245

Faṣl al-khiṭāb fī al-zuhd waʾl-raqāʾiq waʾl-ādāb

فصل الخطاب في الزهد والرقائق والآداب

Genres

في أصح قولي المفسرين في هذا، وهو أنهم ينهون الناس عن اتباع القرآن مع نأيهم وبعدهم عنه أيضا، فجمعوا بين التكذيب والصد، كما قال تعالى: (فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَصَدَفَ عَنْهَا) [الأنعام: ١٥٧]. فهذا شأن شرار الكفار كما أن شأن الأخيار الأبرار أن يتكملوا في أنفسهم، وأن يسعوا في تكميل غيرهم، كما في هذا الحديث، وكما قال تعالى: (وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ)
[فصلت/ ٣٣]
فجمع بين الدعوة إلى الله سواء كان بالأذان أو بغيره من أنواع الدعوة إلى الله -تعالى- من تعليم القرآن والحديث والفقه، وغير ذلك مما يُبتغى به وجه الله، وعمل هو في نفسه صالحا، وقال قولا صالحا -أيضا- فلا أحد أحسن حالا من هذا. انتهى.
وكان ﷺ حريصًا كل الحرص على تعليم صحابته القرآن، وتعاهدهم على تلاوته والعمل به، فقد جاء عن علي ﵁ أن رسول الله ﷺ كان يقرئهم القرآن. ونُقل عن ابن مسعود أنه أقرأ رجلًا، فقال له حين أخطأ: ما هكذا أقرأنيها رسول الله ﷺ.
وكان من أمره صلى الله ﷺ أن يرسل القراء إلى كل بلد يعلِّمون أهله كتاب الله، فأرسل مصعب بن عمير وابن أم مكتوم إلى أهل المدينة قبل هجرته، وبعث معاذ بن جبل إلى مكة بعد فتحها. وعلى هذا الدرب سار السلف الصالح من بعدُ، فاهتموا بتعلِّم كتاب ربهم وتعليمه، فأقاموا المساجد والمدارس تحقيقًا لهذا الغرض.
ثالثًا: فضل مجالس العلم:
يجب على المسلم أن يحرص على حلق العلم وأن يُقبل عليها إقبال الظامئ على المورد العذب. وقد كان السلف يؤثرون العلم على كل شيء حتى الزواج ولذا فإن الإمام أحمد رحمه الله تعالى لم يتزوج إلا بعد الأربعين، وأُهديت إلى أبي بكرٍ الأنباري جاريةٌ فلما دخلت عليه تفكَّر في استخراج مسألةٍ فعزبت عنه فقال: أخرجوها إلى النخاس فقالت هل لي من ذنب؟ قال: لا إلا أن قلبي اشتغل بك، وما قدْرُ مِثْلِكِ أن يمنعني علمي.
والسنة الصحيحة طافحةٌ بما يدل على فضل العلم منها ما يلي:

1 / 244