ثم يقول عن النفس الإنسانية: «إن النفس جوهر مجرد واحد ولها وجه إلى البدن، ويجب أن يكون هذا الوجه غير قابل لأثر من جنس مقتضى طبيعة البدن، ووجه إلى المبادئ العالية، ويجب أن يكون دائم القبول عما هناك والتأثير منه - فمن الجهة السفلية يتولد الأخلاق؛ لأنها تؤثر في البدن الموضوع لتصرفها مكملة إياه تأثيرا اختياريا وتسمى قوة عملية وعقلا عمليا، ومن الجهة الفوقانية يتولد العلوم؛ لأنها تتأثر عما فوقها مستكملة في جوهرها بحسب استعدادها وتسمى قوة نظرية وعقلا نظريا، فالقوة النظرية من شأنها أن تنطبع بالصورة الكلية المجردة من المادة، فإن كانت مجردة فلا يحتاج في أخذها إلى تجريدها، وإن لم تكن فتصير النفس مجردة بتجريدها حتى لا يبقى فيها من علائق المادة ...»
فإذا أغضينا عن فوارق الأسلوب ففي هذا الكلام مواطن اتفاق كثيرة بين الأقدمين والمحدثين، وبين الفلاسفة والعلماء، وبين أصحاب الدين وغيرهم من المفكرين.
فجميع هؤلاء متفقون على التفرقة بين الجسد العضوي، والجسد الذي لا تعضي فيه.
وجميع هؤلاء متفقون على إلحاق النبات بعالم الحياة في خصائصها التي تميزها من المادة على الإطلاق.
وجميع هؤلاء متفقون على أن «النطق» أو «العقل» خاصة إنسانية تميز الإنسان من الحيوان.
ولكنهم إذا جاءوا إلى الصفة التي تكسب الحي قدرة المعرفة وقع بينهم أكبر اختلاف يقع بين مختلفين.
فتوزع القوى المدركة في النفس على حسب الاتجاه العلوي أو السفلي كلام يسيغه بعض الفلاسفة وبعض المتكلمين، ولا يسيغه الآخرون.
وتدرج القوة العاقلة من الحيوان إلى الإنسان كلام ينكره الدينيون، ولا يتفق عليه علماء الطبيعة الذين يجعلون العقل من عنصر غير عنصر الغريزة أو البداهة الحيوانية.
وينتهون جميعا إلى «علم قليل» في هذا المبحث العويص الذي لا يدانيه في اعتياصه مبحث آخر من مباحث الطبيعة أو ما وراء الطبيعة.
ولسنا نسرد هذه الخلافات لنقطع فيها بقول فصل لا خلاف عليه، فليس إلى ذلك من سبيل.
Unknown page