممه عن الجنابة لكل وقت وإنما يتمم بعد تيممه عن الجنابة يتمم عن الحدث الأصغر إلا أن يجنب وقول السائل إنه قد نزل المطر فلم يجد ترابًا فيه غبار وأن من شرط التيمم أن يتيمم بتراب ذي غبار نقول إن القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار بل إذا تيمم على الأرض أجزاه سواء أن كان فيها غبار أم لا وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض فاضرب يديك على الأرض وامسح وجهك وكفيك وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال لقول الله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولأن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يسافرون إلى جهات ليس فيها إلا رمال وكانت الأمطار تصيبهم وكانوا يتيممون كما أمر الله ﷿ فالقول الراجح أن الإنسان إذا تيمم على الأرض فإن تيممه صحيح سواء كان على الأرض غبار أم لم يكن. ***
هل يحتاج التيمم بالتراب إلى أن يكون به غبار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بالتراب لا يحتاج إلى غبار على القول الراجح لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) وهذا عام في كل الأوقات ومعلوم أن المسافرين قد يكونون على أرض رملية ليس فيها غبار وقد يكونون في زمن الأمطار وبلل الأرض فلا يكون غبار فالصحيح أن الغبار ليس بشرط. فضيلة الشيخ: وهل التيمم لا يصح إلا بتراب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بكل ما على الأرض لكن في الطائرة ما يتمكن الإنسان إلا إذا كان معه تراب فهنا يمكن أن يتيمم. ***
يقول السائل عندما أذهب من بلدتي حوالي ثلاثين كيلو متر ويأتي وقت الصلاة وأنا في مكان أرض سبخة والبحر بعيدًا عني وما عندي ماء غير التيمم فهل صلاتي جائزة عندما أتيمم من هذه السبخة أفيدونا جزاكم الله عنا خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بجميع الأرض جائز لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولكن إذا كنت تريد الرجوع في الوقت قبل خروجه فتدرك الماء فإن الأولى أن تنتظر حتى ترجع وتدرك الماء وتصلى بالماء فهو أفضل لك من أن تصلى بالتيمم في أول الوقت وأما إذا كنت لا ترجو أن تلحق الماء قبل خروج الوقت فصلِ بالتيمم ولا حرج. ***
السائل طه من السودان يقول هل يجوز التيمم على الحجر أم لا وهل يجوز التيمم على الأرض إذا كانت بها مطر جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التيمم على الأرض سواء كانت رملا أم ترابا يابسا كان أم مبلولا وسواء كانت أحجارا أو غير أحجار لعموم قول الله ﵎ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولعموم قول الرسول ﵊ (وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) ولأن الله تعالى يعلم أن الناس تدركهم الصلاة وهم في بر مطير أو في بر حجري أو غير ذلك وكذلك الرسول ﷺ يعلم هذا ومع ذلك لم يستثنِ شيئًا من هذا النوع فدل ذلك على العموم وأن الإنسان متى أدركته الصلاة فليصل فيتيمم على أي أرض كانت إلا ما كان نجسا فالنجس لا يتيمم به لقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولا يصلى عليه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد) فدل هذا على أنه لابد أن تكون البقعة التي يصلى عليها طاهرة. ***
هل يجوز أن يتيمم المصلى على فرش المساجد اليوم أو على البلاط لأنه يتعذر وجود التراب الطاهر خاصة في المدن الكبيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول التيمم على الأرض وما اتصل بها من الحيطان جائز لأنه ثبت عن النبي ﵊ (أنه تيمم على الحائط) وعلى هذا فالتيمم على البلاط جائز لأنه متصلُ بالأرض وأما التيمم على الفرش فلا ينبغي أن يتمم على الفرش إن لم يكن عليها غبار ولا يصح التيمم عليها وإن كان عليها غبار فإنه يصح التيمم عليها من أجل الغبار الذي هو من جنس الأرض ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتيمم عليها إلا إذا لم يجد شيئًا يتيمم به من الأرض وما يتصل بها من الحيطان ونحوها. ***
بالنسبة للتيمم هل يلزم أن يكون على صعيد طيب أو في الجدار أو في الفراش؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجدار من الصعيد الطيب فإذا كان الجدار مبنيًا من الصعيد سواء كان حجرًا أو كان مدرًا يعني لبنًا من الطين فإنه يجوز التيمم عليه أما إذا كان الجدار مكسوًا بالأخشاب أو بالبوية فهذا إن كان عليه غبار فإنه يتيمم به ولا حرج فيكون كالذي يتمم على الأرض لأن الغبار من مادة الأرض أما إذا لم يكن عليه غبار فإنه ليس من الصعيد في شيء وإذا كان عليه بويه فقط وليس عليه غبار فإنه ليس من الصعيد وأما بالنسبة للفرش فنقول إن كان فيها غبار فليتيمم عليها وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد. فضيلة الشيخ: وكيف يتيمم، هل يحضر له التراب في إناء مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لكن حسب سؤال المرأة أنه لا يمكن من ذلك إنما إذا أمكن يحضر له. ***
أحسن الله إليكم هذه سائلة تسأل ما حكم التيمم بضرب السجاد الذي به أثر للغبار وإذا لم يكن عليه غبار فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم على الفراش الذي به غبار جائز وأما إذا لم يكن عليه غبار فإنه لا يجوز التيمم عليه لأنه ليس من جنس الأرض وليس متصلًا بها بل هو منفصلٌ عنها لكن إذا كان فيه غبار فالغبار من تراب الأرض فيجوز التيمم عليه وعلى هذا فإذا قدر أن مريضًا في المستشفى والمعروف أن الأَسِرَّة في المستشفى نظيفة ليس فيها غبار فإن أُذن له بترابٍ يتيمم به فهذا المطلوب وإن لم يؤذن له فإنه يصلى ولو بلا طهارة يعني ولو بلا تيمم لقول الله ﵎ (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . ***
بارك الله فيكم المستمع من جدة طالب في جامعة الملك عبد العزيز يسأل إذا صادفني جنابة في منطقة شديدة البرودة فهل يجوز لي التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة في مكان شديد البرودة فالواجب عليه أن يسخن الماء فإن لم يتمكن من تسخينه أو تمكن من تسخينه لكنه لم يجد شيئًا يلوذ به عن الهواء البارد فله أن يتيمم ويصلى فإذا زال المانع وجب عليه أن يغتسل ولا يقول إن التيمم كافٍ عن الغسل لأن التيمم يكفي عن الغسل على وجه مؤقت حتى يزول المانع من استعمال الماء ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- وفيه (أن النبي ﷺ صلى رأى رجلًا معتزل لم يصلّ في القوم فقال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفك ثم جاء الماء فأعطى النبي ﷺ هذا الرجل منه وقال اذهب فأفرغه على نفسك) فدل هذا على أن رفع الجنابة بالتيمم رفع مؤقت ويدل لذلك أيضًا حديث أبي هريرة (أن النبي ﷺ قال الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتقِ الله ويلمسه بشرته) . ***
يقول السائل بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخرًا من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها لقول النبي ﵊ (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم فنحن نقول إذا قمت مثلًا من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت فنقول اغتسل ولو خرج الوقت وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم وليس من طلوع الفجر لأنك معذور به. ***
رسالة من السائل مطر أحمد الزهراني يقول إذا كان الشخص ليس على طهارة وعنده ماء ولكنه بارد لا يستطيع استعماله فماذا يفعل، وإذا تيمم فهل تجوز صلاته أم لابد أن يقضيها حال دفيء الماء أو تسخينه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يقول أن عنده ماء بارد لا يتمكن من استعماله فهل يجوز أن يتيمم والجواب على هذا السؤال أن نقول لا يجوز أن يتيمم بل يجب عليه أن يصبر ويستعمل هذا الماء البارد في الوضوء إلا إذا كان يخشى من ضرر يلحقه فإنه لا بأس أن يتيمم حينئذٍ وإذا تيمم وصلى فليس عليه إعادة الصلاة لأنه صلى كما أمر وكل من أتى بالعبادة على وجه أمر به فإنه ليس عليه إعادة الصلاة أما مجرد أن يتأذى من برودته فليس هذا بعذر فإنه غالبًا ولاسيما من لم يكونوا في البلد الغالب أنه في أيام الشتاء لابد أن يكون الماء باردًا ويتأذى الإنسان ببرودته لكنه لا يخشى من الضرر أما من يخشى من الضرر فإنه لا بأس أن يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه ولا يجوز أن ينتظر حتى تخرج الشمس ويسخن الماء ويصلى لأن الواجب عليه أداء الصلاة في وقتها على الوجه الذي أمر به إن قدر على استعمال الماء بدون ضرر استعمله وإن كان يخشى من الضرر تيمم. ***
الأخ فاضل من تركيا يقول في فصل الشتاء ولشدة البرودة لا أتمكن من الوضوء بالماء لصلاة الفجر فهل يجوز لي أن أستخدم التراب للتيمم بدلًا عن الماء أرجو الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تسخن الماء لأنك في البلد ويمكنك أن تسخنه ولا يحل لك أن تعدل إلى التيمم مع إمكان تسخينه لأنك واجدٌ للماء ولا ضرر عليك من استعماله بعد تسخينه أما إذا لم تسخنه فإن الغالب أن الذين يعيشون في المناطق الباردة يتحملون الماء البارد ولا يضرهم وفي هذه الحال لا يحل لك أن تتيمم ولا يجوز للإنسان أن يتهاون في مثل هذه الأمور وأن يترخص إلا في الموطن الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
المستمع محمد إدريس عبد الله سوداني يقول أنا شخص أعمل في رعي الإبل ومشكلتي أننا نصلى جماعة والحمد لله لكننا نتيمم طوال أيام السنة صيفا وشتاءً والجدير بالذكر أن ماء الوايت في الصيف يمكث معنا ثلاثة أيام وفي الشتاء أكثر من اسبوع وأحيانًا يبعد الماء عنا عشرين كيلو متر أو أربعين كيلو متر فما حكم الشرع في نظركم في عملنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عملكم هذا صحيح إذا كنتم لا تجدون الماء لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فإذا لم تجدوا الماء أو كان بعيدا عنكم بُعدًا يشق عليكم في الذهاب إليه فتيمموا ولو طول السنة أما إذا كان الماء قريبا منكم أو في رحالكم فإنه لا يحل لكم أن تتيمموا ولو تيممتم في هذه الحال فإن تيممكم غير صحيح وصلاتكم التي صلىتموها به غير صحيحة أيضا فالواجب عليكم تقوى الله ﷿ وألا تتيمموا إلا عند وجود العذر الشرعي وهو عدم الماء أو التضرر باستعماله. ***
المستمع صلاح الدين أحمد محمود مصري يقول هناك البعض من الناس يتيممون لكل صلاة مع وجود سيارة ماء كبيرة يسقون منها الإبل والغنم ولكنني عندما أتيمم مثلهم لا أشعر بطعم الصلاة أو الخشوع فيها وأشعر بأنها باطلة لأنني أعرف أن التيمم يبطل في حال وجود الماء أرجو معرفة الرأي الشرعي في ذلك فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو قال السائل الحكم الشرعي لكان أحسن من الرأي الشرعي والحكم في هذه المسألة وهي أن يتيمم الإنسان مع وجود الماء وتوافره أن تيممه باطل ولا يحل له أن يصلى به وعلى هذا فإن هؤلاء القوم الذين يتيممون وعندهم الوايت من الماء لا يحل لهم أن يصلوا بهذا التيمم وإذا صلوا بهذا التيمم فإن صلاتهم باطلة لأن الله ﷾ إنما أباح التيمم إذا لم نجد الماء ومن عنده وايت من الماء فقد وجده فلا يحل له أن يتيمم وعلى هؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم وأن يستعملوا الماء لطهارتهم لأنهم واجدون له والغالب أن تحصيل هذا الماء سهل يذهبون إلى أماكن الماء ويملئون هذا الوايت ويكفيهم لعدة أيام. ***
هل يجوز لمن يخرجون للبرية في عطلة الربيع مثلًا أن يتيمموا لقلة الماء أو لشدة البرد، وهم عندهم سيارات يذهبون بها إلى خارج المدينة ويعرفون أنهم سيقيمون كذا أيام في البرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن عندهم ماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا عن الجنابة وعن الحدث الأصغر وأما إذا كانوا يخافون البرد فإن كان عندهم ما يسخنون به الماء وجب عليهم تسخينه واستعماله وإن لم يكن عندهم ما يسخنون به الماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا وفي كلتا الحالين إذا وجدوا الماء بعد ذلك وجب عليهم الغسل إن كان تيممهم عن جنابة والوضوء إن كان تيممهم عن حدثٍ أصغر. فضيلة الشيخ: لكن مثل هؤلاء كيف يخرجون من المدينة ومعهم السيارات ولا يأخذون ماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قد تكون سيارات غير قابلة لحمل الماء فيها أو فيها مشقة في حمل الماء والله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وحمل الماء من أجل الوضوء به ليس بواجب لأنه قد يشق على الإنسان. فضيلة الشيخ: لكن أليس على الإنسان أن يشتري الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يشتريه إذا حضر وقت الصلاة أما قبل ذلك فلا إذا حضر وقت الصلاة وجب عليه أن يتوضأ. فضيلة الشيخ: لكن ألا يكلف نفسه بحمله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكلف نفسه بحمله. فضيلة الشيخ: هذا إذا كان فيه كلفة شديدة لكن إذا كان عنده وسائل نقل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حتى إذا كان عنده وسائل نقل فلا يظهر لي وجوب حمله عليه من أجل الوضوء لأنه مأمور بالوضوء إذا حضرت الصلاة فإذا حضرت الصلاة إن وجد الماء توضأ به وإلا فلا. ***
أحسن الله إليكم يذكر هذا السائل بأنه يتيمم في كل وقت مع وجود الماء الخاص بشرب الأغنام وقد صلَّى عدة صلوات بالتيمم هل يلزمه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قادرًا على استعمال الماء فإنه لا يحل له أن يتيمم لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) فما مضى ووقع جهلًا منه فأرجو أن لا يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم لكن في المستقبل ما دام الماء كافيًا فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء. ***
إذا كنت في الخلاء ولم يكن بحوزتي ماء إلا القليل الذي يكفيني للشرب فقط هل أتوضأ منه أم أتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان مع الإنسان ماء يحتاجه للشرب وحان وقت الصلاة وليس عنده سوى هذا الماء فإنه يتيمم لأنه محتاجٌ إلى هذا الماء ودفع الضرورة أمر مطلوب والله ﵎ أباح للإنسان أن يتيمم إذا لم يجد ماء وهذا الماء الذي يحتاجه لشربه وجوده كالعدم بالنسبة للوضوء به. ***
أنا أحد رعاة الأغنام وأحيانًا لا يتوفر لدي الماء عند وقت الصلاة فهل يجوز لي التيمم أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كنت راعيًا للغنم وحضرت الصلاة وليس عندك ماء فإن الله ﷿ أباح لك التيمم قال النبي ﷺ فيما ذكر من خصائصه التي خصها الله بها وأمته قال ﵊ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) إذا أدركتك الصلاة فصل إن كان عندك ماء تطهرت به وإن لم يكن عندك ماء تطهرت بالتراب ويجزئك ذلك. ***
المستمع العوضي الناجي سوداني مقيم في المملكة يقول أنا أعمل راعي مع أحد سكان البادية ومعنا ماء يكفي لمدة عشرة أيام ولكنه مخصص للشرب وصاحب العمل يمنعني من استعماله للوضوء هل يكفي التيمم في هذه الحالة نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ليس حولكم ماء يمكنكم أن تتوضؤا منه أو تغتسلوا من الجنابة به فإن لكم أن تتيمموا في هذه الحالة لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولكن إذا قدرتم على الماء فإنه يجب عليكم استعماله إن كان التيمم عن حدثٍ أصغر فتوضئوا وإن كان التيمم عن حدثٍ أكبر فاغتسلوا لأن الإنسان إذا وجد الماء بطل تيممه ووجب عليه استعماله لقول الرسول ﵊ (الصعيد الطيب وضوء المسلم أو قال طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) ولأنه ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- (أن رجلًا لم يصلِ مع النبي ﷺ فرآه النبي ﷺ معتزلًا لم يصلِ فقال ما منعك قال أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد ثم حضر الماء فأمره النبي ﷺ أن يغتسل) وهذا دليل على أن التيمم يبطل بوجود الماء. ***
عماد أمين يقول قضيت فترة من الزمن ما يقارب من عشرة أيام وأنا أصلى بالتيمم وكنت أتيمم على صخرة لصعوبة الحصول على الماء فهل يجب عليّ إعادة الصلاة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك إعادة الصلاة إذا كنت حين التيمم لا تستطيع استعمال الماء لأن الله ﷿ قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فإذا كنت غير مستطيع لاستعمال الماء وتيممت وبقيت مدة طويلة تصلى بهذا التيمم فإنه لا شيء عليك ما دام الشرط موجودًا وهو تعذر استعمال الماء. ***
رجل يرعى الإبل بعيدًا عن المنازل ولم يجد الماء لمدة طويلة ويعيش على لبن الإبل بدل الماء في هذه الفترة وزوجته معه فهل يصح له أن يتيمم ويصلى وماذا يفعل من ناحية الغسل وما حكم صلاته وهو جنب بالتيمم فقط لو طالت المدة إلى شهر مثلًا وهل السفر مع هذه الإبل بحثًا عن الكلأ يعتبر سفرًا يبيح أحكام السفر من قصر الصلاة الرباعية والإفطار في رمضان وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان المسافر العادم للماء أن يفعل كل ما يباح له في حال وجود الماء من جماع زوجته وتقبيلها وغير ذلك وإذا وجب عليه غسل من الجنابة فإنه يتيمم إذا لم يجد الماء وإذا تيمم فإن جنابته ترتفع لكنه ارتفاع مؤقت، إلى أن يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وأما كونه يترخص برخص السفر فينظر إن كان هذا المكان الذي يرعى فيه مكان إقامته بحيث يعرف أنه مستمر في هذا دائمًا فإنه لا يترخص برخص السفر وإن كان يبقى فيه أيامًا ثم يرتحل إلى مكان آخر وهكذا وليس محل إقامته وإنما محل إقامته وسكناه محل سوى ذلك فإنه يترخص برخص السفر. ***
بارك الله فيكم هذا سائل مصري يقول كنت أسير في الطريق فلم أعلم إلا والصلاة تقام في مسجدٍ قريب مني ولم أجد ماء قريب مني فتيممت وصلىت علمًا بأنني لو بحثت عن مسجد غير هذا المسجد لفاتتني الصلاة فهل تجوز صلاتي على هذه الحال أرجو إفادتي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجوز الصلاة في هذه الحالة يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يتيمم من أجل إدراك الجماعة لأن الصلاة تصح بدون الجماعة وإن كانت بدون الجماعة حرامًا لكنها تصح والواجب على هذا السائل الآن أن يعيد صلاته بعد أن يتوضأ لأن صلاته الأولى غير صحيحة لترك شرط من شروطها وهو الوضوء. ***
من الطائف من المستمع س. ع. يسأل عن التيمم لصلاة العيد يقول إذا انتقض الوضوء وأنا في صلاة العيد ولم يكن هناك وقت مع عدم وجود ماء في مسجد العيد فهل يجوز التيمم والله يرعاكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز له التيمم لأن من شروط التيمم عدم الماء وهذا ليس عادمًا للماء، فنقول له اذهب فتوضأ ثم أحضر إلى صلاة العيد فإن أدركتها فذاك وأن لم تدركها فقد تركتها لعذر. فضيلة الشيخ: لكن إذا اعتقد أو جزم بأنه لن يدرك الصلاة لأن المسجد بعيد أو منزله أيضًا بعيد أو الماء بعيد وجلس خلف الصفوف ليسمع الخطبة فقط ولا يؤدي الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس، لا حرج عليه في هذا ولكن تبقى ملاحظة وهي أنه يُفهم من كلامك أن صلاة العيد من السنن، والحقيقة أنها ليست من السنن، بل هي من الفروض والواجبات فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجبة على الأعيان، وأنه يجب على المرء أن يصلى صلاة العيد ولا يتخلف عنها إلا لعذر لأن (النبي ﷺ أمر بها حتى الحيض وذوات الخدور إلا أن الحيض يعتزلن المصلى) وما أمر به فالأصل فيه الوجوب وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ولا يعارض هذا قول النبي ﷺ للأعرابي حين ذكر له الصلوات الخمس (قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع)، فإن صلاة العيد من الصلوات الواجبة لعارض ليست من الصلوات اليومية أما الصلوات اليومية فلا يجوز فيها سوى الخمس، أما الصلوات لعارض فهناك صلوات تجب وليست من الصلوات الخمس. ***
ما حكم تيمم الشيخ الكبير في السن مع القدرة على أن يحضر الماء إليه بواسطة الأبناء أو الزوجة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإنسان بالتيمم مع قدرته على الماء باطلة لأن الله ﵎ لما ذكر الطهارة بالماء قال (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) يعني عند تعذر الماء أو تعذر استعماله فإذا صلى بلا وضوء ولا تيمم بطلت صلاته ولكن إذا كان يشق عليه إحضار الماء فإنه يحل له أن يجمع بين صلاة الظهر والعصر في وضوءٍ واحد وبين صلاة المغرب والعشاء في وضوءٍ واحد فيتوضأ وضوءًا واحدًا للظهر والعصر ووضوءًا واحدًا للمغرب والعشاء ووضوءًا ثالثًا للفجر وأما أن يتيمم وهو قادرٌ على استعمال الماء ثم يصلى فصلاته باطلة. ***
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كان في عيني مرض ومنعني الطبيب من الماء هل يصح لي التيمم لمدة طويلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان في العين مرض وقال الطبيب إن الماء يضرها فإنه ينظر هل يمكن أن تمسح على العين مسحًا بأن تبل يديها بالماء وتمسح عليها إن كان كذلك وجب عليها أن تمسح وإن لم يمكن وكان يضرها الغسل والمسح فإنها تغسل من وجهها ما لا يضره الماء وتتيمم عن الباقي لعموم قوله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وقوله ﷾ (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) . ***
بارك الله فيكم يقول المستمع محمد عبد الله دخل والدي المستشفى وأجرى عملية جراحية وكان يتيمم للصلاة وليس في المستشفى تراب فكان يتيمم بالغرفة وبعد ذلك أحضرت له ترابًا فما حكم هذا العمل فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا العمل أقصى ما تقدرون عليه فإنه عمل مجزئ لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وقول النبي ﵌ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
هل يلزم المسلم أن يتيمم لكل صلاة ولو لم ينتقض التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه أن يتيمم لكل صلاة إذا لم ينتقض التيمم وانتقاض التيمم يكون بوجود الماء فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء ويكون انتقاض التيمم أيضًا لبرء الجرح ونحوه مما تيمم من أجله فإذا برئ وأراد الصلاة لابد أن يتوضأ لزوال المبيح والمهم أن بطلان التيمم يكون بزوال المبيح الذي أباح التيمم سواء كان عَدِم الماء فوجده أو كان من أجل مرض ثم عوفي وكذلك أيضًا يبطل التيمم بمطلات الوضوء إن كان عن وضوء ومبطلات الغسل إن كان عن غسل وأما خروج الوقت فإنه لا يُبطل التيمم فلو تيمم لصلاة الظهر مثلًا واستمر على طهارته حتى دخل وقت العصر فإنه يبقى على طهارته ولا حرج عليه لأن الله ﷾ جعل التيمم طهارة فقال بعد ذكر التيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وسمى رسول الله ﷺ الأرض طَهورًا والطَّهور ما يطهر فقال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فالأرض طهور والماء طهور فكما أن الماء يطهر فكذلك الأرض تطهر إذا تمت شروط أباحة التميم وفي الحديث أيضًا عن الرسول ﵊ أنه قال (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فسماه الرسول وضوءًا والوضوء ما يتوضأ به ويرفع الحدث فالتيمم مطهر رافع للحدث وإذا رفع الحدث فإنه لا يعود الحدث إلا بأسبابه وهي النواقض المعروفة. ***
بارك الله فيكم المستمع السوداني يقول هل من الممكن أن أصلى فرضين بتيممٍ واحد مع العلم بأن الفرضين في وقتٍ واحد أحدهما قضاء والآخر حاضر وهل يمكن أن أصلى فرض وسنة بتيممٍ واحد فمثلًا صلاة العشاء مع الشفع والوتر نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يمكن أن تصلى فرضين بتيممٍ واحد سواءٌ صلىتهما في آنٍ واحد أو صلىت كل وقتٍ في وقته ويمكن أن تصلى فريضة وراتبتها أو فريضة وسنةً أخرى ويمكن أن تتيمم لسنة وتصلى به فريضة وذلك لأن التيمم بدلٌ عن طهارة الماء والبدل له حكم المبدل والتيمم تحصل به الطهارة ودليل ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وهذا دليلٌ على أن التيمم مطهر ولقول النبي ﵊ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورا) والطَّهور ما يتطهر به وهو دليلٌ على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهرًا فإن الإنسان إذا تيمم ثبتت في حقه الطهارة وارتفع عنه الحدث فيبقى على طهارته حتى يتجدد له حدثٌ آخر وعلى هذا فلو تيممت لصلاة الفجر ولم تحدث حتى حان وقت صلاة الظهر وصلىت الظهر بتيمم الفجر كانت صلاتك صحيحة لأن الطهارة باقية ولو بقيت على طهارتك إلى صلاة العصر فصلىت العصر أيضًا فلا حرج عليك وصلاتك صحيحة ولو بقيت إلى المغرب والعشاء وصلىت المغرب والعشاء بالتيمم الذي كان لصلاة الفجر فلا حرج عليك في ذلك لأن طهارة التيمم لا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء وطهارة الماء لا تنتقض بخروج الوقت وكذلك طهارة التيمم إلا أن طهارة التيمم تنتقض بوجود الماء فإذا وجدت الماء وجب عليك أن تتوضأ إذا وجبت الصلاة وأن تغتسل من الجنابة إن كنت تيممت عنها في حال عدم وجود الماء فتغتسل إذا وجدت الماء وتصلى ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيدٍ -الطويل- وفيه (أن النبي ﷺ صلى بأصحابه فرأى رجلًا معتزلًا لم يصلِ في القوم فسأله لماذا لم يصلِ معهم قال يا رسول الله أصابتني جنابةٌ ولا ماء قال فعليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم أُحضر الماء إلى رسول الله ﷺ فأعطاه الرجل وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا دليل على أنه متى وجد الإنسان الماء ولو كان متيممًا وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك من الحدث الأصغر أو الأكبر أما ما دام عادمًا للماء فإن طهارة التراب تقوم مقام طهارة الماء من كل وجه. ***
ما حكم صلاة من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والوقت باقٍ لم يخرج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء في آخر الوقت أنه لا إعادة عليه وصلاته الأولى صحيحة لأنها جاءت على وفق الشريعة وما جاء على وفق الشريعة برئت به الذمة فإذا برئت ذمته فإنه لا يطالب بها مرة أخرى، وهذا الرجل الذي صلى بالتيمم لعدم وجود الماء مثلًا نقول له إن صلاتك هذه صحيحة وإذا صحت برئت ذمته منها فإذا وجد الماء فلا إعادة عليه. فضيلة الشيخ: حتى لو كان التيمم عن جنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حتى لو كان عن جنابة لا يعيد الصلاة ولكنه كما أسلفنا قبل قليل يغتسل. ***
بارك الله فيكم هل يمكن أن نصلى الوقت بالتيمم ونصلى بهذا التيمم عدد من النوافل والسنن المؤكدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة أن يصلى بهذا التيمم عدة صلوات مفروضة أو نوافل، سواء صلاها في وقت الصلاة التي تيمم لها أو صلى في وقت آخر، فإذا تيمم لصلاة الظهر مثلا وبقي على طهارته إلى دخول وقت العصر فإنه يصلى العصر بلا إعادة التيمم لأن القول الراجح أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت وكذلك لو بقي على طهارته هذه حتى دخل وقت المغرب فإنه يصلى المغرب بتيمم صلاة الظهر وكذلك لو بقي على طهارته إلى العشاء فإنه يصلى صلاة العشاء بتيمم صلاة الظهر لأن التيمم لا ينتقض إلا بنواقض الوضوء التي تنتقض بها طهارة الماء إلا إذا وجد الماء إن كان تيممه لعدم الماء فإنه لابد أن يتوضأ به وكذلك لو كان تيممه لمرض فبرأ منه فإنه لا بد أن يتوضأ بالماء. ***
المستمع محمد الشريف حامد سوداني الجنسية مقيم بمدينة عفيف يقول هل يجوز تأدية صلاتين بتيمم واحد حضرًا أو سفرًا جمعًا وقصرًا أو كل صلاة في وقتها فقد شاهدت بعض الناس يصلون بتيمم واحد فرضين وإن كان لا يجوز فماذا على هؤلاء فعله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل التيمم مبيح أو رافع للحدث وهو محل خلاف بين أهل العلم والراجح أن التيمم رافع للحدث ومطهر لأن الله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ولقول النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فالتيمم مطهر على ما تقتضيه هذه الآية الكريمة والحديث عن النبي ﷺ وإذا كان مطهرًا فإنه رافع للحدث وعلى هذا فيجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة واستمر على طهارته ولم يوجد منه ناقض للوضوء يجوز له أن يصلى صلاتين فأكثر سواء صلاهما جمعًا أو صلى كل صلاة وحدها وعلى هذا فإذا تيمم لصلاة الفجر مثلًا وبقي لم يحدث منه ما ينقض الوضوء إلى الظهر فإنه يصلى صلاة الظهر بالتيمم الذي تيممه لصلاة الفجر وكذلك لو بقي إلى العصر وإلى المغرب وإلى العشاء لم يوجد منه ما يكون ناقضًا للوضوء فإنه يكون على طهارته أي طهارة تيممه الذي تيممه لصلاة الفجر هذا هو القول الراجح ولا يبطل التيمم إلا بما يبطل طهارة الماء أو بوجود الماء إذا كان تيمم لعدم الماء أو بزوال مبيح من مرض أو غيره إذا تيمم لذلك فعلى هذا نقول إن هؤلاء الذين يراهم السائل يصلون صلاة فأكثر بيتمم واحد نقول إن صلاتهم هذه صحيحة وليس عليهم حرج ما داموا باقين على طهارتهم. ***
هل يجوز للمتيمم أن يصلى سنة الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: طهارة التيمم طهارة كاملة رافعة للحدث مادام سبب التيمم قائما لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فقوله تعالى (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) يدل على أن التيمم مطهر رافع للحدث كالماء تماما ويدل لذلك أيضًا قول النبي صلى عليه وآله وسلم (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) والطهور ما يتطهر به وعلى هذا إذا تيمم الإنسان التيمم المشروع الذي وجد سببه فإنه يصلى بهذا التيمم ما شاء من فروض ونوافل وهو على طهارته حتى ولو خرج الوقت فإنه يمكن أن يصلى به الصلاة الأخرى حتى يحصل ناقض من نواقض الوضوء فمثلا لو أن الإنسان تيمم لصلاة الظهر وصلى ما شاء من فروض ونوافل ثم بقي إلى صلاة العصر لم يفعل ما ينقض الوضوء ثم صلى العصر بتيمم صلاة الظهر فلا حرج عليه في هذا وأرجوا أن تكون السائلة قد فهمت الآن أنه يجوز لها أن تتنفل بطهارة التيمم كما تتنفل بطهارة الماء ولكن متى وُجد الماء فإن الواجب عليها أن تتوضأ عند أرادت الصلاة أو تغتسل إن كانت على جنابة ودليل ذلك (أن النبي ﵌ رأى ذات يوم رجلًا معتزلًا لم يصلّ في القوم يعني لم يصلّ مع الجماعة فسأله فقال يا رسول أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطاه النبي ﷺ ماء وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا يدل على أن التيمم يبطل إذا وجد الماء. ***
باب إزالة النجاسة
من الرياض عثمان بن عيسى من المغرب يقول ما هي شروط إزالة النجاسة وهل يمكن أن ننطق بالنية جهرًا أم سرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة نوعان نجاسة الكلب فيشترط في تطهيرها سبع غسلات إحداها بالتراب والأولى أن يكون التراب في الغسلة الأولى هكذا ثبت عن النبي ﷺ من (حديث أبي هريرة وغيره بأن نجاسة الكلب لابد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب) وأما نجاسة غير الكلب فإن الشرط فيها أن تزول عين النجاسة بأي عدد كان سواء بواحدة أو باثنتين أو بثلاث أو بأكثر المهم أن عين النجاسة لابد أن تزول وكذلك لابد من زوال العين حتى في نجاسة الكلب لكن نجاسة الكلب تمتاز عن غيرها بأنها لو زالت العين بثلاث غسلات فلابد من اكمال السبع التي لابد أن يكون واحدة منها بتراب هذا إذا كانت النجاسة على غير الأرض أما إذا كانت على الأرض فإنه يكفي أن تصب عليها ماءً يغمرها لقول النبي ﷺ في الأعرابي الذي بال في المسجد قال (أريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء) وأما التلفظ بالنية فإنه ليس بشرط بل ولا مستحب وإزالة النجاسة ليس لها نية بدليل أنه لو كان في أعلى السطح نجاسة ونزل عليه المطر حتى زالت النجاسة به فإنه يطهر مع أن الإنسان ما نوى فإزالة النجاسة لا يشترط لها نية. فضيلة الشيخ: كثيرًا ما نسمع مثلًا خاصة الطاعنين في السن إذا غُسل لهم وأزُيلت نجاسة من ثوب من ثيابهم يسألون هل شُهِّدَ أي قيل عليه (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) هل ورد في ذلك شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أبدًا ما ورد أن الإنسان إذا غسل النجاسة يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) هذا وارد فيما إذا توضأ الرجل فيقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التشهد على إزالة النجاسة فإنه من البدع التي يُنهى عنها. ***
أحسن الله إليكم هل يجوز إزالة النجاسة بغير الماء كالخل وغيره من المزيلات أو المطهرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصدًا أي أنها ليست عبادة مقصودة وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة فبأي شيء أزال النجاسة وزال أثرها فإنه يكون ذلك الشيء مطهرًا لها سواء كان بالماء أو بالبنزين أو بأي مزيل يكون متى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون فإن ذلك يعتبر تطهيرًا لها حتى أنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لو زالت النجاسة بالشمس والريح فإنه يطهر المحل لأنها كما قلت هي عين نجسة خبيثة متى وجدت صار المحل متنجسًا بها ومتى زالت عاد المكان إلى أصله أي إلى طهارته فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها فإنه يكون مطهرًا لها إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه وبناءً على ذلك نقول إن البخار الذي تغسل به الأكوات وثياب الصوف وما أشبهها إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهرًا. ***
بارك الله فيكم المستمعة من ليبيا خ. ي تقول إذا غسلنا الثياب بالماء والصابون وكانت فيها نجاسة هل يصح الصلاة بها وهل يكفي ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسيل الثياب بالماء والصابون يطهرها بشرط أن تزول عين النجاسة فإذا كانت النجاسة شيئا جامدا فلا بد من حكه أولا بالماء ثم غسله بعد حكه وإزالته لأنه لا يمكن أن تطهر الثياب وعين النجاسة باقية فيها وإذا طهر الثوب من أي نجاسة كانت سواء كانت من البول أو الغائط أو دم الحيض فإن الصلاة فيه تجوز ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المرأة إذا حاضت وأصاب ثوبها دم الحيض (أن تقرصه ثم تغسله بالماء ثم تصلى فيه) . ***
جزاكم الله خيرًا السائلة أم أحمد من المدينة النبوية تقول هل يطهر الغسيل عند غسله في الغسالات الأتوماتيكية التي تغسل لوحدها دون تدخل الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد السائلة فيما يظهر أنه إذا غسل الثوب النجس في هذه الغسالات التي تدور على الكهرباء هل يطهر أم لا؟ والجواب أنه يطهر لأن هذا الماء ينقي والمقصود من إزالة النجاسة هو أن تزول عينها بأي مزيل حتى لو فُرض أن الإنسان نشر ثوبه على السطح ثم نزل المطر وطهره يكون طاهرًا لأن إزالة النجاسة لا يشترط لها النية. ***
ما صفة تطهير الفرش الكبير من النجاسة وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة أن يزيل عين النجاسة أولًا إذا كانت ذات جرم فإن كانت جامدة أخذها وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره أو زالت النجاسة وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة مثل أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر فإنه لابد أن يعصر. ***
يقول السائل سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء نجس وعلى هذا فنقول إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة يعني أثر البقعة فإنها لا تطهر بذلك لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا لأن النجاسة عين يجب التخلي منها والتنزه منها فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة وأما الفرش فلابد بأن تغسل الفرش التي تفرش بها الأرض سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة لابد أن تغسل وغسلها بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة. ***
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كانت الأرض أو الشيء الذي يضع عليه الإنسان سجادة الصلاة وهي طاهرة نظيفة ولكن الأرض نجسة أو غير نظيفة فهل هذا حرام وهل يجوز ذلك إذا كانت السجادة طاهرة ولكن ما تحتها نجس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك تحريم أي أنه لا يحرم على الإنسان أن يضع سجادته على شيء نجس يابس ويصلى عليها، إلا أن تكون لهذا النجس رائحةٌ تؤذي الإنسان في صلاته فلا يصلى عليها لئلا يتأذى بها وذلك لأن ما يباشره المصلى طاهر ومن هذا أيضًا ما يحدث كثيرًا في الأحواش تكون فيها البيارة لكنها مطمورة مطمومة فيصلى عليها الإنسان فلا حرج وأما كراهة بعض العلماء لذلك لكونه اعتمد على ما لا تصح الصلاة عليه ففيه نظر لأنه لم يباشر النجس، ومثلها مسألة السجادة إذا وضعها على مكانٍ نجس ولم يباشر النجس فيما إذا صلى على سقف البيارة. ***
جزاكم الله خيرا هذه السائلة ع. ع. من الكويت الصباحية تقول إنها مصابة بالوساوس في الطهارة والحدث في الصلاة فأما بالنسبة للطهارة فتقول إنني أتشدد في غسل كل شيء يقع عليه بول الأطفال لأنها أم لثلاثة أطفال ودائمًا أو كثيرًا ما تتعرض للنجاسة حيث أنهم يبولون على السجاد أو على ملابسهم وعند ما تغسل ملابسهم النجسة تقع نقط من الماء على ملابسها فأصبحت لا تطيق النجاسة وتتضايق كثيرًا عندما ترى أحد أطفالها قد بال على شيء أو بال في ملابسه وأصبحت تشك في كل شيء يلمسه الأطفال كمقبض الباب أو الطاولات أو السجاد وملابسهم ونحو ذلك فتقول أرجو أن تجدوا لي حلا لهذه الوساوس لأنني قد وصلت إلى درجة أنني أصبحت أتثاقل عن أداء الصلوات وأحسب لها ألف حساب فإذا بال الطفل على السجاد فكيف يمكن تطهيره وأقصد بالسجاد الذي يفرش في الغرف فلا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وإذا وطئت بقدمي السجاد وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موقعها وأشتبه علينا فكيف يمكن تطهير السجاد الذي لا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وكذلك كيف يطهر الطفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هاتين المسألتين الفرعيتين نجيب عن أصل الداء أصل الداء وهو الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم والشيطان كما قال الله ﷿ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وهو حريص على كل ما يقلق الإنسان ويحول بينه وبين السعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله ﷿ (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) فالشيطان حريص على فساد ابن آدم والإفساد عليه في دينه ودنياه وهذه الوساوس التي تقع لبعض بني آدم سواء كانت وساوس في العقيدة فيما يتعلق بالرب جل وعلا أو فيما يتعلق بالرسول صلى الله وسلم أو فيما يتعلق بالإسلام عموما أو في مسألة من مسائل الدين كالصلاة والوضوء والطهارة وما أشبه ذلك ودواء ذلك كله ما أرشد الله إليه وأرشد إليه رسوله ﷺ فقد قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) و(قال النبي ﵊ لرجل شكا إليه أن الشيطان يحول بينه وبين صلاته أن يقول إذا أحس به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فدواء هذا الداء الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإخواننا المسلمين منه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يدعه وأن يلهو عنه وألا يلتفت إليه مطلقا حتى لو وسوس له الشيطان بنجاسة شيء أو بالحدث وهو لم يتيقن ذلك فلا يلتفت إليه وإذا داوم على تركه والغفلة عنه وعدم الألتفات إليه فإنه يزول بحول الله أما المسألتان فهما أولا إذا بال الصبي على فراش لا يمكن نزعه كالفرش الكبيرة التي تكون في الحجر والغرف فإن تطهيرها يكون بصب الماء عليها فإذا صب الماء عليها وفرك باليد يؤتى باسفنجة لتمتص هذا الماء ثم يصب عليه ماء آخر ويفعل به كذلك ثم مرة ثالثة وبهذا يطهر المحل إذا كان مجرد بول أما إذا كان شيئا آخر له جرم فلابد من إزالة الجرم أولا ثم التطهير. فضيلة الشيخ: بالنسبة لهذه الفقرة هل في هذا فرق بين ما إذا كان الطفل ذكرا أم أنثى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لغير البول لا فرق بين الذكر والأنثى وبالنسبة للبول فإن البول إذا كان من طفل ذكر لا يأكل الطعام فإنه يكفي فيه النضح، والنضح معناه أن يصب الماء صبا بدون فرك وبدون غسل. فضيلة الشيخ: والبنت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البنت كغيرها لابد أن يغسل. فضيلة الشيخ: الفقرة الثانية تقول إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول ﵊ كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا ﵊ بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي ﵊ بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول ﵊ هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين. أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا. وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحه مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسيًا أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرمًا وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم. ***
المستمعة ع. ع. من الصباحية الكويت تقول عندما اغسل أطفالي من النجاسة يقطر على ملابسي من ماء الغسيل فما حكم هذه القطرات هل تنجس ملابسي ويجب علي أن أبدلها عند الصلاة وكذلك أيضا ما الحكم في مقابض الأبواب التي يلمسها الأطفال وأيديهم نجسة ثم تنشف بعد ذلك عن طريق الهواء هل إذا لمست باليد المبلولة تنجس اليد أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب السؤال الأول وهو أنه يقطر عليها قطرات عند غسيل النجس من ثياب أولادها هو أن نقول هذه القطرات إن كانت قبل طهارة الثياب فإنها تنجس ما أصابته لأن المحل لم يطهر بعد وهذه القطرات تكون نجسة لانفصالها عن محل نجس وأما إذا كان هذا بعد الطهارة أي بعد طهارة الثياب فإنه لا يضرها إذا تساقط شيء منها على ثيابها، وطهارة البول ليست بذاك الأمر الصعب لأن البول سريع الزوال وانظر ما لو نقطت نقطة من البول على بلاطة فإنك إذا صببت عليها ماء انسحبت مع الماء وزالت وكذلك لو كانت على قطعة من القماش فإنك إذا صببت عليها ماء وفركتها فإنها تزول فعلى كل حال إذا كانت هذه النقط بعد أن طهرت الثياب فإنها لا تؤثر شيئا وإن كانت قبل أن تطهر فإنها تكون نجسة ويجب غسل ما أصابته أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو أن الأطفال يلمسون مقابض الأبواب وأيديهم نجسة فإننا نقول ما الذي أدراها أن أيدي الأطفال نجسة؟ فما دامت لا تعلم علم اليقين أن هذه الأيدي تلوثت بالنجاسة فإن الأصل الطهارة ولا نحكم بنجاسة الأولاد إذا لم نعلم أنهم تلوثوا بالنجاسة لا بأبدانهم ولا بثيابهم نعم إذا تيقنا أن الطفل مس هذا المقبض وتلوث هذا المقبض بنجاسته فإنه لابد من غسل هذا المقبض بالماء ويرى بعض أهل العلم أن الشيء الصقيل إذا مسح مسحًا تامًا حتى زال أثر النجاسة فإنها فإنه يطهر والمهم أننا إذا تيقنا أن أيدي الصبي نجسة وأن مقبض الباب تلوث بها فإنه لابد من إزالة هذه النجاسة التي تلوث بها هذا المقبض وإلا فالأصل الطهارة. ***
من عبد الكريم خليل من جدة يقول ما الحكم إذا نزل على ثيابي بول طفل ذكر عمره عدة شهور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى باللبن أن بوله خفيف النجاسة وأنه يكفي في تطهيره النضح وهو أن يغمره بالماء يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك وبدون عصر. فضيلة الشيخ: حتى لو لم ينزل الماء على الأرض من الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وذلك لأنه ثبت (عن النبي ﷺ أنه جيء بصبي صغير فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله) . فضيلة الشيخ: وبالنسبة للأنثى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأنثى لابد من الغسل لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن استثنى الولد بدلالة السنة عليه، والولد أقصد به الذكر. ***
بارك الله فيكم أبو عبد الله من القصيم يقول إذا خرج الإنسان من دورة المياه ووضع الحذاء عند باب الحمام ثم دخل الغرفة حافيًا مع العلم بأن الأطفال يحصل منهم نجاسة فهل يؤثر ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر ذلك شيئًا أي أن مشي الأطفال على الأرض والفرش لا يستلزم نجاستها لأن الشك لا يزول به اليقين واليقين هو أن هذه الأرض أو هذا الفرش طاهرة فإذا شك الإنسان هل أصابتها نجاسة أم لم تصبها فإنها لا تكون نجسة بل هي طاهرة حكمًا ولا ينبغي للإنسان أن يوقع الشك في نفسه في مثل هذه الأمور لأنه إذا أوقع الشك في نفسه فربما يتطور هذا الشك حتى يكون وسواسًا يعجز عن التخلص منه وقد ذكر (أن عمر بن الخطاب ﵁ مر على صاحب حوض وأصابه هو وصاحب له من هذا الحوض فطلب صاحبه من صاحب الحوض أن يبين له هل هو نجس أم طاهر؟ فقال له عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا) هذا الأثر أو معناه وهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتنطع فيما الأصل فيه الاباحة أو الأصل فيه الطهارة بل يبقى على الأصل حتى يزول هذا الأصل بيقين ويشهد لهذا (أن رسول الله ﷺ سئل عن الرجل يحس بالشيء في بطنه فيشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال ﵊ لا يخرج -يعني من المسجد- حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحا) وهذه إشارة من رسول الله ﷺ إلى البناء على الأصل وهو الطهارة وعلى هذا فإذا كان عند الحمام نعال دخل بها ثم توضأ وخرج ثم خلعها ثم مشى في بيته فإنه لا بأس عليه في ذلك ولا تنجس قدماه بوطئها على الأرض التي يطأها ويحس بها ويطأ عليها الصبيان وبهذه المناسبة أقول إنه لما كانت البيوت في غالبها اليوم مفروش بفرش يصعب حملها وغسلها فإنه إذا وقعت نجاسة على هذه الفرش فإنها تجفف أولًا بالاسفنج بحيث يُضغط على الاسفنج فوق المحل حتى يتسرب النجاسة ثم يعصر في محل آخر في إناء أو غيره ثم إذا نشف يصب عليه الماء ثلاثة مرات كلما صب عليه الماء فرك باليد ثم ينشف وبهذا يكون طاهرًا. ***
أحسن الله إليكم السائل يقول في كثير من البيوت في وقتنا الحاضر ظاهرة عدم الاهتمام بنظافة وطهارة المكان الذي يصلى فيه الكبار والصغار يدخلون بأحذيتهم على البساط هل هذا العمل يؤثر على طهارة هذا المكان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر على طهارته لأن الأصل هو الطهارة حتى الحذاء التي تكون للحمامات ليست بنجسة لأن الحمامات في وقتنا الحاضر والحمد لله لها كراسي نظيفة ولا تكون النجاسة إلا في وسط هذا الحوض الذي يكون فيه البول والتغوط وما حوله كله نظيف فتكون الحذاء طاهرة وإذا كانت الحذاء طاهرة لم تنجس ما يطأ عليه بها حتى ولو كانت رطبة والناس في هذا الباب طرفان ووسط طرف متشدد في هذا الأمر وكل شيء عنده نجس ويتعب تعبًا عظيمًا في طهارة ثيابه ونعاله وما يصلى عليه وطرف آخر بالعكس والوسط هو الذي يتمشى على ما جاء بالكتاب والسنة فلا وكس ولا شطط فإذا دخلنا حجرة في أي مكان كان في بيوتنا أو غيرها ونحن لم نعلم أن النجاسة في هذا المكان المعين فلنا أن نصلى فيها ولا بأس. ***
إذا خرجت من دورة المياه متوضأ فأردت دخول الغرفة خلعت النعلين لكن زوجتي تخبرني أن في الحجرة بعض النجاسات من الأطفال ماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت النجسات موجودة متبينة فتجنبها عند المشي وإذا لم تكن موجودة فلا حرج عليه ولا تنجس قدمك بذلك وذلك أن هذه النجاسات قد تكون طَهُرَت من قبل وأُزيلت ومن ثم نرى أن الإنسان ينبغي له إذا تنجست فرشه أن يبادر بغسلها لأنه ربما ينسى ويجلس عليه وهو رطب فيتلوث ثوبه بالنجاسة أو يتلوث بدنه إذا كان رطبا بالنجاسة. ***
أحسن الله إليكم إذا وقعت نجاسة على الملابس أو جسم شخص مثلا متوضئ فهل يعيد الوضوء أم يكتفي بغسل المكان الذي تنجس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء إذا تنجس بدنه بعد أن توضأ بل يغسل النجاسة وكفى لكن لو بال أو تغوط أو خرج منه ريح أو وجد منه ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يطهر محل النجاسة ويعيد الوضوء. ***
ما حكم مس المصحف وقراءة القرآن والوضوء في ملابس بها نجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وعلى ثيابه نجاسة لأنه ليس من شرط جواز قراءة القرآن أن يتطهر من النجاسة لكن لا ينبغي على الإنسان أن يبقي على جسده ثوبًا فيه نجاسة فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبادر بغسل النجاسة كما في الحديث الصحيح (أنه أوتي النبي ﷺ بصبي لم يأكل الطعام فأجلسه في حجره فبال الصبي على حجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا النبي ﷺ بماء فنضحه) أي بادر بإزالة النجاسة وهكذا ينبغي للإنسان إذا تنجس ثوبه أوسرواله أوغترته أومشلحه أو فراشه أن يبادر بغسل النجاسة فإذا قُدِّرَ أن الإنسان لم يتيسر له أن يغسل النجاسة وصار على ثوبه نجاسة فله أن يقرأ القرآن سواء مس المصحف إذا كان على وضوء أو قرأ حفظًا عن قلبه فكل ذلك سواء أي لا يضره. ***
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع عبد الرحمن م س من مقديشو الصومال يقول أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون أنه لحراسة منزلهم وكثيرًا ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم، وهل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط وهل يؤثر لمسه باليد على صحة الوضوء أم يعتبر ناقضًا، وما حكم استعمال الآنية التي قد يلعق طعامه وشرابه فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص به الشارع والنبي ﵊ رخص في ذلك في ثلاثة أمور: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب. وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها. والثالث كلب الصيد ينتفع به الصائد. هذه الثلاث التي رخص النبي ﷺ فيها باقتناء الكلب وما عداها فإنه لا يجوز وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذا الحال محرم لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يُقتنى لحراسة البيت ومن فيه وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد وإن كان مسه برطوبة أي حيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أويده أو يد الماس رطبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم ويجب غسلها أي غسل اليد بعده سبعة مرات إحداها بالتراب وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء أي شرب منه غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة (عن النبي ﵊ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداها بالتراب) . ***
ع. م. ص. من الزلفي يقول هل الخمر نجسة كسائر النجاسات وإذا كانت كذلك هل يلحق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان وإن أريد بها النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية فالذين قالوا إنها نجسةٌ نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) . . . والرجس هو النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ولحديث أنس (أن النبي ﷺ أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالرجس في الآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا إن الله ﷾ قيد في سورة المائدة ذلك الرجس (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فهو رجسٌ عملي وليس رجسًا عينيًا ذاتيًا بدليل أنه قال (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد والأصل أن تتفق فيه فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان وقالوا أيضًا أنه ثبت (لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق) ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز وقالوا أيضًا إن الرسول ﷺ لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت لحوم الحمرالأهلية قالوا وقد ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى براوية من خمر إلى النبي ﷺ فأهداها إليه فقال الرسول ﵊ أما علمت أنها قد حرمت ثم ساره رجل أي كلم صاحب الراوية رجلٌ بكلامٍ سر فقال ماذا قلت؟ قال قلت يبيعها، فقال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر) ولم يأمره النبي ﵊ بغسلها منه ولا منعه من إراقتها قالوا: فهذا دليل على أنه أي الخمر ليس نجسًا نجاسةً حسية وقالوا أيضًا الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بين يدل على النجاسة وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرنا أدلته فتكون هذه الكولونيا وشبهها ليس بنجسٍ أيضًا وإذا لم يكن نجسًا فإنه لا يجب تطهير الثياب منه ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذا الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟ لننظر، يقول الله تعالى في الخمر (فَاجْتَنِبُوهُ) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شربًا أو استعمالًا أو ما أشبه ذلك، أمر أمرًا مطلقًا بالاجتناب فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب أو نقول إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم إذ أن علة الحكم -الإسكار- هي الموجبة له فإذا فقدت العلة فقد الحكم فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحًا فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلًا من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهرًا فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لم يتأثر بها فإنه لا يكون خمرًا وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة وهو أنهم يظنون أن معنى قوله ﷺ (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حرامًا وليس هذا معنى الحديث بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حرامًا مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشرة قارورات سكرت وإن شربت قارورة لم تسكر فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حرامًا هذا معنى (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالًا لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم فينبغي أن يتنبه لذلك ولكني مع هذا لا استعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئًا احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل الكحول الطبي من مفسدات الوضوء، وهل العطر أو الطيب من مفسدات الصوم ما حكم ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول الطبية ليست مفسدة للوضوء بل جميع النجاسات إذا أصابت البدن فإنها لا توجب الوضوء لأن نواقض الوضوء تتعلق بالبدن من بول أو غائط أو ريح أو ما أشبه ذلك من النواقض المعلومة وأما إصابة النجاسة للبدن فإنها لا تنقض الوضوء ولكن يبقى النظر هل الكحول الطبية نجسة أو لا هذا مبني على القول بنجاسة الخمر فإن أكثر أهل العلم يرون أن الخمر نجس نجاسة حسية كنجاسة البول والغائط يجب أن يتخلى الإنسان منها ولكن القول الراجح أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية لعدم الدليل على ذلك وهو وإن كان محرما بلا شك فإنه لا يلزم من التحريم النجاسة فالسموم مثلا حرام وليست بنجسة التدخين حرام وليس التبغ نجسا فلا يلزم من التحريم النجاسة ولكن يلزم من النجاسة التحريم ويدل على عدم نجاسة الخمر أمور أولا أنه لا دليل على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة، ثانيا: قد دل الدليل على أنه طاهر وذلك من وجوه فإنه لما نزل تحريم الخمر (خرج المسلمون بدنانها أي أوانيها وأراقوها في أسواق المدينة) والنجس لا تجوز إراقته في طرقات المسلمين ولأن النبي ﷺ لم يأمرهم بغسلها حين نزل تحريمها أي لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه أمر بغسل الأواني من لحوم الحمر حينما حرمت الحمر يعني الحمير ولأنه ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية خمر يهديها إليه فقال له النبي ﷺ إنها حرمت فساره رجل فقال النبي ﷺ بم ساررته قال قلت بعها فقال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم فتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره أن يغسل الراوية ولو كان الخمر نجسا لأمره بغسل الراوية منه وإذا كان الخمر ليس بنجس نجاسة حسية فإن الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فإذا أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسلها يبقى النظر في استعمال ما فيه مادة الكحول هل هذا جائز أو لا فنقول إن كانت النسبة كبيرة أي نسبة الكحول في هذا المستعمل كبيرة فحكمه كالكحول الخالصة وإن كانت يسيرة لا تأثر فيه فلا بأس بها ولا تؤثر منعا في استعماله فإن قال قائل أليس النبي ﷺ (قال ما أسكر كثيرة فقليله حرام) قلنا بلى لكن معنى الحديث أن الشراب إذا كان يسكر إذا أكثر منه ولا يسكر إذا كان قليلا فإن قليله يكون حراما لئلا يتوصل به الإنسان إلى شرب الكثير ولكن لا شك أن الاحتياط والورع تجنب استعماله لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) فنحن نشير على إخواننا ألا يستعملوا ما فيه مادة الكحول إذا كانت النسبة كبيرة إلا لحاجة كتعقيم الجروح وما أشبهها. ***
السائلة من الجزائر تقول هل يصح وضع العطر الذي به كحول بنسبة كبيرة أو بنسبة صغيرة وما هي النسبة الصغيرة المحددة للكحول التي اتفق عليها العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمرًا لقول النبي ﷺ (كل مسكر حرام) وفي رواية (كل مسكر خمر) وعلى هذا فإذا خالطت هذه الكحول شيئًا ولم تضمحل بما خالطته صار هذا الشيء حرامًا لأن هذا الخليط أثر فيه أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر فإنه لا يحرم بذلك لأن أهل العلم ﵏ أجمعوا على أن الماء إذا خالطته نجاسة لم تغيره فإنه يكون طهورًا والنسبة بين الكحول وبين ما خالطه قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة بمعنى أن هذه الكحول قد تكون قوية فيكون اليسير منها مؤثرًا في المخالط وقد تكون ضعيفة فيكون الكثير منها غير مؤثر والمدار كله على التأثير ثم هاهنا مسألتان، الأولى: هل الخمر نجس نجاسة حسية أي أنه يجب التنزه منه وغسل الثياب إذا أصابها وغسل البدن إذا أصابه وغسل الآواني إذا أصابها أو لا، جمهور العلماء على أن الخمر نجس نجاسة حسية وأنه يجب غسل ما أصابه من بدن أو ثياب أو أواني أو فرش أو غيرها كما يجب غسل البول والعذرة واستدلوا لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) والرجس هو النجس بدليل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس واستدلوا أيضًا بحديث (أبي ثعلبة الخشني حيث سأل النبي ﷺ عن الأكل بآنية الكفار فقال النبي ﷺ لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) وقد ورد في تعليل النهي عن الأكل فيها أنهم كانوا يضعون فيها الخمر ولحم الخنزير وما أشبه ذلك ولكن القول الثاني في المسألة أن الخمر ليس نجسًا نجاسة حسية واستدل لهذا القول بأن الأصل في الأشياء الطهارة وأنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فالسم حرام بلا شك ومع ذلك ليس بنجس وقالوا إن القاعدة الشرعية أن (كل نجس حرام وليس كل حرام نجسًا) وعلى هذا فيبقى الخمر حرامًا وليس بنجس حتى تقوم الأدلة على نجاسته واستدلوا أيضًا بـ (أن الخمر حين حرمت أراقها المسلمون في الأسواق ولم يغسلوا الآواني منها) وإراقتها في الأسواق دليل على عدم نجاستها لأنه لا يحل لإنسان أن يريق النجس في أسواق المسلمين لقول النبي ﷺ (اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله وما اللاعنان قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ولأنهم لم يغسلوا الآواني منها ولو كانت نجسة لوجب غسل الآواني منها واستدل لهذا القول أيضًا بما ثبت في صحيح مسلم (أن رجل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواية خمر فأخبره النبي ﷺ أنها حرمت فتكلم أحد الصحابة مع صاحب الراوية سرًا أي أسر إليه حديثًا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته، قال: قلت: بعها، فنهى النبي ﷺ عن بيعها، وقال: إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) هذا الحديث أو معناه ثم فتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر النبي ﷺ بغسل الرواية ولو كان الخمر نجسًا لأخبره ﷺ بنجاسة الرواية وأمره بغسلها وأما ما استدل به القائلون بالنجاسة الحسية في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فإن الله تعالى قيد هذا الرجس بأنه رجس عملي قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وليس رجسًا عينيًا بدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها نجاسة حسية والخبر عن نجاستها ونجاسة الخمر خبر واحد لعامل واحد (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ومثل هذا لا يجوز أن تفرق الدلالة فيه على وجهين مختلفين إلا بدليل يعين ذلك وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فليس الأمر بغسلها من أجل نجاستها لاحتمال أن يكون الأمر بغسلها من أجل الابتعاد التام والانفصال التام عن استعمال آواني الكفار الذي يجر إلى مماستهم والقرب منهم وليس للنجاسة لأن المعروف أن النجاسة لا تثبت بالاحتمال، على كل حال هذا هو الأمر الأول مما يتعين البحث فيه في جواب هذا السؤال عن الكحول وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسية صارت هذه الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فتبقى على طهارتها، أما الأمر الثاني: فإذا تعين أن في هذه الأطياب كحولًا ومؤثرًا لكونه كثيرًا فهل يجوز استعماله في غير الشرب جواب ذلك أن يقال إن قول الله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) عام في جميع وجوه الاستعمال أي أننا نجتنبه أكلًا وشربًا وادهنًا وغير ذلك هذا هو الأحوط بلا شك لكنه لا يتعين في غير الشرب لأن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا لا يتأتَّى في غير الشرب وعلى هذا فالورع اجتناب التطيب بهذه الأطياب والجزم بالتحريم لا يمكن لكن يبقى أن المرأة لا يحل لها أن تتطيب إذا أرادت الخروج إلى الأسواق لما في ذلك من الفتنة وقد قال النبي ﷺ (أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا صلاة العشاء) فمنع المرأة من شهود صلاة العشاء إذا أصابت بخورًا لأن البخور يظهر ريحه. ***
من مصر إحدى الأخوات المستمعات تقول هل يجوز الاستخدام الظاهري للروائح والعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول كما في تطهير الجروح وغيرها أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج في الجواب عليه إلى أمرين، الأمر الأول: هل الخمر نجس أو ليس بنجس وهذا مما اختلف فيه اهل العلم وأكثر أهل العلم على أن الخمر نجس نجاسة حسية بمعنى أنه إذا أصاب الثوب أو البدن أو البقعة وجب التطهر منه ومن أهل العلم من يقول إن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس هناك دليل على أن الخمر نجس وإذا لم يثبت بدليل شرعي أن الخمر نجس فإن الأصل الطهارة وإذا كان الأصل الطهارة فإن من قضى بنجاسته يطالب بالدليل وقد يقول قائل الدليل من كتاب الله في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والرجس بمعنى النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أي هذا المطعوم المذكور من الميتة ولحم الخنزير والدم المسفوح (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس والدليل على أن المراد بالرجس هنا النجس قول النبي ﷺ في جلود الميتة (يطهرها الماء والقرظ) فإن قوله (يطهرها) دليل على أنها كانت نجسة وهذا أمر معلوم عند أهل العلم فإذا كان الرجس بمعنى النجس فإن قوله تعالى في آية تحريم الخمر (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أي نجس ولكن يجاب على ذلك بأن المراد بالرجس هنا الرجس العملي لا الرجس الحسي بدليل قوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وبدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية كما هو معلوم والخبر هنا (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) خبر عن الأمور الأربعة عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وإذا كان خبرًا عن هذه الأربعة فهو حكم عليها جميعًا بحكم تتساوى فيه ثم إن عند القائلين بأن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية دليلًا من السنة فإنه لما نزل تحريم الخمر لم يأمر النبي ﷺ بغسل الأواني منها (والصحابة ﵃ أراقوها في الأسواق) ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق لما يلزم من تنجيس الأسواق وتنجيس المارين بها بل قد ثبت في صحيح مسلم (في قصة الرجل الذي أهدى راوية خمر للنبي ﷺ فقال له النبي ﷺ إنها حرمت فساره رجل أي تكلم مع هذا الصحابي رجل آخر سرًا يقول له بعها فسأله النبي ﷺ عن ذلك فأخبره أنه يقول له بعها فقال ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه ففتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر) بحضرة النبي ﷺ ولما يأمره النبي ﷺ بغسلها من هذا الخمر فدل ذلك على أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية هذا هو الأمر الأول الذي يحتاجه هذا السؤال. أما الأمر الثاني: فهو إذا تبين أن الخمر ليس بنجس وهو القول الراجح عندي فإن الكحول لا تكون نجسة نجاسة حسية بل نجاستها معنوية لأن الكحول المسكرة خمر لقول النبي ﷺ (كل مسكر خمر) وإذا كانت خمرًا فإن استعمالها في الشرب والأكل بأن تمزج في شيء مأكول ويؤكل حرام بالنص والإجماع وأما استعمالها في غير ذلك كالتطهير من الجراثيم ونحوه فإنه موضع نظر فمن تجنبه فهو أحوط وأنا لا استطيع أن أقول إنه حرام لكني لا استعمله بنفسي إلا عند الحاجة إلى ذلك كما لو احتجت لتعقيم جرح أو نحوه والله أعلم. ***
ما الحكم في استعمال العطور الصناعية المستوردة وهل هي نجسة بحيث لو وقع شيء منها على ثوب الإنسان ينجس موقعه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما النجاسة فليست بنجسة وذلك لأن القول الراجح عندي أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأنه لا دليل على نجاسته والأصل فيما لم يدل الدليل على نجاسته الطهارة بل إنه ورد في السنة ما يدل على طهارته طهارة حسية تقوية للأصل وذلك أنه لما نزل تحريم الخمر (قام الناس على الخمور التي عندهم فأراقوها في أسواق المدينة) ولم يأمرهم النبي ﷺ بغسل هذه الأواني ولو كان نجسا ما أراقوه بالأسواق لأن إراقة النجاسات في الأسواق محرمة كالبول فيها ولو كانت نجسة لأمرهم النبي ﵊ بغسل أوانيهم منها كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر حين حرمت وقد ثبت أيضا في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى براوية خمر إلى رسول الله ﷺ فأهداها إليه فقال له النبي ﵊ أما علمت أنها قد حرمت؟ فساره رجل يقول له بعها فقال النبي ﵊ ماذا قلت قال قلت له بعها فقال ﷺ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم أخذ صاحبها بفمها فأراقه) ولم يأمره النبي صلى الله وسلم بغسلها ولو كان نجسا لأمره بغسلها فأما قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإن هذا الرجس هو رجس عملي ولهذا قيد بقوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ويدل على أنه ليس المراد به النجاسة الحسية أن الله قرنه بما ليس بنجس حسّا وجعل الخبر واحدا في الجميع (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الأنصاب والأزلام والميسر ليست نجسة نجاسة حسية والخبر واحد عن الأربعة كلها فدل هذا على أن المراد بالرجس هنا الرجس المعنوي دون الحسي وهو الرجس العملي كما في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فإذا تبين أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية فإنه يتبين الجواب عن هذا السؤال الذي سأله السائل وهو ما إذا أصاب الثوب من هذه العطورات التي يقال أن فيها مادة خمرية فإنه لا يجب غسله لأنه طاهر ولكن هل يجوز استعمال هذه الأطياب؟ أمّا على رأي من يرى أنها نجسة فلا يجوز استعمالها وأما على رأي من يرى أنها طاهرة فإن الأولى عدم استعمالها لعموم قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) لأن الأمر بالاجتناب في الخمر عام لم يخصص فيه شيء دون شيء ولكني لا أجزم بالتحريم لأن قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) قد يراد به اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا يدل على أن الواجب اجتناب ما يؤدي إلى هذه العلة ومجرد استعماله لا يؤدي إلى هذه العلة فأنا لا أحرمه ولكني لا أستعمله شخصيا إلا إذا كان هناك حاجة كتعقيم جرح أو شبهه فإنه لا بأس به. ***
بارك الله فيكم السائل من جمهورية الصومال مقيم بالجماهيرية العربية الليبية م. م. ع. يقول هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين القسم الأول أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئًا مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئًا والقسم الثاني أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به فمنهم من قال بجواز ذلك وقال لأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به وقال أيضًا إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه واستدل لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وقال إن هذا هو تعليل الحكم أي حكم التحريم وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وقال إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب به الإنسان ومن العلماء من قال لا يتطيب به لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم ولكن الاحتياط ألا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه. أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فقد يحرم الشيء وليس بنجس فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة فالسم مثلًا حرام وإن لم يكن نجسًا وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليس بنجاسة بل قال شيخ الإسلام ﵀ إن الطعام الحلال لو كان يخشى الإنسان من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيرًا أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حرامًا والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فالخمر لا شك في تحريمه لكن ليس بنجس لأنه لا دليل على نجاسته وقد علم المستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجسًا بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس أي هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له فقال النبي ﷺ إنها حرمت -والمحرم لا يجوز قبوله بل يجب إتلافه- فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بم ساررته؟ قال: قلت بعها فقال رسول الله ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره النبي ﷺ بغسلها من هذا الخمر ولو كانت نجسة لأمر النبي ﷺ صاحبها أن يغسلها هذا دليل ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر (أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة) ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها. ***
بارك الله فيكم هذه مستمعة رمزت لاسمها بـ خ. ع. ر. تقول في سؤالها ما حكم الشرع في نظركم في وضع الكلونيا على الجسم هل هي نجسة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلونيا ليست بنجسة وكذلك سائر الكحول ليست بنجسة وذلك لأن القول بنجاستها مبني على القول بنجاسة الخمر والراجح الذي تدل عليه الأدلة أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وإنما نجاسته معنوية ودليل ذلك أولًا (أن الصحابة ﵃ لما حرمت الخمر أراقوا الخمر في الأسواق) ولو كانت نجسة ما حل لهم أن يريقوها في الأسواق لأن الإنسان لا يحل له أن يريق شيئًا نجسًا في أسواق المسلمين. ثانيًا أن النبي ﷺ لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه لما حرمت الحُمُر في خيبر أمر النبي ﵊ بغسل الأواني منها. ثالثًا أن رجلًا أهدى إلى رسول الله ﷺ راوية خمر فقال النبي ﵊ (إنها حرمت فتكلم معه رجل أي مع صاحب الراوية سرًا يقول له بعها فقال النبي ﷺ للرجل بما ساررته؟ فقال قلت بعها يا رسول الله قال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنها ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر منها) ولم يأمره النبي ﷺ بغسلها ولو كان الخمر نجسًا لأمره بغسلها لأنه سوف يستعملها في مائه لشرابه وطهوره وهذه أدلة إيجابية تدل على أن الخمر ليس بنجس ثم هناك دليل سلبي أي مبني على البراءة وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على نجاستها كما أن الأصل في الأشياء الحل حتى يقوم دليل على تحريمها ومن المعلوم أنه لا تلازم بين التحريم والنجاسة بمعنى أنه ليس كل شيء محرم يكون نجسًا فالسم مثلًا محرم وليس بنجس وكل نجس فهو محرم ولا عكس لأن النجس يجب التطهر منه فإذا كان ملابسة النجس محرمة تجب إزالته فمن باب أولى وأحرى اكله وشربه فإن قال قائل أن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فقال (رِجْسٌ) والرجس النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (رِجْسٌ) أي نجس؟ فالجواب عن الآية أن المراد بقوله (رِجْسٌ) أي رجس عملي فهي نجاسة معنوية ولهذا قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ثم إنه قرنه بالميسر والأنصاب والأزلام وهذه ليست نجسة نجاسة حسية بالاتفاق فعلم أن المراد بالرجسية في قوله (رِجْسٌ) الرجسية المعنوية وليست الرجسية الحسية ولكن يبقى السؤال هل يجوز أن نستعمل هذه الأطياب التي فيها شيء من الكحول؟ والجواب على ذلك أن نقول إذا كان الشيء يسيرًا مستهلكًا فيما مزج به فإنه لا حرج في استعمالها لأن الشيء الطاهر إذا خالطه شيء نجس لم يتغير به فإنه يكون طاهرًا أما إذا كان الخليط من الكحول كثيرًا بحيث يُسكر لو شربه الإنسان فإنه لا ينبغي استعماله والتطيب به لكن إذا احتاج الإنسان إلى استعماله لدواء جرح وما أشبه ذلك فلا بأس. ***
أحسن الله إليكم يقول هل المني والمذي من النجاسات التي يجب غسلها بالماء من الثوب والبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما المني فطاهر كما دلت على ذلك السنة وأما المذي فنجس لكنه خفيف النجاسة يكفي فيه النضح بدون غسل ولا فرك والنضح معناه أن يصب عليه ماء يستوعبه فيكون بمنزلة بول الغلام الصغير الذي لا يأكل الطعام وإنما يتغذى باللبن ولهذا نقول النجاسات ثلاثة أقسام مغلظة ومخففة ومتوسطة فأما المغلظة فهي نجاسة الكلب ولا بد فيها من سبع غسلات أحداهن بالتراب وجعل التراب في الغسلة الأولى أولى والمخففة نجاسة الصبي الغلام الصغير الذي يتغذى باللبن لم يفطم بعد نجاسة بوله خاصة والثاني المذي فيكتفى فيهما بالنضح بمعنى أن يصب الماء على المكان بدون أن يفركه أو يعصره ثم بقية النجاسات متوسطة يكتفى فيها بإزالة عين النجاسة ولا عدد لها فإن قال قائل أليس النعل يكفي فيه المسح بالأرض إذا أصابته النجاسة وكذلك الخف؟ فالجواب بلى لكن هذا ليس لأن النجاسة مخففة ولكن خفف طريق إزالتها للمشقة في غسل النعال وغسل الخفاف خُفِّفَ فيها بأن تمسح في الأرض حتى تمحى عين النجاسة. ***
هل يجوز الصلاة في الثياب التي احتلم فيها الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يصلى في الثياب التي احتلم فيها إلا أنه ينبغي أن يغسل المني إن كان رطبًا ويفركه إن كان يابسًا وهذا إذا كان قد نام على استنجاء بالماء أو استجمار شرعي أما إذا كان قد نام ليس على استنجاء بالماء ولا على استجمار شرعي فإنه لا يجوز أن يصلى بالثوب الذي تأثر بهذا المني حتى يغسله وذلك لأن المني إذا باشر محل النجس تلوث به فإذا تلوث به وأصاب الثوب فإنه يجب غسله. ***
المستمع عبد القادر الشيخ من الجبيل الصناعية يقول ما حكم اللُّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم وهل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة، وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللُّعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف وماء الجروح كل هذه طاهرة لأن هذا هو الأصل والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش ***
جزاكم الله خيرًا ما حكم الدم الخارج من جسد الإنسان سواءٌ كان من الأنف أو غيره هل يعتبر نجسًا يجب غسل ما أصابه من الملابس وينقض الوضوء وما هو الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله هو الذي يخرج من الحيوان في حال حياته مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل إذا جاع فَصَدَ عِرقًا من بعيره وشرب دمه فهذا هو المحرم وكذلك الدم الذي يكون عند الذبح قبل أن تخرج الروح هذا هو الدم المحرم النجس ودلالة القرآن عليه ظاهرة في عدة آياتٍ من القرآن بأنه حرام ففي سورة الأنعام صرح الله ﵎ بأنه نجس فإن قوله تعالى (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس كما قيل يعود على الخنزير فقط لو تأملت الآية وجدت أن هذا هو المتعين (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) ذلك الشيء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي إن ذلك الشيء الذي استثني من الحل هو الذي يكون نجسًا فالتعليل تعليل للحكم الذي يتضمن هذه الأمور الثلاثة وهذا أمر ظاهر لمن يتدبره وليس من باب الخلاف هل يعود الضمير إلى بعض المذكور أو إلى كل المذكور بل هذا واضحٌ لأنه تعليلٌ لحكمٍ ينتظم ثلاثة أمور هذا هو الدم المسفوح. أما الدم الذي يبقى في الحيوان الحلال بعد تذكيته تذكيةً شرعية فإنه يكون طاهرًا حتى لو انفجر بعد فصده فإن بعض العروق يكون فيها دمٌ بعد الذبح وبعد خروج الروح بحيث إذا فَصَدتها سال منها الدم هذا الدم حلالٌ وطاهر وكذلك دم الكبد ودم القلب وما أشبهه كله حلالً وطاهر. وأما الدم الخارج من الإنسان فالدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين من القبل أو الدبر فهو نجسٌ وناقضٌ للوضوء قل أم كثر لأن النبي ﷺ أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقًا وهذا دليلٌ على نجاسته وأنه لا يعفى عن يسيره وهو كذلك فهو نجس لا يعفى عن يسيره وناقض للوضوء قليله أو كثيره وأما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو من السِّن أو من جرحٍ بحديدة أو بزجاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارجٌ من غير السبيلين من البدن سواءٌ من الأنف أو من السِّن أو من غيره سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه والله أعلم. ***
بارك الله فيكم إذا وقع على ثوب الإحرام دم قليل أو كثير فهل يصلى فيه وعليه الدم وماذا يفعل المحرم وهو يؤدي مناسك الحج مثلًا في السعي أو في الطواف أو الرمي أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم إذا كان طاهرًا فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها كدم الكبد ودم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك وأما إذا كان الدم نجسًا فإنه يغسل سواءٌ في ثوب الإحرام أو غيره وذلك مثل الدم المسفوح فلو ذبح شاةً مثلًا وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه سواءٌ وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام أو على بدنه إلا أن العلماء ﵏ قالوا يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه وأما قوله وماذا على المحرم في الطواف والسعي؟ فعليه ما ما ذكره العلماء من أنه يطوف بالبيت فيجعل البيت عن يساره ويبدأ بالحجر الأسود وينتهي بالحجر الأسود سبعة أشواطٍ لا تنقص وكذلك يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ لا تنقص يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة وما يفعله الحجاج معروفٌ في المناسك فليرجع إليه هذا السائل. ***
دم الحيوانات إذا علق بالثوب أو البدن فهل يَنْجُسَان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقسم العلماء الحيوانات إلى أقسام قسم نجس في الحياة وبعد الموت وقسم طاهر في الحياة ونجس بعد الموت وقسم طاهر في الحياة وبعد الموت أما القسم النجس في الحياة وبعد الموت فإن دمه نجس ويجب غسل قليله وكثيره وذلك مثل الكلب وأما الطاهر في الحياة النجس بعد الموت فإن دمه نجس ولكن يُعفى عن قليله لمشقة التحرز منه وذلك مثل دم بهيمة الأنعام كالإبل والبقر والغنم فإن هذه طاهرة في حياتها وإذا ماتت بغير ذكاة شرعية فإنها تكون نجسة فيكون دمها نجسًا ولكنه يُعفى عن يسيره والقسم الثالث طاهر في الحياة وبعد الموت مثل حيوان البحر كالسمك وكذلك ما لا نفس له سائلة كالذباب وشبهه فهذا دمه طاهر حتى لو فرض أنه كثير في دم السمك ونحوه لأن ميتتها طاهرة وذلك لأن تحريم الميتة من أجل احتقان الدم فيها فإذا كانت هذه ميتتها طاهرة دل هذا على أن دمها طاهر وإلا لوجب أن تكون ميتتها نجسة من أجل احتقان الدم فهذا ما ذكره أهل العلم في تقسيم دماء الحيوان. ***
إذا وقع من دم الذبيحة الخارج منها عند ذبحها على الملابس شيء ثم صلى بعد ذلك فهل صلاة المرء جائزة وما حكم هذا الدم من حيث النجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم نجس لأنه دم مسفوح وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فقوله (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على المستثنى السابق وهي ثلاثة أشياء الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وعلى هذا فالدم المسفوح الذي يخرج من الحيوان قبل خروج روحه يكون نجسًا يجب تطهير البدن والثوب منه إلا أن أهل العلم ﵏ استثنوا من ذلك الشيء اليسير فقالوا إنه يُعفى عنه لمشقة التحرز منه وعلى كل حال إذا صلى الإنسان في ثوب متلطخ بالدم المسفوح على وجه لا يعفى عنه فإن كان عالمًا بهذا الدم وعالمًا بالحكم الشرعي وهو أن صلاته لا تصح فإن صلاته باطلة وعليه أن يعيدها وإن كان جاهلًا بهذا الدم لم يعلم به إلا بعد صلاته أو عَلِم به ولكنه لم يعلم أنه نجس مفسد للصلاة فإن صلاته أيضًا صحيحة وذلك لأن (النبي ﷺ صلى ذات يوم بأصحابه وفي أثناء صلاته خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فقال النبي ﷺ حين انصرف من صلاته يسألهم لماذا خلعوا نعالهم قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً أو قال قذرًا) فخلعهما النبي ﵊ ولم يستأنف الصلاة فدل هذا على أن من صلَّى بالنجاسة جاهلًا بها فإنه لا إعادة عليه وكذلك من جهل حكمها ومثل الجهل النسيان أيضًا فلو أصاب الإنسان نجاسة على ثوبه أو بدنه وصلَّى قبل أن يغسلها ناسيًا فإن صلاته صحيحة لعموم قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) ولكن نحن ننصح إخواننا المسلمين إذا أصابتهم نجاسة على ثيابهم أو أبدانهم أو مكان صلاتهم أن يبادروا بتطهيرها لأن رسول الله ﷺ كان هذا هديه فإنه (لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي ﷺ بذنوب من ماء فأريق عليه) ولما (بال الصبي في حجره دعا بماء فأتبعه إياه) فهذا دليل على أن المرء ينبغي له أن يُطهر مكان صلاته وثيابه وكذلك بدنه مما أصابه من النجاسة فورًا لئلا تبقى هذه الأشياء نجسة ولأنه يخشى أن ينسى فيصلى فيها فعلى كل حال الذي ينبغي للمرء أن يبادر بتطهير ثيابه وبدنه ومكان صلاته من النجاسة. ***
مبروك علي أحمد مصري يعمل في الأردن يقول في رسالته أنا أصلى وعلى ملابسي بعض من دم المواشي وهذا بسبب ظروف العمل فهل هذا يبطل الصلاة أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدم من المواشي بعد الذبح وخروج النفس فإنه يكون طاهرًا لأن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد موت المذكاة طاهر وحلال وأما إذا كان هذا الدم من البهيمة وهي حية أو كان هو الدم المسفوح الذي يكون عند الذبح فإنه نجس لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (فَإِنَّهُ) أي هذا الشيء فالضمير عائد على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس عائدًا على قوله (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) بل هو عائد على المستثنى كله وتقدير الآية إلا أن يكون الشيء المحرم الذي يطعمه ميتة أودم مسفوحًا أو لحم خنزير فإن ذلك الشيء يكون نجسًا (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس وعلى هذا فنقول إن الدم الذي يخرج من البهيمة وهي حية أو يخرج منها عند الذبح دم نجس إلا أن العلماء ﵏ قالوا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه. ***
يقول السائل أنا رجل أرعى الغنم وفي فصل الشتاء غالبا ما تكون ملا بسي متسخة يتعذر خلعها واستبدالها في كل وقت خاصة في أيام البرد الشديد فهل من الممكن أن أقوم بصلاة الليل وتلاوة القرآن على هذه الحالة بتيمم فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت راعي غنم فالغنم طاهرة بولها طاهر وروثها طاهر وريقها طاهر ولبنها طاهر حتى لو تلوثت الثياب بها ببولها أو بروثها أو بغير ذلك فإن الثياب طاهرة تجوز فيها الصلاة وتجوز فيها قراءة القرآن والتهجد في الليل وغير ذلك من الصلوات. ***
السائل من العراق بغداد رمز لاسمه بالأحرف ع. س. ج. يقول ما هي حقيقة نجاسة المشرك والكافر وهل معنى هذا أنه إذا مس أحد المسلمين أحد المشركين أو الكفار وهو على طهارة أن طهارته قد انتقضت أم أن النجاسة معنوية وليست حسية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نجاسة المشركين بل نجاسة جميع الكفار نجاسة معنوية وليست نجاسة حسية لقول النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) ومعلوم أن المؤمن ينجس نجاسة حسية إذا أصابته النجاسة فقوله (لا ينجس) علم أن المراد نفي النجاسة المعنوية وقال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) فأخبر الله تعالى أنهم (نجس) وإذا قارنا هذا بما ثبت في حديث أبي هريرة من أن (المؤمن لا ينجس) علمنا أن المراد بنجاسة المشرك وكذلك غيره من الكفار نجاسة معنوية وليست حسية ولهذا أباح الله لنا طعام الذين أوتوا الكتاب مع أنهم يباشرونه بأيدهم وأباح لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن مع إن الإنسان سيباشرهن ولم يأمرنا بغسل ما أصابته أيديهم وأما قول السائل إنه إذا مس الكافر يقول انتقض وضوؤه فهذا وهم منه فإن مس النجاسة لا ينقض الوضوء حتى لو كانت نجاسة حسية كالبول والعذرة والدم النجس وما أشبهها فإن مسها لا ينقض الوضوء وإنما يوجب غسل ما تلوث بالنجاسة فقط. ***
يقول السائل أنا أعمل في شركة تويوتا قسم اللِّحَام ويعمل معي بعض الخواجات اليونانيين وفي ذات مرة كنت أشرب كوب من الشاي فأخذه أحدهم وشرب منه ثم رده لي فهل لو شربت بعده من هذا الكوب يكون حرام أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بحرام لأن ريق الكافر وعرقه طاهر وليس بنجس ولذلك أباح الله لنا طعامهم مع أن أيديهم تلمسه وأباح لنا نساءهم أي نساء أهل الكتاب وطعام أهل الكتاب مع أنهم كفار وهذا يدل على عدم نجاسة بدن الكافر وهو الصحيح من أقوال أهل العلم لكن إذا كان شربك بعده يشير إلى استذلالك أمام الكافر فإنه لا يجوز لك هذا لأن الواجب على المسلم أن يكون عزيزًا بإسلامه وأن لا يري الكفار الذل وكيف يريهم الذل وقد قال الله ﷿ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فلا يري الرجل الذل أما الكفار إلا وهو ناقص الإيمان لأن من كان مؤمنًا كامل الإيمان فإنه يرى أنه أعز خلق الله ﷾ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فكما أن المؤمن أكرم الخلق عند الله وأعزهم فالكافر أذلهم عند الله وأحطهم قال الله ﷾ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) فلا يجوز للمسلم أن يستذل أمام الكافر فإذا كان شربك الفنجال بعده يشير إلى ذلك أمامه فهو حرامٌ عليك وإلا فلا بأس به. ***
باب الحيض
إذا كانت المرأة طبيعة حيضها خمسة أيام وزادت هذه المدة إلى عشرة أيام عند استخدامها لأحدى وسائل منع الحمل فهل ما زاد على خمسة أيام يعتبر من الحيض أم لا وهل لها أن تصلى رغم نزول الدم بعد اليوم الخامس أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا نقول أن استعمال هذه الحبوب لمنع الحيض أو منع الحمل أمر غير مرغوب فيه وهو من الناحية الطبية مضر وإذا كان كذلك فإنا ننصح أخواتنا بعدم استعماله أي استعمال هذه الحبوب ومن مساوئ هذه الحبوب أنها توجب إضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا وعلى هذا إذا كان من عادتها أن تحيض خمس أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها فإن هذه الزيادة تبع الأصل بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يومًا فإن تجاوزت خسمة عشرة يومًا صارت استحاضة وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام. ***
المستمعة ن. أ. هـ. من الرياض تقول إذا كانت المرأة تحيض لمدة سبعة أيام وهذه عادتها الدائمة ومرة زاد الدم أكثر من السبعة أيام واستمر معها أكثر من ذلك فهل تصلى أم لا، مع العلم بأنها دائمًا تحيض في السبعة أيام فقط أرجو الافادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد دم الحيض عن عادتها فإن القول الراجح أنها تبقى ما دام الدم على حاله حتى تطهر وإن زاد على العادة فإذا كانت عادتها سبعة أيام واستمر الدم إلى عشرة فإن ذلك كله حيض كما أنه لو نقصت أيام دمها عن عادتها فإنها تغتسل وتصلى فإذا كانت عادتها عشرة أيام مثلًا ثم طهرت لسبعة أيام فإن الواجب عليها أن تغتسل وتصلى فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا فمتى وجد دم حيض ثبتت أحكامه ومتى عُدِمَ انتفت أحكامه قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) فمتى وجد هذا الأذى فهو حيض. ***
تقول السائلة تأتيها الدورة ثلاثة مرات في الشهر وتنقطع ثلاثة أيام ثم تأتيها وهكذا حتى التبس عليها الأمر فلا تدري هل تحسب إحداها دورة أو جميعها فماذا يجب عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأمر كما ذكرت تأتيها العادة ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي فيعني هذا أن أكثر وقتها دم وإذا كان أكثر وقتها دمًا فإنها تجلس أيام عادتها فقط والباقي تغتسل وتصلى وتصوم ويأتيها زوجها ولا حرج عليها. ***
السائلة ع أح من أبها تقول بعد مرور مدة ثلاثة أو أربعة أيام من الدورة الشهرية تنقطع ويستمر انقطاعها مدة يوم أو يومين ثم تعود لها في اليوم السادس تقريبًا فهل فترة الانقطاع هذه يجب عليها أن تصوم وتصلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول بعض العلماء ﵏ أن الانقطاع ولو يومًا واحدًا يعتبر طُهرًا فعليها أن تغتسل وتصلى وتصوم إن كان ذلك في رمضان ولو عاد الحيض بعد يوم أو يومين وبعض العلماء يقول إن هذا ليس طُهرًا في الحقيقة وإنما هو جفاف فلا تعتبر طاهرًا حتى ينقطع الحيض بالكلية وهذا والله اعلم أقرب إلى الصواب لأنه جرت العادة أن المرأة في أثناء حيضها ترى الجفاف واليبوسة ولا يعتبر هذا طُهرًا. ***
إذا كانت المرأة تحيض ثمانية أيام فتغتسل في اليوم الثامن ومن ثَمَّ تنزل عليها قطرات دم خفيفة في ذلك اليوم فهل لها أن تغتسل مع العلم أنها قد تغتسل مرتين وأحيانًا تترك الغسل فهل تأثم وماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن الدم لم ينقطع انقطاعًا تامًا فلتنتظر حتى ينقطع انقطاعًا تامًا ثم تغتسل وأما إذا عرفت أنه انقطع انقطاعًا تامًا فإنها تغتسل من حين انقطاعه ثم إن حصل بعد ذلك نقطة أو نقطتان فإن ذلك لا يضر. ***
السائلة نعيمة عبد الله من الرياض تقول ما هي الاستحاضة وهل لها مدة محدودة وفي أي سن تأتي وهل يغتسل عند الانتهاء منها كالحيض وكيف أميز بينها وبين الحيض وهل هي تأتي بعده مباشرة ثم تقول إنها بعد أن أغتسلت بعد سابع يوم من الحيض على حسب المدة المعلومة الغالبة عند أكثر النساء أنها لم تشاهد الطهارة وفي اليوم الثامن بعد صيامها شاهدته لذلك فسد صيامها وفي اليوم التاسع كذلك شاهدته وبعد ذلك أغتسلت منه وصامت العاشرة والحادي عشر وهي ما تزال ترى ذلك فما حكم صيامها وهل هذه تعتبر استحاضة ولا يلزمها إعادة الصيام أو قضائه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستحاضة عند أهل العلم هي أن يستمر الدم على الأنثى أكثر أيامها أو كل أيامها وحكم الاستحاضة أنه إذا كان لها عادة صحيحة قبلها أي قبل وجوب الاستحاضة فإنها تجلس عادتها ثم بعد ذلك تغتسل وتصلى وتصوم ولكنها عند الصلاة تتوضأ لكل صلاة بمعنى أنها لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها فإذا دخل الوقت غسلت الفرج وتحفظت بحفاظة ثم تغسل أعضاء الوضوء ثم تصلى ما شاءت من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت فإن لم تكن لها عادة من قبل مثل أن تأتيها الاستحاضة من أول ما ترى الدم فإنها ترجع إلى التمييز والتمييز هو أن دم الحيض يكون أسود ثخينًا منتنًا ودم الاستحاضة بخلاف ذلك فتجلس ما كان دم الحيض ثم تغتسل وتصلى وتفعل كما سبق وذكر بعض المتأخرين من الأطباء أنه من علامات دم الحيض أنه إذا خرج لا يتجمد بخلاف دم الاستحاضة وإذا كان هذا صحيحًا فإنه يضاف إلى الطرق الثلاثة السابقة فتكون الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة أربعة وإذا لم يكن لها عادة سابقة ولا تميز بأن كان دمها على وتيرة واحدة فإنها تجلس غالب أيام الحيض عند أكثر النساء فهو ستة أيام أو سبعة وتبتدئ المدة من أول مدة جاءها الحيض فيها أو جاءت الاستحاضة فيها فإذا قدر أن ابتداء هذا الدم كان من نصف الشهر فإنها تجلس عند نصف كل شهر ستة أيام أو سبعة وتغتسل وتفعل كما سبق هذا هو حكم المستحاضة وأما من يأتيها الدم متقطعًا يوم يأتيها الدم ويوم تطهر فإن المشهور عند فقهاء الحنابلة أن من ترى يومًا دمًا ويومًا نقاء فإن النقاء طهر والدم حيض ما لم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا فإن تجاوزه صار إستحاضة. فضيلة الشيخ: إذًا ماذا نقول لها بالنسبة لهذه الأيام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأيام الذي يظهر أنها ليست إستحاضة لأنه ما تجاوزت أكثر الحيض بل تعتبر حيضًا وما صامته فيها فإنها تقضيه. ***
السائلة س م ج من وادي الدواسر تقول امرأة تبلغ من العمر سبعة وثلاثون عام عندها مشكلة في الدورة الشهرية منذ سنتين تقريبًا حيث يستمر معها ما يقارب من عشرين يوم أو اثنين وعشرين يوم في الأيام الأولى تنزل كدرة تنزل يوم وتتوقف يوم في بعض الأحيان تستمر يومًا كاملًا وفي بعض الأحيان تستمر نصف اليوم ثم في الأيام الأخيرة ينزل دم أحمر ثم بعد يومين أو ثلاثة يعود إلى كدرة وهكذا وفي رمضان في العام الماضي حدث لها هذا وقد أتمت صيامها وتقول أنا في هذه الحالة هل صيامي صحيح وصلاتي أم أنه يجب علي القضاء ما صمت من هذا الشهر وكيف أؤدي صلاتي مستقبلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم الذي يصيبها أكثر من عشرين يومًا دم استحاضة فترجع إلى عادتها من قبل إذا كانت عادتها من قبل سبعة أيام في أول الشهر مثلًا تجلس من أول الشهر سبعة أيام ثم تغتسل وتصلى فروضًا ونوافل ولو كان الدم يجري لكن إذا أرادت الصلاة فإنها تغسل أثر الدم ثم تتحفظ بالحفائظ المعروفة ثم تتوضأ بغسل الأعضاء الأربعة غسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين وتصلى فروضًا ونوافل وإذا دخل وقت الصلاة الثانية تفعل كذلك وإذا دخل وقت الثالثة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الرابعة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الخامسة تفعل كذلك وإذا كان يشق عليها فإنها تجمع بين الظهر والعصر إما جمع تقديم أو جمع تأخير وكذلك بين المغرب والعشاء إما جمع تأخير أو جمع تقديم وإذا أرادت أن تصلى نافلة كما لو أرادت أن تصلى صلاة الضحى مثلًا تتوضأ عند إرادة الصلاة كما وصفنا تغسل محل النجاسة وتتلجم يعني تتحفظ ثم تتوضأ وتصلى. ***
كم عدد أيام الاستحاضة وما أقل أيام ما بين الحيضة والحيضة الأخرى وهل إذا جاءت في نفس الشهر تعتبر حيضة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض معروف دم أسود ثخين منتن ودم العرق الذي هو الاستحاضة معروف أيضًا دم رقيق أحمر ليس له رائحة ولا حد لأيام الاستحاضة، لأن الاستحاضة قد تكون خمسة وعشرين يومًا أو عشرين يومًا أو أقل أو أكثر فلا حد لها وأما أقل الطهر بين الحيضتين فقيل أن أقله ثلاثة عشر يومًا وقيل لا حد لأقله كما أنه لا حد لأكثره وهذا القول هو الصحيح وبناءًا على هذا القول الصحيح يمكن أن تحيض المرأة في الشهر مرتين لكن يجب أن تعرف المرأة أن دم الحيض هو الحيض وأما الدم الآخر الرقيق الأصفر قليلًا فهذا ليس بحيض بل هو استحاضة والمستحاضة تعمل بعادتها إن كان قد سبق لها عادة ولا تنظر إلى الدم بل إذا جاءت أيام العادة جلست بمقدار العادة لا تصلى ولا تصوم ولا يأتيها زوجها وإذا انتهت من العادة اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها قال العلماء وما زاد على خمسة عشر يومًا من الدماء فإنه استحاضة فإذا لم يكن لها عادة ولم يكن لها تمييز فإنها ترجع إلى عادة غالب النساء وهي ستة أيام أو سبع أيام وقتها من أول يوم جاءها الحيض. ***
ما حكم الكدرة بعد انتهاء الحيض بعشرة أيام هل يعتبر ذلك حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) والحيض هو الدم المعروف الذي وصفه الله تعالى بأنه أذى وما عداه فليس بحيض كالصفرة والكدرة والدم المستمر الأحمر هو دم عرق والحيض له علامات منها أن أكثر النساء تحس بالحيض قبل خروجه بما يحصل لها من المغص والألم في الظهر وما أشبه ذلك والحيض له رائحة خاصة لا يشاركه فيها غيره من الدماء والحيض ثخين غليظ والحيض قال بعض المعاصرين من الأطباء أنه لا يتجمد بخلاف الدم العادي الدم العادي يجمد وأما دم الحيض فلا يتجمد. ***
ما الحكم إذا رأت المرأة الدورة الشهرية على شكل خيوط دقيقة وصغيرة جدا بُنية اللون وتكون المدة يومين أو ثلاثة ثم بعد ذلك ينزل الدم، هل تترك المرأة الصلاة عند رؤيتها لتلك العلامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض هو الدم الخالص الذي يسيل وأما الكدرة والصفرة فهذه ليست بشيء كما قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) أخرجه البخاري وفي رواية أبي داود (بعد الطهر شيئًا) ثم ليعلم أن الصفرة أو الكدرة التي ذكرتها المرأة هذه إذا كانت في أثناء أيام الحيض فهي تابعة له. فضيلة الشيخ: مسائل الحيض مسائل طويلة والأخوات دائما يرسلن رسائل في هذا هل هناك كتب معينه يمكن ترجع لها الأخت في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك كتب معينة الفقهاء ﵏ تكلموا عن الحيض وجعلوا له بابًا مستقلًا لكن بعض الفقهاء ﵏ وعفا عنهم ذكروا مسائل لا يفهمها ولا طالب العلم ونعلم أن هذا ليس مرادًا في الشريعة والأمر أهون من هذا دم الحيض معروف تعرفه النساء وهو لابد أن يسيل لأن الحيض مأخوذ من السيلان وأما ما يذكره بعض الفقهاء يرحمهم الله من تفصيلات من متحيِّرة وشاكَّة ومتردِّدة وما أشبه ذلك مما لا يكاد يعرفه طالب العلم حتى أن بعضهم يوصل باب الحيض إلى مائة وخمسين صفحة مثلًا فهذا فيه نظر ولذلك لا أستطيع أن أحيل أحدا على شيء من الكتب. ***
إذا أصاب المرأة دم الحيض ثم طهرت وبعد يوم أو يومين عاد الدم أيامًا ثم طهرت ماذا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي عاد عاد بصفة الدم العادي الحيض فإنه يكون حيضًا والنساء يعرفن ذلك وأما إذا عاد على وجه آخر كصفرة وكدرة وما أشبه ذلك فإنه ليس بحيض قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) أخرجه البخاري وفي رواية لأبي داود (بعد الطهر شيئًا) . ***
السائلة تقول دائمًا تواجهني مسألة الطهر من الحيض وذلك بسبب انقطاع الدم في اليوم الخامس ثم يخرج لونًا بنيًا في اليوم السادس وحدث هذا في أول أيام رمضان وثانيها وثالثها أي بمعنى أنه انقطع الدم في آخر يوم من شعبان في اليوم الخامس من الحيض فاغتسلت في هذا اليوم وصلىت وصمت ولما سئلت عن ذلك قيل لي عليك بإعادة هذه الأيام الثلاثة وعليك بقضاء تلك الأيام أي يوم السادس والسابع والثامن والآن السؤال هو كيف أعرف الطهر علمًا بأن هذا الشيء البني لا يخرج إلا مرة أو مرتين في اليوم السادس والسابع والثامن وهل غسلي ذلك يبطل الصلاة والصيام لأني لم أغتسل بعد الثلاثة الأيام الأخيرة لعدم علمي بذلك جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا طهرت المرأة من الحيض الجاري الغزير الذي تعرف أنه حيض فما بعده لا يعتبر شيئًا لأن الصفرة والكدرة والنقطة والنقطتين ليست بشيء وبناءً على ذلك نرى أن صومها صحيح وأن صلاتها صحيحة وأن غسلها الأول الذي كان بعد خمسة أيام قد رفع حدث الحيض. ***
المستمعة ش ع ع من الرياض تقول خرجت من الأربعين ولم يقف معي الخارج عادة في النفاس ولكنه زاد بعد الأربعين وأصبح بشكل العادة الطبيعية فقال لي بعض النساء الطاعنات في السن واللاتي يتقدمن علي معرفة بهذه الأمور قلنا لي أنها أخت النفاس فهل أصلى أم لا وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يكون بسبب الولادة هو دم نفاس ولا حد لأكثره ولا لأقله ولهذا متى طهرت المرأة ولو بعد وضع الحمل بيوم أو أيام قليلة فإنها تكون طاهرًا وتجب عليها الصلاة ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها وكذلك إذا استمر بها الدم حتى زاد على الأربعين فإنه يعتبر دم نفاس ويرى بعض أهل العلم أن مازاد على الأربعين ليس دم نفاس ولكنه إن وافق عادة فهو حيض وإن لم يوافقها فليس بحيض حتى يتكرر ثلاثة مرات ثم بعد ذلك يحكم بكونه حيضًا ولكن هذا التفصيل لا أعلم له دليلًا فما دام الدم لم يتغير وهو دم النفاس فإنها تبقى ولو زادت على الأربعين حتى تطهر، أما لو استمر بها الدم مدة كبيرة فإنها حينئذٍ تغتسل وتصلى وإذا جاءتها أيام عادة حيضها فإنها تجلس مدة أيام الحيض. فضيلة الشيخ: لكن تستمر بدون صلاة حتى ينقطع الدم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حتى ينقطع الدم ما لم يطبق عليها إطباقًا عامًا تعرف أنه لن ينقطع إما بإطلاع الطبيب على ذلك أو بممارسات وتجربة. ***
المستمعة حصة أ. أ. الرياض تقول بأنها قبل الولادة بثلاثة أيام خرج منها ماء مع شيء من الألم فهل هذا نفاس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بنفاس لأن النفاس هو الدم وليس الماء وأيضًا لا يكون نفاسًا إلاإذا كان مصحوبًا بالطلق قبل الولادة بيومين أو ثلاثة وأما إذا كان قبل الولادة بزمن طويل فإنه ليس نفاسًا لأن النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق وأما الماء فليس من النفاس. ***
إذا كانت المرأة في مدة النفاس ولم يخرج منها الدم في بعض الأيام ماذا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء لأن الدم النفاس ربما ينقطع يومًا أو يومًا وليلة ويعود فهي لا تزال في نفاسها أما لو طهرت منه فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو قبل الأربعين ولزوجها أن يجامعها إذا طهرت ولو قبل الأربعين. ***
الدم الذي ينزل من المرأة في فترة الحمل الأولى هل يوجب الوضوء فقط أم يوجب الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغالب أن الحامل لا تحيض وما ظهر منها من دم فهو دم فساد لا يوجب الغسل ولا يحرم الصلاة ولا تمتع زوجها بها بجماع أو غيره فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ للصلاة إذا دخل وقتها تتحفظ ثم تصلى فروضًا ونوافل حتى يدخل وقت العصر فإذا دخل وقت العصر جددت العملية مرة أخرى وهكذا تجددها لوقت كل صلاة. ***
سائلة تذكر بأنها وهي حامل في شهرها الثاني حصل لها نزيف استمر لمدة خمسة أيام وقد سألت الطبيبة هل هذه الأيام في حكم الحيض أم الاستحاضة أم النفاس فقالت لها الطبيبة بأن ذلك في حكم الحيض فتركت الصلاة في ذلك الوقت ثم في الشهر الثالث حدث معها نزيف آخر استمر أثنى عشر يوم وقد تركت فيه الصلاة أيضا وسؤالها تقول ما حكم هذا النزيف هل هو حيض أم استحاضة أم نفاس وما حكم تركي للصلاة فيه وهل علي إعادة وإثم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يأتي للنفساء ليس دم حيض ولا دم استحاضة ولا دم نفاس بل هو دم عرق دم فساد لا تترك من أجله الصلاة ولا الصيام في رمضان ولا يتجنبها زوجها إلا إذا جاء قبل الولادة بيوم أو يومين مع الطلق فهو نفاس أو صار مستمرًا على عادته الأولى في أوائل الحمل فهو حيض وهذه المرأة التي استفتت الطبيبة أخطأت لأن الطبيبة ليست فقيهة في دين الله في الغالب والطبيبة آثمة إذا كانت أفتتها بغير العلم وهي آثمة حيث استفتت الطبيبة عن مسألة شرعية دينية وأرى أنه يلزمها أن تقضي الأيام التي لم تصلها في ذلك الدم وأن تتوب إلى الله وأن لا تسأل عن العلم إلا أهله فالطبيبة تُسأل عن الطب ولا تُسأل عن العلم الشرعي والعالم الشرعي يُسأل عن العلم الشرعي ولا يُسأل علم الطب إذا لم يكن لديه علم. ***
إذا استمر النفاس بعد الولادة أكثر من أربعين يوما فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد على أربعين يومًا وكان على وتيرة واحدة لم يتغير فهو نفاس إلى ستين يوما وإن تغير فليس بشيء إلا إذا صادف العادة فإنه يكون عادة يعني مثل أن تكون عادتها من أول الشهر يصادف تمام الأربعين آخر الشهر السابق ويكون الدم الذي اختلف عن دم النفاس موافقًا لدم العادة فيكون عادة وإلا فهو دم فساد أو استحاضة لا تترك لها الصلاة ولا صيام رمضان. ***
المستمع ع. ش. يقول إذا واقع الرجل امرأته في الأربعين وهي نفساء وذلك بعد مضي خمسةٍ وثلاثين يومًا وبعد اغتسالها لأداء الصلاة فما الحكم وماذا يجب عليه والحالة هذه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لزوجها أن يجامعها فإذا طهرت في أثناء الأربعين فإنه يجب عليها أن تصلى وصلاتها صحيحة ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال لأن الله تعالى يقول في المحيض (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ) فما دام الأذى موجودًا وهو الدم فإنه لا يجوز الجماع فإذا طهرت منه جاز الجماع وكما أنه يجب عليها أن تصلى ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين فكذلك الجماع يجوز لزوجها إلا أنه ينبغي أن يصبر حتى تتم الأربعين ولكن لو جامعها قبل ذلك فلا حرج عليه وإذا رأت بعد الأربعين دمًا وبعد أن طهرت فإنه يعتبر دم حيض وليس دم فاسد ودم الحيض معلومٌ للنساء فإذا أحست به فهو دم حيض فإذا استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيرًا من الدهر فإنها تكون مستحاضة وحينئذٍ ترجع إلى حالتها مع الحيض فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلى. ***
من مكة المكرمة أبو فاطمة يسأل ما حكم إتيان الرجل لزوجته قبل تكملتها الأربعين يومًا إذا طهرت تمامًا من دم النفاس وهل هناك حديث عن هذه الأربعين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للزوج إذا طهرت امرأته من النفاس قبل تمام الأربعين أن يجامعها وليس عليه في ذلك حرج وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ حديث بالمنع والنهي عنه ثم إنها تلزمها الصلاة التي اجتنابها أوكد من اجتناب الجماع وإذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى فكما أنه يجب عليها أن تقيم الفريضة ويجوز لها أن تتطوع بالنافلة إذا طهرت قبل تمام الأربعين فإنها لا تمنع من أن يأتيها زوجها. ***
إذا وصلت المرأة سن اليأس تبدأ تأتيها الدورة على فترات متباعدة بعد ثلاثة أشهر أو أكثر تأتيها لمدة سنة ستة أيام فهل تعتبر هذا من الدورة وهل تقضي الصلاة إذا طهرت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النساء يختلفن فبعضهن تيأس لسن مبكرة وبعضهن تتأخر الحيضة إلى ما بعد الستين أو السبعين فمتى رأت المرأة الحيض فهي حائض على أي حال كانت لأن الله ﵎ قال (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ) ولم يحدد عمرًا معينًا فاليأس يختلف باختلاف النساء والخلاصة أن دم الحيض كما وصفه الله تعالى أذى فمتى وجد هذا الدم وجب عليها أن تقوم بما يلزم. ***
السائلة ب س. س. س. تقول إحدى الأخوات حصل لها نزيف مدة ما يقارب من عشرين يومًا ولم تصلى هل عليها قضاء للصلاة أم ماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بدّ أن نعرف ما سبب هذا النزيف هل هو حمل سَقَطَ أو مرض أو حمل شيء ثقيل أو ما أشبه ذلك فإن كان له سبب أعطى حكم ذلك السبب فإذا كان سببه الحمل وسقط الجنين وقد تَخَلّق أى تبينت خلقته فتميز رأسه من يده من قدمه فهذا الدم نفاس يثبت له حكم نفاس الكبير وإن كان سببه مرضا فإن هذا ليس دم حيض ولا نفاس بل هو دم حكمه حكم الاستحاضة لقول النبي ﷺ فى دم الإستحاضة (إنه دم عرق) وكذلك لو كان سببه حمل ثقيل فإنه ليس بحيض لكن إذا مرت عليها أيام عادتها فإنها تجلس العادة بمقدار العادة ثم تغتسل وتصلى وهذه السائلة تقول إنها حصل عليها نزيف لعشرين يوما فلتنزل هذا النزيف على ما ذكرناه من التفصيل. ***
ما هي الأشياء التي تجوز للمرأة والتي لا تجوز بالنسبة للعبادة أثناء الحيض أرجو تفصيل ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يمتنع على المرأة من العبادات هو الصلاة وكذلك الصوم بإجماع العلماء، وكذلك لا يجوز لها أن تبدأ الاعتكاف وهي حائض، لأنها ليست من أهل المسجد في تلك الحال بخلاف ما إذا حاضت أثناء الاعتكاف، وكذلك لا يجوز لها المكث في المسجد، ولا يجوز لها الطواف أيضًا عند جمهور أهل العلم، وأما السعي والوقوف بعرفة والوقوف بمزدلفة ورمي الجمار فهذا جائز ولا حرج عليها فيه، وأما التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلام في الدعوة إلى الله ﷿ من غير تلاوة القرآن فهو أيضًا جائز، وأما قراءة القرآن فقد اختلف فيها أهل العلم على قولين، والصحيح أنها جائزة أعني قراءة القرآن للحائض تجوز لأنه ليس في ذلك سنة صحيحة صريحة في منعها من قراءة القرآن والأصل الجواز، إلا أنه لا ينبغي أن تقرأ القرآن إلا لحاجة مراعاة للخلاف. ***
وليد عمر سالم يسأل هل تجوز صلاة الحائض وهل هناك حالة تجوز فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الحائض لا تجوز لقول النبي ﷺ في حديث أبي سعيد (أليس إذا حضت لم تصلِّ ولم تصم) والحديث ثابت في الصحيحين فهي لا تصلى وتحرم عليها الصلاة ولا تصح منها ولا يجب عليها قضاءها لقول عائشة رضى الله عنها (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . فضيلة الشيخ: ما حكم أدائها للصلاة وهي على غير طهارة لا تريد أن تتطهر وإنما تريد أن تقوم أمام الناس لكي تبعد عن نفسها الخجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه صلاتها حرام عليها ولا يجوز لها أن تصلى وهى حائض ولا أن تصلى وهي قد طَهُرَت ولم تغتسل، فإن طهرت وهي ليس عندها ماء فإنها تتيمم وتصلى حتى تجد الماء. ***
المستمعة أ. ع. ك. من العراق محافظة القادسية تقول هل من الواجب قضاء صلاة أيام الدورة الشهرية وهل يجوز غسل الشعر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا تقضي الصلاة بالنص والإجماع لقول النبي ﷺ (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وسئلت عائشة ﵂ (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت كان يصيبنا ذلك وكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وعلى هذا فالصلاة لا يجب على الحائض قضاؤها وأما غسل الحائض رأسها فإنه لا بأس به أثناء الحيض وما سَمِعَت من أن ذلك لا يجوز فإنه لا صحة له بل لها أن تغسل رأسها وجسدها وما شاءت ولها أيضًا أن تستعمل الحناء في أثناء حيضها ولا حرج عليها في هذا. ***
بارك الله فيكم المرأة النفساء هل تجلس أربعين يومًا لا تصلى ولا تصوم أم أن العبرة بانقطاع الدم عنها فمتى انقطع تطهرت وصلت وما هي أقل مدة للطهر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء ليس لها وقت محدود بل متى كان الدم موجدًا جلست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها وإذا رأت الطهر ولو قبل الأربعين ولو في عشرة أيام أو خمسة أيام فإنها تصلى وتصوم ويجامعها زوجها ولا حرج عليها في ذلك والمهم أن النفاس أمر محسوس تتعلق الأحكام بوجوده أوعدمه فمتى كان موجودًا ثبتت أحكامه ومتى تطهرت منه تخلت من أحكامه. ***
هل على المرأة النفساء صلاة ومتى تبدأ الصلاة وقد سمعت من أحد المشايخ أنه لا يبطل صلاة المرأة إلا الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لها أن تصلى ولا يجب عليها قضاء الصلاة ولا يصح منها صلاة ولو صلت فهي كالحائض تمامًا وما سمعت من بعض المشايخ لا أظنه يقع ولعلها فهمت خطأً، لو أن المرأة طهرت قبل تمام الأربعين يومًا لوجب عليها أن تغتسل وتصلى حتى لو طهرت لخمسة أيام أو أقل فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى إذا عرفت الطهر وكذلك أيضًا يجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين ما دامت قد طهرت وتطهرت وذلك لعدم وجود دليل يمنع من ذلك ولأنه إذا جازت الصلاة فجواز الوطء من باب أولى إذ أن اجتناب الوطء ليس أعظم من اجتناب الصلاة وقد ذكر أهل العلم أنه ربما تكون المرأة ليست ذات نفاس بمعنى أن تلد ولا يظهر منها دم وكنت أظن أن هذا من الأمور الفرضية إلا أن هذا أمر واقع فقد حصل هذا قبل نحو عشرة أيام حيث سُئلت عن امرأة ولدت ولم يحصل منها دم وكانت ولادتها في المستشفى فلا أدري هل عُمِلَ لها عملية ولم يحصل لها نزيف أو أنها ولدت هكذا طبيعة على كل حال الولادة التي ليس فيها دم ليس لها نفاس وتصلى المرأة من حينها والتي لها دم متى طهرت منه تغتسل وتصلى سواء قبل الأربعين أو في الأربعين أو بعدها بأيام إذا لم يصل الدم إلى حد الاستحاضة. فضيلة الشيخ: لو انتهت الأربعين والمرأة لم تطهر فهي لا تصلى أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تصلى لكن المشهور من المذهب أن ما خرج عن الأربعين إن وافق عادة الحيض فهو حيض وإن لم يوافق فهو استحاضة والصحيح أنه يُجلَسُ له سواء وافق عادة الحيض أم لا لأن بعض النساء قد تزيد على الأربعين إلا إذا استمر معها وعرفت أنه استحاضة فيكون استحاضة فتغتسل وتصلى وإذا دارت عادتها تجلس ولا تصلى. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائل سالم أبو سامي يقول في قريتنا عادة بأنه إذا ولدت المرأة أنها تجلس أربعين يومًا نفاس لا تصلى ولا تصوم رغم أن كثيرًا من النساء تطهر قبل الأربعين فنرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح للأخوات ماذا على المرأة أن تعمل وكم أقل أيام النفاس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفاس لا حد لأقله قد يكون النفاس يومًا واحدًا بل ذكر بعض الفقهاء ﵏ أن المرأة قد تلد بلا دم فالتي تلد بلا دم ليس عليها نفاس من حين أن تضع وينقطع الدم تغتسل وتصلى ولا تغتسل أيضًا إذا لم يكن يخرج دم تتوضأ وتصلى فإن خرج منها دم فهو نفاس ولا حد لأقله ربما يكون يومًا أو يومين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة وربما يصل إلى أربعين لكن متى طهرت قبل الأربعين وجب عليها أن تغتسل وتصلى ولها أن تفعل كل ما يفعله الطاهرات ومن ذلك أن يجامعها زوجها فإن جماع زوجها لها في الأربعين بعد الطهر لا بأس به وإذا كانت الصلاة تجوز فالجماع من باب أولى فإن زادت على أربعين فإن وافقت هذه الزيادة أيام حيضها في العادة فهو حيض وإن لم يوافق عادة فقال بعض أهل العلم أنه دم فساد ويجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو كان الدم يجري وقال آخرون لا ما دام الدم باقيًا على ما هو عليه قبل الأربعين فلتستمر إلى الستين وهذا مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ بل أظنه قال أنه قد يكون سبعين يومًا وعلى كل حال متى كان الدم بحاله أي على ما هو عليه قبل الأربعين فإنها تبقى إلى الستين فإن طهرت قبل ذلك اغتسلت وصلت. ***
هل يصح أن تصلى المرأة إذا طهرت قبل تمام الأربعين يومًا بعد الوضع وهل يجوز للزوج أن يعاشرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طهرت المرأة النفساء قبل تمام الأربعين فإن حكمها حكم الطاهرات من كل وجه فيجب عليها أن تصلى ويجب عليها أن تصوم إن كان ذلك في رمضان ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين لأنه إذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى وكراهة بعض أهل العلم لذلك ليس عليها دليل والأصل أن النفاس أذى كالحيض فإذا زال هذا الأذى وطهرت منه المرأة حل لزوجها أن يجامعها كما لو طهرت من الحيض ولهذا لو كانت المرأة من عادتها أن تحيض لسبعة أيام وطهرت في خمسة أيام فإنه يجب عليها أن تصلى وأن تصوم إن كانت في رمضان ولزوجها أن يجامعها وإن كانت أيام عادتها سبعة أيام وقد طهرت قبل العادة بيومين. ***
عبد الله المصري من اليمن صعدة يقول أسأل عن مسألة قراءة القرآن والمكث في المسجد بالنسبة للحائض والجنب واستماع الذكر في المسجد حيث قد ورد بعض الأحاديث والأخبار منها حديث عائشة ﵂: (قال لها النبي ﷺ ليست الحيضة في يدك) وحديث (اعملي ما يعمل الحاج) ولم يقل لا تدخلي المسجد الحرام (وكان رسول الله ﷺ يتكئ في حجرها) وأيضًا (كان الرسول ﷺ يذكر الله في كل أحيانه) و(كان أصحابه ينامون في المسجد ويجنبون فيه) نأمل إيضاح هذه الأدلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للمكث في المسجد فالحائض لا يحل لها أن تمكث لا بوضوء ولا بغير وضوء دليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع عائشة من الطواف في البيت) لأن الطواف مكث وأما حديث الخمرة فإن إحضار الخمرة من المسجد ليس مكث في المسجد بل هو مرور فيه ويجوز للحائض أن تمر في المسجد إذا أمنت تلويثه وأما الجنب فلا يحل له أن يمكث في المسجد إلا بوضوء والصحابة الذين ينامون في المسجد لنا أن نقول من قال لك أنهم يجنبون ثم إذا أجنبوا ولم يستيقظوا فالنائم لا إثم عليه وإن استيقظوا كفاهم الوضوء لأن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ أما قراءة القرآن فالجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل والحائض يجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة فالحاجة مثل أن تقرأ القرآن لكي لا تنساه أو تقرأ القرآن تعلم ابنتها أو ما أشبه ذلك أو تقرأ القرآن لأنها مدرِّسة تدرس البنات أو تقرأ القرآن لأنها طالبة تريد أن تسمع المعلمة كل هذا لا بأس به وأما أن تقرأه تعبدًا فالاحتياط ألا تفعل لأن جمهور العلماء على منعها من قراءة القرآن وهي ليست بحاجة إلى ذلك فإذا قرأت القرآن للتعبد بتلك التلاوة كانت دائرة بين الإثم والأجر آثمة عند بعض العلماء مأجورة عند آخرين والسلامة أسلم والخلاصة أن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ لكن لا يحل له أن يقرأ القرآن أبدًا لأن الأمر بيده يغتسل ويقرأ القرآن أما الحائض فلا يجوز أن تمكث في المسجد أبدًا ويجوز أن تمر به عابرة الحائض ويجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أن تذهب إلى المسجد إذ يوجد بالمسجد حلقات لتحفيظ القرآن وقد سألت عدد من العلماء فمنهم من جوز ذلك ومنهم من حرمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد فأما مرورها بالمسجد فلا بأس به بشرط أن تأمن تنجيس المسجد مما يخرج منها من الدم وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت فهذا لا بأس به أي لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي ﵊ (أنه كان يتكئ في حجر عائشة فيقرأ القرآن وهي حائض) وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع هذه الأذكار أو القراءة فإن ذلك لا يجوز ولهذا لما أبلغ النبي ﵊ في حجة الوداع أن صفية كانت حائض (قال أحابستنا هي) ظن ﷺ أنها لم تطف طواف الإفاضة فقال (إنها قد أفاضت) وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة. ***
المرسلة ن م م من كركوك في العراق تقول يقولون إن الفتاة في وقت الحيض يجب ألا تزور الأماكن المقدسة والمقبرة والبعض يقول إن الفتاة تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة بينما المرأة المتزوجة لا تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة أرشدونا إلى الصواب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحائض فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد ويجوز لها أن تعبر المسجد عبورًا بشرط أن تأمن تلويثه وأما البقاء فيه فلا يجوز هذا بالنسبة للمساجد سواء المساجد الثلاثة الحرام ومسجد النبي ﷺ والمسجد الأقصى أو غير المساجد الثلاثة من مساجد المسلمين لا يجوز لها أن تبقى فيها وهي على حيضها وأما زيارة القبور فإن الصواب فيها تحريمها على المرأة إذا خرجت من بيتها لقصد زيارة المقبرة وأما إذا عَرَّجَت على المقبرة وهي في سيرها وممشاها ووقفت وسلمت على أهل القبور فلا حرج عليها في ذلك وإنما المحرم أن تخرج قاصدة لهذا الأمر ولا فرق بين أن تكون حائضًا أم غير حائض مزوجة أم غير مزوجة. ***
ما حكم قراءة القرآن للحائض إذا كانت لم تقرأ في فترة الحيض تكاسلًا منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة الحائض القرآن فيها للعلماء قولان القول الأول أنه لا يجوز لا تعبدًا بالتلاوة ولا من أجل الأوراد ولا من أجل التعليم ولا من أجل التعلم وهذا هو المشهور من المذهب عند الحنابلة ﵏ القول الثاني أن ذلك جائز مطلقًا سواءٌ قرأت القرآن للتعبد أو للأوراد أو للتعلم أو للتعليم لأنه ليس في السنة حديثٌ صحيحٌ صريح يمنعها من ذلك وأرى القول الوسط في هذا أن يقال إن قرأته تعبدًا بالتلاوة فلا تقرأه لأنه إذا قرأته حينئذٍ فقد وقعت في الشبهات نظرًا لاختلاف العلماء وأما إذا كان لحاجة مثل أن تخاف من نسيانه أو تقرأ الأوراد كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من البقرة والإخلاص والفلق والناس فهذا لا بأس به وكذلك لو كانت تعلِّم فلا بأس أن تقرأ القرآن سواء كانت تعلِّم في المدرسة أو تعلِّم أبنائها أو بناتها وكذلك إذا كانت تتعلم فلا بأس لأن هذا حاجةٌ ملحةٌ في وقت الحيض وأما تلاوة التعبد فأمامها أيام الطهر تتعبد لله تعالى بقراءة القرآن فيها فصار الحكم إذًا إن كان هناك حاجة قرأت وإن لم تكن حاجة فلا تقرأ. ***
حكم قراءة القرآن غيبًا عن ظهر قلب بالنسبة للحائض طلبا للأجر أو للرقية الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض إذا قرأت القرآن لغرض سوى مجرد التلاوة فلا بأس فإذا قرأت القرآن للاستشفاء به أو للأوراد التي كانت تقرأه من أجلها أو للتعليم أو للتعلم فلا بأس بذلك لأنها تقرأه لسبب وأما إذا كانت تقرأه لمجرد التعبد فلا تقرأه وذلك لأن كثير من العلماء قال إن قراءتها في هذه الحال محرمة أي في حالة كونها حائض، ومن العلماء من رخص في قراءة الحائض القرآن مطلقًا وقالوا إن القرآن ذكر ولم يرد عن النبي ﷺ في حديث صحيح أن الحائض لا تقرأ القرآن فإذا جاز لها الذكر بالإجماع فالقرآن من الذكر لكن من باب الاحتياط نقول إن احتاجت لقراءة القرآن من أجل أنه وِرْد أو من أجل أن تعلِّم غيرها أو أن تتعلم فهذا لا بأس بقراءتها إياه وإن كان لمجرد التلاوة وحصول الأجر فلا تقرأه. ***
تعودت منذ صغري المواظبة على تلاوة سورة الملك كل ليلة فهل تصح تلاوتها عند الابتلاء بالعذر الشهري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينبني على اختلاف العلماء ﵏ في قراءة الحائض للقرآن فإن العلماء اختلفوا في جواز قراءة الحائض للقرآن فمنهم من أجاز ذلك بناءً على الأصل وعلى النصوص الدالة على فضيلة قراءة القرآن ومنهم من منع ذلك أي منع الحائض من قراءة القرآن لأحاديث وردت في ذلك ولكن ليس هناك أحاديث صحيحة صريحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فيكون الأصل أن قراءة الحائض للقرآن جائزة ولكن نظرًا لورود أحاديث وإن كان فيها مقال في منعها من القراءة أرى ألا تقرأ المرأة القرآن إلا لحاجة مثل أن تخشى نسيانها أو تكون معلمة أو متعلمة أو تقرأ الأوراد التي كانت تعتاد قراءتها أما إذا قرأت القرآن لمجرد التلاوة والأجر فإن الأولى ألا تقرأ نظرًا للأحاديث الواردة في ذلك واتقاء لخلاف أهل العلم وهذا قول وسط لا يمنعها مطلقًا ولا يرخص لها مطلقًا. ***
السائلة ن. ن. من الجمهورية العراقية أربيل تقول هل أستطيع أن أستمر في قراءة وحفظ القرآن في فترة الحيض وبدون أن ألمس القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تستطيع ذلك لأن هذا حاجة وقراءة الحائض للقرآن إذا كانت لحاجة فلا بأس بها لأنه ليس في السنة نصوص صرحية صحيحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن فإذا احتاجت إلى ذلك للحفظ أو للتحفيظ أو للورد ليلًا أو نهارًا فلا حرج عليها في قراءة القرآن أما إذا لم تحتج فإن الأولى ألا تقرأ القرآن مراعاة لخلاف أكثر أهل العلم. ***
ما حكم الشرع في نظركم في قراءة القرآن بالنسبة للمرأة وهي حائض إذا كان هناك ضرورة كامتحان أو مرض أو غير ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تقرأ القرآن للحاجة أو المصلحة فمثال الحاجة ما تقرأه المرأة من الأوراد القرآنية كآية الكرسي والمعوذتين وكذلك ما تقرأه الطالبة من أجل الامتحان أو غير ذلك ولا بأس أيضًا أن تقرأ القرآن لمصلحة كالمرأة التي تلقن أبناءها أو بناتها وكالمدرِّسة تلقن البنات وذلك لأنه لم يكن في السنة أحاديث صحيحة صريحة تمنع الحائض من قراءة القرآن أما إذا كانت قراءة الحائض للقرآن لمجرد التعبد به فإن الأولى ألا تفعل لأن كثير من أهل العلم قالوا بتحريم قراءة القرآن للمرأة الحائض فهي إذا تركت القرآن فهي سالمة ولكن إن قرأت القرآن فأمرها على خطر دائر بين الغُنم وبين الإثم والسلامة أولى وخلاصة القول أن قراءة الحائض للقرآن لحاجة أو مصلحة لا بأس بها أما إذا كان لمجرد التعبد بذلك فإن الأولى ألا تقرأ. ***
إذا طلبت مني المعلمة تلاوة القران الكريم وأنا في حالة الحيض ففعلت ذلك علمًا بأن ذلك الوقت لم يكن اختبار فما حكم ما فعلت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن الحائض لها أن تقرأ القرآن لأن الأحاديث الواردة في منع الحائض من قراءة القران ضعيفة ويرى آخرون أن المرأة الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن ويستدلون بهذه الأحاديث والذي أرى أن المرأة الحائض لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند الحاجة لذلك فمن الحاجة أن تخاف نسيانه ومن الحاجة أن تقرأ الأوراد التي تقرأ في أول النهار وآخره ومن الحاجة أن تدرس أولادها ومن الحاجة أن تدرس البنات ومن الحاجة أن يكون ذلك في زمن الاختبار والمهم أنه مع الحاجة لا شك في الجواز أما ماعدا الحاجة فالأولى ألا تقرأ القرآن فإذا أمرتها المدرِّسة أن تقرأ القرآن وعليها العادة فإنها تقول للمدرِّسة أنا في حال أحب ألا أقرأ القرآن فيها وتبين للمدرِّسة ظروفها حتى تعذرها في ذلك. ***
السائلة ت م ر تقول في يوم من الأيام كان علينا درس تلاوة قرآن فجاءها الحيض فقال لها البعض يجوز لك أن تلمسي وتتصفحي القرآن في حالة التعليم فقط وبعضهم قال لا يجوز لك ذلك فما الصواب في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في ذلك والعلم عند الله ﷿ أنه لا يجوز لمن لم يكن على وضوء أن يمس المصحف إلا بحائل وأما قراءة القرآن للحائض فإنه لا بأس بها إذا كان المقصود التعليم أو التعلم أو أوراد الصباح أو المساء وأما إذا كان قصد الحائض من قراءة القرآن التعبد بذلك فإن فيه خلاف بين العلماء فمنهم من يجيزه ومنهم من لا يجيزه والاحتياط ألا تقرأ للتعبد لأنها إذا قرأت للتعبد دار الأمر بين أن تكون آثمة أو مأجورة ومعلوم أن من الورع أن يترك الإنسان ما يريبه إلى ما لا يريبه. ***
الأخت هناء محمد تقول تعودت على قراءة القرآن الكريم قبل المنام وإذا لم أقرأ أشعر بقلق وخوف فماذا أفعل في أيام الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في قراءة الحائض للقرآن أنها إذا احتاجت للقراءة فلا حرج عليها أن تقرأ ما تحتاج إليه فالأوراد القرآنية يجوز للحائض أن تقرأها كأية الكرسي والمعوذات وغيرها مما تكون حرزًا من الشيطان، وكذلك إذا كانت الحائض محتاجة إلى قراءة القرآن لإثبات ما حفظت وترسيخه أو كانت محتاجة للقرآن لكونها طالبة وعليها واجب دراسي أو كانت معلمة تعلم الطالبات أو كانت أُمًّا تُقرئ أولادها في البيت فكل هذا جائز ولا حرج فيه، وذلك لأنه ليس في السنة نص صحيح صريح يمنع الحائض من قراءة القرآن ولكن نظرًا لاختلاف العلماء في ذلك فإننا نقول لا تقرأ القرآن إلا عند الحاجة إليه كما في الأمثلة التي ذكرناها، وبناءً على هذا فنقول إن هذه المرأة التي تحتاج إلى قراءة القرآن لتطمئن وتنام مستريحة لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند النوم لأن ذلك حاجة. ***
سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيًّا عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعى بأدعية من القرآن قاصدًا الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن من المصحف وما صحة هذا الحديث (ليست حيضتك بيدك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن إذا كانت حائضًا فمنهم من منع ذلك وقال لا يحل لها أن تقرأ شيئًا من القرآن إلا ما جاء به من الذكر الموافق للقرآن كما لو قالت (بسم الله الرحمن الرحيم) تريد التسمية لا للتلاوة أو قالت (الحمد لله رب العالمين) تريد الثناء على الله دون التلاوة أو قالت (إن لله وإنا إليه راجعون) لمصيبة أصابتها تريد الاسترجاع دون التلاوة فإن هذا لا بأس به ومنهم من قال إن الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن وذلك لأنه لم ترد عن النبي ﷺ سنة صحيحة صريحة في منع الحائض من القراءة والأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع وهذا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يحل له أن يقرأ شيئًا من القرآن والفرق بينه وبين الحائض أن الحائض تطول مدتها في حيضتها ولا يمكنها أن تتطهر منها بخلاف الجنب فإن الجنب يمكنه أن يتطهر في ساعته فلهذا يمنع من قراءة القرآن حتى يغتسل وأما الحائض فلا تمنع من قراءة القرآن وهذان قولان متقابلان أعني القول بالمنع مطلقًا والقول بالإباحة مطلقًا ولكن الأحوط فيما نرى ألا تقرأ شيئًا من القرآن إلا ما احتاجت إلى قراءته مثل أن تخشى نسيان القرآن فتقرأه خوفًا من ذلك ومثل أن يكون لها أوراد من القرآن صباحية أو مسائية فتقرأ هذه الأوراد ومثل أن تكون معلمة تحتاج إلى تعليم البنات أو متعلمة تحتاج إلى إسماع المعلمة القرآن فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك لا تقرأ بالمصحف إلا من وراء حائل لأن القول الراجح أنه لا يجوز مس المصحف إلا والإنسان على وضوء وعليه أي على هذا القول الذي رأينا أنه أقرب إلى الصواب تقرأ الحائض ما تحتاج إلى قراءته من كتاب الله ﷿ ولكنها تقرأه إما عن ظهر قلب وإما بالمصحف مع حائل من منديل أو قفاز أو نحوه. ***
عندما أكون في مدة الحيض هل يجوز لي أن أقراء المعوذتين وآية الكرسي والفاتحة في الصباح والمساء لرد العين لأنني أفعل ذلك دائما شفويًّا وكذلك وأنا نفساء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحتاج إلى قراءته من القرآن مثل آيات الورد آية الكرسي و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وكذلك لو احتاجت إلى قراءة القرآن لتعليم بناتها أو أبنائها أو احتاجت لقراءة القرآن لكونها قد كلفت بحفظ شيء منه فتحتاج إلى تعاهده والمهم أن قراءة القرآن للحائض والنفساء إذا احتاجت إليه فلا بأس وإن لم تحتاج فالاحتياط ألا تقراء القرآن لأن كثيرا من أهل العلم يقولون إن الحائض يحرم عليها قراءة القرآن. ***
هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من التفسير لأنها تخاف أن تنسى ما حفظته إن لم تداوم على القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تقرأ القرآن من التفسير وغير التفسير إذا كانت تخشى أن تنسى ما حفظته فإن كان من التفسير لم يشترط أن تكون على طهارة وإن كان من غير التفسير بأن يكون من المصحف فلا بد أن تجعل بينها وبينه حائل من منديل أو قفاز أو نحوه لأن المرأة الحائض وكذلك من لم يكن على طهارة لا يحل له أن يمس المصحف. ***
أم محمد تسأل ما حكم قراءة المرأة الحائض للآيات القرآنية التي ترد في الشروح الموضحة ببعض الكتب التي تقرأ فيها للعلم والتثقيف الديني كقصص الأنبياء مثلًا وقد تكتب أية أو تقرأها خلال كتابتها فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن الحائض لها أن تقرأ القرآن إذا احتاجت إلى ذلك مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءته لتعليم الطالبات أو أن تكون دارسة تحتاج إلى قراءته لإسماعه للمعلمات أو تقرأ القرآن للتحرز به والتحصن به كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وما أشبه ذلك من الأشياء التي تحتاج إليها لتقرأها وذلك لأنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة لكن نظرًا لأن أكثر أهل العلم يرون أن الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن نقول أمسكي عن قراءة القرآن إلا فيما تحتاجين إليه هذا هو القول الراجح في هذه المسألة أن ما تحتاج إليه المرأة الحائض تقراءه وما لا تحتاج إليه فالأولى الإمساك عنه. ***
هل يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن الكريم وهي حائض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن وهي حائض فقد ثبت عن عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ كان يتكأ في حجرها ويقرأ القرآن وهي حائض ﵂ . ***
السائلة منار ن. أ. ج. تقول سمعت بأن المرأة الحائض عند سماعها الآذان لا يجوز لها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح المرأة الحائض والجنب يجوز لهما ذكر الله ﷿ قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) وأما قراءة القرآن فهي للجنب حرام حتى يغتسل وأما الحائض فلها أن تقرأ من القرآن ما تحتاج إليه لتعليم أو تعلم أو تعاهد حفظ أو أوراد وأما ما لا تحتاج إليه فالأولى ألا تقرأه لأنه قد وردت أحاديث فيها مقال تدل على منع الحائض من القرآن فمن أجل هذه الأحاديث نقول الأولى ألا تقرأ القرآن إلا ما دعت الحاجة إليه. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أو النفساء لمس الكتب أو المجلات التي قد تشتمل على آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية قياسًا على تحريم لمس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يحرم عليها ولا على الجنب ولا على غير المتوضئ أن يمس شيئًا من الكتب أو المجلات فيه أحاديث أو فيه شيء من كلام الله ﷿ لأن ذلك ليس بمصحف. ***
الحائض إذا خرجت من بيتها في زيارة لبعض الصديقات ولبست إحدى فساتينها الخاصة بالزيارة وبعد عودتها خلعت هذا الفستان ثم بعد أن تطهرت لبسته مرةً أخرى وهي لا تزال عليها العادة فهل يصبح هذا الثوب نجسًا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الثوب لا يصبح نجسًا إلا إذا أصابه الدم دم الحيض وإذا أصابه الدم فإنها تغسل الدم كما أمر النبي ﷺ حين سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال النبي ﷺ (تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه أو قال ثم تغسله ثم تصلى فيه) وهذا الفستان الذي لبست إذا لم يصيبه الدم فهو طاهرٌ تجوز الصلاة به وإن أصابه الدم غسل الدم ثم صلت به. ***
سائلة تقول هل عليّ أن اغسل كل الملابس التي استعملت في فترة الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها أن تغسل الملابس التي استعملتها في فترة الحيض ولكن إن أصاب الدم شيئًا منها فإنها تغسل ما أصابه الدم فقط وتصلى في هذه الثياب وذلك لأن بدن الحائض طاهر وعرقها طاهر كما كان النبي ﵊ (يأمر عائشة أن تتزر وهي حائض ويباشرها) . ***
كيف يكون الاغتسال من الحيض بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الحيض هو أن المرأة تتنظف من آثار الدم ثم تتوضأ كما تتوضأ للصلاة ثم تفيض الماء على رأسها ثلاثة مرات ثم تغسل سائر الجسد ويحسن ان تضيف إلى ذلك سدرًا ليكون هذا أنظف وأطيب وأحسن ***
هل يجوز استعمال الشامبو أو الصابون بدل السدر المعروف بالخبط في الغسل عن الحيض أو النفاس لأنه يوجد من الناس من يقول ما يطهر الحائض والنفساء إلا السدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السدر ليس بلازم في الطهارة من الحيض أو النفاس وتحصل الطاهرة بدونه وإذا تطهرت المرأة بما ينوب عن السدر في التطهير فلا حرج في ذلك. ***
السائلة ضحى من القصيم تقول هل يجوز استخدام الحناء في أثناء الدورة الشهرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بأس أن تستعمل المرأة الحناء في حال الحيض سواء كان ذلك في الرأس أو كان في اليدين أو في القدمين ولكن يجب أن نعلم أن الحناء من جملة الزينة التي لا يجوز للمرأة أن تبديها لغير من أباح الله لها إبداء الزينة لهم أي أنها لا تبديها للرجال الأجانب فإذا ارادت أن تخرج إلى السوق مثلًا لحاجة فإنه لابد أن تلبس على قدميها جوربين إذا كانت قد حنت قدميها وكذلك بالنسبة للكفين لا بد أن تسترهما مع أن ستر الكفين للمرأة هو المشروع إذا كان حولها رجال أجانب سواء كانت قد حنتهما أم لم تحنهما. ***
المستمعة أ. أ. ب تقول ما حكم استعمال المرأة للحناء في الدورة الشهرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال المرأة للحناء في حال الدورة الشهرية أي الحيض لا بأس به ولا حرج فيه كما أن استعمالها له في حال الطهر لا حرج فيه ولا بأس به من المعلوم في حال الطهر أنها إذا وضعت الحناء على رأسها فسوف يكون له جرم يمنع من مباشرة المسح للشعر وهذا لا بأس به ولا يضر لأن النبي ﷺ (كان يلبد رأسه وهو محرم وكان يمسح عليه. ﵊ ولكن يجب على المرأة إذا تحنّت في يديها مثلًا ألا تتعرض للفتنة بإخراج هذه الحناء لأن ذرائع الفتنة ممنوعة كما أن الفتنة نفسها أو ما يدعو إلى الفتنة ممنوع أيضًا. ***
رسالة عن حكم الحناء للحائض حيث بعثت بها الأخت نجاح إبراهيم من مكة المكرمة تقول فيها وضعت أختي حناء في يديها وهي حائض وعندما أصبحت قالت لها والدتي إنه حرام وضع الحناء وهي حائض فهل عليها شيء وما هو حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائضًا الجواز أي أنه يجوز للمرأة أن تضع في يديها الحناء وفي رأسها ولو كانت حائضًا وما أشتهر عند عوام النساء أنه لا يجوز فإن هذا لا أصل له ولا أعلم أحد قال به. ***
هل يجوز للحائض أن تستحم بماء الرقية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا أرى في هذا بأسًا، لأن ماء الرقية ليست به كتابة القرآن وليس به شيء يعتبر محترمًا من القرآن إنما هو ريق القارئ يؤثر بأذن الله عز جل. ***
عندما تحيض المرأة هل يجوز أن تغتسل وتغسل شعرها لأنها لا تحمل القذارة في هذه المدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تتنظف بغسل جسمها وشعرها وغير ذلك بل إذا أصابتها جنابة فإنه يسن لها أن تغتسل وإن كانت لا تستفيد بهذا الغسل شيئًا لأنه لا يمكن أن تصلى وعليها حيض لكن من أجل إزالة أثر الجنابة عنها. ومسألة جنابة المرأة الحائض أخشى أن يفهم أحدٌ من ذلك أن الحائض يجوز مجامعتها وهذا الفهم غير وارد لأن الجنابة قد تأتي المرأة من احتلام والمرأة إذا احتلمت ورأت الماء وجب عليها أن تغتسل كما يجب على الرجل كذلك وأيضًا ربما يكون قد جامعها زوجها قبل أن ترى الحيض ثم يأتيها الحيض قبل أن تغتسل من هذه الجنابة فحينئذٍ نقول لها اغتسلي من هذه الجنابة ولو كان عليك الحيض وكذلك ربما يستمتع الزوج بها وهي في حال الحيض بدون وطء أي بدون الجماع فإن استمتاع الرجل بزوجته حال الحيض بما سوى الفرج جائزٌ فهي في هذه الحال ربما تنزل مع الشهوة ويكون الغسل واجبًا عليها فنقول لها ينبغي أن تغتسل قبل أن تطهر من الحيض إزالةً لهذه الجنابة فهذه ثلاثة صور صورناها يمكن فيها أن تكون المرأة عليها الجنابة وهي حائض. ***
هذه رسالة من المستمع عمر أحمد عوض عبد الكريم سوداني مقيم بالكويت يقول هل يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو المستخرج من الأرض بواسطة المكائن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح الوضوء بالماء المالح بطبيعته أو بوضع ملح فيه لأن النبي ﷺ سئل عن الوضوء بماء البحر فقال (هو الطهور ماؤه الحل ميتته) ومن المعلوم أن مياه البحار مالحة فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء المالح سواء كان الملح حادثا فيه طارئًا عليه أو كان مالحًا من أصله وكذلك يجوز الوضوء بالماء الذي أخرج بالمكائن وغيرها من الآلات الحديثة لأن هذا داخل في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ - إلى قوله- وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ***
بارك الله فيكم يقول السائل في قريتنا الريفية نعتمد كل الاعتماد على مياه الأمطار وفي قريتنا مجموعة من المساجد وفي نفس المسجد توجد بركة للماء أي للوضوء وتجلس هذه البرك أحيانًا أكثر من عشر سنوات لم يتبدل الماء فيها وأحيانًا يكون لون الماء أخضر فهل نتوضأ من هذا أم ماذا نفعل علمًا بأنه لا يوجد لدينا مياه جارية فاعتمادنا على الأمطار أفيدونا جزاكم الله كل خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الماء الذي يتغير من طول مكثه يجوز الوضوء به والغسل منه لأن النبي ﷺ قال (الماء طهور لا ينجسه شيء) وأجمع العلماء على أن الماء إذا تغير بالنجاسة صار نجسًا وهذا التغير الذي يحدث للماء من طول مكثه ليس تغيرًا بالنجاسة حتى وإن أخضر أو صارت له رائحة كريهة فإنه طهور يجوز التطهر به غسلًا ووضوءًا وإزالة للنجاسة. ***
المستمع عوض ناصر أحمد اليافعي من الطائف يقول في سؤاله يوجد عندنا مسجد في القرية وهو مهجور منذ فترة طويلة ولا أحد يصلى فيه وكذلك الماء لا يوجد فيه إلا أيام الأمطار وإن وجد هذا الماء فالمصلون يتوضؤون بهذا الماء الوضوء الكامل فهل يجوز ذلك علمًا بأنه يبقى فترة طويلة وتخرج منه رائحة ويتغير لونه ولازالوا يتوضؤون منه فما هو الحكم في ذلك وهل يجوز بناء مسجد آخر قريب منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في ذلك أن وضوءهم من هذا الماء المتغير بمكثه لا بأس به وهذا الماء طهور وإن تغير لأنه لم يتغير بممازج خارج عنه إنما تغير بطول مكثه في هذا المكان وهذا لا بأس به، يتوضؤون منه ووضوؤهم صحيح. أما إقامة مسجد آخر بقرب هذا المسجد فإنه لا يجوز لأن ذلك من الإضرار بالمسجد الأول وقد ذكر أهل العلم أن ذلك محرم وأنه يجب هدم المتأخر منهما لأنه هو الذي حصل به الإضرار ولا يخفى على الجميع قول الله ﷿ (وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِدًا ضِرَارًا وَكُفْرًا وَتَفْرِيقًا بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَإِرْصَادًا لِمَنْ حَارَبَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ) لا يخفى على أحد هذه الآية وأن كل من بنى مسجدًا يحصل به الإضرار بالمسجد الآخر وتفريق المسلمين فإنه يكون له نصيب من هذه الآية فضيلة الشيخ: لكن لو عمل على إصلاح هذا المسجد وإعادة بنائه من جديد وتحسينه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لكن هذا إذا كان هذا المسجد القديم لا يمكن الانتفاع به فإنه لا بأس من تجديد بنائه على وجه يكون به راحة المصلىن ومثل هذا ينبغي أن تراجع فيه الجهات المسؤولة حتى لا يتلاعب الناس بالمساجد القديمة. ***
نحن مجموعة من الشباب نلعب في ملعب مزروع زراعة طبيعية ولكنه يسقى من مياه المجاري أعزكم الله وإخواني المستمعين بعد تكريرها فهل علينا الاغتسال قبل الصلاة لأنه يحصل أن يسقط أحدنا على الزرع فأرجو الإفادة بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليكم الاغتسال يعني أن تغسلوا ثيابكم أو أبدانكم من هذا الماء المكرر لأن هذا الماء المكرر قد زالت نجاسته بما أضيف إليه من المواد الكيماوية التي ذهبت بالنجاسة والماء النجس يكون تطهيره بإضافة شيء إليه يزول به أثر النجاسة من طعم أو لون أو ريح بل قال العلماء إن الماء النجس إذا زال تغيره بنفسه صار طهورا لكن بعض العلماء اشترط أن يكون كثيرا أي بالغًا للقلتين فإذا زال تغيره بنفسه وقد بلغ القلتين فهو طهور وإن كان دون القلتين فإنه لا يطهر إلا بإضافة ماء طهور كثير إليه ولكن القول الراجح أنه متى زالت النجاسة من الماء النجس بأي مزيل فإنه يكون طهورا لا ينجس الثياب ولا الأبدان. ***
أحسن الله إليكم هذا سؤال من المستمع حسين محمود موسى من جمهورية مصر العربية الأقصر يقول إذا كان إنسان يغتسل من الجنابة من إناء بِقُرْبِهِ وقد تسقط من جسمه قطرات من الماء في ذلك الإناء الذي يغترف منه فهل تفسد طهارته أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تفسد طهارته إذا كان الإنسان يتوضأ أو يغتسل من إناء وينزل من الماء إلى الإناء الذي يغترف منه فإن هذا لا بأس به ولا حرج لأن هذه القطرات ليست نجسة حتى تنجس الماء وإذا لم تكن نجسة فإن الماء يبقى على طهارته والماء لا ينجس إلا إذا تغير بنجاسة وأما إذا تغير بغير نجاسة كما لو تغير بشيء طاهر وبقي على اسم الماء فإنه يكون طهورا مطهرًا. ***
رسالة وردتنا من المستمع من الحفر صالح محمد صالح يقول في رسالته إذا كان الحاج معه ماء من زمزم فقط وحضرت الصلاة فهل يتوضأ منه أو يتيمم؟ نظرًا لأن ماء زمزم مبارك ويتخذ للشرب فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ماء زمزم كما قال الأخ هو مبارك وقد جاء في الحديث عن النبي ﷺ أن (ماء زمزم لما شرب له) ولكن -يُقال- من بركته أيضًا أن يتطهر به العبد لأداء الصلاة فالوضوء به جائز ولا حرج لأنه ماء فيدخل في عموم قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى أن قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) فعلى هذا يجب عليه أن يستعمل هذا الماء أي ماء زمزم في طهارته ولا يجوز له العدول إلى التيمم ما دام هذا الماء موجودًا. ***
من الدمام مستمع رمز لاسمه بـ أ. أ. يقول جماعة أدركتهم الصلاة وهم في سفر وليس معهم ماء للوضوء ومع أن الجو كان ممطرًا والغدير كان على جانب الطريق إلا أنهم شكوا في هذا الماء أنه غير طاهر لاسيما أن هناك عمالًا يعملون على الطريق ليسوا بمسلمين وخوفًا من أن يكون هؤلاء العمال قد استعملوا هذا الماء فإنهم قرروا عدم استعمال الماء وتيمموا مع أن الأرض كانت مبتلة وليس هناك غبار وقبل انتهاء وقت الصلاة وجدوا الماء ما حكم الشرع في نظركم في هذه الحالة يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القضية اشتملت على أمور أولًا أنهم تركوا استعمال الماء خوفًا من أن يكون نجسًا مع أنه ماء نزل من السماء وقد قال الله تعالى (وَأَنزَلْنَا مِنْ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا) فالماء النازل من السماء من أطهر المياه فهو طهور مطهر والشك الذي وقع في نفوسهم من أجل قرب العمال حوله وهم غير مسلمين شك لا يمنع من استعماله لأن الأصل بقاء طهارته وكان الواجب عليهم أن يتوضؤوا بهذا الماء دون اللجوء إلى التيمم لأنه إذا شك الإنسان في طهارة الماء أو نجاسته فإنه يبني على الأصل، فإذا كان أصل الماء طاهرًا لم يؤثر الشك في نجاسته وإن كان أصله نجسًا فالأصل بقاؤه على نجاسته وهذا الماء الذي في الغدير الأصل فيه الطهارة بل هو طهور مطهر ثانيًا قال السائل إن الأرض كانت رطبة فتيمموا عليها وليس فيها غبار وجوابه أن نقول إن التيمم على الأرض رطبة كانت أم يابسة ترابية كانت أم رملية أم صخرية جائز لعموم قوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) والصعيد كل ما تصاعد على الأرض ولقول النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فالتيمم على الأرض جائز على أي صفة كانت ثالثًا قال هذا الرجل السائل إنهم صلوا ثم وجدوا الماء والإنسان لو تيمم وصلى وهو عادم للماء ثم وجد الماء ولو في الوقت فإنه لا يعيد لأن ذمته قد برئت من التيمم عند فقد الماء والصلاة لكن هؤلاء القوم تيمموا في حال لا يحل لهم فيها التيمم لأن الواجب عليهم أن يتطهروا بهذا الماء الذي في الغدير فالاحتياط في حق هؤلاء أن يعيدوا الصلاة التي صلوها إذا لم يكونوا قد أعادوها في ذلك الوقت وإعادتهم لها تكون على صفة ما وجبت عليهم فإن كانت صلاة مقصورة فإنهم يعيدونها مقصورة ولو كانوا في بلادهم لأن القول الراجح أن مَنْ أعاد صلاة مقصورة قَصَرَها ومن أعاد صلاة تامة أتمها لقول النبي ﷺ (مَنْ نام عن صلاة أو نسيها فليصلها متى ذكرها لا كفارة لها إلا ذلك) فإن قوله ﷺ (فليصلها) يشمل أداءها على صفتها. ***
تقول في رسالتها أنا معلمة في منطقة بعيدة عن سكن الأهل تستوجب وظيفتي أن أسكن في سكن المعلمات الذي خصصته الحكومة لنا وكان من ضمن المعلمات اللواتي معي في نفس الغرفة معلمة غير مسلمة وهي تشاركني في الأكل والشرب وكذلك في ماء الغسيل لأننا نجلب الماء من الشاطئ ونخزنه فأنا أضطر في صلاة المغرب أن أتوضأ من هذا الماء لأنني أخاف الخروج ليلًا إلى النهر وخاصة أن المنطقة ريفية وموحشة ليلًا وبقيت على هذه الحال أربع سنوات فهل صلاتي صحيحة وأيضًا هل معاشرتي لها صحيحة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن سؤالين السؤال الأول عن حكم استعمال الماء المخزن بينكما أي بين المرأة السائلة وبين من كانت معها وهي غير مسلمة فهذا الماء المخزن طاهر مطهر وذلك لأن بدن الكافر ليس بنجس نجاسة حسية بل نجاسة الكافر نجاسة معنوية لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) ولقول النبي ﷺ لأبي هريرة (إن المسلم لا ينجس) وعلى هذا فيجوز للإنسان أن يتوضأ بالماء الذي خزنه غير المسلم وكذلك يجوز أن يلبس الثياب التي غسلها غير المسلم وأن يأكل الطعام الذي طبخه غير المسلم وأما ما ذبحه غير المسلمين فإن كان الذابح من اليهود والنصارى فذبيحته حلال لقول الله تعالى (الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمْ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ) قال ابن عباس ﵄ (طعامهم ذبائحهم) ولأنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه أكل من الشاة التي أهدتها له اليهودية) (وأجاب يهوديًا على إهالة سنخة وخبز شعير) وأقر عبد الله بن مغفل على (أخذ الجِراب من الشحم الذي رُمي به في فتح خيبر) فثبت بالسنة الفعلية والسنة الإقرارية أن ذبائح أهل الكتاب حلال ولا ينبغي أن نسأل كيف ذبحوا ولا هل ذكروا اسم عليه أم لا فقد ثبت في صحيح البخاري عن عائشة ﵂ (أن قومًا قالوا: يا رسول الله إن قومًا يأتوننا باللحم لا ندري أذكروا اسم الله عليه أم لا، فقال النبي ﷺ: سموا أنتم وكلوا، قالت: وكانوا حديثي عهد بكفر) يعني أنهم جديدو الإسلام، ومثل هؤلاء قد تخفى عليهم الأحكام الفرعية الدقيقة التي لا يعلمها إلا من عاش بين المسلمين ومع هذا أرشد النبي ﷺ هؤلاء السائلين إلى أن يعتنوا بفعلهم هم بأنفسهم (فقال: سموا أنتم وكلوا) أي سموا على الأكل وكلوا وأما ما فعله غيركم ممن تصرفه صحيح فإنه يحمل على الصحة ولا ينبغي السؤال عنه لأن ذلك من التعمق والتنطع ولو ذهبنا نلزم أنفسنا بالسؤال عن مثل ذلك لأتعبنا أنفسنا إتعابًا كثيرًا لاحتمال أن يكون كل طعام قدم إلينا غير مباح فإن من دعاك إلى طعام وقدمه إليك فإنه من الجائز أن يكون هذا الطعام مغصوبًاَ أو مسروقًا ومن الجائز أن يكون ثمنه حرامًا ومن الجائز أن يكون اللحم الذي ذبح فيه لم يسمَّ الله عليه وما أشبه ذلك فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الفعل إذا كان قد صدر من أهله فإن الظاهر أنه فُعِلَ على وجهٍ تبرأ به الذمة ولا يلحق الإنسان فيه حرج وأما ما تضمنه السؤال الثاني وهو معاشرة هذه المرأة الكافرة فإن مخالطة الكافرين إن كان يرجى منها إسلامهم بعرض الإسلام عليهم وبيان مزاياه وفضائله فلا حرج على الإنسان أن يخالط هؤلاء ليدعوهم إلى الإسلام ببيان مزاياه وفضائله وبيان مضار الشرك وآثامه وعقوباته وإن كان الإنسان لا يرجو من هؤلاء الكفار أن يسلموا فإنه لا يعاشرهم لما تقتضيه معاشرتهم من الوقوع في الإثم فإن المعاشرة تذهب الغيرة والإحساس وربما تجلب المودة والمحبة لأولئك الكافرين وقد قال الله ﷿ (لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ) ومودة أعداء الله ومحبتهم وموالاتهم مخالفة لما يجب على المسلم فإن الله ﷾ قد نهى عن ذلك فقال (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) وقال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءَكُمْ مِنْ الْحَقِّ) ولا ريب أن كل كافر فهو عدو لله وعدو للمؤمنين قال الله تعالى (مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ) فكل كافر هو عدو لله ولايليق بمؤمن أن يعاشر أعداء الله ﷿ وأن يوادهم ويحبهم لما في ذلك من الخطر العظيم على دينه وعلى منهجه نسأل الله للجميع الهداية والتوفيق والعصمة مما يغضبه. ***
أحسن الله إليكم السائل سوداني مقيم في المملكة يقول لدينا أحواض للماء يا فضيلة الشيخ في الخلاء تشرب منها الغنم وهي أقل من القلتين وتشرب منها الكلاب في الليل فهل يجوز الوضوء من ذلك وغسل الملابس منها رغم أن الماء يتجدد يوميًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هذا الماء طاهر سواء بلغ القلتين أم لم يبلغ القلتين إلا إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بالنجاسة فيكون نجسًا ولكن الغالب إذا كان يتجدد كل يوم أنه لا يتغير وكذلك إذا كان كثيرًا فالغالب أنه لا يتغير والقاعدة التي ينبني عليها الحكم هي: إذا تغير طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فهو نجس وإن لم يتغير فهو طهور. ***
تقول السائلة وقعت هرة في بئر ولم يخرجها أحد وتغيرت رائحة الماء وبعد أكثر من شهر أخذنا من هذا الماء وتوضأنا منه للصلاة ولا تزال الرائحة متغيرة فهل هذا الماء نجس أم لا وإن كان نجس فهل علينا أن نعيد تلك الصلوات أفيدونا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا سقطت في البئر هرة وماتت ثم تغير الماء برائحتها فإنه يكون تغير بنجاسة وإذا تغير الماء بنجاسة فهو نجس بالإجماع وإذا كان نجسًا فإنه لا يمكن أن يُطَهّر بل النجس يُتَطَهّر منه ولا يُتَطهر به وعلى هذا فيكون وضوؤكم من هذا الماء المتغير بالنجاسة وضوءًا فاسدًا غير صحيح وتكون صلاتكم غير صحيحة لأنكم صلىتم بغير وضوءٍ صحيح وتكون ثيابكم التي تلطخت بهذا الماء نجسة وصلىتم بثيابٍ نجسة وتكون أبدانكم التي تلطخت بهذا الماء نجسة أيضًا وتكونون صلىتم وعليكم نجاسة في أعضائكم فالواجب إذًا أن تحصوا الصلوات التي صلىتم بها بهذا الوضوء الذي كان من هذا الماء النجس وأن تعيدوا تلك الصلوات وليُعلم أن الميتة نوعان ميتة طاهرة فهذه إذا تغير الماء بها لم يكن نجسًا كميتة الجراد مثلًا وميتة السمك لأن ميتة السمك طاهرة ولو سقط آدميٌ في ماء وأنتن الماء من رائحته بعد موته فإن الماء يكون طاهرًا غير نجس لأن ميتة الآدمي طاهرة وعلى هذا فنقول إذا تغير الماء بميتةٍ نجسة فهو نجس وإن تغير بميتة طاهرة فهو طاهرٌ مطهر. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج من السودان يقول لدينا مكان يمتلئ بماء الأمطار وهذا الماء عرضة للتلوث ويتبول فيه الأطفال أعزكم الله وإخواني المستمعين وأيضًا تتبول فيه البهائم وليس لدينا مصدرٌ للماء غير هذا هل لنا أن نتوضأ منه يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الماء الذي ذكره السائل يجب أن يُنظر في أمره وأن يحرص على منع الناس منه ما دام متلوثًا بما يسبب المرض وما دام يُبال فيه ويتلوث بالنجاسة، وإبقاؤه هكذا مفتوحًا للعامة فيه خطرٌ عليهم في صحتهم وفي طهارتهم. أما من حيث صحة الوضوء به فإنه إن لم يتغير بالنجاسة لا طعمه ولا لونه ولا ريحه فلا حرج أن يتوضأ الإنسان منه لأن الماء طهور لا ينجسه شيء إلا ما غلب على طعمه أو لونه أو ريحه بنجاسة فإذا لم يتغير شيء من صفاته الثلاث الطعم واللون والريح بنجاسة فإنه يجوز الوضوء به ولكن كما أسلفت ينبغي بل قد يجب منع الناس منه لأنه مضر ما دام عُرضةً للتلوث لما يسبب من الأمراض. ***
هذه الرسالة وردتنا من مجموعة من المستمعين يقولون في رسالتهم مشكلتنا هي أننا مجموعة من المدرسين من دولة عربية إسلامية نعمل في اليمن الشقيق ونحن في إحدى القرى وهذه القرية بها مسجد ولها إمام والمسجد به بركة من الماء وهذه البركة يأتي إليها المصلون من أهل القرية فتجد من يتطهر فيها أي يستحم ويتطهر ونجد من يستنجي حولها وكذلك يتوضأ فيها أي أن هذه البركة لكل شيء للتطهر والاستنجاء والوضوء وماؤها يتغير كل أسبوع تقريبًا وحاولنا نهيهم عن ذلك فلم يستمعوا إلينا والمشكلة الأكبر هي إمام المسجد فهو يتوضأ أيضًا منها ولم يستمع إلى كلامنا فما هو رأيكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن النبي ﷺ (نهى أن يغتسل الإنسان في الماء الراكد أو الدائم الذي لا يجري) وعلى هذا نقول لهؤلاء لا تغتسلوا في هذا الماء إذا أردتم الاغتسال فخذوا منه بإناءٍ أو اغرفوا منه بأيديكم وليكن ما يتساقط من جلودكم خارج هذا المجتَمَع من الماء وكذلك بالنسبة للوضوء إذا كانوا يتوضؤون منه وما يتساقط يكون خارجًا عنه فهذا لا بأس به وكذلك الاستنجاء إذا كانوا يغترفون منه وما تسرب يكون خارجًا عنه فإن هذا لا بأس به ولكن المشكل ما ذكر السائلون بأنهم كانوا يغتسلون فيه فقد نهى النبي ﷺ (أن يغتسل الإنسان جنبًا في الماء الدائم الذي لا يجري) فيُنهى هؤلاء عن ذلك ثم إنه من الناحية الصحية قد يكون مضرًا أيضًا وينبغي أن ينُظر في هذا من الناحية الطبية فإذا كان هذا الماء يتلوث بهذه الأعمال فإنهم ينهون عنه. ***
المستمع آدم من السودان يقول عندما كنت منتدبًا في الجمهورية العربية اليمنية شاهدت معظم السكان لديهم بركة ماء بجانب المسجد يتوضأ بداخلها هؤلاء ويسبحون بداخلها علمًا بأن الماء الذي بداخلها قد تغير لونه وطعمه ورائحته ويقولون بأن هناك قدرًا من الماء يمكن للإنسان الوضوء فيه السؤال ما هي نصيحتكم لهم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن هذا الماء الذي في البركة إذا كان دائمًا لا يجري فإن النبي ﷺ نهى عن الاغتسال فيه فقال: (لا يغتسل أحدكم في الماء الدائم الذي لا يجري) لأن الاغتسال في هذا الماء الدائم الذي لا يجري يجعله وَسِخًا وربما يكون في الإنسان أمراض تؤثر على غيره فنصيحتي لهؤلاء أن يتجنبوا هذا العمل الذي يعملونه في هذا الماء الدائم الراكد الذي لا يجري وكذلك ربما يكون منهم كشف للعورة فيكون هذا إثمًا ظاهرًا لأنه لا يحل لإنسان أن يكشف عورته لأحدٍ من الناس يراها وبإمكانهم أن يجعلوا هناك حمامات وخزانا فوق هذه الحمامات يتوضؤون منه ويغتسلون. ***
باب الآنية
يقول هل يجوز الانتفاع بجلود الميتة وعظامها وشعرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت من حيوانٍ يباح بالذكاة كبهيمة الأنعام فيجوز الانتفاع بجلدها لكن بعد الدبغ لأنه بالدبغ الذي يزول به النتن والرائحة الكريهة يكون هذا الجلد طاهرًا يباح استعماله في كل شيء حتى في غير اليابسات على القول الراجح لأنه يَطْهُرُ بذلك كما قال النبي ﵊ (يُطهرها الماء والقَرَظ) وأما إذا كان الجلد من حيوانٍ لا يحل بالذكاة فهذا موضع خلافٍ بين أهل العلم والله أعلم. ***
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع عبد الرحمن م س من مقديشو الصومال يقول أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون أنه لحراسة منزلهم وكثيرًا ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم أيضًا هل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط وهل يؤثر لمسه باليد على صحة الوضوء أم يعتبر ناقضًا وما حكم استعمال الآنية التي قد يلعق طعامه وشرابه فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص به الشارع والنبي ﵊ رخص في ذلك في ثلاثة أمور: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب. وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها. والثالث كلب الصيد ينتفع به الصائد. هذه الثلاث التي رخَّص النبي ﷺ فيها باقتناء الكلب وما عداها فإنه لا يجوز وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذه الحال محرما لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يُقتنى لحراسة البيت ومن فيه وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد وإن كان مسه برطوبة أي حيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أويده أو يد الماس رطبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم ويجب غسلها أي غسل اليد بعده سبع مرات إحداها بالتراب وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء أي شرب منه غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة (عن النبي ﵊: إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعا إحداها بالتراب) . ***
باب الاستنجاء وآداب قضاء الحاجة
المرسل ماطر المطيري من القصيم عنيزة يقول أرجو أن تفيدوني عن ذكر الله ﷾ هل يجوز ذكر الله داخل الحمام أم لا يجوز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينبغي للإنسان أن يذكر ربه في داخل الحمام لأن المكان غير لائق لذلك أما إن ذكره في قلبه فلا حرج عليه بدون أن يلفظ به بلسانه وإلا فالأولى ألا ينطق به بلسانه في هذا الموضع وينتظر حتى يخرج منه. ***
رسالة وصلت من المستمع ع. ص. ج. شبوة اليمن يسأل عن البسملة قبل الاستنجاء في الحمام وأرجو الدليل على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يرد عن النبي ﷺ التسمية على الاستنجاء سواء كان داخل الحمام أو خارجه وإنما يشرع لمن أراد أن يدخل الحمام الذي يقضي فيه حاجته أن يقول (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإن قال قبل ذلك (باسم الله) فهو حسن أما قوله (أعوذ بالله من الخبث والخبائث) فقد ثبت في الصحيحين وأما (باسم الله) فقد جاء فيه حديث في السنن لا بأس بالأخذ به والعمل به ولكن التسمية مشروعة عند الوضوء إما وجوبًا على رأي بعض أهل العلم وإما استحبابًا على القول الثاني لأهل العلم وهو الراجح وعلى هذا فإذا انتهى من الاستنجاء وستر عورته وأراد أن يتوضأ فإنه ينبغي له أن يقول (باسم الله) . ***
علي صالح فتاح من العراق يقول هل يجوز للإنسان أن يذكر الله في الحشوش أي الحمامات ودورات المياه التي تقضى فيها الحاجات كأن يقول سبحان الله أو أستغفر الله وهو جالس في الخلاء أجلكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المعروف عند كثير من أهل العلم أن ذلك من المكروه إذا ذكر الله تعالى بلسانه وأما ذكره له بالقلب وإمرار هذا على قلبه فلا بأس به ولا حرج. ***
يقول السائل بالنسبة للإنسان يتوضأ في الحمام ويخرج إلى الغسالات وهي في الأبنية الحديثة تبدو ظاهرةً جدًا هل يجوز أن يذكر الله عند تكملة وضوئه على الغسالة غسالة الأيدي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسالة الأيدي إذا كانت خارج الحمام وخارج محل قضاء الحاجة فلا حرج أن يذكر الله تعالى عندها أما إذا كانت داخل محل قضاء الحاجة فإنه لا يذكر الله تعالى بلسانه فيها في هذا الموضع كما أشرنا إليه أولًا ولكن يذكر الله بقلبه لا حرج عليه فيه. ***
يقول السائل مع كثرة تلاواتي للقرآن الكريم والحمد لله عندما أدخل إلى الخلاء أجد نفسي وبدون شعور أذكر بعض الآيات التي تعلقت بالذهن فما حكم ذلك يا شيخ محمد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر أهل العلم أنه لا يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وهو جالس يقضي حاجته لأن في ذلك نوعا من الامتهان له وعليه يجب عليك أن تتحفظ وأن تدخل إلى هذا المكان وأنت في شعور تام تدرك ما تقول ولا يمضي بك الوسواس حتى تقرأ شيئًا من القرآن أي إنِّي أقول اضبط نفسك إذا دخلت هذا المكان حتى لا تقرأ شيئًا من كتاب الله ﷿. ***
سؤال من الأخوات من جنوب المملكة المغربية السؤال يقول هل يجوز لنا الكلام أو التحدث مع الآخرين داخل دورات المياه؟ علمًا بأننا نقوم ببعض الأشغال داخل هذه الدورات كغسل الثياب مثلًا نظرًا لظروفنا أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على الإنسان أن يتكلم في داخل دورات المياه إذا كان ليس على قضاء حاجته أما إذا كان على قضاء حاجته وهو كاشفٌ عورته فإنه لا يتحدث وكذلك أيضًا لا يتحدث بكلام الله ﷿ فلا يقرأ القرآن وهو في هذه الأماكن لأن القرآن أكرم وأجل من أن يقرأه الإنسان في هذه الأماكن التي هي موضع الأذى والقذر. ***
بارك الله فيكم مستمع رمز لاسمه بـ م ل م من مصر يقول عندنا في مصر يقولون لمن يخرج من الخلاء (شفيتم؟) فيقال لهم (شفاكم الله وعافاكم) فهل في هذا حرج أم أن ذلك يعد من البدع وإن كان من البدع فنرجو الدليل وما الذي يفعله المصلى إذا فرغ من قراءة الفاتحة خلف الإمام في الصلاة الجهرية ولم يبدأ الإمام في قراءة السورة هل يسكت أم يعيد قراءة الفاتحة مرة أخرى أم يبدأ في قراءة السورة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما المسألة الأولى: وهي أنهم إذا خرج الخارج لقضاء حاجته قالوا له: شفاك الله، فإن هذا لا أصل له ولم يكن السلف الصالح يفعلون ذلك وهم خير قدوة لنا والإنسان مشروع له إذا أراد دخول الخلاء ليقضي حاجته من بول أو غائط أن يقدم رجله اليسرى ويقول عند الدخول (باسم الله أعوذ بالله من الخبث والخبائث) وإذا خرج قدم اليمنى وقال: (غفرانك الحمد لله الذي أذهب عني الأذى وعافاني) وإن اقتصر على قول (غفرانك) فحسن أما هذا الدعاء الذي أشار إليه السائل فلا أصل له ولا ينبغي أن يتخذه الناس عادة لأن مثل هذه الأمور إذا اتخذت عادة صارت سنة وظنها الناس مشروعة وهي ليست مشروعة. وأما المسألة الثانية: وهي إذا سكت الإمام بعد قراءة الفاتحة ثم قرأها المأموم قبل أن يشرع الإمام بقراءة السورة فماذا يصنع المأموم بعد قراءته الفاتحة والإمام لم يزل على سكوته، فالجواب على ذلك أننا نقول للإمام أولًا لا ينبغي لك أن تسكت هذا السكوت الطويل بين قراءة الفاتحة وقراءة ما بعدها والمشروع لك أن تسكت سكتة لطيفة بين الفاتحة والسورة التي بعدها ليتميز بذلك القراءة المفروضة والقراءة المستحبة والمأموم يشرع في هذه السكتة اللطيفة بقراءة الفاتحة ويتم قراءة الفاتحة ولو كان الإمام يقرأ وأما السكوت الطويل من الإمام فإن ذلك خلاف السنة ثم على فرض أن الإمام كان يفعل ذلك ويسكت هذا السكوت الطويل فإن المأموم إذا قرأ الفاتحة وأتمها يقرأ بعدها سورة حتى يشرع الإمام في قراءة السورة التي بعد الفاتحة وحينئذ يسكت لأنه لا يجوز للمأموم أن يقرأ والإمام يقرأ إلا قراءة الفاتحة فقط. ***
يقول السائل البعض يقضي حاجته أو يستنجي في المكان المخصص للوضوء مما يجعل عورته تنكشف لمن حوله فهل يجوز ذلك أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يجوز له، لا يجوز لإنسانٍ أن يكشف عورته بحيث يراها من لا يحل له النظر إليها فإذا كشف الإنسان عورته في الحمامات المعدة للوضوء والتي يشاهدها الناس فإنه يكون بذلك آثمًا وقد ذكر أهل الفقه ﵏ أنه في هذه الحال يجب على المرء أن يستجمر بدل الاستنجاء بمعنى أن يقضي حاجته بعيدًا من الناس وأن يستجمر بالأحجار أو بالمناديل ونحوها مما يباح الاستنجاء به حتى ينقي محل الخارج بثلاث مسحاتٍ فأكثر قالوا إنما يجب ذلك لأنه لو كشف عورته للاستنجاء لظهرت للناس وهذا أمرٌ محرم وما لا يمكن تلافي المحرم إلا به فإنه يكون واجبًا وعلى هذا نقول في الجواب إنه لا يجوز للمرء أن يتكشف أمام الناظرين لاستنجاءٍ بل يحاول أن يكون في محلٍ لا يراه أحد. ***
يقول السائل إنني أتوضأ دائمًا في الحمام هل يجوز الوضوء الصغير في الحمام أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز الوضوء في الحمام ولا حرج فيه ولكن ينبغي للإنسان أن يتحفظ من إصابة النجاسة له فإذا تحفظ من ذلك فليتوضأ في أي مكان كان. ***
بارك الله فيكم المستمع ممدوح مقيم بالدمام يقول ما حكم الوضوء داخل دورات المياه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس أن يتوضأ الإنسان داخل دورات المياه ولكن يُشْكِلُ على هذا أن الوضوء تُشْرَعُ فيه التسمية إما وجوبًا وإما استحبابًا فكيف يُسمي وهو في داخل دورة المياه نقول يُسمي إما بقلبه بدون أن ينطق به وإما أن ينطق بذلك والعلماء الذين قالوا إنه يكره ذكر اسم الله في داخل المراحيض يقولون إنه في هذه الحال يسمي بقلبه ويكتفي بالتسمية، على أن التسمية على القول الراجح ليست بواجبة وإنما هي سنة إن أتى بها الإنسان فهو أكمل وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح ولا حرج عليه. ***
يقول هل يشترط ستر العورة في الوضوء بمعنى هل يجوز الوضوء في الحمام بعد الاستحمام بدون ستر العورة أي قبل لبس الملابس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأفضل أن الإنسان إذا انتهى من الاغتسال يلبس ثيابه لئلا يبقى مكشوف العورة بلا حاجة ولكن لو توضأ بعد الاغتسال من الجنابة قبل أن يلبس ثوبه فلا حرج عليه في ذلك ووضوؤه صحيح ولكن هذا الوضوء ينبغي أن يكون قبل أن يغتسل فإن النبي ﵊ (كان يتوضأ عند الغسل قبل الاغتسال) أما بعد الغسل فلا وضوء ولو أن الإنسان نوى الاغتسال واغتسل بدون وضوء سابق ولا لاحق أجزأه ذلك لأن الله تعالى لم يوجب على الجنب إلا الطهارة بجميع البدن حيث قال ﷿ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يوجب الله تعالى وضوءًا وعلى هذا فلو أن أحدًا نوى رفع الحدث من الجنابة وانغمس في ماء بركة أو بئر أو في البحر وهو قد نوى رفع الحدث الأكبر أجزأه ذلك ولم يحتج إلى وضوء. ***
السؤال من المستمعة ع. م الحربي المدينة النبوية تقول هل يجوز الوضوء داخل الحمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصح للإنسان أن يتوضأ داخل الحمام وهذا يقع كثيرًا تكون المغسلة التي تغسل بها الأيدي في داخل الحمام ويتوضأ الإنسان في داخل الحمام ولا حرج في هذا، لكن إذا كان الحمام حمام مسجد والناس ينتظرون هذا ليخرج وفي المسجد محل للوضوء فهنا نقول لا تتوضأ داخل الحمام لأن الناس محتاجون إليه وليس لك الحق أن تحجزه عن الناس بل إذا استنجيت فاخرج وتوضأ في المواضئ. ***
يقول السائل كما تعلمون فضيلة الشيخ أعزكم الله وإخواني المستمعين أن انتشار المدنية والمباني الحديثة قد أدى غالبًا إلى وجود الحمامات والأحواض للأيدي والوجوه ودورات المياه في مكانٍ واحد فهل يجوز الوضوء في هذه الأماكن أم يجب حمل ماء الوضوء خارج هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يتوضأ في المكان الذي تخلى فيه من بوله أو غائطه لكن بشرط أن يأمن من التلوث بالنجاسة بأن يكون المكان الذي يتوضأ فيه جانبًا من الحمام بعيدًا عن مكان التخلي أو ينظف المكان الذي ينزل فيه الماء من الأعضاء في الوضوء حتى يكون طاهرًا نظيفًا. ***
بارك الله فيكم ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في مَنْ يدخلون دروات المياه وفي جيوبهم إما مصاحف أو أوراق فيها ذكر أو حديث أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما دخولهم بالمصاحف فإنه قدصرح كثير من أهل العلم بأن ذلك حرام وأنه لا يجوز للإنسان أن يدخل المراحيض ومعه مصحف تكريمًا للمصحف وأما ما عدا ذلك فإن الدخول فيه ليس بمحرم والإنسان يحتاج كثيرًا إلى الدخول بأوراق فيها أحاديث، فيها ذكر، فيها كلام لأهل العلم، وليس هناك دليل صحيح صريح يدل على كراهة ذلك. ***
بارك الله فيكم المستمع جمال عبده يقول هل يصح أن يدخل المسلم دورة المياه أعزكم الله وإخواني المستمعين وهو يحمل أوراقًا فيها اسم الله تعالى نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب يجوز له أن يدخل بهذه الأوراق إذا كانت في جيبه ومستورةً فيه لأن هذا أمرٌ تدعو الحاجة إليه بل قد تدعو الضرورة إليه أحيانًا بحيث يكون الإنسان في حمامات عامة لا يمكنه أن يُخرج ما في جيبه من هذه الأوراق لأنه يخشى عليها وهو مضطرٌ لأن تكون معه والمسلم إذا دخل بمثل هذه الأشياء في بيت الخلاء فإنه لا يمكن أن يريد بذلك امتهانها أبدًا. ***
يقول السائل م. ش. ب. فضيلة الشيخ أنا مؤذن لجامع الحي ومن العادة غالبًا أكون آخر مَنْ يخرج مِن المسجد ولكنني قبل الخروج النهائي منه أقوم بالإشراف على دورات المياه والتفحص فيها وقبل دخولي فيها أُخْرِجُ ما عندي من أوراقٍ وكتيبات، كتب فيها أسماء الله وحتى المحفظة، حتى لا أنال الإثم بإدخالي لها فهل عملي هذا صحيح أم هو مجرد مبالغة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا هذا مبالغة ولا حاجة إليه. ***
تقول السائلة قرأت في كتابٍ للشيخ محمد بن عبد الوهاب ﵀ عن الوضوء يقول فيه أن من شروط الوضوء (الاستجمار أو الاستنجاء قبله) فهل يعني ذلك بأنه لا يصح الوضوء إلا بالاستنجاء أو الاستجمار قبله دائمًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد الشيخ ﵀ أن الإنسان إذا بال أو تغوط ثم توضأ قبل أن يستنجي فوضوؤه غير صحيح يعني لا بد أن يستنجي أولًا ثم يتوضأ وأما إذا لم يكن بول ولا غائط فإنه لا يجب الاستنجاء بل يتوضأ بدون ذلك مثاله رجل بال في الساعة الحادية عشرة صباحًا ولم يتوضأ ثم أذن لصلاة الظهر فهنا نقول يتوضأ بدون استنجاء لأنه استنجى أولًا ولا حاجة لإعادته هذا معنى كلام الشيخ ﵀. ***
يقول السائل إذا غسلت العورة ثم لبست السروال وانتصفت في الوضوء ثم أحدثت هل أبدأ الوضوء من جديد أو أتجدد أرشدوني جزاكم الله خيرا لأني في حيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإنسان إذا غسل عورته وأنقى المحل لا يجب عليه إعادة غسل العورة مرةً ثانية إلا إذا خرج منه شيء وعلى هذا فالرجل السائل إذا كان أحدث في أثناء وضوئه أي في أثناء تجديده كما يقول العامة فإنه لا يعيد غسل فرجه إذا لم يخرج منه خارجٌ محسوس فالريح لا يجب غسل الفرج منها إذا لم يخرج معها بلل، فعليه إذا أحدثٍ بريحٍ في أثناء وضوئه فإنه لا يعيد غسل فرجه والمراد بريحٍ لا رطوبة معها فإنه لا يعيد غسل فرجه، وإنما يعيد الوضوء من جديد بمعنى أنه يعود فيغسل كفيه ويتمضمض ويغسل وجهه ... الخ ***
أحسن الله إليكم يقول السائل إذا خرج من الإنسان ريح هل يجب عليه أن يعيد الاستنجاء أم يكتفي بالوضوء بدون استنجاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الريح لا توجب الاستنجاء إلا إذا خرج معها بلل وإلا فمجرد الريح لا يجب فيه الاستنجاء وعليه فلو خرج منه ريحٌ وهو على وضوء ثم أراد الصلاة وجب عليه أن يتوضأ ولا يجب عليه أن يستنجي. ***
بارك الله فيكم يقول السائل هل خروج الريح أعزكم الله وإخواني المستمعين يفسد الاستنجاء وهل من ضرورة لإعادة الاستنجاء مرة ثانية حتى يتوضأ الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الريح من الدبر ناقض للوضوء لقول النبي ﵊ (لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) لكنه لا يُوجِبُ الاستنجاء أي لا يُوجِبُ غسل الفرج أعني غسل الدبر لأنه لم يخرج شيء يستلزم الغسل وعلى هذا فإذا خرجت ريح انتقض الوضوء ويكفي الإنسان أن يتوضأ أي أن يغسل وجهه مع المضمضة والاستنشاق ويديه إلى المرفقين ورأسه يمسحه ويمسح أذنيه ويغسل قدميه إلى الكعبين وهنا أنبه على مسألة تخفى على كثير من الناس وهي أن بعض الناس يبول أو يتغوط قبل حلول وقت الصلاة ثم يستنجي فإذا جاء وقت الصلاة وأراد الوضوء فإن بعض الناس يظن أنه لا بد من إعادة الاستنجاء وغسل الفرج مرة ثانية وهذا ليس بصواب فإن الإنسان إذا غسل فرجه بعد خروج ما يخرج منه فقد طَهُرَ المحل وإذا طَهُرَ فلا حاجة إلى إعادة غسله لأن المقصود من الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي بشروطه المعروفة المقصود به تطهير المحل فإذا طَهُرَ فلن يعود إلى النجاسة إلا إذا تجدد الخارج مرة ثانية. ***
هل يلزم الاستنجاء عند كل وضوء أم عند الحدث الأصغر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستنجاء هو تطهير المحل القبل أو الدبر من التلوث بالنجاسة التي حصلت فإذا تطهر الإنسان من هذه النجاسة فقد طهر المحل ولا حاجة إلى إعادة غسله مرة ثانية إلا إذا حصل بول أو غائط من جديد وعلى هذا فلو أن الإنسان قضى حاجته بعد طلوع الشمس ثم استنجى أو استجمر استجمارًا شرعيًا ثم حان وقت صلاة الظهر وتوضأ من غير أن يغسل فرجه كان ذلك جائزًا وكان عملًا صحيحًا لأن الله ﷿ يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ولم يذكر الله ﷾ غسل الفرج فدل هذا على أن الوضوء يختص بهذه الأعضاء الأربعة فقط الوجه واليدان والرأس والرجلان وأما غسل الفرج فإنه لسبب وهو تلوث المحل بالنجاسة فإذا طَهُرَ المحل من هذه النجاسة لم يحتج إلى إعادة تطهيره مرة أخرى إلا بنجاسة جديدة. ***
يقول السائل أفتونا في تجديد الوضوء هل يستنجي له أم يبدأ من الكف مباشرة دون الاستنجاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التجديد لا يحتاج إلى استنجاء لأن الاستنجاء إنما هو لتطهير القبل في البول والدبر في الغائط فقط فمتى طَهُرَ هذا المحل ولم يحدث بول ولا غائط بعد ذلك فلا حاجة إلى إعادة غسله مرة أخرى فمثلا لو أن الإنسان نقض وضوءه ببول في الساعة العاشرة ضحى ثم حان وقت صلاة الظهر ولم يبل بعد ذلك فإنه لا يحتاج إلى غسل ذكره بل يتوضأ وضوءًا فقط والوضوء المعروف هو أن يغسل كفيه ويتمضمض ويستنشق ثلاثًا بثلاث غرفات ويغسل وجهه ثلاثًا ويديه إلى المرفقين ثلاثًا ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه هذا هو الوضوء ويجب أن نصحح اللفظ عند كثير من الناس فإن كثيرًا من الناس يجعل الوضوء بمعنى غسل الفرجين وهذا غلط الوضوء هو غسل الأعضاء الثلاثة ومسح الرأس غسل الوجه واليدين والرجلين ومسح الرأس مُرتَّبه كما ذكر الله تعالى في قوله (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ***
سائلة تقول: هل يجب الاستنجاء والوضوء لكل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب الاستنجاء لكل صلاة ولا الوضوء فإذا دخل وقت الصلاة وهي على طهارة فلتصل وإذا بقي حتى دخول الوقت الثاني فلتصل لأن الوضوء لا يجب إلا من حدث، ثم إن بعض الناس يظن أن الاستنجاء تابع للوضوء فتجده لا يتوضأ إلا واستنجى قبله وإن لم يحصل منه بول ولا غائط، ويسأل بعض الناس فيما لو حصل منه بول أو غائط قبل صلاة الظهر بساعة ثم قضى حاجته واستنجى استنجاءً تامًا ثم أذن الظهر هل يكتفي بالاستنجاء الأول أم لابد أن يعيد الاستنجاء مرة أخرى؟ فنقول: بل يكتفي بالاستنجاء الأول ولا حاجة أن يستنجي مرة أخرى لأن الاستنجاء إنما هو لتطهير المحل من الخارج منه وهذا قد طَهَّرَ المحل فلا حاجة لأن يعيد مرة ثانية. ***
السائل ع. ع. من جمهورية مصر العربية يقول هل الاستنجاء بالتراب الطاهر يجوز مع العلم بوجود الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم الاستجمار بالأحجار أو بالتراب أو بالخرق المنقية بدلًا عن استعمال الماء في إزالة الخارج من السبيلين جائز إلا أنه يشترط أن يكون ثلاث مسحات فأكثر وأن تكون منقية وألا يكون الاستجمار بشيء نجس ولا بشيء محترم كالطعام ولا بعظم ولا بروث لأن النبي ﷺ (نهى أن نستنجي بعظم وروث) وعلل ذلك (بأنها طعام إخواننا من الجن وطعام بهائمهم فالعظام يجدونها أوفر ما تكون لحمًا والأرواث يجدونها علفًا لدوابهم) هكذا جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وإذا كنا نهينا أن نستجمر بطعام الجن وطعام دوابهم فطعامنا وطعام دوابنا من باب أولى بالنهي ويجوز الاستجمار بدون استعمال الماء بالشروط التي ذكرتها وإن كان الماء موجودًا وعلى هذا فتطهير محل الخارج يكون بواحد من أمور ثلاثة إما بالأحجار وحدها أو ما ينوب عنها من التراب والثياب والخرق، وإما بالماء وحده، وإما بالتراب والماء جميعًا. ***
يقول السائل ما حكم قضاء الرجل الحاجة قائمًا وهل ثبت عن النبي ﷺ أنه فعل ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم قضاء الرجل الحاجة خاصة البول قائمًا لا بأس به لكن بشرطين، الشرط الأول: أن يأمن من التلوث بالبول والشرط الثاني: أن يأمن من ناظر ينظر إليه، وقد ثبت عن النبي ﷺ من حديث حذيفة ﵁ (أن النبي ﷺ أتى سباطة قوم -السباطة الزبالة- فبال قائمًا) ﷺ وعلى هذا فلا يكون البول قائمًا محرمًا كما يفهمه كثير من العامة ومن العجائب أن العامة كما -قيل إن العوام هوام- أنهم ينكرون إنكارًا بالغًا أن يبول الإنسان قائمًا ولكنه يهون عليهم أن يبول الإنسان والناس ينظرون إلى عورته ولهذا تجدهم لا يهتمون بهذا الأمر اهتمامًا كبيرًا والذي ينبغي للإنسان أن يستتر عن الأعين حتى ببدنه أما بعورته فيجب أن يكون ساترًا لها عن الأعين فإذا كان الإنسان يبول في صحراء أو يتغوط في صحراء فمن الأفضل أن يبعد حتى يتوارى عن الناس إما بشجرة أو أكمة أو وادٍ أو نحو ذلك هذا من الآداب الشرعية وأما الاستتار عن الأعين بالنسبة للعورة فهو أمر واجب لابد منه وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أنه ثبت عن النبي ﵊ من حديث أبي أيوب الأنصاري ﵁ أنه (قال -أعني النبي ﷺ: لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) وهذا عام في الصحراء والبنيان ولهذا (قال أبو أيوب: فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله ﷿ وقوله ﷺ في هذا الحديث (ولكن شرقوا أو غربوا) هذا خاص بأهل المدينة ومن كان على سمتهم ممن إذا شرقوا أو غربوا لا يستقبلون القبلة وهو من حسن تعليم الرسول ﵊ فإنه كان من هدي الرسول ﷺ أنه إذا ذكر شيئًا ممنوعًا فتح للأمة الباب الجائز حتى لا توصد الأبواب أمامها وهذا هو أيضًا طريقة القرآن كما قال الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انظُرْنَا وَاسْمَعُوا) لما نهاهم أن يقولوا (راعنا) فتح لهم القول الجائز أن يقولوا (انظرنا) وكذلك ثبت عن (النبي ﵊ في قصة التمر الذي جاء به بلال إليه وكان تمرًا جيدًا فقال له: أكل تمر خيبر هكذا قال: لا ولكننا نأخذ الصاع من هذا بالصاعين والصاعين بالثلاثة، فقال الرسول ﵊: لا تفعل ولكن بع الجمع بالدراهم ثم اشتر بالدراهم جنيبًا - أي جيدًا) فلما ذكر له الممنوع فتح له الجائز وهكذا ينبغي لكل داعية يدعو إلى الله ﷿ يأمر الناس وينهاهم إذا نهاهم عن أمر منكر أن يفتح لهم الباب الجائز من نوعه حتى يلج الناس منه، عودًا على الحديث الذي أشرت إليه يقول النبي ﵊ (ولكن شرقوا أو غربوا) ولكن قد ثبت في الصحيحين من (حديث ابن عمر أنه قال: رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي ﷺ يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) وهذا يدل على أنه إذا كان في البنيان فإنه يجوز استدبار الكعبة فيبقى النهي عن استقبالها قائمًا غير مخصص وعلى هذا فإذا بنى الإنسان بيتًا فإنه يجب أن يلاحظ هذه المسألة بحيث لا تكون وجوه الجالسين على قضاء الحاجة مستقبلة القبلة بل تكون القبلة عن أيمانهم أو عن شمائلهم وهذا هو الأفضل أو عن أدبارهم أما استقبالها فلا يجوز لا في الفضاء ولا في البنيان. ***
هذه رسالة وردت من السائل شعيب خليفة عثمان من بنغازي بليبيا يقول قمت بزيارةٍ لإحدى الدول الإسلامية ولقد أعجبني كثيرًا حرص أهلها على حضور الصلوات الخمس في مواعيدها جماعة ولكن لفت نظري شيء حول عملية قضاء الحاجة فإنه يوجد بجوار كل مسجد دوراتٍ للمياه ولكن يتم قضاء الحاجة وقوفًا رغم وجود دورات مياهٍ عادية والذي ساءني أكثر أنني أراهم بعد قضاء الحاجة مباشرةً ينصرفون إلى الوضوء دون استنجاء جهلًا منهم وظنًا أن الاستنجاء إنما يكون من الغائط فقط فأرجو توجيه نصحيةٍ إلى هؤلاء وإرشادهم إلى وجوب التطهر قبل بدء الوضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نشكر الأخ السائل على اهتمامه بأحوال المسلمين فإن من اهتم بأمر المسلمين كان ذلك دليلًا على محبته وشفقته عليهم أما بالنسبة لما يصنعه أولئك الإخوة فإن كونهم يبولون قيامًا لا بأس به فإن البول قائمًا يجوز بشرطين أحدهما: أن يأمن من التلوث بالبول، والثاني: أن يأمن من النظر إلى عورته، وأما كون هؤلاء الإخوة لا يستنجون من البول بل ينصرف الإنسان منهم دون أن يتطهر لا باستنجاءٍ ولا باستجمار فإن هذا غلطٌ منهم كبير وهو سببٌ للعقوبة وعذاب القبر لما ثبت في الصحيحين من حديث ابن عباسٍ ﵄ (أن رسول الله ﷺ مر بقبرين، فقال: إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما فكان لا يستبرئ من البول وأما الآخر فكان يمشي بالنميمة) فبين رسول الله ﵊ أن هذين الرجلين يعذبان في قبورهما بسببين السبب الأول عدم الاستبراء من البول وهو ينطبق على حال هؤلاء ثم إن كثيرًا من أهل العلم يقولون إن الوضوء لا يصح إلا بعد أن يتم الاستنجاء أو الاستجمار الشرعي وعلى هذا فيكون هؤلاء قد صلوا بغير وضوءٍ صحيح ومن صلى بغير وضوءٍ صحيح فإن صلاته لا تصح ولا تقبل منه لقول النبي ﵊ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فأوجه النصيحة إلى هؤلاء الإخوان أن يتقوا الله ﷿ وأن يستنجوا من البول ويستبرئوا منه وأن يستنجوا بعد البول بالماء أو يستجمروا بأشياء مباحة أي مما يباح الاستجمار به فيمسح المحل ثلاث مسحاتٍ فأكثر تكون منقية فإن الاستجمار الشرعي الذي تتم به الشروط يجزئ عن الاستنجاء بالماء. ***
حفظكم الله يقول السائل سمعنا (حديث جابر ﵁ بأنهم عند فتح بلاد الشام كانوا يجدون حمامات متجهة إلى القبلة قال فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله) فهل لا يجوز استقبال القبلة عند التخلي حتى وإن كان ذلك في البيوت ثم ماذا عن (حديث ابن عمر ورؤيته للرسول ﷺ وهو يتخلى في الفضاء مستقبلًا القبلة) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما قوله في الأول (حديث جابر أنهم قدموا الشام فوجدوا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة) فليس الحديث لجابرٍ ﵁ بل هو لأبي أيوب الأنصاري (يقول: إنهم قدموا الشام فوجدوا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة -يعني وجوهها نحو الكعبة- قال: فكنا ننحرف عنها ونستغفر الله ﷿ وأبو أيوب هو الذي روى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال: لا تستقبلوا القبلة بغائطٍ ولا بولٍ ولا تستدبروها ولكن شرقوا أو غربوا) وأما حديث ابن عمر فإنه كان (يقول: رقيت يومًا على بيت حفصة فرأيت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقضي حاجته مستقبلًا الشام مستدبر الكعبة) وحديث ابن عمر لا يعارض حديث أبي أيوب ﵁ لأن حديث أبي أيوب في الاستقبال وحديث ابن عمر في الاستدبار وبينهما فرق وعلى هذا فنقول في تحرير حكم المسألة إنه في الفضاء لا يجوز استقبال القبلة ولا استدبارها بغائط ولا بول وأما في البنيان فيجوز استدبارها دون استقبالها وعلى هذا فمن بنيت حماماته على استقبال الكعبة فليعدلها حتى تكون الكعبة عن يمينه أو عن شماله. ***
باب السواك وسنن الفطرة
بارك الله فيكم هذا السائل من ليبيا بنغازي أسعد ن. أ. يقول حدثونا عن فضل السواك وعن أوقاته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: فضل السواك قال فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (السواك مطهرةٌ للفم مرضاةٌ للرب) وهاتان أعظم فائدتين، الفائدة الأولى: الطهارة الحسية وهو طهور الفم من الأوساخ وتطهير الأسنان واللثة واللسان والفائدة الثانية: وهي أعظم أنه مرضاةٌ لله ﷿ وفي هذا الحديث حثٌ على السواك لذكر الفائدتين العاجلة والآجلة فالعاجلة تطهير الفم والآجلة رضا الرب ﷿ ويدل لفضله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل صلاة) يعني لأمرتهم أمر إيجاب ولا يجب الشيء إلا لمصلحته العظيمة التي اقتضت أن يكون الناس ملزمين به ولكن عارضت هذه المصلحة العظيمة المشقة التي خافها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم على أمته فترك إلزامهم بذلك أما مواضع السواك المؤكدة فهي، أولًا: عند الوضوء ومحل ذلك عند المضمضة وإن أخر التسوك إلى أن ينتهي من الوضوء كله فلا حرج. الثاني عند الصلاة سواءٌ كانت الصلاة صلاة الفريضة أو نافلة وسواءٌ كانت صلاةً ذات ركوعٍ وسجود أو ليس فيها ركوع ولا سجود كصلاة الجنازة. الثالث: عند القيام من النوم فإنه ثبت عن النبي ﷺ (أنه إذا قام من الليل يشوص فاه بالسواك) . الرابع: عند دخول المنزل فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (كان إذا دخل منزله فأول ما يبدأ به السواك) وما عدا ذلك فإنه مشروع كل وقت لكن يتأكد في هذه المواضع الأربعة. ***
أحسن الله إليكم السائلة أ. م تقول هل استعمال معجون الأسنان يغني عن السواك وهل يثاب من استعمله بنية طهارة الفم أي هل يعادل السواك في الأجر الذي رغب فيه الرسول ﷺ لمن يستاك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم استعمال الفرشاة والمعجون يغني عن السواك بل وأشد منه تنظيفًا وتطهيرًا فإذا فعله الإنسان حصلت به السنة لأنه ليس العبرة بالأداة العبرة بالفعل والنتيجة، والفرشاة والمعجون يحصل بها نتيجة أكبر من السواك المجرد لكن هل نقول إنه ينبغي استعمال المعجون والفرشاة كلما استحب استعمال السواك أو نقول إن هذا من باب الإسراف والتعمق ولعله يؤثر على الفم برائحة أو جرح أو ما أشبه ذلك؟ هذا ينظر فيه. ***
بارك الله فيكم المستمع من جازان يحيى قاسم يقول ما حكم السواك أثناء الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بدعة إن قصد الإنسان أن يتعبد لله بالسواك حال الصلاة وعبث وحركة مكروهة إن كان الإنسان لا يريد هذا ولكنه يريد أن يطهر فمه والسواك المشروع إنما يكون قبل الصلاة إذا أراد فعلها وكذلك عند الوضوء فالسواك عند الوضوء سنة والسواك عند الصلاة سنة وأما السواك في أثناء الصلاة فهو إما عبث مكروه وإما بدعة يكون بدعة إن قصد الإنسان التعبد لله به ويكون عبثًا مكروهًا إن لم يقصد التعبد، وعلى كل حال فلا يتسوك الإنسان وهو يصلى وإنني بهذه المناسبة أحب أن أتوسع قليلًا في حكم الحركات في الصلاة الحركات في الصلاة قال العلماء إنها تنقسم إلى خمسة أقسام حركة واجبة وحركة مستحبة وحركة مباحة وحركة مكروهة وحركة محرمة فأما الحركة الواجبة فهي التي تتوقف عليها صحة الصلاة أي الحركة التي إن فعلتها صحت صلاتك وإن لم تفعلها بطلت مثال ذلك رجل يصلى فرأى في غترته نجاسة فهنا يجب عليه أن يتحرك ليخلع غترته حتى لا يكون حاملًا للنجاسة ودليل ذلك أن النبي ﷺ (صلى بأصحابه ذات يوم وعليه نعلاه فخلعهما في أثناء الصلاة ثم خلع الناس نعالهم فلما سلم سألهم لماذا خلعوا نعالهم، قالوا: رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا. فقال: إن جبريل أتاني وأخبرني إن فيها قذرا) وكذلك لو كان الإنسان يصلى إلى غير القبلة فجاء رجل فقال له إن القبلة على يمينك فهنا يجب عليه أن ينحرف إلى جهة القبلة وهذه الحركة واجبة لأنه لو بقي على ما اسْتَقْبَلَهُ أولًا لبطلت صلاته ودليل ذلك (أن أهل مسجد قباء كانوا يصلون صلاة الصبح إلى جهة الشام فجاءهم آت فقال إن النبي ﷺ نزل عليه القرآن وأمر أن يستقبل الكعبة فاستقبلوها واستداروا إلى الكعبة) وصارت القبلة التي كانوا يصلون إليها أولًا خلفهم لأن مستقبل الشام مستدبر الكعبة ومستقبل الكعبة مستدبر الشام و(كان النبي ﷺ أول ما قدم المدينة يصلى إلى بيت المقدس وبقي على ذلك سنة وأربعة أشهر أو سنة وسبعة أشهر ثم بعد هذا أمر أن يتوجه إلى الكعبة) قال الله تعالى (قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَحَيْثُ مَا كُنتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ) إذًا الحركة الواجبة هي التي يتوقف عليها صحة الصلاة. الحركة المستحبة هي التي يتوقف عليها تمام الصلاة لا صحتها ومن ذلك (فعل النبي ﵊ لابن عباس ﵄ فإن ابن عباس ﵄ من حرصه على العلم بات ذات ليلة عند خالته ميمونة أم المؤمنين زوج النبي ﷺ فلما قام النبي ﷺ يصلى من الليل قام ابن عباس ﵄ فوقف عن يساره فأخذ النبي ﷺ برأسه من ورائه فجعله عن يمينه) فهذه حركة من النبي ﷺ ومن ابن عباس لكنها لإكمال الصلاة وكذلك لو كان المصلى يصلى في الصف فرأى فرجة في الصف الذي أمامه فإنه يستحب له أن يتقدم إلى هذه الفرجة لأن ذلك من تمام الصلاة وكذلك لو كان في جيبه أي في مخباته شيء يؤذيه في صلاته ويشوش عليه فأخرجه من جيبه ووضعه في الأرض فإن هذه الحركة مستحبة لأنها من تكميل صلاته. أما الحركة المباحة وهي القسم الثالث فهي الحركة اليسيرة إذا كانت لحاجة حركة يسيرة لحاجة فإنها تكون مباحة ومن ذلك لو أن رجلًا من الناس أتى إليك وأنت تصلى فقال أعطني القلم من فضلك لأكتب به فأخذته من جيبك وأعطيته إياه فلا حرج فهذه حركة يسيرة لحاجة ومن ذلك أيضًا (أن النبي ﷺ فتح الباب لعائشة وهو يصلى) ومن ذلك أيضًا (أنه ﷺ كان يصلى بالناس وهو يحمل أمامة بنت زينب بنت رسول الله ﷺ أي أن رسول الله ﷺ جدها من قبل أمها فكان يحملها وهو يصلى بالناس فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها على الأرض) هذه حركة لكنها يسيرة لحاجة فهي جائزة وأما الحركة المكروهة وهي القسم الرابع فهي الحركة اليسيرة إذا لم يكن لها حاجة كما يفعله كثير من الناس تجده يخرج الساعة ينظر إليها بدون حاجة يخرج القلم من جيبه بدون حاجة يعدل إستيك الساعة بدون حاجة ربما يتجرأ على أعظم من هذا ربما يكون قد نسي شيئًا فذكره وهو يصلى فأخرج القلم وكتب ما نسيه إما براحته وإما بورقة يخرجها من جيبه كل هذا مكروه لأنه عبث لا يحتاج إليه الإنسان ولا تتعلق به مصلحة الصلاة وأما المحرّم من الحركات وهو القسم الخامس فهو كل حركة كثيرة متوالية لغير ضرورة مثل أن يتحرك الإنسان حركات كثيرة في حال القيام في حال القعود وتتوالى هذه الحركات بدون ضرورة فإنها محرمة وتبطل الصلاة أما إذا كانت لضرورة كما لو هاجمه أسد أو هاجمته حية فعمل عملًا كثيرًا لمدافعتها فإن ذلك لا يضره لقول الله تعالى (فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالًا أَوْ رُكْبَانًا فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ) ***
يقول السائل ماحكم السواك أثناء خطبة الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السواك أثناء خطبة الجمعة مما يشغل الإنسان عن استماع الخطبة واستماع الخطبة واجب ولكن إذا كان السواك من أجل استماع الخطبة بحيث يصيب الإنسان نعاس فيتسوك لطرد النعاس فإن هذا لا بأس به بل قد يكون مأمورًا به لأن هذا السواك من مصلحة استماعه للخطبة. ***
ما حكم الختان بالنسبة للفتاة وهل صحيح أن الرسول ﷺ نهى عنه وأن له أضرارًا في مستقبل الفتاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الختان بالنسبة للفتاة ذهب بعض أهل العلم إلى أنه واجب كما أنه واجب في حق الفتى وهذا هو المشهور من مذهب الإمام أحمد ﵀ أن الختان واجب على الذكر والأنثى وذهب بعض أهل العلم إلى أنه سنة في حق الأنثى واجب في حق الذكر وهذا هو الذي عليه عمل الناس في بلادنا هذه وهو أنه واجب في حق الفتى غير واجب في حق الفتاة وفيه قول ثالث لأهل العلم أنه سنة في حقهما جميعًا في حق الفتى والفتاة وأقرب الأقوال عندي أنه سنة في حق الفتاة واجب في حق الذكر ومن طُرُقِ أدلة وجوبه ما قاله بعض أهل العلم وهو أن قطع شيء من البدن محرم ولا يستباح المحرم إلا بشيء واجب لأن المستحب لا يستباح به محرم وهذه طريقة لا بأس بها إلا أنه قد تنتقض علينا في مسألة المرأة. ***
بارك الله فيكم المستمعة أم محمد من القاهرة تقول هل يجوز صبغ شعر الرجل بأي لون ما عدا الأسود أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أنه لا يجوز للرجل أن يصبغ شعره باللون الأسود ليزيل عنه البياض الذي حصل بالشيب أو بأي سببٍ آخر لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (غيروا هذا الشيب وجنبوه السواد) والظاهر أنه إذا ابيضَّ بغير الشيب يعني بسبب من الأسباب فإنه لا يجوز أن يصبغ بالسواد أما صبغ الشيب بالسواد فالحديث ظاهر بوجوب تجنبه وأما صبغ الرجل شعره بغير الأسود فهذا إنما يكون للزينة ولا يليق بالرجل أن يصبغ شعره للزينة لأنه ليس امرأةً حتى يُنَشَّأ في الزينة والحلية فأرى أن لا يصبغ شعر رأسه بغير الأسود ولا يجوز بالأسود إذا كان لتغيير الشيب. ***
تقول السائلة ما حكم نتف الشيب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نتف الشيب إذا كان في الوجه فإنه من كبائر الذنوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (لعن النامصة والمتنمصة) قال العلماء والنمص هو نتف شعر الوجه أما من غير الوجه كشيب الرأس فقد كرهه أهل العلم وقالوا يكره نتف الشيب ولا أدري ماذا يصنع هذا الشائب إذا كان كلَّما ابيضت شعرةٌ نتفها فسوف يقضي على رأسه كله لأن الشيب كالنار يشتعل في الرأس كما قال زكريا ﵊ (رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْبًا) . ***
يقول السائل ما حكم اللحية في الإسلام نريد من سيادتكم الأحاديث أو بعض الأحاديث التي وردت فيها وماذا نفعل حيث أصبح كل ملتحٍ في المجتمع يُنظر له نظرة غريبة من قبل الناس ويضطهد أيضًا في بعض الأحيان وكي لا يقع الإنسان في حلقها كما يقع كثير من الشباب الذين يطلقونها نريد الطريق وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية في الإسلام هي من هدي الرسل عليهم الصلاة والسلام فقد كان نبينا ﷺ عظيم اللحية) وقال الله تعالى عن موسى وهارون قال هارون لموسى (يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) فهي من هدي المرسلين وهي أيضًا من سنن الفطرة كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ حيث قال (عشر من الفطرة وذكر منها اللحية) وقد أمر النبي ﷺ بإعفائها وإرخائها وهذا يدل على أن حلقها محرم لمخالفته الفطرة وللوقوع في معصية الرسول ﷺ وأما كون معفيها ومبقيها ينظر إليه نظرة استغراب واستنكار واستهانة فهذا من البلاء الذي يُبتلى به المرء على دينه هل يصبر عليه أو يراعي فيه غير الله وقد قال الله تعالى (الم (١) أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ (٢) وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) والواجب على المسلم أن يصبر على طاعة الله وعن معصية الله وعلى ما يناله من الأمور المؤذية في جانب الله ﵎ فنصيحتي للأخ أن يصبر ويحتسب وسوف تنفرج الأمور وسوف تكون العاقبة للمتقين. ***
المستمع عبد الله سوداني يقول ما حدود اللحية في الشرع وهل الشعر الذي يبتدئ من جوار الأذنين إلى الذقن تابع للحية أم لا، وما حكم من يحصر اللحية في الذقن بمعنى يحلق الشعر الذي في الخدين أفيدوني في سؤالي جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية هي شعر الخدين والوجه ولكن لكل جزءٍ منها اسم فالذي على اليمين واليسار يسميان العارضين والذي في ملتقاهما من أسفل يسمى الذقن وكل ذلك يدخل في مسمى اللحية فاللحية إذًا تشمل جميع ما على الوجه من الشعر ولا يجوز لأحدٍ أن يحلق منها شيئا لأن ذلك خلاف ما أمر به النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في قوله (خالفوا المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وقوله (خالفوا المجوس اعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي روايةٍ (وفروا اللحى) وليعلم أن بعض الناس التبس عليهم الأمر بصنيع عبد الله بن عمر ﵄ حيث (كان إذا حج قبض على لحيته فقص منها ما زاد على القبضة) فظن بعض الناس أن هذا من ابن عمر ﵄ تشريع وأن ما زاد على القبضة يسن أخذه بل بالغ بعضهم حتى قال إن ما زاد على القبضة من الإسبال المحرم ولا شك أن هذا خطأ عظيم في الفهم والعبرة بكلام النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل هل الشعر النابت على العنق من الأمام يعتبر من اللحية وما حكم حلقه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس الشعر النابت على الرقبة تحت الحنك من اللحية ويجوز حلقه لأنه ليس منها والمحرم إنما هو حلق اللحية فإن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بإعفاء اللحى وقال (خالفوا المجوس) وقد كان هدي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إعفاء اللحية فقد قال هارون لأخيه موسى (يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) وهذا يدل على أن لهارون لحية وكان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عظيم اللحية كثيف اللحية فهل يليق بالمسلم أن يتأسى برسل الله صلى الله عليهم وسلم وعلى رأسهم نبينا محمد صلوات الله وسلامه عليه أم يتأسى بالمجوس والمشركين أعتقد أنه لا إشكال في أن المؤمن يريد أن يتأسى بالرسل عليهم الصلاة والسلام لعله يكون ممن قال الله فيهم (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقًا) . ***
يقول السائل ما حكم صبغ اللحية بالصبغة السوداء حيث إنني رأيت البعض من الناس يصبغون لحاهم أرجو الإجابة في سؤالي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صبغ الشيب أمر مطلوب لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر به فقال: (غيروا هذا الشيب) ولكن لا يحل أن يصبغ بالسواد لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (جنبوه السواد) ولما ورد في ذلك من الوعيد حيث جاء في الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (يكون قوم في آخر الزمان يخضبون لحاهم بالسواد حتى تكون كحواصل الطير لا يريحون رائحة الجنة) أو كما قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولكن يمكن أن يستغني عن السواد الخالص بلون بني بين الأسود والأصفر ويحصل بذلك على فعل السنة وعلى تجنب المحرم. ***
يقول السائل بالنسبة لصبغ اللحية بالأسود هل هو جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن صبغ اللحية بالأسود حرام لا يجوز لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر بتغيير الشيب و(قال: جنبوه السواد) وورد الوعيد على مَنْ صبغ بالسواد وإذا اجتمع الأمر باجتنابه والوعيد على فعله كان ذلك دليلا على أنه أي الصبغ بالسواد حرام. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل هل مشط اللحية والقيام بتطييبها يوميا يدخل ضمن (النهي عن الترجل إلا غبًا) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الترجل هو تسريح الشعر ودهنه وتحسينه وتزيينه وقد (نهى النبي ﷺ عن الترجل إلا غبًا) أي يوما فيوما ذلك أنه إذا اشتغل الإنسان بإصلاح هندامه وصار هو أكبر همه فإنه يشتغل به عن أمور أهم وأعظم أما إذا فعله غبا يعني يوما يترجل ويوما لا يترجل أو يوما يترجل ويومين لا يترجل أو يومين يترجل ويوما لا يترجل صار هذا دليلًا على أنه ليس ذلك عنده بأهمية كبيرة تشغله عن ما هو أهم فلذلك نقول لا ينبغي للإنسان أن يبالغ ويسرف في الترجيل ترجيل الشعر ولا أن يهمله أيضا لأن النبي ﷺ قال لما تحدث عن الكبر (قالوا يا رسول الله إنا نحب أن يكون النعل حسنًا والثوب حسنا فقال ﵊: إن الله جميل يحب الجمال أي يحب التجمل الكبر بطر الحق وغمط الناس) ولهذا ليس المتكبر من يلبس الثياب الحسنة والجميلة أو النعل الحسن والجميل الكبر أن يرد الحق وأن يغمط الناس ويحتقرهم حتى ولو كان عليه ثياب خَلِقَة فإنه قد يكون متكبرًا في قلبه والعياذ بالله مستكبرًا على دين الله وعلى عباد الله وقد أخبر النبي ﷺ أنه (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال حبة خردل من كبر) فعلى الإنسان أن يكون متواضعًا لله متواضعًا لخلق الله يقدم شريعة الله على هوى نفسه وينزل عباد الله منزلتهم ولا يستطيل على أحد ولا يفخر على أحد. ***
بارك الله فيكم سؤال من المستمع ص ق ح يقول هل يجوز نتف الشيب الموجود بالرأس أو اللحية بالنسبة للرجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نتف الشيب من اللحية من النمص لأن النمص نتف شعر الوجه والنمص ملعون فاعله فهو من كبائر الذنوب وأما نتف شعر الشيب من الرأس فإنني أقول إذا كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم نهى عن صبغه بالسواد الذي فيه إخفاء الشيب فإن نتفه أشد من صبغه بالسواد وعلى هذا فلا ينتفه ونقول لهذا الذي نتف الشعرة أو الشعرتين من الشيب في رأسه نقول إنه إذا بدأ الشيب في الرأس فسوف يعمه فهل كلما ابيضت شعرة من رأسه ينتفها إن فعل ذلك فإنه لم يبقى على رأسه شعرة. ***
بارك الله فيكم المستمع م. أ. يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في حلق اللحية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي نرى أن حلق اللحية محرم لأنه معصية لرسول الله ﷺ ومن عصى رسول الله ﷺ فقد عصى الله ولأنه مشابهة للمشركين والمجوس وقد صح عن النبي ﷺ أنه أمر بمخالفة المشركين والمجوس و(قال: من تشبه بقوم فهو منهم) فلا يجوز للإنسان أن يحلق لحيته بل الواجب عليه توفيرها وإرخاؤها وإعفاؤها كما جاءت في ذلك السنة عن رسول الله ﷺ. ***
أحسن الله إليكم هل حلق اللحية معصية للرسول ﷺ ويعاقب عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية معصية للرسول ﷺ وخروج عن سنة الرسول ﷺ واتباع لسنة المجوس والمشركين دليل ذلك قول النبي ﷺ (خالفوا المجوس خالفوا المشركين وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فقال ﵊ (خالفوا المشركين خالفوا المجوس) وبين وجه المخالفة في قوله (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فمن حلق لحيته فقد عصى أمر النبي ﷺ في قوله (وفروا اللحى) ومن حلق لحيته فقد اتبع سبيل المجوس والمشركين ومن حلق لحيته فقد خالف هدي الأنبياء والمرسلين فإنهم عليهم الصلاة والسلام لهم لحى ألم تسمعوا إلى قول الله ﵎ عن هارون أنه قال لموسى (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) ألم يبلغكم أن (النبي ﷺ كان كثيف اللحية عظيمها) ثم إنه أي حالق اللحية مخالف للفطرة لأن النبي ﷺ أخبر (أن إعفاء اللحية من الفطرة) وعلى هذا فيكون حالق لحيته واقعا في هذه المحاذير الأربعة مخالفة هدي الأنبياء والمرسلين موافقة هدي المجوس والمشركين معصية الرسول ﷺ مخالفة الفطرة التي فطر الله الناس عليها فعلى الذين ابتلاهم الله بذلك أن يتوبوا إلى الله تعالى بصدق وإخلاص وألا يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون. ***
بارك الله فيكم هذا السائل من جمهورية مصر العربية ع. ع. م. يقول هل يعتبر حلق اللحية من الكبائر وهل يوجد حديث عن الرسول ﷺ يبين فيه العقاب الشديد لمن حلق لحيته أرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية من الكبائر باعتبار إصرار الحالقين يعني أن الذين يحلقون لحاهم يصرون على ذلك ويستمرون عليه ويجاهرون بمخالفة السنة فمن أجل ذلك صار حلق اللحى كبيرة من حيث الإصرار عليه أما الأحاديث الواردة في ذلك فقد أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنها من الفطرة أي أن إعفاء اللحى من الفطرة وبناء على ذلك يكون من حلقها مخالفًا لما فُطِرَ الناس عليه، ثانيًا أخبر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن حلق اللحية من هدي المجوس والمشركين ونحن مأمورون بمخالفة المجوس والمشركين بل وكل كافر لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (مَنْ تشبه بقومٍ فهو منهم) قال شيخ الإسلام ابن تيمية (في كتاب اقتضاء الصراط المستقيم -سنده جيد وأقل أحواله يقتضي التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) ثالثا: أن النبي ﵊ أمر بإعفاء اللحية وقال (أعفوا اللحى) وفي لفظٍ (وفروا) وفي لفظٍ (أرخوا) وقال (خالفوا المشركين خالفوا المجوس) والأصل عند أكثر العلماء أن أوامر الله ورسوله للوجوب حتى يوجد ما يصرفها عن ذلك ووجهٌ آخر أظنه الرابع أن إعفاء اللحية هدي النبي ﵊ وهدي الرسل السابقين والقارئ يقرأ قول الله تعالى عن هارون حين قال لأخيه موسى (قَالَ يَا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) والعالم بسنة الرسول ﷺ قد بلغه أنه ﵊ كث اللحية عظيم اللحية) ولو خير العاقل بين هدي الأنبياء والمرسلين وهدي المشركين فماذا يختار إذا كان عاقلًا فسيختار هدي الأنبياء والمرسلين ويبتعد عن هدي المجوس والمشركين لهذا ننصح إخواننا المسلمين أن يتقوا الله أقول اتقوا الله امتثلوا أمر رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم في إعفاء اللحية فإن الله قال (فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) قال الإمام أحمد (أتدري ما الفتنة؟ الفتنة الشرك لعله إذا رد بعض قوله أن يقع في قلبه شيءٌ من البغي فيهلك) فالمسألة عظيمة فنحن نخاطب جميع إخواننا المسلمين أن يتقوا الله ﷿ وأن يتمسكوا بهدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حتى يؤجروا على ذلك ويحصل لهم مع طيب المظهر باللحية التي جمَّل الله بها وجه الرجل الطيب المبطن وهو طيب القلب لأن الإنسان كلما ازداد تمسكًا بدين الله ازداد قلبه طيبًا ولنستمع إلى قول الله تعالى (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) ما قال فلنكثرن ماله فلنرفهنه، قال (فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً) حتى لو كان فقيرًا قلبه مطمئن راضٍ بقضاء الله وقدره فحياته طيبة نسأل الله تعالى أن يطيب قلوبنا بذكره والإيمان به وأن يهدي جميع المسلمين لسنة رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
يقول السائل من المعروف أن تربية اللحية للرجال سنةٌ مؤكدة ولكن إذا كانت زوجة الرجل تقول لازم تحلق لحيتك وإلا لا أمكنك من نفسي أرجو أن تتحدثوا عن هذا الموضوع بإمعان مع العلم أنني ممن هو واقعٌ في ذلك مع زوجتي بحيث أقنعتها ولم تقتنع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يراعي أحدًا بالطاعة في معصية الله فلا يطيع زوجته ولا أمه ولا أباه ولا من ولي عليه في معصية الله أبدًا لأنه لا طاعة لمخلوقٍ في معصية الخالق وحلق اللحية محرم مخالفٌ لهدي النبي ﷺ وهدي الأنبياء من قبله وهدي المسلمين عمومًا فإنه قد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وثبت (أنه ﷺ كان كث اللحية) وقال هارون لأخيه موسى (يا ابْنَ أُمَّ لا تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَلا بِرَأْسِي) وأخبر الرسول ﷺ أن إعفاء اللحية من الفطرة التي فطر الناس عليها فيحرم على الرجل أن يحلق لحيته حتى وإن اعتاد الناس ذلك حتى وإن طالبته زوجته بهذا حتى ولو هددته بأن تشارعه وهو إذا شارعها فإن المحكمة الشرعية التي تحكم بشريعة الله لن تمكنها من أي عملٍ ينافي الزوجية بسبب هذا التمسك بشريعة النبي ﷺ أما هذه الزوجة فإني أنصحها بأن تتقي الله ﷿ في زوجها وأن لا تأمره بمعصية الله ﷿ فإنها إذا أمرته بمعصية الله كانت آثمة وإن لم يفعل المعصية لأنها تحب منه أن يفعلها وهو لا يجوز له أن يوافقها في ذلك. ***
بارك الله فيكم يقول السائل هل صحيح أن مقدار اللحية قبضة يد كما ورد ذلك عن عبد الله بن عمر ﵄ وكيف كانت لحية الرسول ﷺ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اللحية لا تحد بالقبضة لعموم أمر النبي ﷺ بإعفائها فهي ليس لها حد وفعل ابن عمر ﵁ اجتهادٌ منه والاجتهاد لا يقابل ولا يدفع به النص والنبي ﵊ عمم قال (أعفوا اللحى) (أرخوا اللحى) (وفروا اللحى) فليس للحية قدر محدد أما رسول الله ﷺ الذين أخبروا عن أوصافه أخبروا بأنه ﷺ واسع اللحية عظيمها) ولكن لم يذكروا لها طولًا محددًا فيما اعلم. ***
بارك الله فيكم رسالة المستمع رأفت من جمهورية مصر العربية يقول ما حكم الشرع في نظركم فضيلة الشيخ في تقصير اللحية ورفع اليدين بعد كل صلاة للدعاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقصير اللحية مخالف لأمر النبي ﷺ في اعفاء اللحى فإن النبي ﷺ أمر بإعفاء اللحية وإرخائها وتركها على ما كانت عليه وأخبر ﵊ أن هذا مخالفة للمجوس فقال ﵊ (خالفوا المجوس: أعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وعلى هذا فإنه لا يقص شيئًا من شعر لحيته بل يبقيها على ما هي عليه والإنسان كلما تمسك بالشرع ازداد إيمانًا ويقينًا ومحبة لطاعة الله وسهل عليه مخالفة العادات التي يعتادها أهل بلده وأهل زمنه. وأما رفع اليدين للدعاء بعد كل صلاة فإن هذا ليس من السنة والسنة للإنسان إذا أراد أن يدعو الله ﷿ أن يدعوه بعد إكمال التشهد وقبل السلام كما أمر بذلك النبي ﵊ حيث قال بعد أن ذكر التشهد قال (ثم ليتخير من الدعاء ما شاء) ومعلوم أن كون الإنسان يدعو قبل أن يسلم أولى من حيث النظر من كونه يدعو بعد أن يسلم لأنه إذا كان في صلاته كان يناجي ربه فإذا انصرف من صلاته انقطعت المناجاة وكون الإنسان يدعو الله ﷿ في حال المناجاة أولى من كونه يدعوه بعد انقضاء المناجاة إذًا فقد دل الأثر والنظر على أن الدعاء قبل السلام أفضل من الدعاء بعده ثم إننا نقول هل كان من هدي الرسول ﵊ أنه كلما سلَّم دعا؟ لا ليس من هديه لا في الفريضة ولا في النافلة ونحن نعلم علم اليقين أن خير الهدي هدي محمد ﷺ فاتخاذ هذا سنة في الراتبة أي كلما فرغ من الصلاة دعا في فرض أو نفل يعتبر من البدع التي لم ترد عن النبي ﷺ لكن لو دعا الإنسان أحيانًا فإننا نرجو أن لا يكون في ذلك بأس. أقول نرجو أن لا يكون في ذلك بأس ما لم يكن الإنسان أسوة وقدوة كالعالم الذي إذا رآه العامة ربما يرون أن هذه سنة راتبة دائمة فإنه في هذه الحال لا يدعو بل يجعل دعاءه قبل أن يسلم. ***
أحسن الله إليكم من جامعة الملك سعود بالرياض السائل م. ف. س يقول هل يجوز للشخص أن يقصر من لحيته وما هو الحد الأدنى في ذلك أو يطلقها كاملة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب إطلاقها كاملة لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (خالفوا المجوس أعفوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (أرخوا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (وفروا اللحى وحفوا الشوارب) فالواجب إبقاء اللحية كما هي ولا يتعرض لها بقص ولا بحلق. ***
المستمع م. ج من الرياض يقول فضيلة الشيخ عرفنا حكم حلق اللحية ولكن ما حكم من أخذ بعضًا من لحيته هل يدخل هذا في الحلق أيضا يا فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حلق اللحية إننا عرفنا أنه حرام من قول النبي ﵊ (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وفي لفظ (أرخوا اللحى) وفي لفظ (أوفوا اللحى) والقص منها مخالفة لهذا الأمر لأن من قصها فإنه لم يعفها ولم يوفِّها ولم يوفرها ولكنه لاشك أن القص أخف من الحلق لأن الحلق إذهاب للشعر بالكلية والقص إذهاب لبعضه وإذهاب البعض ليس كإذهاب الكل لكن هو داخل في المعصية إذا أخذ منها شيئًا وعلى هذا فالواجب على مَنْ يتقي الله ﷿ أن يتجنب حلق اللحية والأخذ منها وسيسهل عليه ذلك إذا كان قد عزم وصمم واحتسب الأجر من الله فإنه يهون عليه الأمر يهون عليه إعفاء اللحية وإبقاؤها ولو طالت لأن الإنسان إذا كان يحتسب ما يقوم به على الله ﷿ وينتظر ثوابه بذلك فإنه يهون عليه كل شيء. ***
هذه الرسالة من عبد الله صلاح من المدينة المنورة يقول أنا شاب جامعي والحمد لله هديت إلى تربية اللحية ولكني آخذ منها قليلًا من ناحية الرقبة ومن ناحية أعلى الخد وقد عارضني البعض وقال غير جائز، علما أن هذا الشعر الزائد يضايقني فما رأي فضيلتكم أشيروا عليَّ هداكم الله وإيانا المرسل عبد الله صلاح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما تحت الحلق فإنه ليس من اللحية لأنه ليس نابت على اللحيين وأما ما كان على الخدين فمقتضى كلام أهل اللغة إنه من اللحية وعلى هذا فإننا لا نري لهذا الأخ أن يأخذ منه شيئًا وأن يبقي الشعر على الخدين وعلى العارضين كما هو لأنه من اللحية حسب ما في كلام أهل اللغة العربية. ***
هذه رسالة وردتنا من المستمع ع ش ع يقول في رسالته أنا الحمد لله أعفي لحيتي وأقص من شاربي غير أنني أقص من طول لحيتي بالمقص ولا آخذ منها شيئًا بالموسى لا من أعلاها ولا من أسفلها مع أن الشعر الذي أقصه إذا تركته يضايقني ولا أستطيع تركه أفيدوني وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سؤال الأخ هذا يتضمن أمرًا محمودًا ثبت الأمر به من قبل الشارع وأمرًا غير محمود أما الأمر المحمود فهو كونه يقص من شاربه فإن قص الشارب من الفطرة التي فطر الله العباد على استحسانها وعلى أنها مكملة للطهارة والنظافة وهي أيضًا مما أمر به النبي ﷺ وأما الأمر غير المحمود فهو كونه يأخذ من لحيته فإن أخذه من لحيته مخالف لأمر النبي ﷺ حيث أمر بإعفاء اللحية مخالفة للمجوس والمشركين وإذا كان في هذا مخالفة للنبي ﷺ فإنه لا ينبغي للمؤمن أن يفعله لقول الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالًا مُبِينًا) وهاهنا مسألة وهي أن بعض الناس يظنون أن الأمر بإعفاء اللحى من أجل مخالفة المجوس والمشركين ويقولون إن من المشركين اليوم من يعفي لحيته وعلى هذا فلا يكون في إعفائها مخالفة لهم فنقول ليس هذا فقط هو العلة في الأمر بإعفاء اللحية بل هناك علة أخرى وهي أنها من الفطرة كما ثبت ذلك عن النبي ﷺ فيما رواه مسلم أن النبي ﷺ قال (عشر من الفطرة وذكر منها إعفاء اللحية) وعلى هذا فإعفاء اللحية من الفطرة ثم إن كوننا يشرع لنا هذا العمل من أجل مخالفة المشركين في الأصل لا يقتضي إذا وافقونا عليه في النهاية أن ندعه نحن لأن الحقيقة أنهم إذا أعفوا لحاهم فهم الذين تشبهوا بنا في ثاني الحال لأن الأصل أننا مأمورون بمخالفتهم حين التشريع على أننا لا نسلم أن كل المشركين اليوم يعفون لحاهم كما هو الواقع والمشاهد. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع أبو عبد الرحمن ع. ك. يقول شعر لحيتي في الجزء الأيمن أكثف من الجزء الأيسر فهل عليّ إثم إذا قمت بتسويتها حتى تتساوى مع الجهة الأخرى أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ثبت عن النبي ﷺ أنه (قال: خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) وفي رواية أخرى (أرخوا اللحى) وكل هذا يدل على أنه لا يجوز للإنسان أن يحلق شيئًا من لحيته وظاهر الحديث العموم فيشمل حتى هذه الحال التي ذكرها السائل اللهم إلا أن يكون ذلك مشوهًا لوجهه كثيرًا فهذا ربما ينظر فيه وأما مجرد انه فوّت الجمال فإن هذا لا يبيح له أن يأخذ شيئًا من لحيته وهو إذا اتقى الله ﷾ وفعل ما أمر به النبي ﷺ فسيجعل الله له فرجًا ومخرجًا. ***
يقول السائل أنا مستمع للبرنامج وأسأل عن الحكم فيمن أخذ من لحيته بما يسمى التزيين وقص شيئًا منها أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تزيين اللحية إنما يكون باتباع ما أرشد إليه النبي ﵊ في قوله (خالفوا المجوس وفروا اللحى وحفوا الشوارب) ولا ثوب للإنسان ولا حلية للإنسان أحسن من ثوب وحلية التقوى قال الله تعالى (وَلِبَاسُ التَّقْوَى ذَلِكَ خَيْرٌ) والإنسان إذا اتقى الله عز جل كساه الله تعالى جمالًا يظهر على وجهه وعلى أخلاقه حتى يكون خيرًا مما فاته مما يكون فيه معصية لرسول الله ﷺ. ***
بارك الله فيكم مستمع للبرنامج يقول ما حكم ترك إزالة شعر الإبط لفترة طويلة وهل هناك مدة معينة يجب إزالته عند مضيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إزالة شعر الإبط من الفطرة التي فطر الله الخلق عليها وجاءت بها الشرائع منزلة من الله ﷿ وكذلك قص الأظافر والشارب وحلق العانة والختان فهذه الأشياء كلها من الفطرة التي يرتضيها كل عاقل لم تتغير فطرته وقضتها الشرائع المنزلة من عند الله ﷿ وقد (وقَّت النبي ﷺ في الشارب والعانة والإبط والأظافر وقَّت لها أربعين يومًا) فلا تترك فوق أربعين يومًا وعلى هذا فنقول إذا كان الرسول ﵊ قد وقَّت لأمته هذه المدة فهي المدة القصوى وإن حصل سبب يقتضي أن تزال قبل ذلك فإنها تزال كما لو طالت الأظافر أو كثرت الشعور في الإبط أو الشارب طال قبل الأربعين فإنه يزال لكن الأربعين هي أقصى المدة وغايتها ومن العجب أن بعض الجهال يبقي أظافره مدة طويلة حتى تطول وتتراكم فيها الأوساخ وهؤلاء قد تنكروا لفطرتهم وخالفوا السنة التي دعا إليها رسول الله ﷺ ووقَّتها لأمته ولا أدري كيف يرضون لأنفسهم أن يفعلوا ذلك مع ما فيه من الضرر الصحي فوق المخالفة الشرعية وبعض الناس يبقي ظفرًا واحدًا من أظفاره إما الخنصر وإما السبابة وهذا أيضًا جهل وخطأ فالذي ينبغي للمسلمين أن يترسموا وأن يتمشوا على ما خطه النبي ﵊ ورسمه لهم من فعل هذه السنن التي تقتضيها الفطرة قص الأظفار والشارب وحلق العانة ونتف الآباط أما الختان فإنه معروف يفعل في الصغر وهو الأفضل وأرجح الأقوال فيه أنه واجب في حق الرجال سنة في حق النساء. ***
المستمعة ل. ج. م. من الموصل من العراق تقول ما الحكم في تطويل الأظافر مع العلم أنها نظيفة وهل قصها سنة أم فرض أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر أو قصها من سنن الفطرة التي فطر الله الخلق على استحسانها قدرًا وسنَّها لهم شرعًا وقد (وقَّت النبي ﷺ فيها وفي قص الشارب وحلق العانة ونتف الآباط أن لا تترك فوق أربعين يومًا) وعلى هذا فلا تترك الأظافر فوق أربعين يومًا لا تقص سواء كانت نظيفة أم وسخة لأن خير الهدي هدي محمد ﷺ وعدم قصها مخالف للفطرة التي فُطِرَ الناس عليها وإبقاؤها أكثر من أربعين يومًا إذا كان الحامل له على ذلك الاقتداء بالكفار الذين انحرفت فطرهم عن السلامة فإن ذلك يكون حرامًا لأن النبي ﷺ (قال: من تشبه بقوم فهو منهم) رواه الإمام أحمد بإسناد جيد قال شيخ الإسلام ابن تيمية (أقل أحوال هذا الحديث التحريم وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم) أما إذا كان الحامل لإبقائها وتركها أكثر من أربعين يومًا بمجرد هوى في نفس الإنسان فإن ذلك خلاف الفطرة وخلاف ما وقته النبي ﷺ لأمته. ***
حفظكم الله السائلة تسأل عن حكم تربية الأظافر لمدةٍ معينة لستة شهور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأظافر والعانة والإبط والشارب (وقَّت فيها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن لا تترك فوق أربعين يومًا) فإذا تمت الأربعون فلا بد من إزالتها حتى ولو كانت قصيرة لأن الناس يختلفون في نمو الأظافر والشعور لكن لا تزيد على أربعين يومًا فمثلًا لو قدر أن الإنسان مضى له أربعون يومًا وأظافره ليست طويلة ولكنه يمكن قصها فإنه يقصها ولو كانت قصيرة وكذلك يقال في شعر العانة والشارب والإبط وأما ما تفعله بعض النساء تقليدًا لنساء الكفار من إطالة الأظفار أو إطالة بعضها فإن هذا خلاف السنة وأخشى أن يكون الفاعل آثمًا لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (وقَّت أن لا تترك فوق أربعين) . ***
السائلة ريهام محمود تقول سمعت من بعض الناس بأنه من اللازم أن تقصر الأظافر بعد أربعين ليلة فنرجو من فضيلتكم إيراد النص سواء من الكتاب أو السنة يؤيد هذا القول وهل المقصود أظافر اليدين والرجلين أم أظافر اليدين فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحديث عن أنس بن مالك ﵁ قال (وَقَّتَ لنا رسول الله ﷺ في الشارب والإبط والعانة والأظفار ألا تترك فوق أربعين يوما أو قال ليلة) فالمسألة ليس خاصة بالأظفار بل هي في الأظفار وفي الإبط وفي العانة وفي الشارب لا تترك فوق أربعين يوما ومن الخطأ أن بعض النساء خاصة تبقي أظفارها تطول وبعضهن تقص أظفارها إلا ظفر إصبع واحدة فتبقيها حتى تكون كرأس الحربة وكل هذا من الجهل وإلا فأظن أن المسلم إذا علم بحكم الله ورسوله فلن يحيد عنه، المهم ألا تترك هذه الأربعة فوق أربعين يومًا. ***
أحسن الله إليكم تقول السائلة من الرياض هناك كثير من الطالبات إذا نصحناهن بأن تطويل الأظافر مخالف للسنة تساهلت بهذا وقالت بأن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فهل من توجيه لهؤلاء النسوة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم أوجه كلمتي هذه إلى جميع النساء الصغار منهن والكبار وأقول على المرأة أن تتقي الله ﷿ وأن تنجي نفسها من النار فإن النبي ﷺ أخبر أنه وجد أن أكثر أهل النار النساء وعليها أي على المرأة أن تتبع سنة الرسول ﷺ وقد قال أنس ﵁ (إن النبي ﷺ وقت في الأظفار وشبهها مما يؤخذ أربعين يوما) وظاهر هذا الحديث أنه لا يجوز تأخير تقليم الأظفار أكثر من أربعين يوما وأما قولها إن السنة يثاب فاعلها ولا يعاقب تاركها فهذا تهاون منها ألم تعلم أنها سيأتيها اليوم الذي تتمنى أن يكون في حسناتها زيادة حسنة واحدة ثم إن هذه الموضة من أين أخذت إنها ليست معروفة لا في أمهاتنا ولا في جداتنا ثم إن هذه الموضة التي يكون فيها المناكير يكون فيها شيء يمنع من وصول الماء إلى الظفر وهذا يخل بالوضوء إذ من شرط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة أو إلى الظفر ثم إن من هذه الموضات حسب ما سمعنا أن بعضهن تجعل إصبعا واحدًا فيها المناكير وتطوّل ظفره والباقي تقلم وهذه مخالفة ظاهرة لأن الأظافر طريقها واحد إما أن تقلم كلها وإما أن تترك كلها وتركها فوق أربعين يومًا خلاف ما وقَّته النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لأمته. ***
تقول السائلة هل يجوز لي تقليم أظافري في فترة الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تقليم الأظافر سنة وفي أي وقت وعلى أي حال وقد (وقَّت النبي ﷺ لتقليم الأظافر وحف الشارب ونتف الإبط وحلق العانة ألا تترك فوق أربعين يومًا) وبهذا نعرف خطأ بعض الناس الذين يبقون هذه الأشياء أكثر من أربعين يومًا فتجد أظفارهم تطول طولًا فاحشًا لا يقصها وكذلك شاربه وكذلك إبطه وكذلك عانته والذي ينبغي للمسلم أن يتقيد بما قيده النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فلا يترك هذه الأشياء فوق أربعين يومًا. ***
بارك الله فيكم المستمعة فاطمة من السودان تقول ماذا يفعل الإنسان بالشعر المتساقط أو الأظافر هل يتم حرقها أم وضعها في التراب أرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذهب بعض أهل العلم أنه ينبغي للإنسان أن يدفن ما يزيل عن نفسه من شعر وظفر واستدلوا لذلك (بفعل الصحابة ﵃ فإن تيسر هذا فذاك وإن لم يتيسر فلا بأس أن يضعه في أي مكان كان. ***
تقول السائلة عندما أقصر من شعري أو أظافري أضع ذلك في كيس النفايات ما حكم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أرى في هذا بأسًا ومن العلماء من قال ينبغي أن يدفن ذلك (لفعل بعض الصحابة ﵃ . ***
باب فروض الوضوء وصفته
ما حكم التسمية في الوضوء وإذا كان الإنسان في موضعٍ لا يُذكر فيه اسم الله فهل تكفي النية وإذا نسي الإنسان التسمية فهل يصح وضوؤه أفيدونا وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية في الوضوء مشروعة لأن هذا من الأفعال الهامة التي تنقص بركتها إذا لم يسمِ الله عليها ولكنها ليست بواجبة على ما نراه وإن كان بعض العلماء يرى أنها واجبة لقول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) لكن عندنا نحن لم يثبت قال الامام أحمد: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وعلى هذا فيكون القول بوجوبه قولًا ضعيفًا أو قولًا مرجوحًا فيما نراه والذين يقولون بالوجوب يرون أنها تسقط بالسهو وأن الرجل لو سها عنها حتى أتم وضوءه فوضوؤه صحيح وإن سها عنها ثم ذكرها أثنائه سمى واستمر في وضوئه وأما إذا كان في موضع لا ينبغي فيه ذكر الله فإنه يسمي بقلبه ولا ينطق بها بلسانه ويكون بذلك قد فعل ما ينبغي. ***
رسالة وصلت للبرنامج من المستمع راجح ضويحي يقول من المعلوم أن من واجبات الوضوء التسمية مع الذكر عند بدء الوضوء هل تجوز التسمية إذا كان الوضوء داخل دورة المياه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قول السائل من المعلوم وجوب التسمية في الوضوء هذا صحيح بالنسبة للمشهور من مذهب الإمام أحمد ﵀ ولكن المسألة فيها خلاف بين أهل العلم فمنهم من يرى الوجوب بناءً على صحة الحديث عنده وهو قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ومنهم من يرى أن التسمية لا تجب لأن هذا الحديث لم يثبت عنده كما قال الإمام أحمد ﵀ (لا يثبت في هذا الباب شيء) فوجوب التسمية على الوضوء محل خلاف بين أهل العلم لكن من قال بالوجوب فإنه إذا توضأ الإنسان في مكان لا ينبغي فيه ذكر الله فإنه يسمِّي ولاحرج عليه في ذلك لأن الواجب لا يسقطه الشيء المكروه فإذا قلنا بكراهة الذِّكر في الحمام مثلًا فإن ذلك لا يسقط وجوب التسمية في الوضوء لأن الواجب أوكد من ترك المكروه فيسمي ولا حرج عليه في ذلك. ***
هذا مستمع من جمهورية مصر العربية المنصورة محمود السعيد عبد الخالق يقول السادة القائمين على هذا البرنامج الجليل نورٌ على الدرب إني لأتوجه لفضيلتكم بوافر الشكر لإتاحتكم لي هذه الفرصة لتتفضلوا مشكورين بالإجابة على أسئلتي يقول ما هو موقف الإسلام الحنيف من الوضوء وما يستلزمه من ذكر اسم الله في مكانٍ كالخلاء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية على الوضوء سنة إذا سمَّى الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يسمِ فلا إثم عليه ولا فساد لوضوئه بل وضوؤه صحيح وذلك أن قول رسول الله ﷺ (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) قد اختلف العلماء ﵏ في ثبوته وفي مدلوله فمن العلماء من ضعفه حتى قال الإمام أحمد ﵀ (لا يثبت في هذا الباب شيء) ومن العلماء من قال إنه حجة ثم اختلفوا أيضًا هل هذا النفي نفي للكمال أو نفيٌ للصحة فمنهم من قال إنه نفيٌ للكمال وإن الوضوء بالتسمية أتم ولا تتوقف صحته عليها ومنهم من قال إنه نفيٌ للصحة وإن الوضوء بدون التسمية ليس بصحيح لأن هذا هو الأصل في النفي لأن الأصل في النفي أن يكون المنفي معدومًا إما حقيقة وإما شرعًا إلا أن يقوم دليلٌ على أن المراد بذلك نفيٌ للكمال والأقرب عندي أن التسمية عند الوضوء سنة وذلك لأن جميع الواصفين لوضوء الرسول ﷺ ليسوا يذكرون عنه التسمية مع أنهم يذكرون الوضوء في مقام التعليم للناس كما كان أمير المؤمنين عثمان ﵁ يدعو بالطشت فيه الماء فيتوضأ والناس ينظرون إليه ليعلمهم وضوء رسول الله ﷺ ولم يكن يذكر التسمية فإن سمَّى الإنسان على وضوئه كان أكمل وإن لم يسمِ لا إثم عليه ووضوؤه صحيح ثم إن التسمية في الخلاء وشبهه لا بأس بها لأن غالب المخليات عندنا نظيفة فإن الماء يزيل النجاسة ويذهب بها وإنْ أحب أن يسمي بقلبه بأن يستحضر التسمية بقلبه بدون أن ينطق بها بلسانه فهذا طيب. ***
يقول عندما أشرع في الوضوء وعند غسل الوجه أشك أنني هل ذكرت البسملة في البداية أم لا أود معرفة ما إذا كان يتوجب عليّ إعادة الوضوء أم أواصل تكملة الوضوء جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إذا شك الإنسان هل سمى عند الوضوء أم لم يسم فإنه يسمي حينئذٍ ولا يضره ذلك شيئًا وذلك لأن غاية ما فيه أن يقال إنه نسي التسمية في أوله والإنسان إذا نسي التسمية في أول الوضوء ثم ذكر في أثنائه فإنه يسمي ويبني على ما مضى من وضوئه ومع ذلك فإن أهل العلم ﵏ اختلفوا هل التسمية في الوضوء واجبة أم سنة. والأقرب أنها سنة وليست بواجبة لأن الحديث الوارد فيها قال عنه الإمام أحمد ﵀: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وجميع الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا التسمية فيما نعلم وحينئذٍ تكون التسمية سنة إن أتى بها الإنسان كان ذلك أكمل لوضوؤه وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح. ***
سائل يقول في سؤاله ما حكم من ترك التسمية عند وضوئه ولم يتذكر إلا بعد فراغه من الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من نسي التسمية على الوضوء حتى فرغ منه فإنه لا شيء عليه ووضوؤه صحيح حتى لو فُرِضَ أنه تعمد ترك التسمية عند الوضوء فإن في صحة وضوئه خلافًا بين العلماء فمنهم من يقول إن وضوءه صحيح ولا شيء عليه وذلك لأن الأحاديث المتكاثرة عن النبي ﷺ في وصف وضوئه ليس فيها ذكر للتسمية وحديث (لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) ليس بثابت مرفوع إلى النبي ﷺ كما ذكر الحافظ ابن حجر في بلوغ المرام عن الإمام أحمد ﵀ أنه قال: (لا يثبت في هذا الباب شيء) وذهب بعض أهل العلم إلى أن التسمية على الوضوء واجبة وأنه إذا تعمد تركها لم يصح وضوؤه ولكن القول الأول أقرب إلى الصواب أي إن التسمية على الوضوء سنة إن أتى بها الإنسان فهو أكمل وأفضل وإن لم يأت بها فوضوؤه صحيح. ***
بارك الله فيكم يقول هذا السائل فضيلة الشيخ إذا توضأت ونسيت البسملة هل يصح الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسمية على الوضوء سنة وليست بواجبة بل هي من مكملات الوضوء لأن أكثر الواصفين لوضوء رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لم يذكروا أنه يسمي لكن ورد عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه (قال: لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه) وقد اختلف العلماء في ثبوت هذا الحديث وعدمه فالإمام أحمد ﵀ قال: (لا يثبت في هذا الباب شيء) كما نقله عنه صاحب البلوغ، ومن العلماء من جعل هذا الحديث حجة أي إنه ثابتٌ عنده عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم لكن يبقى النظر في هذا النفي هل هو نفيٌ للصحة أو هو نفيٌ للكمال؟ وإذا كانت النصوص الواردة عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في وضوئه لم تذكر هذه البسملة في أكثر ما ورد إن لم يكن كل ما ورد من فعل الرسول ﵊ فإنه يتعين أن يحمل ذلك على الكمال فالتسمية على الوضوء أكمل لكن لو تركها الإنسان متعمدًا فإن وضوءه صحيح ولا إثم عليه. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع من القصيم يقول فضيلة الشيخ هل يستحب استقبال القبلة حال الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر بعض الفقهاء أنه يستحب استقبال القبلة حال الوضوء وعلل ذلك بأنه عبادة وأن العبادة كما يتوجه الإنسان فيها بقلبه إلى الله فينبغي للإنسان أن يتوجه بجسمه إلى بيت الله حتى أن بعضهم قال إن هذا متوجه في كل عبادة إلا بدليل ولكن الذي يظهر لي من السنة أنه لا يسن أن يتقصد استقبال القبلة عند الوضوء لأن استقبال القبلة عبادة ولو كان هذا مشروعا لكان نبينا ﵌ أول من يشرعه لأمته إما بفعله وإما بقوله ولا أعلم إلى ساعتي هذه أن النبي صلى الله عليه وآله سلم كان يتقصد استقبال القبلة عند الوضوء. ***
ما الحكم في البدء بالأعضاء الشِّمال قبل اليمين في الوضوء؟ وهل الصلاة التي أديت على هذا النحو صحيحة أم تجب إعادتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البداءة بالشمال قبل اليمين في الوضوء في غسل اليدين والرجلين خلاف السنة فإن السنة أن يبدأ الإنسان باليمين لقول عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) ولقوله ﵊ (ألا فيمنوا ألا فيمنوا ألا فيمنوا) . فالبداءة باليمين أفضل ولكن لو بدأ بالشمال فإنه يكون مخالفًا للسنة ووضوؤه صحيح لأنه لم يدع شيئًا واجبًا في الوضوء وترك السنن في العبادات لا يوجب فسادها وإنما يوجب نقصها وكلما كانت العبادة أكمل كان أجرها أعظم والحاصل أن هذا الرجل الذي بدأ بشماله قبل يمينه في وضوئه. وضوؤه صحيح وصلاته التي صلاها بهذا الوضوء صحيحة. فضيلة الشيخ: حتى لو كان متعمدًا لم يكن ناسيًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو كان متعمدًا لأنه كما قلت سنة وليس بواجب. ***
يقول السائل يا فضيلة الشيخ هل تخليل اللحية يكون بعد غسل الوجه أم أثناء غسل الوجه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تخليل اللحية يكون أثناء غسل الوجه لأن ما ظهر من اللحية من الوجه فيكون تخليلها تبعًا لغسل الوجه أي مع غسل الوجه. ***
يقول ما حكم تخليل اللحية والأصابع عندما يتوضأ المسلم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما تخليل الأصابع فقد ورد فيه حديث لقيط بن صبرة وهو حديث جيد (أن الرسول ﵊ قال له "خلل بين الأصابع") ولا سيما أصابع الرجلين لأنها متلاصقة وأما تخليل اللحية فقد ورد فيه عن الرسول ﵊ حديث ضعيف أنه (كان يخلل لحيته في الوضوء) ولكنه ليس كتخليل الأصابع والشعر الذي على الوجه من لحية وشارب وحاجب إن كان كثيفًا لا تُرى منه البشرة اكتُفي بغسل ظاهره إلا في الغُسل من الجنابة فيجب غسل ظاهره وباطنه وأما إذا كان غير كثيف وهو ما تُرى منه البشرة فلابد من أن يغسله غسلًا يوصل الماء البشرة لأنه لَمّا ظهرت البشرة من وراء الشعر صدق عليها اسم المواجهة التي من أجلها اشُتق الوجه. ***
يقول السائل ما هو الدعاء الذي يمكن أن أقوله قبل وضوئي وبعده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الوضوء تقول (باسم الله) أما بعد الوضوء فإنك تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما ما ذكره بعض أهل العلم من أن لكل عضو ذكرًا مخصوصًا فإن هذا لا أصل له ولهذا لا يُسن للإنسان أن يدعو الله ﷾ كلما غسل وجهه قال اللهم حرم وجهي على النار وإذا غسل يديه قال ذِكرًا بعده وكذلك مسح رأسه قال ذكرًا هذا لا أصل له في الشرع والتعبد لله به من البدع. ***
تقول السائلة ما حكم التشهد عند الوضوء هل هو واجب أم سنة وهل يلزم النطق به عند تأدية كل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد بعد الوضوء سنة وليس بواجب ولكن فيه ثوابًا عظيمًا قال النبي ﷺ (ما من أحدٍ يسبغ الوضوء ثم يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين إلا فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) وهذا ثوابٌ عظيم لا ينبغي للإنسان أن يتهاون به ولكنه ليس بواجب. ***
السائل يقول هل ورد هذا الدعاء بعد الوضوء (اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ورد ذلك وهو دعاءٌ مناسب لأن الله تعالى قال في كتابه (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) فإذا سألت الله تعالى أن يجعلك من هؤلاء فهذا يستلزم أنك دعوت الله ﷾ أن تكون من أحبابه الذين يحبهم. ***
تقول السائلة ما حكم رفع الأصبع في التشهد بعد الوضوء مع المداومة على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم له أصلًا وإنما المشروع لمن انتهى من الوضوء أن يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وكفاية. ***
يقول المستمع ما الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفضل الذي يناله المسلم إذا استمر على الوضوء بعد كل حدث أنه يبقى طاهرًا والمكث على الطهر والبقاء على الطهر من الأعمال الصالحة ولأنه ربما يذكر الله ﷾ في احواله كلها فيكون ذكر الله تعالى على طهر ولأنه قد يعرض له صلاة في مكان ليس فيه ماء يسهل الوضوء منه فيكون مستعدًا لهذه الصلاة المهم أن كون الإنسان يبقى على طهارة دائمًا فيه فوائد كثيرة. ***
هل يجوز نطق النية جهرًا عند الوضوء الصغير أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التكلم بالنية والنطق بها في الوضوء أو الغسل أو الصلاة أو الصيام أو الزكاة أو غيرها من العبادات كله مخالف لهدي الرسول ﷺ لأنه ليس من هديه أن ينطق بالنية والنية محلها القلب فإنها هي القصد والقصد والإرادة محلهما القلب وهي بينك وبين الله ﷿ والله تعالى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور فلا حاجة إلى أن تذكر ما نويت لأن الله تعالى يعلمه ولكن عليك أن تصحح أعمالك باتباع الرسول ﷺ. ***
يقول السائل سمعت أن من شروط صحة الوضوء استصحاب النية وقد زادت الوساوس عندي عندما سمعت هذا فإذا وصلت إلى مسح الرأس أعدت الوضوء من أوله أو إلى اليد اليسرى كذلك أعدته وقد تتكرر هذه الحالة أكثر من أربع مرات فبماذا تنصحونني؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ننصحك بأن نُعْلِمَكَ بأن النية استصحابها معناه ألا تنوي قطع الوضوء، هذا معنى ألا تنوي قطعه وليس معنى استصحاب النية أن تكون على تذكرٍ لها من أول الوضوء إلى آخره فإذا عزبت عن خاطرك ونسيتها وغفلت عنها فإن ذلك لا يضر لأن الاستصحاب معناه ألا ينوي القطع فإذا وصلت إلى غسل رأسك أو غسل ذراعك اليسرى وشككت هل أنت استمررت في هذه النية أم لم تستمر فإن الأصل بقاؤها والاستمرار فلا تعد الوضوء، وإنِّي أحذرك من أن تسترسل في هذا الأمر لأنك إذا استرسلت فيه لا يقتصر على الوضوء فقط بل يتعدى ذلك إلى الصلاة وإلى غيرها من العبادات وحينئذٍ تبقى دائمًا في حيرة وفي قلق والنبي ﵊ قطع هذا الأمر حين (سئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة؟ فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فأنت يا أخي اقطع الوساوس عنك واعلم أنك لو كلفت أن تعمل بدون نية ما استطعت كل إنسانٍ عاقل يعي ما يفعل أو يقول فإنه لن يقول شيئًا إلا بنية ولن يفعل شيئًا إلا بنية. ***
يقول السائل هل يشترط في الوضوء تسمية الصلاة التي سيصلىها بهذا الوضوء ولو كان لأكثر من صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يشترط أن يسمي الصلاة التي توضأ لها يعني لا يشترط أن ينويها وكذلك لا ينطق بها بلسانه كما هو المعروف أن النطق بالنية ليس من الأمور المستحبة لكن إذا توضأ لصلاة الظهر مثلًا فله أن يصلى الظهر ويتنفل بهذا الوضوء وله أن يصلى العصر والمغرب والعشاء ما دام على وضوئه ولا حاجة إلى تعيين الصلاة كما أنه لو توضأ بنية رفع الحدث بدون أن ينوي صلاة أو غيرها فإنه يرتفع حدثه وله أن يصلى به ما شاء. فضيلة الشيخ: ولو سمى لا يتقيد بالتسمية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ولو سمى لا يتقيد بالتسمية. فضيلة الشيخ: مثل لو نوى بوضوئه صلاة الظهر مثلًا يجوز له أن يصلى العصر والمغرب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
يقول السائل هل يجوز أن يقول قبل الوضوء اللهم إني نويت رفع الحدث للصلاة الفلانية وكذا وكذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يعبر عنه بالتكلم بالنية أو النطق بالنية وهو بدعة وذلك لأن الرسول ﷺ لم يكن من هديه أن يتكلم بالنية في أي عبادة من العبادات وخير الهدي هدي محمد ﷺ ثم إن النية بينك وبين الله والله ﷾ لا يحتاج إلى أن يُعلم بما نويت فإنه يعلم السر وأخفى يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور ولو قلنا إنك تتكلم بالنية لقلنا تقول أيضًا اللهم نويت أن أتوضأ فأغسل وجهي وأغسل يدي وأمسح رأسي وأغسل رجلي وأذهب إلى الصلاة وما أشبه ذلك. ***
يقول السائل هل أستطيع الوضوء قبل الأذان أي قبل دخول وقت الصلاة وذلك كي أستطيع أن أصلى صلاة السنة القبلية والتبكير إلى الصلاة في المسجد وإدراك تكبيرة الإحرام مع الإمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم هو هذا ما أشار إليه قبل قليل أنه يمكنه أن يتوضأ قبل الوقت بزمن ينقطع فيه هذا البول ***
بارك الله فيكم هذا السائل يسأل عن كيفية الطهارة قبل الأذان أم وبعده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية الطهارة قبل الأذان ككيفيتها بعد الأذان وإذا تطهر للصلاة قبل الأذان فلا حرج إلا من كان به سلس بول (*فإنه لا يتطهر للصلاة إلا إذا دخل وقتها) .
(*هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى ١٩٩،١٩٨،١٩٧) ***
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا فلاح حسن الحمداني من نينوى العراق يقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلامي وتحياتي إلى علمائنا الأفاضل وإلى أسرة برنامج نور على الدرب إنني أسأل يا فضيلة الشيخ عن الطريقة الصحيحة في الوضوء والأقوال والكلمات الواجب ذكرها وهل تعتبر بعض القطرات من البول أعزكم الله وإخواني المسلمين التي تلامس الملابس بعد الخروج من دورة المياه ناقضة للوضوء مع العلم أنني أبقى لفترة طويلة في الدورة حتى لا تتكرر العملية عندي ولكن ما العمل أرشدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء هو غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ومسح الرأس ومنه الأذنان وغسل الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وليس فيه قول واجب إلا التسمية فإن العلماء اختلفوا في وجوبها، فمنهم مَنْ قال: إنها واجبة لأنه صح عنده قول الرسول ﵊ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ومنهم مَنْ قال إنها سنة لأنه لم يثبت عنده قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ولأن الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يسمي أما الذكر بعد الوضوء وهو قول المتوضئ إذا فرغ من وضوئه (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فليس بواجب وأما ما ذكر من كونه يذكر الله عند غسل وجهه وعند غسل يديه وعند مسح رأسه وعند غسل رجليه فإن هذا لا أصل له ولم يرد عن النبي ﷺ الذكر عند كل عضو من أعضاء الوضوء، وأما ما ذكره السائل عن نفسه من كونه إذا بال ثم استنجى خرج منه قطرات من البول بعد أن يخرج من محل نقض الوضوء فإن هذه القطرات لا تخلو من إحدى حالين إما أن تكون مستمرة بحيث لا يحصل فيها توقف فهذه لها حكم سلسل البول أي إن الإنسان إذا توضأ تحفظ بقدر ما يستطيع بعد أن يغسل فرجه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم صلَّى (*ولا يتوضأ للصلاة قبل دخول وقتها) هذا إذا كانت هذه القطرات مستمرة لا تتوقف، أما إذا كانت تتوقف ولكنها تحصل بعد البول بنحو ربع ساعة أو ما أشبه ذلك فإنه ينتظر حتى تتوقف فإن خرجت بعد هذا انتقض وضوؤه لأن ما خرج من السبيلين ناقض للوضوء بكل حال.
(*هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى ١٩٩،١٩٨،١٩٧) ***
هذه رسالة وردتنا من طالب العلم أحمد شرهان مزهري من جيزان يقول في رسالته بعد الدعاء بطول العمر لمن يجيبون على الأسئلة وأن ينفع بإجابتهم يقول وبعد فأنا أعرف أن أتوضأ جيدًا فيما أعتقد لا بل إنني أعلِّم الكثير من الناس والوضوء كما أعرفه هو أبدأ بغسل القبل والدبر ثم أتمضمض وأستنشق ثم أغسل وجهي جيدًا ثم أغسل يدي إلى المرفقين ثم أخذ قليلًا من الماء وأضعه على رأسي كله ثم أضع يدّي في الماء وأمسح أذني ثم أمسح رقبتي وكل ذلك ثلاث مرات ثم أغسل الرجل اليمنى ثم اليسرى وهذا العمل أخذته من عائلتي أليس هذا العمل صحيحًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكرر من الإخوان الذين يقدمون الأسئلة الدعاء بطول العمر لمقدمي البرنامج وأحب أن يقيد طول العمر على طاعة الله فيقال أطال الله بقاءك على طاعته أو أطال الله عمرك على طاعته لأن مجرد طول العُمر قد يكون خيرًا وقد يكون شرًّا فإن (شرَّ الناس من طال عمره وساء عمله) وعمر الإنسان في الحقيقة ما أمضاه بطاعة الله ﷿ أما مالم يمضه بطاعة الله فإنه خسران فإما أن يكون عليه وإما أن يكون لا له ولا عليه وهذه النقطة أكثر الذين يدعون بذلك إنما يريدون البقاء في الدنيا فقط ولهذا أرجو من إخواننا الذين يقدمون مثل هذه العبارة لنا أو لغيرنا أن يقيدوها بطول العمر على طاعة الله ﷾ وأما ما ذكره الأخ من أنه يعلم كيف يتوضأ ثم وصف كيف يتوضأ فإن ما ذكره فيه خطأ وصواب أولًا الخطأ يقول أنه كان إذا أراد أن يتوضأ يغسل فرجه ودبره يعني يغسل الفرجين فهذا ليس بصحيح وليس من الوضوء غسل الفرجين وإنما غسل الفرجين سببه البول أو الغائط فإذا بال الإنسان غسل فرجه المقدم وإذا تغوط غسل دبره وإذا لم يكن منه بول ولا غائط فلا حاجة إلى غسلهما ثم إنه ذكر بعد ذلك يغسل وجهه ولكنه سقط عنه غسل الكفين قبل غسل الوجه ثم إنه ذكر أيضًا أنه يأخذ ماء ويصبه على رأسه وأنه يأخذ ماء لأذنيه فيمسحهما وأنه يفعل ذلك ثلاث مرات وكل هذا ليس بصحيح فإن الرأس لا يبل بالماء وإنما يمسح ببلل اليد فقط فتغمس يدك في الماء ثم تمسح بها رأسك مرة واحدة لكن تبدأ به من مقدم الرأس إلى أن ينتهي إلى منابت الشعر من الخلف ثم تردهما وتمسح الأذنين بما بقي من بلل اليدين بعد مسح الرأس ولا تأخذ لهما ماءً جديدًا إلا إذا يبست اليد فخذ لهما ماءً جديدًا ثم إنه ذكر أنه يمسح الرقبة وليس مسح الرقبة بمشروع بل هو من البدع لأنه لم يذكر في كتاب الله ولا في سنة رسول الله ﷺ هذه هي الأخطاء التي ذكرها السائل في كيفية الوضوء وهي تقديم غسل الفرجين، إسقاط غسل الكفين قبل غسل الوجه، غسل الرأس بدلًا عن مسحه، أخذ ماء جديد للأذنين، مسح الرقبة خمسة أشياء والآن نصوغ كيفية الوضوء على الوجه المشروع فنقول أولًا تقول (باسم الله) والتسمية على الوضوء سنة مؤكدة بل قال بعض العلماء إنها واجبة وأنه لا يصح الوضوء بدون تسمية ثم تغسل كفيك ثلاث مرات ثم تتمضمض وتستنشق ثلاث مرات وتستنثر بعد الاستنشاق ثم تغسل وجهك ثلاث مرات ثم تغسل يدك اليمنى من أطراف الأصابع إلى المرفق والمرفق داخل في الغسل ثلاث مرات ثم اليسرى كذلك ثم تمسح رأسك بيديك من مقدمه إلى مؤخره ثم ترجع ثم تمسح الأذنين ظاهرهما وباطنهما تدخل السبابتين في الصماخين وتمسح بالإبهامين ظاهر الأذنين ثم تغسل رجلك اليمنى إلى الكعبين ثلاث مرات ثم اليسرى كذلك ثم تقول بعد هذا (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وإن اقتصرت في المضمضة وغسل الوجه وغسل اليدين وغسل الرجلين إن اقتصرت على واحدة فلا حرج عليك وإن اقتصرت على اثنتين فلا حرج عليك وإن غسلت بعض الأعضاء مرة وبعضها مرتين فلا حرج عليك لكن الرأس لا يكرر مسحه بل هو مرة واحدة في كل حال هذه صفة الوضوء المشروعة وأرجو من الأخ أن ينتبه لها وأن يحرص على تطبيقها. فضيلة الشيخ: قلتم لو اقتصر بأخذ غرفة واحدة أو باثنتين على بعض الأعضاء لكن لو زاد على الثلاث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الزيادة عن الثلاث غير مشروعة بل هي إما مكروهة أو محرمة فلا ينبغي أن يزيد على ذلك. ***
بارك الله فيكم سؤال من المستمع ف. ر. ج. من سوريا يقول المضمضة والاستنشاق هل تكون في آنٍ واحد أم كلٌ على حده؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المضمضة والاستنشاق تكونان بكفٍ واحد إلا أن لا يستطيع الإنسان فإن بعض الناس لا يستطيع أن يجمع بين المضمضة والاستنشاق بكفٍ واحد فتجده يفرد المضمضة بكف والاستنشاق بكفٍ آخر ولا حرج في ذلك إن شاء الله. ***
السائل يقول هل يجوز المضمضة والاستنشاق وغسل الوجه واليدين إلى المرفقين مرة واحدة أو مرتين تكفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تكفي مرة واحدة يعني يكفي أن يغسل وجهه ويديه ورجليه مرة واحدة لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ (مرة مرة) و(مرتين مرتين) و(ثلاثا ثلاثا) ويجوز أن يغسل وجهه ثلاثا ويديه مرتين ورجليه مرة ويجوز العكس والواجب هو أن يعم العضو بالغسل مرة واحدة والثانية أفضل من الواحدة والثالثة أفضل من الاثنتين والرابعة لا تجوز. ***
المستمعة أمل عبد الكريم من العراق محافظة القادسية تقول في رسالتها ما حكم الشرع في نظركم في غسل الوجه والأيدي بالصابون عند الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن غسل الأيدي والوجه بالصابون عند الوضوء ليس بمشروع بل هو من التعمق والتنطع وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه (قال: هلك المتنطعون هلك المتنطعون -قالها ثلاثًا-) نعم لو فرض أن في اليدين وسخًا لا يزول إلا بهذا أي باستعمال الصابون أو غيره من المطهرات المنظفات فإنه لا حرج في استعماله حينئذ وأما إذا كان الأمر عاديًا فإن استعمال الصابون يعتبر من التنطع والبدعة فلا تستعمل. ***
فضيلة الشيخ هذا السائل من المدينة المنورة رمز لاسمه ب م. م يقول هل يلزم المتوضئ أن يغسل وجهه بكفيه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ما وجه هذا السؤال هل يلزم المتوضئ أن يغسل وجهه بكفيه وهل هناك أداة لغسل الوجه سوى الكفين ولعله أراد هل يجوز للمتوضئ أن يغسل وجهه قبل غسل كفيه فإن كان أراد ذلك فإننا نقول لا حرج على المتوضئ أن يغسل وجهه قبل غسل كفيه لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) ولم يذكر غسل الكفين لكن الأفضل أن يبدأ بغسل الكفين ثلاثا ولاسيما إذا كان قائما من نوم الليل فإنه يتأكد في حقه ألا يغمس يديه في الإناء حتى يغسلهما ثلاثا لقول النبي ﷺ (إذا استيقظ أحدكم من نومه فلا يغمس يده في الإناء حتى يغسلها ثلاثا فإن أحدكم لا يدري أين باتت يده) هذا ما نظنه مراد السائل فإن كان أراد شيئا سوى ما ظنناه فليكتب مرة ثانية إلى البرنامج وليوضح سؤاله. فضيلة الشيخ: لعلّه يقصد أنه يغسل وجهه بكفٍّ واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان يريد ذلك فلا بأس. ***
السائل رمز لاسمه ب ر م ك الشهري يقول هل مسح الأذنين يكون من ظاهرهما أم من الظاهر والباطن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مسح الأذنين كيفيته أن يدخل الإنسان سبابتيه يعني إصبعيه ما بين الوسطى والإبهام في صماخ الأذنين دون أن يرصها حتى تتألم يدخلها في الصماخ، والإبهام يمسح به ظاهر الأذنين وهو الصفحة التي تلي الرأس. ***
أحسن الله إليكم فضيلة الشيخ السائلة تقول ما هي صفة مسح المرأة لرأسها في الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة مسحها رأسها في الوضوء كصفة الرجل بمعنى أنها تبدأ من مقدم الرأس حتى تنتهي إلى آخره ثم تعود إلى المكان الذي بدأت منه وليعلم أن الأصل تساوي الرجل والمرأة في العبادات إلا ما دل عليه الدليل ولهذا لما قال الله ﵎ (إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ) كانت هذه الآية شاملة للنساء والرجال مع أنها لفظا في النساء فقط ولما قال الله ﵎ (وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَدًا وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَاسِقُونَ) كان هذا عاما فيمن قذف الرجل أو قذف المرأة مع أن اللفظ في النساء ولما قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا وَاعْبُدُوا رَبَّكُمْ وَافْعَلُوا الْخَيْرَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) كان هذا عاما للرجال والنساء وإن كان اللفظ للرجال فالمهم أن هذه القاعدة مفيدة ولأن الأصل تساوي الرجل والمرأة في الأحكام الشرعية إلا ما قام عليه الدليل ومما قام عليه الدليل قول النبي ﷺ (ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للُبِّ الرجال الحازم من إحداكن قالوا: يا رسول الله وما نقصان دينها؟ قال: أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصوم، قيل: وما نقصان عقلها؟ قال أليس شهادة الرجل بشهادة المرأتين) وكذلك في العقيقة للذكر شاتان وللأنثى شاة واحدة وكذلك في الميراث ميراث الأولاد وميراث الإخوة لغير أم يكون للذكر مثل حظ الأنثيين وكذلك في الأبوين الأم ترث أقل من الأب في جميع المواضع. ***
مسح الشعر بالنسبة للمرأة في الوضوء هل هو من منابت الشعر إلى أطرافه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب مسح الرأس فقط دون ما استرسل من الشعر فيكون منبت الشعر هو الذي يمسح. ***
بارك الله فيكم السؤال للمستمعة ن. ف. من جدة تقول مسح الرأس مع الأذنين في الوضوء مرة أم ثلاث مرات وهل الرقبة تدخل معهما في الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مسح الرأس والأذنين إنما يكون مرة واحدة وهكذا كل ممسوح لا يمسح إلا مرة واحدة المسح على الجوربين أو الخفين مرة واحدة والمسح على الجبيرة مرة واحدة وهكذا كل ممسوح فإنه لا يكرر لأن الممسوح خفف في كيفية تطهيره وفي كميته أيضًا وأما الرقبة فإنها لا تدخل في الرأس فلا تمسح بل مسح الرقبة مع الرأس من البدع التي ينهى عنها لأن النبي ﵊ لم يكن يمسح رقبته وكل شيء يتعبد به الإنسان مما لا أصل له عن النبي ﷺ فإنه بدعة. ***
تقول السائلة هل المسح في الرأس يكون شاملًا حتى الجوانب وإذا مسحت من الأمام إلى الخلف ثم أقوم بإرجاع يدي إلى الأمام سوف أضطر إلى إرجاعها مرة أخرى إلى الخلف لأن شعري سيكون منقوشا فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في مسح الرأس في الوضوء أن يكون شاملًا لجميع الرأس من الجبهة إلى العنق ومن الأذن إلى الأذن ويكفي في المسح إن يُمِرَّ الإنسان يديه على رأسه من ناصيته إلى عنقه مارًّا بجوانبه ولكن الأفضل أن يمر بيديه من الناصية إلى الخلف ثم يردهما إلى المكان الذي بدأ منه وحينئذ لا حرج على المرأة إذا انتفش شعرها أن تمر يديها عليه لا تعبدا ولكن من أجل تسكين الرأس. ***
بارك الله فيكم المستمعة من ليبيا تقول هل يجب على المرأة مسح الرأس وإذا كان الشعر طويلا ماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على المرأة أن تمسح رأسها في الوضوء وأن تغسله في الغسل من الجنابة والحيض والمسح في الوضوء يكون من مقدم الرأس إلى مؤخره من منابت الشعر وأما ما استرسل فإنه لا يلزم مسحه لأن المسح إلى حد منابت الشعر فقط فما كان من الرقبة فأنزل فإن مسحه ليس بواجب. ***
هل يجب على المرأة أثناء الوضوء وأثناء المسح على الرأس أن تعيده أو أن تقوم بإرجاعه إلى الوراء وما كيفية المسح على الرأس بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة والرجل على حدٍ سواء يبدأ المتوضئ بمقدم رأسه حتى ينتهي إلى قفاه ثم يرد يديه إلى المكان الذي بدأ منه. ***
بارك الله فيكم السائلة نور من ليبيا تقول من المعلوم أن مسح الرأس يبدأ من الأمام إلى الخلف ثم الرجوع باليدين إلى الأمام لكنني تقول عندما أريد العودة باليدين من الخلف إلى الأمام لا تنسحب يدي إلى الأمام وإنما يعرقلها الشعر فكيف العمل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعرقلها الشعر إذا ضغطت على الرأس أما إذا مسحت مسحا خفيفا فإن الشعر لا يعرقلها فيما يظهر وعلى كل حال فالواجب مسحه مرة واحدة من الأمام إلى الخلف وكذلك من الجانبين فإذا استوعبت الرأس بالمسح على أي صفة كانت فقد أبرأت الذمة لكن الرجوع إلى الوراء ثم الرجوع إلى قدام هذا من باب السنة وليس من باب الواجب. ***
رسالة وردت إلينا من السائل ح م د من الوشم يقول توضأت أمام شخص فغسلت يدي إلى منتصف العضدين ورجلي إلى منتصف الساقين فأنكر علي فعلي هذا بقوله من زاد في غسل الأعضاء في الوضوء فقد تعدى حد الله ورسوله فقلت له إنه ورد حديث عن النبي ﷺ ما معناه أنه (قال تدعى أمتى يوم القيامة غرًا محجلين من آثار الوضوء فمن استطاع منكم أن يطيل غرته فليفعل) فقال هذا الحديث لم يثبت عن النبي ﷺ أرجو إفادتنا عن ذلك ولكم جزيل الشكر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما ذكره من الحديث فهو صحيح ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة أن النبي ﷺ قال (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء) وهذا ثابت لا شك فيه فأمَّا قوله (فمن استطاع منكم أن يطيل غرته وتحجيله فليفعل) فقد اختلف فيه أهل العلم بالحديث فمنهم من قال إنه من كلام النبي ﷺ ومنهم من قال إنه من كلام أبي هريرة ورجح هذا ابن القيم ﵀ في كتابه النونية حيث قال: وأبو هريرة قال ذا من كيسه فغدا يميزه أولو العرفان وعلى هذا فإن صدر الحديث من كلام الرسول ﷺ وهو قوله (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرًا محجلين من أثر الوضوء) أما من الناحية العملية وهي كون هذا الرجل الذي توضأ زاد حتى بلغ نصف العضد ونصف الساق فإن هذا أيضًا محل خلاف بين أهل العلم بناءً على صحة آخر الحديث عن النبي ﷺ فمن رأى أنه من قوله قال إنه ينبغي مجاوزة محل الفرض ومن رأى أنه ليس من قوله قال إن الله تعالى في القرآن حدد إلى الكعبين في الرجلين وإلى المرفقين في اليدين فلا نتعدى ما حده الله تعالى وكذلك الأحاديث الواردة في صفة وضوء النبي ﷺ تحدد اليدين بالمرفقين والرجلين بالكعبين وأكثر ما ورد في ذلك فيما أعلم حديث أبي هريرة أنه (توضأ فغسل يديه حتى أشرع بالعضدين وغسل رجليه حتى أشرع في الساقين) وهذا الإشراع معناه أنه تجاوز المحل لكن ليس إلى هذا الحد وهذا الذي فعل أبو هريرة ذكر أنه وضوء النبي ﷺ، وعلى هذا فالذي ينبغي أن يعدو الكعبين قليلًا وأن يعدو المرفقين قليلًا وفائدة ذلك هو التحقق من غسل ما أوجب الله غسله إلى المرفقين وإلى الكعبين. ***
هل يجوز للإنسان أن يزيد في غسل الأعضاء عند الوضوء كغسل القدمين إلى الأعلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ذكر الله ﷾ في آية الوضوء والغسل والتيمم حدودا للأعضاء التي تغسل في الوضوء فقال جل وعلا (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) فلم يحدد الله ﷾ الوجه ولم يحدد الرأس لأن حدهما معلوم أما اليدان فإنهما عند الإطلاق صالحان لأن يكون حد اليد إلى الكتف وأن يكون حد الرجل إلى أعلى الفخذ فلهذا احتاج المحل إلى القيد فقيد الله تعالى غسل اليدين إلى المرافق والمرافق داخلة فيما يجب غسله وقيد غسل الرجلين إلى الكعبين والكعبان داخلان فيما يجب غسله فليس من السنة أن نتعدى ما حدد الله ﷿ وأما قول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (إن أمتي يدعون يوم القيامة غرا محجلين من آثار الوضوء) فهو بيان للواقع ولما يثاب عليه العبد وأنهم محجلون من آثار الوضوء والوضوء قد علمنا حده من كتاب الله ﷿ فيكون التحديد منتهيا إلى الكعبين حتى لو فرض أن الإنسان زاد في وضوئه إلى نصف الساق مثلا أو نصف العضد فإن التحجيل لا يزيد على الحد الذي ذكره الله ﷿ وخلاصة الجواب أنه لا يسن للإنسان أن يزيد في الوضوء على ما حدده الله ﷿. ***
السائلة أ. ع تقول توضأت ولا أدري هل غسلت أحد الأعضاء ثلاثة أم لا فماذا أفعل وهل أعيد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الأعضاء ثلاثةً ليس بواجب والواجب غسلة واحدة تعم جميع العضو الذي يجب تطهيره وعلى هذا فلا شيء عليك ما دمتي قد تيقنت أنك قد غسلته غسلة واحدة تعم جميع المكان الذي يجب تطهيره ثم اعلمي أن الشك بعد الفراغ لا عبرة به يعني لو فرغ الإنسان من الوضوء وبعد فراغه شك هل تمضمض واستنشق أم لا؟ فلا شيء عليه. شك هل غسل ذراعه أو لا فلا شيء عليه، إلا إذا تيقن أنه لم يغسله فحينئذ يجب العمل بمقتضى هذا اليقين أي يجب إعادة الوضوء كله إذا كان قد طال الزمن أو إعادة العضو الذي ترك وما بعده إن كان الزمن قصيرًا. ***
إذا غسل المتوضئ يده أو رجله ثلاث مرات ولكنها لم تنظف فهل يزيد على ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يزيد على ذلك تعبدًا بالوضوء ولكن يجعل الزيادة للتنظيف لا للوضوء لأن الوضوء لا يزاد فيه على ثلاث غسلات. فضيلة الشيخ: إذا شك المتوضئ في أثناء الوضوء هل استنشق أم لا فماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك كثيرًا ما يقع من هذا المتوضئ فإنه لا عبرة به لأن الشك الكثير يكون وسواسًا أما إذا كان شكًا طارئًا حقيقة فإنه إذا شك هل تمضمض أم لا، يعيد المضمضة ويعيد غسل اليدين وما بعد ذلك من أجل مراعاة الترتيب فإذا مسح رأسه ثم طرأ عليه الشك هل تمضمض أم لا، فإنه يتمضمض ثم يغسل يديه ثم يمسح رأسه ثم يغسل رجليه. ***
تقول السائلة إني امرأة اغتسل من أسفل السرة إلى الرجل ثم أتوضأ أفعل ذلك في كل صلاة وبعض الناس يقولون لي بأن هذا من الوسوسة وهل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي تفعلين من غسل أسفل البدن لا أصل له والمرأة إذا كان عليها غسلٌ من جنابةٍ أو حيضٍ أو نفاس وجب عليها أن تغسل جميع بدنها كالرجل إذا وجب عليه غسلٌ من الجنابة فإنه يجب عليه أن يغسل جميع بدنه أما ما عدا ما يوجب الغسل فإن عملك هذا غير مشروع وللمرأة إذا قضت الحاجة من بول أو غائط أن تغسل ما أصابته النجاسة فقط دون ما سواه ثم تتوضأ للصلاة وأما هذا العمل الذي تعملينه فلا شك أنه من الوسواس ومن الإسراف ومجاوزة الحدود فعليك أن تستغفري الله وأن تمتنعي عنه. ***
ما مقدار الماء الذي يتوضأ به المصلى لأني سمعت (أن النبي ﷺ يتوضأ بالمد تارة وبثلثيه مرة أخرى) وكم يساوي المد بالكيلوات وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المد بالكيلوات يساوي نصف كيلو وعشرة غرامات هذا تقديره بالكيلوات وأما ما مقدار الماء الذي يتوضأ به فقد ذكر الأخ ما صح به الحديث عن النبي ﵊ أنه (كان يتوضأ بالمد ويغتسل بالصاع إلى خمسة أمداد) ولكن إذا لم يسبغ بهذا القدر فإنه يجب عليه إسباغ الوضوء يعني لو فُرِضَ ما عرف كيف يؤدي فَرْضَ الوضوء بهذا المقدار فإنه يجب عليه أن يؤدي فَرْضَ الوضوء ولو زاد على هذا المقدار ولكن لاشك أن الإنسان البصير يمكنه أن يتوضأ بالمد كما فعل النبي ﷺ. ***
ما المقصود بثلثي المد وهل يكفي الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المقصود بثلثي المد يعني اثنين من ثلاثة من المد وقد عرفت مقداره بالكيلو من قبل وأما هل يمكن الوضوء به؟ نقول يمكن بالنسبة للإنسان البصير الذي يستطيع أن يدبر الماء ولا سيما إذا كان عليه خف أو جورب وكانت الرجل لا تحتاج إلى غسل فإنه ما يبقى عنده للغسل إلا وجهه ويداه وهذا أمر بسيط ربما يمكن بثلثي المد. ***
يقول السائل ما حكم الإسراف في الغسل أو الوضوء أو اللباس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الإسراف هو مجاوزة الحد في كل شيء وقد قال الله تعالى (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلا تُسْرِفُوا) فأمر بالأكل والشرب ونهى عن الإسراف ثم ختم النهي بقوله (إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) ونفي الله تعالى المحبة عن المسرفين تدل على كراهته له أي للإسراف وعلى هذا فيكون الإسراف محرمًا في المآكل والمشارب والملابس والمساكن وغيرها وكذلك أيضًا بالنسبة للغسل وبالنسبة للوضوء لا يتجاوز الإنسان ما حده الشرع في ذلك والنبي ﵊ (توضأ مرة مرة) و(مرتين مرتين) و(ثلاثًا ثلاثًا) وتوضأ وضوءًا متفاوتًا بعض الأعضاء ثلاثًا وبعضها مرتين وبعضها مرة فلا ينبغي للمرء المؤمن أن يتجاوز ما شرعه النبي ﷺ في الوضوء ولا في الغسل. ***
بارك الله فيكم المستمع فاضل من تركيا يقول هل مرور الماء فقط على الأماكن التي يتوجب غسلها عند الوضوء دون غسلها يجوز؟ أي دون غسل تلك الأماكن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب في الوضوء والغسل أن يمر الماء على جميع العضو المطلوب تطهيره وأما دلكه فإنه ليس بواجب لكن قد يتأكد الدلك إذا دعت الحاجة إليه كما لو كان الماء باردًا جدًا أو كان على العضو أثر زيت أو دهن أو ما أشبه ذلك فحينئذٍ يتأكد الدلك ليتيقن الإنسان وصول الماء إلى جميع العضو الذي يراد تطهيره. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة هل يبلغ الوضوء لو وضع الإنسان يده أو رجله تحت الصنبور دون المسح عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يحصل الوضوء إذا عم الماء جميع الرجل فإنه يكفي لكن إذا دلكها أي الرجل أو اليد فهو أحسن خصوصًا إذا كان فيها أثر دهنٍ أو زيت لأن أثر الدهن أو الزيت يجعل الماء يتفرق وربما لا يصيب بعض الأماكن فالغسل هو الفرض والتدليك ليس بفرض. ***
أحسن الله إليكم إذا توضأ الرجل للصلاة ووجد بعد الانتهاء من الوضوء أن جزءًا بسيطًا من اليد لم يأتِ عليه الماء ماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعيد الوضوء والصلاة لأن وجود شيء يمنع وصول الماء في الأعضاء التي يجب تطهيرها يعني أنه لم يطهر العضو فقد قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فإن كان على الوجه شيء يمنع وصول الماء فإن هذا غسل بعض وجهه وكذلك يقال في بقية الأعضاء ولهذا اشترط العلماء ﵏ لصحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء كالعجين والبوية والجبس وما أشبهها. ***
السائلة ن س س تقول إذا صلىت وبعد الصلاة تذكرت أنني لم أغسل ذراعي هل أعيد الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا تيقنت أنها لم تغسله وجب عليها أن تعيد الوضوء والصلاة وأما إذا كان مجرد شك فليس عليها شيء صلاتها صحيحة ووضوؤها تام. ***
بارك الله فيكم المستمعة م. ع. ج. تسأل عن الأقراط التي تغطي جزءًا من الأذن وكذلك المشابك التي توضع على الشعر هل تعتبر حائلًا يمنع الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تعتبر حائلًا يمنع الوضوء ولا سيما الأقراط التي في الأذن والمشابك التي تمسك الشعر إنما هي في شيء ممسوح وهو الرأس والشيء الممسوح يجوز ويهون فيه الحائل لهذا جاز المسح على العمامة وجاز المسح على خمر النساء عند كثير من أهل العلم فهذا لا يضر ولا يمنع من صحة الوضوء لكن إذا جاء الغسل فلا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر كما يصل إلى ظاهر الشعر. ***
رسالة وصلت من مستمع للبرنامج رمز لاسمه بـ. د ص أيقول في رسالته سمعت من أحد الشيوخ أن الزيت حائل على البشرة عند الوضوء وأنا أحيانًا عندما أعمل بالطبخ تساقط بعض قطرات الزيت على شعري وأعضاء الوضوء فهل عند الوضوء لا بد من غسل هذه الأعضاء بالصابون أو الاغتسال حتى يصل الماء إليها كما أنه أضع بعض الزيت على شعري كعلاجٍ له ماذا أفعل أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أود أن أبين بأن الله ﷿ قال في كتابه المبين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) والأمر بغسل هذه الأعضاء ومسح ما يمسح منها يستلزم إزالة ما يمنع وصول الماء إليها لأنه إذا وجد ما يمنع وصول الماء إليها لم يمكن غسلها وبناءً على ذلك نقول إن الإنسان إذا استعمل الدهن في أعضاء طهارته فإما أن يبقى الدهن جامدًا له جرم فحينئذ لا بد أن يزيل ذلك قبل أن يطهر أعضاءه وإن بقي الدهن هكذا جرمًا فإنه يمنع وصول الماء إلى البشرة وحينئذ لا تصح الطهارة أما إذا كان الدهن ليس له جرم وإنما أثره باق على أعضاء الطهارة فإنه لا يضر ولكن في هذه الحال يتأكد أن يمر الإنسان يده على العضو لأن العادة أن الدهن يتمايز معه الماء فربما لا يصيب جميع أعضاء جميع العضو الذي يطهره فالسائل إذًا نقول له إن كان هذا الدهن أو الزيت الذي يكون على اعضاء طهارتك جامدًا له جرم يمنع وصول الماء فلا بد من إزالته قبل أن تتطهر وإن لم يكن له جرم فإنه لا حرج عليك أن تتطهر وإن لم تغسله بالصابون لكن أمِرَّ يدك على العضو عند غسله لئلا ينزلق الماء عنه. ***
المستمعة خ. ج من الطائف تقول أنهم يستعملون دهنًا لترطيب البشرة وعندما نستعمل هذا من الملاحظ أن الماء ينزل من البشرة بسرعة ولا نشعر بالماء هل هذا الدهن يمنع وصول الماء إلى البشرة في الوضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدهن له طبقة يعني قشرة فإنه يمنع وصول الماء ولا بد من إزالته قبل الوضوء وإذا لم يكن له قشرة وإنما ينزلق الماء من فوقه انزلاقًا فإن ذلك لا يمنع وصول الماء لكن في هذه الحال ينبغي للإنسان أن يمر يده على العضو الذي يغسله ليتيقن أن الماء مر على جميعه لأن الماء إذا كان ينزل من العضو فربما يكون بعض المواضع لا يصلها الماء. ***
هل يجوز للمرأة أن تصلى وهي تضع المكياج على وجهها علمًا بأنها توضأت ثم وضعت المكياج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الظاهر أن المكياج ليس له طبقةٌ تمنع وصول الماء فليس هناك فرق بين أن تضعه المرأة قبل الوضوء أو بعده ولكن يبقى النظر في استعمال المكياج هل هو جائز أو غير جائز نقول إن كان خديعة وغشًّا مثل أن تتمكيج المرأة عند رؤية خطيبها لها فهذا لا يجوز لأنه غش وخديعة من وجه ولأنه ليس للمخطوبة التي يريد خاطبها أن ينظر إليها أن تتجمل لأنها مازالت أجنبيةً من الرجل وأما إذا لم يكن غشًّا ولا خداعًا فليسأل الأطباء هل هذا ضارٌ في المستقبل أو لا لأننا سمعنا أن المكياج الذي يعطي البشرة جمالًا يكون في النهاية ضررًا على المرأة بحيث تتغير بشرة الوجه بسرعة فليراجع الأطباء في هذا. ***
بارك الله فيكم مستمعة تقول إذا دهن الإنسان جسمه بالكريم وأراد الوضوء هل يزيل الكريم مع العلم أن مثل هذه الزيوت إذا ادهن بها الإنسان وأراد أن يغسل يديه ينزل الماء بسرعة فماذا يفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدهون إذا كانت جامدة تمنع وصول الماء فإنه لابد من إزالتها، وإن كانت مائعة وتَشَرَّبها الجلد ولم يبق لها أثر ظاهر على الجلد فإنه لا حرج أن يتوضأ الإنسان أو يغتسل دون أن يستعمل الصابون في إزالتها وذلك لأن المحظور هو ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، فأما ما لا يمنع فلا يضر أن يمر به الماء سريعًا ويَزِلَّ عنه سريعًا ما دام ليس هناك ما يمنع وصول الماء إلى البشرة، إذًا الجواب على التفصيل: إذا كان هذا الدهن جامدًا له طبقة تمنع وصول الماء فلابد من إزالته، وإن لم يكن له طبقة تمنع وصول الماء فلا حرج أن يتطهر ولو كان الماء ينزلق بسرعة ولا يثبت لأنه ليس في هذا العضو ما يمنع وصول الماء. ***
يقول السائل لقد وصف لي أحد الأطباء نوعًا من الأدوية عبارة عن دهان ذي قوام فهل لو استعملته لا يؤثر على صحة الوضوء لأنه ربما قد يحول بين الماء والبشرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجوز لك أن تستعمل الدواء الذي يمنع وصول الماء إلى البشرة لأنه ليس علاجًا يزيله أما إذا كان هذا علاجًا يزيله فلا حرج عليك أن تستعمله لأن مدته مؤقتة أما إذا كان شيئًا يخفيه ويمنع وصول الماء فإنه لا يجوز والحمد لله هذا أمر يكون في كثير من الناس والإنسان إذا اعتاد هذا الأمر هان عليه والأمر يكون شاقًا عليه أول ما يخرج به ولكن إذا اعتاده وصار الناس ينظرون إليه فإنه لا شك أنه يزول عنه هذا الاحساس الذي يحس منه. ***
من محمد أبي عبد الله يقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل تحجب بعض الدهونات مثل الفازولين الماء عن البشرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الدهونات مثل الفازلين تحجب الماء عن البشرة إذا كانت جامدة ولها طبقة أما إذا لم تكن جامدة فإنها لا تحجب، لكن ينبغي على مَنْ كان على يده أو رجله أو شيئمن أعضاء وضوئه شيء من هذا أنه إذا غسل هذا العضو أن يُمرّ يده على مكان هذا الدهن لأنه إذا لم يمر يده فإنه ربما ينزلق الماء عن المكان ولا يصيبه فهذا هو الذي ينبغي أن يتفطن له والحاصل أن هذه الدهون إن كانت جامدة بحيث تمنع وصول الماء لكونها كالقشرة على الجلد فإنه لا بد من إزالتها قبل الطهارة وإذا لم تكن جامدة فلا حرج فيها. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ محمد المستمعة م. ر من مكة المكرمة تقول عند وضعي للدهون على بشرتي هل يجوز أن أغسل وجهي للوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: وضع الدهون على البشرة التي يجب غسلها في الطهارة ينقسم إلى قسمين القسم الأول دهون لا يكون لها قشر لكن لها أثر على الجلد بحيث إذا مر الماء من فوقها تمزق يمينا وشمالا فهذه لا تؤثر لأنها لا تمنع من وصول الماء إلى البشرة والثاني ما له طبقة تبقى على الجلد تمنع وصول الماء فهذه لابد من إزالتها قبل الوضوء إذا كانت على أعضاء الوضوء لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) ومعلوم أنه إذا كان على هذه الأعضاء طبقة مانعة من وصول الماء إليها فإنه لا يقال إنه غسلها بل غسل ما فوقها ولهذا قال العلماء ﵏ من شروط صحة الوضوء إزالة ما يمنع وصول الماء إلى البشرة لكن ما يوضع على الرأس من الحناء وشبهه لا يضر إذا مسحت عليه المرأة لأنه ثبت (عن النبي ﷺ أنه كان ملبدًا رأسه في حجة الوداع) وتلبيد الرأس يمنع من مباشرة الماء عند المسح للشعر ولأن طهارة الرأس طهارة مخففة بدليل أنه لا يجب غسله بل الواجب مسحه حتى وإن كان الشعر خفيفا بل حتى وإن لم يكن على الرأس شعر فإن طهارته خفيفة ليست إلا المسح فلهذا سمح فيه فيما يوضع عليه ولهذا جاز للإنسان للرجل أن يمسح على العمامة مع أنه بإمكانه أن يرفعها ويمسح رأسه لكن هذا من باب التخفيف وكذلك على قول كثير من العلماء أنه يجوز للمرأة أن تمسح على خمارها الملفوف من تحت ذقنها. ***
أحسن الله إليكم السائلة مرئية محمود من ليبيا تسأل هل يعتبر الزيت حائلًا بين الشعر ووصول ماء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعتبر الزيت حائلًا بين الماء والشعر إلا أن يكون جامدا له طبقة فنعم يكون حائلا لكن إذا لم يكن له طبقة فليس بحائل. ***
تقول السائلة إذا صبغ الرجل لحيته بالكتم أو المرأة إذا صبغت شعرها بأحد الأصباغ أو الألوان فهل يكون ذلك حائلًا لوصول الماء إلى الشعر أثناء الوضوء وما حكم استخدامهم ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أنا لا أدري هل هذه الأشياء لها جرم وقشرة تمنع وصول الماء أم لا فينظر وأما صبغ الشيب بالسواد الخالص فلا يجوز لأن النبي ﷺ قال (جنبوه السواد) وورد حديثٌ في السنن بالوعيد على ذلك لكن إذا كان الإنسان يريد أن يغير الشيب ولا بد فليجعله بنيًا لا أسود محضًا ولا أصفر محضًا. ***
ما حكم صلاة المرأة التي تضع المناكير على يديها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يصح وضوؤها لم تصح صلاتها لقول النبي ﷺ (لا يقبل الله صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ) فمادام الوضوء غير صحيح فالصلاة غير صحيحة أيضًا. فضيلة الشيخ: هل تلزمها الإعادة في هذه الحال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن هذا لا يجوز فإنه يلزمها الإعادة وإذا كانت تجهل فإنه لا إعادة عليها بناءً على القاعدة المعروفة عند أهل العلم والتي دل عليها الكتاب والسنة وهي: أن الجاهل لا يلزم بإعادة ما ترك من واجب ولا يأثم بفعل ما فعل من محظور لكن قد يكون هذا الجاهل مُفرِّطًا لم يسأل ولم يبحث فنلزمه بالواجب من هذه الناحية حيث إنه ترك ما يجب عليه من التعلم أما إذا لم يحصل منه التفريط وإنما كان غافلًا غفلة نهائية ولا يعرف عن هذه الأمور ولا تحدثه نفسه بأنها حرام أو ما أشبه ذلك فإنه يرفع عنه ولهذا لم يأمر النبي ﷺ المسيء في صلاته الذي كان لا يطمئن فيها لم يأمره بإعادة ما مضى من صلاته وكان لا يحسن غير ما كان يصنع أمام الرسول ﷺ وقد قال له النبي ﷺ (ارجع فصلِّ فإنك لم تصلِ) وإنما أمره بإعادة الصلاة الحاضرة لأن وقتها لم يخرج فهو مطالب بفعلها على وجه التمام. فضيلة الشيخ: إذًا نستطيع نقول للمسلمات اللواتي استمعن لإجابتكم هذه يجب عليهن إزالة هذه المناكير وإن صلت بعد سماع هذه الإجابة وعليها مناكير فيلزمها الإعادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم فهي آثمة وعليها الإعادة. ***
إذا نسي الإنسان أثناء الوضوء ولم يتشهد هل يبطل وضوؤه وكذلك إن لم يلتزم بالترتيب التام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد لا يكون في أثناء الوضوء كما هو ظاهر سؤال الأخ وإنما التشهد بعد الفراغ من الوضوء ومع هذا فالتشهد سنة فإن من توضأ فأسبغ الوضوء ثم قال (أشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين فتحت له أبواب الجنة الثمانية يدخل من أيها شاء) فهو سنة وليس بواجب أي التشهد بعد الفراغ من الوضوء وأما من نسي الترتيب فبدأ بغسل عضو قبل الآخر فإن ذلك موجب لبطلان وضوئه إذا كان متعمدًا لأن (رسول الله ﷺ حينما أقبل على الصفا قرأ (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ) ثم قال: أبدأ بما بدأ الله به) وفي رواية للنسائي (إبدؤوا بما بدأ الله به) بلفظ الأمر وإذا قرأنا آية الوضوء وجدنا أن الله تعالى بدأ بغسل الوجه ثم غسل اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين وعلى هذا فيجب الترتيب بين هذه الأعضاء الأربعة على ما أمر الله تعالى به في كتابه لكن إذا نسي الترتيب فلم يرتب فقد اختلف أهل العلم هل يصح وضوؤه حينئذ أولا يصح والأحوط والأولى أن يُعيد الوضوء فيما خالف ترتيبه فمثلًا إذا كان قد غسل وجهه ثم مسح رأسه ثم غسل يديه نقول له أعد مسح الرأس لأنه وقع في غير محله ثم أغسل الرجلين ولا حاجة إلى أن تعيد الوضوء من أوله، لأنه عندما تعيد ما حصل فيه مخالفة الترتيب تعيد العضو وما بعده أي العضو الذي حصل فيه المخالفة وما بعده. ***
هل يجوز أن نصلى فريضتين بوضوء واحد دون نية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا توضأ لصلاة الظهر مثلًا ثم حضرت صلاة العصر وهو على طهارة أن يصلى صلاة العصر بطهارة الظهر وإن كان لم ينوها حين تطهره لأن طهارته التي تطهرها لصلاة الظهر رفعت الحدث عنه وإذا ارتفع حدثه فإنه لا يعود إلا بوجود سببه وهو أحد نواقض الوضوء المعروفة بل إن الإنسان لو توضأ بغير نية الصلاة توضأ بنية رفع الحدث فقط فإنه يصلى بذلك ما شاء من فروض ونوافل حتى تنتقض طهارته. ***
ما حكم من يصلى أربعة فروض بوضوء واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب أن هذا لا بأس به لا بأس أن يصلى الإنسان بالوضوء أربع صلوات أو أكثر. وإن توضأ فهو أحسن وأفضل لأنه تجديدٌ للوضوء فقد ثبت ذلك من فعل رسول الله ﷺ. ***
هل يصلى بوضوء واحد أكثر من صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يصلى بالوضوء الواحد أكثر من صلاة سواء صلاها في وقت واحد كما لو كان عليه فوائت وقضاها في وقت واحد أو صلاها في أوقاتها فلو توضأ لصلاة الفجر ولم ينتقض وضوؤه إلا بعد صلاة العشاء فصلَّى الصلوات الخمس كلها بوضوء واحد فلا حرج عليه. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع ج م ع الجيزة مصر يقول فضيلة الشيخ توضأت بنية صلاة الجنازة ثم أذن العصر فهل وضوء الجنازة يكفي لصلاة العصر أم أتوضأ لصلاة العصر مرة ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا توضأت لصلاة الجنازة فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لصلاة النافلة فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لرفع الحدث فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لقراءة القرآن فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة أو توضأت لذكر الله فلا بأس أن تصلى به صلاة الفريضة لأن الحدث يرتفع إذا توضأت لهذه الأشياء وإذا ارتفع الحدث جاز لك فعل الصلاة ويستمر ذلك إلى دخول وقت الصلاة ولو طال الوقت مادمت على طهارتك حتى لو فُرِضَ أنك توضأت لصلاة الفجر وبقيت إلى صلاة العشاء على طهارتك فلا حرج عليك. ***
تقول السائلة أحيانًا أجد بعض فضلات الطعام على أسناني فهل يجب إزالة هذه الفضلات قبل الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يظهر لي أنه لا يجب إزالتها قبل الوضوء لكن تنقية الأسنان منها لا شك أنه أكمل وأطهر وأبعد عن مرض الأسنان لأن هذه الفضلات إذا بقيت فقد يتولد منها عفونة ويحصل منها مرض للأسنان وللثّة فالذي ينبغي للإنسان إذا فرغ من طعامه أن يخلل أسنانه حتى يزول ما علق بها من أثر الطعام وأن يتسوك أيضًا لأن الطعام يغير الفم وقد قال النبي ﵊ في (السواك إنه مطهرة للفم مرضاة للرب) وهذا يدل على أنه كلما احتاج الفم إلى تطهير فإنه يطهر بالسواك. ***
يقول السائل ما هي أنواع المأكولات والمشروبات التي يجب على المسلم أن يتمضمض بعد أكلها أو شربها إذا كان على وضوء للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب على المسلم أن يتمضمض مما أكل مطلقًا سواء كان لحمًا أم خبزًا أم غير ذلك لكن إذا أكل شيئًا فيه دسم فإن الأفضل أن يتمضمض تطهيرًا لفمه من هذا الدسم الذي علق به سواء كان على وضوء أو كان على غير وضوء سواء أراد الصلاة أم لم يرد فالمأكولات نوعان نوع خال من الدسم ونوع فيه دسم فالذي فيه دسم ينبغي أن يتمضمض منه ولا يجب والذي ليس فيه دسم ينظر إن كان مما يتلوث به الفم فإنه يتمضمض منه وإن كان لا يتلوث به فإنه لا يتمضمض. ***
هل يجوز تنشيف الأعضاء بعد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب نعم يجوز للإنسان إذا توضأ أن ينشف أعضاءه وكذلك إذا اغتسل يجوز له أن ينشف أعضاءه لأن الأصل فيما عدا العبادات الحل حتى يقوم دليل على التحريم وأما (حديث ميمونة ﵂ أنها جاءت بالمنديل إلى رسول الله ﷺ بعد أن اغتسل فرده وجعل ينفض الماء بيده) فإن رده للمنديل لا يدل على كراهته لذلك فإنها قضية عين يحتمل أن يكون المنديل فيه ما لا يحب النبي ﷺ أن يتمندل به من أجله ولهذا (جعل النبي ﷺ ينفض الماء بيده) وقد يقول قائل إن إحضار ميمونة المنديل إلى رسول الله ﷺ دليل على أن ذلك أمر جائز عندهم وأمر مشهور وإلا فما كان هناك داع إلى إحضارها للمنديل وأهم شيء أن تعرف القاعدة التي أشرنا إليها وهي أن الأصل فيما سوى العبادات الأصل الحل حتى يقوم دليل على التحريم. ***
أحسن الله إليكم هذا سائل يقول بالنسبة للكلام أثناء الوضوء هل هو مكروه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلام في أثناء الوضوء ليس بمكروه لكن في الحقيقة أنه يشغل المتوضئ لأن المتوئ ينبغي له عند غسل وجهه أن يستحضر أنه يمتثل أمر الله وعند غسل يديه ومسح رأسه وغسل رجليه يستحضر هذه النية فإذا كلمه أحد وتكلم معه انقطع هذا الاستحضار وربما يشوش عليه أيضًا وربما يحدث له الوسواس بسببه فالأولى ألا يتكلم حتى ينتهي من الوضوء لكن لو تكلم فلا شيء عليه. ***
رسالة من الطالب فاضل ناصر من الجمهورية العراقية بغداد يقول فيها هل يجوز شرب الماء أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن يشرب الإنسان الماء أثناء الوضوء لكن إذا كان مكان الماء بعيدًا بحيث تنقطع الموالاة إذا ذهب ليشرب فإنه ينتظر حتى ينتهي من وضوئه ثم يذهب ويشرب. ***
أثابكم الله هذه رسالة من المستمع رمز لاسمه بالأحرف م. غ. ط. من العراق يقول إذا كان الإنسان فاقدًا لأحد أعضاء الوضوء كاليد أو الرجل مثلًا فهل يلزمه التيمم عن غسل ذلك العضو المفقود وما الحكم لو ركب له عضوٌ صناعي فهل يلزمه غسله في الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا فقد الإنسان عضوًا من أعضاء الوضوء فإنه يسقط عنه فرضه إلى غير تيمم لأنه فقد محل الفرض فلم يجب عليه حتى لو ركب له عضوٌ صناعي فإنه لا يلزمه غسله ولا يقال إن هذا مثل الخفين يجب عليه مسحهما لأن الخفين قد لبسهما على عضوٍ موجودٍ يجب غسله أما هذا فإنه صنع له على غير عضوٍ موجود لكن أهل العلم يقولون إنه إذا قطع من المفصل فإنه يجب عليه غسل رأس العضو مثلًا لو قطع من المرفق وجب عليه غسل رأس العضد ولو قطعت رجله من الكعب وجب عليه غسل طرف الساق. ***
بارك الله فيكم هذا مستمع للبرنامج يقول بأنه شاب حدث له حادث مرور ولا مرد لقضاء الله ﷾ ويقول سبب لي هذا الحادث إصابة بالعمود الفقري وأدى ذلك إلى عدم التحكم في عملية الخروج والعجز عن الوضوء سؤالي بما أنني لا أستطيع الوضوء ولعسر التيمم ماذا أفعل يا فضيلة الشيخ هل أصلى بدون وضوء وتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما العجز عن الوضوء فإن كان السائل يقصد بالوضوء ما يقصده كثير من العوام وهو غسل الفرج من البول أو الغائط أقول إن كان يقصد ذلك فإنه بإمكانه أن يستجمر بالمناديل استجمارًا شرعيًا يكون ثلاث مسحات فأكثر منقية ويجزئه ذلك عن الماء وأما إذا كان يريد بالوضوء غسل الأعضاء أو بعبارة أصح تطهير الأعضاء الأربعة وهي الوجه واليدان والرأس والرجلان وأنه لا يستطيع أن يتوضأ على هذا الوجه فإنه يتيمم فيضرب الأرض بيديه ويمسح بهما وجهه وكفيه فإن عجز عن ذلك وليس عنده من ييممه فإنه يصلى على حسب حاله ولا حرج عليه لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ولقول النبي ﷺ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
يقول كيف يصلى ويتوضأ المريض أفيدونا بذلك مشكورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما كيف يتوضأ فإن الواجب عليه أن يتوضأ بالماء إذا قدر على استعماله بلا ضرر لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) يعني واغسلوا أرجلكم إلى الكعبين فإن كان الماء يضره أو كان غير قادر على استعماله فإنه يتيمم لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فتيمموا وكيفية التيمم أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم يمسح بهما وجهه وكفيه ويسمح كفيه بعضهما ببعض هذه هي كيفية التيمم لمن لا يستطيع التطهر بالماء وإذا تيمم المريض فإن تيممه هذا يقوم مقام الوضوء فما دام باقيًا على طهارته لم تنتقض بشيء من النواقض فإنه لا يلزمه إعادة التيمم حتى ولو بقي من الصباح إلى العشاء لأن الله ﷾ قال بعد ذكر التيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به فدلت الآية الكريمة والحديث النبوي على أن التيمم مطهر إلا أن طهارته مؤقتة متى زال العذر المبيح للتيمم فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء فلو تيمم عن جنابة لعدم الماء ثم وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل وإن لم تتجدد الجنابة ودليل ذلك حديث أبي سعيد الذي رواه البخاري مطولًا (في قصة الرجل الذي رآه النبي ﷺ معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما منعه أن يصلى في القوم؟ فقال: يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء، فقال: عليك بالصعيد فإنه يكفيك. ثم جيء بالماء إلى النبي ﷺ واستقى الناس منه وارتووا وبقي منه بقية فأعطى هذا الرجل هذه البقية، وقال له: خذ هذا أفرغه على نفسك) فدل ذلك على أن التيمم إنما يكون مطهرًا في الوقت الذي يكون استعماله جائزًا وأما إذا زال العذر المبيح له فإن حدثه يعود عليه ويجب عليه استعمال الماء عند إرادة الصلاة وأما كيف يصلى المريض فقد بينه النبي ﷺ بقوله لعمران بن حصين (صلِّ قائمًا فإن لم تستطع فقاعدًا فإن لم تستطع فعلى جنبك) فيجب على المريض أن يستقبل القبلة ويصلى قائمًا ولو كان معتمدًا على عصا أو على جدار أو على عمود أو نحو ذلك فإن لم يستطع القيام فإنه يصلى قاعدًا وفي حال قعوده يكون متربعًا لا مفترشًا ويومئ بالركوع، وفي السجود يسجد على الأرض إن تمكن فإن لم يتمكن أومأ بالسجود أيضًا ويجلس بين السجدتين وفي التشهد كما كان يجلس في العادة ويجب على المريض أن يتجنب في صلاته كل ما يتجنبه الصحيح من النجاسات وغيرها فيصلى في ثياب طاهرة ويصلى على فراش طاهر فإن كان عليه ثياب نجسة لا يتمكن من خلعها صلى فيها ولا إعادة عليه لعدم قدرته على خلع هذه الثياب إلا إذا كان يمكن أن يغسلها مثل أن تكون النجاسة في أسفلها ويمكن أن يغسلها فليغسلها وكذلك الفراش إذا كان متنجسًا فإن الواجب عليه إزالته ليصلى على طاهر فإن لم تمكن إزالته بسط عليه شيئًاَ طاهرًا وصلى عليه فإن لم يمكن ذلك صلى عليه ولو كان نجسًا إن كان لا يمكنه أن يتحول عنه وكل هذه التسهيلات كلها مأخوذة من قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ومن قول النبي ﷺ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
يقول السائل رجل يداه مقطوعتان لا يستطيع الغسل بهما هل يسقط عنه الغسل في مثل هذه الحالة وكذلك إذا أراد أن يقرأ من المصحف هل له أن يضعه على رجليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت اليدان المقطوعتان قد قطعتا من فوق المرفق فإن غسلهما يسقط وأما إذا قطعتا من مفصل المرفق فإنه يجب عليه أن يغسل بطرف العضد وإذا كانتا قد قطعتا من نصف الذراع مثلا فإنه يجب عليه أن يغسل ما بقي من الذراع مع المرفق فهذه ثلاث أحوال الحالة الأولى أن يكون القطع من فوق المرفق مما يلي العضد فلا يجب عليه أن يغسل شيئا الثانية أن يكون القطع من المرفق فيجب عليه أن يغسل رأس العضد الثالثة أن يكون القطع من نصف الذراع مثلا فيجب عليه أن يغسل ما بقي من الذراع مع المرفق أما مس المصحف فإنه لا بأس أن يضع الرجل المصحف على فخذيه وهو جالس ويقرأ منه. ***
باب المسح على الخفين
بارك الله فيكم سؤال من مستمعة للبرنامج تقول ما الحكمة من المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة من المسح على الخفين هي أن هذا المسح يقوم مقام غسل الرجل وذلك لأن الواجب على الإنسان في الوضوء أن يطهر أربعة أعضاء الوجه واليدين والرأس والرجلين فمن رحمة الله تعالى بعباده أن الإنسان إذا كان لابسًا جوارب أو خفين فإنه لا يكلف أن ينزعهما ثم يغسل قدميه لما في ذلك من المشقة في النزع والإدخال مرة أخرى وستكون الرِّجْلُ أيضًا رطبة بالماء فيترطب الجورب أو الخف فيزداد أذى بهذه الرطوبة فمن رحمة الله ﷾ أن شرع لعباده أن يمسحوا على الخفين أو الجوربين بدلًا عن غسل الرجلين ولكنه في مدة محددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسحها بعد الحدث وما قبلها لا يحسب من المدة فإذا قُدِّرَ أنَّ شخصًا لبس الجوربين لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة المغرب ومسحهما أول مرة بعد الحدث لصلاة المغرب فإن ما قبل صلاة المغرب لا يحسب من المدة فله أن يمسح إلى المغرب من اليوم الثاني إذا كان مقيمًا وإلى ثلاثة أيام إذا كان مسافرًا، وإنه بهذه المناسبة ينبغي أن نعرف أن المسح على الخفين لا بد له من شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة. والشرط الثاني: أن يكونا طاهرين ودليل هذا قول النبي صلى الله وسلم للمغيرة بن شعبة حينما أراد أن يخلع خفيه (قال له النبي ﵊: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) . الشرط الثالث: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة فإن حصل عليه الجنابة وجب عليه خلع الجوربين أو الخفين وغسل الرجلين ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ (قال أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سَفْرًا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . والشرط الرابع: أن يكون في المدة التي قدرها النبي ﷺ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فلو مسح بعد انتهاء مدة المسح فإن وضوءه غير صحيح وعليه أن يعيده ويتوضأ من جديد وضوءًا كاملًا يغسل فيه قدميه هذه الشروط التي دلت عليها سنة رسول الله ﷺ. ***
هذه رسالة من المستمع إبراهيم محمد يقول في سؤاله كيف تقدر مدة المسح على الخفين أهي بالساعات أم بالفروض وكيف ذلك بالنسبة للمسافر والمقيم وهل تقاس عليها العمامة التي تربط على الرأس بإحكامٍ ولا يسهل خلعها عند كل وضوءٍ أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة من أهم المسائل التي يحتاج الناس لبيانها ولهذا سوف نجعل الجواب أوسع من السؤال إن شاء الله تعالى فنقول إن المسح على الخفين ثابتٌ بدلالة الكتاب والسنة أما الكتاب فهو من قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) (أرجلِكم) بكسر اللام فتكون معطوفة على قوله (برؤوسِكم) فتدخل في ضمن الممسوح والقراءة التي يقرؤها الناس في المصاحف (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ) بفتح اللام فهي معطوفة على (وجوهَكم) فتكون من ضمن المغسول وحينئذٍ فالأرجل بناءً على القراءتين إما أن تمسح وإما أن تغسل وقد بينت السنة متى يكون الغسل ومتى يكون المسح يكون الغسل حين تكون القدم مكشوفة ويكون المسح حين تكون مستورةٌ بالخف ونحوه أما السنة فقد تواتر عن النبي ﷺ المسح على الخفين وعده أهل العلم من المتواتر كما قال الناظم: مما تواتر حديث من كذب..... ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤيةٌ شفاعةٌ والحوض..... ومسح خفين وهذي بعض فمسح الخفين مما تواترت به الأحاديث عن النبي ﷺ والمسح على الخفين إذا كان الإنسان قد لبسهما على طهارة أفضل من خلعهما وغسل الرجل ولهذا لما أراد المغيرة بن شعبة ﵁ أن ينزع خفي رسول الله ﷺ عند وضوئه (قال له: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين، ثم مسح عليهما) وللمسح على الخفين شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارةٍ كاملة من الحدث الأصغر والأكبر فإن لبسهما على غير طهارة فإنه لا يصح المسح عليهما. والشرط الثاني: أن يكون المسح في مدة المسح كما سيأتي بيان المدة إن شاء الله تعالى. والشرط الثالث: أن يكون المسح في الطهارة الصغرى، أي في الوضوء أما إذا صار على الإنسان غسلٌ فإنه يجب عليه أن يخلع الخفين ليغسل جميع بدنه ولهذا لا يُمسح على الخفين في الجنابة كما في حديث صفوان بن عسَّال ﵁. هذه الشروط الثلاثة هي من شروط جواز المسح على الخفين، أما المدة فإنها يومٌ وليلة للمقيم وثلاثة أيامً بلياليها للمسافر ولا عبرة بعدد الصلوات بل العبرة بالزمن فالرسول ﵊ وقتها يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر واليوم والليلة هو أربعٌ وعشرون ساعة وثلاثة الأيام بلياليها اثنتان وسبعون ساعة لكن متى تبتدئ هذه المدة؟ تبتدئ هذه المدة من أول مرة في المسح وليس من لبس الخف ولا من الحدث بعد اللبس لأن الشرع جاء بلفظ المسح والمسح لا يتحقق إلا بوجوده فعلًا (يمسح المقيم يومًا وليلة ويمسح المسافر ثلاثة أيام) فلا بد من تحقق المسح، وهذا لا يكون إلا بابتداء المسح في أول مرة فإذا تمت أربعٌ وعشرون ساعة من ابتداء المسح انتهى وقت المسح بالنسبة للمقيم وإذا تمت اثنتين وسبعين ساعة انتهى المسح بالنسبة للمسافر ونضرب لذلك مثلًا يتبين به الأمر رجلٌ تطهر لصلاة الفجر ثم لبس خفيه ثم بقي على طهارته حتى صلى الظهر وهو على طهارته وصلى العصر وهو على طهارته وبعد صلاة العصر في الساعة الخامسة تطهر لصلاة المغرب ثم مسح فهذا الرجل له أن يمسح إلى الساعة الخامسة من اليوم الثاني فإذا قُدِّر أنه مسح في اليوم الثاني في الساعة الخامسة إلا ربعًا وبقي على طهارته حتى صلى المغرب وصلى العشاء فإنه حينئذٍ يكون صلى في هذه المدة صلاة الظهر أول يوم والعصر والمغرب والعشاء والفجر في اليوم الثاني والظهر والعصر والمغرب والعشاء فهذه تسع صلوات صلاها، وبهذا علمنا أنه لا عبرة بعدد الصلوات كما هو مفهومٌ عند كثير من العامة حيث يقولون إن المسح خمسة فروض، هذا لا أصل له وإنما الشرع وقته بيومٍ وليلة تبتدئ هذه المدة من أول مرةٍ مسح وفي هذا المثال الذي ذكرنا عرفت كم صلى من صلاةٍ في لبس الخفين وفي هذا المثال الذي ذكرناه تبين أنه إذا تمت مدة المسح فإنه لا يمسح بعد هذه المدة، ولو مسح بعد المدة - أي - بعد تمامها فمسحه باطل لا يرتفع به الحدث، لكن لو مسح قبل أن تتم المدة ثم استمر على طهارته بعد تمام المدة فإن وضوءه لا ينتقض بل يبقى على طهارته حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوضوء فهذا المثال الذي ذكرنا أنه مسح في اليوم الثاني في تمام الخامسة إلا ربعًا أي قبل تمام المدة بربع ساعة ثم بقي على طهارته إلى المغرب وإلى العشاء فيصلى المغرب والعشاء بطهارته وذلك لأن القول بأن الوضوء ينتقض بتمام المدة أي بتمام مدة المسح قولٌ لا دليل له فإن تمام المدة معناه أنه لا مسح بعد تمامها وليس معناه أنه لا طهارة بعد تمامها فإذا كان المؤقت هو المسح دون الطهارة فإنه لا دليل على انتقاضها بتمام المدة وحينئذٍ نقول في تقرير دليل ما ذهبنا إليه: هذا الرجل توضأ وضوءًا صحيحًا بمقتضى دليلٍ شرعي صحيح فإذا كان كذلك فإنه لا يمكن أن نقول بانتقاض هذا الوضوء إلا بدليلٍ شرعي صحيح ولا دليل على أنه ينتقض بتمام المدة وحينئذٍ تبقى طهارته حتى يوجد ناقضٌ من نواقض الوضوء التي ثبتت بالكتاب أو السنة هذه خلاصة موجزة عن المسح على الخفين وله فروعٌ كثيرة لكنه ليس هذا موضع ذكرها وهي معلومةٌ في كتب أهل العلم والحمد لله، أما المسافر فإن له ثلاثة أيامٍ بلياليها أي اثنتان وسبعون ساعةً تبتدئ من أول مرةٍ مسح، ولهذا ذكر فقهاء الحنابلة ﵏ أن الرجل لو لبس خفيه وهو مقيم في بلده ثم أحدث في نفس البلد ثم سافر ولم يمسح إلا بعد أن سافر، قالوا: فإنه يُتِمُّ مسح مسافر في هذه الحالة فاعتبروا ابتداء المدة من المسح من أول مرةٍ مسح وهذا مما يدل على ضعف القول بأن ابتداء المدة من أول حدثٍ بعد اللبس، أما مسألة العمامة فالعمامة قد ثبت عن النبي ﷺ جواز المسح عليها وهي من حيث النظر أولى بالمسح من الخفين لأنها ملبوسةٌ على ممسوح فهي أصلًا طهارة هذا العضو - أي المسح - وطهارة الرأس أخف من طهارة الرجلين لأن طهارته تكون بالمسح فالفرع عنه وهو العمامة يكون كذلك بالمسح ولكن هل يشترط فيها ما يشترط في الخف بأن يلبسها على طهارة وتتقيد مدتها بيومٍ وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر أو المسح عليها مطلق متى كانت على الرأس مسحها سواءٌ لبسها على طهارة وبدون توقيت - إلا أنه في الحدث الأكبر لا يمسح عليها لأنه لا بد من الغسل في جميع البدن - هذا فيه خلاف بين أهل العلم والذين قالوا بأنه لا يشترط لبسها على طهارة ولا مدة لها قالوا لأنه ليس في ذلك دليلٌ عن النبي ﷺ وقياسها على الخفين كما يقولون قياسٌ مع الفارق لأن الخفين لُبِسا على عضوٍ مغسول طهارته لا بد من الغسل فيها وأما هذه فقد لُبِسَت على عضوٍ ممسوح وطهارته أخف فلهذا لا يشترط للبسها طهارة ولا توقيت لها ولكن لا شك أن الاحتياط أولى، والأمر في هذا سهل فإنه ينبغي أن لا يلبسها إلا على طهارة وأن يخلعها إذا تمت مدة المسح ويمسح رأسه ثم يعيدها. فضيلة الشيخ: ما هي الأشياء التي تبطل المسح على الخفين أو على العمامة غير انتهاء المدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبطل المسح أيضًا خلع الخف إذا خلع الخف بطل المسح في أي وقتٍ كان لكن الطهارة باقية ودليل كون خلع الخف يبطل المسح حديث صفوان بن عَسَّال (أمرنا رسول الله ﷺ أن لا ننزع خفافنا) فدل هذا على أن النزع يبطل المسح فإذا نزع الإنسان خفه بعد مسحه بطل المسح عليه بمعنى أنه لا يعيد لبسه فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملًا يغسل فيه الرجلين وأما طهارته إذا خلعه فإنها باقية فالطهارة لا تنتقض بخلع الممسوح وذلك لأن الماسح إذا مسح تمت طهارته بمقتضى الدليل الشرعي فلا تنتقض هذه الطهارة إلا بمقتضى دليلٍ شرعي وليس هناك دليل شرعي على أنه إذا خلع الممسوح بطل الوضوء وإنما الدليل على أنه إذا خلع الممسوح بطل المسح ولا يعاد المسح مرة أخرى إلا بعد غسل الرجل في وضوء كامل وعليه فنقول أن الأصل بقاء هذه الطهارة الثابتة بدليل شرعي حتى يوجد الدليل، وإذا لم يكن دليل فإن الوضوء يبقى غير منتقض وهذا هو القول الراجح عندنا. ***
يقول ما هي أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين له حكم واحد وهو أن الإنسان إذا لبسهما على طهارة بالماء فإنه يجوز له أن يمسح عليهما لكن بثلاثة شروط: الشرط الأول: هو ما أشرنا إليه أن يكون قد لبسهما على طهارة بالماء ودليل ذلك ما ثبت في الصحيحين من حديث المغيرة بن شعبة ﵁ (أنه صَبَّ على النبي ﷺ وضوءه فتوضأ النبي ﷺ فأهوى المغيرة إلى خفيه لينزعهما فقال النبي ﷺ دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) فقوله ﷺ (فإني أدخلتهما طاهرتين) تعليل لقوله (دعهما) والحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا فدل هذا على أنه إذا لبسهما الإنسان على طهارة جاز له المسح وإذا لبسهما على غير طهارة فإنه لا يمسح الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر دون الأكبر لحديث صفوان بن عسال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) فقوله (إلا من جنابة) يدل على أنه لا يجوز مسحهما مع الجنابة بل يجب نزعهما. الشرط الثالث: أن يكون في المدة المحددة شرعًا وهي للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها للمقيم يوم وليلة تبتدئ من أول مرة مسح وليس من الحدث بعد اللبس وليس من اللبس وذلك لأن النصوص جاءت بأن يمسح يومًا وليلة ولا يتحقق المسح إلا بوجوده فعلًا فالمدة التي تسبق المسح لا تحسب من المدة التي قدرها النبي ﷺ فإذا قُدِّرَ أن الرجل توضأ لصلاة الفجر ثم بقي على طهارته وانتقض وضوؤه قبل الظهر بساعتين ثم توضأ لصلاة الظهر ومسح فإن ابتداء المدة يكون من مسحه حين مسح لصلاة الظهر وليس من الحدث الذي سبق الظهر بساعتين فيكمل على هذا المسح يومًا وليلة إن كان مقيمًا وثلاثة أيام بلياليهن إن كان مسافرًا وقد اشتهر عند بعض الناس أن الإنسان يمسح خمسة أوقات إذا كان مقيمًا وهذا ليس بصحيح وإنما يمسح يومًا وليلة كما جاء به النص وهذا يمسح وقد يصلى أكثر من خمس صلوات فلو أنه مسح في الساعة الثانية عشرة ظهرًا فلما كان اليوم الثاني مسح في الساعة الثانية عشرة إلا ربعًا ظهرًا ثم بقي على طهارته حتى صلى العشاء فإنه في هذه الحالة يكون صلى تسع صلوات ظهر اليوم الأول والعصر والمغرب والعشاء والفجر وظهر اليوم الثاني والعصر والمغرب والعشاء وذلك لأن المدة إذا تمت وقد مسحت قبل أن تتم وبقيت على طهارتك فإن طهارتك لا تنتقض وقول مَنْ قال إن الطهارة تنتقض بتمام المدة لا دليل عليه والأصل بقاء الطهارة حتى يقوم دليل على انتقاضها لأن القاعدة الشرعية أن ما ثبت بدليل لا يرتفع إلا بدليل ولم يرد عن رسول الله ﷺ أن من تمت مدة مسحه انتقضت طهارته فإذا لم يرد ذلك وجب أن يبقى الوضوء على حاله والنبي ﵊ إنما وقت المسح ولم يوقت الطهارة لو كان النبي ﷺ وقت الطهارة لكانت الطهارة تنتقض بتمام اليوم والليلة وهو إنما وقت المسح، نعم لو مسح الإنسان بعد تمام المدة ولو ناسيًا فإنه يجب عليه أن يعيد الوضوء وأن ينزع خفيه ويغسل قدميه حتى لو صلى بهذا الوضوء الذي كان بعد تمام المدة ومسح فيه فإنه يجب عليه إعادة الصلاة ولو كان ناسيًا، وأما إذا كان مسافرًا فإنه يمسح ثلاثة أيام بلياليها ويكون ابتداء المدة كما أسلفت من أول مرة مسح ثم لو مسح (*في الحضر ثم سافر فإنه يتم مسح مقيم) يومًا وليلة أما لو لبس الخفين في الحضر ولم يمسح إلا في السفر فإنه يتم ثلاثة أيام ولو أنه ابتدأ المسح في السفر ثم وصل إلى بلده فإنه لا يمسح إلا مسح مقيم فإن كانت مدة مسح المقيم قد انتهت وجب عليه الخلع وغسل رجله إذا توضأ وإن كانت لم تنته فإنه يتمها على مسح مقيم يومًا وليلة من أول مرة مسح.
(*هذا رأي الشيخ في القديم انظر فتوى ١٥٥) فضيلة الشيخ: لو كان يلبس أكثر من جورب فالحكم يكون على الأعلى حيث لو فسخ الأعلى ينتقض الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس الجوربين فأكثر فإن لبس الثاني قبل أن يحدث فله الخيار بين أن يمسح الأعلى أو الذي تحته لكنه إذا مسح أحدهما تعلق الحكم به. فضيلة الشيخ: أول مرة يعني أول مسح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا مسح أحدهما أول مرة تعلق الحكم به فلو خلعه بعد مسحه فإنه لابد أن يخلع الثاني عند الوضوء ليغسل قدميه وقال بعض أهل العلم إنه لو لبس جوربين ومسح الأعلى منهما ثم خلعه فله أن يمسح الثاني مادامت المدة باقية لأن هذين الخفين صارا كخفٍ واحدٍ فهو كما لو كان عليه خف له بطانة وظِهَارة فمسح الظِّهارة ثم تمزقت الظِّهارة أو انقلعت فإنه يمسح البطانة لأن الخف واحد قال هؤلاء العلماء ﵏ فالخفان الملبوسان كأنهما خف واحد، ولكن الأحوط ما ذكرته آنفًا من أنه إذا مسح الخف الأعلى ثم نزعه فلا بد أن يخلع ما تحته وبناء على ذلك نقول مَنْ لبس جوربًا وخفًا يعني كنادر على الشراب وصار يمسح الكنادر فإنه إذا خلع الكنادر بعد مسحها لا يعيد المسح عليها مرة أخرى بل يجب عليه أن يخلعهما عند الوضوء ويخلع الجوارب ليغسل قدميه إلا على القول الثاني الذي أشرت إليه ولكن الأحوط هو القول الأول وهو المشهور من مذهب الإمام أحمد. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ هذا المستمع م ع ص من ثادق يقول فضيلة الشيخ نرجو من فضيلتكم بيان شيء عن أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين من الشرائع التي جاء الإسلام بها وهي فريضة من فرائض كثيرة تدل على يسر الإسلام وسهولته وأن الله ﷾ منَّ علينا بدين ميسر فالإنسان قد يحتاج إلى لبس الخفين أو الجوارب أو الشراب اتقاءً للبرد أو اتقاءً للغبار أو ما أشبه ذلك مما تختلف فيه أغراض الناس فمن ثم رخص للعباد أن يمسحوا على الجوارب أو على الكنادر وألا يشقُّوا على أنفسهم بنزعها وغسل الرجل ولكن للمسح على ذلك شروط لا بد منها الشرط الأول: أن يلبسها على طهارة فإن لبسها على غير طهارة لم يجز المسح عليها لقول النبي ﷺ للمغيرة حين أهوى لينزع خفيه أي خفي النبي ﵌ قال (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) فإن لبسهما على غير طهارة ونسي فمسح وجب عليه أن يعيد الوضوء ويغسل رجليه من جديد ويعيد الصلاة إن كان صلى بالوضوء الذي مسح فيه ما لبسه على غير طهارة. الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر أما الحدث الأكبر فإنه إذا أجنب الرجل وعليه جوارب لبسها على طهارة وجب عليه خلعهما وغسل قدميه لأن طهارة الحدث الأكبر أشق من طهارة الحدث الأصغر ولذلك تعم جميع البدن وليس فيها شيء ممسوح إلا الجبيرة للضرورة ويجب إيصال الماء في الطهارة الكبرى إلى ما تحت الشعر ولو كان كثيفا فهي أشد وأغلظ ولهذا جاءت السنة بأن لا يمسح في الطهارة الكبرى على الجوارب أو الخفين ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرا أن لا ننزع خفافنا ثلاثة أيام بلياليها إلا من جنابه ولكن من غائط وبولٍ ونوم) . الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي حددها النبي ﵌ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث لا من اللبس ولا من الحدث بل من المسح في وضوء بعد الحدث حتى يتم ثلاثة أيام إن كان مسافرا أو يوما وليلة إن كان مقيما مثال ذلك إذا تطهر لصلاة الفجر ولبس ثم أحدث في الساعة العاشرة ضحى ثم لم يتوضأ ثم تطهر في الساعة الثانية عشرة ومسح فإن ابتداء المدة يكون من الساعة الثانية عشرة لا من الفجر ولا من الساعة العاشرة بل من الساعة الثانية عشرة لأنها الساعة التي ابتدأ المسح فيها. وليعلم أن الرجل إذا مسح وهو مقيم ثم سافر قبل تمام مدة مسح المقيم فإنه يتم مسح مسافر مثال ذلك رجل لبس خُفَّيه ثم مسح عليهما لصلاة الظهر مثلا ثم سافر بعد الظهر أو بعد العصر فإنه يتم مسح مسافر أما إن تمت مدة مسح المقيم قبل أن يسافر فإنه لا يبني على مدة تمت بل يجب عليه أن يغسل قدميه إذا توضأ وكذلك العكس بالعكس لو مسح وهو مسافر ثم وصل البلد فإن مَسْحُهُ مسح المقيم فإن كان مضى له يوم وليلة للسفر فعليه أن يخلع ويغسل قدميه عند الوضوء وإن بقي من اليوم والليلة شيء أتمه يوما وليلة فقط وليُعلم كذلك أن مدة المسح إذا تمت وهو على طهارة فإن طهارته لا تنتقض بل يبقى طاهرا حتى تبطل طهارته بناقض من النواقض المعروفة فإذا قُدِّرَ أن شخصا ما مسح أول مرة في الساعة الثانية عشرة من يوم الأحد وهو مقيم ثم مسح من يوم الاثنين الساعة الحادية عشرة والنصف أي بقي عليه نصف ساعة ويتم يوما وليلة ثم مضت عليه الثانية عشرة والواحدة والثانية وهو لا يزال على طهارته فإن طهارته باقية لم تنتقض بانتهاء المدة لكنه إذا انتقض وضوؤه بعد اكتمال المدة وجب عليه أن يغسل قدميه إذا توضأ لأن المدة قد تمت. إذًا فالمسح على الخفين أو الجوارب سنة إذا كان الإنسان لابسا لهما لكن بشروط ثلاثة الشرط الأول: أن يلبسها على طهارة. الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر دون الأكبر. والثالث: أن يكون ذلك في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر تبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث. ***
نأمل بشرح أحكام المسح على الخفين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الخفين من السنة ودليله أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم توضأ وكان المغيرة بن شعبة ﵁ يصب عليه وضوءه فأهوى لينزع خفي الرسول ﵊ فقال (دعهما - يعني لا تخلعهما - ومسح عليهما) فدل ذلك على أن لابس الخفين الأفضل له أن يمسح ولا يخلعهما ليغسل قدميه. وللمسح على الخف شروط أهمها: الشرط الأول: أن يلبسهما أي الخفين على طهارة فيتوضأ وضوءا كاملا ثم يلبس فإن لبسهما على غير طهارة لم يجز المسح عليهما بل عليه أن يخلعهما ويغسل قدميه ثم يلبسهما على الوضوء والشرط الثاني: أن يكون المسح في الحدث الأصغر دون الأكبر لحديث صفوان بن عسال قال (إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) فقال (إلا من جنابة) فالجنابة لابد فيها من خلع الخفين وغسل الرجلين لأن الجنابة لا يمسح فيها إلا للضرورة وذلك بأن يكون على الإنسان جبيرة إما جبس أو لزقة أو دواء فهذا يمسح في الحدث الأصغر والأكبر أما ما سوى الضرورة فإنه لا مسح في طهارة الجنابة. الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة التي رخص فيها الشارع بالمسح وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فمن مسح بعد انتهاء المدة لم يصح وضوؤه ويجب إذا تمت المدة وأراد الإنسان أن يتوضأ أن يخلعهما ويتوضأ ويغسل قدميه وابتداء المدة يكون من أول مرة مسح بعد الحدث لا من اللبس ولا من الحدث ولكن من أول مرة مسح بعد الحدث مثال ذلك لو أن رجلًا توضأ لصلاة الفجر يوم الاثنين ولبس الخفين وبقي على طهارته إلى الليل ثم نام وقام لصلاة الفجر وتوضأ ومسح فابتداء المدة هنا من مسحه لصلاة الفجر يوم الثلاثاء فتكون المدة التي مضت قبل المسح غير معدودة عليه لأن المدة تبتدئ من أول مرة مسح بعد الحدث ولو أنه توضأ لفجر يوم الاثنين ولبس الخفين وبعد ارتفاع الشمس أحدث ولكن لم يتوضأ حتى أذن الظهر فتوضأ الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الاثنين فهنا يمسح إلى ما قبل الثانية عشرة من يوم الثلاثاء ونحن قلنا إنه أحدث قبل الزوال في يوم الاثنين فهنا نقول المدة تبدأ من وقت المسح من الثانية عشرة وله أن يمسح إلى الثانية عشرة إلا دقيقة واحدة من اليوم الثاني وكذلك يقال في المسافر إنه تبتدئ مدته من أول مرة مسح بعد الحدث وهناك شروط أخرى اختلف فيها العلماء ﵏ هل هي شرط أو ليست بشرط؟ فلنضرب عنها صفحًا. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ حدثونا عن المسح على الخفين عن كيفيته ومدته؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية المسح على الخفين أن يمسح الإنسان من أطراف الأصابع إلى الساق ظاهر الخفين لا باطنهما ولكن يشترط للمسح على الخفين شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة فإن لم يلبسهما على طهارة لم يصح المسح عليهما لقول النبي ﵌ حين أراد المغيرة بن شعبة أن ينزع خفيه قال (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) ثم مسح عليهما والشرط الثاني: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول مسحة مسحها بعد الحدث فلو قُدِّرَ أن رجلا مقيما لبس خفيه لصلاة الفجر ولم يمسح عليهما من الحدث إلا لصلاة العشاء أي بقي كل يومه طاهرا فإن مدته تبتدئ من مسحه عند صلاة العشاء لا من لبسه للخفين والمهم أنه لابد أن يكون المسح في المدة المحددة وهي ثلاثة أيام للمسافر ويوم وليلة للمقيم. الشرط الثالث أن يكون ذلك في الحدث الأصغر وهو ما أوجب الوضوء فأما الحدث الأكبر وهو ما أوجب الغسل فإنه لا يمسح فيه على الخفين لحديث صفوان بن عسَّال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﵌ أن لا ننزع خفافنا إذا كنا سفرًا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . ***
ما هي مدة المسح على الخفين للمقيم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مدته يوم وليلة أربعٌ وعشرون ساعة تبتدئ هذه المدة من أول مرةٍ مسح إلى دورها من اليوم الثاني فإذا مسح في تمام الساعة الثانية عشرة من اليوم فإنه له أن يمسح إلى تمام الساعة الثانية عشرة من اليوم الذي يليه وإذا مسح قبل انتهاء المدة وبقي على طهره فإنه إذا انتهت المدة وهو على طهره فإنه لا ينتقض وضوؤه ويبقى على وضوئه حتى ينتقض بناقضٍ معلوم. فضيلة الشيخ: إذًا المدة التي قبل المسح لا يُعتدُّ بها كأن يتوضأ مثلًا للفجر ويستمر على طهارته الظهر والعصر والمغرب ثم يتوضأ للعشاء الآخرة تبدأ المدة من العشاء الآخرة لمدة أربع وعشرين ساعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وأقول لك أيضًا لو فرض أنه صلَّى العشاء الآخرة بوضوء الفجر ولم يمسح إلا الفجر من اليوم الثاني فإن المدة تبتدئ من الفجر من اليوم الثاني ولنفرض أنه قبل زمن بداية المسح من اليوم الثالث مسح قبل انتهاء المدة وبقي على طهارته إلى العشاء من الليلة الثالثة أو الرابعة فإن ذلك صحيح أيضًا ولهذا يخطئ بعض العوام الذين يقولون الذي يلبس الخفين يصلى فيهما خمسة أوقات، والصحيح أنه ربما يصلى أكثر من خمسة أوقات. ***
السائل دحماني رضا يقول بالنسبة للمسح على الخفين للمسافر ثلاثة أيام وللمقيم يومًا وليلة وقد سمعنا حديثًا عن (عمر ﵁ بأن المسافر يمسح أسبوعًا) فهل هذا الأثر صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي ثبت بالسنة أن المسافر يمسح ثلاثة أيامٍ بلياليها فعليك بما صحت به السنة ودع عنك الآراء مهما كان قائلها ما دام عندك أصلٌ من السنة فهو المعتمد وهو الذي تسأل عنه يوم القيامة كما قال الله ﷿ (ويَوْمَ يُنَادِيهِمْ فَيَقُولُ مَاذَا أَجَبْتُمْ الْمُرْسَلِينَ) . ***
يقول السائل إذا صلَّى المسلم فرضًا بعد أن انتهى وقت المسح على الشراب فهل يعيد الصلاة أم ماذا عليه مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يعيد الصلاة لأنه إذا تمت مدة المسح ثم انتقض الوضوء وجب عليه أن يخلع ثم يلبس على طهارة من جديد لأن النبي ﷺ وقت ذلك (بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر) فمثلا إذا قدرنا أنه انتهى وقت المسح قبل الظهر بساعة ثم انتقض وضوءه ومسح ناسيا فعليه أن يتوضأ ويعيد صلاة الظهر وأما إذا انتهت المدة وهو على طهارة فليستمر في طهارته حتى ينقضها يعني يستمر يصلى ولا حرج ولو تمت المدة لأن تمام المدة معناه امتناع المسح من جديد لا انتقاض الوضوء. ***
بارك الله فيكم السائل يقول هل يلزم إعادة الوضوء بعد انتهاء مدة المسح أم يكتفي بغسل الرجلين فقط وإعادة لبس الجوربين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا انتهت مدة المسح فإنه إذا توضأ يجب عليه أن ينزع الجوربين ويتوضأ عند الصلاة وضوءًا كاملًا ولا يجزىء أن يغسل رجليه فقط ويلبس الجوربين لأن من شرط جواز المسح على الجوربين أو الخفين أن يلبسهما على طهارة كاملة. ***
بارك الله فيكم ما صحة المسح على الجوارب وهل لهذه الجوارب شروط إذا كان المسح عليها جائزًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح من أقوال أهل العلم جواز المسح على الجوربين فإنه قد روي عن النبي ﷺ (أنه قد مسح عليهما) ولأن العلة التي من أجلها أبيح المسح على الخفين موجودة في الجوربين فإن العلة في جواز المسح على الخفين مشقة النزع وغسل الرجل بالماء ثم إدخالها في الخف وهذا موجود في الجوربين بل قد يكون نزع الجوربين أشق من نزع الخفين وشروط المسح على الجوربين: الأول: أن يلبسهما على طهارة ودليل ذلك حديث المغيرة بن شعبة ﵁ (أنه كان مع النبي ﷺ في سفر فتوضأ قال المغيرة فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الأكبر لحديث صفوان بن عسال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) الشرط الثالث: أن يكون ذلك في المدة المحددة شرعًا وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وابتداء المدة من أول مسح حصل بعد الحدث وليس من اللبس ولا من الحدث نفسه، نضرب لذلك مثلًا برجل لبس خفيه حين توضأ لصلاة الفجر وأحدث في منتصف الضحى ولم يتوضأ وتوضأ لصلاة الظهر بعد الزوال فإن ابتداء المدة يكون من الوقت الذي مسح فيه لصلاة الظهر أي من بعد الزوال وما قبل ذلك لا يُحتسب من المدة. الشرط الرابع: وهو أن يكون الجوربان أو الخفان طاهرتين فإن كانتا نجستين فإنه لا يمكن المسح عليهما وذلك لأن الخفين أو الجوربين إذا كانتا نجستين فإن الصلاة فيهما ممنوعة لما ثبت في السنن من أن رسول الله ﷺ (صلَّى بأصحابه ذات يوم في نعاله وفي أثناء الصلاة خلعهما فخلع الناس نعالهم فلما انصرف من صلاته سألهم ما بالهم خلعوا نعالهم قالوا يا رسول الله رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا قال فإن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما قذرًا) وهذا يدل على أنه لا تجوز الصلاة في نعل فيه قذر والخف مثله وعلى هذا فلا بد أن تكون الجوربان أو الخفان طاهرتين فهذه أربعة شروط وهناك شروط اختلف فيها العلماء ﵏ ولكن كل شرط لا يثبت بدليل من الكتاب والسنة أو إجماع فإنه لا عبرة به. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل هل يجوز المسح على الجوربين في الوضوء وهل له شروط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز المسح على الجوربين بشروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة. والشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة لأن الجنابة لا يُمسح فيها إلا على الجبيرة. والشرط الثالث: أن يكون في المدة المحددة شرعا وهي للمقيم يوم وليلة وللمسافر ثلاثة أيام بلياليها تبتدئ هذه المدة من أول مسحة بعد الحدث مثال ذلك لو أن رجلا لبس الجوربين من صلاة الفجر بعد أن تطهر لصلاة الفجر ولم يمسح إلا لصلاة الظهر فإن المدة تبتدئ من صلاة الظهر لأن ما قبل المسحة الأولى بعد الحدث لا يحسب من المدة وإذا تمت المدة والإنسان على طهارة بقي على طهارته حتى تنتقض فإذا انتقضت فليتوضأ من جديد ويغسل رجليه. ***
ما الحكم في المسح على الجوارب أثناء الوضوء وخصوصًا عند ما يكون الإنسان في عمل أجير عند الغير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الجوارب سنة إذا لبسها الإنسان على طهارة ولم يحصل عليه غسل وكان ذلك في المدة المحددة شرعًا وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا كان على الإنسان جوارب لبسها على طهارة فإنه يمسحها بدلًا عن غسل الرجلين لكن في المدة المحددة فقط وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام ولياليها للمسافر وفي الحدث الأصغر فقط وإذا تمت مدة المسح والإنسان على طهارة فإن طهارته باقية لا تنتقض بتمام المدة لأن النبي ﷺ إنما وقت المسح ولم يوقت الطهارة لكنه لا يسمح بعد تمام المدة لأن ما خرج عن الحد الشرعي فهو مردود على فاعله قال النبي ﵊ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) . ***
هذه رسالة وردت من م. م. م. من حوطة بني تميم يقول كثير من الناس يمسحون في الوضوء على الكندرة فما الحكم في هذا أفيدونا جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن المسح على الكندرة أو على الشراب مستحب، ولكن لابد فيه من أن يوضع على طهارة، وأن يكون في المدة المحددة، وأن لا يكون على الإنسان غسل، لأن مسح الكندرة أو الشراب يختص بالحدث الأصغر فإذا تمت هذه الشروط الثلاثة وكان الممسوح عليه طاهرًا، فالمسح عليه سنة، لأن الرسول ﷺ حين توضأ فأراد المغيرة بن شعبة ﵁ أن ينزع خفيه (قال: دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ومسح عليهما) . ***
المستمعات طالبات من ثانوية تحفيظ القرآن بالمدينة المنورة يسألن ما الدليل على المسح على الشراب لا على الخفين حيث إن كثيرًا من الناس ينكر ذلك بحجة أن الدليل ورد في المسح على الخفين ولم يرد في المسح على الشراب وهل يلزم عند المسح على الشراب أن لا يصل الماء إلى البشرة نرجو من فضيلة الشيخ إجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا: المسح على الخفين سنة بمعنى أنه لو كان على الإنسان خفان وتوضأ وأراد أن يخلعهما ثم يغسل قدميه لم يكن آثما بذلك لكنه مخالف للسنة لأن النبي ﷺ توضأ وعليه خفان فأراد المغيرة بن شعبة أن ينزع خفيه فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين فمسح عليهما) ثانيًا: المسح على الجوارب وهي الشراب قد ورد فيه حديث عن رسول الله ﷺ وصح عن غير واحد من الصحابة أنه مسح على الجوارب ولو قدرنا أنه ليس فيه سنة عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولا أثر عن الصحابة فإن القياس الصحيح الجلي يقتضي جواز المسح على الجوربين - أي الشراب - وذلك لأننا نعلم أن الحكمة من جواز المسح على الخفين هي المشقة التي تحصل بخلعهما عند الوضوء ثم غسل الرجل ثم إدخالها وهي رطبة فإن في ذلك مشقة من جهة النزع واللبس ومن جهة إدخال الرجل وهي رطبة وهذه الحكمة المعقولة الواضحة تكون تماما في الجوربين فإن في نزعهما مشقة وفي إدخالهما والرجل رطبة مشقة أخرى لذلك نرى أن النص والنظر كلاهما يدل على جواز المسح على الجوربين ولكن هل يشترط في الجوربين أي الشراب أن يكونا صفيقين بحيث لا يرى من ورائهما الجلد أو لا يشترط؟ هذا محل خلاف بين العلماء منهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين لا يصفان البشرة وإنه عليهما لو حصل خرق ولو يسير كمبطٍ فإنه لا يجوز المسح عليها ومنهم من قال يشترط أن يكونا ثخينين يمنعان وصول الماء إلى الرجل وإن لم يكونا ساترين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين إذا كانا من النايلون الشفاف ومنهم من قال لا يشترط ذلك كله وأنه يجوز المسح على الجوربين الرقيقين ولو كان يرى من ورائهما الجلد ولو كانا يمكن أن يمضي الماء منهما إلى القدم وهذا القول هو الصحيح لأنه لا دليل على الاشتراط والحكمة من جواز المسح موجودة في الرقيقين كما هي موجودة في الثخينين وعلى هذا فيجوز المسح على الجوربين الخفيفين كما يجوز على الجوربين الثخينين. ***
بارك الله فيكم المسمع منجاد من حائل يقول إنه يعاني من تشقق في مؤخرة قدمه من أثر الوضوء فلبس شرابا خفيفا ومسح عليه يومًا وليلة أو أقل بما في ذلك صلاة الفجر يقول بعد ما أصحو من النوم وأتوضأ وأمسح عليه مرة واحدة علمًا بأن مدة المسح لم تنته فما رأيكم حول هذا والله يرعاكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن هذا العمل جائز ولا بأس به أن الإنسان يلبس الجوارب إما للتدفئة وإما لغرض آخر وهذا الرجل مادام لا يمسح على هذه الجوارب إلا في المدة التي قدرها النبي ﵊ وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإنه قد أتى معروفًا ولا إنكار عليه فيه هذا. ***
رسالة من السودان عباس حسن يقول ما حكم من يتوضأ ويمسح على الشراب الذي يلبسه في رجليه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضوء الإنسان إذا كان عليه جوارب أو خُفَّان فَمَسَحَهُمَا أنَّ وضوءه صحيح وصلاته صحيحة لكن بشرط أن يلبس هذه الجوارب أو الخفين على طهارة وأن يكون المسح في الطهارة الصغرى دون الجنابة وأن يكون في الوقت المحدد شرعا وهو يوم وليلة من أول مرة مسح للمقيم وثلاثة أيام بلياليها من أول مرة مسح للمسافر فإذا مسح الجوارب أو الخفين على الوجه المشروع فإنه يصلى فيهما ما شاء من فروض ونوافل إلى أن تنتهي المدة. ***
يقول السائل ما كيفية المسح على الشُّرَّاب وهل يجوز المسح على الشراب عند القيام من النوم للصلاة وما هي المدة وجهونا في ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: كيفية المسح على الشراب أن يبل الإنسان يديه بالماء ثم يمسح من أطراف الأصابع إلى الساق يمر بيده مرة واحدة من أطراف الأصابع إلى الساق ثم إن شاء مسح اليمنى قبل اليسرى وإن شاء مسحهما جميعا لأن السنة في ذلك محتملة لهذا ولهذا والأمر في ذلك واسع ولا يكرر المسح لأن القاعدة عند الفقهاء ﵏ أن كل شيء ممسوح فإنه لا يسن تكرار المسح عليه لأن طهارته مخففة فينبغي أن يكون مخفَّفًا في الكيف ومخفَّفًا في الكم. وأما المسح على الشراب عند القيام من النوم فنقول ما دامت المدة باقية فامسح حتى تنتهي والمدة يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا كان مقيما ومسح أول مرة في الساعة الثانية عشرة من ظهر يوم الأربعاء فله أن يمسح إلى قبيل الساعة الثانية عشرة من يوم الخميس يعني أربعا وعشرين ساعة سواء نام أم لم ينم وإذا تمت المدة وهو على طهارة بقي على طهارته حتى تنتقض ولكنه لا يمسح بعد تمام المدة بل عليه إذا أراد أن يتوضأ أن يخلع الجوارب وأن يتوضأ وضوءًا كاملًا بغسل القدمين. ***
هل يجوز للمصلى أن يتوضأ بدون غسل رجله والمسح على النعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء لا بد فيه من أن يغسل الإنسان وجهه ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وأن يغسل يديه من أطراف أصابعه إلى المرفقين وأن يمسح بجميع رأسه وبأذنيه وأن يغسل رجليه فإذا لم تتم هذه الطهارة على هذا الوجه فإنها طهارةٌ غير صحيحة ولا تصح بها الصلاة وأما المسح على النعل فإنه لا يجوز المسح على النعل بل لا بد من خلع النعل وغسل الرجل أما الخف وهو ما يستر الرجل فإنه يجوز المسح عليه سواءٌ كان من جلد أو من قطن أو من صوف أو من غيرها بشرط أن يكون مما يحل لبسه أما إذا كان مما يحرم لبسه كالحرير على الرجل يعني لو لبس جِرابًا من الحرير فإنه لا يجوز له أن يمسح عليه لأنه محرمٌ عليه لبسه فإذا كان مباحًا جاز المسح عليه إذا لبسه على طهارة وكانت المدة المقررة شرعًا وهي يومٌ وليلة للمقيم وثلاثة أيامٍ بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول يومٍ مسح وتنتهي بتمام أربعٍ وعشرين ساعة بالنسبة للمقيم واثنتين وسبعين ساعة بالنسبة للمسافر. ***
بارك الله فيكم المستمع سعد يسأل ويقول هناك من يقول بجواز المسح على كل خف سواء كان مخرقًا أو ممزقًا وسواء أمكن متابعة المشي فيه أم لا، بل لو كان على قدميه لفافة لجاز المسح على ذلك كله وحجتهم أن النبي ﷺ رخص للمسلمين في مسح الخفين في أحاديث كثيرة ليس في شيء منها افتراض سلامة الخف من الشق وتأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز نرجو من فضيلة الشيخ بيان مدى صحة هذا القول جزاكم الله خيرًا فأجاب رحمه الله تعالى: إن هذا القول الذي أشار إليه السائل وهو جواز المسح على كل ما لبس على الرجل هو القول الصحيح وذلك أن النصوص الواردة في المسح على الخفين كانت مطلقة غير مقيدة بشروط وما ورد عن الشارع مطلقًا فإنه لا يجوز إلحاق شروط به لأن إلحاق الشروط به تضييق لما وسعه الله ﷿ ورسوله والأصل بقاء المطلق على إطلاقه والعام على عمومه حتى يرد دليل على التقييد أو التخصيص وقد حكى بعض أصحاب الشافعي عن عمر وعلي بن أبي طالب ﵄ جواز المسح على الخف وعلى الجورب الرقيق وهذا يعضد هذا القول الذي أشار إليه السائل وهو جواز المسح على الجوارب الخفيفة الرقيقة وعلى الجوارب المخرقة وكذلك الخف وكذلك على القول الراجح المسح على اللفافة بل إن جواز المسح على اللفافة أولى لمشقة حلها ولَفِّها وهذا هو الذي يتمشى مع قوله ﷿ حين ذكر آية الطهارة في الوضوء والغسل والتيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) . ***
السائل علاء حسين يقول هل يجوز المسح على الخف الممزق أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه يجوز المسح على الخف المخرق وعلى الجورب الخفيف الرهيف الذي تبدو منه البشرة لأنه لا دليل على اشتراط أن لا يكون فيه خرق أو شق أو أن لا يكون خفيفًا ولو كان هذا شرطًا لجاء في الكتاب والسنة والأصل في جواز المسح على الجورب والخف التخفيف على الأمة فإذا اشترطنا شروطًا لا دليل عليها من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم عاد التخفيف تثقيلًا فالصواب جواز المسح على الجورب مادام اسمه باقيًا سواءً كان خفيفًا أم ثقيلًا مخرّقًا أم سليمًا ومن المعلوم أن مدة المسح للمقيم يوم وليلة بشرط أن يلبس على طهارة وأن لا تحصل له جنابة فإن لبس على غير طهارة لم يجز المسح وإن أصابته جنابة وجب عليه الخلع وغسل الرجلين أما المسافر فالمدة في حقه ثلاثة أيام والعبرة بالزمن لا بالصلوات وأما ما اشتهر عند العامة أن المدة خمس صلوات فغلط فالسنة إنما جاءت بيوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر وتبدأ المدة من أول مرة مسح بعد الحدث فلو فرض أن الرجل لبس الجورب حين توضأ لصلاة الفجر من يوم الأحد وبقي على طهارته كل اليوم ومسح أول مرة لصلاة الفجر يوم الاثنين فابتداء المدة يكون من المسح يوم الاثنين لأن ما قبل المسح لا يعتبر من المدة ولا يحسب من المدة. ***
بارك الله فيكم السائل يقول هل يجوز المسح على الشُّرَّاب ولو كان رقيقا أو به قطع بسيط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز المسح على الشُّرَّاب وإن كان خفيفا وإن كان به خروق لأنه لم يرد عن النبي ﷺ أنه يشترط أن يكون صفيقا وألا يكون فيه خروق بل كل ما سُمّي جوربًا أو خفًا جاز المسح عليه على أي صفة كان وعلى أي حالة كان لكن ليُعلم أن المسح على ذلك لابد فيه من شروط: الشرط الأول: أن يلبسه على طهارة ودليل ذلك (حديث المغيرة بن شعبة أنه أهوى لينزع خفي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين) يعني أنه أدخلهما على طهارة، الشرط الثاني: أن يكون ذلك في الحدث الأصغر لا في الجنابة ونحوها لحديث صفوان بن عسال ﵁ قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرا ألا ننزع خفافنا ثلاثة أيام ولياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . الشرط الثالث: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر، وابتداء المدة من أول مرة مسح بعد الحدث وانتهاؤها معلوم مما ذكرنا فهي أي المدة أربع وعشرون ساعة للمقيم واثنتان وسبعون ساعة للمسافر ففي هذه المدة يمسح الإنسان لكن كما قلنا في الحدث الأصغر دون الأكبر لأن الأكبر لابد فيه من غسل البدن ومنه القدمان. ***
ما حكم لبس الجورب اليمين قبل غسل الرجل اليسرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس به يعني لا بأس أن يلبس الجورب في الرجل اليمنى قبل غسل الرجل اليسرى ولكن اختلف العلماء في هذه الحال هل يمسح عليهما إذا لبسهما وتوضأ بعد ذلك أو لا يمسح، فيه خلاف بين العلماء ولا شك أن الاحتياط أن ينتظر الإنسان حتى يغسل الرجل اليسرى ثم يلبس بعد كمال الوضوء تمامًا. ***
كيف يكون المسح على الشُّرَّاب هل نبدأ بالمسح على الرجل اليمنى ثم اليسرى أو نمسح عليهما معًا بكلتا اليدين ولا بأس في ذلك علمًا أن هذا هو عمل الناس اليوم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن المسح على الخفين كالمسح على الأذنين أنه يمسحهما مرة واحدة أي جميعًا بدون أن يقدم اليمنى على اليسرى فيمسح الرجل اليمنى باليد اليمنى والرجل اليسرى باليد اليسرى كما أنه يمسح الأذنين كذلك دفعة واحدة والراجح عندي أنه يمسح الرجل اليمنى قبل اليسرى وذلك لأن مسح الرجلين قائم مقام غسلهما وهما عضوان كل عضو مستقل عن الآخر وإذا كان المسح بدلًا عن الْغَسل والْغَسل يشرع فيه تقديم اليمنى على اليسرى فإن البدل يكون له حكم المبدل ولا يصح قياسهما على الأذنين لأن (الأذنين من الرأس) وهما عضو واحد وكما أن الرجل إذا مسح على رأسه يمر بيديه عليه ويكون مسحه لجانب الرأس الأيمن والأيسر دفعة واحدة كذلك أيضًا المسح على الأذنين يكون دفعة واحدة لأنهما من الرأس وأما الرجلان فإنهما عضوان كل عضو مستقل عن الآخر فيكون لكل عضو حكمه وقد (كان رسول الله ﷺ يعجبه التيامن في تنعله وترجله وطهوره وفي شأنه كله) . ***
يقول السائل مَنْ لبس الجوربين على طهارة كاملة ثم أحدث ولبس جوربًا آخر هل يمسح على الأعلى ثم الأسفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس جوربًا على طهارة ثم لبس فوقه آخر على طهارة بمعنى أنه لبس الجورب لصلاة الفجر ثم عند صلاة المغرب وجد أنه محتاج إلى جورب آخر فتطهر لصلاة المغرب ومسح على الجورب الأول ثم لبس الجورب الثاني فوقه فإنه يمسح لصلاة العشاء على الجورب الأعلى ولا يمسح على الأسفل ولكن هذا المسح مبني على مسح الجورب الأول بمعنى أنه إذا تم يوم وليلة من مسحه على الجورب الأول انتهت مدة المسح إن كان مقيمًا وثلاثة أيام إن كان مسافرًا ولا يحتسب المدة من مسحه على الجورب الأعلى لأن الجورب الأعلى فرع عن الجورب الأسفل وأما مسح الجوربين جميعًا فليس بمشروع. ***
رَجُلٌ مسح على خفيه أو على الجوارب ثم نسي بعد ذلك ونزعهما دون أن ينتقض وضوؤه فهل عليه غسل رجليه أم الوضوء كاملًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مسح الإنسان على خفيه في الوقت المحدد شرعًا وهو يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر فإذا مسح على الخف ثم نزعه بعد المسح عليه فإن طهارته لا تنتقض بل هو باقٍ على طهارته وذلك لأن نقض الطهارة بخلع الخف يحتاج إلى دليل وليس في السنة بل ولا في القرآن أيضًا ما يدل على أن خلع الخف ينقض الوضوء فإذا لم يكن هناك دليل على أن خلع الخف ينقض الوضوء فالأصل بقاء الطهارة لأن الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي فلا يمكن أن تنتقض إلا بدليل شرعي ولا دليل في المسألة ومع أن الذي عَلَّلَ به بعض الذين يقولون بأنه إذا خلع ما مسح عليه انتقض وضوؤه ما عللوا به من أن الممسوح عليه قد زال نقول الجواب عنه أن المسوح عليه كان مسحه فرعًا عن غسل الرِّجل وكان مسحه يعتبر تطهيرًا للرِّجل لأنه قام مقام الغسل فإذا كان فرعًا عن طهارة غسل الرِّجل فإن الرِّجل مازالت باقية والحدث عنها قد ارتفع بمسح الخف الذي كان عليها وعلى هذا فلا تأثير لخلع الخف ثم إن هناك قياسًا بيِّنًا فيما لو مسح الرجل رأسه ثم حلقه بعد مسحه فإن طهارته لا تنتقض مع أن الشعر الذي كان ممسوحًا قد زال ومع ذلك فإن طهارته لا تنتقض ولا فرق بين هذا وهذا والقول بأن هذا أي مسح الرأس أصلى ومسح الخفين بدل لا تأثير له في الأمر لأن العلة الموجبة للنقض على قول من يقول به هي أن الممسوح قد زال وهو حاصل فيما إذا حلق رأسه بعد مسحه ومع ذلك فإننا لا نقول بانتقاض طهارته فيما إذا حلق رأسه بعد مسحه فكذلك لا نقول بانتقاض طهارته فيما إذا خلع خفه بعد مسحه. فضيلة الشيخ: لكن إذا كان المسح فرعًا من غسل الرجل وزال الفرع بانت الرجل وانكشفت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لكنها بانت بعد أن تمت الطهارة فإنه لما مسح تمت الطهارة الآن وتمام الطهارة معناه أنه لا يمكن أن يزول هذا التمام إلا بوجود دليل شرعي. فضيلة الشيخ: إذًا لو انشق الجورب مثلًا بعد مسحه وبانت الرجل فلا شيء عليه في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. فضيلة الشيخ: ولو مسح على الخف ثم صلى بالشّراب لا بأس به أيضًا أي مسح على الكندرة وخلعها وصلى بالشراب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا مسح على الكندرة ثم خلعها فلا حرج عليه ولكنه في هذه الحال ما يمكن أن يعيد الكندرة إلا بعد غسل رجله لو أراد أن يتوضأ مرة ثانية وذلك لأن الإنسان إذا خلع الممسوح فإنه لا يمكن أن يعاد هذا الممسوح إلا على طهارة بالماء فضيلة الشيخ: يعني لابد من نزع الشُّرَّاب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لابد من نزع الشُّرّاب ما دام أنه كان يمسح على الكنادر أما لو كان يمسح على الشُّرّاب من الأصل من أول مرة فلا حرج عليه فيما إذا خلع الكنادر أو أبقاها. فضيلة الشيخ: هذه الظاهر أنها غير مفهومة كونه مثلًا خلع الكندرة وعليه الشراب وقد مسح على الكندرة ثم صلى هذا الوقت بالشراب ثم جاء وقت آخر وقد لبس الكندرة على الشراب لأنه خرج من المسجد ثم مسح فهل له أن يمسح على الشراب بدون غسل الرجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يمسح لا على الشراب ولا على الكندرة لأنا قلنا إنه إذا خلع الممسوح فإنه لا يمكن أن يُعاد هذا الممسوح إلا على طهارة. طهارة بالماء فإذا كان كذلك فإنه يلزم من نزع الممسوح ألا يلبسه وإلا على طهارة بماء. فضيلة الشيخ: إذًا إذا كان المسلم يريد أن يبقي الشراب والكنادر على رجليه فعليه أن ينزع الكنادر ويمسح على الشراب باستمرار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من أول الأمر. ***
أحسن الله إليكم أبو عوضة من عسير يقول إذا لبست الخفين ثم خلعتهما عند النوم وعند الفجر لبستهما ومسحت عليهما ومدة المسح عليهما لم تنته فهل هذا جائز؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بجائز لأن الإنسان إذا مسح الخف ثم خلعه بعد مسحه فإنه لا يعيد المسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملًا يغسل فيه رجليه ثم يلبس الخف من جديد وعلى هذا فمن كان يعتاد أن يخلع خفه عند النوم أو عند دخول المسجد أو عند دخول المجالس فإنه يمسح على الجورب الذي تحته حتى يكون في سعه. ***
السائل محمد أحمد مصري ومقيم بالرياض يقول إذا تطهر الرجل ثم لبس الجوارب ثم أحدث ثم توضأ مرة أخرى ومسح على الجوارب ثم خلع الجورب ولبسه مرة أخرى فهل يصلى بذلك الوضوء أي الثاني وكذلك هل يمسح على الجورب إذا أراد الطهارة لصلاة أخرى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لبس الإنسان الجورب ثم أحدث ومسحه تمت طهارته فإذا خلعه بعد المسح فهو باق على طهارته يُصلى ما شاء حتى ينتقض وضوؤه فإذا أنتقض وضوؤه فإنه لا يحل له أن يلبس الجورب مرة ثانية إلا بعد الوضوء وضوءًا كاملًا يغسل فيه القدمين وأُعطي السائل والمستمعين قاعدة مفيدة وهي أنه متى خلع ما مسحه من جورب أو خف فإنه لا يعيده مرة أخرى إلا بعد أن يتوضأ وضوءا كاملا يغسل فيه القدمين وعلى هذا نقول إذا خلع الجورب الذي مسحه أو الخف الذي مسحه وهو على طهارة فإنه يبقى على طهارته ولا تبطل الطهارة بهذا الخلع لكن يبطل المسح بمعنى أنه لا يمكن أن يعيده فيمسح عليه إلا بعد أن يتوضأ وضوءًا كاملا يغسل فيه القدمين. ***
بارك الله فيكم يقول السائل لبست الجوارب وعند الوضوء نسيت هل لبستهما على طهارة أم لا فماذا عليَّ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليك أن تخلعهما وأن تغسل قدميك وذلك لأن هذا شك في وجود الشرط والأصل عدم الوجود فلا يحل لك أن تمسح على الجوارب وأنت في شك هل لبستهما على طهارة أم لا، والمسح على الخفين جائز بكتاب الله وسنة رسوله ﷺ أما في كتاب الله ففي قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) على قراءة الجر لأن في قوله (وَأَرْجُلَكُمْ) قراءتين قراءة بالنصب (وَأَرْجُلَكُمْ) فتكون معطوفة على قوله (وُجُوهَكُمْ) وتكون حينئذٍ مغسولة وقراءة بالجر (وَأَرْجُلِكُمْ) وحينئذٍ تكون معطوفة على قوله (بِرُءُوسِكُمْ) فتكون ممسوحة وقد بينت السنة متى يكون مسح الرِّجل ومتى يكون غسلها فيكون غسلها إذا كانت مكشوفة ويكون مسحها إذا كانت مستورة بالجوارب أو الخفين والسنة قد تواترت بذلك عن النبي ﷺ من قوله وفعله وممن روى ذلك عنه علي بن أبي طالب ﵁ وقد قال بعض العلماء بيتين يعد فيهما بعض ما تواتر عن النبي ﷺ من السنة فقال: مما تواتر حديث من كذب..... ومن بنى لله بيتًا واحتسب ورؤية شفاعة والحوض..... ومسح خفين وهذي بعض قال الإمام أحمد ﵀ (ليس في قلبي من المسح شيء فيه أربعون حديثا عن النبي ﷺ وأصحابه) ولكن لا بد لجواز المسح من شروط: الشرط الأول: أن يلبسهما على طهارة لقول المغيرة بن شعبة ﵁ (كنت مع النبي ﷺ في سفر فتوضأ فأهويت لأنزع خفيه فقال دعهما فإني أدخلتهما طاهرتين ثم مسح عليهما) فلو لبسهما على غير طهارة فإنه لا يجوز المسح عليهما. والشرط الثاني: أن يكون المسح في المدة المحددة وهي يوم وليلة للمقيم وثلاثة أيام بلياليها للمسافر وتبتدئ هذه المدة من أول مرة مسح بعد الحدث ولا تبتدئ من اللبس ولا من الحدث بعد اللبس حتى يمسح لأن النبي ﷺ وقَّت المسح فقال (يمسح المقيم يومًا وليلة والمسافر ثلاثة أيام) يعني في مسح الخفين ولا يتحقق المسح إلا بفعله وعلى هذا فلو أن أحدًا توضأ لصلاة الفجر ولبس الخفين أو الجوربين ثم أحدث قبل الظهر بساعتين ولم يتوضأ ثم توضأ لصلاة الظهر فإن ابتداء المدة من الوضوء لا من الحدث الذي قبل الظهر بساعتين ولو قُدِّر أنه توضأ لصلاة الفجر ولبس خفيه أو جوربيه وبقي على طهارته إلى صلاة العشاء ثم نام ولم يتوضأ ثم قام لصلاة الفجر من اليوم الثاني ومسح فإن ابتداء المدة يكون من فجر اليوم الثاني. والقاعدة في هذا أن المدة التي تسبق المسح أول مرة لا تحسب من المدة وبهذا نعرف أن ما اشتهر عند العامة من تقييد المدة بخمس صلوات ليس مبنيًا على أصل صحيح لأن المثال الثاني الذي ذكرناه قد مضى على هذا الرجل اللابس أربع صلوات الظهر والعصر والمغرب والعشاء وكلها لا تحسب من المدة وسيكون ابتداء المدة من المسح لصلاة الفجر من اليوم الثاني. أما الشرط الثالث: فهو أن يكون المسح في الحدث الأصغر أي في الوضوء لا في الغسل من الجنابة أو غيرها من موجبات الغسل ودليل ذلك حديث صفوان بن عسَّال ﵁ أن النبي ﷺ (أمرهم أن يمسحوا يومًا وليلة للمقيم وثلاثة أيام للمسافر وألا ينزعوا خفافهم إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) . الشرط الرابع: طهارة الخف أو الجورب فلو لبس خفًا مصنوعًا من شيء نجس كجلد الحيوان النجس فإنه لا يمسح عليه هذه الشروط الأربعة التي لا بد من تحققها لجواز المسح على الخف أو الجورب. وأما الخروق التي تكون في الجورب فإنها لا تضر مادام اسم الجورب باقيًا وذلك لأنه لا دليل على اشتراط ذلك ولأن السلامة منها قد تكون نادرة أو قليلة ولأن كل شرط يضاف إلى عمل من الأعمال فإنه يضيقه ويقيده وما كان كذلك فإنه لا بد فيه من دليل عن الشارع وليس هناك دليل يدل على اشتراط ألا يكون الجورب أو الخف مخرقًا وإذا لم يدل دليل على ذلك فإن الواجب إطلاق ما أطلقه الله ورسوله لئلا نضيق على عباد الله فيما يسره الله لهم وإذا تمت مدة المسح فإنه لا يجوز للإنسان أن يمسح بعد تمامها فإن مسح ولو ناسيًا فإن وضوءه لا يصح لأنه مسح على وجه ليس عليه أمر الله ورسوله وقد قال النبي ﷺ (من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد) ولكن طهارته التي تمت قبل انقضاء المدة تبقى كما هي ولا تنتقض بانتهاء المدة مادام لم يحدث بعد انتهاء المدة فيصلى بطهارته ما شاء من فروض ونوافل ويفعل جميع ما يفعله من كان على طهارة لأن الطهارة التي سبقت انتهاء المدة تمت على وجه شرعي وما تم على وجه شرعي فإنه لا يجوز نقضه أو إفساده إلا بدليل شرعي وبناءً على هذه القاعدة يتبين أيضًا أن الإنسان لو مسح على الجورب في أثناء المدة ثم خلعه فإن طهارته لا تنتقض أيضًا بل يبقى على طهارته حتى يحدث وإذا أحدث فلا بد من غسل رجليه مع وضوئه وذلك لأن هذا الذي خلع ما مسحه من الجوربين أو الخفين قد تمت طهارته قبل الخلع بمقتضى الدليل الشرعي وما تم بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا يجوز إفساده أو إبطاله إلا بدليل شرعي. ***
يقول السائل لي عم موظف ودائمًا أنا معه في خصام لأنه أحيانًا يمسح على ناصيته وعلى الغترة لأنه لابس العقال عليها ولا يدخل يده تحت الطاقية فهل هو على حق أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس على حق بل الواجب عليه مسح الرأس لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) وكان النبي ﵊ (يمسح على جميع رأسه من مقدمه إلى قفاه ثم يرد يديه) ولكنه ﵊ إذا كان عليه عمامة مسح على ناصيته وعمامته ولا يدخل يده من تحت العمامة لأن العمامة كما هو معروف ليّات متعددة يلويها الإنسان على رأسه ففي حلها نوع من المشقة بخلاف العقال والغترة والطاقية فإنه ليس فيها شيء من المشقة فيما لو أدخل يده ومسح على رأسه وعلى هذا فلا يقاس العقال والغترة والطاقية على العمامة التي كان الرسول ﵊ يمسح عليها لما بينهما من الفرق نعم يقاس عليها بعض القبوعة والقبوعة يلبسها الناس في أيام الشتاء تكون شاملة للرأس كله ولها طوق من تحت الحنك فهذه فيها مشقة في نزعها ثم في نزعها في البرد بعد دفء الرأس بها غالبًا ما يكون عرضة للتأثر لذلك يجوز أن يمسح الإنسان على هذه القبوعة لما فيها من المشقة مشقة النزع والتعرض للمرض بخلعها في حال الدفء ثم يَهِبُّ بها الهواء فيتأثر. فضيلة الشيخ: في كثير من الدول الإسلامية وبالأخص السودان يعملون عمامة قريبة أو شبيهه بعمامة الرسول ﷺ لأنهم كانوا يلفونها لفًا على الرأس وتزيد على المترين طولها فيجوز لهم أن يمسحوا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لهم أن يمسحوا عليها بلا شك. ***
أحسن الله إليكم أم معاذ من الرياض تسأل وتقول عن الوضوء عند المسح على الشعر إذا كان عليه حناء هل يجوز ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تمسح المرأة على رأسها ولو كان مغطىً بالحناء لأن (النبي ﷺ كان إذا أحرم بالحج لبد رأسه) ومن المعلوم أنه يتوضأ ويمسح عليه. ***
بارك الله فيكم ما حكم المسح على الجبيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المسح على الجبيرة جائز على القول الراجح والجبيرة هي ما يوضع على الكسر أو على الجرح أو نحوه من لفائف ولكن يجب أن نعلم أن الجبيرة لا يجوز أن تتعدى موضع الحاجة وهي ما يحتاج فيه إلى شدها ولو تجاوز محل الألم أو الكسر المهم أن يقال إن الجبيرة في حاجة إلى هذه اللفافة وتختلف الجبيرة عن المسح على الخفين: بأن مسحها ضرورة يعني لا يجوز إلا للضرورة. وأنه لا يشترط أن يلبسها على طهارة. وأنه ليس لها مدة. وأنه يجوز المسح عليها في الحدث الأصغر والأكبر. وأن المسح يعم جميعها إذا كانت في محل ما يجب تطهيره فإن كانت في محل بعضه يجب تطهيره وبعضه لا يجب مثل أن تكون الجبيرة في المرفق ضَافِيَةً على العضد والذراع فما كان في مكان التطهير فإنه يمسح عليه وما زاد عليه فإنه لا يمسح فلا فيجب المسح على الجبيرة جميعها أما في الخف أو الجورب فإنما يمسح أكثر ظاهره وكيفية مسحه أعني مسح الخف والجورب أن تبل يديك بالماء ثم تمرهما على ظاهر الخف أو الجورب من الأصابع إلى الساق ولا يمسح أسفله ولا يمسح عقبه فعن علي ﵁ أنه قال (لو كان الدين بالرأي لكان أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه وقد رأيت النبي ﷺ يمسح أعلى الخف) وقوله ﵁ (لو كان الدين بالرأي) يعني بالرأي المجرد بدون نظر وتأمل وإلا فإن الإنسان إذا نظر وتأمل في المسح على الخف أو الجورب وجد أن أعلاه أولى بالمسح لأن أسفله يلاقي الأرض ويحمل معه أوساخًا فلو مسح لكان في ذلك زيادة تلويث لأن المسح ليس كالغسل يزيل الأذى والوسخ ولكنه عبادة يفعله الإنسان تأسيًا برسول الله ﷺ فلا يستفيد من مسح أسفل الخف ما يستفيده من مسح أعلاه ولهذا كان الدين موافقًا للعقل تمامًا في أن أعلى الخف أولى بالمسح من أسفله. ***
السائل سوداني ومقيم في جدة يقول في هذا السؤال تعرضت لحرق نار على إصبعي وأنا متوضئ فوضعت عليه اللصقة لصقة جروح ثم توضأت لباقي الصلوات ولمدة خمسة أيام تقريبا وأنا أمسح على اللصقة فقط دون أن يلامس الماء الجرح فهل فعلي صحيح أفيدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الفعل صحيح وذلك أن الإنسان إذا كان على يده لصقة على جرح أو جبس على كسر أو ما أشبهه فإنه يمسح عليه كله حتى يبرأ ولا يشترط أن يلبس ذلك على طهارة لأنه لا دليل على اشتراط لبسه على طهارة بخلاف الجوارب والخفين فإنه لا يمسح عليهما إلا إذا لبسهما على طهارة. ***
باب نواقض الوضوء
المستمع م. ز. خ. من العراق الموصل بعث يقول ما هي نواقض الوضوء التي لو حصل للمتوضئ شيء منها بطل وضوؤه وهل كشف العورة من فوق الركبة من نواقض الوضوء بمعنى لو انكشفت عورة إنسان فوق ركبتيه فهل يلزمه إعادة الوضوء وهل الاستحمام للجسد كله يكفي عن الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال تضمن ثلاثة أسئلة في الواقع ونذكرها لا على التفصيل، أولًا: يقول هل الاستحمام يكفي عن الوضوء؟ نقول الاستحمام إن كان عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإذا كان على الإنسان جنابة وانغمس في بركة أو في نهر أو ما أشبه ذلك ونوى في ذلك رفع الجنابة فإنه يرتفع الحدث عنه الأصغر والأكبر لأن الله تعالى لم يوجب عند الجنابة سوى أن نطهر أي أن نَعُمَّ جميع البدن بالماء غسلًا وإن كان الأفضل للمغتسل عن الجنابة أن يتوضأ أولًا حيث كان النبي ﵊ (يغسل فرجه بعد أن يغسل كفيه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة ثم يفيض الماء على رأسه فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات ثم يغسل باقي جسده) أما إذا كان الاستحمام للتنظف أو التبرد فإنه لا يكفي عن الوضوء لأن ذلك ليس من العبادة وإنما هو من الأمور العادية وإن كان الشرع يأمر بالنظافة لكن النظافة لا على هذا الوجه بل النظافة مطلقًا بأي شيء يحصل به التنظيف وعلى كل حال إذا كان الاستحمام للتبرد أو للنظافة فإنه لا يجزئ عن الوضوء. المسألة الثانية: التي تضمنها السؤال كشف العورة هل ينقض الوضوء؟ والجواب أنه لا ينقض الوضوء حتى لو نظر إليه أحد فإنه لا ينتقض وضوؤه لا هو ولا الناظر وإن كان عند العامة أو عند بعض العامة أن النظر إلى العورة ناقض للوضوء أو أن كشفها ناقض للوضوء فهذا لا أصل له. أما المسألة الثالثة فهي نواقض الوضوء فنقول نواقض الوضوء مما حصل فيه خلاف بين أهل العلم لكن نذكر ما يكون ناقضا بمقتضى الدليل: فمن نواقض الوضوء الخارج من السبيلين أي الخارج من القبل أو الدبر فكل ما خرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض للوضوء سواء كان بولًا أو غائطًا أم مذيًا أم منيًا أم ريحًا كل شيء يخرج من القبل أو الدبر فإنه ناقض الوضوء لكن إذا كان منيًّا وخرج بشهوة فمن المعلوم أنه يوجب الغسل وإذا كان مذيًا فإنه يوجب غسل الذكر والأنثيين مع الوضوء أيضًا ومما ينقض الوضوء أيضًا النوم إذا كان كثيرًا بحيث لا يشعر النائم لو أحدث أما إذا كان النوم يسيرًا يشعر النائم بنفسه لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء ولا فرق في ذلك بين أن يكون نائمًا مضطجعًا أو قاعدًا معتمدًا أو قاعدًا غير معتمد والمهم هو حالة حضور قلبه فإذا كانت هذه الحال بحيث لو أحدث أحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض وإذا كان في حال لو أحدث لم يحس بنفسه فإنه يجب عليه الوضوء وذلك لأن النوم نفسه ليس بناقض وإنما هو مظنة الحدث فإذا كان الحدث منتفيًا لكون الإنسان يشعر به لو حصل منه فإنه لا ينتقض الوضوء والدليل على أن النوم بنفسه ليس بناقض أن يسيره لا ينقض الوضوء ولو كان ناقضًا لنقض يسيره وكثيره كما ينقض البول يسيره وكثيره. ومن نواقض الوضوء أيضًا أكل لحم الجزور أي الناقة أو الجمل فإذا أكل الإنسان لحمًا من لحم جزور الناقة أو الجمل فإنه ينتقض وضوؤه سواء كان نيئًا أم مطبوخًا لأنه ثبت عن رسول الله ﷺ من حديث جابر بن سمرة (أنه سئل ﵊ أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال إن شيءت قال أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فكونه يجعل الوضوء من لحم الغنم راجعًا إلى مشيئة الإنسان دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس براجع إلى مشيئته وأنه لابد منه وعلى هذا فيجب الوضوء من لحم الإبل إذا أكله الإنسان نيئًا كان أم مطبوخًا ولا فرق بين اللحم الأحمر واللحم غير الأحمر فينقض الوضوء أكل الكرش والأمعاء والكبد والقلب والشحم كل شيء داخل في حكم اللحم فإنه ينقض الوضوء وجميع أجزاء البعير ناقض لأن رسول الله ﷺ لم يفصِّل وهو يعلم أن الناس يأكلون من هذا ومن هذا ولو كان الحكم يختلف لكان النبي ﵊ يبينه للناس حتى يكونوا على بصيرة من أمرهم ثم إننا لا نعلم في الشريعة الإسلامية حيوانًا يختلف حكمه بالنسبة لأجزائه فهو أعني الحيوان إما حلال أو حرام وإما موجب للوضوء أو غير موجب وأما أن يكون بعضه له حكم وبعضه له حكم آخر فهذا لا يُعرف في الشريعة الإسلامية وإن كان معروفًا في شريعة اليهود كما قال الله تعالى (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) ولهذا أجمع العلماء على أن شحم الخنزير محرم مع أن الله تعالى لم يذكر في القرآن إلا اللحم فقال (إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ به) ولا أعلم خلافًا بين أهل العلم في أن الشحم - أي شحم الخنزير - محرم وعلى هذا فنقول اللحم المذكور في الحديث بالنسبة للإبل يدخل فيه الشحم ويدخل فيه الأمعاء والكرش ولأن الوضوء من هذه الأجزاء أحوط وأبرأ للذمة فإن الإنسان لو أكل من هذه الأجزاء من الكبد أو الأمعاء أو الكرش لو توضأ وصلى فصلاته صحيحة لكن لو لم يتوضأ وصلَّى فصلاته باطلة عند كثير من أهل العلم وعلى هذا فيكون أحوط وما كان أحوط فإنه أولى لأنه أبرأ للذمة وقد قال النبي ﵊ (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) . ***
من الظهران المستمع ح. س. س. يقول من المعروف أن من نواقض الوضوء الحدث الأصغر والسؤال هو إذا أحدث رجل هل عليه الوضوء فقط أم الوضوء والاستنجاء معًا وإذا أراد الصلاة أو قراءة القرآن ما الحكم في ذلك نرجو الإفادة وما الحكم فيمن يعاني من هذه الغازات إذ أنها تشكل عليه أثناء كل صلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحدث الأصغر هو كل ما يوجب وضوءًا وينقسم إلى أقسام فإن كان الحدث ببولٍ أو غائط وجب فيه الاستنجاء والوضوء وإن كان بغيرهما لم يجب فيه الاستنجاء لأن الاستنجاء إنما يجب لإزالة النجاسة ولا نجاسة إلا في البول والغائط فعلى هذا إذا خرجت الريح من شخص وهو متوضئ فما عليه إلا الوضوء وهو غسل الوجه واليدين ومسح الرأس وغسل الرجلين وليس عليه استنجاء لأنه لم يوجد سببٌ يقتضيه وأما ما يظنه بعض العامة من وجوب الاستنجاء قبل كل وضوء فهذا لا أصل له وأما ما ذكر السائل من الغازات التي تحدث له أثناء صلاته فإن هذه الغازات لا تؤثر شيئًا إذا لم تخرج لأن (النبي ﷺ سئل عن الرجل يجد الشيء في الصلاة؟ فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) يعني حتى يتيقن ذلك تيقنًا محسوسًا إما بسماع الصوت أو بشم الرائحة وأما مجرد الوهم الذي يحصل من الغازات في البطن فإن ذلك لا يؤثر وهذا من رحمة الله ﷾ بعباده أنه لا يرتفع اليقين إلا بيقين فالطهارة المتيقنة لا ترتفع إلا بحدث متيقن وذلك لأن وجود الوضوء بيقين لا يرفعه إلا يقين وكذلك لو شك الإنسان في حدوث حدثٍ دلت عليه النصوص ولم يتيقن أنه حدث معه فإنه لا وضوء عليه وخلاصة الجواب أن نقول من انتقض وضوؤه ببولٍ أو غائط وجب عليه الاستنجاء والوضوء ومن انتقض وضوؤه بحدثٍ غير البول أو الغائط فليس عليه إلا الوضوء فقط وأن من شك وهو في الصلاة أو خارج الصلاة بانتقاض وضوئه لوجود غازاتٍ في بطنه فإنه لا شيء عليه ولا يلزمه الوضوء حتى يتيقن. ***
يقول السائل إذا شرعتُ في الوضوء أحس بوجود ريح فإذا توقفت عن الوضوء لإخراج الريح أحيانًا لا يخرج فهل إذا نويت إبطال الوضوء يبطل الوضوء بالنية أم لا بد من الحدث حقيقة أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا نوى قطع الوضوء فإن وضوءه ينقطع وعليه أن يبتدئه من جديد أما إذا نوى أن يحدث ولكنه لم يحدث فإن هذا نوى فعل محظور فإذا لم يفعل هذا المحظور بقي على ما كان عليه كما لو أن أحدًا يصلى فقُرع عليه الباب فهمّ أن يكلمه ثم عاد من هذا الهم واستمر في صلاته فإنه لا بأس بذلك ولهذا قال العلماء في ضابط هذه المسألة إذا نوى قطع العبادة انقطعت لا إن عزم على فعل محظور فلم يفعله فإنها لا تبطل إلا بفعل هذا المحظور فهذا الرجل الذي عزم على أن يحدث ولم يفعل يبقى على نية الوضوء ويستمر في تكميل وضوؤه فأما إذا نوى قطعه فإنه ينقطع وعليه أن يعيده من جديد قال النبي ﵌ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى) . ***
السائل عبد الله أبو عمرو من الرمثة الأردن يقول فضيلة الشيخ حفظكم الله أنا أعاني من مشكلة تسبب لي الهم وهي أنني وبعد الخروج من الخلاء دورة المياه أجلكم الله أشعر وأحس بنزول قطرات من البول في أثناء الوضوء أو في الصلاة أو قبل ذلك أو بعد ذلك وتستمر إلى نصف ساعة ثم تنقطع هذه القطرات وتجف تماما وأنا مريض بهذا المرض منذ سنوات وقد تعالجت ولكن لم ينفع العلاج وسؤالي يا فضيلة الشيخ هل وضوئي وصلاتي صحيحة أم عليّ أن أنتظر حتى تجف القطرات علما بأنها تجف وتنقطع بعد نصف ساعة ولكن هذا الانتظار يشق علي ويسبب لي الحرج في بعض المرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا ينبغي أن نسأل عن السبب الذي يوجب مثل هذا المرض فمن أسبابه أن بعض الناس إذا فرغ من بوله جعل يعصر ذكره وربما أمر يده من أصل الذكر على قنوات البول زعما منه أن ذلك يؤدي إلى فراغ هذه القنوات من البول وهذا يوجب استرخاء هذه العضلات وربما تتمزق فيحصل بذلك ضرر على الإنسان ولهذا كان الذين يفعلون هذا الشيء يسرع إليهم هذا السلس الذي أشار إليه هذا السائل ومما يسبب ذلك أيضا أن بعض الناس يتوهم أنه خرج منه شيء ويلقي الشيطان في قلبه أنه خرج شيء فيذهب يفتش في ذكره ويعصر رأس الذكر وهذا خطأ وعلاج هذين السببين أما الأول فعلاجه أن يكف عنه وألا يعصر الذكر وإذا انتهى البول غسل رأس الذكر وانتهى كل شيء وأما الثاني وهو الشك هل نزل شيء أم لا فدواؤه ما ثبت (عن النبي ﷺ أنه سئل عن الرجل يجد في بطنه شيئا فيشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فقال ﵊ لا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا) وهذا دواء ناجع بإذن الله لأنه وصفة من طبيب هو رسول الله ﷺ. ثانيا مما يتعلق بالجواب على هذا السؤال أن أهل العلم يقولون إن صاحب السلس إذا كان له عادة أن ينقطع سلسه بعد ربع ساعة أو نصف ساعة أو في زمن يتسع للصلاة قبل خروج وقتها فإنه ينتظر حتى ينقطع فإذا انقطع استنجى ثم توضأ وصلى وعلى هذا فنقول للأخ احرص على أن يكون بولك قبل دخول وقت الصلاة بزمن ينقطع فيه هذا البول في أول الوقت حتى تدرك صلاة الجماعة وهذا وإن حصل فيه مشقة على الإنسان فإن الأجر على قدر المشقة لن تضيع هذه المشقة سدى لأنها مشقة من أجل إقامة عبادة الله ﷿ ومتى حصلت المشقة من أجل إقامة العبادة فإنه يؤجر الإنسان عليها كما جاء في الحديث (أجركِ على قدر نَصَبِك) فليستعن هذا السائل بالله ﷿ ويصبر على ما يحصل له من المشقة ويسأل الله المثوبة والعافية ونحن نسأل الله له العافية والشفاء إنه على كل شيء قدير. ***
أثابكم الله فضيلة الشيخ هذا فلاح حسن الحمداني من نينوى العراق يقول السلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته سلامي وتحياتي إلى علمائنا الأفاضل وإلى أسرة برنامج نور على الدرب إنني أسأل يا فضيلة الشيخ عن الطريقة الصحيحة في الوضوء والأقوال والكلمات الواجب ذكرها وهل تعتبر بعض القطرات من البول أعزكم الله وإخواني المسلمين التي تلامس الملابس بعد الخروج من دورة المياه ناقضة للوضوء مع العلم أنني أبقى لفترة طويلة في الدورة حتى لا تتكرر العملية عندي ولكن ما العمل أرشدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الوضوء هو غسل الوجه ومنه المضمضة والاستنشاق وغسل اليدين إلى المرفقين من أطراف الأصابع إلى المرفقين ومسح الرأس ومنه الأذنان وغسل الرجلين من أطراف الأصابع إلى الكعبين وليس فيه قول واجب إلا التسمية فإن العلماء اختلفوا في وجوبها، فمنهم مَنْ قال: إنها واجبة لأنه صح عنده قول الرسول ﵊ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ومنهم مَنْ قال إنها سنة لأنه لم يثبت عنده قول النبي ﷺ (لا وضوء لمن لا يذكر اسم الله عليه) ولأن الواصفين لوضوء النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يسمي أما الذكر بعد الوضوء وهو قول المتوضئ إذا فرغ من وضوئه (أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) فليس بواجب وأما ما ذكر من كونه يذكر الله عند غسل وجهه وعند غسل يديه وعند مسح رأسه وعند غسل رجليه فإن هذا لا أصل له ولم يرد عن النبي ﷺ الذكر عند كل عضو من أعضاء الوضوء، وأما ما ذكره السائل عن نفسه من كونه إذا بال ثم استنجى خرج منه قطرات من البول بعد أن يخرج من محل نقض الوضوء فإن هذه القطرات لا تخلو من إحدى حالين إما أن تكون مستمرة بحيث لا يحصل فيها توقف فهذه لها حكم سلسل البول أي أن الإنسان إذا توضأ تحفَّظَ بقدر ما يستطيع بعد أن يغسل فرجه ثم توضأ وضوءه للصلاة ثم صلى ولا يتوضأ للصلاة قبل دخول وقتها، هذا إذا كانت هذه القطرات مستمرة لا تتوقف، أما إذا كانت تتوقف ولكنها تحصل بعد البول بنحو ربع ساعة أو ما أشبه ذلك فإنه ينتظر حتى تتوقف فإن خرجت بعد هذا انتقض وضوؤه لأن ما خرج من السبيلين ناقض للوضوء بكل حال. فضيلة الشيخ: هل يستطيع بهذا الوضوء وبعد صلاة الفرض إلى صلاة الفرض التالية أن يقرأ القرآن وأن يمسك بالمصحف ويصلى نوافل وغير ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يستطيع هذا ما دمنا قلنا إنه ينتظر حتى ينقطع البول ثم يتوضأ فوضوءه باقٍ حتى يحدث. ***
السائل شهاب أحمد يقول في هذا السؤال بعد أن يتوضأ الإنسان ويكمل الوضوء تخرج منه بعض قطرات من البول فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أنه إذا تأكد يقينًا أنه خرج البول فعليه أن يغسل ما أصابه من البول أو أصاب بدنه وأن يستنجي الاستنجاء الشرعي وأن يعيد الوضوء لكن يجب أن يُعلم أن هذا قد يكون وسواسا ووهمًا لا حقيقة له فلا يلتفت إلى ذلك وليتله عنه وليعرض عنه وليشتغل بما سواه ويتناس هذا الأمر مع الاستعاذة بالله ﷿ وحينئذٍ يرفع الله عنه هذه الوساوس لكن نحن نجيب على أن الأمر متيقن والحكم كما ذكرنا أنه يستنجي ويغسل ما أصاب ثوبه أو بدنه من النجاسة ويتوضأ. ***
أحسن الله إليكم يقول هذا السائل عندما أتبول وأستنجي بالماء أحس بقطرات تخرج مني وهذا مما يضايقني عند أداء الصلوات وهذه القطرات تستمر لفترة هل الماء يقطع الشك باليقين أفتونا في هذا السؤال علمًا بأنني سئمت وضاق صدري بسبب هذا أرجو منكم الإجابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السائل يقول أحس بقطرات ومجرد الإحساس ليس بشيء ولا ينبغي أن يلتفت إليه بل يتلهى عنه ويعرض أما إذا تيقن أنه يخرج شيء فنعم لا بد أن يغسل ما أصاب ثوبه أو بدنه من هذا البول وأن يعيد الوضوء ما لم يكن حدثه دائمًا - أي باستمرار - يخرج منه البول فهذا له شأنٌ آخر فنقول له إذا أردت أن تصلى فاغسل الذكر وما أصابه البول ثم صل ولو خرج بعد ذلك فإنه لا يضر ولكن ينبغي له أن يتحفظ بقدر المستطاع. ***
هذه الرسالة وردتنا من طالب في متوسطة ابن هشام بالرياض ورمز إلى اسمه بحرف ي ع ع ح يقول في رسالته أنا عندما أتبول لا ينزل جميع البول وإنما يبقى منه قليلًا وأحاول إنزاله ولكن لا أستطيع وبعد ذلك أتوضأ للصلاة وأنا في الطريق إلى المسجد أو في الصلاة أحس أن الباقي قد نزل فأذهب إلى البيت وأغسل مكان النجاسة فهل تصح صلاتي وما هو الحكم والحل في هذه الحالة وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل في هذه الحالة أن تراجع الطبيب المختص في المسالك البولية لعلك تجد عنده ما يشفي الله به هذا المرض وأما بالنسبة لحكم الشرع في ذلك فإنه ينبغي لك أن تتقدم قبل أن يحين فعل الصلاة فتتبول وتبقى على بولك حتى يخرج جميع البول فإذا غلب على ظنك أنه خرج جميع البول فقمت بعد الاستنجاء وتوضأت ثم خرجت إلى المسجد وأحسست بأنه نزل فإن لم تتيقن أنه خرج فلا شيء عليك وإن تيقنت أنه خرج فقد انتقض وضوؤك وعليك أن ترجع إلى البيت وتغسل ثيابك وما لوثك من البول وتعيد الوضوء لتصلى صلاة صحيحة. ***
السائل أ. ع. م. يقول إنني أبلغ من العمر عشرين سنة وقد هداني الله لأداء الواجبات والحقيقة أنني أعاني من مشكلة وهي بعد ما أنتهي من قضاء البول أعزكم الله وأغسل الأثر وبعدما ألبس وأقوم يسقط على الثياب قليل منه دون قصد مني وإذا كنت في الصلاة وقمت من السجود يسقط أيضًا دون قصدٍ مني أرجو أن توضحوا لي هل تصح صلاتي وماذا أفعل هل أغسل الثياب الداخلية كلما سقط عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب إذا كان هذا الخارج الذي يخرج من ذكرك يخرج دائمًا باستمرار فإن حكمه حكم سلسل البول وحكم سلسل البول أن الإنسان (*لا يتوضأ للصلاة حتى يدخل وقتها) إن كانت ذات وقت أو حتى يوجد سببها إن كانت ذات سبب وكيفية الوضوء لها أن يغسل فرجه وما لوثه ثم يتحفظ بحفاظة عصابة يضعها على المحل لئلا ينتشر الخارج إذا خرج إلى الثياب والسراويل ثم بعد ذلك يتوضأ ولا يضره ما خرج بعد هذا وهذا إذا كان الخارج باستمرار أما إذا كان الخارج إنما يخرج في زمن قليل بعد انقضاء البول ثم بعد ذلك يمسك فإنه ينتظر حتى يخلص هذا الخارج ثم بعد ذلك يغسل ما أصابه ويتوضأ كالمعتاد.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
كيف يصلى المصاب بسلس البول وكيف يطمئن على صحة وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: سلس البول هو استمرار خروجه بدون إرادة من الإنسان وهو من الأمراض التي قد تعالج ويشفي الله المريض منها ولهذا ننصح من حصل له ذلك أن يعرض نفسه على الطبيب أولًا وقبل كل شيء فلعل الله ﷾ أن يجعل في ذلك شفاء ورحمة أما بالنسبة لوضوئه فوضوئه صحيح حتى ولو خرج منه شيء أثناء الوضوء أو بعده ذلك لأنه لا طاقة له في منع هذا الخارج وقد قال الله ﵎ (رَبَّنَا وَلا تُحَمِّلْنَا مَا لا طَاقَةَ لَنَا بِهِ) وقال تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) وقال تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) لكن أهل العلم ﵏ قالوا (*إنه يجب عليه أن يتوضأ لكل صلاة بعد دخول وقتها) فإذا توضأ بعد دخول الوقت صلَّى ما شاء من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت ويجب عليه في هذه الحال أن يَتحفَّظ بأن يضع شيئًا على ذكره ليقلل انتشار البول إلى ملابسه وبدنه نسأل الله لإخواننا السلامة والعافية.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
ما رأي فضيلتكم في رؤية نقطة أو نقطتين من الماء الأبيض الرقيق تنزل قبل نزول البول عندما تكون كمية قليلة وأحيانًا أخرى تكون هذه الرؤية بعد الاستيقاظ من النوم دون تذكر أي رؤيا في أثناء النوم وأيضًا بدون ظهور أي شيء على الملابس الداخلية وهل لون الملابس له دخلٌ في الحلم بل أحيانًا تكون الرؤية بعد أداء أكثر من فرض بوضوءٍ واحد وبدون الشعور بلذة أو نظر أدى إليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يبدو لي أن هذا ليس ناتجًا عن شهوة أو تذكر كما قاله في آخر السؤال وعلى هذا فإن هذا الماء الأبيض الرقيق لا يعتبر مذيًا ولا منيًا وإنما هي رواسب فيما يبدو في قنوات البول تنعقد على هذا الوجه وتخرج قبل البول وربما تخرج بعده أحيانًا فعليه يكون حكمها حكم البول تمامًا بمعنى أنه يجب تطهيرها وتطهير ما أصابت ولا يجب أكثر من ذلك. ***
عندما أُداعبُ زوجتي يخرج مني أشياء دون ما يخرج عادة من الجماع فهل يعتبر جنابة أو ناقضًا للوضوء وفقكم الله فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الذي يخرج منك عند الملامسة والمداعبة وتكرار النظر لشهوة لا يعتبر منيًا لأن المني هو الذي يخرج دفقًا بلذة وهو غليظ ويحس الإنسان به عند خروجه إحساسًا خاصًا ولكن هذا السائل الذي يخرج أقرب ما يكون مذيًا والمذي لا يوجب الغسل وإنما يوجب غسل الذكر والأنثيين فقط ثم الوضوء كغيره مما يخرج من السبيلين حيث يوجب الوضوء لكن المذي يوجب غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصبهما ويوجب الوضوء أيضًا وقد ذكر أهل العلم أن الذي يخرج من الذكر أربعة أنواع: البول: وهو معروف. والودي: وهو ماء أبيض يخرج عند انتهاء البول. والمذي: وهو ماء لزج يخرج عقب الشهوة بدون أن يحس به الرجل. والمني: وهو هذا الماء الدافق الذي يخرج بلذة وبإحساس مخصوص. وهذه الأنواع لكل واحد منها حكم. أما البول والودي فهما نجسان يوجبان غَسل ما أصابه شيء منهما ويوجبان الوضوء أيضًا. وأما المذي فإنه نجس لكن نجاسته خفيفة يجزئ فيه النضح فيما أصابه منه ينضح بالماء ويوجب غسل الذكر والأنثيين وإن لم يصبهما شيء منه ويوجب الوضوء. وأما المني فإنه طاهر ويوجب الغسل لجميع البدن وقد (كانت عائشة ﵂ تغسل رطب المني وتفرك يابسه من ثوب النبي ﷺ . ***
أحسن الله إليكم تقول هذه الأخت السائلة في فتوى لفضيلتكم حفظكم الله وسدد خطاكم ذكرتم بأن المرأة التي تنزل منها السوائل باستمرار يجب عليها الوضوء لكل صلاة وأنا أخجل أن أخبر بهذا الحكم لكل امرأة أصادفها علمًا بأنني لا أعلم هل هذه المرأة تنزل منها السوائل أم لا مع أنني أحاول في كثيرٍ من الأحيان إخبار النساء اللاتي أعرفهن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم المرأة التي تنزل منها السوائل دائمًا لا ينتقض وضوؤها إذا خرج هذا السائل لكنها على المشهور من مذهب الحنابلة ﵏ أنه يجب عليها أن تتوضأ لكل صلاة يعني مثلًا إذا دخل وقت الظهر تتوضأ لصلاة الظهر لكن بعض أهل العلم يقول لا يجب عليها أن تتوضأ إلا أن يوجد ناقضٌ غير هذا السائل مثال ذلك امرأة توضأت الساعة الحادية عشرة صباحًا والخارج يخرج منها باستمرار نقول وضوؤها صحيح تصلى ما شاءت فإذا دخل وقت الظهر وجب عليها الوضوء عند الحنابلة ﵏ وقال بعض العلماء إنه لا يجب عليها أن تتوضأ لصلاة الظهر لأنها قد توضأت من قبل وهذا الحدث دائم وهو لا ينقض الوضوء فإذا كان لا ينقض الوضوء فمن الذي قال إن دخول وقت الصلاة ينقض الوضوء؟ بل نقول إنها تصلى بالوضوء الذي قامت به الساعة الحادية عشرة إلا إن وجد ناقضٌ آخر كخروج ريحٍ من الدبر أو ما أشبه ذلك من نواقض الوضوء فهنا تتوضأ لوجود الناقض وهذا القول ليس بعيدًا من الصواب وكنت فيما سبق أجزم بما عليه الفقهاء الحنابلة وأوجب الوضوء لكل صلاة وبعد الإطلاع على هذا القول الثاني وهو عدم الوضوء وقوة تعليله فإني أرجع عن كلامي الأول إلى الثاني وأقول ليس عليها الوضوء إلا أن يحصل حدث آخر غير هذا الخارج السائل فأرجو الله تعالى أن يكون فيما ذهبت إليه أخيرًا صوابٌ وموافقة لشريعة الله ﷿. ***
امرأة تعاني من كثرة الإفرازات مما يعرضها للمتاعب من حيث كثرة الوضوء وخصوصا خارج المنزل هل يشرع لها أن تصلى الظهر والعصر بوضوء واحد والمغرب والعشاء بوضوء واحد وهل يشرع لها الجمع تقديما وتأخيرا مع القصر أو بدون سبب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الإفرازات التي تخرج من المرأة هي إفرازات طبيعية لكن بعض النساء تكون باستمرار وبعض النساء لا تستمر فإذا استمرت هذه الإفرازات مع المرأة فهي أولا طاهرة لأنه لا دليل على نجاستها والنساء قد ابتلين بهذا من عهد النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم ينقل عنه صلى الله عليه وعلى آله وسلم أنه كان يأمرهن بغسل هذه الرطوبة. ثانيا هي أيضا لا يجب الوضوء لها إذا توضأ الإنسان لأول مرة من حدث بقي على طهارته ولا حاجة إلى إعادة الوضوء عند كل صلاة إن توضأت فهو أفضل وإلا فليس عليها بواجب بل تبقى على طهارتها الأولى حتى تنتقض بناقض وعلى هذا لو توضأت لصلاة الظهر وبقيت على طهارتها ولم يحصل حدث آخر من غائط أو بول أو ريح أو أكل لحم الإبل أو ما أشبه ذلك فإنها تصلى العصر بدون وضوء لأن الوضوء لشيء لا ينقطع لا فائدة منه حتى لو توضأت فالشيء باقٍ هذا هو القول الراجح الذي ترجح عندي أخيرا ولا يخفى ما فيه من اليسر على النساء ما دام لم يكن هناك نص صريح واضح في هذا الأمر وأما حديث أن النبي ﷺ أمر المستحاضة أن تتوضأ لكل صلاة فقد اختلف الحفاظ في ثبوت هذه اللفظة (توضيء لكل صلاة) عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن فيه احتمالا أنَّ المعنى توضيء لكل صلاة بدون اغتسال - يعني - لا يجب عليكِ الغسل كما أوجب عليها الغسل إذا انتهت عادتها الطبيعية. ***
ما ينزل من المرأة من إفرازات هل يلزمها الوضوء أم أنها لا تتوضأ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ذلك بصفة مستمرة فإنها تتوضأ وتبقى على طهارتها حتى تحدث بحدث آخر فمثلا إذا تطهرت هذه المرأة التي يخرج منها هذا السائل دائمًا لصلاة الظهر ولم تحدث ببول ولا غائط ولا ريح حتى دخل وقت العصر فإنها تصلى العصر بالطهارة الأولى لأن طهارتها لم تنتقض فالحدث الدائم لا ينقض الوضوء على القول الراجح وإنما ينتقض بناقض آخر وكذلك لو توقف هذا السائل المستمر ثم عاد فلا بد أن تتوضأ. ***
بارك الله فيكم فضيلة الشيخ المستمع غ. م. ج. الشمري من المنطقة الشرقية الجبيل يقول هل خروج الريح يبطل الوضوء وهل يكفي وضوء الأطراف فقط أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الريح من الدبر ينقض الوضوء لأن النبي ﷺ (قال: إذا وجد أحدكم في بطنه شيئًا فأشكل عليه أخرج منه شيء أم لا فلا يخرجنَّ من المسجد حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) وهذا دليل على أن الريح تنقض الوضوء وهو كذلك فإذا تيقن الإنسان خروج الريح من دبره وجب عليه الوضوء ولكنه لا يجب عليه الاستنجاء الذي هو غسل الفرج لأنه لم يحصل شيء يلوث الفرج ويكفيه أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه، وبهذه المناسبة أود أن أبين بأن الاستنجاء لا علاقة له بالوضوء فإن الاستنجاء يراد به تطهير المحل من النجاسة التي تلوث بها سواء توضأ الإنسان أو لم يتوضأ، وبناءً على ذلك لو أن أحدًا بال في أول النهار واستنجى ثم أذن الظهر وأراد أن يتوضأ للصلاة فإنه لا يحتاج إلى الاستنجاء مرة ثانية وإنما يكفيه أن يغسل وجهه ويديه ويمسح رأسه ويغسل رجليه، ومن المعلوم أن غسل الوجه يدخل فيه المضمضة والاستنشاق وأن مسح الرأس يدخل فيه الأذنان، وقد كان بعض العامة يظن أن الاستنجاء مرتبط بالوضوء حتى أنه إذا بال مثلًا في أول النهار ثم أراد أن يتوضأ لصلاة الظهر أعاد الاستنجاء وإن كان لم يخرج منه شيء، وهذا لا أصل له، هذا جهل، فينبغي للإنسان أن يتعلم من أحكام دينه ما تقوم به شعائر الله. ***
السائل م م ح من المنطقة الشرقية يقول هل نقض الوضوء مثل خروج الريح أثناء الطواف يبطل الطواف ويلزمني الإحرام مرة ثانية وإن لم أتوضأ فهل علي ذنب وماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا انتقض وضوء الطائف في أثناء الطواف فإن طوافه يبطل عند جمهور العلماء كما لو أحدث في أثناء الصلاة فإن صلاته تبطل بالإجماع وعلى هذا فيجب عليه أن يخرج من الطواف ويتوضأ ثم يعيد الطواف من أوله لأن ما سبق الحدث بطل بالحدث ولا يلزمه أن يعيد الإحرام وإنما يعيد الطواف فقط وذهب شيخ الإسلام ﵀ إلى أن الطائف إذا أحدث في طوافه أو طاف بغير وضوء فإن طوافه صحيح وعلى هذا فيستمر إذا أحدث في طوافه يستمر في الطواف ولا يلزمه أن يذهب فيتوضأ وعلل ذلك بأدلة من طالعها تبين له رجحان - قوله ﵀ ولكن إذا قلنا بهذا القول الذي اختاره شيخ الإسلام لقوة دليله ورجحانه فإنه إذا فرغ من طوافه لا يصلى ركعتي الطواف لأن ركعتي الطواف صلاة تشترط لها الطهارة بإجماع العلماء. ***
هذا السائل من جدة المملكة العربية السعودية يقول إنه شخص مصاب بالغازات ولكن هذه الغازات لا يصاحبها رائحة وإنما فقط في بعض الأحيان أصوات وأحيانًا تكون هذه الأصوات خفيفة هل هذه الغازات تنقض الوضوء وتبطل الصلاة وإذا كان كذلك يا فضيلة الشيخ هل يلزمه الوضوء لكل صلاة إذا دخل وقتها أم يجوز له أن يتوضأ قبل وقت الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الغازات ملازمة له ولا يمكنه منعها فإن حكمها حكم سلس البول وعلى هذا فلا يتوضأ للصلاة (*إلا بعد دخول وقتها) وإذا توضأ فلا يضره ما خرج بعد ذلك لأنه بلا اختيار منه لكن لو توضأ قبل دخول وقت الصلاة ولم يخرج منه شيء وبقي حتى دخل وقت الصلاة وصلى فصلاته صحيحة لأن وضوءه الأول صحيح ولم يوجد له ناقض فيبقى على وضوئه ويصلى به الصلاة بعد دخول وقتها وأنا أنصح مثل هذا الأخ أقول اعرض نفسك على الأطباء وانظر ما هو الداء وما سببه قد يكون سببه اختلاف المآكل أو المشارب فإذا كان سببه اختلاف المآكل أو المشارب فليتجنب ما يكون سببًا لهذه الغازات وإذا كان مرضًا في الأمعاء فليحاول الاستشفاء بالأدوية أو غيرها.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) . ***
ماذا يجب على من به سلس البول أو الريح من حيث الطهارة للصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب على من به سلس بول أو ريح ألا يتوضأ للصلاة (إلا بعد دخول وقتها*) فإذا غسل فرجه تلجم بشيء حتى لا تتعدى النجاسة إلى ثيابه وإلى فخذيه ثم يتوضأ ويصلى الصلاة وله أن يصلي فروضًا ونوافل أما إذا كان يريد صلاة نافلة في غير وقت الفريضة فإنه إذا أراد أن يفعل هذه النافلة فعل ما ذكرنا غسل فرجه وتحفظ بشيء ثم توضأ ثم صلى.
(* هذا رأي الشيخ في القديم وقد تراجع عنه انظر فتوى = ١٩٧، ١٩٨، ١٩٩) ***
أحسن الله إليكم يقول السائل قرأت في بعض الكتيبات الصغيرة عن نواقض الوضوء وكان من ضمن نواقض الوضوء هذا الشرط وهو (النجاسة الفاحشة الخارجة من الجسد) أفيدونا عن معرفة هذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد القائل بذلك (الخارج النجس من البدن) يعني من غير الدبر والقبل كما لو جرح الإنسان فخرج منه دم وكان هذا الدم كثيرًا أو تقيّأ الإنسان وخرج منه قيء كثير فإنه نجس ينقض الوضوء والصحيح أنه لا ينقض الوضوء لأنه لا دليل على نقض الوضوء وإذا لم يكن فيه دليل على نقض الوضوء بذلك فإنه لا يجوز أن نفسد عبادة الخلق بما لا دليل فيه لأن الوضوء ثبت بدليلٍ شرعي وما ثبت بدليلٍ شرعي فإنه لا يجوز رفعه إلا بدليلٍ شرعي كيف نجسر على أن نفسد عبادة عباد الله بشيء ليس فيه دليل من الله ﷿ وسوف يسأله الله عن ذلك يوم القيامة كل من ادعى مفسدًا لأي عبادةٍ من العبادات من صلاة أو صيام أو وضوء أو غيرها بلا دليل فليستعد للمساءلة يوم القيامة لأنه كما لا يجوز أن نثبت عبادةً إلا بدليل فلا يجوز أن نفسد عبادة إلا بدليل فالقول الراجح في هذه المسألة أن الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء وأما الخارج من السبيلين إذا كان دائمًا لا يمكن للإنسان دفعه ولا إمساكه كسلس البول فإنه لا ينقض الوضوء يتوضأ الإنسان أول مرة ثم لا يلزمه إعادة الوضوء إلا إذا وجد ناقض غير هذا البول الذي يخرج قال بهذا طائفةٌ من أهل العلم ﵏ وقال آخرون بل إنه لا ينقض الوضوء ولكن عليه أن يتوضأ لوقت كل صلاة. ***
ما حكم الدم الخارج من جسد الإنسان سواءٌ كان من الأنف أو غيره هل يعتبر نجسًا يجب غسل ما أصابه من الملابس وينقض الوضوء وما هو الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله هو الذي يخرج من الحيوان في حال حياته مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل إذا جاع فصد عرقًا من بعيره وشرب دمه فهذا هو المحرم وكذلك الدم الذي يكون عند الذبح قبل أن تخرج الروح، هذا هو الدم المحرم النجس ودلالة القرآن عليه ظاهرة في عدة آياتٍ من القرآن بأنه حرام ففي سورة الأنعام صرح الله ﵎ بأنه نجس فإن قوله تعالى (فإنه رجسٌ) يعود على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس كما قيل يعود على الخنزير فقط ولو تأملت الآية وجدت أن هذا هو المتعين (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) ذلك الشيء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي أن ذلك الشيء الذي استثني من الحل هو الذي يكون نجسًا فالتعليل تعليل للحكم الذي يتضمن هذه الأمور الثلاثة وهذا أمر ظاهر لمن يتدبره وليس من باب الخلاف هل يعود الضمير إلى بعض المذكور أو إلى كل المذكور بل هذا واضحٌ لأنه تعليلٌ لحكمٍ ينتظم ثلاثة أمور هذا هو الدم المسفوح. أما الدم الذي يبقى في الحيوان الحلال بعد تذكيته تذكيةً شرعية فإنه يكون طاهرًا حتى لو انفجر بعد فصده فإن بعض العروق يكون فيها دمٌ بعد الذبح وبعد خروج الروح بحيث إذا فصدتها سال منها الدم وهذا الدم حلالٌ وطاهر وكذلك دم الكبد ودم القلب وما أشبهه كله حلال وطاهر. وأما الدم الخارج من الإنسان فالدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين من القبل أو الدبر فهو نجسٌ وناقضٌ للوضوء قل أم كثر لأن النبي ﷺ أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقًا وهذا دليلٌ على نجاسته وأنه لا يعفى عن يسيره وهو كذلك فهو نجس لا يعفى عن يسيره وناقض للوضوء قليله أو كثيره وأما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو من السن او من جرحٍ بحديدة أو بزجاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارجٌ من غير السبيلين من البدن سواءٌ من الأنف أو من السن أو من غيره سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه والله أعلم. ***
حمود قاسم من اليمن الشمالي يقول في رسالته هل خروج الدم إذا جُرح الإنسان يبطل الوضوء أم يكفي تطهير العضو الذي خرج منه الدم نرجو إفادة بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح أن الدم الخارج من غير السبيلين لا ينقض الوضوء سواء خرج من الأنف كالرعاف أو خرج من جرح أو خرج من أجل اختبار الدم عمدًا من الإنسان فكل هذا لا ينقض الوضوء سواء كان قليلًاَ أم كثيرًا هذا هو القول الراجح وذلك لعدم الدليل على النقض والنقض حكم شرعي يحتاج إلى دليل والوضوء قد ثبت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي لا يرتفع إلا بدليل شرعي وليس هناك دليل شرعي يدل على انتقاض الوضوء بخروج شيء من البدن من غير السبيلين سواء كان دمًا أم قيحًا أم قيئًا ما دام من غير السبيلين فإنه لا ينقض لا قليله ولا كثيره ولكن إذا خرج من العضو وكان كثيرًا فإنه يغسله كما ورد في الحديث الصحيح (أن فاطمة ﵂ كان تغسل الدم من وجه الرسول ﷺ حين جرح في غزوة أحد) . ***
بارك الله فيكم ما حكم الدم إذا خرج من إنسان يصلى هل يقطع الصلاة أم لا أرجو الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الدم الذي خرج من المصلى خارجًا من القبل أو الدبر فإنه ناقضٌ للوضوء وفي هذه الحال يجب عليه أن ينصرف وأن يغسل ما أصابه من الدم ويتوضأ من جديد ويبدأ الصلاة من جديد وأما إذا كان من غير السبيلين أي من غير القبل والدبر مثل أن يكون من الأنف أو من الأسنان أو من جُرْحٍ آخر أو من جُرْحٍ انبعث فإنه يبقى في صلاته إن تمكن من أدائها بدون انشغالٍ بهذا الدم ويكمل الصلاة لأن القول الراجح أن الدم لا ينقض الوضوء ولو كان كثيرًا ولكن إذا كان كثيرًا فإن أكثر أهل العلم يرون أن الدم نجس إذا كثر ولا يعفى عنه وحينئذٍ لا بد أن يخرج من الصلاة حتى يُطهر ما أصابه من الدم ثم يعود ويصلى بلا وضوء على القول الراجح أي يبدأ الصلاة من جديد وأما إذا كان الدم يسيرًا فإنه يستمر في صلاته ولا حرج عليه. ***
يقول السائل إذا كنت أؤدي الصلاة ونزل من أنفي رعاف أثناء الصلاة فوقع على ثوبي فهل تبطل الصلاة أم لا وهل الرعاف ناقض للوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الرعاف ليس بناقض للوضوء سواء كان كثيرًا أم قليلًا وكذلك جميع ما يخرج من البدن من غير السبيلين فإنه لا ينقض الوضوء مثل القيء والمادة التي تكون في الجروح فإنه لا ينقض الوضوء سواء كان قليلًا أم كثيرًا لأن ذلك لم يثبت عن النبي ﷺ والأصل بقاء الطهارة فإن هذه الطهارة ثبتت بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يمكن أن يرتفع إلا بمقتضى دليل شرعي وليس هناك دليل على أن الخارج من غير السبيلين من البدن ينقض الوضوء وعلى هذا فلا ينتقض الوضوء بالرعاف ولا بالقيء سواء كان قليلًا أم كثيرًا ولكن إذا كان يزعجك في صلاتك ولم تتمكن من إتمامها بخشوع فلا حرج عليك أن تخرج من الصلاة حينئذٍ وكذلك لو خشيت أن تلوث المسجد إذا كنت تصلى في المسجد فإنه يجب عليك الانصراف لئلا تلوث المسجد بهذا الدم الذي يخرج منك أما ما وقع على الثياب من هذا الدم وهو يسير فإنه لا بأس به ولا ينجس الثوب. ***
يقول السائل كنت في صلاة فخرج دم من أنفي فهل صلاتي باطلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصلاة ليست باطلة إذا خرج الدم من الأنف، أما لو خرج من الدبر أو من القبل فإن الوضوء ينتقض فتبطل الصلاة وأما إذا خرج من الأنف أو من جرح آخر فإن الصلاة لا تبطل بذلك، لكن ربما يكون عاجزًا عن إتمامها إذا كثر خروج الدم ففي هذه الحال ينصرف من صلاته حتى يقف الدم ثم يتوضأ ويعيد الصلاة من جديد. ***
بارك الله فيكم ما حكم خروج الدم من الفم بعد الوضوء سواء بالسواك أو من غير سواك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: خروج الدم من الفم بعد الوضوء لا ينقض الوضوء بل لو خرج من غير الفم دم كثير أو قليل فإنه لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين القبل أو الدبر فإنه ينقض الوضوء ولكن إذا خرج الدم من الفم فإنه لا يجوز ابتلاعه لقوله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ) وليعلم أن جميع ما يخرج من البدن سوى البول والغائط والريح وهي تخرج من السبيلين أعني هذه الثلاثة فما عداها لا ينقض الوضوء قد يحتجم الإنسان فلا ينتقض وضوؤه قد يرعف أنفه فلا ينتقض وضوؤه قد تجرح قدمه فلا ينتقض وضوؤه وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بخروج شيء من البدن سوى الخارج من السبيلين وإذا لم يكن دليل فإن الأصل بقاء الطهارة على ما هي عليه لأنها ثابتة بدليل شرعي وما ثبت بدليل شرعي فإنه لا ينقض إلا بدليل شرعي. ***
السائل عبد الكريم الزهراني من المدينة المنورة يقول أفتونا يا فضيلة الشيخ فيمن يعمل غسيل كلى هل خروج الدم أثناء غسيل الكُلى ينقض الوضوء وكيف يصوم ويصلى أثناء الغسيل الكلوي بالنسبة لكبار السن قد يتوافق غسيل الدم أثناء قيام الصلاة وجهونا في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما نقض الوضوء فإنه لا ينقض الوضوء وذلك لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا ما خرج من السبيلين فما خرج من السبيلين فهو ناقض للوضوء سواء كان بولًا أم غائطًا أم رطوبة أم ريحًا كل ماخرج من السبيلين فإنه ناقض للوضوء وأما ما خرج من غير السبيلين كالرعاف يخرج من الأنف والدم يخرج من الجرح وما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء لا قليله ولا كثيره وعلى هذا فغسيل الكلى لا ينقض الوضوء. أما بالنسبة للصلاة فإنه يمكن أن يجمع الرجل المصاب بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء وينسق مع الطبيب المباشر في الوقت بحيث يكون الغسيل لا يستوعب أكثر من نصف النهار لئلا تفوته الظهر والعصر في وقتيهما فيقول له مثلا أخَّر الغسيل عن الزوال بمقدار ما يُصلى به الظهر والعصر أو قدمه حتى أتمكن من صلاتي الظهر والعصر قبل خروج وقت العصر، المهم أنه يجوز له الجمع دون تأخير الصلاة عن وقتها وعلى هذا فلا بد من التنسيق مع الطبيب المباشر. وأما بالنسبة للصيام فأنا في تردد من ذلك أحيانًا أقول إن هذا ليس كالحجامة لأن الحجامة يستخرج منها الدم ولا يعود إلى البدن وهذا مفسد للصوم كما جاء به الحديث والغسيل يُخرج الدم ويُنظف ويُعاد إلى البدن لكن أخشى أن يكون في هذا الغسيل مواد مغذيه تغني عن الأكل والشرب فإن كان الأمر كذلك فإنها تفطر وحينئذ إذا كان الإنسان مبتلىً بذلك أبد الدهر يكون ممن مُرِضَ مرضًا لا يُرجى برؤه فيطعم عن كل يوم مسكينًا وأما إذا كان ذلك في وقت دون آخر فيفطر في وقت الغسيل ويقضي بعد ذلك وأما إذا كان هذا الخلط الذي يُخلط مع الدم عند الغسيل لا يغذي البدن لكن يصفي الدم وينقيه فهذا لا يفطر الصائم وحينئذ له أن يستعمل الغسيل ولو كان في الصوم ويُرجع في هذا الأمر إلى الأطباء. ***
يقول السائل أنا شاب وكثيرًا ما يظهر على وجوه الشباب ما يسمى بحب الشباب وأحيانًا أضع يدي عليها فتخرج بعض القطرات من الدم فهل هذه القطرات تفسد الوضوء وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القطرات لا تفسد الوضوء وليست نجسة أيضًا بل هي طاهرة ولا تضرك وأعلم أيها السائل أن جميع ما يظهر من البدن من الدم والقيح وغيره لا ينقض الوضوء أيضًا إلا إذا كان خارجًا من السبيلين من القبل أو الدبر فلو انجرحت أو رعف أنفك أو حصل دم من ضرسك أو ما أشبه ذلك وخرج دم ولو كثيرًا فإن وضوءك باقٍ لم ينتقض هذا هو القول الصحيح وذلك لأنه لا دليل على نقض الوضوء بذلك والأصل بقاء الطهارة وأما ما خرج من السبيلين فهو ناقض ولا إشكال فيه. ***
من جمهورية مصر العربية المستمعة س. م، ع تقول فضيلة الشيخ هل القيء ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن القيء لا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا وذلك لأنه لا دليل على كونه ناقضا والأصل بقاء الوضوء وهذه قاعدة مفيدة لطالب العلم وغيره أن ما ثبت بدليل لا يمكن أن ينقض إلا بدليل وليس عن النبي ﷺ دليل على أن القيء ناقضٌ للوضوء وكذلك يقال في الجروح إذا خرج من الجرح دم ولو كان كثيرا فإنه لا ينقض الوضوء ولا ينقض مما يخرج من الجسد إلا البول والغائط والريح وكذلك ما خرج من مخرج البول والغائط من دم أو قيح أو نحوهما. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم يقول السائل هل إذا نام الإنسان في السجود في صلاة الجماعة هل عليه أن يعيد الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النوم لا ينقض الوضوء إلا إذا كان نومًا عميقًا بحيث لو أحدث الإنسان لم يحس بنفسه فحينئذ ينتقض وضوؤه وأما إذا غاب عن الدنيا لكنه لو أحدث لأحس بنفسه فإنه لا ينتقض وضوؤه سواء كان في الصلاة أو خارج الصلاة وسواء كان قاعدًا أو مضطجعًا لأن المدار كله على فقد الإحساس فمتى فقد الإحساس بحيث لو أحدث لم يحس بنفسه انتقض وضوءه وإذا كان لم يفقد الإحساس بحيث لو أحدث لأحس بنفسه فإن وضوءه لا ينتقض هذا هو القول الراجح الذي تجتمع به الأدلة في مسألة انتقاض الوضوء بالنوم. ***
رجل مصاب بمرض عصبي فيأتيه الإغماء أحيانًا ويستمر به مدة ثم يفيق فما الحكم بالنسبة للوضوء هل ينتقض بالإغماء أم لا وكذلك لو طالت مدة الإغماء حتى فاتت عدة فروض من الصلوات فهل يقضيها أم لا يقضيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الوضوء فإنه ينتقض بالإغماء، لأن الإغماء أشد من النوم، والنوم ينقض الوضوء إذا كان مستغرقًا بحيث لا يدري النائم لو خرج منه شيء، أما النوم اليسير الذي لو أحدث النائم لأحسَّ بنفسه فإن هذا لا ينقض الوضوء سواءً كان من نائم أو قاعد متكئ أو قاعد غير متكئ أو أي حال من الأحوال مادام لو أحدث لأحسَّ بنفسه فإن نومه لا ينقض الوضوء، فالإغماء أشد من النوم، فإذا أغمي على الإنسان فإنه يجب عليه الوضوء، أما لو أغمي عليه مدة فات بها عدة صلوات أو صلاة واحدة فإن العلماء اختلفوا في هذا، هل يجب عليه القضاء مدة الإغماء أو لا يجب؟ فمنهم من قال إنه يجب عليه قضاء الصلوات التي تفوته في مدة الإغماء، قالوا: لأن الإغماء كالنوم والنائم يجب عليه قضاء الصلاة لقول النبي ﵊ (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها)، وقال بعض أهل العلم: إنه لا يجب على المغمى عليه قضاء الصلاة وذلك لأنه لا يصح قياسه على النائم لأن النائم إذا استيقظ أُوقِظ وصحا بخلاف المغمى عليه فإنه لا يملك إيقاظ نفسه ولا يملك أحد أن يوقظه فبينهما فرق ومع وجود الفارق لا يصح القياس ولكن الاحتياط والأولى أن يقضي إبراءً لذمته، ثم إن كان هذا واجبًا عليه بمقتضى الشرع فقد أبرأ ذمته وإن لم يكن واجبًا عليه فإن ذلك يكون تطوعًا يؤجر به عند الله. ***
يقول السائل صلىت الفجر في المسجد وأثناء قراءة الإمام في الركعة الأولى حصل عندي دوخة ثم أغمي علي وأفقت ثم قمت فأكملت الصلاة معهم فماذا يجب عليّ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أغمي على الإنسان وهو على وضوء فإن وضوءه ينتقض لأن الإغماء أشد من النوم والنوم المستغرق الذي لا يدري النائم فيه أحدث أم لم يحدث ناقض للوضوء لحديث صفوان بن عسال في المسح على الخفين قال (أمرنا رسول الله ﷺ أن نمسح على خفافنا إذا كنا سفرًا ثلاثة أيام بلياليهن إلا من جنابة ولكن من غائط وبول ونوم) والإغماء أشد فقدًا للوعي والإحساس من النوم فمن أغمي عليه وهو على وضوء انتقض وضوؤه ووجب عليه أن يتوضأ إذا أراد الصلاة وبناءً على ذلك فإنه يجب عليك الآن أن تعيد صلاة الفجر التي أغمي عليك فيها ثم أتممتها بدون وضوء. ***
من ليبيا المستمع محمد حمودة عبد القادر يقول هل الغفلة تبطل الوضوء وهل يجب في هذه الحالة أن يتوضأ المسلم وضوءًا كاملا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أدري ماذا يريد بالغفلة هل يريد بها النوم؟ فإن كان يريد النوم فإن النوم ناقض للوضوء بشرط أن يكون عميقًا وعلامة العميق أن يكون النائم لا يحس بنفسه لو أحدث فإذا نام الإنسان هذه النومه أي إنه نام نومة لو أحدث لم يحس بنفسه فإن عليه أن يتوضأ لحديث صفوان بن عسال قال (أمرنا رسول الله ﷺ إذا كنا سفرًا ألا ننزع خفافنا إلا من جنابة ولكن ما غائط وبول ونوم) وفي الحديث (العين وكاء السه فإذا نامت العينان استطلق الوكاء) لكن إذا كان النوم خفيفًا يحس بنفسه الإنسان لو أحدث فإنه لا ينقض الوضوء سواء أكان الإنسان جالسًا أو مضطجعًا أو مستندًا أو غير مستند لأن المدار كله على العقل أي عقل الشيء وفهمه فإن كان السائل يريد بالغفلة النوم فهذا جوابه أما إذا كان يريد بالغفلة الغفلة عن ذكر الله فإن هذا لا ينقض الوضوء ولكن الذي ينبغي للإنسان أن يديم ذكر الله تعالى كل وقت فإن هذا هو العقل قال الله تعالى (إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ (١٩٠) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) ***
ما حكم مس العورة سواء كان قبلًا أو دبرًا أثناء الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يعني كأنه يقصد نقض الوضوء بذلك الصواب عندي أن مس العورة لا ينقض الوضوء لأن الأحاديث الواردة في ذلك مختلفة والأصل عدم النقض إلا أن الجمع بين حديث طلق بن علي حين (سئل النبي ﷺ عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال إنما هو بضعةٌ منك) وحديث بسرة (من مس ذكره فليتوضأ) يمكن أن يؤخذ من هذين الحديثين أن الإنسان إذا مس ذكره لشهوة وجب عليه الوضوء وإذا مسه لغير شهوة لم يجب عليه الوضوء ويكون هذا جمعًا بين الحديثين ويدل لهذا الجمع أن الرسول ﷺ علل عدم النقض بأنه (بضعة) يعني فإذا كان (بضعةً منك) فإن مسه كمس بقية الأعضاء: كما لو مس الإنسان يده الأخرى أو مس رجله أو مس رأسه أو مس أنفه أو مس أي طرفٍ منه فإنه لا ينتقض وضوؤه كذلك الذكر فإن مسه لغير شهوة كمس سائر الأعضاء وأما إذا مسه لشهوة فإنه يختلف عن مس سائر الأعضاء فيكون هنا الجمع بين الحديثين أن يقال إذا مس ذكره لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسه لغير شهوة لم ينتقض وجمع بعض العلماء بجمعٍ آخر بأن الأمر في قوله (فليتوضأ) ليس على سبيل الوجوب وإنما هو على سبيل الاستحباب وعلى كل حال فوجوب الوضوء من مس الذكر مطلقًا أو الفرج مطلقًا فيه نظر والصواب عندي خلافه. فضيلة الشيخ: لكن مس الإنسان لِقُبُلِهِ في الصلاة لا يكون إلا من وراء حائل وهذا يمكن أن يكون؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان من وراء حائل لا يعتبر مسًا فلا يقال مسه لأن المس هو المباشرة أي مباشرة الشيء بالشيء وأما إذا مسه من وراء حائل فإنما هو مس الثوب ثم إنه يمكن أن يمسه بدون حائل لا سيما في الزمن الأول ليس عليهم إلا الوِزْرة فيمكن أن يُدخلَ يده لحكه أو نحوه. ***
إذا اغتسل ثم لمس عورته فهل عليه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليه شيء - يعني - أن مس الذكر لا ينقض الوضوء لكن إذا كان لشهوة فإنه ينقض الوضوء لأنه بهذا التفصيل تجتمع الأدلة فإن (النبي ﷺ سئل عن الرجل يمس ذكره في الصلاة أعليه وضوء؟ قال لا إنما هو بضعة منك) أي جزءٌ منك ومس الإنسان لجزءٍ من نفسه لا يعتبر ناقضا للوضوء فهو كما لو مس رجله بيده فإن وضوءه لا ينتقض والحديث الآخر حديث بسرة بنت صفوان (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال من مس ذكره فليتوضأ) يدل على وجوب الوضوء من مس الذكر والجمع بينه وبين الحديث الأول أن يقال إن مسه الإنسان لشهوة فإنه يخالف مس بقية الأعضاء فينتقض وضوؤه وأما إذا مسه لغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه وليعلم أن المس هو المس بلا حائل أما إذا كان مع حائل فإن ذلك لا يعد مسًا فلا ينقض الوضوء حتى لو كان لشهوة فإنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه ما يوجب الوضوء. ***
هل تنظيف الأطفال وما ينتج عن ذلك من لمس أعضائهم الخاصة ينقض الوضوء وهل لمس المرء لذكره بدون شهوة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تغسيل الأطفال لا ينقض الوضوء ولو مست المرأة ذكر طفلها أو فرج ابنتها القبل أو الدبر وكذلك لو مس الإنسان ذكره بغير شهوة فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في حديث طلق بن علي ﵁ حين سأله عن الرجل يمس ذكره في الصلاة قال أعليه الوضوء؟ قال لا ثم قال إنما هو بضعة منك) أي عضو من أعضائك وهذا التعليل تعليل لا يمكن زواله لأنه علل بأنه عضو من الأعضاء وتعليله إياه بأنه عضو من الأعضاء يدل على أنه إذا مسه لشهوة فعليه الوضوء لأن مسه لشهوة مس خاص بالعضو أي بالذكر فالإنسان لا يمكن أن يمس ساقه لشهوة ولا فخذه لشهوة ولا أذنه لشهوة إنما تكون الشهوة في نفس الذكر والخلاصة أن القول الراجح من أقوال العلماء في هذه المسألة أنه إن مسه لشهوة وجب عليه الوضوء وإن كان بغير شهوة لم يجب عليه سواء تعمد أم لم يتعمد. ***
هل النظر إلى عورة رجلٍ ما أو امرأةٍ ما سواء كان شابًا أم طفلًا أم شيخًا ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء وما علمت أحدًا من أهل العلم قال إن النظر للعورة ينقض الوضوء لكن هذا مشهورٌ عند العامة ولا أصل له. ***
هل ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينتقض وضوء المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة لأن القول الراجح أن مس الفرجين لا ينقض الوضوء إلا مس الذكر إذا مسه لشهوة فإنه ينتقض الوضوء وهذا القول الذي فصلناه هو القول الذي تجتمع به الأدلة ومن المعلوم أن المرأة إذا غسلت ولدها من النجاسة فإنه لا يمكن أن تمسه لشهوة وعلى هذا فلا ينتقض وضوؤها. ***
تقول السائلة هل تنظيف الطفل من النجاسة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يُمَس الفرج فإنه لا ينتقض الوضوء وهذا لا إشكال فيه ولا أظن السائلة تريده لكن إذا مست الفرج فالصحيح أيضًا أنه لا ينتقض الوضوء ولكن إن توضأت احتياطًا فهو أولى ولا فرق بين الذكر والأنثى. ***
هل مس المرأة يبطل الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف أهل العلم ﵏ في مس المرأة هل ينقض الوضوء أم لا؟ فمنهم من قال إنه لا ينقض الوضوء مطلقًا ومنهم من قال إنه ينقض الوضوء مطلقًا ومنهم من قال إن كان لشهوة نقض الوضوء وإن كان لغير شهوة لم ينقض الوضوء والقول الراجح أنه لا ينقض الوضوء مطلقًا إلا أن يخرج شيء من المس كالمذي وشبهه فإن الوضوء ينتقض بهذا الخارج وقد استدل القائلون بأن اللمس ينقض مطلقًا بقوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وفي قراءة أخرى سبعية (أو لَمستم النساء) بناءً على أن المراد باللمس ملامسة الرجل للمرأة باليد أو بغيرها من الأعضاء والصواب أن المراد بالملامسة في هذه الآية هو الجماع كما فسر ذلك ابن عباس ﵁ ويدل لهذا أن الآية الكريمة ذكر الله تعالى فيها الطهارتين الأصلىتين وطهارة البدل وذكر الله تعالى فيها السببين سبب الطهارة الكبرى وسبب الطهارة الصغرى ففي قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) في هذا ذكر الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر وفي قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ذكر الله تعالى الطهارة الكبرى وسببها وهو الجنابة وفي قوله (فَتَيَمَّمُوا) ذكر الله تعالى طهارة البدل وهي التيمم وعلى هذا فيكون قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يكون فيه إشارة إلى ذكر الموجبين للطهارتين ففي قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) ذكر موجب الطهارة الصغرى وفي قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ذكر موجب الطهارة الكبرى ولو حملنا اللمس على اللمس باليد وغيرها من الأعضاء بدون جماع لكان في الآية ذكر لموجبين من موجبات الطهارة الصغرى وإغفال لموجب الطهارة الكبرى وعلى كل حال هذه الآية ليس فيه دلالة لما ذهب إليه أولئك القوم الذين قالوا بنقض الوضوء إذا مس الرجل المرأة والأصل براءة الذمة وبقاء الطهارة وما ثبت بدليل لايرتفع إلا بدليل مثله أو أقوى منه فإذا كانت الطهارة ثابتة بدليل شرعي فإنه لا ينقضها إلا دليل شرعي مثل الذي ثبتت به أو أقوى. ***
لمس المرأة أهو ناقض للوضوء على المذهب الشافعي أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحقيقة أنا شخصيًا لا أُجيب السؤال على من طلب أن تكون الإجابة على مذهب من لا يجب اتباعه سواءٌ كان مذهب الشافعي أو الإمام أحمد أو الإمام مالك أو الإمام أبي حنيفة لأن الفرض على المسلم أن يسأل عن هدي النبي ﷺ لأنه هو الذي يجب اتباعه لا أن أسأل عن مذهب فلان وفلان أما الجواب على السؤال فأنا أقول له مقتضى الأدلة الشرعية أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا سواءً كان لشهوة أم غير شهوة إلا أن يحدث إنزال أو مذي فإن حصل بذلك إنزال أو مذي أو غيرهما من الأحداث وجب الوضوء بهذا الحدث لا بمجرد المس. إذًا نقول لا دليل على بطلان الوضوء من مس المرأة فإذا لم يقم دليلٌ صحيحٌ صريح فإننا لا يمكن أن ننقض طهارةً ثبتت بمقتضى دليلٍ صريحٍ صحيح، أما قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع لأن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ) إنما جاء في معرض التيمم لا معرض الغسل وهي مقابلةٌ لقوله في الطهارة بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولتسمعوا إلى الآية (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذا الوضوء (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) هذا الغسل بالماء (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) هذا موجب الطهارة الصغرى لكن في التيمم الآية انقسمت إلى قسمين القسم الأول منها في طهارة الماء عن الحدث الأصغر بغسل الأعضاء الأربعة وعن الحدث الأكبر بالتطهير الكامل للبدن القسم الثاني الطهارة بالتراب عن الحدث الأصغر قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وعن الحدث الأكبر قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فتبين الآن أن الآية ليس فيها دليلٌ على نقض الوضوء بمس المرأة وإنما فيها مقابلة قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) في طهارة الماء بقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) في طهارة التيمم. ثم إننا لو قلنا إن قوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) يراد به الحدث الذي ينقض الوضوء لكان في الآية تكرار لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) فيه الإشارة إلى الحدث الأصغر فيكون في الآية لو حملنا قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) على ما ينتقض به الوضوء لكان في الآية تكرارٌ لذكر موجبين للوضوء وإغفال موجب الغسل وهذا بلا شك خلاف ما تقتضيه بلاغة القرآن وبيانه. وأقول للأخ الذي يطلب الحكم على مذهب الشافعي أولًا أرجو منه ومن غيره أن يكون طلبهم الحكم على ما تقتضيه شريعة الرسول ﵊ وهديه لا على ما يقتضيه رأي فلان وفلان لقوله تعالى (قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمْ اللَّهُ) وقوله (فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ) وليس معنى قولي هذا الحط من قدر أهل العلم أبدًا بل إن من رفع قدر أهل العلم أن نقبل كلامهم وتوجيهاتهم والشافعي ﵀ وغيره من الأئمة كلهم يأمروننا ويوجهوننا إلى أن نتلقى الأحكام مما تلقوه هم من كتاب الله وسنة رسوله ﷺ وأقول إن كون الإنسان يتجه إلى مذهب معين لفلان أو فلان لا شك أنه ينقص من اتجاهه إلى السنة ويغفل عنها حتى كأنك لتجده لا يطالع إلا كتب فقهاء مذهبه ويدع ما سواها وهذا في الحقيقة ليس بسبيلٍ جيد فالسبيل الجيد أن يتحرى الإنسان ويكون هدفه اتباع الرسول ﷺ فقط سواءٌ وافق فلانًا أم خالفه ولا حاجة لي الآن إلى أن أسوق أقوال هؤلاء الأئمة في وجوب تلقي الشريعة من الرسول ﵊ دون أن نقلدهم وهذا أمرٌ معلوم يمكن الرجوع إليه في كتب أهل العلم والذي أعرف من المذهب الشافعي ﵀ أنه يرى نقض الوضوء بمس المرأة مطلقًا إذا كان باليد ولكنه قولٌ مرجوح كما عرفنا مما قررناه سابقًا والله الموفق. ***
رسالة وردتنا من المرسل فوزي المتولي من جمهورية مصر العربية والإقامة في الأفلاج يقول هل لمس النساء ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أقول في الجواب اختلف العلماء في هذه المسألة على أقوال ثلاثة منهم من يقول إن مس المرأة لا ينقض مطلقًا ومنهم من يقول إن مسها ينقض مطلقًا ومنهم من توسط وقال إن مسها لشهوة ينقض الوضوء وإن مسها لغير شهوة لا ينقض الوضوء والصواب من هذه الأقوال أن مس المرأة لا ينقض الوضوء مطلقًا ولو بشهوة لكنه مع الشهوة يستحب الوضوء من أجل تحرك الشهوة إلا إذا خرج منه شيء كالمذي مثلًا فإنه يجب عليه أن يغسل ذكره وأنثييه ويتوضأ وضوءه للصلاة يعني أنه ينتقض وضوؤه وأما بدون خارج فإنه لا ينتقض وذلك لأن الأصل براءة الذمة ولم يرد عن النبي ﷺ حديث يدل على نقض الوضوء بمس المرأة بل إنه روي عنه ﷺ (أنه قبَّل بعض نسائه وخرج إلى الصلاة ولم يتوضأ) وهذا الحديث وإن كان بعضهم يضعفه لكنه يوافق الأصل وهو عدم النقض وأما قوله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) إلى آخر الآية فإن المراد بالملامسة هنا الجماع كما فسرها بذلك ابن عباس ﵄ وهو أيضًا مقتضى سياق القرآن الكريم لأن قوله (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) إشارة إلى أحد أسباب الوضوء وقوله (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) إشارة إلى أحد أسباب الغسل فتكون الآية دالة على الموجبين موجب الوضوء وموجب الغسل ولو قلنا المراد بالملامسة اللمس لكانت الآية دالة على موجبين من موجبات الوضوء ساكتة عن موجبات الغسل وهذا نقص في دلالة القرآن فعليه نقول إن حملها على الجماع كما فسرها به أبن عباس هو مقتضى بلاغة القرآن وإيجازه ودلالته فعليه يكون في الآية ذكر الموجبين للطهارة الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى كما أنه ذكر ﷾ الطهارتين الصغرى والكبرى والطهارتين الأصلىة والبدلية فذكر الوضوء وذكر الغسل وذكر الطهارة الأصلىة بالماء وذكر الطهارة الفرعية بالتيمم وذكر أيضًا الموجبين للطهارتين الطهارة الصغرى والطهارة الكبرى وهذا هو مقتضى البلاغة والتفصيل في القرآن وعليه فنقول إذا قبَّل رجلٌ زوجته ولو بشهوة أو ضمَّها إليه ولو بشهوة أو باشرها ولو بشهوة بدون جماع فإنه لا ينتقض وضوؤه إلا إن خرج شيء وكذلك بالنسبة إليها لا ينتقض وضوؤها وأما إذا حصل الجماع ولو بدون إنزال فإنه يجب عليهما جميعًا الغسل لحديث أبي هريرة (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل وإن لم ينزل) . ***
هل مس المرأة ينقض الوضوء سواء كانت زوجة الرجل أو غيرها وهل في هذا خلافٌ بين المذاهب الأربعة فأنا ملتزم بالمذهب الشافعي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة إذا كانت غير محرم للإنسان محرم سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وعلى هذا فلا يجوز لرجل أن يصافح امرأة ليست من محارمه مطلقًا سواء كان لشهوة أم لغير شهوة وأما إذا كانت المرأة زوجته فإنه يجوز أن يمسها لشهوة ولغير شهوة والصحيح أن وضوءه لا ينتقض سواء مسها لشهوة أم لغير شهوة إلا أن يخرج منه خارج بسبب هذا المس فينتقض وضوؤه من الخارج كما لو أمذى مثلًا وأما مجرد المس ولو بشهوة فإنه لا ينقض هذا هو القول الراجح من أقوال أهل العلم وأما سؤال السائل هل في ذلك خلاف بين أهل العلم، نعم فيه خلاف فمن أهل العلم من يرى أن مس المرأة ينقض سواء كان بشهوة أو بغير شهوة ومنهم من يرى أنه لا ينقض سواء كان لشهوة أم لغير شهوة ومنهم من يفصل فيقول إن مسها لشهوة انتقض وضوؤه وإن مسها لغير شهوة لم ينتقض وضوؤه ولكن الصواب أنه لا ينتقض مطلقا ما لم يخرج منه خارج. ***
السائل علي بن كمال مصري ومقيم بالطائف يقول الرجاء من فضيلة الشيخ توضيح الحكم الراجح في هل ينقض وضوء من لمس المرأة بدون حائل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن مس المرأة لا ينقض الوضوء سواء كان بشهوة أو بغير شهوة وسواء كان بحائل أو بغير حائل فلو قبَّلها أو ضمَّها أو باشرها بدون جماع ولكنه لم يخرج منه شيء لا مني ولا مذي فإن وضوءه صحيح لأنه لا دليل على أن المس ينقض الوضوء وإذا لم يكن دليل فالأصل بقاء الوضوء لأن ما ثبت بدليل لا يرفع إلا بدليل فإذا ثبت أن هذا وضوؤه صحيح وأنه باق عليه فإنه لا يمكن أن يُنقض هذا الوضوء إلا بدليل وذلك لأن النقض وعدم النقض أمر حكمي شرعي مرجعه إلى الله ورسوله فإن جاء عن الله ورسوله ما يدل على أن مس المرأة بشهوة ناقض فعلى العين والرأس وإن لم يأتِ فليس لنا أن نفسد عبادة عباد الله إلا ببرهان من الله. ***
بارك الله فيكم المستمع ع م من جدة يقول هل مس الزوجة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس الزوجة لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج من الماس شيء فإن كان مذيا وجب عليه غسل الذكر والأنثيين أي الخصيتين والوضوء وإن كان منيَّا وجب عليه أن يغتسل أما إذا لم يخرج شيء فإن مسها لا ينقض الوضوء ولو حصل انتشار الذكر. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل من اليمن من تعز يقول هل لمس المرأة ينقض الوضوء لأن الرجل في بيته قد يلامس يد زوجته من خلال تناول الأشياء وما تفسير قوله تعالى (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مس المرأة بشهوة لا ينقض الوضوء إلا أن يحدث إنزال فيوجب الغسل أو يحدث مذي فيوجب الوضوء أما إذا لم يحصل شيء فإنه لا ينقض الوضوء حتى لو قبَّلها لشهوة وضمَّها لشهوة وقبض على يدها لشهوة فكل هذا لا ينقض الوضوء وأما قول الله ﵎ (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فالمراد بالملامسة الجماع كما فسرها بذلك عبد الله بن عباس ﵄. ***
أنا طبيب أقوم بمعالجة النساء وذلك للكشف على النبض ولقد سمعت من بعض الناس بأن مس المرأة ينقض الوضوء ولو كان بغير شهوة وجهوني بعملي هذا مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب هذا السؤال يتطلب شيئين الشيء الأول مباشرة المرأة لمعالجتها فهذا إن كان الرجل يحس بالشهوة عند مس المرأة فإنه يحرم عليه أن يمسها لأنها أجنبية منه ولأن مس النساء بشهوة من دواعي الفاحشة فالواجب عليه إذا أحس بذلك أن يتوقف وكذلك إذا علم من نفسه أنه قوي الشهوة وأن شهوته تتحرك عند أدنى ملامسة للمرأة فإن الواجب عليه الكف عن هذا أما إذا كان لا تتحرك شهوته ولا يبالي بمس المرأة ويمسها وكأنه يمس الرجل أو المرأة من بناته فلا حرج عليه عند الضرورة أن يمسها بل لا حرج عليه أن يمس كل ما تدعو الحاجة إليه أما الشيء الثاني فهو نقض الوضوء بمس المرأة فنقول إن مس المرأة لا ينقض الوضوء بكل حال حتى لو مس الرجل امرأته بشهوة أو باشرها لشهوة فإن وضوءه لا ينتقض ما لم يخرج منه مذي أو مني وإن خرج منه مني وجب عليه الغسل. ***
المستمع أحمد أحمد من مصر مقيم في الرياض يقول في رسالته إذا قبَّل الزوج زوجته وكان متوضئًا فهل ينتقض الوضوء ويلزم إعادة الوضوء إذا أدى الصلاة أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قَبَّلَ الرجل امرأته بشهوة ولم يخرج منه شيء فإن القول الراجح أن وضوءه لا ينتقض ولكن إن توضأ فهو أفضل وذلك لأن الوضوء إذا تم بمقتضى الدليل الشرعي فإنه لا ينتقض ولا يفسد إلا بدليل شرعي لأن ما ثبت بدليل لا يمكن رفعه إلا بدليل مساوٍ لذلك الدليل أو بما هو أقوى منه وليس في القرآن ولا في السنة ما يدل على أن تقبيل الزوجة ناقض للوضوء أما قول الله تعالى (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) فإن المراد بالملامسة هنا الجماع وتفسيره باللمس باليد بعيد جدًا وذلك لأننا إذا قرأنا هذه الآية تبين لنا أنه يتعين أن يكون المراد بالملامسة الجماع كما فسرها به عبد الله بن عباس ﵄ واستمع إلى الآية يقول الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ) هذه الطهارة الصغرى التي سببها الحدث الأصغر ثم قال تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وهذه الطهارة الكبرى الاغتسال التي سببها الحدث الأكبر كالجنابة ونحوها ثم قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فذكر الله ﷾ السببين الموجبين للطهارة الأصغر والأكبر فقال (أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ) وهذا السبب الأصغر وهو ما نعنيه بقولنا الحدث الأصغر وقال (أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ) وهذا هو السبب الأكبر الذي نعنيه بقولنا الحدث الأكبر فتكون الآية قد دلت على الطهارتين الكبرى والصغرى وعلى سببيهما أي على سبب الصغرى وهو المجيء من الغائط وسبب الكبرى وهو ملامسة النساء ولو جعلنا الملامسة هنا بمعنى اللمس باليد وأنه ناقض للوضوء لكان في الآية زيادة ونقص تكون في الآية زيادة حيث جعلنا (لامَسْتُمْ) موجب للطهارة الصغرى أيضًا فيكون في الآية ذكر سببين من أسباب الطهارة الصغرى وهذا زيادة إذ أن ذكر سبب واحد كاف وفيه أيضًا إهمال ذكر سبب الطهارة الكبرى وهذا نقص وعليه فيكون سياق الآية دالًا على أن المراد بالملامسة الجماع ليتم بذلك التفصيل والتقسيم وإذا كان المراد بالملامسة الجماع فإنه لا دليل على أن لمس المرأة باليد أو بالتقبيل ناقض للوضوء فيبقى الوضوء على حاله لعدم وجود دليل يفسده. ***
هل التسليم على الأجنبية ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التسليم عليها بالقول باللسان لا ينقض الوضوء ولا تأثير له والتسليم بالمصافحة إذا التزم الإنسان ما شرطناه بأن يكون من وراء حائل لا ينقض الوضوء أيضًا وأما التسليم على الأجنبية مباشرة بدون حائل باليد فإنه محرم ولا يجوز ومع ذلك لو فعل فإنه لا ينتقض وضوؤه لأن مس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو مسَّ الرجل امرأته لشهوة أو قبَّلها لشهوة فإنه لا ينتقض وضوئه بذلك إلا أن يخرج منه خارج، فإن خرج منه خارج وجب عليه أن يفعل ما يقتضيه ذلك الخارج من غسل إن كان منيًّا أو من غسل الذكر والأنثيين إن كان مذيًا مع الوضوء. ***
هل ملامسة المرأة الأجنبية تنقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ملامسة المرأة الأجنبية محرمة لا شك وعلى المرء أن يتوب إلى الله تعالى منها وأن يحرص على أن يتزوج لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال (يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج) ولكنه لا ينقض الوضوء إلا إذا خرج منه شيء إذا خرج منه مذي وجب عليه غسل ذكره وخصيتيه والوضوء وإذا خرج منه مني وجب عليه الغسل والمهم أنه يجب على المرء أن يربأ بنفسه عن هذه السفاسف وأن يبتعد عما يوجب الفتنة فإن ذلك أسلم لدينه وعرضه. ***
هذا السائل من جمهورية مصر العربية يقول بأنه رجل مساعد طبيب في الريف يعالج المرضى ويتعرض لمخالطة النساء بدون قصد وذات مرة يقول قمت بمعالجة إحدى العجائز في إحدى القرى فقدمت لها مغذيا وعند نهاية المغذي قبل صلاة العشاء أمسكت بيد المرأة لإبعاد المغذي عنها وذهبت للصلاة بدون وضوء لأنني كنت على وضوء فهل لمس المرأة ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لمس المرأة لا ينقض الوضوء حتى لو أن الإنسان مس زوجته وقبَّلها لشهوة ولم يحدث مذيٌ ولا مني فإن وضوءه باقٍ لأن القول الراجح من أقوال العلماء أن مس المرأة لشهوة لا ينقض الوضوء. ***
هل أكل لحم الجزور ينقض الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الراجح أن أكل لحم الجزور ناقض للوضوء موجب له (لقول النبي ﷺ حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فلما جعل الوضوء من لحوم الغنم راجعا إلى مشيئة الإنسان علم أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعا إليه وأنه واجب إذ لو كان غير واجب لكان راجعا إليه وقد جاء الأمر بذلك صريحا حيث قال صلى الله عليه وعلى آله وسلم (توضؤوا من لحوم الإبل) والأصل في الأمر الوجوب وعلى هذا فلو أكل الإنسان لحم إبل نيئا أو مطبوخا قليلا أو كثيرا هبرا أو كبدا أو كرشا أو مصران أو أي شيء من أجزائها فإن وضوءه ينتقض وعليه أن يتوضأ من جديد لكن ليس عليه أن يغسل فرجه لأنه لم يَبُل ولم يتغوط. ***
بارك الله فيكم هل الوضوء من أكل لحم البعير يشمل المعدة والكبد والأحشاء عمومًا أم هو خاصٌ باللحم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة فيها خلاف بين أهل العلم على النحو التالي أولًا هل لحم الإبل ينقض الوضوء أو لا ينقض وثانيًا هل هو عام بكل البعير أم هو خاصٌ بما يعرفه العامة عندنا بالهبر اللحم الأحمر والراجح من أقوال أهل العلم أنه ينقض الوضوء سواءٌ من لحم الهبر أو الكرش أو الكبد أو الأمعاء أو غيره لعموم قول الرسول ﷺ (توضؤوا من لحوم الإبل) ولعموم قوله (حين سئل أنتوضأ من لحوم الإبل قال: نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت) ولأن هذا اللحم سواءٌ كان أحمر أو أبيض من حيوانٍ واحد والحيوان الواحد في الشريعة الإسلامية لا تختلف أجزاؤه في الحكم إن كان حلالًا فهو للجميع وإن كان حرامًا فهو للجميع بخلاف شريعة اليهود فإن الله تعالى يقول (وَعَلَى الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَمِنْ الْبَقَرِ وَالْغَنَمِ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُمَا إِلاَّ مَا حَمَلَتْ ظُهُورُهُمَا أَوْ الْحَوَايَا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ) أما هذه الشريعة فليس فيها حيوانٌ تختلف أجزاؤه حلًا وحرمة أو أثرًا بل إن الأجزاء كلها واحدة لأنها تتغذى من طعامٍ واحد وبشرابٍ واحد وبدمٍ واحد وعلى هذا فيكون الراجح هو العموم أن جميع أجزاء البعير يكون ناقضًا للوضوء قليله وكثيره لعموم الأدلة بذلك وإطلاقها ولأن الله تعالى لما حرم لحم الخنزير قال (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) فكان ذلك شاملًا لجميع أجزاء الخنزير سواءٌ كان المعدة أو الكبد أو الشحم أو غير ذلك وعليه يجب على من أكل شيئًا من لحم الإبل من كبدها أو قلبها أو كرشها أو أمعائها أو لحمها الأحمر أو غير ذلك يجب عليه أن يتوضأ للصلاة لأمر النبي صلى الله عيه وسلم بذلك ثم إنه حسب ما علمناه أن ذلك له فائدة طبية لأنهم يقولون إن للحم الإبل تأثيرًا على الأعصاب لا يهدئه ويبرده إلا الماء وهذا من حكمة الشرع وسواءٌ كانت هذه الحكمة أم كانت الحكمة غيرها فنحن متعبدون بما أمرنا به لقوله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) ولهذا يقول الأطباء لا ينبغي للإنسان العصبي أن يكثر من أكل لحم الإبل لأن ذلك يؤثر عليه والله أعلم. فضيلة الشيخ: يُفهم من هذا أنه ليست هناك علة واضحة بل هو أمرٌ تعبدي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا عند أكثر أهل العلم الذين يقولون بنقض الوضوء به أن الأمر تعبدي وقال بعض العلماء أن له هذه العلة. فضيلة الشيخ: علة طبية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم. ***
السائل عبد الكريم س. ع يقول يوجد مدرس عندنا يقول إن لحم الإبل لا ينقض الوضوء قلنا له ولماذا قال أنه على (زمن الرسول ﷺ اجتمعوا عند أحدهم فأكلوا الإبل فطلع من أحدهم رائحة كريهة فقال رسول الله ﷺ لكي لا يحرج صاحبه الذي أطلع الرائحة من أكل لحم الإبل فليتوضأ فتوضأ الصحابة لكي لا يحرجوا صاحبهم) يقول المدرس فصارت عادة من أكل لحم الإبل فليتوضأ يقول السائل ونحن الطلاب درسنا في الابتدائي أن من أكل لحم الإبل فليتوضأ ولم يُقَلْ لنا هذه القصة أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه القصة لا أصل لها إطلاقًا كذب على النبي ﷺ والنبي ﵊ يستطيع أن يقول من احدث فليتوضأ في تلك الساعة ولا يلزم الناس جميعًا أن يتوضئوا من أجل جهالة الذي وقع منه هذا الصوت وعلى كل حال هذه القصة باطلة والصواب من أقوال أهل العلم وجوب الوضوء من أكل لحم الإبل سواء أكله نيئًا أو مطبوخًا قليلًا كان أم كثيرًا من جميع أجزاء البدن لعموم قول النبي ﷺ (توضئوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل فقال يا رسول الله أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل؟ قال نعم) فلما وَكَلَ الوضوء من لحم الغنم إلى مشيئته دلَّ ذلك على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعًا إلى مشيئته وهذا هو معنى وجوب الوضوء من لحم الإبل. ***
ما الحكمة في أن أكل لحم الإبل ينقض الوضوء وباقي اللحوم لا تستوجب ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكمة في هذا هي طاعة رسول الله ﷺ حيث قال (توضؤوا من لحوم الإبل) (وسئل ﷺ أتوضأ أي سأله سائل فقال أتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قال أتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم عائدًا إلى مشيئة الإنسان وفي لحم الإبل (قال نعم) دَلَّ ذلك على أنه لا بد من الوضوء من لحم الإبل وأنه لا يرجع لاختيار الإنسان ومشيئته وإذا أمر النبي ﷺ بشيء فإنه حكمة ويكفي المؤمن أن يكون الأمر أمرًا لله ورسوله قال الله تعالى (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) (ولما سئلت عائشة ﵂ عن المرأة الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة قالت كان يصيبنا ذلك فنؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) فجعلت الحكمة هي الأمر فإذا أمر الله ورسوله بشيء فالحكمة في فعله على أن بعض أهل العلم أبدى حكمة في ذلك وهي أن لحوم الإبل فيها شيء من إثارة الأعصاب والوضوء يهدئ الأعصاب ويبردها ولهذا أمر الرجل إذا غضب أن يتوضأ والأطباء المعاصرون ينهون الرجل العصبي عن كثرة الأكل من لحم الإبل فإن صحت هذه الحكمة فذاك وإن لم تصح فإن الحكمة الأولى هي الحكمة وهي أمر رسول الله ﷺ والتعبد لله تعالى بتنفيذ أمر نبيه ﷺ. ***
يقول السائل من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل فهل لبنها ينقض الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من نواقض الوضوء أكل لحم الإبل أيّ لحم كان سواء الكبد أو الكلية أو الأمعاء أو الكرش أو اللحم الأحمر كل شيء إذا أكله الإنسان منه انتقض وضوؤه به لأن الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم (قال توضؤوا من لحوم الإبل) (وسأله رجل أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم قال أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شئت) فكونه جعل الوضوء من لحم الغنم راجعًا إلى مشيئة الإنسان وأما الإبل (فقال نعم) دليل على أن الوضوء من لحم الإبل ليس راجعًا إلى مشيئة الإنسان وأنه لا بد منه أما لبنها ففيه حديث إسناده حسن في الأمر بالوضوء منه لكنه ليس على سبيل الوجوب والدليل (أن العرنيين الذين جاؤوا إلى المدينة اجتووها أمرهم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يلحقوا بإبل الصدقة فيشربوا من أبوالها وألبانها) ولم يقل توضؤوا مع أن الحاجة داعية إلى بيان ذلك لو كان واجبًا فالصواب أن الوضوء من ألبانها سنة وليس بواجب وأما من لحومها فواجبٌ لا بد منه. ***
بارك الله فيكم أبو عبد الله يقول شخص تناول طعام العشاء عند أحد زملائه وشك بعد الصلاة هل اللحم لحم غنم أم لحم جمل فهل يسأل أم لا وإذا تعذر السؤال هل يعيد الصلاة أم لا أفيدونا بهذا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أكل الإنسان لحمًا وشك هل هو لحم إبل أو لحم غيره فإنه لا يلزمه أن يسأل ولكن إذا علم ولو فيما بعد فعليه أن يعيد الصلاة وبهذا السؤال نعرف أن السائل يعرف الفرق بين لحم الإبل ولحم غيرها فإن لحم الإبل ينقض الوضوء لقول النبي ﷺ (توضؤوا من لحوم الإبل) ولأنه (سئل أنتوضأ من لحوم الغنم قال إن شيءت قالوا أنتوضأ من لحوم الإبل قال نعم) فجعل الوضوء من لحم الغنم عائدًا إلى مشيئة العبد وجزم بالوضوء من لحم الإبل فدل على أن لحم الإبل يجب الوضوء منه وأنه لا يعود إلى مشيئة العبد ولحم الإبل يشمل جميع أجزاء البعير كالكبد والكرش والأمعاء والقلب وغير ذلك لأن النبي ﵊ لم يخصص منها شيئًا فدل هذا على العموم ومما يدل على أن اللحم إذا أضيف إلى الحيوان فهو شامل لجميع أجزائه قول الله تعالى (حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ وَالدَّمُ وَلَحْمُ الْخِنزِيرِ) ومن المعلوم أن لحم الخنزير يشمل الأمعاء والكرش والقلب والكبد وغير ذلك أما لحم غير الإبل فإنه لا ينقض الوضوء لكن ذكر كثير من أهل العلم أنه يستحب الوضوء مما مست النار لأن الوضوء مما مست النار كان مأمورًا به لكنه ليس على سبيل الوجوب. ***
الوطء بالقدم على النجاسة وهي لا تزال رطبة هل هذا ينقض الوضوء لو كان الإنسان متوضئًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ينقض الوضوء ولا دخل للنجاسة في الوضوء حتى لو تلوث الإنسان بالنجاسة ببدنه أو بثوبه فإن وضوءه باقٍ. فضيلة الشيخ: إذًا عليه فقط أن يطهر الموضع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم عليه أن يطهر ما يجب تطهيره. ***
بارك الله فيكم السائل يقول إذا أصابت رجلي أو يدي نجاسة فغسلتها فهل أبقى على طهارتي بعد ذلك أم أن النجاسة نقضت وضوئي جزاكم الله خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة لا تنقض الوضوء فإذا أصاب الإنسان نجاسة فإن وضوءه باقٍ ولكن يغسل هذه النجاسة. وبهذه المناسبة أود أن أنبه إلى أن جميع الخارج من البدن لا ينقض الوضوء إلا البول والغائط فأما الدم إذا خرج من الأنف أو إذا خرج من جرح أو نحو ذلك فإنه ليس بنجس ولا ينقض الوضوء سواء كان قليلا أم كثيرا. ***
أحسن الله إليكم هذه السائلة تقول تقليم الأظافر بعد الوضوء هل يبطله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: تقليم الأظافر بعد الوضوء لا يبطل الوضوء حلق الرأس بالنسبة للرجال بعد الوضوء لا ينقض الوضوء وقد استدل بعض العلماء بكون حلق الرأس بعد الوضوء لا ينقض الوضوء استدل لذلك بأن خلع الخفين بعد الوضوء لا ينقض الوضوء فكذلك حلق الرأس بعد الوضوء ولا شك أن القول الراجح في مسألة الخفين أن نزعهما لا ينقض الوضوء لعدم الدليل على ذلك والوضوء ثبت صحيحا بمقتضى دليل شرعي وما ثبت بمقتضى دليل شرعي فإنه لا يرفع إلا بدليل شرعي. ***
بارك الله فيكم المستمعة ن. ع. من الزلفي تقول فضيلة الشيخ أنا أعاني من كثرة الوساوس وبالخصوص في الصلاة والوضوء فعندما أتوضأ أشك في وضوئي فأعيده كذلك في الصلاة أحيانًا أشك بعدم قراءتي للفاتحة أو غير ذلك ما الحل أرشدوني مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل أن يتعوذ الإنسان من الشيطان الرجيم إذا حصلت له هذه الشكوك وألا يلتفت إليها وأن يعرض عنها إعراضًا تامًا وقد أرشد إلى مثل هذا رسول الله ﷺ حين (شكي إليه الرجل يخيل إليه إنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فإذا توضأتِ وشككتِ هل أنتِ أتممتِ الوضوء أم لم تتميه فالأصل الإتمام لا تلتفتي وإذا شككت أنك نويت أم لم تنوي فالأصل النية وإذا شككت سميت أم لم تسمي فالأصل التسمية وأقول هذا فيمن ابتلي بالوسواس لأن الذي ابتلي بالوسواس لا تكون شكوكه إلا وهمًا ليس لها أساس وعلى هذا فلا تلتفتي إلى مثل هذه الشكوك أبدًا لا في الصلاة ولا في الوضوء وأنا أظن كما هو الواقع كثيرًا أنك إذا ضغطتي على نفسك ولم تلتفتي إلى هذا الوسواس فستجدين مشقة وضيقًا وألمًا نفسيًا ولكن هذا يزول قريبًا فاصبري عليه وفي مدة يسيرة يزول. ***
السائلة تقول بأني أغسل العضو المراد غسله في الوضوء أكثر من المطلوب بسبب الوسواس وأيضا في الصلاة أعيد قراءة الفاتحة اكثر من مرة واكرر أيضا التسليم عدة مرات وفي إحدى المرات دار خلاف بيني وبين زوجي حول هذا الموضوع فقال بأن هذا محرم فما رأيكم فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: رأينا أن الزيادة في الوضوء على ثلاث من تعدي حدود الله وقد قال الله ﵎ (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ) وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (أنه توضأ مرة مرة) (ومرتين مرتين) (وثلاثا ثلاثا) وقال (من زاد على هذا فقد أساء وتعدى وظلم) وكذلك يقال في الصلاة لا يكرر المصلى أذكار الصلاة أكثر من مرة إلا ما وردت به السنة فلا يكرر الفاتحة ولا التكبيرة ولا قراءة سورة مع الفاتحة وأما ما ورد فيه التكرار كالتسبيح في الركوع وفي السجود لا بأس به يكرر ما شاء وإني أنصح هذه المرأة من التمادي في الوسواس وأقول إنه ربما تصل إلى حال شديدة لأن الشيطان يستدرج بني آدم من الأصغر إلى الأكبر والعياذ بالله فعليها أن تستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وألا تزيد على ما جاءت به الشريعة لا في وضوءها ولا في صلاتها. ***
الحاج تركي أسود يقول عندما أبدأ في الصلاة وفي منتصفها أشك في نقض الوضوء أحيانًا ولذلك أتوضأ مرتين أو أكثر وسبب نقض الوضوء هو يقول انحناء في الظهر نرجو منكم إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال أجاب عنه النبي ﷺ حيث (سُئل عن الرجل يخيل إليه أنه يجد الشيء في الصلاة فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) فما دمت في صلاة الفريضة ثم طرأ عليك هذا الشك هل أحدثت أم لم تحدث فإنه لا يحل لك أن تخرج منها بل الواجب أن تستمر في صلاتك حتى تنتهي إلا إذا تيقنت أن شيئًا خرج فإذا تيقنت ذلك فعليك أن تخرج ولا يحل لك أن تمضي بعد أن أحدثت وهذا الحديث الذي أفتانا به رسول الله ﷺ يعتبر قاعدة عظيمة من قواعد الشرع وهي أن اليقين لا يزول بالشك وأن الأصل بقاء ما كان على ما كان فما دامت الطهارة متيقنة فإنها لا تزول بالشك وما دامت باقية فإن الأصل بقاؤها حتى يثبت زوالها وفي هذا الحديث راحة للإنسان وطمأنينة للنفس حيث يبقى بعيدًا عن الوساوس والشكوك لأنه بهذا الحديث يطرح الشك ويبني على ما استيقن وهي الطهارة أما إذا تيقن الحدث في أثناء الصلاة فإنه يجب عليه أن يخرج منها وهذا أمر قد يقع في أثناء الصلاة وبعض الناس يبقى في صلاته إذا كان في المسجد جماعة يخجل أن ينصرف من صلاته أمام الناس فهذا خطأ فإن الله تعالى أحق أن يخشى وأحق أن يستحي منه وفي هذه الحال أعني فيما إذا أحدث في أثناء صلاة الجماعة فإنه يخرج ويضع يده على أنفه كأنه حصل له رعاف حتى يزول عنه الخجل والحياء ثم يتوضأ ويرجع إلى المسجد ليدرك مع الجماعة ما بقي من الصلاة. ***
من المرسلة الحائرة أ. ص. ع. م. وردتنا هذه الرسالة تقول فيها أنا دائمًا أتوضأ للصلاة خمس مرات أو أكثر لأنني أشك في الطهارة فما هو الحل لديكم وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحل لدينا أن تكثر هذه المرأة من ذكر الله تعالى والاستعاذة من الشيطان الرجيم وأن لا تلتفت إلى ما عَمِلَت بعد انتهاء عملها منه فإذا توضأت أول مرة فإنها لا تعيد الوضوء مرةً ثانية مهما طرأ على بالها من الشك والوسواس لأنها إذا فتحت على نفسها هذا الأمر فربما يصل بها الوسواس إلى أن تشك في صلاتها وفي إيمانها وإسلامها وهذا ضررٌ وخطرٌ عظيم فالواجب عليها الإكثار من ذكر الله والاستعاذة من الشيطان الرجيم عند حدوث هذا وألا تلتفت إليه ما دام فعلته فلا تعيده مرةً ثانية. ***
أبو عبد الله يقول إذا دخل الشخص دورة المياه وفي نيته أنه يتوضأ لكن بعد الخروج لا يدري هل توضأ أم لا وقد تكرر ذلك عنده عدة مرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الشك الذي يعتريه شكًا دائمًا فإنه لا يلتفت إليه لأنه يشبه الوسواس بل هو وسواس أما إذا كان طارئًا فإنه يجب عليه أن يتوضأ لأنه شك في وجود الوضوء والأصل عدم وجوده وقد ذكر بعض العلماء ضابطًا للشك. فقال (والشك بعد الفعل لا يؤثر.....وهكذا إذا الشكوك تكثر) فنقول لهذا السائل إذا كانت أكثر عادتك أنك تتوضأ وكثرت عليك الشكوك في أنك لم تتوضأ فابني على العادة الأكثر وعلى أنك متوضئ أما إذا كان الشك نادرًا فإنه يجب عليك أن تتوضأ لأن الأصل عدم وجود الوضوء. ***
من سلطنة عمان، صحار السائل س. م. ج. يقول كنت ذات يوم أصلى إمامًا لصلاة الجمعة وفي التشهد الأخير من صلاتي بالناس شككت في وضوئي هل توضأت أم لا علمًا أنني قبل موعد الصلاة بربع ساعة تقريبًا اغتسلت غسل الجمعة ولكني لم أتأكد هل توضأت بعده أم لا فهل يكفي ذلك الغسل وإن كنت لم أنوِ به الطهارة من الحدث الأصغر أم لا وإن لم يكن كافيًا فماذا علي أن أفعل وما الحكم في صلاة المأمومين خلفي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هذا السؤال أحب أن أبين قاعدة نافعة في باب الحدث وغيره وهي أن الأصل بقاء ما كان على ما كان وهذا الأصل مبني على ما ثبت عن النبي ﷺ (في الرجل يخيل إليه أنه أحدث فقال لا ينصرف حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحًا) ومن أمثلة هذا الأصل إذا كان الإنسان قد توضأ فشك هل أحدث أم لا فإنه يبقى على وضوئه وطهارته لأن الأصل بقاء الطهارة وعدم الحدث ومن هذا الأصل إذا أحدث الإنسان ثم شك هل رفع حدثه أم لم يرفعه فإن الأصل بقاء الحدث وعدم رفعه فعليه أن يتوضأ إن كان الحدث أصغر وأن يغتسل إن كان الحدث أكبر وبناءً على ذلك فإننا نقول في مثل هذه الحال التي ذكرها السائل لو شك الإمام في أثناء الصلاة في التشهد الأخير أو فيما قبله هل تطهر من حدثه أم لا فإن الأصل عدم الطهارة وحينئذٍ يجب عليه أن ينصرف من صلاته وأن يعهد إلى أحد المأمومين بإتمام الصلاة بهم إمامًا فيقول مثلًا تقدم يا فلان أكمل الصلاة بهم ويبنون على ما مضى من صلاتهم هذا هو القول الراجح في هذه المسألة وبه يتبين أن صلاة المأمومين ليس فيها خلل سواء ذكر الإمام في أثناء الصلاة أو بعد تمام صلاته أنه ليس على طهارة فإن ذكرها بعد تمام صلاته فقد انتهت صلاة المأمومين على أنها صحيحة ولا إشكال فيها وإن ذكر في أثناء صلاته فإن المأمومين لم يفعلوا شيئًا يوجب بطلان صلاتهم لأنهم فعلوا ما أمروا به من متابعة هذا الإمام والأمر الخفي الذي لا يعلمون به ليسوا مؤاخذين به لقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وكوننا نلزمهم بأمر خفي يتعلق بالإمام هذا من الأمور التي لا تدخل تحت الوسع وعلى هذا فنقول إذا تبين للإمام في أثناء صلاته أنه ليس على وضوء أو أحدث في أثناء الصلاة فإنه يعهد إلى واحد من المأمومين أن يتقدم ويكمل بهم الصلاة ولا حرج في ذلك وعلى هذا فنقول للأخ السائل إذا حدث منك مثل هذا في صلاة الجمعة فإنك تعهد إلى أحد المأمومين يتقدم يكمل بهم صلاة الجمعة وأما أنت فتذهب وتتطهر ثم ترجع فإن أدركت ركعة من الصلاة مع الجماعة في الجمعة فأتِ بعدها بركعة واحدة لتكون لك جمعة وإن أدركت أقل من ركعة بأن جئت بعد أن رفع الإمام رأسه من الركوع في الركعة الثانية فقد فاتتك الجمعة فتصلىها ظهرًا. ***
تقول السائلة إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول ﵊ كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا ﵊ بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي ﵊ بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول ﵊ هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين. أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا. وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحة مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسيًا أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرمًا وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم. ***
أحسن الله إليكم السائل سلطان عبد الرحمن يقول هل يجوز مس المصحف من غير وضوء مع وضع حاجز قماش أو نحوه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان أن يضع قماشا يحول بينه وبين مس المصحف ويقرأ فيه ولو كان على غير وضوء وهنا يقول السائل هل يجوز مس المصحف مع وضع قماش؟ وهذا التعبير غير صحيح لأنه إذا كان هناك قماش لم يكن هناك مس المس لا يمكن إلا إذا لم يكن هناك حائل والصحيح أنه لا يجوز مس المصحف والإنسان على غير وضوء بدون حائل لقوله في الحديث الذي كتبه النبي ﷺ لعمر بن حازم (أن لا يمس القرءان إلا طاهر) وهذا الحديث وإن كان مرسلا لكنه قد اعتبره أهل العلم وأخذوا به وفرعوا عليه مسائل كثيرة في الفقه وعليه فلا يجوز مس المصحف إلا إذا كان على طهارة وأما إذا وضع حائلا فإنه ليس بماس له فلا حرج فإن قال قائل ما تقولون في الصبيان الذين يحملون جزءا من القرآن الكريم وهم على غير وضوء؟ نقول إن بعض العلماء قال إن الصبيان يستثنون من هذا لأن الصبي غير مكلف فلا يجب عليه شيء ومنهم من قال إنه وإن لم يجب عليه شيء لكن يجب على وليه أن يمنعه من مس المصحف بلا وضوء ولكن هنا الحاجة قائمة لمس المصحف بدون وضوء لأن الصبي قد يكون غير عارف بالوضوء ثم لو توضأ فليس مضمونا أن يحفظ نفسه من الحدث فيعفى عن ذلك للمشقة والله أعلم. ***
بارك الله فيكم تقول هذه السائلة هل يجوز مس المصحف بغير وضوء ولو كان الفرد مثلًا في سيارة وأراد أن يقرأ من المصحف وهو غير متوضيء فهل يجوز له مس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أراد الإنسان أن يقرا القرآن من المصحف وهو غير متوضيء فلا حرج عليه لكنه لا يباشر مس المصحف بل يجعل بينه وبينه حائلًا إما بأن يلبس قفازين وإما بان يضع منديلًا يحول بينه وبين مس المصحف وهذا هو القول الراجح من أقوال العلماء وذلك لأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال في الكتاب الذي كتبه لعمرو ابن حزم (لا يمس القرآن إلا طاهر) وهذا الكتاب وإن كان مرسلًا تكلم فيه العلماء لكن تلقاه أهل العلم بالقبول وعملوا بما فيه من أحكام وتلقي الأمة بالقبول لحديث مرسل يدل على أن له أصلًا ولأن الوضوء من تعظيم كتاب الله ﷿ فكان ينبغي للإنسان ألا يمس القرآن إلا وهو متوضيء. ***
تقول السائلة من القصيم البعض من المعلمات تضطر أن تمسك المصحف وهي غير طاهرة وذلك في مجال التعليم الابتدائى علما بأن المصحف مضافًا إلى كتاب التوحيد والفقه فهل يعتبر هذا في حكم المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان المصحف مضافًا إلى كتاب التوحيد والفقه وكان هذا المجلد أكثر ما فيه من غير القرآن فإنه لا بأس بمسه لأنه لا يعد مصحفا إذ أن أكثره ليس من القرآن وأما إذا أضيف إلى غيره وأكثره من القرآن فإنه في حكم المصحف فلا يجوز لمن عليه حدث أكبر أو أصغر أن يمسه بيده مباشرة ولكن يمكن أن يمسه من وراء حائل بأن يجعل على يده منديلًا أو تلبس المرأة قفازين أو ما أشبه ذلك. ***
محمد عثمان معلم باليمن الشمالي يقول في رسالته أعمل في مدرسة وهي بعيدة عن القرية وأُدَرّسُ التلاميذ القرآن الكريم ولا يوجد ماء في المدرسة أو بالقرب منها للوضوء والقرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فماذا أفعل في هذه الحالة أثابكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن في المدرسة ماء ولا في قربها فإنه ينبه على الطلبة أن لا يأتوا إلا وهم متطهرون وذلك لأن المصحف لا يمسه إلا الطاهر لحديث عمرو بن حزم الذي كتبه النبي ﷺ له -وفيه- (أن لا يمس القرآن إلا طاهر) والطاهر هنا الرافع للحدث بدليل قوله تعالى في آية الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) ففي قوله (لِيُطَهِّرَكُمْ) دليل على أن الإنسان قبل أن يتطهر لم تحصل له الطهارة وعلى هذا فلا يجوز لأحد أن يمس القرآن إلا وهو طاهر متوضئ إلا أن بعض أهل العلم رخص للصغار أن يمسوا القرآن لحاجتهم لذلك وعدم إدراكهم للوضوء ولكن الأولى أن يؤمر الطلاب بذلك أي بالوضوء حتى يمسوا المصحف وهم على طهارة وأما قول السائل لأن القرآن (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) فكأني به يريد أن يستدل بهذه الآية على وجوب التطهر لمس المصحف والآية ليس فيها دليل لهذا لأن المراد بقوله (لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ) الكتاب المكنون وهو اللوح المحفوظ والمراد بالمطَهَّرون الملائكة ولو كان يراد بها المتطهرون لقال لا يمسه إلا المطهرون أو إلا المتطهرون ولم يقل (إلا الْمُطَهَّرُونَ) وعلى هذا فليس في الآية دليل على أنه لا يجوز مس المصحف إلا بطهارة لكن الحديث الذي أشرنا إليه آنفًا هو الذي يدل على ذلك. ***
المستمع ف. ر. ج. من سوريا يقول فضيلة الشيخ هل تصح قراءة القرآن بغير وضوء أرجو منكم إجابة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تجوز قراءة القرآن بغير وضوء وقد قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) وقراءة القرآن من ذكر الله لكنها لا تجوز إذا كان الإنسان جنبًا حتى يغتسل (لأن النبي ﷺ كان يُقرئ أصحابه القرآن ما لم يكونوا جنبًا) كما جاء ذلك عن علي بن أبي طالب ﵁ وأما مس المصحف فلا يجوز إلا بوضوء لأن في حديث (عمرو بن حزم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قال: لا يمس القرآن إلا طاهرٌ) وهذا الحديث وإن كان مرسلٌ إلا أن الأمة تلقته بالقبول والمرسل إذا تلقته الأمة بالقبول صار صحيحًا والطاهر هنا الطاهر من الحدث وليس المؤمن لأنه لم يكن من عادة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يعبر عن المؤمن بالطاهر ويدل على أن الطاهر هو المتوضئ قول الله ﵎ في آية الوضوء التي جمع الله فيها بين الوضوء والغسل والتيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وعلى هذا فلا يحل للإنسان إذا كان على غير وضوء أن يمس المصحف إلا من وراء حائل بأن يجعل منديلًا على يده أو قفازًا أو يتصفح المصحف بسواكٍ أو نحوه. ***
السائل عبد الرحمن يوسف يقول هل يجوز لي أن أقرأ القرآن على صدري وأنا على غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لحافظ القرآن أن يقرأ القرآن على غير وضوء ولكن الأفضل أن يكون على وضوء أما من يقرأ في المصحف فلا بد أن يتوضأ لأنه لا يتسنَّى له أن يمس المصحف إلا بوضوء لكن يمكن أن يقرأ من المصحف وإن لم يتوضأ بان يلبس قفازًا أو يجعل معه منديلًا يقلب به الأوراق أو مسواكًا يقلب به الأوراق ويقرأ. ***
السائل محمد علي من المنطقة الجنوبية يقول هل يجوز أن أقرأ القرآن بغير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز أن تقرأ القرآن بغير وضوء لكن لا تمس المصحف فإن احتجت إلى مس المصحف فأجعل بينك وبينه حائلًا بأن تمسه بواسطة المنديل أو المسواك تقلب به الورق أو ما أشبه ذلك لأن القول الراجح أنه لا يجوز أن يمس القرآن إلا طاهر كما في حديث عمرو بن حزم المشهور المستفيض أما قراءة القرآن بدون مس المصحف فهي جائزة للمحدث إلا أن يكون الإنسان جنبا فإنه لا يقرأ القرآن حتى يغتسل من الجنابة (لأن النبي ﷺ كان يقرئ القرآن أصحابه ما لم يكن جنبا) . ***
باب الغسل
كيف يكون غسل الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة له صفتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي أن يغسل الإنسان بدنه كله لقوله تعالي (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإذا غسل الإنسان بدنه كله على إي صفة كانت بنيةٍ أجزأه ذلك ومن المعلوم أن المضمضة والاستنشاق داخلان في هذا لأن الأنف والفم في حكم الظاهر لا في حكم الباطن ولهذا كان الرسول ﷺ يتمضمض ويستنشق في الوضوء وهذا في تفسير قوله تعالى (فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ) فعلى كل حال هذه الصفة الواجبة في الغسل أن يعم الإنسان جميع بدنه بالماء مرة واحدة ومن ذلك المضمضة والاستنشاق وأما الصفة المستحبة فهو أن يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءه للصلاة وضوءًا كاملًا يغسل وجهه بعد المضمضة والاستنشاق ويغسل يديه إلى المرفقين ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على رأسه حتى يروِي أصوله إذا كان ذا شعركثير ثم يفيض عليه ثلاثة مرات على الرأس ثم يغسل سائر جسده هذا على صفة ما روته عائشة ﵂ عن النبي ﷺ أما ما روته ميمونة ﵂ فإن الأمر يختلف بعض الشيء فإنه يغسل فرجه وما لوثه ويضرب بيده على الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثة لينظفها بعد هذا الغسل ويغسلها ثم يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه ثم يغسل يديه إلى المرفقين ثم يغسل رأسه غسلًا كاملًا ولا يغسل رجليه ثم بعد ذلك يفيض الماء على سائر جسده ثم يغسل رجليه في مكان آخر هكذا روته أم المؤمنين ميمونة ﵂ والأفضل للإنسان أن يفعل الصفتين جميعًا بمعني أن يغتسل على صفة ما جاء في حديث عائشة ﵂ أحيانًا وعلى صفة ما جاء في حديث ميمونة أحيانًا ليكون عاملًا للسنتين جميعًا وإذا كان الإنسان لا يدرك إلا صفة واحدة من هاتين الصفتين فلا حرج عليه في ملازمتها، ولا يلزم إعادة الوضوء لأن النبي ﷺ لم يكن يتوضأ بعد الغسل لكن إن مس ذكره فإنه يجب عليه الوضوء لا من أجل جنابة سابقة ولكن من أجل الحدث الطارئ وهو مس الذكر إذا قلنا بأن مس الذكر ينقض الوضوء لأنها مسألة خلافية بين أهل العلم والله الموفق. ***
هذه الرسالة وردتنا من عبد الله عمر من جدة فيها أسئلة كثيرة كلها تدور حول الغسل من الجنابة وخرجنا من مجملها بالسؤال التالي ما هي كيفية الغسل من الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: للغسل من الجنابة كيفيتان واجبة ومستحبة أما الواجبة فهي تعميم جميع الجسم بالغسل بمعنى أن يغسل جميع جسمه بالماء على أي كيفيةٍ كانت ومنها لو نوى وانغمس في بركة أو في ساقيه تمشي انغمس كله حتى عم الماء جميع بدنه فإنه بذلك يكون قد تطهر من الجنابة والكيفية الثانية المستحبة هي كالآتي: أولًا: يغسل يديه أي كفيه ثلاث مرات. ثانيًا: يغسل فرجه وما تلوث به من أثر الجنابة. ثالثًا: يتوضأ وضوءه للصلاة أي يتمضمض ويستنشق ويغسل وجهه وذراعيه ويمسح رأسه وأذنيه ويغسل رجليه. رابعًا: يغسل رأسه فإذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات ولا بد أن يصل الماء إلى أصول الشعر. خامسًا: يغسل بقية جسمه بالماء مرةً واحدة فهذه كيفية مشروعة كما جاء ذلك في حديث عائشة ﵂ في صفة غسل النبي ﷺ من الجنابة وإن اغتسل على ما جاء في حديث ميمونة ﵂ فلا حرج وهو قريبٌ من هذه الصفة إلا أنه يختلف بأنه لا يغسل رجليه إذا توضأ في أول الأمر وإنما يؤخر غسلها حتى ينتهي من الغسل ويغسلها بعد ذلك كما فعل الرسول ﷺ. ***
أحسن الله إليكم يا شيخ أبو فيوض العتيبي من الرياض يقول هل غسل الجنابة مثل غسل يوم الجمعة أو غسل التنظف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ينبغي أن يقول هل غسل الجنب الجمعة كغسل الجنابة لأن هذا أولى. غسل الجنابة وغسل الجمعة سواء بمعنى أن الإنسان عندما ينظف فرجه من أثر الجنابة يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يفيض الماء على رأسه حتى يرويه ثلاث مرات ثم يغسل سائر جسده هذا في الغسل من الجنابة ومثله الغسل يوم الجمعة ومثله الغسل عند الإحرام بحج أو عمرة وإذا أغتسل من الجنابة واقتصر عليه كفاه عن الوضوء فيما بعد ولكن يجب أن يلاحظ أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الوضوء وواجبان في الغسل لابد منهما فإذا اغتسل بنية رفع الجنابة مع المضمضة والاستنشاق وهما من الغسل وإنما ذكرتهما لأن بعض الناس يظن أن الغسل ليس فيه مضمضة ولا استنشاق فإنه يكفيه عن الوضوء حتى لو انغمس في بركة ماء ثم خرج وكان أنغمس بنية غسل الجنابة ثم خرج وتمضمض وأستنشق فليذهب فليصلّ لأن غسل الجنابة مبيح للصلاة قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله ﷾ في الجنابة إلا التطهر والاغتسال ولم يذكر الوضوء فدل هذا على أن الغسل من الجنابة رافع للحدث الأصغر والأكبر. ***
أولًا أود أن أخبركم بأنني أحبكم في الله وأحب كل من ينتفع بعلمه المسلمين وجزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ورزقكم الدرجات العليا من الجنة إن شاء الله وأقول لكل من يساهم في هذا البرنامج جزاه الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء ثانيًا أرسل لفضيلتكم برفقة هذا الخطاب صور من كتاب كيفية الصلاة وفي هذا الكتاب يتحدث المؤلف عن كيفية الصلاة حيث تناول من ضمن ذلك الحديث عن الغسل حيث ذكر الأحوال التي يجب فيها الغسل كما ذكر فرائض الغسل وذكر من ضمن الفرائض النية حيث ذكر الكاتب بأنه عندما يريد الإنسان أن يغتسل عليه أن ينوي بقلبه لفرض وأن يتلفظ بالنية بأن يقول نويت فرض الغسل فلا مانع ويجوز منه ذلك. والسؤال هل يجوز التلفظ بالنية مع أننا نعرف بأن التلفظ بالنية بدعة فهل هذا صحيح وذلك موضح لديكم بالصورة المرفقة بالخطاب وأيضًا ذكر الكاتب بأن الفرض الثاني هو تعميم الجسد بالماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال مطول كما استمع إليه من يستمع هذا البرنامج وفيه تقول أنها تحبنا في الله فأسأل الله تعالى الذي أحبتنا فيه أن يحبها وفيه أيضا حينما دعت بالتوفيق ورفعة الدرجات قالت في نهاية دعائها (إن شاء الله) ولا ينبغي للإنسان إذا دعا الله ﷾ أن يقول إن شاء الله في دعائه بل يعزم المسألة ويعظم الرغبة فإن الله ﷾ لا مُكره له وقد قال ﷾ (وَقَالَ رَبُّكُمْ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) فوعد بالاستجابة فحينئذٍ لا حاجة لأن يقال إن شاء الله فإن الله ﷾ إذا وفق الإنسان للدعاء فإنه يجيبه إما بمسألته أو بأن يرد عنه شرًا أو يدخرها له يوم القيامة وقد ثبت عن النبي ﷺ أنه قال (لا يقول أحدكم اللهم اغفر لي إن شيءت اللهم ارحمني إن شيءت ولكن ليعزم المسألة وليُعظم الرغبة فإن الله تعالى لا مُكره له) فإن قال قائلٌ ألم يثبت (عن النبي ﷺ أنه كان يقول للمريض لا بأس طهورٌ إن شاء الله) فنقول بلى ولكن هذا يظهر أنه ليس من باب الدعاء وإنما هو من باب الخبر والرجاء وليس دعاءً فإن الدعاء من آدابه أن يجزم به المرء وهذا التعبير يقع من كثيرٍ من الناس وأما ما ذكرته من أن الرجل إذا دخل مغتسله فإنه يستقبل القبلة عند الغسل فهذا ليس بصحيح فإن جميع الذين نقلوا صفة غسل النبي ﷺ لم يذكروا أنه كان يستقبل القبلة حين اغتساله ولو كان هذا من الأمور المشروعة لبينه رسول الله ﷺ لأمته إما بقوله وإما بفعله فلما لم نجد ذلك عن رسول الله ﷺ مع وجود سببه لو كان مشروعًا علم أنه ليس بمشروع وهذه القاعدة تنفع الإنسان في هذا المقام وغيره وهو أن كل شيء وجد سببه في عهد النبي ﵊ ولم يشرع له قولٌ أو فعل فإنه ليس بمشروع أي فإنه لا يشرع له قول ولا فعل ومن ذلك النية نية العبادة أي التلفظ بها فإن العبادات كان الرسول ﵊ يفعلها ولا يتلفظ بالنية لها ولو كان هذا مشروعًا لفعله ولو فعله لنقل إلينا كذلك استقبال القبلة حين الغسل نقول هذا وجد سببه في عهد الرسول ﵊ وهو الغسل ولم ينقل عنه أنه كان يتجه إلى القبلة حين اغتساله ولو كان مشروعًا لفعله ولو فعله لنقل إلينا. ***
عندما يحتلم الشخص فهل يغسل جميع جسمه أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا احتلم الرجل أو المرأة فإن رأيا آثر المني بعد اليقظة وجب عليهما الغسل ويجب تعميم البدن بالماء أما إذا احتلم الإنسان ولم ير شيئًا فإنه لا يجب عليه الغسل لأن النبي ﷺ (سئل عن المرأة ترى في منامها ما يرى الرجل هل عليها الغسل قال نعم إذا هي رأت الماء) فقيد النبي ﷺ وجوب الغسل بما إذا رأت الماء. ***
أحسن الله إليكم السائل طاهر أحمد من اليمن يقول هل الوضوء وترتيب غسل الأعضاء في غسل الجنابة شرط لصحة الغسل أم يكفي النية وغسل الجسم مرةً واحدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يكفي غسل الجسم مرةً واحدة مبتدءًا بأي جهةٍ منه مع المضمضة والاستنشاق لكن الأفضل أن يغسل الإنسان فرجه أولًا وما لوثه من الجنابة ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يفيض الماء على رأسه ثلاثة مرات فإذا أرواه أفاض الماء على سائر جسده مبتدئًا بالأيمن من الجسد هذا هو الأفضل وإن أتى بالغسل مرةً واحدة كفى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءًا وعلى هذا فلو أن إنسانًا نوى الغسل من الجنابة وانغمس في نهر أو بحر أو بركة ثم خرج وتمضمض واستنشق فقد ارتفع عنه الحدث فيصلى وإن لم يتوضأ. ***
بارك الله فيكم هذا المستمع إبراهيم سوداني يقول رجل اغتسل غسل الجنابة ولم يصب الماء ثلاثة مرات على رأسه فهل غسله صحيح أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل الواجب الذي تبرأ به الذمة أن يعم الإنسان الماء جميع بدنه بمعنى أن يوصل الماء إلى جميع بدنه من رأسه وماتحت الشعر إلى جميع الجسد على أي صفة كانت لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولكن الأفضل أن يغتسل كما ورد عن النبي ﷺ وصفته أن يغسل كفيه ثلاثًا ثم يغسل فرجه وما لوثه ثم يتوضأ وضوءًا كاملًا ثم يحثي الماء على رأسه ثلاث مرات حتى يرويه ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأكمل والأفضل وأما الواجب فأن يعم الماء جميع بدنه وبناءً على هذا يتبين أن ما فعله السائل صحيح وأن الجنابة قد ارتفعت به. ***
أحسن الله إليكم سائلة تسأل هل كيفية الغسل من الجنابة مثل كيفية الغسل من الحيض - أعني - غسل المرأة من الحيض مع توضيح ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الجنابة وغسل الحيض شيء واحد إلا أن الحائض ينبغي لها أن تبالغ في التنظيف وتغسل رأسها أيضًا بالسدر لأنه أنظف وأطيب. ***
أحسن الله إليكم هذا السائل يقول هل يجوز للشخص أن يغتسل بالماء العادي دون أن يستعمل منظفات كالشامبو مثلا إذا كان عليه حدث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم قال الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وذلك بالماء فالماء يكفي في الاغتسال من الجنابة ولكن إذا قُدِّرَ أن على جسده دهن أو كانت مادة الدهن في جسده كثيرة فهنا لابد أن يمر يده على جسمه حتى يتيقن من أن الماء أصاب جميع جسده لأن غسل الجنابة لا بد أن يشمل جميع البدن ومن ذلك المضمضة والاستنشاق. ***
المستمعة أم عمر من العراق تسأل هل غسل الجسم والمسح على الرأس والتشهد دون تبليل الرأس يعتبر تطهر من الجنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول الله ﷿ في كتابه العزيز (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فلابد من تطهير جميع الجسد من الجنابة حتى الرأس وحتى ما تحت الشعر، فيجب على المرأة وعلى الرجل ذو الرأس الكثيف الشعر يجب عليهما جميعًا أن يغسلا رؤوسهما غسلًا يصل إلى أصول الشعر ويدخل فيما بين الشعر ولهذا كان النبي ﷺ عند الاغتسال (يصب على رأسه حتى إذا ظن أنه أروى بشرته أفاض عليه ثلاث مرات) قال أهل العلم ويخلل الشعر من أجل أن يتيقن دخول الماء إلى أصوله، وأما المسح على الرأس في غسل الجنابة فإنه لا يجزئ لأن المسح إنما يكون في الوضوء فقط كما قال الله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) . ***
إذا ألصق الرجل على جسمه لصقه عن مرض في جسمه في ناحية من أنحاء الجسم ووجب عليه الغسل فهل يكفي الغسل أم يتعفر بالتراب أفتونا جزاكم الله عنا خير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على شيء من أجزاء جسمه لصقة وضعها لحاجة فإنه يمسحها إذا أغتسل أو إذا توضأ وهي في أعضاء الوضوء وهذا المسح قائم مقام الغسل كما أن المسح على الخفين في الرجلين قائم مقام غسلهما فإذا مسح عليهما أجزئه عن التيمم الذي هو العفور عند العامة ولا يجمع بين التيمم والمسح لأنه جمع بين طهارتين كل منهما بدل عن الأخرى ولا يجمع بين البدل والمبدل منه وعلى هذا فنقول إذا أصابتك الجنابة واللصقة في صدرك مثلًا أو في ظهرك فامسحها عند الاغتسال ويجزئك ذلك عن التيمم وتكون طهارتك تامة. ***
امرأة وضعت على أظافرها مناكير ثم اغتسلت عن الحدث الأكبر وهي لم تُزِل هذه المناكير عن أظافرها ولم تتذكر إلا بعد ثلاث أو أربع ساعات فهل يلزمها إعادة الغسل بعد إزالة هذا المناكير؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولا لابد أن نسأل عن لبس هذا المناكير ولبس هذا المناكير فيما أعرف أنها أظافر طويلة إذا رآها الإنسان ظن أن أظافر المرأة طويلة وهذا لا شك أنه تقبيح وإظهار لأمر تخالف به المرأة الفطرة لأن الفطرة قص الأظافر وهذه عكس قص الأظافر بمعنى أنها تظهر المرأة وكأن أظافرها طويلة فهي تريد أن تتجمل بما يخالف الفطرة ونصيحتي لأخواتي أن يدعن هذه المناكير ثم إنها تقبح أصابع المرأة ولا تجملها ويحدث أحيانا أن تنسى المرأة إزالتها ثم تتوضأ أو تغتسل وهي عليها فلا يصح لها غسل ولا وضوء لأن هذه المناكير تمنع وصول الماء أما الإجابة عن السؤال فنقول إن عليها أن تعيد الغسل وأن تعيد الصلاة التي صلتها في هذا الغسل يعني في الغسل الأول الذي لم يصح. ***
السائل فتحي منصور من الجماهيرية الليبية يقول أنا أشكو من كثرة الشك في الطهارة من الجنابة لدرجة أنني أعيد الغسل مرة أخرى أو مرتين فما الحكم في هذا وماذا يجب علي؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحكم في هذا أن الشكوك إذا كثرت فإنه لا يلتفت إليها لأنه وسواس كما نص على ذلك أهل العلم وعليه فإذا كثرت الشكوك فاطرحها ولا تلتفت لها ولا تبالِ بها ولا تعد الغسل بل استمر في صلاتك وعبادتك ولا تعد شيئًا من طهارتك. ***
يقول السائل ما حكم من أخر غسل الجنابة يوما أو أكثر بدون عذر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من أخر ذلك بدون عذر فإنه لا شك أنه آثم وأنه فعل جُرما عظيما حيث صلَّى بدون طهارة والصلاة بدون طهارة من كبائر الذنوب حتى ذهب بعض أهل العلم إلى أنه يكفر بذلك لأن ذلك من باب اتخاذ آيات الله هزوا لكن المشهور عند جماهير أهل العلم أنه لا يكفر من صلى محدثا ولكنه قد فعل إثما عظيما والعياذ بالله وعليه في مثل هذه الحال أن يتوب إلى ربه ﷾ وأن يعيد الصلاة التي صلاها وعليه الجنابة لأنه صلى صلاة بغير طهور وقد قال النبي ﵊ (لا يقبل الله صلاة بغير طهور) . ***
أحسن الله إليكم هذا سائل من سوريا يقول بأنه طالب يدرس في سوريا والبرد في الشتاء يكون قارسًا جدًا يقول عندما أحتلم يصعب علي الغسل في الصباح الباكر خوفًا من التعرض إلى المرض خاصة أنني أكون ذاهب إلى المدرسة ماذا أفعل مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اغتسل من الجنابة والأمر الحمد لله متيسر السخانات في الحمامات ومن ليس عنده سخانا أمكنه أن يسخن الماء في القدر ونحوه ويغتسل ويكون اغتساله في محل لا يتعرض فيه للهواء والبرد ولا يحل له أن يدع الاغتسال إلا أن يكون مريضا يخشى على نفسه من زيادة المرض أو بطء البرء أو ما أشبه ذلك فلا بأس أن يتيمم حتى يسخن الجو ويغتسل بعد ذلك. ***
شكر الله لكم هذا الهادي محمد من اليمن الشمالي يقول في رسالته احتلمت في ليلة شديدة البرودة يتعذر فيها الاستحمام فقمت لصلاة الصبح وتيممت وصلىت الصبح وجاء الظهر فنسيت الجنابة وتوضيت وصلىت إمامًا وجاء العصر فتذكرت الجنابة فقمت واغتسلت وأعدت صلاة الصبح والظهر ولكن الجماعة تفرقوا أرجو أن تفيدوني عن هذا العمل وعن حكم صلاة الجماعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما صلاتك الصبح التي صلىتها بالتيمم نظرًا لأنه لا يمكنك استعمال الماء لشدة برودته فإن كان عندك شيء يمكنك أن تسخن الماء فيه أو أن تسخن الماء به فإن تيممك لا يصح لأنه يمكنك أن تسخن الماء وتغتسل به ثم تصلى وإن لم يكن عندك ما تسخن به الماء وخفت على نفسك من البرد وتيممت فإن صلاتك الصبح صحيحة بالتيمم ولا حاجة إلى إعادتها وأما صلاة الظهر التي نسيت أن تغتسل عن الجنابة لها فإنها غير صحيحة ويجب عليك أن تعيدها وأما الجماعة الذين صلوا خلفك فإنه لا إعادة عليهم ذلك لأنهم لا يعلمون عن جنابتك شيئًا وكل إمام فعل مفسدًا في الصلاة لا يعلم عنه المأموم فإن صلاة المأموم لا تتأثر بفساد صلاته حتى إن الإمام لو دخل في الصلاة ناسيًا لحدثه ثم ذكر في أثناء الصلاة فإن صلاة المأمومين لا تبطل بذلك بل في هذه الحال إذا تذكر أنه على غير طهارة في أثناء صلاته يجب عليه أن ينصرف من الصلاة وأما بالنسبة للمأمومين فإنه يقول لأحد منهم تقدم يا فلان فأتم بهم الصلاة فإن لم يفعل ذلك فلهم أن يتموها فرادًا ولهم أن يقدموا أحدهم يتم بهم الصلاة وصلاتهم صحيحة على كل حال. ***
سؤال من المرسل عبد الكريم س. ع. من قبيلة سمر يقول أنه في ذات يوم قام قبل صلاة الفجر وقد احتلم وكان هذا اليوم شديد البرد فذهب إلى المدرسة بعد أن تعفر وصلى الفجر، ثم وهو في الطريق إلى المدرسة أراد أن يعود لكي يغتسل ولكنه لم يفعل وذهب إلى المدرسة ولما رجع الظهر أيضًا لم يغتسل ويقول أرجو أن يبين أمري في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أمره في هذا الموقف أما بالنسبة لما مضى فإن عليه إعادة الصلاتين اللتين صلاهما بدون غسل من الجنابة لأنه في البلد ويستطيع أن يسخن الماء ويغتسل به وأما بالنسبة للمسألة من حيث هي فإن الرجل إذا استيقظ وعليه جنابة وخاف من البرد وليس لديه ما يسخن به فإنه يتيمم ولكنه إذا دفيء أو وجد ما يسخن به وجب عليه الغسل. ولو فرض أنه في سفر في بر والماء عنده لكنه بارد وليس عنده ما يسخن به ففي هذه الحال يجوز أن يتيمم عن هذه الجنابة وإذا قدر على استعمال الماء وكان لا يضره وجب عليه أن يغتسل. ***
عندما استيقظ من النوم متأخرًا لصلاة الفجر وقد أحدثت حدثًا يستدعي الغسل فإن عملية الغسل تفوتني إدراك الجماعة هل يجوز أن أتيمم وأدرك الجماعة أم لا بد من الغسل ولو فاتتني صلاة الجماعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بد من الغسل وإن فاتتك صلاة الجماعة لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولأن الغسل من الجنابة شرطٌ لصحة الصلاة وأما صلاة الجماعة فالصحيح أنها ليست بشرطٍ لصحة الصلاة بل تصح صلاة الإنسان منفردًا ولكنه يأثم إذا كان قادرًا على حضور الجماعة ولم يحضر. ***
يقول المستمع إذا كان على الإنسان أكثر من غُسْل في البرية وتيمم لهذه الموجبات لعدم الماء ثم وصل بعد وقت إلى المدينة فهل من الأفضل أو من السنة أن يغتسل أم يجب عليه وجوبًا الاغتسال عن تلك الجنابات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجب عليه وجوبًا أن يغتسل عن الجنابات التي كانت عليه وتيمم عنها فإذا تيمم عن جنابة من أجل عدم الماء ثم وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وإذا تيمم عن جنابة من أجل المرض ثم برئ من المرض يجب عليه أن يغتسل لأنه كما أسلفنا قبل قليل إذا زال المبيح للتيمم انتقض التيمم ووجب استعمال الماء وفي الحديث (فإذا وجد الماء فليتق الله وليُمَسه بشرته) . ***
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضًا لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله ﷾ (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت (عن النبي ﷺ أنه قال جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطَّهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادمًا له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله ﷺ واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي ﵊ أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. ***
هذه رسالة وردتنا من سورية من محمد صلاح الدين يعقوب تتعلق بالحج يقول منذ سنتين قضيت فرض الحج والحمد الله، ولكن عندما كنت في الليلة الثالثة في منى احتلمت وأصبحت اليوم الثالث جنبًا، وقبل طلوع الشمس تيممت وصلىت حتى المساء ورجمت الشيطان، وعند عودتي إلى مكة المكرمة اغتسلت وصلىت المغرب والعشاء وطفت طواف الإفاضة ومضيت، يقول حتى الآن لم أذبح أرجو إعلامي هل كان حجي صحيحًا؟ وهل الذبح واجب أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لم يذكر تفاصيل الحج وكيفيته من أوله إلى أخره، لكن الذي ذكر الآن لا يوجب بطلان حجه، فحجه لا يفسد بما ذكره ولكن يجب عليه إذا احتلم في منى أو غيرها من المشاعر أن يغتسل فإن تعذر عليه ذلك وخاف فوات الوقت فإنه يتيمم، ولكن إذا تيمم لصلاة الفجر مثلًا التي خاف فوات وقتها فإنه يتعين عليه أن يطلب الماء في النهار ليغتسل ويصلى بغسل. فضيلة الشيخ: ألا يكفي التيمم عن الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكفي إلا إذا تعذر استعمال الماء فإن الواجب التطهر بالماء فإذا تعذر إما لعدم وجود الماء، وإما لخوف الضرر باستعماله جاز أن يتيمم. فضيلة الشيخ: بالنسبة للبادية الذين يقيمون في البر يكون عليهم عدة جنابات ويتيممون عنها، هل يلزمهم إذا وردوا للبلد أن يغتسلوا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يلزمهم إذا وردوا إلى البلد وقدروا على الماء أن يغتسلوا عن الأشياء الماضية لأن الجنابة بالتيمم لا ترتفع ارتفاعًا مطلقًا وإنما ارتفاع حتى يوجد الماء، وهكذا أيضًا في الوضوء إذا تيمم عن حدث أصغر ووجد الماء وجب عليه أن يتوضأ لقول النبي ﷺ (الصعيد الطيب طهور المسلم أو قال وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) فلابد من هذا، عودًا على سؤال الأخ نقول وأما الهدي فلا ندري هل يجب عليه أم لا لأنه إذا كان متمتعًا وهو قادر على الهدي وقت حجه وجب عليه أن يهدي، وكذلك إذا كان قارنًا، أما إذا كان غير قارن ولا متمتع وهو مفرد فإنه لا يجب عليه الهدي. ***
بارك الله فيكم هذه رسالة وصلت من المستمع أ. ع. مقيم في الرياض يقول كنت جنبًا في يوم كان شديد البرودة فخشيت على نفسي فلم أغتسل الغسل الكامل لجسدي بالماء بل اغتسلت من أسفل جسدي من السرة إلى أسفل وتوضأت وصلىت بغسلي هذا جميع الأوقات قرابة أسبوع فهل صلاتي تلك صحيحة أم عليّ الإعادة أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الاغتسال الذي قام به لا يجزئه وذلك لأن الاغتسال لا بد أن يعم جميع البدن والرجل هذا لم يغسل إلا أسافل بدنه ثم إن الظاهر من سؤاله أنه لم يتيمم وعلى هذا فيكون قد صلى بغير طهارة لا طهارة تيمم ولا طهارة ماء فتلزمه الإعادة أي إعادة ما صلى لأنه فرط في عدم السؤال وكان عليه أن يسأل من يومه عن هذا العمل ثم إني أقول إذا أصاب الإنسان جنابة في يوم شديد البرد وخاف على نفسه ولم يجد ما يسخن به الماء فإنه يتيمم ولا حاجة أن يغسل أسافل بدنه بل يتيمم عن الجنابة وإذا هيئ له فيما بعد أن يغتسل وجب عليه أن يغتسل. ***
بارك الله فيكم من ليبيا السائل م. م. أ. يقول من عليه جنابة واغتسل ليؤدي فريضةً وبعد أن صلى نافلةً قبل الفريضة انتقض غسله فهل يعيد الغسل أم يتوضأ وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من انتقض غسله فكأنه أصابته جنابةٌ أخرى لأن الغسل لا ينتقض إلا بجنابة وعلى هذا فيلزمه أن يغتسل مرةً ثانية لترتفع عنه الجنابة يعني لو أن الإنسان اغتسل من الجنابة ثم صلى نافلة ثم أجنب مرةً ثانية وجب عليه أن يغتسل للصلاة المقبلة سواء كانت فريضة أم نافلة. ***
يقول السائل إذا اتصل الرجل بزوجته ولامسها حيث يكون الاتصال بالزوجة جنسيًا وجاء وقت الصلاة ثم قام وتوضأ ثم صلى هل تصح صلاته مع أنني اتصلت بزوجتي في الفراش وقمت في الليل ولامستها ثم جاء وقت صلاة الصبح فقمت وتوضئت حيث أديت الوضوء بصورة كاملة ثم صلىت فهل صلاتي صحيحة أم عليَّ إعادتها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت المباشرة موجبة للغسل فإن صلاتك هذه غير صحيحة وعليك إعادتها بعد الغسل وإذا كانت هذه المباشرة لا توجب الغسل فإن صلاتك صحيحة لأنك توضأت في حالٍ لا يجب عليك سوى الوضوء والمباشرة التي توجب الغسل هي واحدةٌ من أمرين إما جماع وإن لم يحصل إنزال فمتى جامع الرجل زوجته فإنه يجب عليه وعليها الغسل سواءٌ حصل الإنزال منهما أو لم يحصل لحديث أبي هريرة ﵁ عن النبي ﷺ قال (إذا جلس بين شعبها الأربع ثم جهدها فقد وجب الغسل) زاد مسلمٌ (وإن لم ينزل) الأمر الثاني الذي يجب فيه الغسل الإنزال فمتى أنزل الإنسان وجب عليه الغسل سواءٌ عن جماعٍ أو مباشرة أو تذكر أو أي شيء كان متى أنزل أي دفق المني بشهوة فعليه الغسل وفي هذه الحال قد يجب الغسل على المرأة دون الرجل وقد يجب على الرجل دون المرأة وقد يجب عليهما جميعًا فإذا حصل الإنزال من الرجل دون المرأة فإن عليه الغسل وحده وليس عليها غسل وإذا أنزلت هي دون الرجل فعليها الغسل دون الرجل وإذا أنزلا جميعًا فعليهما جميعًا الغسل وهذه الصورة كما عرفنا سابقًا إذا كانت بدون إيلاج أما الإيلاج فهو موجبٌ للغسل عليهما جميعًا وإن لم يحصل إنزال. ***
يقول السائل هل الرجل الذي يجامع إذا اغتسل بعد الجماع ولم يبول قبل أن يغتسل لا ترتفع عنه الجنابة لأنه سمع أنه لا نقاء من الجنابة إلا بعد البول قبل الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا صحة لما سمع فالطهارة من الجنابة تحصل وإن لم يكن البول لأن الله تعالى يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) يعني اغتسلوا ولا يُشترط أن يتبول الإنسان بعد جماعه ولكنه إذا بال فإنه أحسن من الناحية الطبية لئلا تبقى فضلات المني في مجاريها أي في مجاري البول فإذا بال فإنها تظهر ولهذا يقال تبول بعد الجماع ولو بنقطة حتى يزول ما بقي أما أن يكون شرطًا لارتفاع الحدث فهذا ليس بصحيح. ***
إذا اغتسل الشخص من الجنابة بعد الحدث مباشرة وبعد أن انتهى ولبس ملابسه أحس بخروج شيء أو وجد أثرًا لسائل قد خرج منه فماذا عليه في هذه الحالة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السائل الذي خرج منه إذا لم يكن هناك شهوة جديدة أوجبت خروجه فإنها بقية ما كان من الجنابة الأولى فلا يوجب الغسل وإنما عليه أن يغسله ويغسل ما أصابه ويعيد الوضوء فقط. ***
يقول السائل اثناء تنظيفي من البول أشاهد مادة تخرج وهي تشبه المني فهل هذا يوجب الاغتسال أفيدونا جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا لا يوجب الاغتسال لأن ذلك ليس بمني بل هو فضلاتٌ راسبة في القنوات المنوية تخرج أثناء البول إذ المني الذي يوجب الغسل هو ما يخرج بشهوة، هذا هو المني الذي يوجب الغسل فأما ما خرج بدون شهوة فليس فيه غسل إلا إذا كان من نائم فإن النائم إذا استيقظ من نومه ووجد عليه أثر المني وجب عليه أن يغتسل سواءٌ ذكر احتلامًا أو لم يذكر أما اليقظان فلا يجب عليه الغسل بخروج المني إلا إذا كان بلذة. ***
أحسن الله إليكم يقول السائل إذا شك الرجل أنه احتلم فلما استيقظ من نومه لم يجد للاحتلام أي أثر لا في الثوب ولا على الجسم هل في مثل هذه الحالة يجب الاغتسال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه الاغتسال إذا احتلم وهو نائم ثم أصبح ولم يَرَ شيئًا من آثار الجنابة فإنه لا غسل عليه لأن (أُمَّ سليم سألت النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قالت يا رسول الله هل على المرأة من غسل إذا هي احتلمت قال نعم إذا هي رأت الماء) فاشترط النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم لوجوب الغسل عليها أن ترى الماء يعني الجنابة. ***
هل يلزمني الغسل إذا احتلمت ورأيت أني قد اغتسلت غسل الجنابة في المنام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت هذه الجنابة التي رأيت الماء فيها - أي المني - بعد استيقاظك وجب عليك أن تغتسل، وإن لم تره لم يجب عليك الغسل، لأن (النبي ﷺ سئل عن المرأة ترى في منامهن ما يرى الرجل هل عليها غسل؟ قال نعم إذا هي رأت الماء)، فإذا لم تَرَ الماء لم يجب عليك الغسل، وإن رأيت الماء وجب عليك الغسل، واغتسالك في المنام ليس بشيء، كما أنك لو رأيت المني ولم تر حُلمًا فإنه يجب عليك أن تغتسل. ***
هل الغسل يجزئ عن الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل المشروع كغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء لأن الله ﵎ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءًا فالجنابة إذا اغتسل الإنسان عنها أجزأته عن الوضوء وجاز أن يصلى وإن لم يتوضأ وأما إذا كان الغسل غير مشروع كالغسل للتبرد ونحوه فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأنه ليس بعبادة. ***
أحسن الله إليكم هل الغسل يجزئ عن الوضوء أم لابد من الوضوء بعد الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغسل أنواع غسل عن جنابة يجزئ عن الوضوء وغسل للجمعة لا يجزئ عن الوضوء وغسل للتبرد لا يجزئ عن الوضوء وغسل الجنابة يجزئ عن الوضوء سواء نوى الوضوء معه أم لم ينو لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر وضوءا ولأن (النبي ﷺ أعطى الرجل الذي كان على جنابة ماءً وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يذكر له صلى الله عليه وعلى آله وسلم ترتيبا لكن الأفضل في غسل الجنابة أن يغسل الإنسان ما أصابه من التلويث ثم يتوضأ وضوءا كاملا بغسل الوجه واليدين إلى المرفقين ومسح الرأس والأذنين وغسل الرجلين ثم يفيض الماء على رأسه حتى يظن أنه أرواه ثلاثة مرات ثم يغسل سائر جسده هذا هو الأفضل ولو أن الإنسان كان في مسبح أو في بركة ونوى غسل الجنابة وأنغمس في الماء ثم خرج لم يبق عليه إلا المضمضة والاستنشاق فإذا تمضمض واستنشق ارتفعت الجنابة. ***
إذا اغتسل الرجل من الجنابة هل يعيد الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء ما دام قد تمضمض واستنشق وعمَّ بدنه بالغسل فلا وضوء عليه لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) وهو يكفي لأن الآية في سياق القيام إلى الصلاة (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فدل ذلك على أن تطهر الجنب أي غسله جميع بدنه كافٍ في رفع الجنابة. ***
بارك الله فيكم إذا لم يكن الاستحمام لغسل الجنابة عن طريق غمس الجسد كله في ماء يعمه بل كان مثلًا بالوسائل الموجودة حاليًا أو بإناء صغير يغترف منه أو بنحو ذلك بمعنى أنه يتعرض إلى لمس فرجيه بيديه هل يؤثر هذا الوضوء أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسل الفرج يكون قبل الاغتسال كما كان النبي ﵊ يفعله وحتى لو فرض أن الإنسان في أثناء الغسل مس ذكره فإنه لا ينتقض وضوءه على القول الراجح عندنا لأنه ليس بقصد منه ثم إن الأحاديث في ذلك متعارضة فمن العلماء من جمع بينهما ومنهم من رجح بعضها على بعض والذي نرى في هذه المسألة أن مس الذكر لا ينقض الوضوء إلا إذا كان لشهوة فإن كان بغير شهوة فالوضوء منه على سبيل الاستحباب وليس على سبيل الوجوب هذا الذي نراه في هذه المسألة ويرى بعض أهل العلم أنه لا ينقض مطلقًا ويرى آخرون أنه ينقض مطلقًا. ***
إذا أصابت الإنسان جنابة هل يكتفي بالاستحمام دون الوضوء أم أنه يلزمه الوضوء بعد الاستحمام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة فإنه يكفيه الغسل عن الوضوء لكن لابد من المضمضة والاستنشاق ودليل ذلك قوله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر صفة معينة فإن قال قائل هذا مجمل والسنة بينت أنه لابد من الوضوء قبل الغسل ومن غسل الرأس ثلاثا قبل غسل بقية البدن حسب ما جاءت به السنة قلنا هذا الإيراد وارد لكن قد ثبت في صحيح البخاري في حديث عمران بن حصين -الطويل- (في قصة الرجل الذي أعتزل قومه ولم يصل فسأله النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم عن ذلك فقال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطى هذا الرجل منه وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) ولم يبين له ﷺ كيفية معينة فدل هذا على أنه متى حصل تطهير جميع البدن ارتفعت الجنابة ويدخل الحدث الأصغر في الحدث الأكبر كما تدخل العمرة في الحج فيمن حج قارنًا. ***
المستمع عبد الله أبو بكر من الرياض يقول: إذا توضأ الإنسان واغتسل لرفع الحدث الأكبر هل يجوز له أن يصلى بعد الاغتسال بذلك الوضوء أم يتوضأ ثانية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان على الإنسان جنابة واغتسل فإن ذلك يجزئ عن الوضوء لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولا يجب عليه إعادة الوضوء بعد الغسل إلا إذا حصل ناقض من نواقض الوضوء وأحدث بعد الغسل فيجب عليه أن يتوضأ وأما إذا لم يحدث فإن غسله عن الجنابة يجزئه عن الوضوء سواء توضأ قبله أم لم يتوضأ لكن لابد من ملاحظة المضمضة والاستنشاق فإنه لا بد منهما في الوضوء والغسل. ***
السائل حامد عبد الرزاق من الأردن يقول هل الاستحمام يغني عن الوضوء وتجوز الصلاة به من غير وضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الاستحمام عن جنابة فإنه يكفي عن الوضوء لكن يجب أن يلاحظ أنه لا بد من المضمضة والاستنشاق وأما إذا كان الاستحمام للتنظيف أو للتبرد فإنه لا يجزيء عن الوضوء بل لا بد أن يتوضأ الإنسان بعد أن يفرغ من الاستحمام. ***
السائل م م ع يقول رجل اغتسل من الجنابة واغتسل بقصد النظافة فهل ذلك يغنيه عن الوضوء للصلاة أم لابد من الاغتسال الكامل للبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما مَنْ اغتسل من أجل الجنابة فإنه يجزئه عن الوضوء لقول الله ﵎ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) ولم يذكر الله تعالى وضوءًا وأما الاغتسال للتبرد فإنه لا يجزئ عن الوضوء لأن الاغتسال للتبرد ليس عن حدث فلا يكون مجزئا بل لابد أن يتوضأ بعد أن ينتهي من الاغتسال للتبرد. ***
رسالة وصلت من القصيم المستمع ق ب د يقول هل يجوز للجنب قراءة القرآن أو المعوذات وآية الكرسي وبعض الأذكار الواردة عن الرسول ﷺ قبل نومه وهو جنب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة القرآن والإنسان جنب لا تجوز على أصح أقوال أهل العلم وهو قول جمهور أهل العلم فيما أعلم وذلك لأن الجنب بإمكانه أن يغتسل ويزيل عنه المانع خلاف الحائض فإن الأصح من أقوال أهل العلم أن الحائض تقرأ القرآن للمصلحة أو الحاجة، فقراءتها إياه للمصلحة كقراءة الأوراد القرآنية كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) والمعوذتين وقراءتها للحاجة كقراءتها إياه خوفًا من النسيان أو من أجل أداء الاختبار في المدارس أو من أجل تعليم أبنائها أو ما أشبه ذلك والفرق بين الحائض وبين الجنب أن الحائض لا يمكنها إزالة المانع بخلاف الجنب وعلى هذا فنقول للجنب إذا كنت تريد أن تقرأ الأوراد القرآنية فاغتسل ثم اقرأها وهذا أفضل وأطيب وأما الأذكار والأوراد غير القرآنية فإنه لا بأس للجنب أن يقرأها لقول عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) ولكن ذكر الله تعالى على طهارة أفضل مما إذا لم يكن على طهارة كما قال النبي ﵊ (إني أحب أن لا أذكر الله إلا على طهارة) أو كلمة نحوها ولكن لا يمتنع أن يذكر الإنسان ربه وهو جنب بشيء غير القرآن وله أيضًا أي الجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة فله أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) وله أن يقول إذا أصيب بمصيبة (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) وله أن يقول (لا إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنتُ مِنْ الظَّالِمِينَ) وله أن يقول (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) إذا لم يقصد القراءة. ***
جزاكم الله عنا وعن المسلمين خير الجزاء فضيلة الشيخ هذه سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيًّا عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعا بأدعية من القرآن قاصدا الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج. ***
إذا جاز للجنب أن يذكر الله وهو جنب وكان ضمن بعض الأدعية والأذكار بعض الآيات الكريمة مثل (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) و(إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) إلى غير هذه الآيات الكريمة فهل يجوز للجنب قراءتها أثناء الذكر أو الدعاء وهل يجوز للجنب أن يقول (بسم الله الرحمن الرحيم) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للجنب أن يذكر الله تعالى بما يوافق القرآن مثل الآيات التي قالها السائل (إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ) (وَأُفَوِّضُ أَمْرِي إِلَى اللَّهِ) (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (بسم الله الرحمن الرحيم) كل هذه إذا لم يقصد بها التلاوة فإنها تجوز ولا حرج فيها وأعوذ بالله من الشيطان الرجيم لأن الله تعالى يقول (فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ) . ***
المستمع م. خ. ف. يسأل ما حكم الشرع فيمن يقرأ أو يردد آيات قرآنية سرًا أو جهرًا وهو جنب أو من يقضي وقتًا أو أيامًا وهو على جنابة دون الاغتسال؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال من شقين الشق الأول قراءة القرآن والإنسان جنب والراجح من أقوال أهل العلم أن هذا حرام، وأنه لا يحل للجنب أن يقرأ شيئًا من القرآن على سبيل التلاوة لأنه قد روى عن النبي ﷺ من غير وجه ما يدل على منع الجنب من قراءة القرآن، ومن ذلك حديث علي بن أبي طالب رضى الله عنه قال (كان النبي ﷺ يقرئنا القرآن ما لم نكن جنبًا)، ومعلوم أن إقراء النبي ﷺ القرآن لأصحابه واجب لأنه من تبليغ الرسالة التي أمر بها رسول الله ﷺ فإذا كان لا يقرئهم إياه وهم جنب دل ذلك على تحريم قراءة القرآن على الجنب لأن الواجب لا يمنعه إلا شيء محرم ولا يصح قياس هذا على الحائض والفرق بينهما أن الجنب يمكنه أن يتلافى هذا المانع من قراءة القرآن فيغتسل بخلاف الحائض فإن حيضها ليس بيدها، والحائض على القول الراجح لها أن تقرأ القرآن عند الحاجة إليه كالمعلمة والمتعلمة ومن تقرأه من أجل الورد عند النوم أو في الصباح أو في المساء، أمّا قراءة الجنب للقرآن فإنه حرام حتى يغتسل. الشق الثاني: في السؤال وهو أنه يبقى أيامًا لا يغتسل للجنابة فهذا يستلزم أنه لا يصلى أو أنه يصلى وهو جنب، وكلا الأمرين محرم بلا شك فالجنب لا يحل له أن يصلى بإجماع المسلمين حتى إن بعض أهل العلم يقول إذا صلى الإنسان وهو جنب فقد ارتد عن الإسلام لأن صلاته وهو جنب تدل على أنه مستهزئ وساخر بآيات الله كيف يقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ) إلى قوله (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا)، ويقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلاَّ عَابِرِي سَبِيلٍ) ثم يقوم هذا الرجل فيصلى وهو جنب، يتقرب إلى الله بما نهى الله عنه، ومن لا يرى أنه يكفر بذلك يرى أنه قد فعل كبيرة من كبائر الذنوب، وأنه على خطر، وإن كان هذا الرجل الذي يبقى أيامًا وهو جنب لا يصلى فالأمر أخطر وأعظم فإن ترك الصلاة على القول الراجح كفر مخرج عن الملة كما قررنا أدلة ذلك في غير موضع من هذا المنبر نور على الدرب ونصيحتي لهذا الرجل أن يتقي الله تعالى في نفسه وأن يبادر بالاغتسال من الجنابة فإنه كلما كان الإنسان أطهر كان أنقى ولا شك أنه لا يحل له إذا حانت الصلاة أن يدع الاغتسال من الجنابة فيدع الصلاة أو يصلى بلا غسل. ***
هل يجوز التشهد على الجنابة في دورة المياه وذكر اسم الله أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التشهد يكون بعد الفراغ وهذا يمكن أن يكون بعد خروجك من هذا المكان إذا خرجت تقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التسمية فليست بواجبة عند الوضوء ولا عند الغسل على القول الراجح وإنما هي سنة فإن أتيت بها فهو أولى وإن لم تأت بها فيكفي التسمية بالقلب. فضيلة الشيخ: كثيرًا من المنازل الجديدة من الفلل وغيرها يكون الحمام في مكان واحد مع مغاسل اليدين فقد يستنجي الإنسان في الحمام ثم يخرج إلى هذا المغاسل ويتوضأ عليها فهل يجوز التسمية والتشهد عند هذه الغسالات مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم ما دامت الغسالات خارج المكان فضيلة الشيخ: خارج المكان لكن السقف واحد؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر فضيلة الشيخ: وإذا قطعت بجدار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا قطعت بحاجز أو باب فهذا وحده وهذه وحدها فلا حرج فيها. وهنا مسألة وإن لم تكن في السؤال أحب أن أنبه عليها وهي أن بعض الناس يجعل إتجاه الحمامات إلى القبلة إذا جلس لقضاء حاجته وقد قال النبي ﵊ (لا تستقبلوا القبلة بغائط ولا بول ولا تستدبروها) وثبت في الصحيح من حديث ابن عمر (أنه رأى النبي ﷺ يقضي حاجته مستقبل الشام مستدبر الكعبة) وعلى هذا فإن الحديث الأول يدل على تحريم استقبال القبلة مطلقًا في البنيان وغير البنيان وهو الذي فهمه راويه أبو أيوب حيث قال (فقدمنا الشام فوجدنا مراحيض قد بنيت نحو الكعبة فننحرف عنها ونستغفر الله) والحديث الثاني يدل بظاهره على أن استدبار القبلة في البنيان لا بأس به ولكن بعض الناس كما أشرت إليه قد يبنونها مستقبل القبلة فهؤلاء عليهم أن يغيروها لتكون القبلة عن أيمانهم أو شمائلهم. ***
من العراق بغداد محمد جاسم يقول إذا حدثت لي الجنابة فهل يجوز لي أن أحمد الله وأدعو بهذا الدعاء عند الاستيقاظ من النوم (الحمد لله الذي أماتني ثم أحياني وإليه النشور) وإذا عطست فهل يجوز لي أن أحمد الله وإذا تثاءبت فهل يجوز لي أن استعيذ بالله من الشيطان وقد تأتي في بالي بعض الآيات فهل يجوز أن أقرأها عن ظهر قلبي وأنا محدث الحدث الأكبر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ذكر الله تعالى وأنت على جنابة فإنه لا بأس به فإن (النبي ﷺ كان يذكر الله على كل أحيانه) كما ثبت ذلك عنه من حديث عائشة فتجيب المؤذن وتذكر الله بعدما تقوم من النوم وكذلك تذكر الله عند الأكل وعند الشرب وتحمد الله عند العطاس وأما الاستعاذة بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب فليس فيها سنة عن النبي ﷺ واتخاذها سنة ليس بصحيح وهي لم ترد عن رسول الله ﷺ والنبي ﵊ أرشد من يتثاءب لسُنّة فعلية وهي كظم التثاؤب إن استطاع وإلا فليضع يده على فيه ولم يأمر النبي ﷺ من تثاءب أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ولا ثبت ذلك أيضًا من فعله فيما أعلم وعلى هذا فلا ينبغي أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم عند التثاؤب ومن علم بسنة في ذلك فليتبعها فإننا لا نقول إلا ما بلغه علمنا والعلم عند الله ﵎ وأما قراءة القرآن للجنب فالأحوط عليه ألا يقرأ ولكن له أن يذكر الله تعالى فيما يوافق القرآن إذا لم يقصد القراءة كما لو قال مثلًا (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) فإن هذه آية من كتاب الله ومع ذلك إذا لم يقصد بها القراءة فلا حرج عليه فيها. ***
جزاكم الله خيرا ما حكم الاغتسال يوم الجمعة وهل وردت فيه أحاديث؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال يوم الجمعة واجب على كل بالغ عاقل لقول النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فصرح النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم بأنه واجب ومن المعلوم أن أعلم الخلق بشريعة الله رسول الله ومن المعلوم أن أنصح الخلق لعباد الله رسول الله ومن المعلوم أن أعلم الناس بما يقول رسول الله ﷺ ومن المعلوم أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أفصح العرب فإذا اجتمعت هذه الأمور الأربعة وقال (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فكيف نقول ليس بواجب لو أن هذه العبارة جاءت في متن من المتون الذي ألفه عالم من العلماء وقال فيه فصل غسل الجمعة واجب لم يشك أحد يقرأ هذا الكتاب إلا أن المؤلف يرى وجوبه هذا وهو آدمي معرض للخطأ والصواب فكيف والقائل بذلك محمد رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ثم إن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قيد هذا الوجوب بما يقتضي الإلزام حيث قال (على كل محتلم) أي بالغ وهذا يدل على أن الغسل ملزم به وأما ما يروى عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم في غسل الجمعة (من توضأ يوم الجمعة فبها ونعمت ومن اغتسل فالغسل أفضل) فهذا فيه نظر من جهة سنده ومن جهة متنه ثم لا يمكن أن يعارض به حديث أبي سعيد الثابت في الصحيحين وغيرهما الصريح الواضح وهو قوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم (غسل الجمعة واجب على كل محتلم) ولكن متى يبتدئ هذا الوجوب أقرب ما يقال أنه يبتدئ إذا طلعت الشمس لأن ما بين طلوع الفجر وطلوع الشمس وقت للفجر فالأحوط أن يكون اغتساله بعد طلوع الشمس والأفضل أن يكون عند إرادة الذهاب إلى المسجد وإذا قلنا إنه واجب فهل تصح الجمعة بدونه يعني لو تعمد تركه وصلى هل تصح فالجواب نعم تصح لأن هذا غسل ليس عن جنابة ولكنه أو جبه النبي صلى الله وسلم ليتبين ميزة هذا اليوم عن غيره ويدل لهذا أنه ثبت عن (أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ أنه كان يخطب فدخل عثمان وهو يخطب فكأنه عرَّض به أي عرض بعثمان أنه تأخر إلى الخطبة فقال عثمان والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت ثم أتيت فقال عمر ﵁: والوضوء أيضا وقد قال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وصلَّى عثمان بدون غسل وفي هذا الأثر عن عمر ﵁ دليل واضح على أن غسل الجمعة واجب وإلا فكيف يوبخ عمر ﵁ عثمان ﵁ أمام الناس على تركه. فضيلة الشيخ: لو اغتسل ليلا أو بعد الفجر ونوى به غسل الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا اغتسل قبل الفجر فلا ينفعه لأن اليوم لم يدخل بلا إشكال وإن اغتسل بعد الفجر ففيه احتمال لكن الأفضل أن يكون بعد طلوع الشمس. ***
المستمع أبو عبد العزيز يقول إذا أراد المسافر أن يصلى الجمعة مع المسلمين فهل يلزمه الغسل أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل غسل الجمعة واجب أو سنة مؤكدة في هذا للعلماء ثلاثة أقول القول الأول أنه واجب مطلقا والقول الثاني أن سنة مطلقا والقول الثالث تفصيل فإن كان على الإنسان وسخ كثير يخشى من ثوران رائحته في هذا الاجتماع الكبير فإنه يجب عليه الغسل إزالة للأذى وإلا فإن الغسل في حقه سنة والذي يتبين من الأدلة الشرعية أنه واجب على الإطلاق لما ثبت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي سعيد الخدري ﵁ (أن النبي ﵌ قال غسل الجمعة واجب على كل محتلم) فتأمل كلمة (واجب) ممن صدرت وبماذا أحيطت هذا الكلمة صدرت من أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم فيما يريد وهو محمد رسول الله ﵌ ولا شك أن النبي ﵌ يعلم معنى كلمة (واجب) فلو لم يرد بها الإلزام لكان التعبير بها فيه إهانة ومن المعلوم أن رسول صلى الله عليه آله وسلم لا يأتي بعبارة مبهمة يريد بها خلاف ظهرها بل لا يأتي بعبارة إلا وهو يريد ما يستفاد منها من ظاهر اللفظ لأنه أفصح الخلق وأعلمهم بما يقول وأنصحهم لعباد الله ثم إن هذه الكلمة أحيطت بما يدل أن المراد بها الوجوب الإلزامي وهو قوله (على كل محتلم) أي على كل بالغ فإن البلوغ وصف يقتضي إلزام المخاطب بما يوجه إليه من خطاب فهو وصف مناسب لعلة الإجابة وعلى هذا فلا مناص من القول بوجوب الغسل على من أراد الجمعة وأتى إليها ويدل لذلك أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ﵁ (كان يخطب يوم الجمعة فدخل عثمان فسأله يعني لمّا تأخر فقال والله يا أمير المؤمنين ما زدت على أن توضأت يعني ثم جاء فقال له عمر وهو يخطب الناس والوضوء أيضًا وقد قال النبي ﵌ إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) وعلى هذا فمن ترك غسل الجمعة فهو آثم لتركه الواجب لكن الصلاة صحيحه لأن هذا الغسل واجب عن غير حدث فلا يمنع صحة الصلاة وحينئذٍ يتبين جواب سؤال السائل أنه إذا كان مسافرا وحضر الجمعة فهل عليه الغسل نقول نعم عليه الغسل لقول النبي صلى اله عليه وآله وسلم (إذا أتى أحدكم الجمعة فليغتسل) ولكن إذا كان يشق عليه ذلك بكونه لا يجد الماء أو لا يجد إلا ماء بارد في أيام الشتاء ويخاف على نفسه من البرد فأنه لا أثم عليه في هذه الحال لأن الله تعالى يقول (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) ويقول جل ذكره (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقال النبي ﵌ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) ومن هذه النصوص أخذ العلماء قاعدة مفيدة جدا لطالب العلم وهو أنه (لا واجب مع عجز) كما أنه (لا محرم مع الضرورة) لقوله تعالى (وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاَّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ) . ***
نعلم أنه من المستحب للرجل يوم الجمعة الغسل والتطيب ولبس أحسن الثياب فهل هذا ينطبق حتى على المرأة أيضًا ولها نفس الأجر؟ وهل يصح الاغتسال قبل الجمعة بيومٍ أو يومين وينوى به الجمعة أم لا يصح إلا في يومها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأحكام خاصةٌ بالرجل لأنه هو الذي يحضر الجمعة وهو الذي يطلب منه التجمل عند الخروج وعلى هذا فإنه هو الذي يطلب منه أن يغتسل يوم الجمعة ويتنظف ويتطيب ويلبس أحسن ثيابه ويبكر إلى الجمعة أما النساء فلا يشرع في حقهن ذلك ولكن كل إنسانٍ ينبغي له إذا وجد في بدنه وسخًا أن ينظفه فإن ذلك من الأمور المحمودة التي ينبغي للإنسان ألا يدعها وأما الاغتسال للجمعة قبلها بيومٍ أو يومين فلا ينفع لأن الأحاديث الواردة في ذلك تخصه بيوم الجمعة وهو ما بين طلوع الفجر إلى صلاة الجمعة هذا هو محل الاغتسال الذي ينبغي أن يكون وأما قبلها بيومٍ أو يومين فلا يجزئه ولا ينفعه عن غسل الجمعة. ***
إذا اغتسل المسلم للجنابة قبيل فجر الجمعة أو بعده هل يكفي هذا لغسل الجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما ما كان قبل الفجر فلا يكفي لأنه لم يدخل اليوم وأما بعد الفجر فيكفي لكن الأفضل أن يعيده بعد طلوع الشمس حتى يتأكد أنه حصل في يوم الجمعة ثم إن العلماء ﵏ قالوا إن الأفضل أن يكون الاغتسال عند المضي إلى الصلاة فمثلًا إذا قدرنا أنه يذهب إلى الصلاة قبل الزوال بساعتين فإنه يغتسل في ذلك الوقت ووجه ذلك أنه إذا تطهر عند المضي صار أبلغ وأضمن من أن يحصل له وسخ بعد ذلك. ***
بارك الله فيكم هل يشرع للعيد غسل كالجمعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا أعلم في ذلك سنة عن رسول الله ﵌ أنه كان يغتسل لصلاة العيد ولكن ذكر عن بعض السلف أنه كان يغتسل لصلاة العيد وأخذ بذلك كثير من أهل الفقه وقالوا أنه يسن أن يغتسل لصلاة العيد لأنها صلاة اجتماع عام فشرع فيها الأغتسال كيوم الجمعة فإن اغتسل الإنسان فحسن وإن لم يغتسل فلا يقال أنه فوت سنة. ***
ثبت عن الرسول ﷺ أنه اغتسل من الإغماء فهل هو واجب أم مستحب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الإغماء ليس بواجب وإنما هو مستحب لأنه يجدد للبدن نشاطه ويعيد عليه ما تخلف من الهلع بواسطة الإغماء وليس بواجب لأن ذلك لم يثبت إلا من فعل الرسول ﵌ قال أهل العلم وما ثبت بفعل الرسول ﵌ وقد فعله على سبيل التعبد فإنه يكون مشروعا ولا يكون واجبا لأنه لم يصحبه أمر من الرسول ﷺ. ***
باب التيمم
المستمع ع. ع. أ. مقيم بالعراق يقول في رسالته ما صفة التيمم المشروعة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم المشروعة أن ينوي الإنسان أنه يريد أن يتيمم لقول النبي ﷺ (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئٍ ما نوى) ثم يضرب الأرض بيده ضربة واحدة يمسح بها وجهه وكفيه وبهذا يتم تيممه ويكون طاهرًا يحل له بهذا التيمم ما يحل له بالتطهر بالماء لأن الله ﷿ لما ذكر التيمم قال (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فبين الله تعالى أن الإنسان بالتيمم يكون طاهرًا وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به ولهذا كان القول الراجح من أقوال أهل العلم أن التيمم رافع للحدث ما دام الإنسان لم يجد الماء فيجوز له إذا تيمم ولم يحصل منه حدث أن يصلى ما شاء من فروض ونوافل ويرتفع حدثه فلا يبطل بخروج الوقت فلو تيمم لصلاة الظهر مثلًا حتى دخل وقت العصر فله أن يصلى صلاة العصر بهذا التيمم وإذا تيمم من الجنابة أول مرة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى بل يتيمم للوضوء فقط. ***
بارك الله فيكم يقول هذا السائل ما هي كيفية التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا لابد أن نعلم أن التيمم لا يجوز إلا إذا تعذر استعمال الماء بفقد الماء أو تضرر باستعماله فإذا جاز التيمم فصفته أن يضرب الأرض بيديه ضربة واحدة ثم يمسح وجهه كله بكفيه ويمسح براحة كل يد على ظهر الأخرى وكذلك يمسح الراحتين بعضهما ببعض ***
ما هي صفة التيمم وبماذا يبطل وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة التيمم أن يضرب التراب بيديه ضربة واحدة فيمسح وجهه كله بباطن كفه ثم يمسح يده اليمنى باليسرى وبالعكس هذه هي الصفة المشهورة قال أهل العلم وينبغي أن يخلل أصابعه وأما ما يبطل به التيمم فإن التيمم إن كان عن جنابة بطل بكل ما يوجب الغسل وإن كان عن وضوء بطل بما يوجب الوضوء هذا ما دامت إباحة التيمم قائمة فأما إذا لم يبح التيمم مثل أن يتيمم لفقد الماء ثم يجده فإنه يبطل تيممه بوجود الماء وكذلك لو تيمم لمرض ثم شفي منه فإنه يبطل تيممه بشفائه من هذا المرض ولا يبطل التيمم بخروج الوقت على القول الراجح وذلك لأن النبي ﷺ قال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورًا) والطَّهور بالفتح ما يتطهر به كالوَضوء بالفتح ما يتوضأ به والسَّحور بالفتح ما يتسحر به وقال الله ﷿ بعد أن ذكر الطهارة بالماء والتيمم قال (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) فدل هذا على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهرًا فإنه لا تبطل طهارته إلا بما تبطل به طهارة الماء لأن التيمم بدل عنه والبدل له حكم المبدل فلو تيمم الإنسان عن جنابة مثلًا فإنه يرتفع حدثه ولا يعيد التيمم عن هذه الجنابة إلا إذا حصل له جنابة أخرى أو موجب للغسل سواها وإذا تيمم عن ناقض من نواقض الوضوء فإنه يبقى على طهارته حتى يوجد أحد النواقض فلو تيمم الرجل لصلاة الفجر وبقي على طهارته إلى صلاة الظهر أو إلى صلاة العصر لم يأت بناقض من نواقض الوضوء من بول ولا نوم ولا غائط ولا أكل لحم إبل ولا غيرها مما ينقض الوضوء فإنه في هذه الحال يصلى بالتيمم الذي تيمم به لصلاة الفجر. فضيلة الشيخ: وماذا يعمل من وجد ماء يكفي لبعض وضوئه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: من وجد ماءً يكفي لبعض وضوئه فإنه يستعمله ويتمم للباقي بناءً على قوله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقول النبي صلى الله عليهم وسلم (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) وهذا الرجل استطاع أن يستعمل الماء في بعض أعضاء وضوئه فلزمه استعماله وعجز عن استعماله بالبقية لفقد الماء فيتمم لذلك. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم هذا سائل يقول هل يشترط في مسح الوجه عند التيمم تعميم جميع الوجه بالصعيد الطاهر أم مجرد امرار اليدين على الوجه فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب على الإنسان في التيمم أن يمسح جميع الوجه لقول الله ﵎ (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) فكما يجب تعميم الرأس المستفاد من قوله تعالى (وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ) كذلك نستفيد تعميم الوجه في قوله تعالى (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وأما ما يفعله بعض الناس من كونه يمسح الأنف وما حوله فهذا غلط بل الواجب أن يمسح من الأذن إلى الأذن عرضًا ومن منحنى الجبهة إلى أسفل اللحية طولًا. ***
من أحمد شرهان مزهري من جيزان يسأل كيف يتيمم من عدم الماء لأنني خرجت مع مجموعة من الطلاب فكان لكل مجموعة منهم طريقة فمنهم من يضرب الأرض أربع مرات واحدة للوجه وواحدة لليدين إلى المرفقين وواحدة للرأس والأذنين وواحدة للرجلين وبعضهم ضرب ضربتين واحدة منهن للوجه والثانية لليدين فقط أما أنا فقد أنكروا فعلي لأني ضربت ضربة واحدة للوجه واليدين فقط فقالوا من علمك هذا التيمم فقلت سمعته من محدث في المسجد فقالوا وهل كل ما سمعت في المسجد صحيح وهذا ما دفعني للسؤال عبر برنامجكم وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأخ ذكر أن جماعة اختلفوا في كيفية التيمم على ثلاثة وجوه وأصح هذه الوجوه هو ما عمله الأخ السائل حيث ضرب بيديه الأرض مرة واحدة مسح بها وجهه وكفيه وهذه الصفة هي الصفة الصحيحة التي دل عليها حديث عمار بن ياسر في تعليم النبي ﷺ له كيفية التيمم فإن (عمار بن ياسر ﵁ بعثه رسول الله ﷺ في حاجة فأجنب فلم يجد الماء فتمرغ في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتى إلى النبي ﷺ فذكر له ذلك فبين له النبي ﵊ أنه يكفيه أن يقول بيديه هكذا وضرب بيديه الأرض مرة واحدة ثم مسح الشمال على اليمين وظاهر كفيه ووجهه) وهذه هي الكيفية المشروعة المستحبة وأما ضرب الأرض مرتين واحدة في الوجه والثانية للكفين فهذه الصفة قال بها بعض أهل العلم بناءً على حديث ضعيف في ذلك ولكن الصواب ما أشرنا إليه من قبل وأما الذين ضربوا أربع مرات وجعلوا واحدة للوجه وواحدة لليدين وواحدة للرأس وواحدة للرجلين فما أشبه اجتهادهم هذا باجتهاد عمار بن ياسر الذي أشرنا إليه حيث ظنوا أن طهارة التيمم كطاهرة الماء تشمل الأعضاء الأربعة ولكن الصواب معك أنت أيها السائل حيث ضربت مرةً واحدة وأما قولهم هل كل ما سمعت يكون صوابًا فنقول كما قالوا ليس كل ما يسمع يكون صوابًا بل الصواب ما وافق الكتاب والسنة وكثيرًا ما نسمع أشياء تقال لا سيما على سبيل الوعظ والتخويف والترغيب وهي ليست بصحيحة وعلى هذا فينبغي الحذر في مثل هذه الأمور مما يُسمع أو يُكتب. فضيلة الشيخ: قلتم أنه يضرب الأرض بيديه ثم يمسح اليمنى على اليسرى ثم يمسح وجهه وظاهر كفيه لكن لو ضرب الأرض ومسح مباشرة وجهه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج يبدأ بالوجه أولًا ثم باليدين ثانيًا لأن الله يقول (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فقدم الوجه فضيلة الشيخ: لكن إذا فرك أو مسح يدًا بيد ألا يذهب الغبار من اليدين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يضر ذهاب الغبار ليس بواجب بل إنه في صحيح البخاري (أن الرسول ﷺ نفخ في كفيه حينما أراد أن يضرب بهما الأرض نفخ فيهما ثم مسح) فهذا يدل على أن مسألة الغبار ليس بلازمة ولهذا يجوز التيمم على القول الراجح على الأرض التي لا غبار فيها كالرمل والأرض المبلولة بالماء والمطر وما أشبهها. ***
سائلة تقول إذا لم تستطع أن تتوضأ هل تتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا لم تستطع الوضوء فإنها تتيمم لقول الله تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) فضيلة الشيخ: وما هي طريقة التيمم إذا كانت مريضة عاجزة عن التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أن يأتي أهلها بالتراب فيضرب الرجل الذي هو محرمٌ لها أو المرأة يديها على الأرض ثم يمسح وجه المريضة وكفيها، وإذا تيممت مثلًا لصلاة الظهر وبقيت على طهارتها إلى العصر فلا يحتاج إلى إعادة تيمم، لأن التيمم لا يبطل بخروج الوقت ولها أي لهذه المرأة أن تجمع بين الظهر والعصر وأن تجمع بين المغرب والعشاء إذا شق عليها أداء كل صلاة في وقتها لكن بدون قصر لأنها ليست مسافرة. ***
المستمع عبد المنعم دفع الله سوداني مقيم في القصيم يقول في رسالته إذا أصابت الرجل جنابة وأوجبت عليه الغسل وهو في نفس الوقت مريض بمرض يمنعه من الغسل بالماء فهل التيمم يغني عن الغسل بالماء حتى ولو زال المانع بعد أيام وهل التيمم لرفع الجنابة يغني عن الوضوء للفريضة إذا دخل وقتها في نفس وقت أداء رفع الجنابة أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصابت الرجل جنابة أو المرأة وكان مريضًا لا يتمكن من استعمال الماء فإنه في هذه الحال يتيمم لقول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وإذا تيمم عن هذه الجنابة فإنه لا يعيد التيمم عنها مرة أخرى إلا بجنابة تحدث له أخرى ولكنه يتمم عن الوضوء كلما انتقض وضوءه والتيمم رافع للحدث مطهر للمتيمم لقول الله تعالى حين ذكر التيمم وقبله الضوء والغسل قال الله ﷾ (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وثبت عن النبي ﷺ أنه قال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) والطهور ما يتطهر به الإنسان وهذا يدل على أن التيمم مطهر لكن طهارته مقيدة بزوال المانع من استعمال الماء فإذا زال المانع من استعمال الماء فبريء المريض أو وجد الماء من كان عادمًا له فإنه يجب عليه أن يغتسل إذا كان تيممه عن جنابة وأن يتوضأ إذا كان تيممه عن حدث أصغر ويدل لذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيد - الطويل - وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم فسأله ما الذي منعه فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء إلى رسول الله ﷺ واستقى الناس منه وبقى منه بقية فقال للرجل خذ هذا فأفرغه على نفسك) وهذا دليل على أن التيمم مطهر وكافٍ عن الماء لكن إذا وُجد الماء فإنه يجب استعماله ولهذا أمره النبي ﵊ أن يفرغه على نفسه بدون أن يحدث له جنابة جديدة وهذا القول الذي قررناه هو القول الراجح من أقوال أهل العلم. ***
بارك الله فيكم هل يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم إذا كان في بعض أعضاء الوضوء جرح أرجو الإفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أنه لا يشترط الترتيب بين الوضوء والتيمم فلو كان في يده جرح لا يمكنه غسله ولا يمسح عليه فإنه يتوضأ أولًا ويتيمم للجرح بعد أن ينتهي وضوئه لأنه لم يغسل أو يمسح محل الجرح ولا يشترط أيضًا الموالاة في هذه الحال فلو توضأ هذا الوضوء وذهب إلى المسجد ثم تيمم عن الجرح الذي كان في يده ولم يغسله ولم يمسح فلا بأس بذلك، ولعلَّنا نتكلم عن موضوع الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء فنقول إن الجرح الذي يكون في أحد أعضاء الوضوء يجب أولًا غسله إذا كان لا يتضرر بالماء فإن كان يتضرر بالماء وكان عليه لفافة فإنه يمسح هذه اللفافة وتغني عن غسله وعن التيمم وإن لم يكن عليه اللفافة وكان الماء يضره يمسحه بالماء إذا كان لا يضره المسح فإن كان يضره المسح تيمم عنه فالمراتب ثلاثة: الأولى: أن لا يضره الغسل فيجب عليه الغسل. الثانية: أنْ لا يضره المسح فيجب عليه المسح إما على اللفافة إن كان ملفوفًا أو على الجرح مباشرة، الثالثة: أن يضره الغسل والمسح فيتمم عنه ولا يشترط التيمم كما ذكرنا آنفًا ترتيب ولا موالاة. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم تقول السائلة من ليبيا هل التيمم بنية الغسل من الدورة الشهرية أو من الجنابة هل هو مثل تيمم الوضوء وإذا كانت هناك زيادات وإيضاحات أرجو بيانها مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم لا يختلف فيه الحدث الأصغر والأكبر فالتيمم عن الجنابة أو عن غسل الحيض كالتيمم عن البول والغائط والريح دليل ذلك قول الله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) وهذا من القرآن ومن السنة حديث عمار بن ياسر ﵁ (أن النبي ﷺ بعثه في حاجة فأجنب فلم يجد الماء قال فتمرغت في الصعيد كما تتمرغ الدابة ثم أتيت النبي ﷺ فذكرت له ذلك فقال إنما كان يكفيك أن تقول بيديك هكذا وضرب بيده الأرض مرة واحدة ثم مسح وجهه وكفيه ظاهرهما بباطنهما) فالتيمم عن الجنابة وعن غسل الحيض كالتيمم عن الحدث الأصغر والقول الراجح من أقوال العلماء أن التيمم رافع للحدث ما دام لم يجد الماء أو يُشفى من المرض الذي تيمم من أجله وعلى هذا فإذا تيمم الإنسان لصلاة الفجر وبقي على طهارته لم ينقضها ببول أو غائط أو ريح أو غيرها مما ينقض الوضوء حتى جاء وقت الظهر فإنه يصلى الظهر بتيممه للفجر وكذلك لو استمر إلى العصر صلى العصر وإذا تيمم الإنسان لصلاة نافلة صلى به فريضة كما لو تيمم لصلاة الضحى وبقي على طهارته إلى أن جاء وقت الظهر وصلى الظهر بالتيمم الذي تيممه من أجل صلاة الضحى فإن صلاته الظهر صحيحة لأن حكم التيمم حكم طهارة الماء سواء بسواء ما لم يجد الماء أو يشفى من مرضه إن كان تيممه من أجل مرض وإذا أصابته جنابة فتيمم لها ثم انتقض وضوءه وأراد الصلاة فإنه لا يعيد التيمم عن الجنابة وإنما يتيمم للحدث الأصغر لأن الجنابة ارتفعت بالتيمم الأول لكن إذا وجد الماء فإن عليه أن يغتسل لأن رفع التيمم للحدث رفع موقت ويدل لذلك (أن النبي ﷺ صلى ذات يوم فرأى رجلًا منعزلًا لم يصل في القوم فسأله فقال يا رسول الله أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك وكان حينئذ لا ماء ثم أتى الماء فأمره النبي ﷺ أن يغتسل) فدل ذلك على أن التيمم يرفع الجنابة لكنه رفع موقت إذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل ويدل لذلك أيضًا إن النبي ﷺ قال (الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتق الله وليمسه بشرته) . ***
هل هناك فارق بين التيمم بدلًا من الوضوء والتيمم بدلًا من الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس بينهما فرق فإذا تيمم عن جنابة بقي على طهارته هذه من الجنابة ولا يعيد التيمم لكل صلاة بل لا يعيده إلا إذا أجنب مرة ثانية فيعيد التيمم عن هذه الجنابة الأخيرة أو إذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يغتسل وإن لم تتجدد الجنابة لأنه كما أسلفنا زوال المبيح للتيمم يوجب انتقاضه وأما إذا تيمم عن الوضوء فهو أيضًا باق على طهارته حتى يوجد ناقضًا من نواقض الوضوء فإذا وجد ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يتيمم عن الوضوء وعلى هذا فلا فرق بينهما إذا تيمم عن جنابة لا يعيد التيمم لها إلا بوجود سبب وجوبه وإذا تيمم للوضوء لا يعيد التيمم له إلا بوجود سبب وجوبه وهو الحدث الأصغر. فضيلة الشيخ: لكن أنا فيما أعتقد أن السائل يقصد بالفرق الفرق في الهيئة أو في الكيفية لأنا كما عرفنا منكم سابقًا أن التيمم ضربة واحدة يمسح الإنسان وجهه وظاهر كفيه بها ولكن مثلًا التيمم عن الجنابة هل هو مثل التيمم للوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم كيفيته عن الجنابة وعن الوضوء واحدة ولا فرق بينهما لأن الله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) فلا فرق بين هذا وهذا كله على حد سواء وذلك لأن التيمم فرع وليس بأصل حتى يُلحق به بل هو فرع طهارة مستقلة ثم إن المقصود منه إظهار التعبد لله ﷾ وهذا كافٍ في التيمم عن الجنابة وعن الحدث الأصغر. ***
المستمع أأ الرياض يقول في رسالته إذا كان الإنسان جنبًا وتعذر عليه استعمال الماء لشدة البرد وأراد أن يتيمم وقد نزل المطر على الأرض فبالتالي لا يوجد غبار في هذا التراب ومن شروط التيمم أن يكون في التراب المستعمل له غبار فماذا يفعل يا فضيلة الشيخ أرجو إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان جنبًا فإن عليه أن يغتسل لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا) فإن كانت الليلة باردة ولا يستطيع أن يغتسل بالماء البارد فإنه يجب عليه أن يسخنه إذا كان يمكنه ذلك فإن كان لا يمكنه أن يسخنه لعدم وجود ما يسخن به الماء فإنه في هذه الحال يتمم عن الجنابة ويصلى لقول الله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وإذا تيمم عن الجنابة فإنه يكون طاهرًا بذلك ويبقى على طهارته حتى يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل لما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين الطويل وفيه (أن النبي ﷺ رأى رجلًا معتزلًا لم يصل في القوم قال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال النبي ﷺ عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء بعد ذلك فأعطاه النبي ﷺ ماء وقال أفرغه على نفسك) فدل هذا على أن المتيمم إذا وجد الماء وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك عن جنابة أو عن حدث أصغر والمتيمم إذا تيمم عن جنابة فإنه يكون طاهرًا منها حتى يحصل له جنابة أخرى أو يجد الماء وعلى هذا فلا يعيد تيممه عن الجنابة لكل وقت وإنما يتمم بعد تيممه عن الجنابة يتمم عن الحدث الأصغر إلا أن يجنب وقول السائل إنه قد نزل المطر فلم يجد ترابًا فيه غبار وأن من شرط التيمم أن يتيمم بتراب ذي غبار نقول إن القول الراجح أنه لا يشترط للتيمم أن يكون بتراب فيه غبار بل إذا تيمم على الأرض أجزاه سواء أن كان فيها غبار أم لا وعلى هذا فإذا نزل المطر على الأرض فاضرب يديك على الأرض وامسح وجهك وكفيك وإن لم يكن للأرض غبار في هذه الحال لقول الله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولأن النبي ﷺ وأصحابه كانوا يسافرون إلى جهات ليس فيها إلا رمال وكانت الأمطار تصيبهم وكانوا يتيممون كما أمر الله ﷿ فالقول الراجح أن الإنسان إذا تيمم على الأرض فإن تيممه صحيح سواء كان على الأرض غبار أم لم يكن. ***
هل يحتاج التيمم بالتراب إلى أن يكون به غبار؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بالتراب لا يحتاج إلى غبار على القول الراجح لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) وهذا عام في كل الأوقات ومعلوم أن المسافرين قد يكونون على أرض رملية ليس فيها غبار وقد يكونون في زمن الأمطار وبلل الأرض فلا يكون غبار فالصحيح أن الغبار ليس بشرط. فضيلة الشيخ: وهل التيمم لا يصح إلا بتراب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بكل ما على الأرض لكن في الطائرة ما يتمكن الإنسان إلا إذا كان معه تراب فهنا يمكن أن يتيمم. ***
يقول السائل عندما أذهب من بلدتي حوالي ثلاثين كيلو متر ويأتي وقت الصلاة وأنا في مكان أرض سبخة والبحر بعيدًا عني وما عندي ماء غير التيمم فهل صلاتي جائزة عندما أتيمم من هذه السبخة أفيدونا جزاكم الله عنا خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم بجميع الأرض جائز لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولكن إذا كنت تريد الرجوع في الوقت قبل خروجه فتدرك الماء فإن الأولى أن تنتظر حتى ترجع وتدرك الماء وتصلى بالماء فهو أفضل لك من أن تصلى بالتيمم في أول الوقت وأما إذا كنت لا ترجو أن تلحق الماء قبل خروج الوقت فصلِ بالتيمم ولا حرج. ***
السائل طه من السودان يقول هل يجوز التيمم على الحجر أم لا وهل يجوز التيمم على الأرض إذا كانت بها مطر جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز التيمم على الأرض سواء كانت رملا أم ترابا يابسا كان أم مبلولا وسواء كانت أحجارا أو غير أحجار لعموم قول الله ﵎ (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولعموم قول الرسول ﵊ (وجعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا فأيما رجل من أمتي أدركته الصلاة فليصل) ولأن الله تعالى يعلم أن الناس تدركهم الصلاة وهم في بر مطير أو في بر حجري أو غير ذلك وكذلك الرسول ﷺ يعلم هذا ومع ذلك لم يستثنِ شيئًا من هذا النوع فدل ذلك على العموم وأن الإنسان متى أدركته الصلاة فليصل فيتيمم على أي أرض كانت إلا ما كان نجسا فالنجس لا يتيمم به لقوله تعالى (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) ولا يصلى عليه لأن (النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أمر أن يصب على بول الأعرابي الذي بال في المسجد) فدل هذا على أنه لابد أن تكون البقعة التي يصلى عليها طاهرة. ***
هل يجوز أن يتيمم المصلى على فرش المساجد اليوم أو على البلاط لأنه يتعذر وجود التراب الطاهر خاصة في المدن الكبيرة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول التيمم على الأرض وما اتصل بها من الحيطان جائز لأنه ثبت عن النبي ﵊ (أنه تيمم على الحائط) وعلى هذا فالتيمم على البلاط جائز لأنه متصلُ بالأرض وأما التيمم على الفرش فلا ينبغي أن يتمم على الفرش إن لم يكن عليها غبار ولا يصح التيمم عليها وإن كان عليها غبار فإنه يصح التيمم عليها من أجل الغبار الذي هو من جنس الأرض ولكن مع ذلك لا ينبغي أن يتيمم عليها إلا إذا لم يجد شيئًا يتيمم به من الأرض وما يتصل بها من الحيطان ونحوها. ***
بالنسبة للتيمم هل يلزم أن يكون على صعيد طيب أو في الجدار أو في الفراش؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجدار من الصعيد الطيب فإذا كان الجدار مبنيًا من الصعيد سواء كان حجرًا أو كان مدرًا يعني لبنًا من الطين فإنه يجوز التيمم عليه أما إذا كان الجدار مكسوًا بالأخشاب أو بالبوية فهذا إن كان عليه غبار فإنه يتيمم به ولا حرج فيكون كالذي يتمم على الأرض لأن الغبار من مادة الأرض أما إذا لم يكن عليه غبار فإنه ليس من الصعيد في شيء وإذا كان عليه بويه فقط وليس عليه غبار فإنه ليس من الصعيد وأما بالنسبة للفرش فنقول إن كان فيها غبار فليتيمم عليها وإلا فلا يتيمم عليها لأنها ليست من الصعيد. فضيلة الشيخ: وكيف يتيمم، هل يحضر له التراب في إناء مثلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لكن حسب سؤال المرأة أنه لا يمكن من ذلك إنما إذا أمكن يحضر له. ***
أحسن الله إليكم هذه سائلة تسأل ما حكم التيمم بضرب السجاد الذي به أثر للغبار وإذا لم يكن عليه غبار فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: التيمم على الفراش الذي به غبار جائز وأما إذا لم يكن عليه غبار فإنه لا يجوز التيمم عليه لأنه ليس من جنس الأرض وليس متصلًا بها بل هو منفصلٌ عنها لكن إذا كان فيه غبار فالغبار من تراب الأرض فيجوز التيمم عليه وعلى هذا فإذا قدر أن مريضًا في المستشفى والمعروف أن الأَسِرَّة في المستشفى نظيفة ليس فيها غبار فإن أُذن له بترابٍ يتيمم به فهذا المطلوب وإن لم يؤذن له فإنه يصلى ولو بلا طهارة يعني ولو بلا تيمم لقول الله ﵎ (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) . ***
بارك الله فيكم المستمع من جدة طالب في جامعة الملك عبد العزيز يسأل إذا صادفني جنابة في منطقة شديدة البرودة فهل يجوز لي التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا أصاب الإنسان جنابة في مكان شديد البرودة فالواجب عليه أن يسخن الماء فإن لم يتمكن من تسخينه أو تمكن من تسخينه لكنه لم يجد شيئًا يلوذ به عن الهواء البارد فله أن يتيمم ويصلى فإذا زال المانع وجب عليه أن يغتسل ولا يقول إن التيمم كافٍ عن الغسل لأن التيمم يكفي عن الغسل على وجه مؤقت حتى يزول المانع من استعمال الماء ودليل ذلك ما ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- وفيه (أن النبي ﷺ صلى رأى رجلًا معتزل لم يصلّ في القوم فقال ما منعك قال أصابتني جنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفك ثم جاء الماء فأعطى النبي ﷺ هذا الرجل منه وقال اذهب فأفرغه على نفسك) فدل هذا على أن رفع الجنابة بالتيمم رفع مؤقت ويدل لذلك أيضًا حديث أبي هريرة (أن النبي ﷺ قال الصعيد الطيب وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجده فليتقِ الله ويلمسه بشرته) . ***
يقول السائل بالنسبة لتسخين الماء إذا كان الإنسان يتكاسل أو قام متأخرًا من نومه في البرية ويخشى من فوات الوقت فما الذي يفعل هل يسخن الماء أم يتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليه أن يسخن الماء ولو كان يخشى خروج الوقت وذلك لأن النائم إذا قام من نومه فوقت الصلاة في حقه من استيقاظه وليس من دخول وقتها لقول النبي ﵊ (من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها) فجعل وقتها عند الذكر بالنسبة للنسيان وكذلك عند الاستيقاظ بالنسبة للنوم فنحن نقول إذا قمت مثلًا من نومك قبل طلوع الشمس بنحو خمس دقائق أو عشر دقائق إن تيممت أدركت الصلاة في الوقت وإن اغتسلت خرج الوقت فنقول اغتسل ولو خرج الوقت وذلك لأن وقت الصلاة في حقك كان عند استيقاظك من النوم وليس من طلوع الفجر لأنك معذور به. ***
رسالة من السائل مطر أحمد الزهراني يقول إذا كان الشخص ليس على طهارة وعنده ماء ولكنه بارد لا يستطيع استعماله فماذا يفعل، وإذا تيمم فهل تجوز صلاته أم لابد أن يقضيها حال دفيء الماء أو تسخينه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا يقول أن عنده ماء بارد لا يتمكن من استعماله فهل يجوز أن يتيمم والجواب على هذا السؤال أن نقول لا يجوز أن يتيمم بل يجب عليه أن يصبر ويستعمل هذا الماء البارد في الوضوء إلا إذا كان يخشى من ضرر يلحقه فإنه لا بأس أن يتيمم حينئذٍ وإذا تيمم وصلى فليس عليه إعادة الصلاة لأنه صلى كما أمر وكل من أتى بالعبادة على وجه أمر به فإنه ليس عليه إعادة الصلاة أما مجرد أن يتأذى من برودته فليس هذا بعذر فإنه غالبًا ولاسيما من لم يكونوا في البلد الغالب أنه في أيام الشتاء لابد أن يكون الماء باردًا ويتأذى الإنسان ببرودته لكنه لا يخشى من الضرر أما من يخشى من الضرر فإنه لا بأس أن يتيمم ويصلى ولا إعادة عليه ولا يجوز أن ينتظر حتى تخرج الشمس ويسخن الماء ويصلى لأن الواجب عليه أداء الصلاة في وقتها على الوجه الذي أمر به إن قدر على استعمال الماء بدون ضرر استعمله وإن كان يخشى من الضرر تيمم. ***
الأخ فاضل من تركيا يقول في فصل الشتاء ولشدة البرودة لا أتمكن من الوضوء بالماء لصلاة الفجر فهل يجوز لي أن أستخدم التراب للتيمم بدلًا عن الماء أرجو الإفادة مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الواجب عليك أن تسخن الماء لأنك في البلد ويمكنك أن تسخنه ولا يحل لك أن تعدل إلى التيمم مع إمكان تسخينه لأنك واجدٌ للماء ولا ضرر عليك من استعماله بعد تسخينه أما إذا لم تسخنه فإن الغالب أن الذين يعيشون في المناطق الباردة يتحملون الماء البارد ولا يضرهم وفي هذه الحال لا يحل لك أن تتيمم ولا يجوز للإنسان أن يتهاون في مثل هذه الأمور وأن يترخص إلا في الموطن الذي رخص فيه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ***
المستمع محمد إدريس عبد الله سوداني يقول أنا شخص أعمل في رعي الإبل ومشكلتي أننا نصلى جماعة والحمد لله لكننا نتيمم طوال أيام السنة صيفا وشتاءً والجدير بالذكر أن ماء الوايت في الصيف يمكث معنا ثلاثة أيام وفي الشتاء أكثر من اسبوع وأحيانًا يبعد الماء عنا عشرين كيلو متر أو أربعين كيلو متر فما حكم الشرع في نظركم في عملنا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: عملكم هذا صحيح إذا كنتم لا تجدون الماء لقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فإذا لم تجدوا الماء أو كان بعيدا عنكم بُعدًا يشق عليكم في الذهاب إليه فتيمموا ولو طول السنة أما إذا كان الماء قريبا منكم أو في رحالكم فإنه لا يحل لكم أن تتيمموا ولو تيممتم في هذه الحال فإن تيممكم غير صحيح وصلاتكم التي صلىتموها به غير صحيحة أيضا فالواجب عليكم تقوى الله ﷿ وألا تتيمموا إلا عند وجود العذر الشرعي وهو عدم الماء أو التضرر باستعماله. ***
المستمع صلاح الدين أحمد محمود مصري يقول هناك البعض من الناس يتيممون لكل صلاة مع وجود سيارة ماء كبيرة يسقون منها الإبل والغنم ولكنني عندما أتيمم مثلهم لا أشعر بطعم الصلاة أو الخشوع فيها وأشعر بأنها باطلة لأنني أعرف أن التيمم يبطل في حال وجود الماء أرجو معرفة الرأي الشرعي في ذلك فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لو قال السائل الحكم الشرعي لكان أحسن من الرأي الشرعي والحكم في هذه المسألة وهي أن يتيمم الإنسان مع وجود الماء وتوافره أن تيممه باطل ولا يحل له أن يصلى به وعلى هذا فإن هؤلاء القوم الذين يتيممون وعندهم الوايت من الماء لا يحل لهم أن يصلوا بهذا التيمم وإذا صلوا بهذا التيمم فإن صلاتهم باطلة لأن الله ﷾ إنما أباح التيمم إذا لم نجد الماء ومن عنده وايت من الماء فقد وجده فلا يحل له أن يتيمم وعلى هؤلاء أن يتقوا الله ﷿ في أنفسهم وأن يستعملوا الماء لطهارتهم لأنهم واجدون له والغالب أن تحصيل هذا الماء سهل يذهبون إلى أماكن الماء ويملئون هذا الوايت ويكفيهم لعدة أيام. ***
هل يجوز لمن يخرجون للبرية في عطلة الربيع مثلًا أن يتيمموا لقلة الماء أو لشدة البرد، وهم عندهم سيارات يذهبون بها إلى خارج المدينة ويعرفون أنهم سيقيمون كذا أيام في البرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا لم يكن عندهم ماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا عن الجنابة وعن الحدث الأصغر وأما إذا كانوا يخافون البرد فإن كان عندهم ما يسخنون به الماء وجب عليهم تسخينه واستعماله وإن لم يكن عندهم ما يسخنون به الماء فإنه يجوز لهم أن يتيمموا وفي كلتا الحالين إذا وجدوا الماء بعد ذلك وجب عليهم الغسل إن كان تيممهم عن جنابة والوضوء إن كان تيممهم عن حدثٍ أصغر. فضيلة الشيخ: لكن مثل هؤلاء كيف يخرجون من المدينة ومعهم السيارات ولا يأخذون ماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قد تكون سيارات غير قابلة لحمل الماء فيها أو فيها مشقة في حمل الماء والله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا) وحمل الماء من أجل الوضوء به ليس بواجب لأنه قد يشق على الإنسان. فضيلة الشيخ: لكن أليس على الإنسان أن يشتري الماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يشتريه إذا حضر وقت الصلاة أما قبل ذلك فلا إذا حضر وقت الصلاة وجب عليه أن يتوضأ. فضيلة الشيخ: لكن ألا يكلف نفسه بحمله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يكلف نفسه بحمله. فضيلة الشيخ: هذا إذا كان فيه كلفة شديدة لكن إذا كان عنده وسائل نقل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حتى إذا كان عنده وسائل نقل فلا يظهر لي وجوب حمله عليه من أجل الوضوء لأنه مأمور بالوضوء إذا حضرت الصلاة فإذا حضرت الصلاة إن وجد الماء توضأ به وإلا فلا. ***
أحسن الله إليكم يذكر هذا السائل بأنه يتيمم في كل وقت مع وجود الماء الخاص بشرب الأغنام وقد صلَّى عدة صلوات بالتيمم هل يلزمه شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان قادرًا على استعمال الماء فإنه لا يحل له أن يتيمم لأن الله تعالى قال (فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً) فما مضى ووقع جهلًا منه فأرجو أن لا يلزمه إعادة الصلاة التي صلاها بالتيمم لكن في المستقبل ما دام الماء كافيًا فإنه يجب عليه أن يتطهر بالماء. ***
إذا كنت في الخلاء ولم يكن بحوزتي ماء إلا القليل الذي يكفيني للشرب فقط هل أتوضأ منه أم أتيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان مع الإنسان ماء يحتاجه للشرب وحان وقت الصلاة وليس عنده سوى هذا الماء فإنه يتيمم لأنه محتاجٌ إلى هذا الماء ودفع الضرورة أمر مطلوب والله ﵎ أباح للإنسان أن يتيمم إذا لم يجد ماء وهذا الماء الذي يحتاجه لشربه وجوده كالعدم بالنسبة للوضوء به. ***
أنا أحد رعاة الأغنام وأحيانًا لا يتوفر لدي الماء عند وقت الصلاة فهل يجوز لي التيمم أفيدونا بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا كنت راعيًا للغنم وحضرت الصلاة وليس عندك ماء فإن الله ﷿ أباح لك التيمم قال النبي ﷺ فيما ذكر من خصائصه التي خصها الله بها وأمته قال ﵊ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) إذا أدركتك الصلاة فصل إن كان عندك ماء تطهرت به وإن لم يكن عندك ماء تطهرت بالتراب ويجزئك ذلك. ***
المستمع العوضي الناجي سوداني مقيم في المملكة يقول أنا أعمل راعي مع أحد سكان البادية ومعنا ماء يكفي لمدة عشرة أيام ولكنه مخصص للشرب وصاحب العمل يمنعني من استعماله للوضوء هل يكفي التيمم في هذه الحالة نرجو الإفادة جزاكم الله خيرا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان ليس حولكم ماء يمكنكم أن تتوضؤا منه أو تغتسلوا من الجنابة به فإن لكم أن تتيمموا في هذه الحالة لقوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ) ولكن إذا قدرتم على الماء فإنه يجب عليكم استعماله إن كان التيمم عن حدثٍ أصغر فتوضئوا وإن كان التيمم عن حدثٍ أكبر فاغتسلوا لأن الإنسان إذا وجد الماء بطل تيممه ووجب عليه استعماله لقول الرسول ﵊ (الصعيد الطيب وضوء المسلم أو قال طهور المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين فإذا وجد الماء فليتق الله وليمسه بشرته) ولأنه ثبت في صحيح البخاري من حديث عمران بن حصين -الطويل- (أن رجلًا لم يصلِ مع النبي ﷺ فرآه النبي ﷺ معتزلًا لم يصلِ فقال ما منعك قال أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد ثم حضر الماء فأمره النبي ﷺ أن يغتسل) وهذا دليل على أن التيمم يبطل بوجود الماء. ***
عماد أمين يقول قضيت فترة من الزمن ما يقارب من عشرة أيام وأنا أصلى بالتيمم وكنت أتيمم على صخرة لصعوبة الحصول على الماء فهل يجب عليّ إعادة الصلاة أفيدوني في ذلك بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يجب عليك إعادة الصلاة إذا كنت حين التيمم لا تستطيع استعمال الماء لأن الله ﷿ قال (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وقال النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورا فأيما رجل أدركته الصلاة فليصل) فإذا كنت غير مستطيع لاستعمال الماء وتيممت وبقيت مدة طويلة تصلى بهذا التيمم فإنه لا شيء عليك ما دام الشرط موجودًا وهو تعذر استعمال الماء. ***
رجل يرعى الإبل بعيدًا عن المنازل ولم يجد الماء لمدة طويلة ويعيش على لبن الإبل بدل الماء في هذه الفترة وزوجته معه فهل يصح له أن يتيمم ويصلى وماذا يفعل من ناحية الغسل وما حكم صلاته وهو جنب بالتيمم فقط لو طالت المدة إلى شهر مثلًا وهل السفر مع هذه الإبل بحثًا عن الكلأ يعتبر سفرًا يبيح أحكام السفر من قصر الصلاة الرباعية والإفطار في رمضان وغيرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان المسافر العادم للماء أن يفعل كل ما يباح له في حال وجود الماء من جماع زوجته وتقبيلها وغير ذلك وإذا وجب عليه غسل من الجنابة فإنه يتيمم إذا لم يجد الماء وإذا تيمم فإن جنابته ترتفع لكنه ارتفاع مؤقت، إلى أن يجد الماء فإذا وجد الماء وجب عليه أن يغتسل وأما كونه يترخص برخص السفر فينظر إن كان هذا المكان الذي يرعى فيه مكان إقامته بحيث يعرف أنه مستمر في هذا دائمًا فإنه لا يترخص برخص السفر وإن كان يبقى فيه أيامًا ثم يرتحل إلى مكان آخر وهكذا وليس محل إقامته وإنما محل إقامته وسكناه محل سوى ذلك فإنه يترخص برخص السفر. ***
بارك الله فيكم هذا سائل مصري يقول كنت أسير في الطريق فلم أعلم إلا والصلاة تقام في مسجدٍ قريب مني ولم أجد ماء قريب مني فتيممت وصلىت علمًا بأنني لو بحثت عن مسجد غير هذا المسجد لفاتتني الصلاة فهل تجوز صلاتي على هذه الحال أرجو إفادتي مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تجوز الصلاة في هذه الحالة يعني أنه لا يجوز للإنسان أن يتيمم من أجل إدراك الجماعة لأن الصلاة تصح بدون الجماعة وإن كانت بدون الجماعة حرامًا لكنها تصح والواجب على هذا السائل الآن أن يعيد صلاته بعد أن يتوضأ لأن صلاته الأولى غير صحيحة لترك شرط من شروطها وهو الوضوء. ***
من الطائف من المستمع س. ع. يسأل عن التيمم لصلاة العيد يقول إذا انتقض الوضوء وأنا في صلاة العيد ولم يكن هناك وقت مع عدم وجود ماء في مسجد العيد فهل يجوز التيمم والله يرعاكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جمهور أهل العلم على أنه لا يجوز له التيمم لأن من شروط التيمم عدم الماء وهذا ليس عادمًا للماء، فنقول له اذهب فتوضأ ثم أحضر إلى صلاة العيد فإن أدركتها فذاك وأن لم تدركها فقد تركتها لعذر. فضيلة الشيخ: لكن إذا اعتقد أو جزم بأنه لن يدرك الصلاة لأن المسجد بعيد أو منزله أيضًا بعيد أو الماء بعيد وجلس خلف الصفوف ليسمع الخطبة فقط ولا يؤدي الصلاة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بأس، لا حرج عليه في هذا ولكن تبقى ملاحظة وهي أنه يُفهم من كلامك أن صلاة العيد من السنن، والحقيقة أنها ليست من السنن، بل هي من الفروض والواجبات فالصحيح من أقوال أهل العلم أنها واجبة على الأعيان، وأنه يجب على المرء أن يصلى صلاة العيد ولا يتخلف عنها إلا لعذر لأن (النبي ﷺ أمر بها حتى الحيض وذوات الخدور إلا أن الحيض يعتزلن المصلى) وما أمر به فالأصل فيه الوجوب وهذا هو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ ولا يعارض هذا قول النبي ﷺ للأعرابي حين ذكر له الصلوات الخمس (قال هل علي غيرها قال لا إلا أن تطوع)، فإن صلاة العيد من الصلوات الواجبة لعارض ليست من الصلوات اليومية أما الصلوات اليومية فلا يجوز فيها سوى الخمس، أما الصلوات لعارض فهناك صلوات تجب وليست من الصلوات الخمس. ***
ما حكم تيمم الشيخ الكبير في السن مع القدرة على أن يحضر الماء إليه بواسطة الأبناء أو الزوجة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الإنسان بالتيمم مع قدرته على الماء باطلة لأن الله ﵎ لما ذكر الطهارة بالماء قال (فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا) يعني عند تعذر الماء أو تعذر استعماله فإذا صلى بلا وضوء ولا تيمم بطلت صلاته ولكن إذا كان يشق عليه إحضار الماء فإنه يحل له أن يجمع بين صلاة الظهر والعصر في وضوءٍ واحد وبين صلاة المغرب والعشاء في وضوءٍ واحد فيتوضأ وضوءًا واحدًا للظهر والعصر ووضوءًا واحدًا للمغرب والعشاء ووضوءًا ثالثًا للفجر وأما أن يتيمم وهو قادرٌ على استعمال الماء ثم يصلى فصلاته باطلة. ***
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كان في عيني مرض ومنعني الطبيب من الماء هل يصح لي التيمم لمدة طويلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان في العين مرض وقال الطبيب إن الماء يضرها فإنه ينظر هل يمكن أن تمسح على العين مسحًا بأن تبل يديها بالماء وتمسح عليها إن كان كذلك وجب عليها أن تمسح وإن لم يمكن وكان يضرها الغسل والمسح فإنها تغسل من وجهها ما لا يضره الماء وتتيمم عن الباقي لعموم قوله ﵎ (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ) وقوله ﷾ (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) . ***
بارك الله فيكم يقول المستمع محمد عبد الله دخل والدي المستشفى وأجرى عملية جراحية وكان يتيمم للصلاة وليس في المستشفى تراب فكان يتيمم بالغرفة وبعد ذلك أحضرت له ترابًا فما حكم هذا العمل فضيلة الشيخ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا العمل أقصى ما تقدرون عليه فإنه عمل مجزئ لقول الله تعالى (فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) وقوله تعالى (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا) وقول النبي ﵌ (إذا أمرتكم بأمر فأتوا منه ما استطعتم) . ***
هل يلزم المسلم أن يتيمم لكل صلاة ولو لم ينتقض التيمم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يلزمه أن يتيمم لكل صلاة إذا لم ينتقض التيمم وانتقاض التيمم يكون بوجود الماء فإذا وجد الماء فإنه يجب عليه أن يستعمل الماء ويكون انتقاض التيمم أيضًا لبرء الجرح ونحوه مما تيمم من أجله فإذا برئ وأراد الصلاة لابد أن يتوضأ لزوال المبيح والمهم أن بطلان التيمم يكون بزوال المبيح الذي أباح التيمم سواء كان عَدِم الماء فوجده أو كان من أجل مرض ثم عوفي وكذلك أيضًا يبطل التيمم بمطلات الوضوء إن كان عن وضوء ومبطلات الغسل إن كان عن غسل وأما خروج الوقت فإنه لا يُبطل التيمم فلو تيمم لصلاة الظهر مثلًا واستمر على طهارته حتى دخل وقت العصر فإنه يبقى على طهارته ولا حرج عليه لأن الله ﷾ جعل التيمم طهارة فقال بعد ذكر التيمم (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) وسمى رسول الله ﷺ الأرض طَهورًا والطَّهور ما يطهر فقال (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فالأرض طهور والماء طهور فكما أن الماء يطهر فكذلك الأرض تطهر إذا تمت شروط أباحة التميم وفي الحديث أيضًا عن الرسول ﵊ أنه قال (الصعيد وضوء المسلم وإن لم يجد الماء عشر سنين) فسماه الرسول وضوءًا والوضوء ما يتوضأ به ويرفع الحدث فالتيمم مطهر رافع للحدث وإذا رفع الحدث فإنه لا يعود الحدث إلا بأسبابه وهي النواقض المعروفة. ***
بارك الله فيكم المستمع السوداني يقول هل من الممكن أن أصلى فرضين بتيممٍ واحد مع العلم بأن الفرضين في وقتٍ واحد أحدهما قضاء والآخر حاضر وهل يمكن أن أصلى فرض وسنة بتيممٍ واحد فمثلًا صلاة العشاء مع الشفع والوتر نرجو بهذا إفادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يمكن أن تصلى فرضين بتيممٍ واحد سواءٌ صلىتهما في آنٍ واحد أو صلىت كل وقتٍ في وقته ويمكن أن تصلى فريضة وراتبتها أو فريضة وسنةً أخرى ويمكن أن تتيمم لسنة وتصلى به فريضة وذلك لأن التيمم بدلٌ عن طهارة الماء والبدل له حكم المبدل والتيمم تحصل به الطهارة ودليل ذلك قوله تعالى (وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) وهذا دليلٌ على أن التيمم مطهر ولقول النبي ﵊ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطَهورا) والطَّهور ما يتطهر به وهو دليلٌ على أن التيمم مطهر وإذا كان مطهرًا فإن الإنسان إذا تيمم ثبتت في حقه الطهارة وارتفع عنه الحدث فيبقى على طهارته حتى يتجدد له حدثٌ آخر وعلى هذا فلو تيممت لصلاة الفجر ولم تحدث حتى حان وقت صلاة الظهر وصلىت الظهر بتيمم الفجر كانت صلاتك صحيحة لأن الطهارة باقية ولو بقيت على طهارتك إلى صلاة العصر فصلىت العصر أيضًا فلا حرج عليك وصلاتك صحيحة ولو بقيت إلى المغرب والعشاء وصلىت المغرب والعشاء بالتيمم الذي كان لصلاة الفجر فلا حرج عليك في ذلك لأن طهارة التيمم لا تنتقض إلا بما تنتقض به طهارة الماء وطهارة الماء لا تنتقض بخروج الوقت وكذلك طهارة التيمم إلا أن طهارة التيمم تنتقض بوجود الماء فإذا وجدت الماء وجب عليك أن تتوضأ إذا وجبت الصلاة وأن تغتسل من الجنابة إن كنت تيممت عنها في حال عدم وجود الماء فتغتسل إذا وجدت الماء وتصلى ودليل ذلك ما رواه البخاري من حديث أبي سعيدٍ -الطويل- وفيه (أن النبي ﷺ صلى بأصحابه فرأى رجلًا معتزلًا لم يصلِ في القوم فسأله لماذا لم يصلِ معهم قال يا رسول الله أصابتني جنابةٌ ولا ماء قال فعليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم أُحضر الماء إلى رسول الله ﷺ فأعطاه الرجل وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا دليل على أنه متى وجد الإنسان الماء ولو كان متيممًا وجب عليه أن يتطهر به سواء كان ذلك من الحدث الأصغر أو الأكبر أما ما دام عادمًا للماء فإن طهارة التراب تقوم مقام طهارة الماء من كل وجه. ***
ما حكم صلاة من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء بعد الفراغ من الصلاة والوقت باقٍ لم يخرج؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم من صلى بالتيمم في أول الوقت ثم وجد الماء في آخر الوقت أنه لا إعادة عليه وصلاته الأولى صحيحة لأنها جاءت على وفق الشريعة وما جاء على وفق الشريعة برئت به الذمة فإذا برئت ذمته فإنه لا يطالب بها مرة أخرى، وهذا الرجل الذي صلى بالتيمم لعدم وجود الماء مثلًا نقول له إن صلاتك هذه صحيحة وإذا صحت برئت ذمته منها فإذا وجد الماء فلا إعادة عليه. فضيلة الشيخ: حتى لو كان التيمم عن جنابة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حتى لو كان عن جنابة لا يعيد الصلاة ولكنه كما أسلفنا قبل قليل يغتسل. ***
بارك الله فيكم هل يمكن أن نصلى الوقت بالتيمم ونصلى بهذا التيمم عدد من النوافل والسنن المؤكدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة أن يصلى بهذا التيمم عدة صلوات مفروضة أو نوافل، سواء صلاها في وقت الصلاة التي تيمم لها أو صلى في وقت آخر، فإذا تيمم لصلاة الظهر مثلا وبقي على طهارته إلى دخول وقت العصر فإنه يصلى العصر بلا إعادة التيمم لأن القول الراجح أن التيمم لا يبطل بخروج الوقت وكذلك لو بقي على طهارته هذه حتى دخل وقت المغرب فإنه يصلى المغرب بتيمم صلاة الظهر وكذلك لو بقي على طهارته إلى العشاء فإنه يصلى صلاة العشاء بتيمم صلاة الظهر لأن التيمم لا ينتقض إلا بنواقض الوضوء التي تنتقض بها طهارة الماء إلا إذا وجد الماء إن كان تيممه لعدم الماء فإنه لابد أن يتوضأ به وكذلك لو كان تيممه لمرض فبرأ منه فإنه لا بد أن يتوضأ بالماء. ***
المستمع محمد الشريف حامد سوداني الجنسية مقيم بمدينة عفيف يقول هل يجوز تأدية صلاتين بتيمم واحد حضرًا أو سفرًا جمعًا وقصرًا أو كل صلاة في وقتها فقد شاهدت بعض الناس يصلون بتيمم واحد فرضين وإن كان لا يجوز فماذا على هؤلاء فعله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب على هذا السؤال ينبني على هل التيمم مبيح أو رافع للحدث وهو محل خلاف بين أهل العلم والراجح أن التيمم رافع للحدث ومطهر لأن الله ﷾ يقول (وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ) ولقول النبي ﷺ (جعلت لي الأرض مسجدًا وطهورًا) فالتيمم مطهر على ما تقتضيه هذه الآية الكريمة والحديث عن النبي ﷺ وإذا كان مطهرًا فإنه رافع للحدث وعلى هذا فيجوز للإنسان إذا تيمم لصلاة واستمر على طهارته ولم يوجد منه ناقض للوضوء يجوز له أن يصلى صلاتين فأكثر سواء صلاهما جمعًا أو صلى كل صلاة وحدها وعلى هذا فإذا تيمم لصلاة الفجر مثلًا وبقي لم يحدث منه ما ينقض الوضوء إلى الظهر فإنه يصلى صلاة الظهر بالتيمم الذي تيممه لصلاة الفجر وكذلك لو بقي إلى العصر وإلى المغرب وإلى العشاء لم يوجد منه ما يكون ناقضًا للوضوء فإنه يكون على طهارته أي طهارة تيممه الذي تيممه لصلاة الفجر هذا هو القول الراجح ولا يبطل التيمم إلا بما يبطل طهارة الماء أو بوجود الماء إذا كان تيمم لعدم الماء أو بزوال مبيح من مرض أو غيره إذا تيمم لذلك فعلى هذا نقول إن هؤلاء الذين يراهم السائل يصلون صلاة فأكثر بيتمم واحد نقول إن صلاتهم هذه صحيحة وليس عليهم حرج ما داموا باقين على طهارتهم. ***
هل يجوز للمتيمم أن يصلى سنة الوضوء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: طهارة التيمم طهارة كاملة رافعة للحدث مادام سبب التيمم قائما لقول الله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُءُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنْ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمْ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ مِنْهُ مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) فقوله تعالى (وَلَكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ) يدل على أن التيمم مطهر رافع للحدث كالماء تماما ويدل لذلك أيضًا قول النبي صلى عليه وآله وسلم (جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا) والطهور ما يتطهر به وعلى هذا إذا تيمم الإنسان التيمم المشروع الذي وجد سببه فإنه يصلى بهذا التيمم ما شاء من فروض ونوافل وهو على طهارته حتى ولو خرج الوقت فإنه يمكن أن يصلى به الصلاة الأخرى حتى يحصل ناقض من نواقض الوضوء فمثلا لو أن الإنسان تيمم لصلاة الظهر وصلى ما شاء من فروض ونوافل ثم بقي إلى صلاة العصر لم يفعل ما ينقض الوضوء ثم صلى العصر بتيمم صلاة الظهر فلا حرج عليه في هذا وأرجوا أن تكون السائلة قد فهمت الآن أنه يجوز لها أن تتنفل بطهارة التيمم كما تتنفل بطهارة الماء ولكن متى وُجد الماء فإن الواجب عليها أن تتوضأ عند أرادت الصلاة أو تغتسل إن كانت على جنابة ودليل ذلك (أن النبي ﵌ رأى ذات يوم رجلًا معتزلًا لم يصلّ في القوم يعني لم يصلّ مع الجماعة فسأله فقال يا رسول أصابتني الجنابة ولا ماء فقال عليك بالصعيد فإنه يكفيك ثم حضر الماء فأعطاه النبي ﷺ ماء وقال خذ هذا أفرغه على نفسك) وهذا يدل على أن التيمم يبطل إذا وجد الماء. ***
باب إزالة النجاسة
من الرياض عثمان بن عيسى من المغرب يقول ما هي شروط إزالة النجاسة وهل يمكن أن ننطق بالنية جهرًا أم سرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النجاسة نوعان نجاسة الكلب فيشترط في تطهيرها سبع غسلات إحداها بالتراب والأولى أن يكون التراب في الغسلة الأولى هكذا ثبت عن النبي ﷺ من (حديث أبي هريرة وغيره بأن نجاسة الكلب لابد فيها من سبع غسلات إحداها بالتراب) وأما نجاسة غير الكلب فإن الشرط فيها أن تزول عين النجاسة بأي عدد كان سواء بواحدة أو باثنتين أو بثلاث أو بأكثر المهم أن عين النجاسة لابد أن تزول وكذلك لابد من زوال العين حتى في نجاسة الكلب لكن نجاسة الكلب تمتاز عن غيرها بأنها لو زالت العين بثلاث غسلات فلابد من اكمال السبع التي لابد أن يكون واحدة منها بتراب هذا إذا كانت النجاسة على غير الأرض أما إذا كانت على الأرض فإنه يكفي أن تصب عليها ماءً يغمرها لقول النبي ﷺ في الأعرابي الذي بال في المسجد قال (أريقوا على بوله سجلًا من ماء أو ذنوبًا من ماء) وأما التلفظ بالنية فإنه ليس بشرط بل ولا مستحب وإزالة النجاسة ليس لها نية بدليل أنه لو كان في أعلى السطح نجاسة ونزل عليه المطر حتى زالت النجاسة به فإنه يطهر مع أن الإنسان ما نوى فإزالة النجاسة لا يشترط لها نية. فضيلة الشيخ: كثيرًا ما نسمع مثلًا خاصة الطاعنين في السن إذا غُسل لهم وأزُيلت نجاسة من ثوب من ثيابهم يسألون هل شُهِّدَ أي قيل عليه (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) هل ورد في ذلك شيء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أبدًا ما ورد أن الإنسان إذا غسل النجاسة يقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدًا رسول الله) هذا وارد فيما إذا توضأ الرجل فيقول (أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد عبده ورسول الله اللهم اجعلني من التوابين واجعلني من المتطهرين) وأما التشهد على إزالة النجاسة فإنه من البدع التي يُنهى عنها. ***
أحسن الله إليكم هل يجوز إزالة النجاسة بغير الماء كالخل وغيره من المزيلات أو المطهرات؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نقول إن إزالة النجاسة ليست مما يتعبد به قصدًا أي أنها ليست عبادة مقصودة وإنما إزالة النجاسة هو التخلي من عين خبيثة نجسة فبأي شيء أزال النجاسة وزال أثرها فإنه يكون ذلك الشيء مطهرًا لها سواء كان بالماء أو بالبنزين أو بأي مزيل يكون متى زالت عين النجاسة بأي شيء يكون فإن ذلك يعتبر تطهيرًا لها حتى أنه على القول الراجح الذي اختاره شيخ الإسلام ابن تيمية لو زالت النجاسة بالشمس والريح فإنه يطهر المحل لأنها كما قلت هي عين نجسة خبيثة متى وجدت صار المحل متنجسًا بها ومتى زالت عاد المكان إلى أصله أي إلى طهارته فكل ما تزول به عين النجاسة وأثرها فإنه يكون مطهرًا لها إلا أنه يعفى عن اللون المعجوز عنه وبناءً على ذلك نقول إن البخار الذي تغسل به الأكوات وثياب الصوف وما أشبهها إذا زالت به النجاسة فإنه يكون مطهرًا. ***
بارك الله فيكم المستمعة من ليبيا خ. ي تقول إذا غسلنا الثياب بالماء والصابون وكانت فيها نجاسة هل يصح الصلاة بها وهل يكفي ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: غسيل الثياب بالماء والصابون يطهرها بشرط أن تزول عين النجاسة فإذا كانت النجاسة شيئا جامدا فلا بد من حكه أولا بالماء ثم غسله بعد حكه وإزالته لأنه لا يمكن أن تطهر الثياب وعين النجاسة باقية فيها وإذا طهر الثوب من أي نجاسة كانت سواء كانت من البول أو الغائط أو دم الحيض فإن الصلاة فيه تجوز ولهذا أمر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم المرأة إذا حاضت وأصاب ثوبها دم الحيض (أن تقرصه ثم تغسله بالماء ثم تصلى فيه) . ***
جزاكم الله خيرًا السائلة أم أحمد من المدينة النبوية تقول هل يطهر الغسيل عند غسله في الغسالات الأتوماتيكية التي تغسل لوحدها دون تدخل الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: مراد السائلة فيما يظهر أنه إذا غسل الثوب النجس في هذه الغسالات التي تدور على الكهرباء هل يطهر أم لا؟ والجواب أنه يطهر لأن هذا الماء ينقي والمقصود من إزالة النجاسة هو أن تزول عينها بأي مزيل حتى لو فُرض أن الإنسان نشر ثوبه على السطح ثم نزل المطر وطهره يكون طاهرًا لأن إزالة النجاسة لا يشترط لها النية. ***
ما صفة تطهير الفرش الكبير من النجاسة وهل العصر في الغسل للنجاسة معتبر بعد إزالة عينها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صفة غسل الفرش الكبيرة من النجاسة أن يزيل عين النجاسة أولًا إذا كانت ذات جرم فإن كانت جامدة أخذها وإن كانت سائلة كالبول نشفه بإسفنج حتى ينتزعه ثم بعد ذلك يصب الماء عليه حتى يظن أنه زال أثره أو زالت النجاسة وذلك يحصل في مثل البول بمرتين أو ثلاث وأما العصر فإنه ليس بواجب إلا إذا كان يتوقف عليه زوال النجاسة مثل أن تكون النجاسة قد دخلت في داخل هذا المغسول ولا يمكن أن ينظف داخله إلا بالعصر فإنه لابد أن يعصر. ***
يقول السائل سمعت في برنامجكم أن الأرض تطهر من نجاسة البول إذا جفت بتأثير الشمس فهل لابد من تأثير الشمس أم مجرد الجفاف وهل حكم الفرش داخل البيت كذلك سواء التصقت بالأرض أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس المراد بكون الأرض تطهر بالشمس والريح مجرد الجفاف بل لابد من زوال الأثر حتى لا يبقى صورة البول أو الشيء نجس وعلى هذا فنقول إذا حصل بول في أرض ويبس ولكن صورة البول لازلت موجودة يعني أثر البقعة فإنها لا تطهر بذلك لكن لو مضى عليها مدة ثم زال أثرها فإنها تطهر بهذا لأن النجاسة عين يجب التخلي منها والتنزه منها فإذا زالت هذه العين بأي مزيل فإنها تكون طاهرة وأما الفرش فلابد بأن تغسل الفرش التي تفرش بها الأرض سواء كانت لاصقة بالأرض أم منفصلة لابد أن تغسل وغسلها بأن يصب عليها الماء ثم ينشف بالإسفنج ثم يصب مرة ثانية وثالثة حتى يغلب على الظن أنه زال أثر النجاسة. ***
بارك الله فيكم تقول السائلة إذا كانت الأرض أو الشيء الذي يضع عليه الإنسان سجادة الصلاة وهي طاهرة نظيفة ولكن الأرض نجسة أو غير نظيفة فهل هذا حرام وهل يجوز ذلك إذا كانت السجادة طاهرة ولكن ما تحتها نجس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا ليس في ذلك تحريم أي أنه لا يحرم على الإنسان أن يضع سجادته على شيء نجس يابس ويصلى عليها، إلا أن تكون لهذا النجس رائحةٌ تؤذي الإنسان في صلاته فلا يصلى عليها لئلا يتأذى بها وذلك لأن ما يباشره المصلى طاهر ومن هذا أيضًا ما يحدث كثيرًا في الأحواش تكون فيها البيارة لكنها مطمورة مطمومة فيصلى عليها الإنسان فلا حرج وأما كراهة بعض العلماء لذلك لكونه اعتمد على ما لا تصح الصلاة عليه ففيه نظر لأنه لم يباشر النجس، ومثلها مسألة السجادة إذا وضعها على مكانٍ نجس ولم يباشر النجس فيما إذا صلى على سقف البيارة. ***
جزاكم الله خيرا هذه السائلة ع. ع. من الكويت الصباحية تقول إنها مصابة بالوساوس في الطهارة والحدث في الصلاة فأما بالنسبة للطهارة فتقول إنني أتشدد في غسل كل شيء يقع عليه بول الأطفال لأنها أم لثلاثة أطفال ودائمًا أو كثيرًا ما تتعرض للنجاسة حيث أنهم يبولون على السجاد أو على ملابسهم وعند ما تغسل ملابسهم النجسة تقع نقط من الماء على ملابسها فأصبحت لا تطيق النجاسة وتتضايق كثيرًا عندما ترى أحد أطفالها قد بال على شيء أو بال في ملابسه وأصبحت تشك في كل شيء يلمسه الأطفال كمقبض الباب أو الطاولات أو السجاد وملابسهم ونحو ذلك فتقول أرجو أن تجدوا لي حلا لهذه الوساوس لأنني قد وصلت إلى درجة أنني أصبحت أتثاقل عن أداء الصلوات وأحسب لها ألف حساب فإذا بال الطفل على السجاد فكيف يمكن تطهيره وأقصد بالسجاد الذي يفرش في الغرف فلا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وإذا وطئت بقدمي السجاد وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موقعها وأشتبه علينا فكيف يمكن تطهير السجاد الذي لا يمكن نقله وكم يكفي من الماء لتطهيره وكذلك كيف يطهر الطفل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قبل الإجابة على هاتين المسألتين الفرعيتين نجيب عن أصل الداء أصل الداء وهو الوساوس التي يلقيها الشيطان في قلب ابن آدم والشيطان كما قال الله ﷿ (إِنَّ الشَّيْطَانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ) وهو حريص على كل ما يقلق الإنسان ويحول بينه وبين السعادة في الدنيا والآخرة كما قال الله ﷿ (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنْ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيْسَ بِضَارِّهِمْ شَيْئًا إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ) فالشيطان حريص على فساد ابن آدم والإفساد عليه في دينه ودنياه وهذه الوساوس التي تقع لبعض بني آدم سواء كانت وساوس في العقيدة فيما يتعلق بالرب جل وعلا أو فيما يتعلق بالرسول صلى الله وسلم أو فيما يتعلق بالإسلام عموما أو في مسألة من مسائل الدين كالصلاة والوضوء والطهارة وما أشبه ذلك ودواء ذلك كله ما أرشد الله إليه وأرشد إليه رسوله ﷺ فقد قال الله تعالى (وَإِمَّا يَنْزَغَنَّكَ مِنْ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ) و(قال النبي ﵊ لرجل شكا إليه أن الشيطان يحول بينه وبين صلاته أن يقول إذا أحس به أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) فدواء هذا الداء الذي نسأل الله تعالى أن يعافينا وإخواننا المسلمين منه أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم وأن يدعه وأن يلهو عنه وألا يلتفت إليه مطلقا حتى لو وسوس له الشيطان بنجاسة شيء أو بالحدث وهو لم يتيقن ذلك فلا يلتفت إليه وإذا داوم على تركه والغفلة عنه وعدم الألتفات إليه فإنه يزول بحول الله أما المسألتان فهما أولا إذا بال الصبي على فراش لا يمكن نزعه كالفرش الكبيرة التي تكون في الحجر والغرف فإن تطهيرها يكون بصب الماء عليها فإذا صب الماء عليها وفرك باليد يؤتى باسفنجة لتمتص هذا الماء ثم يصب عليه ماء آخر ويفعل به كذلك ثم مرة ثالثة وبهذا يطهر المحل إذا كان مجرد بول أما إذا كان شيئا آخر له جرم فلابد من إزالة الجرم أولا ثم التطهير. فضيلة الشيخ: بالنسبة لهذه الفقرة هل في هذا فرق بين ما إذا كان الطفل ذكرا أم أنثى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: بالنسبة لغير البول لا فرق بين الذكر والأنثى وبالنسبة للبول فإن البول إذا كان من طفل ذكر لا يأكل الطعام فإنه يكفي فيه النضح، والنضح معناه أن يصب الماء صبا بدون فرك وبدون غسل. فضيلة الشيخ: والبنت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: البنت كغيرها لابد أن يغسل. فضيلة الشيخ: الفقرة الثانية تقول إذا وطئت بقدمي الفراش وهو مبلول بالماء الذي غسل به فهل تكون رجلي قد تنجست من هذا البول وما العمل لو تركت النجاسة حتى جف موضعها واشتبه علينا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا وطئتِ برجلك وهي رطبة على هذا الموضع الذي طهر فإنه لا يؤثر لأن المكان صار طاهرا وأما ترك هذا المكان حتى يجف ويشتبه فإن هذا لا ينبغي وإذا قدر أنه وقع واشتبه الأمر فإنه يجب التحري بقدر الإمكان ثم يغسل المكان الذي يظن أنه هو الذي أصابته النجاسة وقلت أنه لا ينبغي تأخير غسل النجس لأن الرسول ﵊ كان منهجه المبادرة في إزالة النجاسة فإنه (أُتي له بصبي فوضعه في حجره فبال على حَجْرِه فدعا ﵊ بماء فاتبعه إياه) ولم يؤخر غسله ولما (بال الأعرابي في طائفة المسجد أي في جانب منه أمر النبي ﵊ بذنوب من ماء فأريق عليه فورا) فعلم من هذا أن هدي الرسول ﵊ هو المبادرة في إزالة النجاسة وذلك لسببين. أولا: المسارعة إلى إزالة الخبث والأذى فإن الأذى والخبث لا يليق بالمؤمن فالمؤمن طاهر وينبغي أن يكون كل ما يلابسه طاهرا. وثانيا: أنه إذا بادر بغسله فإنه أسلم له لأنه ربما ينسى إذا أخر غسله من فوره وحينئذ قد يصلى بالنجاسة وربما يتلوث أو ربما تعدى ماء النجاسة إلى مكان آخر. وأقول ربما يصلى بالنجاسة وليس معنى ذلك أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أن صلاته تبطل فإن القول الراجح أنه إذا صلى بالنجاسة ناسيا أو جاهلا فإن صلاته صحيحه مثل لو أصاب ثوبه نجاسة تهاون في غسلها أي لم يبادر بغسلها ثم صلى ناسيا غسلها فإن صلاته تصح لقوله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) وكذلك لو كان جاهلا بها ولم يعلم بها إلا بعد أن صلى فإن صلاته تصح للآية السابقة. لكن إذا صلى وهو محدث ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة مثل لو نقض وضوءه ثم حضرت الصلاة فصلى ناسيا نقض وضوءه ثم ذكر بعد ذلك فإنه يجب عليه أن يعيد الصلاة بعد الوضوء وكذلك لو دُعي إلى وليمة فأكل لحما لا يدري ما هو وصلى ثم تبين له بعد صلاته أنه لحم أبل فإنه يجب عليه أن يتوضأ ويعيد الصلاة وإن كان جاهلا حين أكله أنه لحم أبل والفرق بين هذا وبين الأول يعني الفرق بين من صلى محدثا ناسيا أو جاهلا فإنه يجب عليه إعادة الصلاة دون من صلى بنجاسة ناسيا أو جاهلا فإنه لا يجب عليه إعادة الصلاة الفرق بينهما أنه في مسألة الحدث ترك مأمور وترك المأمور ناسيًا أو جهلا يسقط الإثم بتركه لكن لا يسقط إعادة الصلاة لأن المطلوب فعلها على الوجه الصحيح ولا يمكن ذلك إلا بإعادة الصلاة، وأما من صلى بثوب نجس ناسيا أو جاهلا فإن هذا من باب فعل المحظور وفعل المحظور ناسيا أو جاهلا يسقط به الإثم لجهله ونسيانه وإذا سقط الإثم صار لم يفعل محرمًا وحينئذ تكون الصلاة كأنه لم يفعل فيها هذا المحرم. ***
المستمعة ع. ع. من الصباحية الكويت تقول عندما اغسل أطفالي من النجاسة يقطر على ملابسي من ماء الغسيل فما حكم هذه القطرات هل تنجس ملابسي ويجب علي أن أبدلها عند الصلاة وكذلك أيضا ما الحكم في مقابض الأبواب التي يلمسها الأطفال وأيديهم نجسة ثم تنشف بعد ذلك عن طريق الهواء هل إذا لمست باليد المبلولة تنجس اليد أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: جواب السؤال الأول وهو أنه يقطر عليها قطرات عند غسيل النجس من ثياب أولادها هو أن نقول هذه القطرات إن كانت قبل طهارة الثياب فإنها تنجس ما أصابته لأن المحل لم يطهر بعد وهذه القطرات تكون نجسة لانفصالها عن محل نجس وأما إذا كان هذا بعد الطهارة أي بعد طهارة الثياب فإنه لا يضرها إذا تساقط شيء منها على ثيابها، وطهارة البول ليست بذاك الأمر الصعب لأن البول سريع الزوال وانظر ما لو نقطت نقطة من البول على بلاطة فإنك إذا صببت عليها ماء انسحبت مع الماء وزالت وكذلك لو كانت على قطعة من القماش فإنك إذا صببت عليها ماء وفركتها فإنها تزول فعلى كل حال إذا كانت هذه النقط بعد أن طهرت الثياب فإنها لا تؤثر شيئا وإن كانت قبل أن تطهر فإنها تكون نجسة ويجب غسل ما أصابته أما بالنسبة للسؤال الثاني وهو أن الأطفال يلمسون مقابض الأبواب وأيديهم نجسة فإننا نقول ما الذي أدراها أن أيدي الأطفال نجسة؟ فما دامت لا تعلم علم اليقين أن هذه الأيدي تلوثت بالنجاسة فإن الأصل الطهارة ولا نحكم بنجاسة الأولاد إذا لم نعلم أنهم تلوثوا بالنجاسة لا بأبدانهم ولا بثيابهم نعم إذا تيقنا أن الطفل مس هذا المقبض وتلوث هذا المقبض بنجاسته فإنه لابد من غسل هذا المقبض بالماء ويرى بعض أهل العلم أن الشيء الصقيل إذا مسح مسحًا تامًا حتى زال أثر النجاسة فإنها فإنه يطهر والمهم أننا إذا تيقنا أن أيدي الصبي نجسة وأن مقبض الباب تلوث بها فإنه لابد من إزالة هذه النجاسة التي تلوث بها هذا المقبض وإلا فالأصل الطهارة. ***
من عبد الكريم خليل من جدة يقول ما الحكم إذا نزل على ثيابي بول طفل ذكر عمره عدة شهور؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصحيح في هذه المسألة أن بول الذكر الذي يتغذى باللبن أن بوله خفيف النجاسة وأنه يكفي في تطهيره النضح وهو أن يغمره بالماء يصب عليه الماء حتى يشمله بدون فرك وبدون عصر. فضيلة الشيخ: حتى لو لم ينزل الماء على الأرض من الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم وذلك لأنه ثبت (عن النبي ﷺ أنه جيء بصبي صغير فوضعه في حجره فبال عليه فدعا بماء فأتبعه إياه ولم يغسله) . فضيلة الشيخ: وبالنسبة للأنثى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الأنثى لابد من الغسل لأن الأصل أن البول نجس ويجب غسله لكن استثنى الولد بدلالة السنة عليه، والولد أقصد به الذكر. ***
بارك الله فيكم أبو عبد الله من القصيم يقول إذا خرج الإنسان من دورة المياه ووضع الحذاء عند باب الحمام ثم دخل الغرفة حافيًا مع العلم بأن الأطفال يحصل منهم نجاسة فهل يؤثر ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر ذلك شيئًا أي أن مشي الأطفال على الأرض والفرش لا يستلزم نجاستها لأن الشك لا يزول به اليقين واليقين هو أن هذه الأرض أو هذا الفرش طاهرة فإذا شك الإنسان هل أصابتها نجاسة أم لم تصبها فإنها لا تكون نجسة بل هي طاهرة حكمًا ولا ينبغي للإنسان أن يوقع الشك في نفسه في مثل هذه الأمور لأنه إذا أوقع الشك في نفسه فربما يتطور هذا الشك حتى يكون وسواسًا يعجز عن التخلص منه وقد ذكر (أن عمر بن الخطاب ﵁ مر على صاحب حوض وأصابه هو وصاحب له من هذا الحوض فطلب صاحبه من صاحب الحوض أن يبين له هل هو نجس أم طاهر؟ فقال له عمر يا صاحب الحوض لا تخبرنا) هذا الأثر أو معناه وهذا يدل على أنه لا ينبغي للإنسان أن يتنطع فيما الأصل فيه الاباحة أو الأصل فيه الطهارة بل يبقى على الأصل حتى يزول هذا الأصل بيقين ويشهد لهذا (أن رسول الله ﷺ سئل عن الرجل يحس بالشيء في بطنه فيشكل عليه هل خرج منه شيء أم لا؟ فقال ﵊ لا يخرج -يعني من المسجد- حتى يسمع صوتًا أو يجد ريحا) وهذه إشارة من رسول الله ﷺ إلى البناء على الأصل وهو الطهارة وعلى هذا فإذا كان عند الحمام نعال دخل بها ثم توضأ وخرج ثم خلعها ثم مشى في بيته فإنه لا بأس عليه في ذلك ولا تنجس قدماه بوطئها على الأرض التي يطأها ويحس بها ويطأ عليها الصبيان وبهذه المناسبة أقول إنه لما كانت البيوت في غالبها اليوم مفروش بفرش يصعب حملها وغسلها فإنه إذا وقعت نجاسة على هذه الفرش فإنها تجفف أولًا بالاسفنج بحيث يُضغط على الاسفنج فوق المحل حتى يتسرب النجاسة ثم يعصر في محل آخر في إناء أو غيره ثم إذا نشف يصب عليه الماء ثلاثة مرات كلما صب عليه الماء فرك باليد ثم ينشف وبهذا يكون طاهرًا. ***
أحسن الله إليكم السائل يقول في كثير من البيوت في وقتنا الحاضر ظاهرة عدم الاهتمام بنظافة وطهارة المكان الذي يصلى فيه الكبار والصغار يدخلون بأحذيتهم على البساط هل هذا العمل يؤثر على طهارة هذا المكان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يؤثر على طهارته لأن الأصل هو الطهارة حتى الحذاء التي تكون للحمامات ليست بنجسة لأن الحمامات في وقتنا الحاضر والحمد لله لها كراسي نظيفة ولا تكون النجاسة إلا في وسط هذا الحوض الذي يكون فيه البول والتغوط وما حوله كله نظيف فتكون الحذاء طاهرة وإذا كانت الحذاء طاهرة لم تنجس ما يطأ عليه بها حتى ولو كانت رطبة والناس في هذا الباب طرفان ووسط طرف متشدد في هذا الأمر وكل شيء عنده نجس ويتعب تعبًا عظيمًا في طهارة ثيابه ونعاله وما يصلى عليه وطرف آخر بالعكس والوسط هو الذي يتمشى على ما جاء بالكتاب والسنة فلا وكس ولا شطط فإذا دخلنا حجرة في أي مكان كان في بيوتنا أو غيرها ونحن لم نعلم أن النجاسة في هذا المكان المعين فلنا أن نصلى فيها ولا بأس. ***
إذا خرجت من دورة المياه متوضأ فأردت دخول الغرفة خلعت النعلين لكن زوجتي تخبرني أن في الحجرة بعض النجاسات من الأطفال ماذا أفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت النجسات موجودة متبينة فتجنبها عند المشي وإذا لم تكن موجودة فلا حرج عليه ولا تنجس قدمك بذلك وذلك أن هذه النجاسات قد تكون طَهُرَت من قبل وأُزيلت ومن ثم نرى أن الإنسان ينبغي له إذا تنجست فرشه أن يبادر بغسلها لأنه ربما ينسى ويجلس عليه وهو رطب فيتلوث ثوبه بالنجاسة أو يتلوث بدنه إذا كان رطبا بالنجاسة. ***
أحسن الله إليكم إذا وقعت نجاسة على الملابس أو جسم شخص مثلا متوضئ فهل يعيد الوضوء أم يكتفي بغسل المكان الذي تنجس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا يعيد الوضوء إذا تنجس بدنه بعد أن توضأ بل يغسل النجاسة وكفى لكن لو بال أو تغوط أو خرج منه ريح أو وجد منه ناقض من نواقض الوضوء وجب عليه أن يطهر محل النجاسة ويعيد الوضوء. ***
ما حكم مس المصحف وقراءة القرآن والوضوء في ملابس بها نجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للإنسان أن يقرأ القرآن وعلى ثيابه نجاسة لأنه ليس من شرط جواز قراءة القرآن أن يتطهر من النجاسة لكن لا ينبغي على الإنسان أن يبقي على جسده ثوبًا فيه نجاسة فقد كان من هدي النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم أن يبادر بغسل النجاسة كما في الحديث الصحيح (أنه أوتي النبي ﷺ بصبي لم يأكل الطعام فأجلسه في حجره فبال الصبي على حجر النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم فدعا النبي ﷺ بماء فنضحه) أي بادر بإزالة النجاسة وهكذا ينبغي للإنسان إذا تنجس ثوبه أوسرواله أوغترته أومشلحه أو فراشه أن يبادر بغسل النجاسة فإذا قُدِّرَ أن الإنسان لم يتيسر له أن يغسل النجاسة وصار على ثوبه نجاسة فله أن يقرأ القرآن سواء مس المصحف إذا كان على وضوء أو قرأ حفظًا عن قلبه فكل ذلك سواء أي لا يضره. ***
بارك الله فيكم هذا سؤال من المستمع عبد الرحمن م س من مقديشو الصومال يقول أنا أسكن مع بعض أقاربي في منزلهم ويوجد عندهم كلب في المنزل يقولون أنه لحراسة منزلهم وكثيرًا ما يلمسونه بأيديهم ويغسلون جسمه بأيديهم، وهل يجوز استعمال الكلاب لمثل هذا الغرض في المنزل فقط وهل يؤثر لمسه باليد على صحة الوضوء أم يعتبر ناقضًا، وما حكم استعمال الآنية التي قد يلعق طعامه وشرابه فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال أو اقتناء الكلاب لا يجوز إلا فيما رخص به الشارع والنبي ﵊ رخص في ذلك في ثلاثة أمور: كلب الماشية يحرسها من السباع والذئاب. وكلب الزرع يحرسه من المواشي والأغنام وغيرها. والثالث كلب الصيد ينتفع به الصائد. هذه الثلاث التي رخص النبي ﷺ فيها باقتناء الكلب وما عداها فإنه لا يجوز وعلى هذا فالمنزل الذي يكون في وسط البلد لا حاجة إلى أن يتخذ الكلب لحراسته فيكون اقتناء الكلب لهذا الغرض في مثل هذا الحال محرم لا يجوز وينتقص من أجور أصحابه كل يوم قيراط أو قيراطان فعليهم أن يطردوا هذا الكلب وألا يقتنوه أما لو كان هذا البيت في مكان في البر خال ليس حوله أحد فإنه يجوز أن يُقتنى لحراسة البيت ومن فيه وحراسة أهله أبلغ في الحفاظ من حراسة المواشي والحرث وأما مس هذا الكلب فإن كان مسه بدون رطوبة فإنه لا ينجس اليد وإن كان مسه برطوبة أي حيث يمس الإنسان ظهره وهو رطب أويده أو يد الماس رطبة فإن هذا يوجب تنجيس اليد على رأي كثير من أهل العلم ويجب غسلها أي غسل اليد بعده سبعة مرات إحداها بالتراب وأما الأواني التي يعطى فيها الطعام والشراب فإنه إذا ولغ في الإناء أي شرب منه غسل الإناء سبع مرات إحداها بالتراب كما ثبت ذلك في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة (عن النبي ﵊ إذا ولغ الكلب في إناء أحدكم فليغسله سبعًا إحداها بالتراب) . ***
ع. م. ص. من الزلفي يقول هل الخمر نجسة كسائر النجاسات وإذا كانت كذلك هل يلحق بها الكولونيا بمعنى لو أصابت البدن أو الثوب يجب غسل الجزء الذي أصابته أو لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه المسألة وهي نجاسة الخمر إن أريد بالنجاسة النجاسة المعنوية فإن العلماء مجمعون على ذلك فإن الخمر نجس وخبيث ومن أعمال الشيطان وإن أريد بها النجاسة الحسية فإن المذاهب الأربعة وعامة الأمة على النجاسة وأنها نجسةٌ يجب التنزه منها وغسل ما أصابته من ثوبٍ أو بدن وذهب بعض أهل العلم إلى أنها ليست نجسة نجاسة حسية وأن نجاستها معنوية عملية فالذين قالوا إنها نجسةٌ نجاسةً حسية ومعنوية استدلوا بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ) . . . والرجس هو النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) ولحديث أنس (أن النبي ﷺ أمر أبا طلحة أن ينادي إن الله ورسوله ينهيانكم عن لحوم الحمر الأهلية فإنها رجس) فالرجس في الآية والحديث بمعنى النجس نجاسةً حسية فكذلك هي في آية الخمر بمعنى نجس نجاسةً حسية وأما الذين قالوا بطهارة الخمر طهارةً حسية أي أن الخمر نجسٌ نجاسةً معنوية لا حسية فقالوا إن الله ﷾ قيد في سورة المائدة ذلك الرجس (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فهو رجسٌ عملي وليس رجسًا عينيًا ذاتيًا بدليل أنه قال (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسةً نجاسةً حسية فقرن هذه الأربعة الخمر والميسر والأنصاب والأزلام في وصفٍ واحد والأصل أن تتفق فيه فإذا كانت الثلاثة نجاستها معنوية فكذلك الخمر نجاسته معنوية لأنه من عمل الشيطان وقالوا أيضًا أنه ثبت (لما نزل تحريم الخمر أراقها المسلمون في الأسواق) ولو كانت نجسةً ما جازت إراقتها في الأسواق لأن تلويث الأسواق بالنجاسات محرم لا يجوز وقالوا أيضًا إن الرسول ﷺ لما حرمت الخمر لم يأمر بغسل الأواني منها ولو كانت نجسة لأمر بغسل الأواني منها كما أمر بغسلها حين حرمت لحوم الحمرالأهلية قالوا وقد ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى براوية من خمر إلى النبي ﷺ فأهداها إليه فقال الرسول ﵊ أما علمت أنها قد حرمت ثم ساره رجل أي كلم صاحب الراوية رجلٌ بكلامٍ سر فقال ماذا قلت؟ قال قلت يبيعها، فقال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه فأخذ الرجل بفم الراوية فأراق الخمر) ولم يأمره النبي ﵊ بغسلها منه ولا منعه من إراقتها قالوا: فهذا دليل على أنه أي الخمر ليس نجسًا نجاسةً حسية وقالوا أيضًا الأصل في الأشياء الطهارة حتى يوجد دليلٌ بين يدل على النجاسة وحيث لم يوجد دليل بين يدل على النجاسة فإن الأصل أنه طاهر لكنه خبيثٌ من الناحية العملية المعنوية وبناءً على ذلك نقول في الكولونيا وشبهها إنها ليست بنجسة لأن الخمر ذاته ليس بنجس على هذا القول الذي ذكرنا أدلته فتكون هذه الكولونيا وشبهها ليس بنجسٍ أيضًا وإذا لم يكن نجسًا فإنه لا يجب تطهير الثياب منه ولكن يبقى النظر هل يحرم استعمال هذا الكولونيا كطيبٍ يتطيب به الإنسان أو لا يحرم؟ لننظر، يقول الله تعالى في الخمر (فَاجْتَنِبُوهُ) وهذا الاجتناب مطلق لم يقل اجتنبوه شربًا أو استعمالًا أو ما أشبه ذلك، أمر أمرًا مطلقًا بالاجتناب فهل يشمل ذلك ما لو استعمله الإنسان كطيب أو نقول إن الاجتناب المأمور به هو ما علل به الحكم وهو اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذه العلة لا تثبت فيما إذا استعمله الإنسان لغير الشرب ولكننا نقول إن الأحوط للإنسان أن يتجنبه حتى للتطيب وأن يبتعد عنه لأن هذا أحوط وأبرأ للذمة إلا أننا نرجع مرةً ثانية إلى هذه الأطياب هل النسبة التي فيها نسبةٌ تؤدي إلى الإسكار أو أنها نسبة قليلة لا تؤدي إلى الإسكار لأنه إذا اختلط الخمر بشيء ثم لم يظهر له أثر ولو أكثر الإنسان منه فإنه لا يوجب تحريم ذلك المخلوط به لأنه لما لم يظهر له أثر لم يكن له حكم إذ أن علة الحكم -الإسكار- هي الموجبة له فإذا فقدت العلة فقد الحكم فإذا كان هذا الخلط لا يؤثر في المخلوط فإنه لا أثر لهذا الخلط ويكون الشيء مباحًا فالنسبة القليلة في الكولونيا وغيرها إذا كانت لا تؤدي إلى الإسكار ولو أكثر الإنسان مثلًا من شربه فإنه ليس بخمر ولا يثبت له حكم الخمر كما أنه لو سقطت قطرةٌ من بول في ماءٍ ولم يتغير بها فإنه يكون طاهرًا فكذلك إذا سقطت قطرةٌ من خمر في شيء لم يتأثر بها فإنه لا يكون خمرًا وقد نص على ذلك أهل العلم في باب حد المسكر ثم إنني أنبه هنا على مسألةٍ تشتبه على بعض الطلبة وهو أنهم يظنون أن معنى قوله ﷺ (ما أسكر كثيره فقليله حرام) يظنون أن معنى الحديث أنه إذا اختلط القليل من الخمر بالكثير من غير الخمر فإنه يكون حرامًا وليس هذا معنى الحديث بل معنى الحديث أن الشيء إذا كان لا يسكر إلا الكثير منه فإن القليل الذي لا يسكر منه يكون حرامًا مثل لو فرضنا أن هذا الشراب إن شربت منه عشرة قارورات سكرت وإن شربت قارورة لم تسكر فإن هذه القارورة وإن لم تسكرك تكون حرامًا هذا معنى (ما أسكر كثيره فقليله حرام) وليس المعنى ما اختلط به شيءٌ من المسكر فهو حرام لأنه إذا اختلط المسكر بشيء ولم يظهر له أثر فإنه يكون حلالًا لعدم وجود العلة التي هي مناط الحكم فينبغي أن يتنبه لذلك ولكني مع هذا لا استعمل هذه الأطياب الكولونيا ولا أنهى عنها إلا أنه إذا أصابنا شيءٌ من الجروح أو شبهها واحتجنا إلى ذلك فإننا نستعمله لأنه عند الاشتباه يزول الحكم مع الحاجة إلى هذا الشيء المشتبه فإن الحاجة أمرٌ داعٍ إلى الفعل والاشتباه إنما يدعو إلى الترك على سبيل التورع والاحتياط ولا ينبغي للإنسان أن يحرم نفسه شيئًا احتاج إليه وهو لم يجزم بمنعه وتحريمه وقد ذكر أهل العلم هذه القاعدة بأن المشتبه إذا احتيج إليه فإنه يزول حكم الاشتباه. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائلة تقول في هذا السؤال فضيلة الشيخ هل الكحول الطبي من مفسدات الوضوء، وهل العطر أو الطيب من مفسدات الصوم ما حكم ذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول الطبية ليست مفسدة للوضوء بل جميع النجاسات إذا أصابت البدن فإنها لا توجب الوضوء لأن نواقض الوضوء تتعلق بالبدن من بول أو غائط أو ريح أو ما أشبه ذلك من النواقض المعلومة وأما إصابة النجاسة للبدن فإنها لا تنقض الوضوء ولكن يبقى النظر هل الكحول الطبية نجسة أو لا هذا مبني على القول بنجاسة الخمر فإن أكثر أهل العلم يرون أن الخمر نجس نجاسة حسية كنجاسة البول والغائط يجب أن يتخلى الإنسان منها ولكن القول الراجح أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية لعدم الدليل على ذلك وهو وإن كان محرما بلا شك فإنه لا يلزم من التحريم النجاسة فالسموم مثلا حرام وليست بنجسة التدخين حرام وليس التبغ نجسا فلا يلزم من التحريم النجاسة ولكن يلزم من النجاسة التحريم ويدل على عدم نجاسة الخمر أمور أولا أنه لا دليل على نجاسته والأصل في الأشياء الطهارة، ثانيا: قد دل الدليل على أنه طاهر وذلك من وجوه فإنه لما نزل تحريم الخمر (خرج المسلمون بدنانها أي أوانيها وأراقوها في أسواق المدينة) والنجس لا تجوز إراقته في طرقات المسلمين ولأن النبي ﷺ لم يأمرهم بغسلها حين نزل تحريمها أي لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه أمر بغسل الأواني من لحوم الحمر حينما حرمت الحمر يعني الحمير ولأنه ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براوية خمر يهديها إليه فقال له النبي ﷺ إنها حرمت فساره رجل فقال النبي ﷺ بم ساررته قال قلت بعها فقال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم فتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره أن يغسل الراوية ولو كان الخمر نجسا لأمره بغسل الراوية منه وإذا كان الخمر ليس بنجس نجاسة حسية فإن الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فإذا أصابت الثوب أو البدن لم يجب غسلها يبقى النظر في استعمال ما فيه مادة الكحول هل هذا جائز أو لا فنقول إن كانت النسبة كبيرة أي نسبة الكحول في هذا المستعمل كبيرة فحكمه كالكحول الخالصة وإن كانت يسيرة لا تأثر فيه فلا بأس بها ولا تؤثر منعا في استعماله فإن قال قائل أليس النبي ﷺ (قال ما أسكر كثيرة فقليله حرام) قلنا بلى لكن معنى الحديث أن الشراب إذا كان يسكر إذا أكثر منه ولا يسكر إذا كان قليلا فإن قليله يكون حراما لئلا يتوصل به الإنسان إلى شرب الكثير ولكن لا شك أن الاحتياط والورع تجنب استعماله لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) فنحن نشير على إخواننا ألا يستعملوا ما فيه مادة الكحول إذا كانت النسبة كبيرة إلا لحاجة كتعقيم الجروح وما أشبهها. ***
السائلة من الجزائر تقول هل يصح وضع العطر الذي به كحول بنسبة كبيرة أو بنسبة صغيرة وما هي النسبة الصغيرة المحددة للكحول التي اتفق عليها العلماء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكحول مادة مسكرة كما هو معروف فتكون خمرًا لقول النبي ﷺ (كل مسكر حرام) وفي رواية (كل مسكر خمر) وعلى هذا فإذا خالطت هذه الكحول شيئًا ولم تضمحل بما خالطته صار هذا الشيء حرامًا لأن هذا الخليط أثر فيه أما إذا انغمرت هذه الكحول بما خالطته ولم يظهر لها أثر فإنه لا يحرم بذلك لأن أهل العلم ﵏ أجمعوا على أن الماء إذا خالطته نجاسة لم تغيره فإنه يكون طهورًا والنسبة بين الكحول وبين ما خالطه قد تكون كبيرة وقد تكون صغيرة بمعنى أن هذه الكحول قد تكون قوية فيكون اليسير منها مؤثرًا في المخالط وقد تكون ضعيفة فيكون الكثير منها غير مؤثر والمدار كله على التأثير ثم هاهنا مسألتان، الأولى: هل الخمر نجس نجاسة حسية أي أنه يجب التنزه منه وغسل الثياب إذا أصابها وغسل البدن إذا أصابه وغسل الآواني إذا أصابها أو لا، جمهور العلماء على أن الخمر نجس نجاسة حسية وأنه يجب غسل ما أصابه من بدن أو ثياب أو أواني أو فرش أو غيرها كما يجب غسل البول والعذرة واستدلوا لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) والرجس هو النجس بدليل قوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس واستدلوا أيضًا بحديث (أبي ثعلبة الخشني حيث سأل النبي ﷺ عن الأكل بآنية الكفار فقال النبي ﷺ لا تأكلوا فيها إلا أن لا تجدوا غيرها فاغسلوها وكلوا فيها) وقد ورد في تعليل النهي عن الأكل فيها أنهم كانوا يضعون فيها الخمر ولحم الخنزير وما أشبه ذلك ولكن القول الثاني في المسألة أن الخمر ليس نجسًا نجاسة حسية واستدل لهذا القول بأن الأصل في الأشياء الطهارة وأنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فالسم حرام بلا شك ومع ذلك ليس بنجس وقالوا إن القاعدة الشرعية أن (كل نجس حرام وليس كل حرام نجسًا) وعلى هذا فيبقى الخمر حرامًا وليس بنجس حتى تقوم الأدلة على نجاسته واستدلوا أيضًا بـ (أن الخمر حين حرمت أراقها المسلمون في الأسواق ولم يغسلوا الآواني منها) وإراقتها في الأسواق دليل على عدم نجاستها لأنه لا يحل لإنسان أن يريق النجس في أسواق المسلمين لقول النبي ﷺ (اتقوا اللاعنين قالوا يا رسول الله وما اللاعنان قال الذي يتخلى في طريق الناس أو ظلهم) ولأنهم لم يغسلوا الآواني منها ولو كانت نجسة لوجب غسل الآواني منها واستدل لهذا القول أيضًا بما ثبت في صحيح مسلم (أن رجل أهدى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم رواية خمر فأخبره النبي ﷺ أنها حرمت فتكلم أحد الصحابة مع صاحب الراوية سرًا أي أسر إليه حديثًا، فقال النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم: بما ساررته، قال: قلت: بعها، فنهى النبي ﷺ عن بيعها، وقال: إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه) هذا الحديث أو معناه ثم فتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم ولم يأمر النبي ﷺ بغسل الرواية ولو كان الخمر نجسًا لأخبره ﷺ بنجاسة الرواية وأمره بغسلها وأما ما استدل به القائلون بالنجاسة الحسية في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) فإن الله تعالى قيد هذا الرجس بأنه رجس عملي قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وليس رجسًا عينيًا بدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجاستها نجاسة حسية والخبر عن نجاستها ونجاسة الخمر خبر واحد لعامل واحد (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ومثل هذا لا يجوز أن تفرق الدلالة فيه على وجهين مختلفين إلا بدليل يعين ذلك وأما حديث أبي ثعلبة الخشني فليس الأمر بغسلها من أجل نجاستها لاحتمال أن يكون الأمر بغسلها من أجل الابتعاد التام والانفصال التام عن استعمال آواني الكفار الذي يجر إلى مماستهم والقرب منهم وليس للنجاسة لأن المعروف أن النجاسة لا تثبت بالاحتمال، على كل حال هذا هو الأمر الأول مما يتعين البحث فيه في جواب هذا السؤال عن الكحول وإذا تبين أن الخمر ليست نجسة نجاسة حسية صارت هذه الكحول ليست نجسة نجاسة حسية فتبقى على طهارتها، أما الأمر الثاني: فإذا تعين أن في هذه الأطياب كحولًا ومؤثرًا لكونه كثيرًا فهل يجوز استعماله في غير الشرب جواب ذلك أن يقال إن قول الله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) عام في جميع وجوه الاستعمال أي أننا نجتنبه أكلًا وشربًا وادهنًا وغير ذلك هذا هو الأحوط بلا شك لكنه لا يتعين في غير الشرب لأن الله تعالى علل الأمر بالاجتناب بقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا لا يتأتَّى في غير الشرب وعلى هذا فالورع اجتناب التطيب بهذه الأطياب والجزم بالتحريم لا يمكن لكن يبقى أن المرأة لا يحل لها أن تتطيب إذا أرادت الخروج إلى الأسواق لما في ذلك من الفتنة وقد قال النبي ﷺ (أيما امرأة أصابت بخورًا فلا تشهد معنا صلاة العشاء) فمنع المرأة من شهود صلاة العشاء إذا أصابت بخورًا لأن البخور يظهر ريحه. ***
من مصر إحدى الأخوات المستمعات تقول هل يجوز الاستخدام الظاهري للروائح والعطور التي تحتوي على نسبة من الكحول كما في تطهير الجروح وغيرها أفيدونا أفادكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا السؤال يحتاج في الجواب عليه إلى أمرين، الأمر الأول: هل الخمر نجس أو ليس بنجس وهذا مما اختلف فيه اهل العلم وأكثر أهل العلم على أن الخمر نجس نجاسة حسية بمعنى أنه إذا أصاب الثوب أو البدن أو البقعة وجب التطهر منه ومن أهل العلم من يقول إن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأن النجاسة حكم شرعي يحتاج إلى دليل وليس هناك دليل على أن الخمر نجس وإذا لم يثبت بدليل شرعي أن الخمر نجس فإن الأصل الطهارة وإذا كان الأصل الطهارة فإن من قضى بنجاسته يطالب بالدليل وقد يقول قائل الدليل من كتاب الله في قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) والرجس بمعنى النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ) أي هذا المطعوم المذكور من الميتة ولحم الخنزير والدم المسفوح (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس والدليل على أن المراد بالرجس هنا النجس قول النبي ﷺ في جلود الميتة (يطهرها الماء والقرظ) فإن قوله (يطهرها) دليل على أنها كانت نجسة وهذا أمر معلوم عند أهل العلم فإذا كان الرجس بمعنى النجس فإن قوله تعالى في آية تحريم الخمر (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) أي نجس ولكن يجاب على ذلك بأن المراد بالرجس هنا الرجس العملي لا الرجس الحسي بدليل قوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) وبدليل أن الميسر والأنصاب والأزلام ليست نجسة نجاسة حسية كما هو معلوم والخبر هنا (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) خبر عن الأمور الأربعة عن الخمر والميسر والأنصاب والأزلام وإذا كان خبرًا عن هذه الأربعة فهو حكم عليها جميعًا بحكم تتساوى فيه ثم إن عند القائلين بأن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية دليلًا من السنة فإنه لما نزل تحريم الخمر لم يأمر النبي ﷺ بغسل الأواني منها (والصحابة ﵃ أراقوها في الأسواق) ولو كانت نجسة ما أراقوها في الأسواق لما يلزم من تنجيس الأسواق وتنجيس المارين بها بل قد ثبت في صحيح مسلم (في قصة الرجل الذي أهدى راوية خمر للنبي ﷺ فقال له النبي ﷺ إنها حرمت فساره رجل أي تكلم مع هذا الصحابي رجل آخر سرًا يقول له بعها فسأله النبي ﷺ عن ذلك فأخبره أنه يقول له بعها فقال ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه ففتح الرجل فم الرواية وأراق الخمر) بحضرة النبي ﷺ ولما يأمره النبي ﷺ بغسلها من هذا الخمر فدل ذلك على أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية هذا هو الأمر الأول الذي يحتاجه هذا السؤال. أما الأمر الثاني: فهو إذا تبين أن الخمر ليس بنجس وهو القول الراجح عندي فإن الكحول لا تكون نجسة نجاسة حسية بل نجاستها معنوية لأن الكحول المسكرة خمر لقول النبي ﷺ (كل مسكر خمر) وإذا كانت خمرًا فإن استعمالها في الشرب والأكل بأن تمزج في شيء مأكول ويؤكل حرام بالنص والإجماع وأما استعمالها في غير ذلك كالتطهير من الجراثيم ونحوه فإنه موضع نظر فمن تجنبه فهو أحوط وأنا لا استطيع أن أقول إنه حرام لكني لا استعمله بنفسي إلا عند الحاجة إلى ذلك كما لو احتجت لتعقيم جرح أو نحوه والله أعلم. ***
ما الحكم في استعمال العطور الصناعية المستوردة وهل هي نجسة بحيث لو وقع شيء منها على ثوب الإنسان ينجس موقعه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما النجاسة فليست بنجسة وذلك لأن القول الراجح عندي أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وذلك لأنه لا دليل على نجاسته والأصل فيما لم يدل الدليل على نجاسته الطهارة بل إنه ورد في السنة ما يدل على طهارته طهارة حسية تقوية للأصل وذلك أنه لما نزل تحريم الخمر (قام الناس على الخمور التي عندهم فأراقوها في أسواق المدينة) ولم يأمرهم النبي ﷺ بغسل هذه الأواني ولو كان نجسا ما أراقوه بالأسواق لأن إراقة النجاسات في الأسواق محرمة كالبول فيها ولو كانت نجسة لأمرهم النبي ﵊ بغسل أوانيهم منها كما أمرهم بغسل الأواني من لحوم الحمر حين حرمت وقد ثبت أيضا في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى براوية خمر إلى رسول الله ﷺ فأهداها إليه فقال له النبي ﵊ أما علمت أنها قد حرمت؟ فساره رجل يقول له بعها فقال النبي ﵊ ماذا قلت قال قلت له بعها فقال ﷺ إن الله إذا حرم شيئا حرم ثمنه ثم أخذ صاحبها بفمها فأراقه) ولم يأمره النبي صلى الله وسلم بغسلها ولو كان نجسا لأمره بغسلها فأما قوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) فإن هذا الرجس هو رجس عملي ولهذا قيد بقوله (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ويدل على أنه ليس المراد به النجاسة الحسية أن الله قرنه بما ليس بنجس حسّا وجعل الخبر واحدا في الجميع (إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ) ومن المعلوم أن الأنصاب والأزلام والميسر ليست نجسة نجاسة حسية والخبر واحد عن الأربعة كلها فدل هذا على أن المراد بالرجس هنا الرجس المعنوي دون الحسي وهو الرجس العملي كما في قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنْ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ) فإذا تبين أن الخمر ليس نجسا نجاسة حسية فإنه يتبين الجواب عن هذا السؤال الذي سأله السائل وهو ما إذا أصاب الثوب من هذه العطورات التي يقال أن فيها مادة خمرية فإنه لا يجب غسله لأنه طاهر ولكن هل يجوز استعمال هذه الأطياب؟ أمّا على رأي من يرى أنها نجسة فلا يجوز استعمالها وأما على رأي من يرى أنها طاهرة فإن الأولى عدم استعمالها لعموم قوله تعالى (فَاجْتَنِبُوهُ) لأن الأمر بالاجتناب في الخمر عام لم يخصص فيه شيء دون شيء ولكني لا أجزم بالتحريم لأن قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) قد يراد به اجتناب شربه لقوله (إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وهذا يدل على أن الواجب اجتناب ما يؤدي إلى هذه العلة ومجرد استعماله لا يؤدي إلى هذه العلة فأنا لا أحرمه ولكني لا أستعمله شخصيا إلا إذا كان هناك حاجة كتعقيم جرح أو شبهه فإنه لا بأس به. ***
بارك الله فيكم السائل من جمهورية الصومال مقيم بالجماهيرية العربية الليبية م. م. ع. يقول هل يجوز للمسلم أن يتعطر بالعطر الذي فيه مادة الكحول؟ فأجاب رحمه الله تعالى: العطر الذي فيه مادة الكحول ينقسم إلى قسمين القسم الأول أن تكون مادة الكحول فيه يسيرة لا تؤثر شيئًا مثل أن تكون خمسة في المائة ثلاثة في المائة واحد في المائة فهذا لا بأس أن يتعطر به لأن هذه النسبة نسبةٌ ضئيلة لا تؤثر شيئًا والقسم الثاني أن تكون النسبة كبيرة كخمسين في المائة فهذا النوع قد اختلف العلماء في جواز التعطر به فمنهم من قال بجواز ذلك وقال لأن هذا لم يتخذ للإسكار وإنما اتخذ للتطيب به وقال أيضًا إن الذي نتيقن أنه حرام هو شرب المسكر وهذا الرجل لم يشربه واستدل لذلك بقوله تعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (٩٠) إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمْ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنْ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنتَهُونَ) وقال إن هذا هو تعليل الحكم أي حكم التحريم وهو أنه سببٌ لإيقاع العداوة والبغضاء والصد عن ذكر الله وعن الصلاة وقال إن هذا لا يوجد فيما إذا تطيب به الإنسان ومن العلماء من قال لا يتطيب به لعموم قوله (فَاجْتَنِبُوهُ) والذي أرى أنه لو تطيب به فإنه لا يأثم ولكن الاحتياط ألا يتطيب به والأطياب سواه كثير والحمد لله هذا بالنسبة للتطيب به من عدمه. أما بالنسبة للطهارة والنجاسة فإن هذه العطورات التي بها الكحول طاهرة مهما كثرت النسبة فيها لأن الخمر لا دلالة على نجاسته لا من القرآن ولا من السنة ولا من عمل الصحابة وإذا لم يدل الدليل على نجاسته فالأصل الطهارة حتى يقوم دليلٌ على النجاسة ولا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فقد يحرم الشيء وليس بنجس فالأشياء الضارة حرام وإن لم تكن نجسة فالسم مثلًا حرام وإن لم يكن نجسًا وأكل ما يزداد به المرض كالحلوى لمن به السكري حرام وليس بنجاسة بل قال شيخ الإسلام ﵀ إن الطعام الحلال لو كان يخشى الإنسان من التأذي به حيث يملأ بطنه كثيرًا أو يخاف التخمة فإن هذا الطعام الحلال يكون حرامًا والمهم أنه لا يلزم من تحريم الشيء أن يكون نجسًا فالخمر لا شك في تحريمه لكن ليس بنجس لأنه لا دليل على نجاسته وقد علم المستمع أنه لا يلزم من التحريم أن يكون المحرم نجسًا بل هناك ما يدل على أنه ليس بنجس أي هناك دليل إيجابي على أنه ليس بنجس وهو ما ثبت في صحيح مسلم (أن رجلًا أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم براويةٍ من خمر أهداها له فقال النبي ﷺ إنها حرمت -والمحرم لا يجوز قبوله بل يجب إتلافه- فتكلم رجلٌ من الصحابة مع صاحب الراوية بكلامٍ سر فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بم ساررته؟ قال: قلت بعها فقال رسول الله ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنه -أو كما قال- فأخذ الرجل بأفواه الراوية فأراقها بحضرة النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ولم يأمره النبي ﷺ بغسلها من هذا الخمر ولو كانت نجسة لأمر النبي ﷺ صاحبها أن يغسلها هذا دليل ودليلٌ آخر أنه لما نزل تحريم الخمر (أراق الصحابة خمورهم بأسواق المدينة) ولم ينقل عنهم أنهم غسلوا الأواني بعدها. ***
بارك الله فيكم هذه مستمعة رمزت لاسمها بـ خ. ع. ر. تقول في سؤالها ما حكم الشرع في نظركم في وضع الكلونيا على الجسم هل هي نجسة أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الكلونيا ليست بنجسة وكذلك سائر الكحول ليست بنجسة وذلك لأن القول بنجاستها مبني على القول بنجاسة الخمر والراجح الذي تدل عليه الأدلة أن الخمر ليس بنجس نجاسة حسية وإنما نجاسته معنوية ودليل ذلك أولًا (أن الصحابة ﵃ لما حرمت الخمر أراقوا الخمر في الأسواق) ولو كانت نجسة ما حل لهم أن يريقوها في الأسواق لأن الإنسان لا يحل له أن يريق شيئًا نجسًا في أسواق المسلمين. ثانيًا أن النبي ﷺ لم يأمرهم بغسل الأواني منها مع أنه لما حرمت الحُمُر في خيبر أمر النبي ﵊ بغسل الأواني منها. ثالثًا أن رجلًا أهدى إلى رسول الله ﷺ راوية خمر فقال النبي ﵊ (إنها حرمت فتكلم معه رجل أي مع صاحب الراوية سرًا يقول له بعها فقال النبي ﷺ للرجل بما ساررته؟ فقال قلت بعها يا رسول الله قال النبي ﷺ إن الله إذا حرم شيئًا حرم ثمنها ففتح الرجل فم الراوية وأراق الخمر منها) ولم يأمره النبي ﷺ بغسلها ولو كان الخمر نجسًا لأمره بغسلها لأنه سوف يستعملها في مائه لشرابه وطهوره وهذه أدلة إيجابية تدل على أن الخمر ليس بنجس ثم هناك دليل سلبي أي مبني على البراءة وهو أن الأصل في الأشياء الطهارة حتى يقوم دليل على نجاستها كما أن الأصل في الأشياء الحل حتى يقوم دليل على تحريمها ومن المعلوم أنه لا تلازم بين التحريم والنجاسة بمعنى أنه ليس كل شيء محرم يكون نجسًا فالسم مثلًا محرم وليس بنجس وكل نجس فهو محرم ولا عكس لأن النجس يجب التطهر منه فإذا كان ملابسة النجس محرمة تجب إزالته فمن باب أولى وأحرى اكله وشربه فإن قال قائل أن الله تعالى يقول (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ) فقال (رِجْسٌ) والرجس النجس لقوله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (رِجْسٌ) أي نجس؟ فالجواب عن الآية أن المراد بقوله (رِجْسٌ) أي رجس عملي فهي نجاسة معنوية ولهذا قال (رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ) ثم إنه قرنه بالميسر والأنصاب والأزلام وهذه ليست نجسة نجاسة حسية بالاتفاق فعلم أن المراد بالرجسية في قوله (رِجْسٌ) الرجسية المعنوية وليست الرجسية الحسية ولكن يبقى السؤال هل يجوز أن نستعمل هذه الأطياب التي فيها شيء من الكحول؟ والجواب على ذلك أن نقول إذا كان الشيء يسيرًا مستهلكًا فيما مزج به فإنه لا حرج في استعمالها لأن الشيء الطاهر إذا خالطه شيء نجس لم يتغير به فإنه يكون طاهرًا أما إذا كان الخليط من الكحول كثيرًا بحيث يُسكر لو شربه الإنسان فإنه لا ينبغي استعماله والتطيب به لكن إذا احتاج الإنسان إلى استعماله لدواء جرح وما أشبه ذلك فلا بأس. ***
أحسن الله إليكم يقول هل المني والمذي من النجاسات التي يجب غسلها بالماء من الثوب والبدن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما المني فطاهر كما دلت على ذلك السنة وأما المذي فنجس لكنه خفيف النجاسة يكفي فيه النضح بدون غسل ولا فرك والنضح معناه أن يصب عليه ماء يستوعبه فيكون بمنزلة بول الغلام الصغير الذي لا يأكل الطعام وإنما يتغذى باللبن ولهذا نقول النجاسات ثلاثة أقسام مغلظة ومخففة ومتوسطة فأما المغلظة فهي نجاسة الكلب ولا بد فيها من سبع غسلات أحداهن بالتراب وجعل التراب في الغسلة الأولى أولى والمخففة نجاسة الصبي الغلام الصغير الذي يتغذى باللبن لم يفطم بعد نجاسة بوله خاصة والثاني المذي فيكتفى فيهما بالنضح بمعنى أن يصب الماء على المكان بدون أن يفركه أو يعصره ثم بقية النجاسات متوسطة يكتفى فيها بإزالة عين النجاسة ولا عدد لها فإن قال قائل أليس النعل يكفي فيه المسح بالأرض إذا أصابته النجاسة وكذلك الخف؟ فالجواب بلى لكن هذا ليس لأن النجاسة مخففة ولكن خفف طريق إزالتها للمشقة في غسل النعال وغسل الخفاف خُفِّفَ فيها بأن تمسح في الأرض حتى تمحى عين النجاسة. ***
هل يجوز الصلاة في الثياب التي احتلم فيها الشخص؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز أن يصلى في الثياب التي احتلم فيها إلا أنه ينبغي أن يغسل المني إن كان رطبًا ويفركه إن كان يابسًا وهذا إذا كان قد نام على استنجاء بالماء أو استجمار شرعي أما إذا كان قد نام ليس على استنجاء بالماء ولا على استجمار شرعي فإنه لا يجوز أن يصلى بالثوب الذي تأثر بهذا المني حتى يغسله وذلك لأن المني إذا باشر محل النجس تلوث به فإذا تلوث به وأصاب الثوب فإنه يجب غسله. ***
المستمع عبد القادر الشيخ من الجبيل الصناعية يقول ما حكم اللُّعاب الذي يخرج من الشخص أثناء النوم وهل هذا السائل يخرج من الفم أم من المعدة، وإذا حكمنا بأنه نجس فكيف يمكن الحذر منه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا اللُّعاب الذي يخرج من النائم أثناء نومه طاهر وليس بنجس والأصل فيما يخرج من بني آدم الطهارة إلا ما دل الدليل على نجاسته لقول النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) فاللعاب والعرق ودمع العين وما يخرج من الأنف وماء الجروح كل هذه طاهرة لأن هذا هو الأصل والبول والغائط وكل ما يخرج من السبيلين نجس وهذا اللعاب الذي يخرج من الإنسان حال نومه داخل في الأشياء الطاهرة كالبلغم والنخامة وما أشبه ذلك وعلى هذا فلا يجب على الإنسان غسله ولا غسل ما أصابه من الثياب والفرش ***
جزاكم الله خيرًا ما حكم الدم الخارج من جسد الإنسان سواءٌ كان من الأنف أو غيره هل يعتبر نجسًا يجب غسل ما أصابه من الملابس وينقض الوضوء وما هو الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم المسفوح الذي نهينا عن أكله هو الذي يخرج من الحيوان في حال حياته مثل ما كانوا يفعلونه في الجاهلية كان الرجل إذا جاع فَصَدَ عِرقًا من بعيره وشرب دمه فهذا هو المحرم وكذلك الدم الذي يكون عند الذبح قبل أن تخرج الروح هذا هو الدم المحرم النجس ودلالة القرآن عليه ظاهرة في عدة آياتٍ من القرآن بأنه حرام ففي سورة الأنعام صرح الله ﵎ بأنه نجس فإن قوله تعالى (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس كما قيل يعود على الخنزير فقط لو تأملت الآية وجدت أن هذا هو المتعين (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) ذلك الشيء (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي إن ذلك الشيء الذي استثني من الحل هو الذي يكون نجسًا فالتعليل تعليل للحكم الذي يتضمن هذه الأمور الثلاثة وهذا أمر ظاهر لمن يتدبره وليس من باب الخلاف هل يعود الضمير إلى بعض المذكور أو إلى كل المذكور بل هذا واضحٌ لأنه تعليلٌ لحكمٍ ينتظم ثلاثة أمور هذا هو الدم المسفوح. أما الدم الذي يبقى في الحيوان الحلال بعد تذكيته تذكيةً شرعية فإنه يكون طاهرًا حتى لو انفجر بعد فصده فإن بعض العروق يكون فيها دمٌ بعد الذبح وبعد خروج الروح بحيث إذا فَصَدتها سال منها الدم هذا الدم حلالٌ وطاهر وكذلك دم الكبد ودم القلب وما أشبهه كله حلالً وطاهر. وأما الدم الخارج من الإنسان فالدم الخارج من الإنسان إن كان من السبيلين من القبل أو الدبر فهو نجسٌ وناقضٌ للوضوء قل أم كثر لأن النبي ﷺ أمر النساء بغسل دم الحيض مطلقًا وهذا دليلٌ على نجاسته وأنه لا يعفى عن يسيره وهو كذلك فهو نجس لا يعفى عن يسيره وناقض للوضوء قليله أو كثيره وأما الدم الخارج من بقية البدن من الأنف أو من السِّن أو من جرحٍ بحديدة أو بزجاجة أو ما أشبه ذلك فإنه لا ينقض الوضوء قل أو كثر هذا هو القول الراجح أنه لا ينقض الوضوء شيء خارجٌ من غير السبيلين من البدن سواءٌ من الأنف أو من السِّن أو من غيره سواءٌ كان قليلًا أو كثيرًا وأما نجاسته فالمشهور عند أهل العلم أنه نجس وأنه يجب غسله إلا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه والله أعلم. ***
بارك الله فيكم إذا وقع على ثوب الإحرام دم قليل أو كثير فهل يصلى فيه وعليه الدم وماذا يفعل المحرم وهو يؤدي مناسك الحج مثلًا في السعي أو في الطواف أو الرمي أفيدونا بذلك مأجورين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم إذا كان طاهرًا فإنه لا يضر إذا وقع على الإحرام أو غيره من الثياب والدم الطاهر من البهيمة هو الذي يبقى في اللحم والعروق بعد ذبحها كدم الكبد ودم القلب ودم الفخذ ونحو ذلك وأما إذا كان الدم نجسًا فإنه يغسل سواءٌ في ثوب الإحرام أو غيره وذلك مثل الدم المسفوح فلو ذبح شاةً مثلًا وأصابه من دمها فإنه يجب عليه أن يغسل هذا الذي أصابه سواءٌ وقع على ثوبه أو على ثوب الإحرام أو على بدنه إلا أن العلماء ﵏ قالوا يعفى عن الدم اليسير لمشقة التحرز منه وأما قوله وماذا على المحرم في الطواف والسعي؟ فعليه ما ما ذكره العلماء من أنه يطوف بالبيت فيجعل البيت عن يساره ويبدأ بالحجر الأسود وينتهي بالحجر الأسود سبعة أشواطٍ لا تنقص وكذلك يسعى بين الصفا والمروة سبعة أشواطٍ لا تنقص يبدأ بالصفا وينتهي بالمروة وما يفعله الحجاج معروفٌ في المناسك فليرجع إليه هذا السائل. ***
دم الحيوانات إذا علق بالثوب أو البدن فهل يَنْجُسَان؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقسم العلماء الحيوانات إلى أقسام قسم نجس في الحياة وبعد الموت وقسم طاهر في الحياة ونجس بعد الموت وقسم طاهر في الحياة وبعد الموت أما القسم النجس في الحياة وبعد الموت فإن دمه نجس ويجب غسل قليله وكثيره وذلك مثل الكلب وأما الطاهر في الحياة النجس بعد الموت فإن دمه نجس ولكن يُعفى عن قليله لمشقة التحرز منه وذلك مثل دم بهيمة الأنعام كالإبل والبقر والغنم فإن هذه طاهرة في حياتها وإذا ماتت بغير ذكاة شرعية فإنها تكون نجسة فيكون دمها نجسًا ولكنه يُعفى عن يسيره والقسم الثالث طاهر في الحياة وبعد الموت مثل حيوان البحر كالسمك وكذلك ما لا نفس له سائلة كالذباب وشبهه فهذا دمه طاهر حتى لو فرض أنه كثير في دم السمك ونحوه لأن ميتتها طاهرة وذلك لأن تحريم الميتة من أجل احتقان الدم فيها فإذا كانت هذه ميتتها طاهرة دل هذا على أن دمها طاهر وإلا لوجب أن تكون ميتتها نجسة من أجل احتقان الدم فهذا ما ذكره أهل العلم في تقسيم دماء الحيوان. ***
إذا وقع من دم الذبيحة الخارج منها عند ذبحها على الملابس شيء ثم صلى بعد ذلك فهل صلاة المرء جائزة وما حكم هذا الدم من حيث النجاسة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم نجس لأنه دم مسفوح وقد قال الله تعالى في القرآن الكريم (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) فقوله (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) يعود على المستثنى السابق وهي ثلاثة أشياء الميتة والدم المسفوح ولحم الخنزير وعلى هذا فالدم المسفوح الذي يخرج من الحيوان قبل خروج روحه يكون نجسًا يجب تطهير البدن والثوب منه إلا أن أهل العلم ﵏ استثنوا من ذلك الشيء اليسير فقالوا إنه يُعفى عنه لمشقة التحرز منه وعلى كل حال إذا صلى الإنسان في ثوب متلطخ بالدم المسفوح على وجه لا يعفى عنه فإن كان عالمًا بهذا الدم وعالمًا بالحكم الشرعي وهو أن صلاته لا تصح فإن صلاته باطلة وعليه أن يعيدها وإن كان جاهلًا بهذا الدم لم يعلم به إلا بعد صلاته أو عَلِم به ولكنه لم يعلم أنه نجس مفسد للصلاة فإن صلاته أيضًا صحيحة وذلك لأن (النبي ﷺ صلى ذات يوم بأصحابه وفي أثناء صلاته خلع نعليه فخلع الناس نعالهم فقال النبي ﷺ حين انصرف من صلاته يسألهم لماذا خلعوا نعالهم قالوا رأيناك خلعت نعليك فخلعنا نعالنا فقال إن جبريل أتاني فأخبرني أن فيهما أذىً أو قال قذرًا) فخلعهما النبي ﵊ ولم يستأنف الصلاة فدل هذا على أن من صلَّى بالنجاسة جاهلًا بها فإنه لا إعادة عليه وكذلك من جهل حكمها ومثل الجهل النسيان أيضًا فلو أصاب الإنسان نجاسة على ثوبه أو بدنه وصلَّى قبل أن يغسلها ناسيًا فإن صلاته صحيحة لعموم قول الله تعالى (رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا) فقال الله تعالى (قد فعلت) ولكن نحن ننصح إخواننا المسلمين إذا أصابتهم نجاسة على ثيابهم أو أبدانهم أو مكان صلاتهم أن يبادروا بتطهيرها لأن رسول الله ﷺ كان هذا هديه فإنه (لما بال الأعرابي في المسجد أمر النبي ﷺ بذنوب من ماء فأريق عليه) ولما (بال الصبي في حجره دعا بماء فأتبعه إياه) فهذا دليل على أن المرء ينبغي له أن يُطهر مكان صلاته وثيابه وكذلك بدنه مما أصابه من النجاسة فورًا لئلا تبقى هذه الأشياء نجسة ولأنه يخشى أن ينسى فيصلى فيها فعلى كل حال الذي ينبغي للمرء أن يبادر بتطهير ثيابه وبدنه ومكان صلاته من النجاسة. ***
مبروك علي أحمد مصري يعمل في الأردن يقول في رسالته أنا أصلى وعلى ملابسي بعض من دم المواشي وهذا بسبب ظروف العمل فهل هذا يبطل الصلاة أفيدوني بارك الله فيكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان هذا الدم من المواشي بعد الذبح وخروج النفس فإنه يكون طاهرًا لأن الدم الذي يبقى في اللحم والعروق بعد موت المذكاة طاهر وحلال وأما إذا كان هذا الدم من البهيمة وهي حية أو كان هو الدم المسفوح الذي يكون عند الذبح فإنه نجس لقول الله تعالى (قُلْ لا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ) (فَإِنَّهُ) أي هذا الشيء فالضمير عائد على الضمير المستتر في قوله (إِلاَّ أَنْ يَكُونَ) وليس عائدًا على قوله (أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ) بل هو عائد على المستثنى كله وتقدير الآية إلا أن يكون الشيء المحرم الذي يطعمه ميتة أودم مسفوحًا أو لحم خنزير فإن ذلك الشيء يكون نجسًا (فَإِنَّهُ رِجْسٌ) أي نجس وعلى هذا فنقول إن الدم الذي يخرج من البهيمة وهي حية أو يخرج منها عند الذبح دم نجس إلا أن العلماء ﵏ قالوا أنه يعفى عن يسيره لمشقة التحرز منه. ***
يقول السائل أنا رجل أرعى الغنم وفي فصل الشتاء غالبا ما تكون ملا بسي متسخة يتعذر خلعها واستبدالها في كل وقت خاصة في أيام البرد الشديد فهل من الممكن أن أقوم بصلاة الليل وتلاوة القرآن على هذه الحالة بتيمم فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كنت راعي غنم فالغنم طاهرة بولها طاهر وروثها طاهر وريقها طاهر ولبنها طاهر حتى لو تلوثت الثياب بها ببولها أو بروثها أو بغير ذلك فإن الثياب طاهرة تجوز فيها الصلاة وتجوز فيها قراءة القرآن والتهجد في الليل وغير ذلك من الصلوات. ***
السائل من العراق بغداد رمز لاسمه بالأحرف ع. س. ج. يقول ما هي حقيقة نجاسة المشرك والكافر وهل معنى هذا أنه إذا مس أحد المسلمين أحد المشركين أو الكفار وهو على طهارة أن طهارته قد انتقضت أم أن النجاسة معنوية وليست حسية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نجاسة المشركين بل نجاسة جميع الكفار نجاسة معنوية وليست نجاسة حسية لقول النبي ﷺ (إن المؤمن لا ينجس) ومعلوم أن المؤمن ينجس نجاسة حسية إذا أصابته النجاسة فقوله (لا ينجس) علم أن المراد نفي النجاسة المعنوية وقال الله ﷿ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا) فأخبر الله تعالى أنهم (نجس) وإذا قارنا هذا بما ثبت في حديث أبي هريرة من أن (المؤمن لا ينجس) علمنا أن المراد بنجاسة المشرك وكذلك غيره من الكفار نجاسة معنوية وليست حسية ولهذا أباح الله لنا طعام الذين أوتوا الكتاب مع أنهم يباشرونه بأيدهم وأباح لنا المحصنات من الذين أوتوا الكتاب للزواج بهن مع إن الإنسان سيباشرهن ولم يأمرنا بغسل ما أصابته أيديهم وأما قول السائل إنه إذا مس الكافر يقول انتقض وضوؤه فهذا وهم منه فإن مس النجاسة لا ينقض الوضوء حتى لو كانت نجاسة حسية كالبول والعذرة والدم النجس وما أشبهها فإن مسها لا ينقض الوضوء وإنما يوجب غسل ما تلوث بالنجاسة فقط. ***
يقول السائل أنا أعمل في شركة تويوتا قسم اللِّحَام ويعمل معي بعض الخواجات اليونانيين وفي ذات مرة كنت أشرب كوب من الشاي فأخذه أحدهم وشرب منه ثم رده لي فهل لو شربت بعده من هذا الكوب يكون حرام أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هذا بحرام لأن ريق الكافر وعرقه طاهر وليس بنجس ولذلك أباح الله لنا طعامهم مع أن أيديهم تلمسه وأباح لنا نساءهم أي نساء أهل الكتاب وطعام أهل الكتاب مع أنهم كفار وهذا يدل على عدم نجاسة بدن الكافر وهو الصحيح من أقوال أهل العلم لكن إذا كان شربك بعده يشير إلى استذلالك أمام الكافر فإنه لا يجوز لك هذا لأن الواجب على المسلم أن يكون عزيزًا بإسلامه وأن لا يري الكفار الذل وكيف يريهم الذل وقد قال الله ﷿ (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ) فلا يري الرجل الذل أما الكفار إلا وهو ناقص الإيمان لأن من كان مؤمنًا كامل الإيمان فإنه يرى أنه أعز خلق الله ﷾ (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ) فكما أن المؤمن أكرم الخلق عند الله وأعزهم فالكافر أذلهم عند الله وأحطهم قال الله ﷾ (إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الَّذِينَ كَفَرُوا فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) وقال تعالى (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ) فلا يجوز للمسلم أن يستذل أمام الكافر فإذا كان شربك الفنجال بعده يشير إلى ذلك أمامه فهو حرامٌ عليك وإلا فلا بأس به. ***
باب الحيض
إذا كانت المرأة طبيعة حيضها خمسة أيام وزادت هذه المدة إلى عشرة أيام عند استخدامها لأحدى وسائل منع الحمل فهل ما زاد على خمسة أيام يعتبر من الحيض أم لا وهل لها أن تصلى رغم نزول الدم بعد اليوم الخامس أفيدونا بذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أولًا نقول أن استعمال هذه الحبوب لمنع الحيض أو منع الحمل أمر غير مرغوب فيه وهو من الناحية الطبية مضر وإذا كان كذلك فإنا ننصح أخواتنا بعدم استعماله أي استعمال هذه الحبوب ومن مساوئ هذه الحبوب أنها توجب إضطراب العادة على المرأة فتوقعها في الشك والحيرة وكذلك توقع المفتين في الشك والحيرة لأنهم لا يدرون عن هذا الدم الذي تغير عليها أهو حيض أم لا وعلى هذا إذا كان من عادتها أن تحيض خمس أيام واستعملت الحبوب التي لمنع الحمل ثم زادت عادتها فإن هذه الزيادة تبع الأصل بمعنى أنه يحكم بأنه حيض ما لم تتجاوز خمسة عشر يومًا فإن تجاوزت خسمة عشرة يومًا صارت استحاضة وحينئذ ترجع إلى عادتها الأولى التي هي خمسة أيام. ***
المستمعة ن. أ. هـ. من الرياض تقول إذا كانت المرأة تحيض لمدة سبعة أيام وهذه عادتها الدائمة ومرة زاد الدم أكثر من السبعة أيام واستمر معها أكثر من ذلك فهل تصلى أم لا، مع العلم بأنها دائمًا تحيض في السبعة أيام فقط أرجو الافادة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد دم الحيض عن عادتها فإن القول الراجح أنها تبقى ما دام الدم على حاله حتى تطهر وإن زاد على العادة فإذا كانت عادتها سبعة أيام واستمر الدم إلى عشرة فإن ذلك كله حيض كما أنه لو نقصت أيام دمها عن عادتها فإنها تغتسل وتصلى فإذا كانت عادتها عشرة أيام مثلًا ثم طهرت لسبعة أيام فإن الواجب عليها أن تغتسل وتصلى فالحكم يدور مع علته وجودًا وعدمًا فمتى وجد دم حيض ثبتت أحكامه ومتى عُدِمَ انتفت أحكامه قال الله تعالى (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى) فمتى وجد هذا الأذى فهو حيض. ***
تقول السائلة تأتيها الدورة ثلاثة مرات في الشهر وتنقطع ثلاثة أيام ثم تأتيها وهكذا حتى التبس عليها الأمر فلا تدري هل تحسب إحداها دورة أو جميعها فماذا يجب عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الأمر كما ذكرت تأتيها العادة ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي ثم تترك ثلاثة أيام ثم تأتي فيعني هذا أن أكثر وقتها دم وإذا كان أكثر وقتها دمًا فإنها تجلس أيام عادتها فقط والباقي تغتسل وتصلى وتصوم ويأتيها زوجها ولا حرج عليها. ***
السائلة ع أح من أبها تقول بعد مرور مدة ثلاثة أو أربعة أيام من الدورة الشهرية تنقطع ويستمر انقطاعها مدة يوم أو يومين ثم تعود لها في اليوم السادس تقريبًا فهل فترة الانقطاع هذه يجب عليها أن تصوم وتصلى؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يقول بعض العلماء ﵏ أن الانقطاع ولو يومًا واحدًا يعتبر طُهرًا فعليها أن تغتسل وتصلى وتصوم إن كان ذلك في رمضان ولو عاد الحيض بعد يوم أو يومين وبعض العلماء يقول إن هذا ليس طُهرًا في الحقيقة وإنما هو جفاف فلا تعتبر طاهرًا حتى ينقطع الحيض بالكلية وهذا والله اعلم أقرب إلى الصواب لأنه جرت العادة أن المرأة في أثناء حيضها ترى الجفاف واليبوسة ولا يعتبر هذا طُهرًا. ***
إذا كانت المرأة تحيض ثمانية أيام فتغتسل في اليوم الثامن ومن ثَمَّ تنزل عليها قطرات دم خفيفة في ذلك اليوم فهل لها أن تغتسل مع العلم أنها قد تغتسل مرتين وأحيانًا تترك الغسل فهل تأثم وماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كانت تعرف أن الدم لم ينقطع انقطاعًا تامًا فلتنتظر حتى ينقطع انقطاعًا تامًا ثم تغتسل وأما إذا عرفت أنه انقطع انقطاعًا تامًا فإنها تغتسل من حين انقطاعه ثم إن حصل بعد ذلك نقطة أو نقطتان فإن ذلك لا يضر. ***
السائلة نعيمة عبد الله من الرياض تقول ما هي الاستحاضة وهل لها مدة محدودة وفي أي سن تأتي وهل يغتسل عند الانتهاء منها كالحيض وكيف أميز بينها وبين الحيض وهل هي تأتي بعده مباشرة ثم تقول إنها بعد أن أغتسلت بعد سابع يوم من الحيض على حسب المدة المعلومة الغالبة عند أكثر النساء أنها لم تشاهد الطهارة وفي اليوم الثامن بعد صيامها شاهدته لذلك فسد صيامها وفي اليوم التاسع كذلك شاهدته وبعد ذلك أغتسلت منه وصامت العاشرة والحادي عشر وهي ما تزال ترى ذلك فما حكم صيامها وهل هذه تعتبر استحاضة ولا يلزمها إعادة الصيام أو قضائه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاستحاضة عند أهل العلم هي أن يستمر الدم على الأنثى أكثر أيامها أو كل أيامها وحكم الاستحاضة أنه إذا كان لها عادة صحيحة قبلها أي قبل وجوب الاستحاضة فإنها تجلس عادتها ثم بعد ذلك تغتسل وتصلى وتصوم ولكنها عند الصلاة تتوضأ لكل صلاة بمعنى أنها لا تتوضأ للصلاة إلا إذا دخل وقتها فإذا دخل الوقت غسلت الفرج وتحفظت بحفاظة ثم تغسل أعضاء الوضوء ثم تصلى ما شاءت من فروض ونوافل إلى أن يخرج الوقت فإن لم تكن لها عادة من قبل مثل أن تأتيها الاستحاضة من أول ما ترى الدم فإنها ترجع إلى التمييز والتمييز هو أن دم الحيض يكون أسود ثخينًا منتنًا ودم الاستحاضة بخلاف ذلك فتجلس ما كان دم الحيض ثم تغتسل وتصلى وتفعل كما سبق وذكر بعض المتأخرين من الأطباء أنه من علامات دم الحيض أنه إذا خرج لا يتجمد بخلاف دم الاستحاضة وإذا كان هذا صحيحًا فإنه يضاف إلى الطرق الثلاثة السابقة فتكون الفروق بين دم الحيض ودم الاستحاضة أربعة وإذا لم يكن لها عادة سابقة ولا تميز بأن كان دمها على وتيرة واحدة فإنها تجلس غالب أيام الحيض عند أكثر النساء فهو ستة أيام أو سبعة وتبتدئ المدة من أول مدة جاءها الحيض فيها أو جاءت الاستحاضة فيها فإذا قدر أن ابتداء هذا الدم كان من نصف الشهر فإنها تجلس عند نصف كل شهر ستة أيام أو سبعة وتغتسل وتفعل كما سبق هذا هو حكم المستحاضة وأما من يأتيها الدم متقطعًا يوم يأتيها الدم ويوم تطهر فإن المشهور عند فقهاء الحنابلة أن من ترى يومًا دمًا ويومًا نقاء فإن النقاء طهر والدم حيض ما لم يتجاوز أكثر الحيض وهو خمسة عشر يومًا فإن تجاوزه صار إستحاضة. فضيلة الشيخ: إذًا ماذا نقول لها بالنسبة لهذه الأيام؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه الأيام الذي يظهر أنها ليست إستحاضة لأنه ما تجاوزت أكثر الحيض بل تعتبر حيضًا وما صامته فيها فإنها تقضيه. ***
السائلة س م ج من وادي الدواسر تقول امرأة تبلغ من العمر سبعة وثلاثون عام عندها مشكلة في الدورة الشهرية منذ سنتين تقريبًا حيث يستمر معها ما يقارب من عشرين يوم أو اثنين وعشرين يوم في الأيام الأولى تنزل كدرة تنزل يوم وتتوقف يوم في بعض الأحيان تستمر يومًا كاملًا وفي بعض الأحيان تستمر نصف اليوم ثم في الأيام الأخيرة ينزل دم أحمر ثم بعد يومين أو ثلاثة يعود إلى كدرة وهكذا وفي رمضان في العام الماضي حدث لها هذا وقد أتمت صيامها وتقول أنا في هذه الحالة هل صيامي صحيح وصلاتي أم أنه يجب علي القضاء ما صمت من هذا الشهر وكيف أؤدي صلاتي مستقبلًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الدم الذي يصيبها أكثر من عشرين يومًا دم استحاضة فترجع إلى عادتها من قبل إذا كانت عادتها من قبل سبعة أيام في أول الشهر مثلًا تجلس من أول الشهر سبعة أيام ثم تغتسل وتصلى فروضًا ونوافل ولو كان الدم يجري لكن إذا أرادت الصلاة فإنها تغسل أثر الدم ثم تتحفظ بالحفائظ المعروفة ثم تتوضأ بغسل الأعضاء الأربعة غسل الوجه ثم اليدين ثم مسح الرأس ثم غسل الرجلين وتصلى فروضًا ونوافل وإذا دخل وقت الصلاة الثانية تفعل كذلك وإذا دخل وقت الثالثة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الرابعة تفعل كذلك وإذا دخل وقت الخامسة تفعل كذلك وإذا كان يشق عليها فإنها تجمع بين الظهر والعصر إما جمع تقديم أو جمع تأخير وكذلك بين المغرب والعشاء إما جمع تأخير أو جمع تقديم وإذا أرادت أن تصلى نافلة كما لو أرادت أن تصلى صلاة الضحى مثلًا تتوضأ عند إرادة الصلاة كما وصفنا تغسل محل النجاسة وتتلجم يعني تتحفظ ثم تتوضأ وتصلى. ***
كم عدد أيام الاستحاضة وما أقل أيام ما بين الحيضة والحيضة الأخرى وهل إذا جاءت في نفس الشهر تعتبر حيضة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض معروف دم أسود ثخين منتن ودم العرق الذي هو الاستحاضة معروف أيضًا دم رقيق أحمر ليس له رائحة ولا حد لأيام الاستحاضة، لأن الاستحاضة قد تكون خمسة وعشرين يومًا أو عشرين يومًا أو أقل أو أكثر فلا حد لها وأما أقل الطهر بين الحيضتين فقيل أن أقله ثلاثة عشر يومًا وقيل لا حد لأقله كما أنه لا حد لأكثره وهذا القول هو الصحيح وبناءًا على هذا القول الصحيح يمكن أن تحيض المرأة في الشهر مرتين لكن يجب أن تعرف المرأة أن دم الحيض هو الحيض وأما الدم الآخر الرقيق الأصفر قليلًا فهذا ليس بحيض بل هو استحاضة والمستحاضة تعمل بعادتها إن كان قد سبق لها عادة ولا تنظر إلى الدم بل إذا جاءت أيام العادة جلست بمقدار العادة لا تصلى ولا تصوم ولا يأتيها زوجها وإذا انتهت من العادة اغتسلت وصلت وصامت وحلت لزوجها قال العلماء وما زاد على خمسة عشر يومًا من الدماء فإنه استحاضة فإذا لم يكن لها عادة ولم يكن لها تمييز فإنها ترجع إلى عادة غالب النساء وهي ستة أيام أو سبع أيام وقتها من أول يوم جاءها الحيض. ***
ما حكم الكدرة بعد انتهاء الحيض بعشرة أيام هل يعتبر ذلك حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) والحيض هو الدم المعروف الذي وصفه الله تعالى بأنه أذى وما عداه فليس بحيض كالصفرة والكدرة والدم المستمر الأحمر هو دم عرق والحيض له علامات منها أن أكثر النساء تحس بالحيض قبل خروجه بما يحصل لها من المغص والألم في الظهر وما أشبه ذلك والحيض له رائحة خاصة لا يشاركه فيها غيره من الدماء والحيض ثخين غليظ والحيض قال بعض المعاصرين من الأطباء أنه لا يتجمد بخلاف الدم العادي الدم العادي يجمد وأما دم الحيض فلا يتجمد. ***
ما الحكم إذا رأت المرأة الدورة الشهرية على شكل خيوط دقيقة وصغيرة جدا بُنية اللون وتكون المدة يومين أو ثلاثة ثم بعد ذلك ينزل الدم، هل تترك المرأة الصلاة عند رؤيتها لتلك العلامة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الحيض هو الدم الخالص الذي يسيل وأما الكدرة والصفرة فهذه ليست بشيء كما قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) أخرجه البخاري وفي رواية أبي داود (بعد الطهر شيئًا) ثم ليعلم أن الصفرة أو الكدرة التي ذكرتها المرأة هذه إذا كانت في أثناء أيام الحيض فهي تابعة له. فضيلة الشيخ: مسائل الحيض مسائل طويلة والأخوات دائما يرسلن رسائل في هذا هل هناك كتب معينه يمكن ترجع لها الأخت في هذا الموضوع؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس هناك كتب معينة الفقهاء ﵏ تكلموا عن الحيض وجعلوا له بابًا مستقلًا لكن بعض الفقهاء ﵏ وعفا عنهم ذكروا مسائل لا يفهمها ولا طالب العلم ونعلم أن هذا ليس مرادًا في الشريعة والأمر أهون من هذا دم الحيض معروف تعرفه النساء وهو لابد أن يسيل لأن الحيض مأخوذ من السيلان وأما ما يذكره بعض الفقهاء يرحمهم الله من تفصيلات من متحيِّرة وشاكَّة ومتردِّدة وما أشبه ذلك مما لا يكاد يعرفه طالب العلم حتى أن بعضهم يوصل باب الحيض إلى مائة وخمسين صفحة مثلًا فهذا فيه نظر ولذلك لا أستطيع أن أحيل أحدا على شيء من الكتب. ***
إذا أصاب المرأة دم الحيض ثم طهرت وبعد يوم أو يومين عاد الدم أيامًا ثم طهرت ماذا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الذي عاد عاد بصفة الدم العادي الحيض فإنه يكون حيضًا والنساء يعرفن ذلك وأما إذا عاد على وجه آخر كصفرة وكدرة وما أشبه ذلك فإنه ليس بحيض قالت أم عطية ﵂ (كنا لا نعد الصفرة والكدرة شيئًا) أخرجه البخاري وفي رواية لأبي داود (بعد الطهر شيئًا) . ***
السائلة تقول دائمًا تواجهني مسألة الطهر من الحيض وذلك بسبب انقطاع الدم في اليوم الخامس ثم يخرج لونًا بنيًا في اليوم السادس وحدث هذا في أول أيام رمضان وثانيها وثالثها أي بمعنى أنه انقطع الدم في آخر يوم من شعبان في اليوم الخامس من الحيض فاغتسلت في هذا اليوم وصلىت وصمت ولما سئلت عن ذلك قيل لي عليك بإعادة هذه الأيام الثلاثة وعليك بقضاء تلك الأيام أي يوم السادس والسابع والثامن والآن السؤال هو كيف أعرف الطهر علمًا بأن هذا الشيء البني لا يخرج إلا مرة أو مرتين في اليوم السادس والسابع والثامن وهل غسلي ذلك يبطل الصلاة والصيام لأني لم أغتسل بعد الثلاثة الأيام الأخيرة لعدم علمي بذلك جزاكم الله خيرًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم إذا طهرت المرأة من الحيض الجاري الغزير الذي تعرف أنه حيض فما بعده لا يعتبر شيئًا لأن الصفرة والكدرة والنقطة والنقطتين ليست بشيء وبناءً على ذلك نرى أن صومها صحيح وأن صلاتها صحيحة وأن غسلها الأول الذي كان بعد خمسة أيام قد رفع حدث الحيض. ***
المستمعة ش ع ع من الرياض تقول خرجت من الأربعين ولم يقف معي الخارج عادة في النفاس ولكنه زاد بعد الأربعين وأصبح بشكل العادة الطبيعية فقال لي بعض النساء الطاعنات في السن واللاتي يتقدمن علي معرفة بهذه الأمور قلنا لي أنها أخت النفاس فهل أصلى أم لا وفقكم الله؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يكون بسبب الولادة هو دم نفاس ولا حد لأكثره ولا لأقله ولهذا متى طهرت المرأة ولو بعد وضع الحمل بيوم أو أيام قليلة فإنها تكون طاهرًا وتجب عليها الصلاة ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها وكذلك إذا استمر بها الدم حتى زاد على الأربعين فإنه يعتبر دم نفاس ويرى بعض أهل العلم أن مازاد على الأربعين ليس دم نفاس ولكنه إن وافق عادة فهو حيض وإن لم يوافقها فليس بحيض حتى يتكرر ثلاثة مرات ثم بعد ذلك يحكم بكونه حيضًا ولكن هذا التفصيل لا أعلم له دليلًا فما دام الدم لم يتغير وهو دم النفاس فإنها تبقى ولو زادت على الأربعين حتى تطهر، أما لو استمر بها الدم مدة كبيرة فإنها حينئذٍ تغتسل وتصلى وإذا جاءتها أيام عادة حيضها فإنها تجلس مدة أيام الحيض. فضيلة الشيخ: لكن تستمر بدون صلاة حتى ينقطع الدم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم حتى ينقطع الدم ما لم يطبق عليها إطباقًا عامًا تعرف أنه لن ينقطع إما بإطلاع الطبيب على ذلك أو بممارسات وتجربة. ***
المستمعة حصة أ. أ. الرياض تقول بأنها قبل الولادة بثلاثة أيام خرج منها ماء مع شيء من الألم فهل هذا نفاس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بنفاس لأن النفاس هو الدم وليس الماء وأيضًا لا يكون نفاسًا إلاإذا كان مصحوبًا بالطلق قبل الولادة بيومين أو ثلاثة وأما إذا كان قبل الولادة بزمن طويل فإنه ليس نفاسًا لأن النفاس هو الدم الخارج مع الولادة أو قبلها بيومين أو ثلاثة مع الطلق وأما الماء فليس من النفاس. ***
إذا كانت المرأة في مدة النفاس ولم يخرج منها الدم في بعض الأيام ماذا عليها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها شيء لأن الدم النفاس ربما ينقطع يومًا أو يومًا وليلة ويعود فهي لا تزال في نفاسها أما لو طهرت منه فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو قبل الأربعين ولزوجها أن يجامعها إذا طهرت ولو قبل الأربعين. ***
الدم الذي ينزل من المرأة في فترة الحمل الأولى هل يوجب الوضوء فقط أم يوجب الغسل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الغالب أن الحامل لا تحيض وما ظهر منها من دم فهو دم فساد لا يوجب الغسل ولا يحرم الصلاة ولا تمتع زوجها بها بجماع أو غيره فحكمها حكم الطاهرات لكنها تتوضأ للصلاة إذا دخل وقتها تتحفظ ثم تصلى فروضًا ونوافل حتى يدخل وقت العصر فإذا دخل وقت العصر جددت العملية مرة أخرى وهكذا تجددها لوقت كل صلاة. ***
سائلة تذكر بأنها وهي حامل في شهرها الثاني حصل لها نزيف استمر لمدة خمسة أيام وقد سألت الطبيبة هل هذه الأيام في حكم الحيض أم الاستحاضة أم النفاس فقالت لها الطبيبة بأن ذلك في حكم الحيض فتركت الصلاة في ذلك الوقت ثم في الشهر الثالث حدث معها نزيف آخر استمر أثنى عشر يوم وقد تركت فيه الصلاة أيضا وسؤالها تقول ما حكم هذا النزيف هل هو حيض أم استحاضة أم نفاس وما حكم تركي للصلاة فيه وهل علي إعادة وإثم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الدم الذي يأتي للنفساء ليس دم حيض ولا دم استحاضة ولا دم نفاس بل هو دم عرق دم فساد لا تترك من أجله الصلاة ولا الصيام في رمضان ولا يتجنبها زوجها إلا إذا جاء قبل الولادة بيوم أو يومين مع الطلق فهو نفاس أو صار مستمرًا على عادته الأولى في أوائل الحمل فهو حيض وهذه المرأة التي استفتت الطبيبة أخطأت لأن الطبيبة ليست فقيهة في دين الله في الغالب والطبيبة آثمة إذا كانت أفتتها بغير العلم وهي آثمة حيث استفتت الطبيبة عن مسألة شرعية دينية وأرى أنه يلزمها أن تقضي الأيام التي لم تصلها في ذلك الدم وأن تتوب إلى الله وأن لا تسأل عن العلم إلا أهله فالطبيبة تُسأل عن الطب ولا تُسأل عن العلم الشرعي والعالم الشرعي يُسأل عن العلم الشرعي ولا يُسأل علم الطب إذا لم يكن لديه علم. ***
إذا استمر النفاس بعد الولادة أكثر من أربعين يوما فما الحكم؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا زاد على أربعين يومًا وكان على وتيرة واحدة لم يتغير فهو نفاس إلى ستين يوما وإن تغير فليس بشيء إلا إذا صادف العادة فإنه يكون عادة يعني مثل أن تكون عادتها من أول الشهر يصادف تمام الأربعين آخر الشهر السابق ويكون الدم الذي اختلف عن دم النفاس موافقًا لدم العادة فيكون عادة وإلا فهو دم فساد أو استحاضة لا تترك لها الصلاة ولا صيام رمضان. ***
المستمع ع. ش. يقول إذا واقع الرجل امرأته في الأربعين وهي نفساء وذلك بعد مضي خمسةٍ وثلاثين يومًا وبعد اغتسالها لأداء الصلاة فما الحكم وماذا يجب عليه والحالة هذه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لزوجها أن يجامعها فإذا طهرت في أثناء الأربعين فإنه يجب عليها أن تصلى وصلاتها صحيحة ويجوز لزوجها أن يجامعها في هذه الحال لأن الله تعالى يقول في المحيض (وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ وَلا تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّى يَطْهُرْنَ فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمْ اللَّهُ) فما دام الأذى موجودًا وهو الدم فإنه لا يجوز الجماع فإذا طهرت منه جاز الجماع وكما أنه يجب عليها أن تصلى ولها أن تفعل كل ما يمتنع عليها في النفاس إذا طهرت في أثناء الأربعين فكذلك الجماع يجوز لزوجها إلا أنه ينبغي أن يصبر حتى تتم الأربعين ولكن لو جامعها قبل ذلك فلا حرج عليه وإذا رأت بعد الأربعين دمًا وبعد أن طهرت فإنه يعتبر دم حيض وليس دم فاسد ودم الحيض معلومٌ للنساء فإذا أحست به فهو دم حيض فإذا استمر معها وصار لا ينقطع عنها إلا يسيرًا من الدهر فإنها تكون مستحاضة وحينئذٍ ترجع إلى حالتها مع الحيض فتجلس وما زاد عن العادة فإنها تغتسل وتصلى. ***
من مكة المكرمة أبو فاطمة يسأل ما حكم إتيان الرجل لزوجته قبل تكملتها الأربعين يومًا إذا طهرت تمامًا من دم النفاس وهل هناك حديث عن هذه الأربعين؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للزوج إذا طهرت امرأته من النفاس قبل تمام الأربعين أن يجامعها وليس عليه في ذلك حرج وذلك لأنه لم يرد عن النبي ﷺ حديث بالمنع والنهي عنه ثم إنها تلزمها الصلاة التي اجتنابها أوكد من اجتناب الجماع وإذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى فكما أنه يجب عليها أن تقيم الفريضة ويجوز لها أن تتطوع بالنافلة إذا طهرت قبل تمام الأربعين فإنها لا تمنع من أن يأتيها زوجها. ***
إذا وصلت المرأة سن اليأس تبدأ تأتيها الدورة على فترات متباعدة بعد ثلاثة أشهر أو أكثر تأتيها لمدة سنة ستة أيام فهل تعتبر هذا من الدورة وهل تقضي الصلاة إذا طهرت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النساء يختلفن فبعضهن تيأس لسن مبكرة وبعضهن تتأخر الحيضة إلى ما بعد الستين أو السبعين فمتى رأت المرأة الحيض فهي حائض على أي حال كانت لأن الله ﵎ قال (وَاللاَّئِي يَئِسْنَ مِنْ الْمَحِيضِ) ولم يحدد عمرًا معينًا فاليأس يختلف باختلاف النساء والخلاصة أن دم الحيض كما وصفه الله تعالى أذى فمتى وجد هذا الدم وجب عليها أن تقوم بما يلزم. ***
السائلة ب س. س. س. تقول إحدى الأخوات حصل لها نزيف مدة ما يقارب من عشرين يومًا ولم تصلى هل عليها قضاء للصلاة أم ماذا تفعل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا بدّ أن نعرف ما سبب هذا النزيف هل هو حمل سَقَطَ أو مرض أو حمل شيء ثقيل أو ما أشبه ذلك فإن كان له سبب أعطى حكم ذلك السبب فإذا كان سببه الحمل وسقط الجنين وقد تَخَلّق أى تبينت خلقته فتميز رأسه من يده من قدمه فهذا الدم نفاس يثبت له حكم نفاس الكبير وإن كان سببه مرضا فإن هذا ليس دم حيض ولا نفاس بل هو دم حكمه حكم الاستحاضة لقول النبي ﷺ فى دم الإستحاضة (إنه دم عرق) وكذلك لو كان سببه حمل ثقيل فإنه ليس بحيض لكن إذا مرت عليها أيام عادتها فإنها تجلس العادة بمقدار العادة ثم تغتسل وتصلى وهذه السائلة تقول إنها حصل عليها نزيف لعشرين يوما فلتنزل هذا النزيف على ما ذكرناه من التفصيل. ***
ما هي الأشياء التي تجوز للمرأة والتي لا تجوز بالنسبة للعبادة أثناء الحيض أرجو تفصيل ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الذي يمتنع على المرأة من العبادات هو الصلاة وكذلك الصوم بإجماع العلماء، وكذلك لا يجوز لها أن تبدأ الاعتكاف وهي حائض، لأنها ليست من أهل المسجد في تلك الحال بخلاف ما إذا حاضت أثناء الاعتكاف، وكذلك لا يجوز لها المكث في المسجد، ولا يجوز لها الطواف أيضًا عند جمهور أهل العلم، وأما السعي والوقوف بعرفة والوقوف بمزدلفة ورمي الجمار فهذا جائز ولا حرج عليها فيه، وأما التسبيح والتكبير والتهليل والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والكلام في الدعوة إلى الله ﷿ من غير تلاوة القرآن فهو أيضًا جائز، وأما قراءة القرآن فقد اختلف فيها أهل العلم على قولين، والصحيح أنها جائزة أعني قراءة القرآن للحائض تجوز لأنه ليس في ذلك سنة صحيحة صريحة في منعها من قراءة القرآن والأصل الجواز، إلا أنه لا ينبغي أن تقرأ القرآن إلا لحاجة مراعاة للخلاف. ***
وليد عمر سالم يسأل هل تجوز صلاة الحائض وهل هناك حالة تجوز فيها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: صلاة الحائض لا تجوز لقول النبي ﷺ في حديث أبي سعيد (أليس إذا حضت لم تصلِّ ولم تصم) والحديث ثابت في الصحيحين فهي لا تصلى وتحرم عليها الصلاة ولا تصح منها ولا يجب عليها قضاءها لقول عائشة رضى الله عنها (كنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) . فضيلة الشيخ: ما حكم أدائها للصلاة وهي على غير طهارة لا تريد أن تتطهر وإنما تريد أن تقوم أمام الناس لكي تبعد عن نفسها الخجل؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذه صلاتها حرام عليها ولا يجوز لها أن تصلى وهى حائض ولا أن تصلى وهي قد طَهُرَت ولم تغتسل، فإن طهرت وهي ليس عندها ماء فإنها تتيمم وتصلى حتى تجد الماء. ***
المستمعة أ. ع. ك. من العراق محافظة القادسية تقول هل من الواجب قضاء صلاة أيام الدورة الشهرية وهل يجوز غسل الشعر فقط؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا تقضي الصلاة بالنص والإجماع لقول النبي ﷺ (أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم) وسئلت عائشة ﵂ (ما بال الحائض تقضي الصوم ولا تقضي الصلاة؟ فقالت كان يصيبنا ذلك وكنا نؤمر بقضاء الصوم ولا نؤمر بقضاء الصلاة) وعلى هذا فالصلاة لا يجب على الحائض قضاؤها وأما غسل الحائض رأسها فإنه لا بأس به أثناء الحيض وما سَمِعَت من أن ذلك لا يجوز فإنه لا صحة له بل لها أن تغسل رأسها وجسدها وما شاءت ولها أيضًا أن تستعمل الحناء في أثناء حيضها ولا حرج عليها في هذا. ***
بارك الله فيكم المرأة النفساء هل تجلس أربعين يومًا لا تصلى ولا تصوم أم أن العبرة بانقطاع الدم عنها فمتى انقطع تطهرت وصلت وما هي أقل مدة للطهر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء ليس لها وقت محدود بل متى كان الدم موجدًا جلست لم تصل ولم تصم ولم يجامعها زوجها وإذا رأت الطهر ولو قبل الأربعين ولو في عشرة أيام أو خمسة أيام فإنها تصلى وتصوم ويجامعها زوجها ولا حرج عليها في ذلك والمهم أن النفاس أمر محسوس تتعلق الأحكام بوجوده أوعدمه فمتى كان موجودًا ثبتت أحكامه ومتى تطهرت منه تخلت من أحكامه. ***
هل على المرأة النفساء صلاة ومتى تبدأ الصلاة وقد سمعت من أحد المشايخ أنه لا يبطل صلاة المرأة إلا الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفساء لا يجوز لها أن تصلى ولا يجب عليها قضاء الصلاة ولا يصح منها صلاة ولو صلت فهي كالحائض تمامًا وما سمعت من بعض المشايخ لا أظنه يقع ولعلها فهمت خطأً، لو أن المرأة طهرت قبل تمام الأربعين يومًا لوجب عليها أن تغتسل وتصلى حتى لو طهرت لخمسة أيام أو أقل فإنه يجب عليها أن تغتسل وتصلى إذا عرفت الطهر وكذلك أيضًا يجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين ما دامت قد طهرت وتطهرت وذلك لعدم وجود دليل يمنع من ذلك ولأنه إذا جازت الصلاة فجواز الوطء من باب أولى إذ أن اجتناب الوطء ليس أعظم من اجتناب الصلاة وقد ذكر أهل العلم أنه ربما تكون المرأة ليست ذات نفاس بمعنى أن تلد ولا يظهر منها دم وكنت أظن أن هذا من الأمور الفرضية إلا أن هذا أمر واقع فقد حصل هذا قبل نحو عشرة أيام حيث سُئلت عن امرأة ولدت ولم يحصل منها دم وكانت ولادتها في المستشفى فلا أدري هل عُمِلَ لها عملية ولم يحصل لها نزيف أو أنها ولدت هكذا طبيعة على كل حال الولادة التي ليس فيها دم ليس لها نفاس وتصلى المرأة من حينها والتي لها دم متى طهرت منه تغتسل وتصلى سواء قبل الأربعين أو في الأربعين أو بعدها بأيام إذا لم يصل الدم إلى حد الاستحاضة. فضيلة الشيخ: لو انتهت الأربعين والمرأة لم تطهر فهي لا تصلى أيضًا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا تصلى لكن المشهور من المذهب أن ما خرج عن الأربعين إن وافق عادة الحيض فهو حيض وإن لم يوافق فهو استحاضة والصحيح أنه يُجلَسُ له سواء وافق عادة الحيض أم لا لأن بعض النساء قد تزيد على الأربعين إلا إذا استمر معها وعرفت أنه استحاضة فيكون استحاضة فتغتسل وتصلى وإذا دارت عادتها تجلس ولا تصلى. ***
أحسن الله إليكم وبارك فيكم السائل سالم أبو سامي يقول في قريتنا عادة بأنه إذا ولدت المرأة أنها تجلس أربعين يومًا نفاس لا تصلى ولا تصوم رغم أن كثيرًا من النساء تطهر قبل الأربعين فنرجو من فضيلة الشيخ أن يوضح للأخوات ماذا على المرأة أن تعمل وكم أقل أيام النفاس؟ فأجاب رحمه الله تعالى: النفاس لا حد لأقله قد يكون النفاس يومًا واحدًا بل ذكر بعض الفقهاء ﵏ أن المرأة قد تلد بلا دم فالتي تلد بلا دم ليس عليها نفاس من حين أن تضع وينقطع الدم تغتسل وتصلى ولا تغتسل أيضًا إذا لم يكن يخرج دم تتوضأ وتصلى فإن خرج منها دم فهو نفاس ولا حد لأقله ربما يكون يومًا أو يومين أو ثلاثة أو خمسة أو عشرة وربما يصل إلى أربعين لكن متى طهرت قبل الأربعين وجب عليها أن تغتسل وتصلى ولها أن تفعل كل ما يفعله الطاهرات ومن ذلك أن يجامعها زوجها فإن جماع زوجها لها في الأربعين بعد الطهر لا بأس به وإذا كانت الصلاة تجوز فالجماع من باب أولى فإن زادت على أربعين فإن وافقت هذه الزيادة أيام حيضها في العادة فهو حيض وإن لم يوافق عادة فقال بعض أهل العلم أنه دم فساد ويجب عليها أن تغتسل وتصلى ولو كان الدم يجري وقال آخرون لا ما دام الدم باقيًا على ما هو عليه قبل الأربعين فلتستمر إلى الستين وهذا مذهب الشافعي واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀ بل أظنه قال أنه قد يكون سبعين يومًا وعلى كل حال متى كان الدم بحاله أي على ما هو عليه قبل الأربعين فإنها تبقى إلى الستين فإن طهرت قبل ذلك اغتسلت وصلت. ***
هل يصح أن تصلى المرأة إذا طهرت قبل تمام الأربعين يومًا بعد الوضع وهل يجوز للزوج أن يعاشرها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا طهرت المرأة النفساء قبل تمام الأربعين فإن حكمها حكم الطاهرات من كل وجه فيجب عليها أن تصلى ويجب عليها أن تصوم إن كان ذلك في رمضان ويصح منها الصوم ويجوز لزوجها أن يجامعها ولو قبل تمام الأربعين لأنه إذا جازت الصلاة فالجماع من باب أولى وكراهة بعض أهل العلم لذلك ليس عليها دليل والأصل أن النفاس أذى كالحيض فإذا زال هذا الأذى وطهرت منه المرأة حل لزوجها أن يجامعها كما لو طهرت من الحيض ولهذا لو كانت المرأة من عادتها أن تحيض لسبعة أيام وطهرت في خمسة أيام فإنه يجب عليها أن تصلى وأن تصوم إن كانت في رمضان ولزوجها أن يجامعها وإن كانت أيام عادتها سبعة أيام وقد طهرت قبل العادة بيومين. ***
عبد الله المصري من اليمن صعدة يقول أسأل عن مسألة قراءة القرآن والمكث في المسجد بالنسبة للحائض والجنب واستماع الذكر في المسجد حيث قد ورد بعض الأحاديث والأخبار منها حديث عائشة ﵂: (قال لها النبي ﷺ ليست الحيضة في يدك) وحديث (اعملي ما يعمل الحاج) ولم يقل لا تدخلي المسجد الحرام (وكان رسول الله ﷺ يتكئ في حجرها) وأيضًا (كان الرسول ﷺ يذكر الله في كل أحيانه) و(كان أصحابه ينامون في المسجد ويجنبون فيه) نأمل إيضاح هذه الأدلة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما بالنسبة للمكث في المسجد فالحائض لا يحل لها أن تمكث لا بوضوء ولا بغير وضوء دليل ذلك (أن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم منع عائشة من الطواف في البيت) لأن الطواف مكث وأما حديث الخمرة فإن إحضار الخمرة من المسجد ليس مكث في المسجد بل هو مرور فيه ويجوز للحائض أن تمر في المسجد إذا أمنت تلويثه وأما الجنب فلا يحل له أن يمكث في المسجد إلا بوضوء والصحابة الذين ينامون في المسجد لنا أن نقول من قال لك أنهم يجنبون ثم إذا أجنبوا ولم يستيقظوا فالنائم لا إثم عليه وإن استيقظوا كفاهم الوضوء لأن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ أما قراءة القرآن فالجنب لا يحل له أن يقرأ القرآن حتى يغتسل والحائض يجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة فالحاجة مثل أن تقرأ القرآن لكي لا تنساه أو تقرأ القرآن تعلم ابنتها أو ما أشبه ذلك أو تقرأ القرآن لأنها مدرِّسة تدرس البنات أو تقرأ القرآن لأنها طالبة تريد أن تسمع المعلمة كل هذا لا بأس به وأما أن تقرأه تعبدًا فالاحتياط ألا تفعل لأن جمهور العلماء على منعها من قراءة القرآن وهي ليست بحاجة إلى ذلك فإذا قرأت القرآن للتعبد بتلك التلاوة كانت دائرة بين الإثم والأجر آثمة عند بعض العلماء مأجورة عند آخرين والسلامة أسلم والخلاصة أن الجنب يجوز أن يمكث في المسجد إذا توضأ لكن لا يحل له أن يقرأ القرآن أبدًا لأن الأمر بيده يغتسل ويقرأ القرآن أما الحائض فلا يجوز أن تمكث في المسجد أبدًا ويجوز أن تمر به عابرة الحائض ويجوز أن تقرأ القرآن لحاجة أو مصلحة. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أن تذهب إلى المسجد إذ يوجد بالمسجد حلقات لتحفيظ القرآن وقد سألت عدد من العلماء فمنهم من جوز ذلك ومنهم من حرمه؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض لا يجوز لها أن تمكث في المسجد فأما مرورها بالمسجد فلا بأس به بشرط أن تأمن تنجيس المسجد مما يخرج منها من الدم وإذا كان لا يجوز لها أن تبقى في المسجد فإنه لا يحل لها أن تذهب لتستمع إلى حلق الذكر وقراءة القرآن إلا أن يكون هناك موضع خارج المسجد يصل إليه الصوت بواسطة مكبر الصوت فهذا لا بأس به أي لا بأس أن تستمع المرأة إلى الذكر وقراءة القرآن كما ثبت عن النبي ﵊ (أنه كان يتكئ في حجر عائشة فيقرأ القرآن وهي حائض) وأما أن تذهب إلى المسجد لتمكث فيه لاستماع هذه الأذكار أو القراءة فإن ذلك لا يجوز ولهذا لما أبلغ النبي ﵊ في حجة الوداع أن صفية كانت حائض (قال أحابستنا هي) ظن ﷺ أنها لم تطف طواف الإفاضة فقال (إنها قد أفاضت) وهذا يدل على أنه لا يجوز المكث في المسجد ولو للعبادة. ***
المرسلة ن م م من كركوك في العراق تقول يقولون إن الفتاة في وقت الحيض يجب ألا تزور الأماكن المقدسة والمقبرة والبعض يقول إن الفتاة تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة بينما المرأة المتزوجة لا تستطيع أن تزور الأماكن المقدسة والمقبرة أرشدونا إلى الصواب؟ فأجاب رحمه الله تعالى: أما الحائض فلا يجوز لها أن تمكث في المسجد ويجوز لها أن تعبر المسجد عبورًا بشرط أن تأمن تلويثه وأما البقاء فيه فلا يجوز هذا بالنسبة للمساجد سواء المساجد الثلاثة الحرام ومسجد النبي ﷺ والمسجد الأقصى أو غير المساجد الثلاثة من مساجد المسلمين لا يجوز لها أن تبقى فيها وهي على حيضها وأما زيارة القبور فإن الصواب فيها تحريمها على المرأة إذا خرجت من بيتها لقصد زيارة المقبرة وأما إذا عَرَّجَت على المقبرة وهي في سيرها وممشاها ووقفت وسلمت على أهل القبور فلا حرج عليها في ذلك وإنما المحرم أن تخرج قاصدة لهذا الأمر ولا فرق بين أن تكون حائضًا أم غير حائض مزوجة أم غير مزوجة. ***
ما حكم قراءة القرآن للحائض إذا كانت لم تقرأ في فترة الحيض تكاسلًا منها؟ فأجاب رحمه الله تعالى: قراءة الحائض القرآن فيها للعلماء قولان القول الأول أنه لا يجوز لا تعبدًا بالتلاوة ولا من أجل الأوراد ولا من أجل التعليم ولا من أجل التعلم وهذا هو المشهور من المذهب عند الحنابلة ﵏ القول الثاني أن ذلك جائز مطلقًا سواءٌ قرأت القرآن للتعبد أو للأوراد أو للتعلم أو للتعليم لأنه ليس في السنة حديثٌ صحيحٌ صريح يمنعها من ذلك وأرى القول الوسط في هذا أن يقال إن قرأته تعبدًا بالتلاوة فلا تقرأه لأنه إذا قرأته حينئذٍ فقد وقعت في الشبهات نظرًا لاختلاف العلماء وأما إذا كان لحاجة مثل أن تخاف من نسيانه أو تقرأ الأوراد كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين من البقرة والإخلاص والفلق والناس فهذا لا بأس به وكذلك لو كانت تعلِّم فلا بأس أن تقرأ القرآن سواء كانت تعلِّم في المدرسة أو تعلِّم أبنائها أو بناتها وكذلك إذا كانت تتعلم فلا بأس لأن هذا حاجةٌ ملحةٌ في وقت الحيض وأما تلاوة التعبد فأمامها أيام الطهر تتعبد لله تعالى بقراءة القرآن فيها فصار الحكم إذًا إن كان هناك حاجة قرأت وإن لم تكن حاجة فلا تقرأ. ***
حكم قراءة القرآن غيبًا عن ظهر قلب بالنسبة للحائض طلبا للأجر أو للرقية الشرعية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: المرأة الحائض إذا قرأت القرآن لغرض سوى مجرد التلاوة فلا بأس فإذا قرأت القرآن للاستشفاء به أو للأوراد التي كانت تقرأه من أجلها أو للتعليم أو للتعلم فلا بأس بذلك لأنها تقرأه لسبب وأما إذا كانت تقرأه لمجرد التعبد فلا تقرأه وذلك لأن كثير من العلماء قال إن قراءتها في هذه الحال محرمة أي في حالة كونها حائض، ومن العلماء من رخص في قراءة الحائض القرآن مطلقًا وقالوا إن القرآن ذكر ولم يرد عن النبي ﷺ في حديث صحيح أن الحائض لا تقرأ القرآن فإذا جاز لها الذكر بالإجماع فالقرآن من الذكر لكن من باب الاحتياط نقول إن احتاجت لقراءة القرآن من أجل أنه وِرْد أو من أجل أن تعلِّم غيرها أو أن تتعلم فهذا لا بأس بقراءتها إياه وإن كان لمجرد التلاوة وحصول الأجر فلا تقرأه. ***
تعودت منذ صغري المواظبة على تلاوة سورة الملك كل ليلة فهل تصح تلاوتها عند الابتلاء بالعذر الشهري؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ينبني على اختلاف العلماء ﵏ في قراءة الحائض للقرآن فإن العلماء اختلفوا في جواز قراءة الحائض للقرآن فمنهم من أجاز ذلك بناءً على الأصل وعلى النصوص الدالة على فضيلة قراءة القرآن ومنهم من منع ذلك أي منع الحائض من قراءة القرآن لأحاديث وردت في ذلك ولكن ليس هناك أحاديث صحيحة صريحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن وعلى هذا فيكون الأصل أن قراءة الحائض للقرآن جائزة ولكن نظرًا لورود أحاديث وإن كان فيها مقال في منعها من القراءة أرى ألا تقرأ المرأة القرآن إلا لحاجة مثل أن تخشى نسيانها أو تكون معلمة أو متعلمة أو تقرأ الأوراد التي كانت تعتاد قراءتها أما إذا قرأت القرآن لمجرد التلاوة والأجر فإن الأولى ألا تقرأ نظرًا للأحاديث الواردة في ذلك واتقاء لخلاف أهل العلم وهذا قول وسط لا يمنعها مطلقًا ولا يرخص لها مطلقًا. ***
السائلة ن. ن. من الجمهورية العراقية أربيل تقول هل أستطيع أن أستمر في قراءة وحفظ القرآن في فترة الحيض وبدون أن ألمس القرآن؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم تستطيع ذلك لأن هذا حاجة وقراءة الحائض للقرآن إذا كانت لحاجة فلا بأس بها لأنه ليس في السنة نصوص صرحية صحيحة تدل على منع الحائض من قراءة القرآن فإذا احتاجت إلى ذلك للحفظ أو للتحفيظ أو للورد ليلًا أو نهارًا فلا حرج عليها في قراءة القرآن أما إذا لم تحتج فإن الأولى ألا تقرأ القرآن مراعاة لخلاف أكثر أهل العلم. ***
ما حكم الشرع في نظركم في قراءة القرآن بالنسبة للمرأة وهي حائض إذا كان هناك ضرورة كامتحان أو مرض أو غير ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: لا حرج على المرأة أن تقرأ القرآن للحاجة أو المصلحة فمثال الحاجة ما تقرأه المرأة من الأوراد القرآنية كآية الكرسي والمعوذتين وكذلك ما تقرأه الطالبة من أجل الامتحان أو غير ذلك ولا بأس أيضًا أن تقرأ القرآن لمصلحة كالمرأة التي تلقن أبناءها أو بناتها وكالمدرِّسة تلقن البنات وذلك لأنه لم يكن في السنة أحاديث صحيحة صريحة تمنع الحائض من قراءة القرآن أما إذا كانت قراءة الحائض للقرآن لمجرد التعبد به فإن الأولى ألا تفعل لأن كثير من أهل العلم قالوا بتحريم قراءة القرآن للمرأة الحائض فهي إذا تركت القرآن فهي سالمة ولكن إن قرأت القرآن فأمرها على خطر دائر بين الغُنم وبين الإثم والسلامة أولى وخلاصة القول أن قراءة الحائض للقرآن لحاجة أو مصلحة لا بأس بها أما إذا كان لمجرد التعبد بذلك فإن الأولى ألا تقرأ. ***
إذا طلبت مني المعلمة تلاوة القران الكريم وأنا في حالة الحيض ففعلت ذلك علمًا بأن ذلك الوقت لم يكن اختبار فما حكم ما فعلت؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يرى بعض أهل العلم أن الحائض لها أن تقرأ القرآن لأن الأحاديث الواردة في منع الحائض من قراءة القران ضعيفة ويرى آخرون أن المرأة الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن ويستدلون بهذه الأحاديث والذي أرى أن المرأة الحائض لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند الحاجة لذلك فمن الحاجة أن تخاف نسيانه ومن الحاجة أن تقرأ الأوراد التي تقرأ في أول النهار وآخره ومن الحاجة أن تدرس أولادها ومن الحاجة أن تدرس البنات ومن الحاجة أن يكون ذلك في زمن الاختبار والمهم أنه مع الحاجة لا شك في الجواز أما ماعدا الحاجة فالأولى ألا تقرأ القرآن فإذا أمرتها المدرِّسة أن تقرأ القرآن وعليها العادة فإنها تقول للمدرِّسة أنا في حال أحب ألا أقرأ القرآن فيها وتبين للمدرِّسة ظروفها حتى تعذرها في ذلك. ***
السائلة ت م ر تقول في يوم من الأيام كان علينا درس تلاوة قرآن فجاءها الحيض فقال لها البعض يجوز لك أن تلمسي وتتصفحي القرآن في حالة التعليم فقط وبعضهم قال لا يجوز لك ذلك فما الصواب في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الصواب في ذلك والعلم عند الله ﷿ أنه لا يجوز لمن لم يكن على وضوء أن يمس المصحف إلا بحائل وأما قراءة القرآن للحائض فإنه لا بأس بها إذا كان المقصود التعليم أو التعلم أو أوراد الصباح أو المساء وأما إذا كان قصد الحائض من قراءة القرآن التعبد بذلك فإن فيه خلاف بين العلماء فمنهم من يجيزه ومنهم من لا يجيزه والاحتياط ألا تقرأ للتعبد لأنها إذا قرأت للتعبد دار الأمر بين أن تكون آثمة أو مأجورة ومعلوم أن من الورع أن يترك الإنسان ما يريبه إلى ما لا يريبه. ***
الأخت هناء محمد تقول تعودت على قراءة القرآن الكريم قبل المنام وإذا لم أقرأ أشعر بقلق وخوف فماذا أفعل في أيام الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الصحيح في قراءة الحائض للقرآن أنها إذا احتاجت للقراءة فلا حرج عليها أن تقرأ ما تحتاج إليه فالأوراد القرآنية يجوز للحائض أن تقرأها كأية الكرسي والمعوذات وغيرها مما تكون حرزًا من الشيطان، وكذلك إذا كانت الحائض محتاجة إلى قراءة القرآن لإثبات ما حفظت وترسيخه أو كانت محتاجة للقرآن لكونها طالبة وعليها واجب دراسي أو كانت معلمة تعلم الطالبات أو كانت أُمًّا تُقرئ أولادها في البيت فكل هذا جائز ولا حرج فيه، وذلك لأنه ليس في السنة نص صحيح صريح يمنع الحائض من قراءة القرآن ولكن نظرًا لاختلاف العلماء في ذلك فإننا نقول لا تقرأ القرآن إلا عند الحاجة إليه كما في الأمثلة التي ذكرناها، وبناءً على هذا فنقول إن هذه المرأة التي تحتاج إلى قراءة القرآن لتطمئن وتنام مستريحة لا حرج عليها أن تقرأ القرآن عند النوم لأن ذلك حاجة. ***
سائلة تقول ما حكم التلفظ بآيات من القرآن الكريم شفهيًّا عند النوم أو غير ذلك وهي على جنابة أو حيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: إذا كان الإنسان على جنابة فإنه لا يقرأ القرآن إلا إذا اغتسل لكن لو دعى بأدعية من القرآن قاصدًا الدعاء دون التلاوة فلا بأس مثل لو قال (رَبَّنَا لا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهَّابُ) (رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ) (رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًاّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ) وهو يريد بذلك الدعاء دون التلاوة فلا حرج. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أن تقرأ القرآن من المصحف وما صحة هذا الحديث (ليست حيضتك بيدك) ؟ فأجاب رحمه الله تعالى: اختلف العلماء ﵏ هل يجوز للمرأة أن تقرأ القرآن إذا كانت حائضًا فمنهم من منع ذلك وقال لا يحل لها أن تقرأ شيئًا من القرآن إلا ما جاء به من الذكر الموافق للقرآن كما لو قالت (بسم الله الرحمن الرحيم) تريد التسمية لا للتلاوة أو قالت (الحمد لله رب العالمين) تريد الثناء على الله دون التلاوة أو قالت (إن لله وإنا إليه راجعون) لمصيبة أصابتها تريد الاسترجاع دون التلاوة فإن هذا لا بأس به ومنهم من قال إن الحائض يحل لها أن تقرأ القرآن وذلك لأنه لم ترد عن النبي ﷺ سنة صحيحة صريحة في منع الحائض من القراءة والأصل الجواز حتى يقوم دليل على المنع وهذا بخلاف الجنب فإن الجنب لا يحل له أن يقرأ شيئًا من القرآن والفرق بينه وبين الحائض أن الحائض تطول مدتها في حيضتها ولا يمكنها أن تتطهر منها بخلاف الجنب فإن الجنب يمكنه أن يتطهر في ساعته فلهذا يمنع من قراءة القرآن حتى يغتسل وأما الحائض فلا تمنع من قراءة القرآن وهذان قولان متقابلان أعني القول بالمنع مطلقًا والقول بالإباحة مطلقًا ولكن الأحوط فيما نرى ألا تقرأ شيئًا من القرآن إلا ما احتاجت إلى قراءته مثل أن تخشى نسيان القرآن فتقرأه خوفًا من ذلك ومثل أن يكون لها أوراد من القرآن صباحية أو مسائية فتقرأ هذه الأوراد ومثل أن تكون معلمة تحتاج إلى تعليم البنات أو متعلمة تحتاج إلى إسماع المعلمة القرآن فهذا لا بأس به ولكن مع ذلك لا تقرأ بالمصحف إلا من وراء حائل لأن القول الراجح أنه لا يجوز مس المصحف إلا والإنسان على وضوء وعليه أي على هذا القول الذي رأينا أنه أقرب إلى الصواب تقرأ الحائض ما تحتاج إلى قراءته من كتاب الله ﷿ ولكنها تقرأه إما عن ظهر قلب وإما بالمصحف مع حائل من منديل أو قفاز أو نحوه. ***
عندما أكون في مدة الحيض هل يجوز لي أن أقراء المعوذتين وآية الكرسي والفاتحة في الصباح والمساء لرد العين لأنني أفعل ذلك دائما شفويًّا وكذلك وأنا نفساء؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز للمرأة الحائض والنفساء أن تقرأ ما تحتاج إلى قراءته من القرآن مثل آيات الورد آية الكرسي و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وكذلك لو احتاجت إلى قراءة القرآن لتعليم بناتها أو أبنائها أو احتاجت لقراءة القرآن لكونها قد كلفت بحفظ شيء منه فتحتاج إلى تعاهده والمهم أن قراءة القرآن للحائض والنفساء إذا احتاجت إليه فلا بأس وإن لم تحتاج فالاحتياط ألا تقراء القرآن لأن كثيرا من أهل العلم يقولون إن الحائض يحرم عليها قراءة القرآن. ***
هل يجوز للحائض أن تقرأ القرآن من التفسير لأنها تخاف أن تنسى ما حفظته إن لم تداوم على القراءة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تقرأ القرآن من التفسير وغير التفسير إذا كانت تخشى أن تنسى ما حفظته فإن كان من التفسير لم يشترط أن تكون على طهارة وإن كان من غير التفسير بأن يكون من المصحف فلا بد أن تجعل بينها وبينه حائل من منديل أو قفاز أو نحوه لأن المرأة الحائض وكذلك من لم يكن على طهارة لا يحل له أن يمس المصحف. ***
أم محمد تسأل ما حكم قراءة المرأة الحائض للآيات القرآنية التي ترد في الشروح الموضحة ببعض الكتب التي تقرأ فيها للعلم والتثقيف الديني كقصص الأنبياء مثلًا وقد تكتب أية أو تقرأها خلال كتابتها فما الحكم في ذلك؟ فأجاب رحمه الله تعالى: القول الراجح أن الحائض لها أن تقرأ القرآن إذا احتاجت إلى ذلك مثل أن تكون معلمة تحتاج إلى قراءته لتعليم الطالبات أو أن تكون دارسة تحتاج إلى قراءته لإسماعه للمعلمات أو تقرأ القرآن للتحرز به والتحصن به كآية الكرسي والآيتين الأخيرتين في سورة البقرة و(قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ) و(قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ) وما أشبه ذلك من الأشياء التي تحتاج إليها لتقرأها وذلك لأنه ليس في منع الحائض من قراءة القرآن نصوص صريحة صحيحة لكن نظرًا لأن أكثر أهل العلم يرون أن الحائض لا يحل لها أن تقرأ القرآن نقول أمسكي عن قراءة القرآن إلا فيما تحتاجين إليه هذا هو القول الراجح في هذه المسألة أن ما تحتاج إليه المرأة الحائض تقراءه وما لا تحتاج إليه فالأولى الإمساك عنه. ***
هل يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن الكريم وهي حائض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: يجوز للمرأة أن تستمع إلى قراءة القرآن وهي حائض فقد ثبت عن عائشة ﵂ (أن النبي ﷺ كان يتكأ في حجرها ويقرأ القرآن وهي حائض ﵂ . ***
السائلة منار ن. أ. ج. تقول سمعت بأن المرأة الحائض عند سماعها الآذان لا يجوز لها أن تقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمد رسول الله فهل هذا صحيح؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا ليس بصحيح المرأة الحائض والجنب يجوز لهما ذكر الله ﷿ قالت عائشة ﵂ (كان النبي ﷺ يذكر الله على كل أحيانه) وأما قراءة القرآن فهي للجنب حرام حتى يغتسل وأما الحائض فلها أن تقرأ من القرآن ما تحتاج إليه لتعليم أو تعلم أو تعاهد حفظ أو أوراد وأما ما لا تحتاج إليه فالأولى ألا تقرأه لأنه قد وردت أحاديث فيها مقال تدل على منع الحائض من القرآن فمن أجل هذه الأحاديث نقول الأولى ألا تقرأ القرآن إلا ما دعت الحاجة إليه. ***
هل يجوز للمرأة الحائض أو النفساء لمس الكتب أو المجلات التي قد تشتمل على آياتٍ قرآنية وأحاديث نبوية قياسًا على تحريم لمس المصحف؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الجواب لا يحرم عليها ولا على الجنب ولا على غير المتوضئ أن يمس شيئًا من الكتب أو المجلات فيه أحاديث أو فيه شيء من كلام الله ﷿ لأن ذلك ليس بمصحف. ***
الحائض إذا خرجت من بيتها في زيارة لبعض الصديقات ولبست إحدى فساتينها الخاصة بالزيارة وبعد عودتها خلعت هذا الفستان ثم بعد أن تطهرت لبسته مرةً أخرى وهي لا تزال عليها العادة فهل يصبح هذا الثوب نجسًا أم لا؟ فأجاب رحمه الله تعالى: هذا الثوب لا يصبح نجسًا إلا إذا أصابه الدم دم الحيض وإذا أصابه الدم فإنها تغسل الدم كما أمر النبي ﷺ حين سئل عن دم الحيض يصيب الثوب فقال النبي ﷺ (تحته ثم تقرصه بالماء ثم تنضحه ثم تصلى فيه أو قال ثم تغسله ثم تصلى فيه) وهذا الفستان الذي لبست إذا لم يصيبه الدم فهو طاهرٌ تجوز الصلاة به وإن أصابه الدم غسل الدم ثم صلت به. ***
سائلة تقول هل عليّ أن اغسل كل الملابس التي استعملت في فترة الحيض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: ليس عليها أن تغسل الملابس التي استعملتها في فترة الحيض ولكن إن أصاب الدم شيئًا منها فإنها تغسل ما أصابه الدم فقط وتصلى في هذه الثياب وذلك لأن بدن الحائض طاهر وعرقها طاهر كما كان النبي ﵊ (يأمر عائشة أن تتزر وهي حائض ويباشرها) . ***
كيف يكون الاغتسال من الحيض بالنسبة للمرأة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: الاغتسال من الحيض هو أن المرأة تتنظف من آثار الدم ثم تتوضأ كما تتوضأ للصلاة ثم تفيض الماء على رأسها ثلاثة مرات ثم تغسل سائر الجسد ويحسن ان تضيف إلى ذلك سدرًا ليكون هذا أنظف وأطيب وأحسن ***
هل يجوز استعمال الشامبو أو الصابون بدل السدر المعروف بالخبط في الغسل عن الحيض أو النفاس لأنه يوجد من الناس من يقول ما يطهر الحائض والنفساء إلا السدر؟ فأجاب رحمه الله تعالى: السدر ليس بلازم في الطهارة من الحيض أو النفاس وتحصل الطاهرة بدونه وإذا تطهرت المرأة بما ينوب عن السدر في التطهير فلا حرج في ذلك. ***
السائلة ضحى من القصيم تقول هل يجوز استخدام الحناء في أثناء الدورة الشهرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا بأس أن تستعمل المرأة الحناء في حال الحيض سواء كان ذلك في الرأس أو كان في اليدين أو في القدمين ولكن يجب أن نعلم أن الحناء من جملة الزينة التي لا يجوز للمرأة أن تبديها لغير من أباح الله لها إبداء الزينة لهم أي أنها لا تبديها للرجال الأجانب فإذا ارادت أن تخرج إلى السوق مثلًا لحاجة فإنه لابد أن تلبس على قدميها جوربين إذا كانت قد حنت قدميها وكذلك بالنسبة للكفين لا بد أن تسترهما مع أن ستر الكفين للمرأة هو المشروع إذا كان حولها رجال أجانب سواء كانت قد حنتهما أم لم تحنهما. ***
المستمعة أ. أ. ب تقول ما حكم استعمال المرأة للحناء في الدورة الشهرية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: استعمال المرأة للحناء في حال الدورة الشهرية أي الحيض لا بأس به ولا حرج فيه كما أن استعمالها له في حال الطهر لا حرج فيه ولا بأس به من المعلوم في حال الطهر أنها إذا وضعت الحناء على رأسها فسوف يكون له جرم يمنع من مباشرة المسح للشعر وهذا لا بأس به ولا يضر لأن النبي ﷺ (كان يلبد رأسه وهو محرم وكان يمسح عليه. ﵊ ولكن يجب على المرأة إذا تحنّت في يديها مثلًا ألا تتعرض للفتنة بإخراج هذه الحناء لأن ذرائع الفتنة ممنوعة كما أن الفتنة نفسها أو ما يدعو إلى الفتنة ممنوع أيضًا. ***
رسالة عن حكم الحناء للحائض حيث بعثت بها الأخت نجاح إبراهيم من مكة المكرمة تقول فيها وضعت أختي حناء في يديها وهي حائض وعندما أصبحت قالت لها والدتي إنه حرام وضع الحناء وهي حائض فهل عليها شيء وما هو حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائض؟ فأجاب رحمه الله تعالى: حكم وضع الحناء إذا كانت المرأة حائضًا الجواز أي أنه يجوز للمرأة أن تضع في يديها الحناء وفي رأسها ولو كانت حائضًا وما أشتهر عند عوام النساء أنه لا يجوز فإن هذا لا أصل له ولا أعلم أحد قال به. ***
هل يجوز للحائض أن تستحم بماء الرقية؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم لا أرى في هذا بأسًا، لأن ماء الرقية ليست به كتابة القرآن وليس به شيء يعتبر محترمًا من القرآن إنما هو ريق القارئ يؤثر بأذن الله عز جل. ***
عندما تحيض المرأة هل يجوز أن تغتسل وتغسل شعرها لأنها لا تحمل القذارة في هذه المدة؟ فأجاب رحمه الله تعالى: نعم يجوز لها أن تتنظف بغسل جسمها وشعرها وغير ذلك بل إذا أصابتها جنابة فإنه يسن لها أن تغتسل وإن كانت لا تستفيد بهذا الغسل شيئًا لأنه لا يمكن أن تصلى وعليها حيض لكن من أجل إزالة أثر الجنابة عنها. ومسألة جنابة المرأة الحائض أخشى أن يفهم أحدٌ من ذلك أن الحائض يجوز مجامعتها وهذا الفهم غير وارد لأن الجنابة قد تأتي المرأة من احتلام والمرأة إذا احتلمت ورأت الماء وجب عليها أن تغتسل كما يجب على الرجل كذلك وأيضًا ربما يكون قد جامعها زوجها قبل أن ترى الحيض ثم يأتيها الحيض قبل أن تغتسل من هذه الجنابة فحينئذٍ نقول لها اغتسلي من هذه الجنابة ولو كان عليك الحيض وكذلك ربما يستمتع الزوج بها وهي في حال الحيض بدون وطء أي بدون الجماع فإن استمتاع الرجل بزوجته حال الحيض بما سوى الفرج جائزٌ فهي في هذه الحال ربما تنزل مع الشهوة ويكون الغسل واجبًا عليها فنقول لها ينبغي أن تغتسل قبل أن تطهر من الحيض إزالةً لهذه الجنابة فهذه ثلاثة صور صورناها يمكن فيها أن تكون المرأة عليها الجنابة وهي حائض. ***
7 / 2