فرج المهموم
معرفة نهج الحلال من علم النجوم
تأليف
السيد ابن طاووس رضى الدين علي الحلي
جميع الحقوق محفوظة لفريق مساحة حرة
[![](../Images/logo4.png)](http://www.masaha.org)
<http://www.masaha.org>
المقدمة
بسم الله الرحمن الرحيم
قال السيد الإمام العالم الفقيه الفاضل العلامة الكامل الورع البارع رضي الدين ركن الإسلام والمسلمين افتخار آل طه وياسين عمدة أهل بيت النبوة محمد آل الرسول شرف العترة الطاهرة ذو الحسبين أبو القاسم علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن محمد الطاوس الحسني بلغه الله غاية آماله بمحمد وآله (ع). أحمد الله جل جلاله فاطر السماوات والأرضين الذي جعلها هداة ودعاة بلسان حالها للعالمين إلى معرفة منشيها وفاطرها وآيات باهرات للناظرين في حقائق تدبيرها وجواهرها وأوضح أنها من أعظم دلالاته على مقدس ذاته فقال جل جلاله في الإنكار على من ... أعجز الحسن بن سهل في علم النجوم وكان أقوم منه بالعلم بها ورجع الحسن بن سهل إليه.
Page 1
فصل وكما رواه ابن جمهور القمي في كتاب الواحدة أن مولانا علي بن موسى الرضا(ص)أجاب ذا الرئاستين الفضل بن سهل في علم النجوم بما لم يكن عارفا به ولا قادرا عليه. فصل وكما رواه الحميري الثقة المعتمد عليه (رحمه الله) جل جلاله عليه في الجزء الثاني من كتاب الدلائل في دلائل الصادق(ص)أنه كان عالما بالنجوم حتى أنه لا يخفى منها شيء عليه. فصل وكما رواه يونس بن عبد الرحمن رضي الله عنه في جامعه الصغير قال قلت لأبي عبد الله(ع)جعلت فداك أخبرني عن علم النجوم ما هو فقال هو علم من علوم الأنبياء فقلت أكان علي بن أبي طالب(ع)خبيرا بعلمه فقال كان أعلم الناس به. فصل وكما رواه مصنف كتاب التجمل تاريخ كتابته سنة ثمان وثلاثين ومائتين عن الصادق(ع)أنه أذن لبني نوبخت في علم النجوم وقد سألوه عنه وكرروا مسألته وأطلعهم عليه وعرفهم جوازه وإباحته. فصل وكما رواه أبو بصير عن الصادق(ع)في حديث معرفة آزر بعلم النجوم وتحقيق ما كان يحكم به عليه .
Page 2
فصل وكما رواه ابن أذينة عن أبي عمرو من تصديق الصادق(ع)له في علم النجوم وتعريفه كيف يتحرز من الضرر الذي يخاف وصوله إليه. فصل وكما رواه صاحب التواقيع عن العبد الصالح علي بن مولانا جعفر الصادق(ص)فيما رواه عن أخيه مولانا موسى بن جعفر (سلام الله جل جلاله عليه) في ترك الإنكار على خواص شيعته لما سير مولده وخاف من القطع فعرفه كيف يعمل حتى يتجاوز قطع مولده ويسلم من مضرته. فصل وكما رواه عبد الرحمن بن سيابة عن الصادق(ع)وإطلاقه في علم النجوم وأنه مأذون فيه معتمد عليه وسيأتي تفصيل ذلك الذي أشرنا إليه. فصل واعلم أن الأحاديث عن الأنبياء(ع)من لدن إدريس(ع)إلى الناطق من عترة النبي محمد(ص)ومن لدن الملوك الذين ذكرت تواريخهم وتواريخ العلماء المترددين إليهم ما يضيق عنه مجلد
Page 3
واحد من ذكر الجميع وفيهم من هو حجة وفيهم أعيان معتمد عليهم بتحقيق ما ذكرناه من أن علم النجوم دلالات وعلامات وآيات لله جل جلاله باهرات وحجج على عباده ظاهرات وسأذكر تفصيل ما أجملته من الروايات إن شاء الله. فصل واعلم أني كنت أحب أن لا يبلغني حديث إلا أطلع عليه وكان مما بلغني اختلاف الناس في علم النجوم وما الذي يحرم منها وما الذي يعتمد عليه فحضر عندي جماعة من علماء المنجمين وكاتبني بعض من كان بعيدا من العراق من علمائهم الموصوفين ورصدوا مواليد في أوقات متفرقة وسيروها وحولوا عدة سنين وحرروها فكنت أجد غلطهم وخاصة في الجزئيات أكثر من إصابتهم وأجد إصابات تقتضي أن الغلط من جهتهم فسألت جماعة منهم عن سبب الخطإ والخلل فاختلفوا في العلل فقال بعضهم إن النجوم تحتاج كل مدة معينة عند أهل النجوم أن يعيدوها إلى إرصاد جديدة وأنه قد تعدد عليهم تحقيق الإرصاد فأفسد ذلك عليهم بعض الاجتهاد وقال آخرون إن العلماء من المنجمين القدماء اختلفوا في كيفية النجوم وأحكامها وتأثيرها فوقع الخلل من المتأخرين بحسب ما يختلفون فيه من اختلاف القدماء وتفاوت تدبيرها وقال بعضهم إن وقتهم لا يسع لكشف علم النجوم على التحقيق وإن علوم المتأخرين قاصرة عن علوم المتقدمين في التدقيق. فصل ورأيت أنا في أخبار الأئمة الأطهار الذين أطلعهم الله
Page 4
جل جلاله عليه بطريق رسوله(ص)على الأسرار أسبابا لغلط المنجمين غير ما ذكروه من الأعذار وسيأتي سبب غلطهم في مضمون ما نذكره من الأخبار إن شاء الله. فصل ومن أعجب ما وجدته من تمويه المنجمين في هذه الأوقات الذي يتمشى على الملوك والأعيان وذوي المقامات شيء ما عرفت أن أحدا سبقني إلى كشفه وذكرت ذلك لبعضهم ولغيرهم فما رأيت لهم عذرا في التمويه الذي أشرت إلى وصفه وذلك أنهم يكتبون تقاويم السنة نسخة واحدة في سعودها ونحوسها وممتزجاتها فينفذون كل تقويم إلى واحد مع علمهم أن مواليد الذين ينفذون إليهم التقاويم وطوالعهم مختلفة في نحوسها وممتزجاتها وسعاداتها فيمكن أن يكون سعود واحد نحوسا لسواه ونحوس إنسان سعودا لمن عداه ويمكن أن يكون سعود واحد ونحوسه ممتزجا خلاف من يجري مجراه فيقبل الناس التقاويم المتفقة في المواليد المختلفة منهم وتبتاع منهم وقد استمر ذلك على مدة الدهور وتسنى ما فيه من التمويه المستور حتى بعث واحد من المنجمين الأعيان إلى تقويمين واعتد بهما فأعدتهما وعرفته ما في ذلك من التمويه بهما. فصل وقد كان ينبغي أن يكون تقويم كل واحد ممن يحتاج إلى التقويم على مقتضى مولده وطالعه وتحويل سنته ليكون أقرب إلى الصراط المستقيم وكان مراد المنجم من تقويمه مجرد ذكر أن في النجوم سعدا وفيها نحسا وفيها ممتزجا من غير أن يقصد انتفاع من يحمل إليه
Page 5
التقويم بسعودها واجتناب نحوسها كان قد وقع الغناء عن التقويم وكان يكفي ذكر أسماء النجوم السعيدة والنجوم النحسة وما كان كل سنة يحتاج إلى تقويم جديد وإنما يقولون إن مرادهم انتفاع من تحمل إليه التقاويم بما فيها من السعود والنحوس ليستدل في الحركات والسكنات على سلامة النفوس واجتلاب النفع ودفع الضرر والبؤس وهذا يدل على أنه ما يحصل ما يكون من منافعه إلا أن يكون لكل واحد تقويم على مقتضى طالعه. فصل ومما وجدت في خاطري مما يسأل عنه علماء المنجمين وربما تعذر عليهم الجواب عنه على اليقين أن يقال لهم ما المقتضي لورود النوم على الإنسان من طالع ميلاده وقد يتأتى غير وقت مراده وكيف كان هذا النجم في طالع كل إنسان وأوقات الولادات عظيمة الاختلافات من زمان آدم إلى الآن وهلا صادف طالع واحد من الأنام أنه ولد في وقت لا ينام واعلم أن هذا يدلك بغير التباس على أن وراء تدبير الناس ووراء الولادات قادرا مختارا يتصرف في ملكه ومماليكه بحسب ما يريد من الاختبارات إن شاء جعل النجوم دلالات وإن شاء أسقط دلالاتها على الحادثات. فصل ومما وجدته في كتب النعمان المؤرخ لسيرة خلفاء مصر ما عجز المنجمون عن جوابه قال المعز ذكر لي أن بعض المنجمين أتاه
Page 6
بكتاب ألفه له يذكر فيه خلق آدم وكيف كانت الكواكب يوم خلقه الله عز وجل وما دلت عليه مما آل أمره وأمر ذريته إليه ورأى أنه قد أتى في ذلك بعلم ما سبق إليه فلما وقفت سألته فقلت هل كان قبل آدم شيء قال نعم قلت فما كان ومن كان وكيف كانت هذه الكواكب قبل ذلك وما دلت عليه فلم يحر جوابا وقال هذا شيء ما ظننت أني أسأل عنه فقلت وهذا الذي عملته وجئت به ما سألت عنه أيضا. أقول فكل هذه الأمور دلالة باهرة عند ذوي الاعتبار أن دلائل النجوم بتدبير الفاعل المختار وأنها ليست بأنفسها فاعلة ولا علة موجبة وذلك واضح لأولي الأبصار. فصل ورأيت الاستخارة أقوى في كشف بعض الأسرار وأبلغ في الإشارة وتعدد الصدقات والدعوات دافعة لما يجمع المنجمون عليه من المحذورات وكان ما وجدته بالتجربة كما نقلته من الروايات وعلى مقتضى صريح مقدس كلام مالك الأسباب في قوله جل جلاله- يمحوا الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب . فصل ووجدت الناس أما معاملا لله جل جلاله في أيام حياته فإذا قطعه الموت بوفاته فقد فاته ما كان يقدر عليه من سعاداته وأما غير معامل لله جل جلاله في حياته بل يكون مشغولا بلذاته وشهواته وكان معرفة وقت الممات القاطع من السعادات أو اللذات عند الفريقين من جملة المهمات فإذا أمكن تحصيل معرفة ذلك بطرق علمية على لسان
Page 7
رسول يخبره عن العلوم الإلهية وإلا فمتى قدر على طريق طبية يحترز بها من الضرر المظنون فقد أوجب العقلاء الاحتراز عن الضرر بكل طريق يمكن أو يكون وقد أطبق العقلاء على تجويز أن تكون النجوم دلالات وعلامات وأمارات ونطقت بذلك الروايات من الثقات ولو أن بعض هؤلاء القائلين والناقلين خوف إنسانا من سفر وذكر له عند تحذيره الخطر لتوقف من السفر المذكور أو تحذر بقدر دفع المحذور فلا أقل أن يكون حكم المحترس من النجوم المذكورة كحال حكم المظنون من الأمور المحذورة فيحتاج المكلف إلى كشف طريق السلامة والأمان لمعرفة ما يحتاج إلى معرفته بحسب الإمكان ويكون كلما ذكروا أن عليه قطعا في وقت مدته يستعد قبل حضوره للقاء الله جل جلاله بمقتضى قدرته أو يتصدق أو يدعو لدفع خطر ذلك وتحصيل الأمان من تجويز مضرته ولا يكون الإنسان على حال من الغفلة عن الاستعداد للمعاد أو انقطاع لذاته إن كان من أهله دار الفناء والنفاد فلا يحس إلا بحيطان الموت أو القواطع قد وقعت عليه فيحصل في ندم ترك الاحتياط بكل ما كان يقدر عليه وقد رأينا من يستريح إلى منامات عند الحادثات وروي ذلك فيما لا أحصيه من الروايات وما زال الاستظهار والاحتياط في طلب المجاب من كمال ذوي الألباب ولو كان كل علم ضل فريق من أهله مبطلا ذلك لأصله لتعذر ثبوت شيء من المعلومات إذ كان وقع فيها اختلاف حتى في البديهيات
Page 8
فصل ولو كان غلط فريق من علوم التحقيق يقتضي ترك ذلك العلم بالكلية لأدى ذلك إلى ترك المعلومات العقلية والنقلية والشرعية إذ في كل علم منها غلط في شيء منه فريق من البرية وسوف أذكر في كل باب من هذا الكتاب ما يليق بالتوفيق من تحقيق الأسباب وأشرح ما تقتضي الأمانة إيضاح شرحه حتى يظهر الحق لكل ناظر إلى أفق فجره وصبحه وقد سميته فرج المهموم في معرفة نهج الحلال من علم النجوم وسوف أرتبه في الأبواب بحسب ما يدلني الله جل جلاله عليه من الصواب وها أنا ذاكرها بابا بابا على التجميل ثم أذكرها فيما بعد على التفصيل ليعرف الناظر في تجميلها ما يريد منها ويقصده في تفصيلها ولا يحتاج إلى مطالعة جميع الأبواب وتصفح الكتاب. الباب الأول فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة ص. الباب الثاني فيما نذكره من الرد على من زعم أن النجوم موجبة أو فاعلة مختارة. الباب الثالث فيما نذكره من أخبار من قوله حجة في العلوم في صحة علم النجوم. الباب الرابع فيما نذكره عن مولانا موسى بن جعفر الكاظم(ع)في إزالة القطوع في العمر إذا دل مولد الإنسان عليه. الباب الخامس فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من الشيعة
Page 9
وصنف في تلك العلوم أو خول مولده على الوجه الموسوم. الباب السادس فيما نذكره ممن كان عالما بالنجوم من غير الشيعة من المسلمين وصنف فيها ما يظهر صحة حكمه للحاضرين. الباب السابع فيما نذكره عمن صح حكمه بدلالة النجوم قبل الإسلام ولم يذكر اسمه. الباب الثامن فيما نذكره من الأخبار التي صح فيها الحكم على الحوادث بالنجوم ممن لم يذكر اسمه وبعض من عرف منهم بعلم النجوم وإن لم نعرف له شيئا من الأحكام ومن كان عارفا بذلك من الملوك قبل الإسلام. الباب التاسع فيما نذكره في جواب من أنكر أن النجوم لا يصح أن تكون دلالات على الحادثات. الباب العاشر فيما نذكره من أخبار من كان مستغنيا عن النجوم بتعريف النبي(ص)وأئمة العلوم ع
Page 10
الباب الأول فيما نذكره من الإشارة إلى أن النجوم والعلم بها من آيات مالك الجلالة ومن معجزات صاحب الرسالة
اعلم أن كون الأفلاك والشمس والقمر والنجوم دلالة باهرة دالة على مالك الدنيا والآخرة مما لا يحتاج إلى برهان لأنه موجود بالعيان والوجدان قد تضمن القرآن الشريف تنبيه أهل التكليف على الدلالة بها والتعريف
فصل:
فأما كونها من معجزات صاحب الرسالة فقد تضمن كتاب الإهليلجة عن مولانا الصادق(ع)ما يغني عن الإطالة-
- فقد قال فيه فقلت له يعني للهندي الذي كان يناظره أخبرني هل يعرف أهل بلادك من الهند علم النجوم قال إنك لغافل عن علم أهل بلادي بالنجوم قلت وما بلغ من علمهم بها قال أنا أخبرك عن علمهم بخصلتين تكتفي بهما عما سواها قلت فأخبرني ولا تخبرني إلا بخبر صدق قال أما الخصلة الأولى فإن ملوك الهند لا يتخذون إلا الخصيان منهم قلت ولم قال لأن لكل رجل منهم منجما حاسبا فإذا أصبح
Page 11
أتى باب الملك فقاس الشمس وحسب فأخبره بما كان في يومه ذاك وما حدث في ليلته التي كان فيها فإن كانت امرأة من نسائه قارفت شيئا أخبره به وقال فلانة قارفت كذا وكذا مع فلان ويحدث في هذا اليوم كذا وكذا قال وأما الخصلة الأخرى فإن قوما بالهند بمنزلة الخناقين عندكم يقتلون الناس بلا سلاح ولا خنق ويأخذون أموالهم قلت وكيف يكون هذا قال يخرجون مع الرفقة والتجار بقدر ما فيها من الرجال فيمشون معهم أياما بلا سلاح ويحدثون الرجال ويحسبون حساب كل رجل من التجار فإذا عرف أحدهم موضع النفس من صاحبه وكز كل واحد منهم صاحبه الذي حسب له في ذلك الموضع فيقع جميع التجار موتي قلت هذا أرفع من الأول إن كان ما تقول حقا قال أحلف لك بديني أنه حق ولربما رأيت ببلاد الهند بعضهم قد أخذ وأمر بقتله قلت فأخبرني كيف كان هذا حتى أطلع عليه قال بحساب النجوم قلت فما سمعت كهذا علما قط وما أشك أن واضعه الحكيم العليم فأخبرني من وضع هذا العلم الدقيق الذي لا يدرك بالحواس ولا بالعقول ولا بالفكر قال وضعه الحكماء وتوارثه الناس فإذا سألت الرجل منهم قاس الشمس ونظر في منازل الشمس والقمر وما الطالع من النجوم وما الباطن من السعود ثم يحسب ولا يخطئ ويحمل إليه المولود إذا ولد فيحسب له ويخبر بكل علامة فيه وبما يصيبه إلى يوم يموت قلت وكيف دخل الحساب في مواليد الناس قال لأن جميع الناس إنما يولدون بهذه
Page 12
النجوم ولو لا ذلك لم يستقم هذا الحساب فمن ثم لا يخطئ إذا علم الساعة واليوم والشهر والسنة التي يولد فيها المولود قلت لقد وصفت علما عجيبا ليس في علم الدنيا أدق منه ولا أعظم إن كان حقا كما قلت من تعريف هذا المولود الصبي وما فيه من العلامات ومنتهى أجله وما يصيبه في حياته أفليس هذا حسابا يولد به جميع من في الدنيا من كان من الناس قال بلى لا أشك فيه قلت فتعال ننظر بعقولنا فهم علم الناس هذا والعلم به هل يستقيم أن يكون لبعض الناس إذا كان جميع الناس يولدون بهذه النجوم حتى عرفها بسعودها ونحوسها وساعاتها ودقائقها ودرجاتها وبطيئها وسريعها ومواضعها من السماء ومواضعها تحت الأرض ودلالاتها على غامض الأشياء التي وصفت في السماء وما تحت الأرض فما يقبل عقلي أن مخلوقا من أهل الأرض قدر على هذا قال وما أنكرت من هذا قلت لم أبدأك به إنك زعمت أن جميع أهل الأرض إنما يتولدون بهذه النجوم فأرى الحكيم الذي وضع هذا الحساب بزعمك من بعض أهل الدنيا ولا أشك إن كنت صادقا أنه ولد ببعض هذه النجوم والساعات والحساب الذي كان قبله إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم لم يولد بهذه النجوم كما ولد سائر الناس قال وهل هذا الحكيم إلا كسائر الناس قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أن هذه النجوم قد خلقت قبل هذا الحكيم الذي زعمت أنه وضع هذا الحساب وقد زعمت أنه ولد ببعض هذه النجوم قال بلى قلت
Page 13
فكيف أهتدي لوضع هذه النجوم والعلم بها إلا من معلم كان قبله وهو الذي أسس هذا الحساب الذي زعمت أنه وضع علم النجوم وهي أساس المولود فالأساس أقدم من المولود والحكيم الذي زعمت أنه وضع علم النجوم على هذا إنما يتبع أمر معلم أقدم منه وهو الذي خلقه مولودا ببعض هذه النجوم وهو الذي أسس هذه البروج التي ولد بها غيره من الناس فواضع الأساس ينبغي أن يكون أقدم منها وهب إن هذا الحكيم عمر مذ كانت الدنيا عشرة أضعاف هل كان نظره في هذه النجوم إلا كنظرك إليها معلقة في السماء أوتراه قادرا على الدنو منها وهي في السماء حتى يعرف منازلها ومجاريها وسعودها ونحوسها ودقائقها وأيها تنكسف عن الشمس والقمر وأيها يولد كل مولود عليها وأيها السعد وأيها النحس وأيها السريع وأيها البطيء ثم يعرف بعد ذلك سعود ساعات النهار ونحوسها وأيها السعد وأيها النحس وكم ساعة يمكث كل نجم منها تحت الأرض وفي أي ساعة يغيب وأي ساعة يطلع وكم ساعة يمكث طالعا وفي أي ساعة يغيب وكم استقام لرجل حكيم كما زعمت من أهل الدنيا إن يعلم علم السماء مما لا يدرك بالحواس ولا يقع عليه الفكر ولا يخطر على الأوهام وكيف اهتدى أن يقيس الشمس حتى يعرف في أي برج هي وفي أي برج القمر وفي أي بروج السماء هذه السبع النحوس والسعود وما الطالع منها والباطن وهي معلقة في السماء وهو من أهل الأرض لا ينظر إليها وقد غشيها ضوء
Page 14
الشمس إلا أن تزعم أن هذا الحكيم الذي وضع هذا العلم قد رقي في السماء وأنا أشهد أن هذا العالم لم يقدر على هذا العلم إلا بمن في السماء لأن هذا ليس من علم أهل الأرض قال ما بلغني أن أحدا من أهل الأرض رقي إلى السماء قلت فلعل هذا الحكيم رقي إلى السماء ولم يبلغك قال ولو بلغني ما كنت مصدقا قلت فأنا أقولك قولك فهبه رقي إلى السماء فهل كان له بد من أن يجري مع كل برج من هذه البروج ونجم من هذه النجوم من حيث يطلع إلى حيث يغيب ثم يعود إلى الآخر فيفعل مثل ذلك حتى يأتي على آخرها فإن منها ما يقطع السماء في ثلاثين سنة ومنها ما يقطع في أقل من ذلك وهل كان له بد من أن يجول في أقطار السماء حتى يعرف مطالع السعود منها والنحوس والبطيء والسريع حتى يحصى ذلك وهبه قدر على ذلك حتى فرغ مما في السماء فهل كان يستقيم له حساب ما في السماء حتى يحكم حساب ما في الأرض وما تحتها وأن يعرف ذلك كما عاين ما في السماء فلم يكن يقدر على حسابها ودقائقها وساعاتها إلا بمعرفة ساعات ما في الأرض منها لأنه ينبغي أن يعرف أي ساعة من الليل يطلع طالعها وكم مكث تحت الأرض وأي ساعة من النهار يغيب غائبها لأنه لا يعاينها بالنهار ولا ما طلع منها ولا ما غاب عنها ولا بد من أن يكون العلم بها واحدا وإلا لم ينتفع بالحساب إلا أن تزعم أن ذلك الحكيم قد دخل في ظلمات الأرضين والبحار وسار مع النجوم والشمس والقمر في مجاريها على قدر ما سار في السماء-
Page 15
قال وهل رأيتني أجيبك إلى أن أحدا من أهل الأرض قدر أن يطلع إلى السماء وقدر على ذلك فأخبرك أنه دخل في ظلمات الأرض والبحور قلت وكيف وضع هذا العلم الذي زعمت وحسب هذا الحساب الذي ذكرت أن الناس ولدوا به قال أرأيت إن قلت لك إن البروج لم تزل وهي التي خلقت أنفسها على هذا الحساب ما الذي ترد به علي قلت أسألك كيف يكون بعضها سعدا وبعضها نحسا وبعضها مضيئا وبعضها مظلما وبعضها صغيرا وبعضها كبيرا قال كذلك أرادت أن تكون بمنزلة الناس وعلى حدهم فإن بعضهم جميل وبعضهم قبيح وبعضهم طويل وبعضهم قصير وبعضهم أبيض وبعضهم أسود وبعضهم صالح وبعضهم طالح قلت فالعجب منك إني أريدك اليوم على أن تقر بصانع فلم تجبني إلى ذلك حتى كان الآن أقررت بأن القردة والخنازير خلقن أنفسهن قال لقد منيت منك بما لم يسمع مني الناس قلت أفمنكر أنت لذلك قال أشد إنكار قلت فمن خلق القردة والخنازير إن كان الناس والنجوم خلقوا أنفسهم فلا بد أن تقول إنهن من خلق الناس أو تقول إنهن خلقن أنفسهن أفتقول إنها من خلق الناس قال لا قلت فلا بد أن تقول إنهن خلقن أنفسهن أو لهن خالق فإن قلت خلقت لها خالق صدقت وما أعرفنا به وإن قلت إنهن خلقن أنفسهن رجعت إلى ما أنكرت قال ما أجد بدا من أن أقول إنهن خلقن أنفسهن كما أقول إن البروج والناس خلقوا أنفسهم قلت فكيف
Page 16
لا تجد بدا من أن تقول إن السماء والأرض والذر خلقوا أنفسهم فقد أعطيتني فوق ما طلبت منك من الإقرار بصانع فأخبرني إذن أن بعضا قبل بعض خلقن أنفسهن أم كان في يوم واحد فإن قلت لبعضهن قبل بعض فأخبرني السماوات وما فيهن قبل النجوم خلقن وقبل الأرض أم بعد ذلك فإن قلت إن الأرض قبل فلا ترى قولك أن الأشياء لم تزل إلا قد بطل حيث كانت السماء بعد الأرض قال بلى ولكني أقول خلقن جميعا معا قلت قد أقررت أنها لم تكن شيئا قبل أن خلقت وقد أذهبت حجتك في الأزلية قال إني على حد وقوف لا أدري ما أجيبك به لأني أعلم أن الصانع إنما سمي صانعا لصناعته والصناعة غير الصانع والصانع غير الصناعة لأنه يقال للرجل الباني لصناعته البناء والبناء غير الباني والباني غير البناء وكذلك الحارث غير الحرث والحرث غير الحارث قلت فأخبرني عن قولك أن الناس خلقوا أنفسهم أفبكمالهم خلقوها لأرواحهم وأجسادهم وصورهم وأنفاسهم أم خلق بعض ذلك غيرهم قال بكمالهم لم يخلق ذلك ولا شيئا منه غيرهم قلت فأخبرني الحياة أحب إليهم أم الموت قال أوتشك أنهم لا شيء أحب إليهم من الحياة ولا أبغض إليهم من الموت قلت فأخبرني من خلق الموت الذي يخرج أنفسهم التي زعمت أنهم خلقوها فإنك لا تنكر أن الموت غير الحياة وأنه هو الذي يذهب بالحياة فإن قلت إن الذي خلق الموت غيرهم فإن الذي خلق الموت هو الذي خلق الحياة لهم فإن قلت هم الذين خلقوا الموت لأنفسهم فإن هذا محال من القول وكيف خلقوا
Page 17
لأنفسهم ما يكرهون إن كانوا كما زعمت خلقوا أنفسهم هذا ما يستنكر من ضلالك أن تزعم أن الناس قدروا على خلق أنفسهم بكمالهم وأن الحياة أحب إليهم من الموت وأنهم خافوا ما يكرهون لأنفسهم قال ما أجد واحدا من القولين ينقاد لي ولقد قطعته علي من قبل الغاية التي أريدها قلت دعني من الدخول في أبواب الجهالات وما لا ينقاد من الكلام وإنما أسألك عن معلم هذا الحساب الذي علم أهل الأرض علم هذه النجوم المعلقة في السماء فلا بد أن تقول إن هذا الحكيم علمه حكيم في السماء قال إن قلت هذا فقد أقررت لك بإلهك الذي تزعم أنه في السماء قلت أما أنت فقد أعطيتني أن حساب هذه النجوم حق وأن جميع الناس ولدوا بها قال أتشك في غير هذا قلت وكذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لم يرقى إلى السماء فيعرف مجاري هذه النجوم وحسابها قال لو وجدت السبيل إلى أن لا أعطيك ذلك لفعلت قلت وكذلك أعطيتني أن أحدا من أهل الأرض لا يقدر أن يغيب مع هذه النجوم والشمس والقمر في المغرب حتى يعرف مجاريها ويطلع منها إلى المشرق قال الطلوع إلى السماء دون هذا قلت فلا أراك تجد بدا من أن تزعم أن المعلم لهذا من أهل السماء قال لئن قلت لك إنه ليس لهذا الحساب معلم لقد علمت إذن غير الحق ولئن زعمت أن أحدا من أهل الأرض علم علم ما في السماء وما تحت الأرض لقد أبطلت لأن أهل الأرض لا يقدرون على علم ما وصفت من هذه النجوم والبروج بالمعاينة فأما الدنو منها فلا يقدرون عليه-
Page 18
لأن علم أهل الدنيا لا يكون عندنا إلا بالحواس ولا يدرك علم هذه النجوم بالحواس لأنها معلقة في السماء وما زادت الحواس على النظر إليها حيث تطلع وحيث تغيب فأما حسابها ودقائقها وسعودها ونحوسها وبطيئها وسريعها وخنوسها ورجوعها فأنى يدرك بالحواس أو يهتدى إليه بالقياس قلت فأخبرني لو كنت واصفا معلم هذا الحساب وواضع هذه الأشياء من أهل الأرض أحب إليك أم من أهل السماء قال من أهل السماء إذ كانت هذه النجوم في السماء حيث لا يعلم أهل الأرض قلت فافهم وأدق النظر وناصح نفسك ألست تزعم أن جميع أهل الدنيا إنما يولدون بهذه النجوم وأنهن على ما وصفت من السعود والنحوس وأنهن كن قبل الناس قال ما امتنع من أن أقول هذا قلت أفليس ينبغي لك أن تعلم أن قولك أن الناس لا يزالون وما زالوا قد أنكر عليك حيث كانت النجوم قبل الناس فما تجد بدا من القول بأن الأرض خلقت قبلهم قال ولم تقول إن الأرض خلقت قبل الناس قلت أليس تعلم أنه لو لم تكن الأرض التي جعلها الله لخلقه فراشا ومهادا ما استقام الناس ولا غيرهم من الخلق ولا قدروا أن يكونوا في الهواء إلا أن تكون لهم أجنحة قال وما تغني الأجنحة إذا لم تكن لهم معيشة قلت ففي شك أنت أن الناس خلقوا بعد الأرض والبروج قال لا ولكن على اليقين من ذلك قلت آتيك أيضا بما تبصره قال ذلك أنفى للشك عني قلت ألست تعلم أن الذي تدور عليه هذه النجوم والشمس والقمر هو هذا الفلك قال بلى قلت أفليس كان أساسا لهذه النجوم قال بلى قلت فما أرى أن
Page 19
هذه النجوم التي زعمت أن مواليد الناس بها إلا وقد وضعت بعد هذا الفلك لأنه به تدور البروج ويسفل مرة ويصعد أخرى قال قد جئت بأمر واضح لا يشكل على ذي عقل إن الفلك الذي يدور بالنجوم هو أساسها الذي وضع لها لأنها إنما جرت به قلت فقد أقررت أن خالق النجوم التي يولد الناس بها سعودهم ونحوسهم هو خالق الأرض لأنه لو لم يكن خلقها لم يكن ذر قال ما أجد بدا من إجابتك إلى ذلك قلت أفليس ينبغي أن يدلك عقلك على أنه لا يقدر على خلق السماء إلا الذي خلق الأرض والذر والشمس والقمر والنجوم وأنه لو لا السماء وما فيها لهلك ذرا الأرض قال أشهد أن الخالق واحد غير ذي شك لأنك أتيتني بحجة بهرت عقلي فانقطعت بها حجتي وما أراه يستقيم أن يكون واضع هذا الحساب ومعلم هذه النجوم واحدا لا من أهل الأرض لأنها في السماء ولا يعرف مع ذلك ما تحت الأرض منها إلا من يعرف ما في السماء ولا أدري كيف سقط أهل الأرض على هذا العلم الذي هو في السماء حتى اتفق على ما رأيت من الدقة والصواب فإني لو لم أعرف من هذا الحساب ما أعرف لأنكرته ولأخبرتك أنه باطل في بدء الأمر وكان أهون علي
أقول ثم إن مولانا الصادق(ص)ابتدأ في الاستدلال على الهندي بإثبات الله جل جلاله بطريق إهليلجة كانت في يده وكشف الدلالة حتى أقر بذلك بعد مجاحدات من الهندي وإطالة وقد تضمن كتاب الإهليلجة شرح ذلك على التفصيل وإنما كان مرادنا هاهنا ما يتعلق بالنجوم وأنها
Page 20