Fatawa and Consultations of Islam Today
فتاوى واستشارات الإسلام اليوم
Publisher
موقع الإسلام اليوم
Genres
ومثلها (النعاس) في قوله تعالى: "ثُمّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مّن بَعْدِ الْغَمّ أَمَنَةً نّعَاسًا يَغْشَىَ طَائِفَةً مّنْكُمْ" [آل عمران:١٥٤] . فليس النعاس بالمثل جسمًا ماديًا ليصح وصفه بالنزول الحسي، وإنما يصح التمثيل بالمطر ينقذ الأرض العطشى خاصة مع العدول عن التعبير بفعل الإنزال إلى التصوير بالتغشية في قوله تعالى: "إِذْ يُغَشّيكُمُ النّعَاسَ أَمَنَةً مّنْهُ وَيُنَزّلُ عَلَيْكُم مّن السّمَاءِ مَاءًَ" [الأنفال:١١]، فتأمل الجناس بين النزول المعنوي للنعاس، والحسي للمطر بجامع النصرة والتثبيت، وكأن وقوع النعاس بما صاحبه من زوال الخوف غيثًا أحاط بهم فأزال خوفهم من الهلاك، ومثله قوله تعالى: "وَأَنزَلَ اللهُ عَلَيْكَ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَم وَكَانَ فَضْلُ اللهِ عَلَيْكَ عَظِيمًاُ" [النساء: ١١٣] . فليست الحكمة جسما لتنزل حسيًا، ولم ينزل الكتاب صفحات ورقية؛ وإنما الإنزال بيانًا للفضل ويفسره التعليم.
وفي وصف بعثة النبيين ﵈ أجمعين- في قوله تعالى: "كَانَ النّاسُ أُمّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النّبِيّينَ مُبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ وَأَنزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقّ" [البقرة: ٢١٣]، لا تدل المعية بنزول الكتاب معهم على هبوطهم من السماء، وإنما فعل البعث يصرف (الإنزال) إلى التصوير تشريفًا لهم وبيانًا لوحدة الرسالة لتوحيد الكتاب، ومثله قوله تعالى: "فَالّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتّبَعُواْ النّورَ الّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ" [الأعراف: ١٥٧] .
1 / 77