Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
L. E. Brouwer (1881-1966م)، وأيضا أرند هايتنج
A. Heyting . أنكر الحدسيون أن يكون المنطق قادرا على تأسيس أصول الرياضيات، وعرضوا قوانين التفكير الأساسية لمنظار النقد، وأثاروا الشك في قانون الثالث المرفوع أو الوسط الممتنع، أي «الشيء إما أ أو لا أ، ولا ثالث أو وسط». لقد اختلفت رؤيتهم لدور المنطق عن رؤية فريجة ورسل والمدرسة المنطقية في أصول الرياضيات، واختلفت أيضا عن رؤية ديفيد هيلبرت والمدرسة الصورية، وكان النقاش حادا بين الحدسيين والصوريين.
لقد تراجع تماما التفسير التجريبي الاستقرائي لأصول الرياضيات، وأصبح المنطقيون والصوريون والحدسيون يمثلون المدارس الثلاث الكبرى المتنافسة فيما بينها، إلا أن المدرسة المنطقية مع رسل كانت بمثابة ثورة وصاحبة الأثر الأكبر في توجيه فلسفة القرن العشرين. وبشكل عام تمخضت المناقشات الدائرة بين هذه المدارس الثلاث في أصول الرياضيات عن نماء ونضج المنطق الحديث، الذي أصبح بالضرورة منطقا رمزيا ما دام في أصله رياضيا.
انطوى ترميز المنطق على قفزة عقلية هائلة طرحت إمكانيات إبستمولوجية أبعد، بحيث يمكن أن نماثلها بالقفزة التي حدثت ممهدة لنشأة العلم الحديث من جراء استخدام رموز الأرقام الهندية العربية بدلا من الأرقام الرومانية القاصرة العقيمة التي استمرت في أوروبا حتى القرن الثالث عشر أو بالتحديد عام 1202م، عام عودة ليوناردو فيبوناسي إلى بيزا؛ لينشر شروحا للأرقام التي تعلمها من العرب. يكفي أن نقارن مثلا العدد 988 في صورته العربية هكذا أو 988 وهي صورة عربية أخرى، وبين صورته بالأرقام الرومانية هكذا:
DCCCCLXXXVIII ، أو بين إمكانية إجراء عملية حسابية بسيطة مثل «113 × 8» بصورتها العربية وبين إجرائها في الصورة الرومانية
VIII X CXIII ، حيث تحتاج لجهد خارق وعقيم، المثل تماما يحدث بفضل ترميز قضايا وعلاقات الحجة أو البرهان أو الصياغة في المنطق الرياضي. وإذ يصطنع المنطق لغة رمزية مبرأة من عيوب اللغات الطبيعية، فإنه يتجنب الخلط والإبهام وعدم دقة التعبير والمراوغة في المعنى الكامنة في اللغة الطبيعية، أجل، استخدم المنطق الأرسطي الرموز إلى حد ما، رمز للموضوع ورمز للمحمول، ربما كان الفرق في الرمزية بينه وبين المنطق الرياضي الحديث فرق درجة وليس فرق نوع، لكنها درجة هائلة شاسعة تصل إلى حد صنع اختلاف كيفي بين المنطق القديم والمنطق الحديث، وتجعل هذا الأخير أداة قوية ناجزة للتحليل وللاستنباط، وقادرا على أن يكشف عن البنية المنطقية للقضايا والحجج بوضوح لم يكن متاحا البتة قبل كل هذا القدر من الترميز.
5
منح المنطق الرياضي فلسفة القرن العشرين ذات المنزع المعرفي والتجريبي والعقلي إجمالا أسلوبا فنيا للصياغة الدقيقة والتعبير المنضبط، وأداة فريدة مكنتها من استنباط النتائج من المقدمات بطرق ممهدة لم تكن متاحة من قبل، لقد جعل من الممكن صياغة مشكلات فلسفية تقليدية بطرق جديدة خصيبة ومثمرة، فقام بدور كبير في تطوير مدارس وأنساق فلسفية عديدة. وقدم التحليل المنطقي للقضايا عتادا هائلا للنظرة التعددية للعالم رفضا للواحدية وعلاقاتها الداخلية، فقد أوضح أن خواص الشيء أو أوصافه لا تفصح عن علاقاته بالأشياء الأخرى مما يعني أن العلاقات خارجية، وبالتالي العالم تعدديا.
6
وبشكل عام أدى المنطق الرياضي إلى إزالة مواطن لبس وغموض رانت طويلا على صدر الفلسفة متذرعة بالخلط اللغوي، مثلا توصل برتراند رسل عام 1905م إلى «نظرية الأوصاف المنطقية»، وعن طريقها تستطيع الفلسفة - أخيرا - إثبات أن غولا أو دائرة مربعة مفاهيم لا وجود لها. «كل العفاريت حمراء»، و«كل المصريين عرب»، «قضيتان متساويتان في نظر المنطق الأرسطي، وعن طريق الأوصاف المنطقية يتم إثبات أن المقدم «المبتدأ أو الموضوع» في القضية الأولى لا وجود له، بينما هو في الثانية موجود، هناك فئة فارغة وفئة غير فارغة، هدف «الأوصاف المنطقية» هو تمييز الصور المنطقية عن الصور النحوية وإبعاد الكيانات الزائفة التي لا يستطيع النحو إثبات زيفها. فتعتبر نظرية الأوصاف المنطقية مثالا نموذجيا للفلسفة في القرن العشرين المتسلحة بالمنطق الرياضي، ومثلها أيضا نظرية رسل في الأنماط المنطقية عام 1908م التي تفرق بين قضية تشير إلى شيء جزئي وقضية تشير إلى مبدأ عام أو تشير إلى قضايا أخرى، مما أدى إلى حل مفارقات كثيرة.
Unknown page