Falsafat Cilm
فلسفة العلم في القرن العشرين: الأصول – الحصاد – الآفاق المستقبلية
Genres
System Chaotic ، والأنساق الكايوسية كائنة في كل مكان من عالمنا الفيزيقي،
62
وتقدم الكايوس (= علم الشواش) وهو علم يبحث كيفية دراسة الآثار المتراتبة بعيدة المدى لتغير أولي يبدو بسيطا، يتراكم ويتضخم بفعل العلاقات المتبادلة بين كثرة لا نهائية من العوامل والمكونات في النظم المركبة. والمثال النمطي على هذا هو إمكان الربط بين فراشة ترفرف بجناحيها في الصين وعاصفة تهب في المحيط الهادي عن طريق تراكم وتضخم آثار هذه الرفرفة في نظام الطقس بمكوناته العدة. (الكايوس
Chaos
كلمة إغريقية تعني الفوضى والعماء)، وأصبح الكايوس أو علم الشواش في العقدين الأخيرين موضوعا مهما يتكاتف في بحثه فيزيائيون ورياضيون ومناطقة، فهل نتحدث بعد ذلك عن حتمية علمية؟!
وبخلاف النسق الكايوسي اللاتنبئي، علمتنا الكوانتم أن التنبؤات الناجحة ذاتها لا تعني حتمية شاملة، وأن الارتباط اللزومي بين حدث وآخر لا يعني أن ذلك الحدث، وكل الأحداث، محتومة سلفا، وكان الإحباط العنيد لكل الجهود التي تحاول إدخال عالم الذرة والإشعاع في قلب التصور الحتمي إيماءة قوية لضرورة تبديل هذا التصور الذي يهدف إلى مثال زائف، هو مثال الوصف الكامل للعالم، فقد اتضح أن العالم ليس البتة نظاما مغلقا كما تفترض الحتمية، ولا هو نظام ميكانيكي.
هكذا، بعد أن كانت العقول تتصور اللاحتمية بوصفها قرينة الجهل والظلام واللاعلمية تبدل وضعها وارتفع لواؤها في إبستمولوجيا القرن العشرين، نفيا للحتمية؛ لأن تكون كل الأحداث محددة سلفا بدقة مطلقة في كل تفاصيلها المتناهية في الكبر أو في الصغر. في المنظور اللاحتمي المنفتح، الأرحب والأكثر دهاء وعمقا، ثمة عوامل عدة تؤدي علاقاتها ببعضها إلى احتمالات عدة ممكنة، لم يعد حدوث الحدث ضروريا، ولا سواه مستحيلا يهدم العلم والعالم، العالم اللاحتمي يستوعب الأنساق الكايوسية ويظل منتظما ومعقولا، تخضع وقائعه للقوانين العلمية، لكن في إطار تعاقب الأحداث الاحتمالي وليس الحتمي. حل الترابط الإحصائي محل الترابط العلي الضروري، وأصبح التنبؤ العلمي أفضل الترجيحات بما سوف يحدث وليس كشفا عن القدر المحتوم، فانقطعت كل همزة وصل بين العلم والجبرية العتيقة، بعد أن تكفل في مراهقته الحتمية بمواصلة مسيرتها، إنه زيف اليقين الذي انكشف كما انكشف زيف المطلق، فاختفى المثل الأعلى للعالم العالم بالحقيقة المطلقة، حينما اختفى المثل الأعلى للعالم الذي يسير كما تدور الساعة المضبوطة.
كان البحث عن قوانين وعلاقات رياضية لا تتغير بالنسبة لجميع الراصدين، لجميع الذوات العارفة أيا كان الموضع والموقع، هو صميم مهمة العلم، حتى جاء آينشتين ليجعل موقع الراصد وسرعته معينات أساسية للطبيعة،
63
فكان دخول الذات العارفة كمتغير في معادلة الطبيعة واحدة من أخطر النتائج الإبستمولوجية للنظرية النسبية كما أشرنا. إن الراصدين الذين يلاحظون من كواكب مختلفة أو مجرات مختلفة يدرك كل منهم سماء مختلفة، ويتحكم تأثير السماء في ساعاتهم - بمعنى أجهزتهم للرصد - بحيث إن الوقت الذي يقرأه كل منهم يختلف في اللحظة الواحدة، وكل منهم يقدر مرور الزمن تبعا لسرعة مختلفة، فارتبطت الملاحظة بالملاحظ - بالذات العارفة - بموقع الملاحظ وحركته، قد يكون موقع الملاحظ بالنسبة لنا هو الأرض في كل الأحوال، لكن الملاحظ المرتبط بالأرض لا يستطيع أن يجري الأقيسة الفلكية نفسها التي يجريها الملاحظ المرتبط بكوكب آخر، والنسبية تدرس كيف تؤثر حركتا هذين الملاحظين النسبية في ملاحظاتهما،
Unknown page