Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
F. Hegel (1770-1831م) المنهج الجدلي، أو قلبه ليقف على قدميه الماديتين، بعد أن كان يقف على رأسه المثالي مع هيجل. وعن طريق المراحل الثلاث للمنهج الجدلي: القضية أو الوضع، ثم النقيض، ثم المركب الشامل الذي يجمع خير ما في النقيضين ويتجاوزهما إلى الأفضل - يزعم ماركس أن التاريخ انتقل من المرحلة الإقطاعية إلى النقيض؛ وهو المرحلة البرجوازية الرأسمالية، وتغدو المرحلة الجدلية الثالثة هي المرحلة الشيوعية التي تجمع خير ما في النقيضين وتتجاوزهما إلى الأفضل، آتية حتما، وفقا للحتمية الشاملة التي ألقاها العلم على الوجود.
وإذا عدنا إلى عصر التنوير، حيث استبدت الواحدية المادية بمجامع الموسوعيين الفرنسيين، نجدها لم تلق هوى مع التنويريين الألمان. على العموم بلغ التنوير الألماني الذروة الشاهقة مع إيمانويل كانط
I. Kant (1724-1804م) شيخ الفلسفة الحديثة بلا منازع، تقوم فلسفته على الثنائية الشائعة، فيفرق بين الأشياء في ذاتها «النومينا» والأشياء لذاتها «الفينومينا»، النومينا موضوع الميتافيزيقا، أما الفينومينا أو الظواهر فهي موضوع العلم. ووضع كانط نظرية للمعرفة، هي علامة فارقة في تاريخ الفلسفة، وفي الوقت نفسه أقوى تمثيل لروح الفيزياء النيوتينية والعلم الحديث، وتقوم على عنصرين: هما العقل والحس، فالمقولات العقلية تتلقى المدركات الحسية لتشكلها في صورة معرفة بعالم الظواهر، وعبر كانط عن هذا بقوله الشهير: «المقولات بدون المدركات الحسية خواء، والمدركات الحسية بدون المقولات عمياء.» وعلى أساس من انسحاب الضرورة الرياضية إلى حتمية فيزيقية، سلم كانط بأن القضايا الفيزيائية تماما كالقضايا الرياضية، مطلقة يقينية ضرورية الصدق، والفارق الوحيد أن قضايا الرياضة قبلية - أي قبل الخبرة الحسية وسابقة عليها، بينما قضايا الفيزياء بعدية.
هكذا صاغت التجريبية الإنجليزية روح العلم، ثم أفرط التنوير الفرنسي في محاولة إنضاجها حتى كادت تحترق، وأعطتها قمة التنوير الألماني أصفى بلورة لها بنظرية كانط التي عينت حدود العلم بعالم الظواهر، أي الفينومينا، وأوضحت أن النومينا - موضوعات الميتافيزيقا - غير قابلة للإدراك.
فأصبحت أجواء النصف الأول من القرن التاسع عشر مهيأة لطرح الأساس والخلفية المكينة التي سوف تنطلق منها فلسفة العلم، ألا وهي «الفلسفة الوضعية
» التي تعني الاقتصار على ما هو موضوع
أمامنا في العالم الواقعي التجريبي، ورفض أية استنتاجات فلسفية أو ميتافيزيقية تتجاوز هذه الحدود، انطلاقا من رفض كل ما لا يتحقق تجريبيا.
وكان هذا الطرح في فرنسا، وأول من استخدم لفظ وضعي
هو المفكر الطوباوي المبشر بالدراسة العلمية للإنسان والمجتمع سان سيمون
Saint-Simon (1760-1825م)، أراد أن يجعل العلم شريعة البشرية وناموسها ودينها الجديد؛ لأنه طريق الخلاص الحقيقي للإنسانية، وكان التفكير «الوضعي» مع سان سيمون يمثل اتجاها إيجابيا (كما يفيد معنى اللفظ) مقابلا لأخلاق المسيحية السلبية، ويجب أن يحل محل الأفكار الخارقة للطبيعة والميتافيزيقية.
Unknown page