Fasl Fi Tarikh Thawra Curabiyya
فصل في تاريخ الثورة العرابية
Genres
وبذلك أسدل الستار على الثورة العرابية.
آراء بعض المنصفين في هذه الثورة وزعيمها
يجدر بنا أن نعرض ما يتسع له هذا المجال من آراء المنصفين في هذه الثورة التي ظلمها المغرضون من المؤرخين، ومن هؤلاء سير ماكنزي ولاس الذي رافق لورد دوفرين إلى مصر قال «في كتابه مصر والمسألة المصرية»: «لم يظهر من عهد محمد علي أو من قبل ذلك بزمن بعيد رجل في مصر كان له من السيطرة مثل ما كان لعرابي، فإنه لم يقتصر أمره على أن الجيش والشرطة كانا رهن إشارته، بحيث يستطيع أن يأخذ بالإرهاب كيف يشاء، بل كان يتمتع كذلك بعطف كل الطبقات في مصر تقريبا. ولم يحصل عرابي على نفوذه أو يحافظ عليه بالإرهاب؛ لأنه عند بدء حركته لم يكن لديه أية قوة يضر بها أحدا. ولم يعلم عنه أنه في أثناء قوته ذبح شخصا أو شنقه أو رماه بالرصاص. ولو أنه خاض معركة انتخابية خالية من وسائل الغش، وكان خصمه فيها توفيق لفاز عليه بأغلبية هائلة من أصوات الناخبين الأحرار».
وقال في موضع آخر: «إذا كنا لم نرد أن نقيم نظاما دائما في مصر فلماذا ذهبنا إلى هناك؟ وإذا كنا لم نرد إقامة حكومة صالحة حقا، فلماذا قضينا على الحزب القومي الذي كان لديه فرصة لإقامة نظام من أي نوع آخر، كان خيرا مما يصنع الخديو الذي أعدناه إلى سلطته؟»
وكتب لورد شالرز برسفورد الذي اشترك في ضرب الإسكندرية، يقول في جريدة التيمس في 8 يناير سنة 1883: «حقا إنه من الممكن أن تسمى حركة عرابي حركة قومية، فقد نعتها بعض الإنجليز بهذا في شهر مايو سنة 1882 عندما تحرجت الأمور تحرجا خطيرا ... ونحن إذا نظرنا إلى المسألة من وجهة النظر المصرية لا يخالجنا أدنى شك في أن عرابيا كان يحظى بعطف الشعب المصري، ويستطيع عرابي وأصحابه أن يقولوا إنهم كانوا يحاربون في سبيل الإصلاح، وإن الدليل الذي يؤيد عدالة قضيتهم هو أن إنجلترة آخذة في تنفيذ إصلاحاتهم بالذات، ويستطيعون كذلك أن يبرهنوا بحقيقة أخرى هي أنهم لم يأخذوا من الشعب قرشا واحدا إلا ما رأوا أنه ضروري لخير الشعب، الأمر الذي يعد نادرا في الشرق».
ويقول برودلي: «إني لا أكتفي بأن أقول: إن الأمة كلها كانت في جانب عرابي، بل إني أقرر في غير خوف من نقض آرائي أن عرابيا وأصحابه قد أظهروا في أداء رسالتهم أمانة تامة واعتدالا وروحا إنسانية تشرفهم على مدى العصور»، وقال في موضع آخر: «ليس يخامرني شك في أن عرابيا وأصحابه كانت لديهم كل المقدرة على أن ينهضوا بحكم أمتهم حكما شعبيا، وأن ينفذوا في جدارة التغييرات والإصلاحات التي خلفوها لنا بصفتنا ورثتهم وخلفاءهم. لم يكن عرابي من ذوي الأحلام أو من ذوي التحمس، وإنما كان - إذا قيس بالمقياس المصري - رجلا متعلما ذا مقدرة، ملما بشؤون وطنه، وما تحتاج إليه بلاده وهب كثيرا من النشاط وقدرا عظيما من أمانة الغرض».
وكتب مستر أردرن بيمان أحد مندوبي إنجلترة في لجنة التحقيق، في سنة 1883: «إن عرابيا الذي كان يستطيع أن يجمع لنفسه مليونا من الجنيهات لم يجد ما يشتري به ملابس له عند سفره، وقد أرسل له بعض أصدقائه حقيبة ملأى بالملابس والقطار على أهبة السفر. وكانت أسرته تعيش وهو في السجن على صدقات يدفعها بعض محبيه سرا، وكنت أنا الذي أحملها إليه بيدي ... ولست أكتب هذا بدافع عبادة البطولة، وإنما لأبين لماذا اختار الشعب المصري رجلا نشأ من طبقة الفلاحين وتعلق به؛ لأنه يعرف ما يشكو منه، وكيف يدافع عن حقوقه المكتسبة، وآثر ذلك على أن يظل خاضعا للسلطان الموروث».
وفي كتاب لمستر بيمان نفسه صدر سنة 1929 بعنوان «عزل الخديوي» أعني الخديوي عباس، قال: «حين تظفر مصر باستقلالها الحقيقي كما يجب أن يحدث ذلك في يوم ما، فإن أول تمثال يجب أن يقام في أحد ميادين القاهرة هو تمثال أحمد عرابي».
ولم يستطع حتى كرومر أن ينكر قومية هذه الحركة قال: «إن حركة عرابي أكثر من أن تكون مجرد فتنة عسكرية. لقد كان فيها إلى حد ما طبيعة الحركة القومية الحقيقية، ولم تكن هذه الحركة موجهة كلها أو في جوهرها ضد الأوروبيين والتدخل الأوروبي في الشؤون المصرية، ولو أن النفور من الأوروبيين والتجني عليهم كانا يسيطران على عقول قواد هذه الحركة. وإنما كانت هذه الحركة إلى مدى عظيم موجهة من المصريين ضد الحكم التركي».
وقال الشيخ محمد عبده فيما كتبه لمستر برودلي، بعد أن ذكر ما كان بينه وبين عرابي من خلاف في الرأي قبل يوم عابدين: «إن الاجتماعات العامة المتنوعة التي عقدت بعد ذلك للحصول على دستور برياسة سلطان باشا، حولت في الحال مقام عرابي من قائد جيش إلى قائد مصر؛ وحينئذ أصبحت وسلطان باشا والبلاد المصرية قاطبة من أتباع أحمد عرابي».
Unknown page