Fasl Khitab
فصل الخطاب في شرح مسائل الجاهلية (المسائل التي خالف فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الجاهلية)
Publisher
وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد
Edition Number
الأولى
Publication Year
١٤٢١هـ
Publisher Location
المملكة العربية السعودية
Genres
Creeds and Sects
سورة: [البَقَرَةِ: ٨٧-٨٨]: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِنْ بَعْدِهِ بِالرُّسُلِ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقًا كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقًا تَقْتُلُونَ - وَقَالُوا قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ لَعَنَهُمُ اللَّهُ بِكُفْرِهِمْ فَقَلِيلًا مَا يُؤْمِنُونَ﴾ [البقرة: ٨٧ - ٨٨] وفي سورةِ [النِّساءِ١٥٥]، ﴿فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾ [النساء: ١٥٥] الغُلْفُ: جمعُ أغْلَفَ، كَأحْمَرَ وحُمْرٍ، وهو الذي لا يفقهُ. وأصلُه ذو القَلَفَةِ: الذي لم يُخْتَنْ، أو جَمْعُ غِلافٍ، ويُجمعُ على غُلُفٍ بِضمَّتَيْنِ أيْضًا. وأرادوا على الأوَّل: قُلوبُنا مُغَشَّاةٌ بأغشيةٍ خَلْقِيَّةٍ مانِعَةٍ عن نُفوذِ ما جئتَ بِهِ فيها. وهَذَا كقولهِم [فصلت: ٥]: ﴿قُلُوبُنَا فِي أَكِنَّةٍ مِمَّا تَدْعُونَا إِلَيْهِ﴾ [فصلت: ٥] قَصدوا به إقناطَ النَّبِّي ﷺ عن الإِجابة، وقَطْعَ طَمَعِهِ عنهم بالكُلِّية.
ومِنهم مَن قالَ معنى غُلْف: مُغَشَّاةٌ مِعُلوم مِنَ التَّوراةِ تحفظُها أنْ يَصلَ إليها ما تأتي به، أو بِسلامةٍ مِنَ الفِطْرَةِ كذلِكَ. وعلى الثاني أنَّها أوعِيَةُ العِلْمِ، فَلَو كانَ ما تقولُهُ حَالا وصِدقًا لَوَعَته.
قالَ ابنُ عبَّاسٍ وقتادةُ والسُّدي: أو مملوءَةٌ عِلْمًا، فَلا تَسَعُ بعدُ شيئًا، فَنحنُ مُسْتَغْنونَ بِما عندَنا عَن غيرِه. ومنهم مَن قالَ: أرادوا أنَّها أوعِيَةُ العِلْمِ؛ فَكَيْفَ يَحِلُّ لنا اتباعُ الأمِّيِّ، ولا يخفى بُعْدُهُ. وَقَالَ تعالى في سورةِ [هودٍ: ٨٩- ٩١]: ﴿وَيَا قَوْمِ لَا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ مَا أَصَابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صَالِحٍ وَمَا قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ - وَاسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ - قَالُوا يَا شُعَيْبُ مَا نَفْقَهُ كَثِيرًا مِمَّا تَقُولُ وَإِنَّا لَنَرَاكَ فِينَا ضَعِيفًا وَلَوْلَا رَهْطُكَ لَرَجَمْنَاكَ وَمَا أَنْتَ عَلَيْنَا بِعَزِيزٍ﴾ [هود: ٨٩ - ٩١] وهذه الآية بمعنى الآية الأولى، وقد كَذَّبَهُمُ الله تعالى في دَعواهم هذهِ في الناس كثيرةٍ، وذَكَرَ أنَّ السَّبَبَ في عَدَمِ الفَهْمِ إِنَّما هو الطَّبْعُ على القُلوبِ بكُفْرِهِم، لا القُصورُ في البيانِ والتَّفهيمِ. وما أحسنَ قولَ القائل (١):
والنَّجْمُ تَسْتَصْغِرُ الأبصارُ صورتَه ... والذَّنْبُ للطَّرْفِ لا لِلنَّجْمِ في الصِّغَرِ
_________
(١) هو أبو العلاء المعري.
1 / 225