Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
الاتجاه السياسي الآخر في فلسفة العلم هو الأداتية
instrumentalist
بمعنى النظر إلى القوانين والنظريات والأنساق العلمية بوصفها أدوات للربط بين الظواهر والتنبؤ بها والسيطرة عليها توصف بالصلاحية أو عدم الصلاحية، وليست تعميمات استقرائية أو قضايا إخبارية ذات محتوى معرفي عن العالم التجريبي لتوصف بالصدق أو الكذب. فتقاس قيمة النظرية العلمية بقدرتها على أداء وظائف العلم، وليس بقدرتها على التعبير عن الواقع بصدق. القانون العلمي لا يصف الطبيعة، بل لعله يصف تصورنا للطبيعة. إنه اختراع أكثر منه اكتشاف ولا يمليه الواقع التجريبي. العقل يبدع النظرية العلمية بقدر من الحرية، مثلما يبدع أية أداة أخرى يريدها لأداء وظيفة معينة. وليست التجربة محكا حاسما للحكم على النظرية العلمية، المحك هو الملاءمة لأداء الوظيفة، ومعايير الملاءمة منطقية منهجية قبل أن تكون تجريبية، فهي المرونة والخصوبة والدقة في التنبؤات والشمولية والاتساق، ومن قبل ومن بعد البساطة. والمقصود بالبساطة
Simplicity
أن تكون النظرية محتوية على أقل عدد ممكن من المفاهيم الأساسية والعلاقات. والوقائع التجريبية ذاتها تقبل أو ترفض تبعا لقرار منهجي بناء على تلك المعايير المنطقية.
أطاح الأداتيون بالأساس الاستقرائي، وألقوا مشكلة الاستقراء وراء ظهورهم، أصبح العلم في نظرهم مجرد نسق منطقي من عبارات هي دوال منطقية، لا تعدو أن تكون مجرد أدوات تحقق هدف العلم أو تؤدي وظيفته؛ وهي السيطرة على العالم ثم التقانة «التكنولوجيا». وبالتالي أعفوا أنفسهم من العلية وافتراض الاطراد في الطبيعة، فلا تواجههم مشكلة الاستقراء، ما دامت قوانين العلم ليست تعميمات نحكم عليها بالصدق وحدود الصدق، بل هي - كما ذكرنا - أدوات نافعة ومفيدة لأداء وظيفة معينة، ومن إبداع العالم وخلقه الحر. وهذه الحرية ليست عشوائية أو تعسفية، بل محكومة بالمعايير المنطقية. القانون العلمي لا يمكن التحقق التجريبي من صدقه أو كذبه، ولا جدوى من هذا، يكفي أن يكون عبارة متسقة بسيطة ومثمرة، فيوصف بالمواءمة والصلاحية.
أصر الأداتيون على أنه لا يمكن اعتبار القانون العلمي مشتقا من الاختبارات التجريبية؛ لأن القانون عام والتجربة جزئية، القانون محدد بدقة والتجربة تقريبية تحتوي على عديد من التعقيدات يستبعدها القانون.
46
التجربة منتهية والقانون قابل دائما للتطور والتقدم، فكيف تكون النظرية العلمية نتاجا للوقائع التجريبية؟! إنها نتاج العقلية العلمية المبدعة، وتكشف عن عمليات منطقية أكثر مما تكشف عن وقائع تجريبية. قد تتكيف النظرية وفقا لمقتضيات التجربة التي لا تمثل أكثر من مرشد، فدورها استشاري فقط لتحديد أنسب الفروض العلمية والأكثر ملاءمة، أي الأدق في التنبؤ والأوسع في العمومية، دون الزعم بأن القانون حقيقة متمثلة في الواقع التجريبي.
لم تعد التجربة إطارا مرجعيا للحكم على القوانين والنظريات. الإطار المرجعي معايير منطقية هي على وجه التحديد المواءمة والاتساق والبساطة المرتبطة بمبدأ الاقتصاد في التفكير، خصوصا البساطة؛ لأن الواقع معقد ومهمة القوانين العلمية تبسيطه. البساطة إذن معبرة عن وظيفة العلم في نظرهم، من هنا كانت أهم المعايير المنطقية والإطار المرجعي الأكبر بالنسبة للأداتيين.
Unknown page