ميزان العدل الصحيح هو التسوية بين حقوق المرء وواجباته.
فليس من العدل أن تسوي بين اثنين مختلفين في الحقوق والواجبات، ذلك هو الظلم بعينه، بل هو شر من الظلم أيا كانت العاقبة التي يؤدي إليها؛ لأنه هو وضع الشيء في غير موضعه، وهو الخطل والاختلال.
والتسوية بين الحقوق والواجبات، هي العدل الذي فرضته الفلسفة القرآنية للمرأة، وهو هو وضع المرأة في موضعها الصحيح من الطبيعة، ومن المجتمع، ومن الحياة الفردية.
فمن اللجاجة الفارغة أن يقال : إن الرجل والمرأة سواء في جميع الحقوق، وجميع الواجبات.
لأن الطبيعة لا تنشئ جنسين مختلفين؛ لتكون لهما صفات الجنس الواحد، ومؤهلاته، وأعماله، وغايات حياته.
وفي حكم التاريخ الطويل ما يغني عن الاحتكام إلى التقديرات والفروض فيما تتوخاه الطبيعة من الاختلاف بين الذكر والأنثى في نوع الإنسان.
فلم يكن جنس النساء سواء لجنس الرجال قط في تاريخ أمة من الأمم التي عاشت فوق هذه الكرة الأرضية، على اختلاف البيئات والحضارات.
وكل ما يقال في تعليل ذلك يرجع إلى علة واحدة؛ وهي تفوق الرجل على المرأة في القدرة والتأثير على العموم.
فليست جهالة القرون الأولى سببا صالحا لتعليل هذه الفوارق العقلية بين الرجال والنساء في جميع الأمم؛ لأن الجهل كان حظا مشتركا بين الجنسين، ولم يكن مفروضا على النساء وحدهن دون الرجال، ومن زعم أن الرجل فرض الجهل على المرأة فقبلته وأذعنت له؛ فقد قال: إنه أقدر من المرأة، أو إنه أحوج إلى العلم وأحرص عليه منها.
وليس الاستبداد في القرون الأولى سببا صالحا لتعليل تلك الفوارق؛ لأن استبداد الحكومات كان يصيب الرجل في الحياة العامة، قبل أن يصيب المرأة في حياتها العامة أو حياتها البيتية، ولم يمنع الاستبداد طائفة من العبيد المسخرين أن ينبغ فيهم العامل الصناع، والشاعر اللبق، والواعظ الحكيم، والأديب الطريف.
Unknown page