107

Fatawa

فتاوى السبكي

Publisher

دار المعارف

التَّعْلِيلَ عَلَى مَا تَقَرَّرَ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ، وَاقْتِضَاءُ " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةِ التَّعْلِيلَ بِالْوَضْعِ لِتَقْدِيرِ اللَّامِ مَعَهَا، وَالْمَكْسُورَةُ لَيْسَتْ كَذَلِكَ، وَلَكِنَّهَا اقْتَضَتْ التَّعْلِيلَ مِنْ جِهَةِ الْإِيمَاءِ كَمَا فِي تَرْتِيبِ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ وَنَحْوِهِ. هَذَا الَّذِي يَظْهَرُ لِي فِي ذَلِكَ وَالْأُصُولِيُّونَ أَطْلَقُوا كَوْنَ " أَنَّ " تُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَلَمْ يَجْعَلُوهُ مِنْ قِسْمِ الْإِيمَاءِ بَلْ مِنْ قِسْمِ النَّصِّ الظَّاهِرِ فَإِنَّهُمْ قَسَّمُوا النَّصَّ عَلَى الْعِلَّةِ قِسْمَيْنِ أَحَدُهُمَا مَا هُوَ صَرِيحٌ؛ كَقَوْلِهِ الْعِلَّةُ كَذَا أَوْ " مِنْ أَجْلِ كَذَا " وَالثَّانِي إدْخَالُ لَفْظٍ يُفِيدُ التَّعْلِيلَ وَهُوَ اللَّامُ " وَأَنَّ " وَ" الْبَاءُ " فَأَمَّا اللَّامُ وَإِنَّ فَصَحِيحَانِ يَقْتَضِيَانِ وَضْعًا ظَاهِرًا غَيْرَ قَطْعِيٍّ لِاحْتِمَالِهِمَا مَعْنًى آخَرَ وَأَمَّا " أَنَّ " الْمَفْتُوحَةُ فَكَذَلِكَ لِتَقْدِيرِ اللَّامِ مَعَهَا وَالْمُفِيدُ فِي الْحَقِيقَةِ إنَّمَا هُوَ اللَّامُ لَا " أَنَّ " وَإِنَّ الْمَكْسُورَةُ فَإِنَّمَا وُضِعَتْ لِتَأْكِيدِ الْجُمْلَةِ الَّتِي بَعْدَهَا وَأَمَّا كَوْنُهَا عِلَّةً لِمَا قَبْلَهَا فَلَيْسَ بِالْوَضْعِ، لَكِنَّهُ يُرْشِدُ إلَيْهِ الْكَلَامُ، فَهُوَ نَوْعٌ مِنْ الْإِيمَاءِ. وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ مِنْ أُصُولِ الْفِقْهِ. (الْخَامِسُ عَشَرَ): خَتَمَ سُلَيْمَانُ ﵇ بِهَذَا الثَّنَاءِ مِنْ آدَابِ الدُّعَاءِ، فَيُسْتَحَبُّ لِلدَّاعِي إذَا دَعَا بِشَيْءٍ أَنْ يَخْتِمَهُ بِالثَّنَاءِ عَلَى اللَّهِ بِاسْمٍ مِنْ أَسْمَائِهِ وَصِفَةٍ مِنْ صِفَاتِهِ مُنَاسِبَةٍ لِمَا دَعَا بِهِ. (السَّادِسَ عَشَرَ): قَوْلُهُ ﴿فَسَخَّرْنَا لَهُ﴾ [ص: ٣٦] التَّسْخِيرُ التَّذْلِيلُ تَسْخِيرُهَا تَذْلِيلُهَا وَتَيْسِيرُهَا وَتَهْوِينًا لَهُ. (السَّابِعُ عَشَرَ): قَرَأَ أَبُو جَعْفَرٍ (فَسَخَّرْنَا لَهُ الرِّيَاحَ) بِالْجَمْعِ وَقَرَأَ الْبَاقُونَ بِالْإِفْرَادِ. (الثَّامِنَ عَشَرَ): جَاءَ فِي الْحَدِيثِ «إنَّ النَّبِيَّ ﷺ كَانَ إذَا هَاجَتْ الرِّيحُ يَقُولُ: اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا رِيَاحًا وَلَا تَجْعَلْهَا رِيحًا» وَقِيلَ فِي شَرْحِهِ: إنَّ الْعَرَبَ تَقُولُ لَا يُلَقَّحُ السَّحَابُ إلَّا مِنْ رِيَاحٍ مُخْتَلِفَةٍ يُرِيدُ لَفْظَ السَّحَابِ وَلَا تَجْعَلْهَا عَذَابًا وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ مَجِيءُ الْجَمْعِ فِي آيَاتِ الرَّحْمَةِ وَالْوَاحِدُ فِي قِصَصِ الْعَذَابِ كَ ﴿الرِّيحَ الْعَقِيمَ﴾ [الذاريات: ٤١] وَ﴿رِيحًا صَرْصَرًا﴾ [فصلت: ١٦] فَيَحْتَاجُ إلَى جَوَابٍ عَنْ مَجِيئِهَا عَلَى الْإِفْرَادِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ عَلَى قِرَاءَةِ الْجُمْهُورِ. وَالْجَوَابُ أَنَّ الرِّيحَ الْمُسَخَّرَةَ لِسُلَيْمَانَ ﵇ فِي طَوَاعِيَتِهِ وَامْتِثَالِ أَمْرِهِ وَتَسْيِيرِ جُيُوشِهِ وَحَمْلِهَا لِبِسَاطِهِ وَمَا فَوْقَهُ وَمَا تَحْتَهُ يُنَاسِبُ أَنْ تَكُونَ وَاحِدَةً لَا اخْتِلَافَ فِيهَا وَأَنْ تَتَّفِقَ حَرَكَتُهَا فِي السُّرْعَةِ وَالسُّهُولَةِ وَالْوُقُوفِ عِنْدَ أَمْرِ سُلَيْمَانَ وَلَا الرِّيَاحُ فِي ذَلِكَ إذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ زَرْعٌ فَكَذَلِكَ جَاءَ الْإِفْرَادُ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْقَاعِدَةَ لَمْ يُقْصَدْ بِهَا الْعُمُومُ وَإِنَّمَا أُشِيرُ إلَى مَا جَاءَ مِنْهُ لِلرَّحْمَةِ وَأُشِيرُ

1 / 109