ولك أن تجعل ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ خبرًا بعد خبر لأنهما خبران عن شيءٍ واحد، فلهذا لم تحتج إلى العاطف، وأيضًا فإن الضمير يربط الثاني بالأول، كما أن العاطف يربطه به، ألا ترى أنك تقول: رأيتُ زيدًا والناس يبصرون الهلال، فلا يجوز حذف العاطف. ولو قلت: رأيت زيدًا الناسُ عنده يبصرون الهلالَ جاز حذف العاطف وإثباته فاعرفه.
وكذلك الكلام في قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾ إلى قوله: ﴿هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾.
ويحتمل أن تكون موصولة (١) يعضده المعطوف وهو قوله: ﴿وَالَّذِينَ آمَنُوا﴾، و﴿كَسَبَ﴾ لا موضع له من الإعراب على هذا الوجه. وعلى الوجه الأول: في موضع جزم بالشرط إلا أنه لا يظهر فيه إعراب لكونه ماضيًا.
فإن قلت: فإن كان الأمرُ على ما زعمت، فلِمَ دخلت الفاء في خبره؟ قلت: قيل: ليدل على أن الخبر يجب بوجوب معنى الصلة، كقولك: الذي في الدار فله درهم. قال ابن السراج (٢): دَلَلْتَ أنه وجب الدرهمُ من أجل الكون في الدار (٣).
فإن قلت: ما الفرق بين الذي وبين الشرط، وقد وجب الخبر بوجوب الأول؟ قلت: قيل: إن ظاهر الشرط لا يدل على أنه كائن لا محالة، لأنك إنما تشترط أنه إن كان كذا كان كذا على الجزاء، فأما الصلة فالظاهر فيها كون المعنى ووقوعه، كقولك: الذي في الدار فَأَعْطِهِ درهمًا.
وأُفرد الضمير في ﴿بِهِ﴾ حملًا على لفظ ﴿مَنْ﴾، وجُمع ما بعده على معناه.
(١) عودة إلى إعراب (مَن) في قوله تعالى: ﴿مَنْ كَسَبَ﴾.
(٢) هو محمد بن السري البغدادي النحوي كان أديبًا شاعرًا، انتهت إليه الرئاسة في النحو بعد المبرد، وأخذ عنه الزجاجي، والسيرافي، والفارسي. له عدة كتب منها: الأصول في النحو. توفي سنة عشر وثلاثمائة.
(٣) انظر أصول ابن السراج ٢/ ٢٧٢.