Fatāwā al-ṣalāh
فتاوى الصلاة
Editor
عبد المعطى عبد المقصود محمد
Publisher
مكتب حميدو
ليست من العدوان؟ وحينئذ فيقال: الدعاء المستحب هو الدعاء المشروع، فإن الاستحباب إنما يتلقى من الشارع فما لم يشرعه لا يكون مستحباً، بل يكون شرع من الدين ما لم يأذن به الله، فإن الدعاء من أعظم الدين، لكن إذا دعا بدعاء لم يعلم أنه مستحب، أو علم أنه جائز غير مستحب: لم تبطل صلاته بذلك؛ فإن الصلاة إنما تبطل بكلام الآدميين، والدعاء ليس من جنس كلام الآدميين؛ بل هو كما لو أثنى على الله بثناء لم يشرع له؛ وقد وجد مثل هذا من بعض الصحابة على عهد النبي ﷺ، ولم ينكر عليه كونه أثنى ثناءاً لم يشرع له في ذلك المكان، بل نفى ماله فيه من الأجر. ومن الدعاء ما يكون مكروهاً ولا تبطل به الصلاة، ومنه ما تبطل به الصلاة، فالدعاء خمسة أقسام:
الذي يشرع هو الواجب المستحب. وأما المباح فلا يستحب، ولا يبطل الصلاة. والمكروه يكره ولا يبطلها، كالالتفات في الصلاة(٢٢)، وكما لو تشهد في القيام(٢٣)، أو قرأ في القعود(٢٣). والمحرم يبطلها؛ لأنه من الكلام. وهذا تحقيق قول أحمد، فإنه لم يبطل الصلاة بالدعاء غير المأثور؛ لكنه لم يستحبه؛ إذ لا يستحب غير المشروع، وبين أن التخيير عاد إلى المشروع، والمشروع يكون بلفظ النص وبمعناه، إذا لم يقيد النبي ﷺ الدعاء بلفظ واحد، كالقراءة.
ولهذا لما كانت صلاة الجنازة مقصودها الدعاء لم يوقت فيها وقتاً، ولما كان الذكر أفضل كان أقرب إلى التوقيت، كالأذان والتلبية ونحو ذلك.
فأما قول الجد - رحمه الله - إلا بما ورد في الأخبار، وبما يرجع إلى أمر دينه. ففيه نظر؛ فإن أحمد لم يذكر إلا الأخبار، وأيضاً فالدعاء بمصالح الدنيا جائز، فإنه مشروع، والدعاء ببعض أمور الدين قد يكون من العدوان، كما ذكر عن الصحابة، وكما لو سأل منازل الأنبياء. فالأجود أن يقال: إلا بالدعاء المشروع المسنون، وهو ما وردت به الأخبار، وما كان في معناه؛ لأن ذلك لم يوجب علينا التعبد بلفظه، كالقرآن.
(٢٢) الالتفات في الصلاة اختلاس يختلسه الشيطان.
(٢٣) إن فعل ذلك ناسياً لا تبطل وإن كان متعمداً فيبطل الصلاة.
138