Falsafat Cilm Ahya Muqqadima Qasira
فلسفة علم الأحياء: مقدمة قصيرة جدا
Genres
عندما نبحث مسألة التحولات الرئيسية، نصطدم مباشرة بمسألة مستويات الانتخاب. لنأخذ التحول إلى التعددية الخلوية مثالا. ربما كان أقدم كائن متعدد الخلايا عبارة عن تكتل فضفاض من بضع مئات من الخلايا أشبه بمستعمرة منه بكائن «حقيقي». وبمرور الوقت، تطورت هذه الخلايا إلى وحدة شديدة التماسك تحتوي على تريليونات من الخلايا تختص كل منها بمهام معينة، وتتعاون جميعها من أجل الصالح العام. ولكن لماذا لم يؤد الانتخاب من بين الخلايا إلى الإخلال بتكامل الكائن متعدد الخلايا الناشئ منها؟ إذ كما نعلم، لا يلزم أن يكون للانتخاب على مستوى ما آثار مفيدة على المستويات الأعلى. طرحت إجابات مختلفة لهذا اللغز. كان أحدها اللجوء إلى نظرية انتخاب الأقارب: هل يحتمل أن تكون الخلايا داخل هذا التكتل المتعدد الخلايا الناشئ أقارب، أو حتى مستنسخة من بعضها، ولهذا السبب تعاونت؟ يمكن أن يحدث هذا إذا تطورت دورة حياة الكائن الحي بحيث يمر بمرحلة الخلية الواحدة؛ وهو بالضبط ما نراه في معظم النباتات والحيوانات الحديثة التي تنمو من لاقحة واحدة. هذا يضمن أن يكون بين الخلايا المكونة ارتباط نسيلي، أو شبه نسيلي. (وفق قاعدة هاملتون، الارتباط النسيلي يعني أن
r = 1 .) وفقا لهذه النظرية، فإن تفسير سبب تخلي الخلايا الفردية عن استقلالها وتطورها إلى أجزاء من وحدة أكبر هو أنه بقيامها بذلك، تتمكن من مساعدة أقاربها الجينيين.
ترتبت على الدراسات حول التحولات الرئيسية آثار مفاهيمية لافتة. أولها أنها تشير إلى أن الصياغة التقليدية لمسألة مستويات الانتخاب كانت إلى حد ما قاصرة. إن الصياغة التقليدية، التي اتبعناها في الفقرة السابقة، تعتبر وجود التسلسل الهرمي البيولوجي أمرا مسلما به، كما لو كان حقيقة مطلقة عن العالم. لكن بالطبع، التسلسل الهرمي البيولوجي هو في حد ذاته نتاج للتطور؛ فمن الواضح أن الكيانات الأعلى في التسلسل الهرمي، مثل الكائنات متعددة الخلايا، لم تكن موجودة في فجر الحياة على الأرض. وهو ما ينطبق أيضا على الخلايا والكروموسومات. لذلك، نظريا نحن بحاجة إلى نظرية تطورية تشرح كيف ظهر التسلسل الهرمي البيولوجي إلى الوجود، لا تتعامل معه باعتباره من المسلمات. من منظور التحولات الرئيسية، لا يكفي بحث الانتخاب والتكيف على مستويات هرمية موجودة مسبقا؛ بل نحتاج كذلك إلى أن نفهم كيف تطورت مستويات التسلسل الهرمي في الأساس.
هذا يعيد إبراز الأهمية الملحة للجدل حول مستويات الانتخاب. كان بعض علماء الأحياء يميلون إلى مناقشة الجدل التقليدي باعتباره زوبعة في فنجان؛ بحجة أن الانتخاب على مستوى الكائنات الحية المنفردة هو القوة التطورية الوحيدة المهمة فعليا، بغض النظر عن الاحتمالات النظرية الأخرى. لكن في ضوء التحولات الكبرى، يصعب الدفاع عن هذا الموقف. فما نسميه «كائنا حيا فردا» هو في حد ذاته مكون من مجموعة من خلايا بينها تعاون وثيق؛ والخلية الحقيقية النواة هي نفسها تعتبر جماعة من نوع ما، إذ تكونت من اندماج خليتين بدائيتي النواة مستقلتين. باختصار، إن «الكائنات المنفردة» الموجودة اليوم لم تكن موجودة منذ الأزل، ومن المفارقات أنها تطورت إلى أفراد محكمة الاتساق من خلال عملية انتخاب على مستوى الجماعة (حيث تعني كلمة «جماعة» هنا مجموعة من الخلايا). لذلك، لا بد أن يكون انتخاب قد حدث في الماضي على مستويات غير مستوى الكائن الحي الفرد، بغض النظر عن إذا كان لا يزال يحدث اليوم أم لا. من هذا المنظور الأشمل، يتبين أن الحجة القائلة بأن الانتخاب الفردي هو «الأهم من الناحية العملية» هي حجة ضعيفة.
أما الأثر المفاهيمي الثاني اللافت الذي تشير إليه الدراسات المتعلقة بالتحولات الرئيسية هو أن كل أشكال الحياة على الأرض اجتماعية بشكل ما. بمعنى أن جميع الكائنات الحية، بما فيها أنت وأنا، هي فعليا جماعات اجتماعية معقدة، مكونة من وحدات أصغر، مثل الخلايا والعضيات، تنحدر من أسلاف مستقلة. هذه فكرة لافتة للغاية. ذلك أن كون مستعمرات الحشرات أو قطعان قرود البابون جماعات اجتماعية هي حقيقة واضحة، لكن حقيقة أن كل كائن حي متعدد الخلايا، بل في الواقع كل خلية حقيقية النواة، هي أيضا جماعة اجتماعية ليست واضحة بالقدر نفسه، وإن كانت صحيحة. تلك الرؤية الاجتماعية للحياة تجبرنا على إعادة التفكير في ماهية «الفرد»، وتجعلنا نتساءل إذا كان التمييز بين «الأفراد» و«الجماعات» مسألة متعلقة بالسياق. (بمعنى أنه يحتمل اعتبار كيان واحد فردا في بعض السياقات وجماعة في سياقات أخرى.) ويساعدنا ذلك على فهم لماذا يجب أن يكون للمفاهيم الأساسية لنظرية التطور الاجتماعي، مثل الانتخاب الجماعي وانتخاب الأقارب وقاعدة هاملتون، التي وضعت في الأصل لتفسير سلوكيات حيوانية معينة، مجال تطبيق أوسع بكثير.
الفصل الخامس
الأنواع والتصنيف
يتضمن جزء مهم من البحث العلمي تصنيف الأشياء محل الدراسة إلى أنواع أو فئات. فيصنف الفيزيائيون الجسيمات الأساسية إلى باريونات أو لبتونات أو ميزونات حسب كتلتها. ويصنف علماء الفلك المجرات إلى إهليجية أو لولبية أو غير منتظمة حسب شكلها الظاهر. ويصنف الجيولوجيون الصخور إلى نارية أو رسوبية أو متحولة حسب كيفية تشكلها. أحد أهداف التصنيف هو إيصال المعلومات. فأنت إذا وجدت صخرة وأخبرك عالم جيولوجيا أنها نارية، فتلك معلومة تخبرك الكثير عن سلوكها المرجح. لذلك ينبغي أن يجمع مخطط التصنيف الجيد بين العناصر التي تتشابه في الجوانب ذات الأهمية ومن ثم يتوقع أن يكون سلوكها مشابها.
يثير التصنيف في العلوم قضية فلسفية عميقة. لاحظ أنه نظريا يمكن تصنيف جميع العناصر بأكثر من طريقة. على سبيل المثال، يمكن تصنيف الجسيمات الأولية من خلال اتجاه اللف المغزلي لها بدلا من كتلتها، مما ينتج عنه تقسيمها إلى نوعين: البوزونات والفرميونات. كيف إذن نختار بين طرق التصنيف المختلفة؟ هل ثمة طريقة «صحيحة» لتصنيف الكائنات الحية في مجال معين، أم أن جميع مخططات التصنيف هي في النهاية اعتباطية؟ هذا سؤال يثار بصفة عامة، لكن تركيزنا هنا ينصب على إجابته من جانب مجال التصنيف البيولوجي، أو علم التصنيف.
تقليديا، صنف علماء الأحياء الكائنات الحية باستخدام نظام لينيوس، الذي سمي باسم كارل لينيوس عالم الطبيعة السويدي الذي عاش في القرن الثامن. أساسيات نظام لينيوس واضحة ومباشرة. أولا، يدرج كل كائن حي تحت نوع، ويدرج كل نوع تحت جنس، وكل جنس تحت فصيلة، وكل فصيلة تحت رتبة، وكل رتبة تحت طائفة، وكل طائفة تحت شعبة، وكل شعبة تحت مملكة. وبالتالي فإن الأنواع هي الوحدة التصنيفية الأساسية؛ بينما الأجناس والفصائل والرتب وما إلى ذلك تسمى «الرتب التصنيفية العليا». لنأخذ مثالا، قطتي الأليفة تنتمي إلى نوع القط المنزلي (فيليس كاتوس)، الذي يشكل جنبا إلى جنب مع حفنة من أنواع القطط الصغيرة الأخرى جنس القطط. هذا الجنس نفسه ينتمي إلى فصيلة السنوريات، رتبة اللواحم، طائفة الثدييات، شعبة الحبليات، مملكة الحيوان. لاحظ أن الاسم اللاتيني للنوع يشير إلى الجنس الذي ينتمي إليه، ولكن ليس أكثر من ذلك.
Unknown page