Fatawa
فتاوى السبكي
Publisher
دار المعارف
الْمَسْأَلَةِ وَانْظُرْ إلَى «قَوْلِهِ ﷺ لِمُعَاذٍ لَمَّا بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ: خُذْ مِنْ كُلِّ حَالِمٍ دِينَارًا وَمِنْ الْبَقَرِ مِنْ كُلِّ ثَلَاثِينَ تَبِيعًا أَوْ تَبِيعَةً وَمِنْ أَرْبَعِينَ مُسِنَّةً» كَيْفَ أَنَاطَ الْجِزْيَةَ بِالْحَالِمِ وَهُوَ الشَّخْصُ وَالصَّدَقَةُ الْمَالُ. فَإِنْ قُلْتَ: الْمَالُ إنَّمَا يُنْظَرُ إلَيْهِ لِبَيَانِ الْمَقَادِيرِ وَلَيْسَ كُلُّ مَالٍ مَأْخُوذًا مِنْهُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَالَ الْكَافِرِ لَا يُؤْخَذُ مِنْهُ قُلْتُ: قَدْ بَيَّنَ فِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ النَّبِيُّ ﷺ لِلسُّعَاةِ وَكَتَبَهُ الْخُلَفَاءُ بَعْدَهُ إنَّهَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ فَفِي الْكِتَابِ الَّذِي كَتَبَهُ أَبُو بَكْرٍ لِأَنَسٍ: هَذِهِ فَرِيضَةُ الصَّدَقَةِ الَّتِي فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَيُسْتَفَادُ مِنْهُ شَيْئَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّهَا لَا تُؤْخَذُ مِنْ الْكُفَّارِ وَإِنْ كَانُوا مَأْمُورِينَ بِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ [فصلت: ٦] ﴿الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ [فصلت: ٧] . وَالثَّانِي أَنَّهُ يَعُمُّ الْبَالِغَ وَالصَّبِيَّ لِأَنَّهُمَا مِنْ الْمُسْلِمِينَ.
فَإِنْ قُلْت: قَدْ قَالَ فَرِيضَةٌ وَالْفَرْضُ لَا يَكُونُ عَلَى الصَّبِيِّ. قُلْتُ: قَدْ قَالَ فَرَضَ رَسُولُ اللَّهِ ﷺ صَدَقَةَ الْفِطْرِ عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَفِيهِ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ نَعْلَمُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْفَرِيضَةِ الْمُقَدَّرَةِ أَوْ الْوَاجِبَةِ وَلَا يَخْتَصُّ الْوُجُوبُ بِالْبَالِغِ كَمَا بَيَّنَهُ فَكَمَا أَنَّ فَرِيضَةَ صَدَقَةِ الْفِطْرِ عَلَى كُلِّ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ بِنَصِّ الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ كَذَلِكَ صَدَقَةُ الْمَالِ وَإِقْلِيمُ الْيَمَنِ وَاسِعٌ وَكَذَا غَيْرُهُ مِنْ الْجِهَاتِ الَّتِي كَانَتْ السُّعَاةُ تَسِيرُ إلَيْهَا وَلَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ فِيهَا صِغَارٌ لَهُمْ أَمْوَالٌ وَلَمْ يَسْتَثْنِ النَّبِيُّ ﷺ وَلَا فَضَّلَ بَيْنَ صَغِيرٍ وَكَبِيرٍ فَدَلَّ عَلَى الْعُمُومِ كَذَلِكَ «قَالَ لِمُعَاذٍ: سَتَأْتِي أَقْوَامًا أَهْلَ كِتَابٍ فَإِذَا جِئْتَهُمْ فَادْعُهُمْ» . فَإِنْ قُلْتَ: هُوَ إنَّمَا يَدْعُو الْبَالِغَ.
قُلْتُ: بَلْ يَدْعُو الْجَمِيعَ وَإِنَّمَا يُقَابِلُ الْبَالِغَ وَكَيْفَ لَا يَدْعُو الصَّبِيَّ وَقَدْ يَتَرَتَّبُ عَلَى دَعْوَتِهِ هِدَايَتُهُ وَقَدْ «عَادَ النَّبِيُّ ﷺ صَبِيًّا يَهُودِيًّا فَأَسْلَمَ وَمَاتَ» بَلْ أَقُولُ: إنَّهُ يَجِبُ ذَلِكَ كَمَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ أَنْ يَأْمُرَ الصَّبِيَّ بِالصَّلَاةِ لِسَبْعٍ وَيَضْرِبَهُ عَلَيْهَا لِعَشْرٍ. فَإِنْ قُلْت: أَنْتُمْ تَقُولُونَ: إنَّ الصَّلَاةَ عَلَى الصَّبِيِّ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ كَيْفَ يَجِبُ الْأَمْرُ بِهِ أَوْ الضَّرْبُ عَلَيْهِ وَهَكَذَا الْإِسْلَامُ لَيْسَ بِوَاجِبٍ عَلَيْهِ فَكَيْفَ يَجِبُ دُعَاؤُهُ إلَيْهِ. قُلْت: لَا نُنْكِرُ وُجُوبَ الْأَمْرِ بِمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَالضَّرْبَ عَلَى مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ وَنَحْنُ نَضْرِبُ الْبَهِيمَةَ لِلتَّأْدِيبِ فَكَيْفَ الصَّبِيُّ وَذَلِكَ لِمَصْلَحَتِهِ وَأَنْ يَعْتَادَ بِهَا قَبْلَ بُلُوغِهِ. فَإِنْ قُلْت: هَلْ تَقُولُونَ: إنَّهُ مَأْمُورٌ بِأَمْرِ الْوَلِيِّ فَقَطْ أَوْ مَأْمُورٌ بِأَمْرِ الشَّارِعِ؟ قُلْتُ: قَدْ اخْتَلَفَ الْأُصُولِيُّونَ فِي ذَلِكَ فِي قَوْلِهِ ﷺ «مُرُوهُمْ بِالصَّلَاةِ» .
وَاخْتَارُوا أَنَّهُ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِأَمْرِ الشَّارِعِ وَذَلِكَ نَظَرٌ إلَى وَضْعِ اللَّفْظِ فَقَطْ وَجُنُوحٌ إلَى أَنَّ الصَّبِيَّ خَارِجٌ مِنْ حُكْمِ الْخِطَابِ وَهُوَ مُقْتَضَى حَدِّ الْحُكْمِ بِأَنَّهُ خِطَابُ اللَّهِ تَعَالَى الْمُتَعَلِّقُ بِأَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، أَمَّا مَنْ قَالَ
1 / 190