ويحاول قادة الولايات المتحدة إبقاء المثل العليا القائمة على ما فيها من وهم لما يعرفون من شأن المثل الأعلى في مصير الأمة، وهذا تطبيق اجتماعي لذرائعية الجامعات الأمريكية القريبة من نفعية فلاسفة الإنكليز، وإذ أصبحت المنفعة مقاس القيم الاجتماعية فإن الأمريكي يعاني كثيرا في المحافظة على معتقداته القديمة كما يعاني العقلي اللاتيني في تقويضها.
أجل، إن الولايات المتحدة لم تدون حقوق الإنسان باحتفال، غير أنها تجهل فروق الطبقات التي حافظت عليها أوربة بنظام المسابقات القائمة على الاستظهار، فالعامل والقاضي والمحامي والأستاذ يتمتعون باعتبار واحد، ويسهل الانتقال من طبقة إلى أخرى لأن معظم الوظائف انتخابي، وصار أناس من العتالة حكام ولاية ورؤساء جمهورية أيضا، ويرضى فتيان من أسر صالحة أن يكونوا خدمة قهوة مساء ليدفعوا أجرة دروسهم.
وما تم من تجديد في العمل أدى إلى جعل العامل الأمريكي متخصصا كثير الإنتاج بالتدريج، ويبقى هذا الوضع نافعا جدا إلى أن يسفر عن فرط في الإنتاج، ويؤدي إلى الاستهلاك الأدنى الموجب للبطالة، ونبصر بداءة هذا الدور، ومن الممكن أن ينجم عنه استياء شعبي شديد من النوع الذي كان مقدمة للانقلابات السياسية في جميع أزمنة التاريخ.
واليوم ترى الولايات المتحدة دائنة لأوربة بعد أن كانت مدينة لها، وهي إذ تبدو فخورا بنجاحها فإنها تتعود مخاطبتها بالتدريج كما يخاطب السيد مولاه، ناظرة بازدراء إلى هذه القارة القديمة التي يقرضها وعيد الصراع بين الأمم وتنازع الطبقات في قلب كل أمة.
ولهم أن يبدوا هذا الازدراء بلا عقاب بمقدار ما تؤدي إليه قروض الحرب المتتابعة من انتقال معظم الثروة الأوربية إلى الولايات المتحدة، وبفضل هذه القروض استطاعت ألمانية أن تؤدي قسما من دينها كما أصاب مستر كولدج في ملاحظته.
بيد أن خطأ الولايات المتحدة يتجلى في زيادة التعريفات الجمركية التي تجعل الإصدارات متعذرة تقريبا في آخر الأمر، فكل يعلم أن الاستيراد عند كل الأمة لا يمكن دفع ما يقابله إلا بالإصدار، فإذا ما أغلقت أمريكة حدودها دون المنتجات الأجنبية جعلت من الصعب على أوربة دفع الديون المعقودة.
ومع ذلك فإن حكومات الولايات المتحدة تعرف جيدا أن العالم القديم إذا كان لا يستطيع أن يستغني عن بعض المنتجات الأمريكية كالقطن، فإن أمريكة المشتملة على 123 مليون إنسان تستطيع الاستغناء عن المبادلات التجارية ما دام 92٪ من منتجات أرضها وصناعتها يستهلك من قبل سكانها. •••
ويستند ما يدعيه الأمريكيون من تفوق سياسي واقتصادي وأدبي إلى قوة عسكرية هائلة، تزيد كل يوم على الرغم من التصريحات السلمية الكثيرة، وبالكلمة الآتية أشار الرئيس كولدج إلى قوة بلده العسكرية قبل انتهاء سلطته: «لدى بلدنا من الوسائل والأخلاق والروح اللازمة لجمع وتجهيز وحفظ ما يحتاج إليه جيش وبحرية، ساعدا بقذف أكثر من مليوني نفس في ميادين القتال بأوربة على تقرير هدنة 11 من نوفمبر سنة 1918.»
1
وإذ نظر إلى قوة الولايات المتحدة البرية والبحرية التي هي نتيجة الحرب الأخيرة، لم يوجد إذن غير ما قد تخشاه في زمن قريب أو بعيد من أخطار يمكن أن تنشأ عن فضلة سكان أو غزو ياباني.
Unknown page