تعد الحاجة إلى المساواة من مميزات الزمن الحاضر، والحقيقة هي أن هذه الحاجة قديمة قدم العالم.
وتجد هذه الحاجة بادية منذ فجر التاريخ في قصة قتل هابيل من قبل قابيل الذي حسد أخاه على نصيبه، ثم تعد الحاجة إلى المساواة أهم سبب في سقوط أعظم الحضارات، ولا سيما حضارة اليونان والرومان.
واليوم تجد هذا الميل الأصيل إلى المساواة في نزاع صريح مع مقتضيات التطور الحديث الذي يؤدي إلى تباين الناس بدلا من تساويهم.
وإذا كانت المساواة سنة الأمم الابتدائية فإن التفاوت نتيجة لازمة لتقدم الحضارات، واليوم ترى مختلف طبقات الأمة عينها على درجات بالغة التفاوت، والواقع أن المجتمع الحديث يتألف بسبب ارتقائه فقط من أناس يذكرون بالأدوار المتعاقبة التي جاوزتها البشرية، وهي: زمن المغاور، والقرون الوسطى، وعصر النهضة، إلخ. •••
ومهما تكن قيمة مبدأ المساواة النفسية فقد صار أساس النظم الديموقراطية، وهو يمثل دورا عظيما في السياسة الحاضرة.
ولما حلت النصرانية محل السلطة الرومانية قام الأمل في مساواة سماوية مقام الحاجة إلى المساواة الدنيوية لبضعة قرون، وقد حول الإيمان بهذه المساواة القادمة حياة الأمم في جميع القرون الوسطى، ومع ذلك فقد ذوى هذا الإيمان بالتدريج، فلاح الصراع الأبدي بين الغني والفقير، وبين القوي والضعيف، وبين القادر ولعاجز، ذلك الصراع الذي هز العالم كثيرا.
وتعد الثورة الفرنسية من أهم المحاولات التي بذلت للوصول إلى المساواة الاجتماعية التي سجلها التاريخ، وإذ لم يجرؤ نظريوها على الجدال في التفاوت الطبيعي الواضح أمره فقد اكتفوا في البداءة بتوكيدهم في «إعلان حقوق الإنسان لسنة 1789»: «أن الناس يولدون ويبقون أحرارا متساوين في الحقوق.»
ولما حلت سنة 1793 تقدموا خطوة إلى الأمام، فزعموا في تصريح جديد أذاعوه: «أن جميع الناس متساوون طبيعة.»
وأخيرا ألقي مبدأ المساواة في العالم فاستولى على النفوس شيئا فشيئا.
ومن بين الشعار الثوري: «الحرية والمساواة والإخاء» ترى مبدأ المساواة وحده هو الذي استمر على النمو، ومبدأ الإخاء وإن حافظ على شيء من النفوذ لم يلبث أن أضاع قوته، وقد داومت الأمم ورجال السياسة على امتداحه، مع أن تعاقب الحروب الكثيرة دلهم على موطن الخطر في اعتقاده.
Unknown page