وقد أكون قد بالغت في وصف المساوئ التي تعود من الانفصال بين الجنسين؛ لأن الحدود والسدود قد تحطمت إلى حد ما، ولكن يجب أن نسلم أنها - مع الأسف - لا تزال قائمة في كثيرة من أوساطنا، وهي أحيانا، مع تحطمها في الواقع المادي، لا تزال قائمة في بعض الأذهان والنفوس.
يجب أن نعد الاختلاط جزءا من تربيتنا العامة، وأن ندعو إلى التعليم المختلط في المدارس الابتدائية، وإلى تشجيع الضيافة الراقية، بل أيضا إلى غشيان المطاعم والقهوات العامة مختلطين.
وعندما ينتقل مجتمعنا من حال الانفصال إلى حال الاختلاط سوف نحس أننا أمة متمدنة، وسوف يربينا الاختلاط، ويحدث بيننا زمالة واحتراما، ثم يؤدي إلى الحب. أجل، هذا الحب المكشوف الصريح الشريف الذي لا يحتاج إلى اختلاس النظر من خلف الأبواب والأستار.
الحياة الفنية للمرأة
كل ما قلناه عن الرجل في الفصول السابقة ينطبق أيضا على المرأة، وقد نبهنا عن ذلك في كلامنا عن العائلة والمجتمع، ولكنا نحتاج مع ذلك أن نعالج الحياة الفنية للزوجة؛ لأننا في مصر قد ورثنا من التقاليد أخطاء كثيرة ألغت المرأة من مجتمعنا، وغيبتها عن وجداننا، وقد كوفحت هذه التقاليد بتعميم حرية المرأة، وانتشار المدارس إلى حد بعيد، ولكن لا يزال لهذه التقاليد رواسب إذا لم ترتفع إلى وجداننا الذهني؛ فإنها لا تزال تصبغ عواطفنا، وتؤثر في حياة المرأة.
والحياة الفنية للمرأة تقتضي أن تعمل كالرجل؛ فتحترف حرفة ما ترفعها من الأنثوية إلى الإنسانية، وتربيها طوال العمر، وتحملها على النمو والإيناع النفسي، كما تقتضيها الاتصال بالرجال. ونحن الرجال لا نستطيع أن نتخيل أنفسنا منفصلين عن المجتمع، ومحرومين من الحرفة؛ لأننا نعرف أننا في هذه الحال نسقط سقوط اليأس الذي لا ننهض منه؛ ذلك لأن الحرفة والمجتمع يربياننا، وهما من أكبر الدوافع لارتقائنا الذهني والنفسي، بل والجسمي.
وقليل من المقارنة بين امرأة لزمت البيت وحرمت من المجتمع، وأخرى عملت في حرفة واختلطت بالمجتمع مدة عشر سنوات - مثلا - يوضح لنا مقدار الفرق العظيم بينهما؛ فإن قيم الحياة إلى حد عظيم قد ألغيت عند الأولى، بينما هي قد روعيت عند الثانية؛ ولذلك بينما تركد الأولى وتسمن وتترهل لقلة حركتها، وتضيق آفاقها الذهنية والنفسية، تنشط الثانية في عملها، وتستبقي نحافتها وعضليتها، وتتسع آفاقها الذهنية والنفسية.
وليس لأحد منا أن يؤمل في القريب أن تستوي المرأة بالرجل، فإنها لم تصل إلى هذه الحال في أوروبا وأمريكا إلى الآن، ومع أن قوانين الدول هناك تنص على المساواة؛ فإن قواعد المجتمع تأبى هذه المساواة. وفي مصر لا تزال الحرفة مكروهة عند المرأة، وكثيرا ما تخرج منها عندما تلوح لها الفرصة، كما نرى في بعض المعلمات - مثلا. ولذلك فإننا عندما نعالج مركز المرأة في مصر نتجه إلى البيت كأنه كل شيء، وهو، في وضعها الاجتماعي القائم عندنا، يكاد يكون كذلك، وإنما الذي ننساه هو أن البيت للمرأة، وليست المرأة للبيت؛ أي يجب أن يعد البيت لراحتها ورقيها وسلامتها، ولا يضحى بها من أجل الطبخ والكنس والغسل.
والبيت في مصر كثير الأعباء، مرهق التكاليف، كثيرا ما يشبه الورشة في إرهاقه وتعدد واجباته الصغيرة، كما لا يزال المطبخ والمغسل ورشتين صغيرتين لا ينقطع العمل منهما طوال النهار وبعضا من الليل. وربة البيت مضطرة إلى الإشراف عليهما إذا لم تباشر بنفسها العمل فيهما، وهي في كلتا الحالتين تقتطع من وقتها وفراغها ما كان أحرى أن تنفقه في ترقية شخصيتها بالدراسة والاختلاط والانتفاع المثمر بالفراغ.
وتستطيع المرأة المصرية أن تنتفع باختبارات المرأة الأوروبية هنا؛ فإن هذه تخص يوما أو يومين للخروج مع زوجها وأولادها، والغداء أو العشاء في المطاعم، كما أنها تخص يوما أو يومين في الأسبوع لتناول الأطعمة المعلبة التي تستغني بها عن الطبخ! والخروج إلى المطاعم يتيح الاختلاط، كما أن اقتناء العلب العديدة الوفيرة للأطعمة يتيح الفراغ الذي تستخدمه ربة البيت في تثقيف ذهنها، أو في أي استمتاع آخر.
Unknown page