بسم الله الرحمن الرحيم مقدمة المؤلف وبه ثقتي الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون، صلى الله عليه وعلى آله إلى يوم الدين.
أما بعد:
من سليمان بن عبد الوهاب، إلى حسن بن عيدان.
سلام على من اتبع الهدى.
وبعد: قال الله تعالى: {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} (1) الآية.
وقال النبي صلى الله عليه وسلم: الدين النصيحة (2).
وأنت كتبت إلي - أكثر من مرة - تستدعي ما عندي، حيث نصحتك على لسان ابن أخيك.
Page 21
فها أنا أذكر لك بعض ما علمت من كلام أهل العلم، فإن قبلت فهو المطلوب - والحمد لله -.
وإن أبيت فالحمد لله، إنه سبحانه لا يعصى قهرا، وله في كل حركة وسكون حكمة.
[وجوب اتباع إجماع الأمة المحمدية] فنقول: اعلم أن الله سبحانه وتعالى بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وأنزل عليه الكتاب تبيانا لكل شئ، فأنجز الله له ما وعده، وأظهر دينه على جميع الأديان، وجعل ذلك ثابتا إلى آخر الدهر، حين انخرام أنفس جميع المؤمنين.
وجعل أمته خير الأمم - كما أخبر بذلك بقوله: {كنتم خير أمة أخرجت للناس} (1) - وجعلهم شهداء على الناس، قال تعالى: {وكذلك جعلناكم أمة وسطا لتكونوا شهداء على الناس} (2)، واجتباهم - كما قال تعالى: {هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج} (3) - الآية.
وقال: النبي صلى الله عليه وسلم: أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها عند الله (4).
ودلائل ما ذكرنا لا تحصى.
وقال صلى الله عليه وسلم: لا يزال أمر هذه الأمة مستقيما حتى تقوم الساعة، رواه البخاري (5).
Page 22
وجعل اقتفاء أثر هذه الأمة واجبا على كل أحد بقوله تعالى: {ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا} (1).
وجعل إجماعهم حجة قاطعة لا يجوز لأحد الخروج عنه، ودلائل ما ذكرنا معلومة عند كل من له نوع ممارسة في العلم.
اعلم: أن ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم أن الجاهل لا يستبد برأيه، بل يجب عليه أن يسأل أهل العلم، كما قال تعالى: {فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون} (2)، وقال صلى الله عليه وسلم: هلا إذا لم يعلموا سألوا، فإنما دواء العي السؤال (3). وهذا إجماع.
[إجماع الأمة على شرائط الاجتهاد] قال في غاية السؤل: قال الإمام أبو بكر الهروي: أجمعت العلماء قاطبة على أنه لا يجوز لأحد أن يكون إماما في الدين والمذهب المستقيم حتى يكون جامعا هذه الخصال، وهي:
أن يكون حافظا للغات العرب واختلافها، ومعاني أشعارها وأصنافها.
واختلاف العلماء والفقهاء.
ويكون عالما فقيها، وحافظا للأعراب وأنواعه والاختلاف.
عالما بكتاب الله، حافظا له، ولاختلاف قرائته، واختلاف القراء فيها، عالما بتفسيره، ومحكمه ومتشابهه، وناسخه ومنسوخه، وقصصه.
Page 23
عالما بأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، مميزا بين صحيحها وسقيمها، ومتصلها ومنقطعها، ومراسيلها ومسانيدها، ومشاهيرها، وأحاديث الصحابة موقوفها ومسندها.
ثم يكون ورعا، دينا، صائنا لنفسه، صدوقا ثقة، يبني مذهبه ودينه على كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فإذا جمع هذه الخصال، فحينئذ يجوز أن يكون إماما، وجاز أن يقلد ويجتهد في دينه وفتاويه.
وإذا لم يكن جامعا لهذه الخصال، أو أخل بواحدة منها، كان ناقصا، ولم يجز أن يكون إماما، وأن يقلده الناس.
قال: قلت: وإذا ثبت أن هذه شرائط لصحة الاجتهاد والإمامة، ففرض كل من لم يكن كذلك أن يقتدي بمن هو بهذه الخصال المذكورة.
وقال: الناس في الدين على قسمين:
مقلد ومجتهد: والمجتهدون مختصون بالعلم، وعلم الدين يتعلق بالكتاب، والسنة، واللسان العربي الذي وردا به.
فمن كان فهما يعلم الكتاب والسنة، وحكم ألفاظهما، ومعرفة الثابت من أحكامهما، والمنتقل من الثبوت بنسخ أو غيره، والمتقدم والمؤخر صح اجتهاده، وأن يقلده من لم يبلغ درجته.
وفرض من ليس بمجتهد أن يسأل ويقلد، وهذا لا اختلاف فيه، إنتهى.
أنظر قوله: وهذا لا اختلاف فيه.
وقال ابن القيم في (إعلام الموقعين) (1) لا يجوز لأحد أن يأخذ من الكتاب
Page 24
والسنة ما لم تجتمع فيه شروط الاجتهاد، ومن جميع العلوم.
قال محمد بن عبد الله بن المنادي: سمعت رجلا يسأل أحمد: إذا حفظ الرجل مائة ألف حديث هل يكون فقيها؟
قال: لا.
قال: فمائتي ألف حديث؟
قال: لا.
قال: فثلاث مائة ألف حديث؟
قال: لا.
قال: فأربع مائة ألف؟
قال: نعم.
قال: أبو الحسين: فسألت جدي، كم كان يحفظ أحمد؟ قال: أجاب عن ستمائة ألف حديث.
قال أبو إسحاق: لما جلست في جامع المنصور للفتيا، ذكرت هذه المسألة، فقال لي رجل: فأنت تحفظ هذا المقدار حتى تفتي الناس؟ قلت: لا، إنما أفتي بقول من يحفظ هذا المقدار، إنتهى.
ولو ذهبنا نحكي من حكى الإجماع لطال، وفي هذا لكفاية للمسترشد.
وإنما ذكرت هذه المقدمة لتكون قاعدة يرجع إليها فيما نذكره.
[ابتلاء الأمة بمن يدعي الاجتهاد والتجديد] فإن اليوم ابتلى الناس بمن ينتسب إلى الكتاب والسنة، ويستنبط من علومهما، ولا يبالي بمن خالفه.
وإذا طلبت منه أن يعرض كلامه على أهل العلم لم يفعل.
Page 25