وما كان هذا النظام ليحرم البلاد المتحدة استقلالها مطلقا، ولكنه كان يضعها في الأعمال الحربية وقليل من الشئون العامة تحت إدارة ملك بروسية، الذي اتخذ في البداءة لقب إمبراطور ألمانية الفخري فقط، وكانت كل واحدة من الدول المتحدة تحتفظ بولي أمرها وبوزرائها وإدارتها، أي باستقلالها الذاتي، وأراد بعض هذه الدول: كبفارية أن يدل على استقلاله جيدا، فداوم على تمثيله في الخارج بمفوضين دبلميين.
1
ومن الطبيعي أن يوسع الإمبراطور الذي لم يكن غير مدير للمصالح المشتركة سلطاته بالتدريج كما يقع في أحوال مماثلة، فأصبح سيد ألمانية الوحيد في أثناء حرب سنة 1914 لمدة القتال على الأقل.
وفي البداءة قصر سلطانه على تفوق بسيط، فاحتمل بلا حماسة في كل وقت من قبل الدول المتحدة، حتى إن كثيرا من هذه الدول - ولا سيما بفارية - أبدى ثاني يوم الهدنة ميلا جليا إلى الانفصال.
ولو كان الحلفاء يدركون وضع ألمانية السياسي الحقيقي حين كتابة معاهدة الصلح لأيدوا هذه الميول، ولو فاوضوا مختلف الدول الجرمانية على انفراد وفق شروط تختلف باختلاف هذه الدول لاجتنبوا من فورهم وجود ألمانية موحدة متوعدة أمامهم.
ولا ريب في أن الدول التي وحدت بروسية بينها موقتا كانت تهدف إلى الوحدة في آخر الأمر، غير أنه كان لا بد من انقضاء زمن طويل يهمل في أثنائه كل أمل في الانتقام بحكم الضرورة.
وبعد أن ساعدت الدبلمية الأوربية على قيام مركزية، كان يجب أن تؤجل حدوثها، أساءت إلى نفسها كثيرا بمنعها ألمان النمسة من الانضمام إلى ألمانية، فلا بد من وقوع هذا الانضمام الذي يطالب به المغلوبون باسم مبدأ القوميات الوهمي الذي نادى به الغالبون، وسيقع هذا بالتدريج ومن غير عنف حينما تلغى الجمارك بين البلدين ويوحد ما بين مصالحهما المشتركة، وهنالك تدمج الجمهورية النمسوية في الإمبراطورية الألمانية مع محافظتها على استقلال ذاتي ظاهر، وذلك كما اتفق تماما لبفارية وسكسونية وورتنبرغ، إلخ، التي تؤلف اليوم جزءا منها.
وعندما يتم هذا الضم تكون ألمانية قد نالت كثيرا بالحرب، مع أن جميع بلاد أوربة خربت بهذا الصراع الهائل.
ومما يلاحظ مع ذلك أن النمسة الفخور باستقلالها كانت لا تفكر في الانضمام إلى ألمانية مطلقا، لو لم يجردها صانعو معاهدة الصلح من أجمل ولاياتها لتتألف منها ممالك منفصلة.
ومن النتائج القريبة أو البعيدة لمبدأ الحلفاء الضار الذي صدر عن أوهامهم النفسية: إحداث دويلات متنافسة راغبة في التوسع على حساب جيرانها ومعدة لأوربة حروبا جديدة بذلك، وذلك فضلا عن توسع ألمانية بضم النمسة إليها.
Unknown page