Fatawa Hadithiyya
الفتاوى الحديثية
Publisher
دار الفكر
فَإِن جَعَلْنَاهُ إهانة لما يحصل من عدم التّرْك من الْعَار وَالْمَشَقَّة فَهُوَ نَظِير خلع السَّرَاوِيل لما يحصل فِيهِ من ذَلِك، فَظَاهر أَنه يفعل باليسار، وَلَيْسَ مِمَّا لَا تكرمة فِيهِ وَلَا إهانة حَتَّى يَأْتِي فِيهِ مَا تقرر عَن الزَّرْكَشِيّ، لما عَلِمْتَ أَنه نَظِير خَلْع نَحْو الثَّوْب فِيمَا ذَكرُوهُ فِيهِ، فَالْأَوْجه أَن الدُّخُول من بَاب التكريم وَأَن الْخُرُوج من بَاب الإهانة بِالِاعْتِبَارِ الَّذِي قَرّرته أخذا من كَلَامهم فِي لبس نَحْو الثَّوْب وخلعه إذْ الْمَعْنى الَّذِي لحظوه فِي اللّبْس مَوْجُود فِي دُخُول الدَّار، وَالَّذِي لحظوه فِي الْخلْع مَوْجُود فِي الْخُرُوج كَمَا هُوَ ظَاهر للمتأمل، وَالله ﷾ أعلم. ٥٧ وَسُئِلَ ﵀: مَا حكم تَعْلِيم النِّسَاء الْكِتَابَة فَفِي وسيط الواحدي أول سُورَة النُّور مَا يدل على عدم الِاسْتِحْبَاب هَل هُوَ صَحِيح أَو ضَعِيف؟ فَأجَاب بقوله: هُوَ صَحِيح. فقد روى الْحَاكِم وَصَححهُ عَن الْبَيْهَقِيّ عَن عَائِشَة ﵂ أَن النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا تنزلوهن فِي الغُرف وَلَا تُعلِّموهن الْكِتَابَة) يَعْنِي النِّسَاء (وعلموهن الغَزْل وَسورَة النُّور) أَي لما فِيهَا من الْأَحْكَام الْكَثِيرَة الْمُتَعَلّقَة بِهن الْمُؤَدِّي حفظهَا وَعلمهَا إِلَى غَايَة حفظهن عَن كل فتْنَة وريبة كَمَا هُوَ ظَاهر لمن تدبرها. وروى الْحَكِيم التِّرْمِذِيّ عَن ابْن مَسْعُود ﵁ أَن النَّبي ﷺ قَالَ: (لَا تسكنوا نساءكم الغرف وَلَا تُعَلِّمُوهُنَّ الْكِتَابَة) . وَأخرج التِّرْمِذِيّ الْحَكِيم عَن ابْن مَسْعُود أَيْضا ﵁ أَنه ﷺ قَالَ: (مرّ لُقْمَان على جَارِيَة فِي الكتَّاب فَقَالَ لمن يصقل هَذَا السَّيْف) أَي حَتَّى يذبح بِهِ، وحينئذٍ فَيكون فِيهِ إِشَارَة إِلَى عِلّة النَّهْي عَن الْكِتَابَة، وَهِي أَن الْمَرْأَة إِذا تعلمتها توصلتْ بهَا إِلَى أغراض فَاسِدَة، وَأمكن توصل الفسقة إِلَيْهَا على وَجه أسْرع وأبْلَغْ وأَخْدَعْ من توصلهم إِلَيْهَا بِدُونِ ذَلِك، لِأَن الْإِنْسَان يبلغ بكتابته فِي أغراضه إِلَى غَيره مَا لم يَبْلغه بِرَسُولِهِ، وَلِأَن الْكِتَابَة أخْفى من الرَّسُول فَكَانَت أبلغ فِي الْحِيلَة وأسرع فِي الخِداع والمَكْر، فلأجل ذَلِك صَارَت الْمَرْأَة بعد الْكِتَابَة كالسيف الصَّقِيل الَّذِي لَا يمر على شَيْء إِلَّا قطعه بِسُرْعَة فَكَذَلِك هِيَ بعد الْكِتَابَة، تصير لَا يطْلب مِنْهَا شَيْء إِلَّا كَانَ فِيهَا قابلية إِلَى إجَابَته إِلَيْهِ على أبلغ وَجه وأسرعه، ثمَّ مَا مَرَّ من الْأَحَادِيث يخصص حَدِيث ابْن النجار عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ أَن رَسُول الله ﷺ قَالَ: (إنَّ من حق الْوَلَد على وَالِده أَن يُعلِّمه الْكتاب أَي الْكِتَابَة وأنْ يُحْسِن اسْمه، وَأَن يُزَوِّجه إِذا بلغ) فَقَوله: (أَن يُعلمهُ الْكتاب) أَي الْكِتَابَة خَاص بِالْوَلَدِ الذّكر. وَاعْلَم أَن النَّهْي عَن تَعْلِيم النِّسَاء للكتابة لَا يُنَافِي طلب تعلمهن الْقُرْآن والعلوم والآداب، لِأَن فِي هَذِه مصَالح عَامَّة من غير خَشْية مفاسد تتولد عَلَيْهَا بِخِلَاف الْكِتَابَة، فَإِنَّهُ وَإِن كَانَ فِيهَا مصَالح إِلَّا أَن فِيهَا خشيَة مفْسدَة ودرء الْمَفَاسِد مقدم على جلب الْمصَالح. وَأخرج أَبُو نصر عبد الْكَرِيم الشِّيرَازِيّ فِي (فَوَائده) والديلمي وَابْن النجار عَن عَليّ كرم الله وَجهه أَن النَّبِي ﷺ قَالَ: (أدبوا أَوْلَادكُم على ثَلَاث خِصَال: حُبِّ نَبِيكُم، وحُبِّ أهل بَيته، وَقِرَاءَة الْقُرْآن، فَإِن حَملَة الْقُرْآن فِي ظلّ الله يَوْم لَا ظلّ إِلَّا ظله مَعَ أنبيائه وأصفيائه) . فَإِن قلت: أخرج أَبُو دَاوُد عَن الشِّفَاء بنت عبد الله قَالَت: دخل عليّ النَّبِي ﷺ وَأَنا عِنْد حَفْصَة فَقَالَ لي: (علميها رُقْيَة النملة كَمَا علمتيها الْكِتَابَة) وَهَذَا يدل على تَعْلِيم النِّسَاء الْكِتَابَة. قلت: لَيْسَ فِيهِ دلَالَة على طلب تعليمهن الْكِتَابَة، وَإِنَّمَا فِيهِ دَلِيل على جَوَاز تعليمهن الْكِتَابَة وَنحن نقُول بِهِ وَإِنَّمَا غَايَة الْأَمر فِيهِ أَن النَّهْي عَنهُ تَنْزِيها لما تقرر من الْمَفَاسِد المترتبة عَلَيْهِ، وَالله سُبْحَانَهُ أعلم. ٥٨ وَسُئِلَ: فِيمَن قَالَ: صَاحب الْعباب حَاطِب ليل، هَل يكفر إِذْ يفهم مِنْهُ أَنه مستهزىء بِهِ؟ فَأجَاب بقوله: لَا كفر بذلك إِلَّا إِن قصد الِاسْتِهْزَاء بِالْعلمِ من حَيْثُ كَونه علما، فَإِن ذَلِك حينئذٍ كفر كَمَا صَرَّحُوا بِهِ فِي قَوْلهم لَو قَالَ: قَصْعةُ ثرَيد خيرُ مَن الْعلم كُفرْ، وَأما إِذا لم يقْصد فَلَا كفر يلْحقهُ، وَإِنَّمَا الَّذِي يلْحقهُ الذَّم الشَّديد، وَالْوَصْف الْمشعر بِأَنَّهُ جَبَّار عنيد أَو شَيْطَان مُرِيد، فَإِن صُدُور هَذِه الْمقَالة الشنيعة مِنْهُ يدل إِمَّا على جَهله بِمِقْدَار الْكتاب، وَمَا حواه من نُصُوص الشَّافِعِي ﵁ وَالْأَصْحَاب الَّتِي لَا تُوجد فِي غَيره كجمعها فِيهِ، وَلَا يعلم بِمِقْدَار صَنِيعه وَحسنه وجميله إِلَّا مَنْ أحَاط بقوادمه وخوافيه وَإِمَّا على حَسَده وَالْكتاب حقيق بذلك فَإِنَّهُ لَا يُحْسد إِلَّا كَامِل وَلَا تشمئز نفوس القاصرين الخبيثة إِلَّا من ذَوي الْمَعَالِي والفضائل وَقد قيل: وَلَا خلاك الدَهْر من حَاسِد فإنَّ خير النَّاس مَنْ يُحْسد وَهَذَا الْكتاب من خير الْكتب لاشْتِمَاله على الْجمع الْكثير مَعَ التَّنْقِيح والتحرير فرحم الله مُؤَلفه رَحْمَة وَاسِعَة
1 / 62