الفرنسوي مؤلف كتاب الخرائب
Ruins ، أما ذلك الكتاب الصغير فعنوانه «أصول الإحساس بالخير» ثم «پالي
» الآلهي الإنجليزي الذي يحصر عقاب الحياة الأخرى وثوابها في حدين: أولهما «السعادة الشخصية كرائد في الحياة»، و«إرادة الله كقانون» وبهذا تجد أنه أوسع من نطاق فلسفة الحياة، بحيث جعل أثرها يتعدى الدنيا ليشمل الآخرة.
ولقد أشرنا من قبل إلى الخطبة الأخيرة في كتاب أفلاطون المسمى «بروطاغوراس» فنظرنا فيه نظرة أشمل وأدق، أما هنا فنقول بأنه مما لا يبعد احتماله أن يكون أفلاطون قد كتب هذا الكتاب موليا بنظره شطر أرسطبس زميله في التلمذة، وهذا الحكم يمكن أن نجعله يشمل ذلك الجزء من كتاب «فيدون
» الذي يحاول أن يثبت فيه أفلاطون أن الفضيلة إنما هي نتيجة التبصر
على أن تأملات شبيهة بهذه هي التي تحتل مركز الدائرة في مذهب أبيقور الأدبي.
لقد اتبع أبيقور خطوات القورينيين في المسائل الأخلاقية غير أن طبيعته المتقدة المتوثبة لم تجد في أسلوبهم الذي اتبعوه لدى استنتاج «النواهي» الخلقية ما يرضيها الرضا الكامل، فإنه لم يرض بأن يقف «تهذيب الأخلاق» عند حد وضع القواعد الأولية، فتكون كالأمثال السائرة كقولك: «الأمانة أحسن سياسة»، أو كقولك: «إذا لم توجد الأمانة لوجب أن نوجدها»؛ فإن هذه القاعدة الأخلاقية إذا بلغت هذا الوضع - أي الوضع الذي تصل معه حد التوسط بين «حب الفرد لنفسه» وبين «الخير العام» - لم تصبح بعد مجرد نظرية تحذيرية في الأخلاق، بل وجب أن تكون كقوة القانون، التي تكمل من ناحية، وتنظم من أخرى؛ قوة الرأي العام.
على أن كلا من هذين المؤثرين يظهران جليين في تعاليم القورينيين، فقد اعتبروا أن احترام العقوبات القانونية واحترام الرأي العام مؤثران لهما نتائجهما الثابتة في ضمان حسن السلوك، وقد نجد في العصور الحديثة أن الذين مثلوا هذا الوضع من الفكرة الأخلاقية كانوا جميعا من القائلين بوجوب «الإصلاح التشريعي» فإن هلفتيوس قد وضع نصب عينيه الوصول إلى غرض واحد هو أن يلبس القانون ذلك الثوب الذي يمكن به التوفيق بين المصالح الذاتية والمصالح العامة، وكذلك بنتام، فإنه حاول أن يحقق هذه الناحية نفسها مستخدما في سبيلها كل ما أوتي من قوة تفكير ونبوغ، وكل ما خص به من خصب القريحة وكفاية الخلق والإبداع.
وضح لنا الآن أن أول وجه من أوجه العلاقة بين الذاتية والغيرية، إنما يقوم على احترام القانون واحترام الرأي العام، أما الوجه الثاني فيقوم على فكرة تقدير المشاعر الغيرية باعتبارها عنصرا من عناصر السعادة الذاتية.
وتطبيق هذه الفكرة ينحصر في العمل على «تأصيل» هذه المشاعر، بأن ننسى أصلها الأناني الذي نشأت عنه، وأن نحيا حياة كلها «صبر واحتمال وتضحية» في سبيل ما يعود من خير على إخواننا الذين يعايشوننا باعتبار أن عملنا هذا ما هو إلا وسيلة نصل من طريقها إلى سعادتنا الذاتية.
Unknown page