فتاوى في المسح على الخفين
مقدمة الكتاب
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي سهل طريق العبادة، ورفع الحرج عن أهل الأعذار للوصول إلى طريق السعادة، ووفق الصالحين من الخلق لامتثال ما أحبه وأراده. أحمده وأشكره، وأرجو على شكره الزيادة، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأؤمل الوفاة على هذه الشهادة، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه الذين جاهدوا في الله حق جهاده، وسلم تسليما كثيرا
أما بعد:
فقد رغب إلي بعض الإخوة الصالحين -ولا نزكي على الله أحدًا- أن أجيب على أسئلة مهمة تتعلق بالمسح على الخفاف والجوارب، وما يلحق بها، فأجبته إلى ذلك رجاء أن ينفع الله بها، وذلك لكثرة الخطأ فيها، ووقوع التساهل من كثير من الناس فيما يتعلق بالمسح، مع أن العلماء رحمهم الله تعالى قد كفوا غيرهم، وأولوا هذا الموضوع اهتمامًا كبيرًا، ولكن كلامهم في أثناء كتب الفقه، وهو بأسلوب علمي، قد لا يفهمه العامة، فكان من الأولى إفراد الموضوع بكتابة تطبع في رسالة مفردة، يسهل حملها مع الراكب والنازل، وتوزع على العاملين في مكاتبهم، وأماكن تجمعهم، رجاء أن يتنبهوا إلى ما يقعون فيه من الخطأ الذي قد يوقع في إبطال الطهارة، ثم إبطال الصلاة، وحيث إن الكثير من هذه المسائل يوجد فيها اختلاف قديم وحديث بين المشايخ والفقهاء، فإني أختار ما ترجح عندي بالدليل أو النظر، مستشهدًا بكلام العلماء الذين قد أولوا هذا الموضوع عناية واهتمامًا، فإنهم قدوة لمن بعدهم، فقد شهد لهم من بعدهم بالعلم والإدراك، وقوة الفهم، وسعة الاطلاع، بحيث بذلوا وسعهم في البحث عن المسائل والوقائع والأدلة، واستنبطوا من النصوص الفوائد، وطبقوا عليها الوقائع فجزاهم الله أحسن الجزاء، وأعظم أجرهم.
1 / 1
ثم إن الإخوة قد صاغوا أسئلة تتعلق بالمسح على الحوائل من الخفاف والجوارب، والعمامة والجبيرة، ونحوها، وقد أجبت على تلك الأسئلة، وأحيانًا أعدت صياغتها، ورتبتها حسب ترتيب الفقهاء مسائل هذا الباب في كتب الفقه، وأشهرها عند فقهاء هذه البلاد كتاب "المقنع" لابن قدامة ﵀، فقد سار من بعده من الحنابلة على ترتيبه غالبًا، واشتهر من الشروح كتاب "الروض المربع"، شرح مختصر المقنع، وهو أكثر الشروح تداولًا بين الطلاب والعلماء، فحرصت على السير على ترتيب مسائله حسب القدرة، وهذا ما وصل إليه الاجتهاد، ولكل مجتهد نصيب، والله المسؤول أن يعم بنفعه المسلمين، وأن يتقبله، وأن يرزقنا الاحتساب لما عنده من الثواب، وأن يجزل الأجر لعلماء الأمة الإسلامية إنه على كل شيء قدير، وصلى الله على محمد وآله وصحبه وسلم.
عبد الله بن عبد الرحمن بن عبد الله الجبرين
بسم الله الرحمن الرحيم
فضيلة الشيخ الوالد عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين
حفظه الله ورعاه
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد:
فأسأل الله لكم التوفيق والعون والسداد وأن يجعل بذلكم للعلم في ميزان حسناتكم.
أيها الشيخ الكريم، كثر السؤال أخيرًا عن مسائل في الخفين وفي العمامة والجبيرة، بالنسبة للمريض والمقيم والمسافر، فأشكلت على الناس كثرة هذه الأسئلة مع أن بعضها غالبًا يرجع إلى بعض، وأشكلت على بعض طلاب العلم تكرر الأسئلة بصيغ مختلفة، مع أن المضمون واحد في كثير من الأحيان؛ لذا رأيت -فضيلة الشيخ-جمع فتاوى في المسح في كتيب للأسباب التالية:
أولًا: أنه لم يصدر كتيب أو كتاب يتضمن فتاوى في المسح على الخفين، والعمامة، والرأس، والجبيرة، والقلانس واللصقة الطبية ونحو ذلك، ولذا فسيكون هذا الكتيب -إن شاء الله- حاويًا لكل هذه المسائل.
1 / 2
ثانيًا: أن هناك فئة من الناس يلبسون الخفين على مدار السنة؛ كالموظفين في القطاعات العسكرية، وكأصحاب بعض المهن، ولذا فسيكون هذا الكتيب مرجعًا وافرًا إن شاء الله تكرر طبعه الشؤون الدينية في كل القطاعات العسكرية.
مع ملاحظة -فضيلة الشيخ حفظك الله- أن الأسئلة اجتهادية، ولك مطلق الحرية -حفظك الله- في الزيادة والحذف، وإعادة الصياغة، وكل ما يعين على إخراج الرسالة بصورة مشرفة، والله يرعاك ويسدد على الخير خطاك. وقد رأى بعض الأفاضل تسمية هذه الرسالة بـ (ستون سؤالًا في المسح) .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته،،،،
ابنكم المحب
طارق بن محمد الخويطر
المدرس بمعهد القرآن الكريم بالحرس الوطني
1 / 3
السؤال:-
ما حكم المسح على الخفين مع ذكر الأدلة؟
الجواب:-
المسح على الخفين ونحوهما جائز، ورخصة وتوسعة من الله تعالى على المسلمين في الطهارة الصغرى، وعليه أهل السنة والجماعة، وقد خالف في حكمه الخوارج والرافضة، ونحوهم من المبتدعة، ولذلك ذكر العلماء هذه المسألة في كتب العقائد، فقد ذكرها الطحاوي في عقيدته، والبربهاري في السنة، وغيرهما، كما ذكر الإمام أحمد في رسالة السنة عن الخوارج أنهم ينكرون المسح على الخفين.
وقد روى البيهقي في سننه عن عبد الله بن المبارك ﵀، قال: ليس في المسح على الخفين عندنا خلاف أنه جائز، وإن الرجل ليسألني عن المسح، فأرتاب به أن يكون صاحب هوى. وقال الإمام أحمد ﵀: ليس في قلبي من المسح شيء، فيه أربعون حديثًا عن أصحاب رسول الله ﷺ ما رفعوا إلى النبي ﷺ وما وقفوا. وروى ابن المنذر عن الحسن البصري ﵀ أنه قال: حدثني سبعون من أصحاب النبي ﷺ أنه مسح على الخفين.
1 / 4
وقد روى أكثر تلك الأحاديث أئمة المحدثين، فقد رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" مرفوعًا عن ثمانية عشر صحابيًا، وهم عوف بن مالك، وأبو أيوب، وحذيفة، والمغيرة، وجرير، وبلال، وبريدة، وخزيمة، وسعد بن أبي وقاص، وعلي، وصفوان بن عسال، وسلمان، وأبو عمارة الأنصاري، وعمر، وعمرو بن أمية، وأبو بكر، وأبو هريرة، وجابر، رضي الله تعالى عنهم. ورواه موقوفًا عن عمر، وسعد، وابن مسعود، وابن عمر، وابن عباس، وعلي، وأبي موسى، وجابر ابن سمرة، وعبد الله بن عمر، وسمرة، وأبي أيوب، وقيس بن سعد، وأنس، وأبي مسعود، وحذيفة، والمغيرة، والبراء، وجرير، وأبي بكرة، ﵃ أجمعين، وهؤلاء قد روي عن بعضهم مرفوعًا، وذكر الترمذي في سننه أن في الباب عن عشرين صحابيًا، فسرد أسماءهم، ولم يورد أحاديثهم، وأشار لأكثرها الشارح، وسرد البيهقي في "سننه الكبرى" من روى عنهم جواز المسح، فزادوا على العشرين.
وأورد الزيلعي في "نصب الراية" ما وقف عليه من تلك الأحاديث وألفاظها، وغالب تلك الأحاديث صحيح ثابت.
ومنها حديث جرير بن عبد الله رضي الله عليه، قال: رأيت رسول الله ﷺ بال ثم توضأ ومسح على خفيه. قال إبراهيم النخعي: وكان يعجبهم هذا؛ لأن إسلام جرير كان بعد نزول المائدة. (متفق عليه) . وفي رواية النسائي: وكان أصحاب عبد الله يعجبهم قول جرير، وكان إسلام جرير قبل موت النبي ﷺ بيسير. ولأحمد عن جرير، قال: ما أسلمت إلا بعد أن أنزلت المائدة؛ وأنا رأيت رسول الله ﷺ يمسح بعدما أسلمت.
1 / 5