85

Falsafat Cilm

فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية

Genres

16

وحتى النظريات نفسها يجب أن يزول الشك فيها بمجرد الوقوف على الحتمية التجريبية،

17

ومن السهل ملاحظة أن برنار بهذا ينقض نفسه، فما هو إذن الفارق بين العلماء والمدرسيين؟ طالما أن مبدأ الحتمية هو نقطة البدء المطلقة للعلماء والغير قابلة للشك.

وفي إطار مثل هذا التسليم بالحتمية، مبدأ الإبستمولوجيا دعا برنار إلى التجريب المقارن بين الوقائع ومحاولة تعيين الشدة العددية لها بمعنى تكميم الوقائع إذا أمكن. ومع هذا لم يرحب برنار كثيرا بإدخال الرياضيات في العلوم الحيوية؛ لأن الرياضيات الملائمة للتطبيق فيها هي الإحصاء وحساب الاحتمال التي تهز من دعائم الصورة الحتمية المكينة، وهذا هو بالضبط موقف أوجست كونت نفسه في علم الاجتماع، فقد أسماه في البداية «الفيزياء الاجتماعية»، حتى أخرج عالم الفلك البلجيكي المهتم بالاجتماع أودلف كيتليه كتابه «الفيزياء الاجتماعية 1869م»، حيث يعالج الظواهر الاجتماعية معالجة رياضية إحصائية دقيقة تأسيسا للعلم بها. فثار كونت، ومن أجل رفض الإحصاء وحساب الاحتمال ترك مصطلح «الفيزياء الاجتماعية» إلى «علم الاجتماع»، وسحقا للسمة واللغة الرياضية بجلال قدرها، فلا رياضة ولا فيزياء المهم علم حتمي بأي شكل كان ولندعوه علم الاجتماع. أجل سحقا لكل ما يمس الحتمية العلمية، وليس هذا تعبيرا إنشائيا بل دلاليا، فقد «أدان كونت المجهر؛ لأنه هدم الصورة البسيطة لقوانين الغازات»!

18

وقد رأينا النظرية الحركية للغازات من مواطن أزمة الفيزياء الكلاسيكية وبوادر الثورة على الحتمية.

وبهذا التمثل للإبستمولوجيا الكلاسيكية وحتميتها، انطلق كلود برنار من فلسفة العلم المواكبة لها والمتسقة معها، الوضعية والنزعة الاستقرائية، لم يرفض حجة التعميم الاستقرائي كما فعل هيوول، سلم بها ثم واصل المسير في طريقه النقدي، فأضاف إليها الفرض. وبفضل برنار استقر الفرض في منظومة المنهج الاستقرائي، ومنذ برنار فصاعدا أصبح منهج العلوم الإخبارية يقوم على دعامتين هما الفرض والتجريب.

لقد علمنا الفيلسوف العظيم إيمانويل كانط أن النقد كمصطلح فلسفي لا يعني فقط تصيد الأخطاء، بل أيضا وقبلا سبر الإمكانيات وتعيين الحدود. وبهذا نتفهم تسليم برنار النقدي بالنزعة الاستقرائية، إنه يقبلها بمنحاها التبريري اللاتاريخي ثم يعين حدودها وقصوراتها. ومن أجل استئناف مسار البحث العلمي يصبح الفرض ضرورة، وفي هذا يميز برنار تمييزا قاطعا بين الملاحظة

observation ، والتجربة

Unknown page