165

Al-falsafa al-Injlīziyya fī miʾat ʿām (al-juzʾ al-awwal)

الفلسفة الإنجليزية في مائة عام (الجزء الأول)

Genres

لا يفوق برادلي في أهمية النصيب الذي ساهم به في عرض المذهب المثالي ونشره في إنجلترا، سوى جرين وكيرد، غير أنه يعد المركز الرئيسي لمرحلة جديدة في هذه الحركة. فكل ما تم حتى الآن يعد، بدرجات متفاوتة، مجرد جهد تمهيدي، هو عرض لعالم الأفكار الجديد في صورة ترجمة وتفسير وعرض ومحاكاة ونقد. وإذا استثنينا جرين، فإنا لا نصادف حالة واحدة تستحق الاهتمام صيغت فيها المادة الجديدة وعرضت بطريقة مستقلة. أما عند برادلي، فقد شب المذهب المثالي الإنجليزي عن الطوق، وبدأ يسلك طريقا خاصا به. ولقد كان برادلي أول من تناول هذا المذهب بطريقة خلاقة، وأول من جرؤ على أن يضع بذور مذهب خاص به في الأرض التي فتحت حديثا، بل لقد كان واحدا من القلائل من عظماء بناة المذاهب، وواحدا من أجرأ المفكرين التأمليين الذين أنجبتهم إنجلترا ومن أكثرهم أصالة. وهو يحتل في الفكر الإنجليزي الحديث منزلة رفيعة، وربما أرفع منزلة، على الرغم من أن أعماله الفلسفية ما زالت تثير نزاعا شديدا حاميا، وربما ستظل تثيره طويلا، فلا يكاد يوجد مفكر آخر ساهم بمثل ما ساهم به في إثارة الاهتمام الأصيل بالفلسفة.

ولقد كان كل النجاح الهائل الذي أحرزته فلسفة برادلي يرجع إلى جهوده من حيث هو كاتب فحسب؛ ذلك لأنه، على الرغم من أنه ظل زميلا في كلية بأكسفورد لمدة تزيد على نصف قرن، لم يتول التدريس أبدا، وإنما عاش في كليته أشبه ما يكون بالناسك، لا يصل إليه إلا أصدقاء قلائل، عاكفا على استخلاص أفكاره، وكان اعتلال صحته هو الذي فرض عليه هذه العزلة. ولقد تجلى التقدير الرفيع الذي كان يتمتع به خارج الأوساط الفلسفية وداخلها، تجلى ذلك التقدير على الملأ في تلك المنحة الملكية التي نالها قبل وفاته بقليل، وهي وسام الاستحقاق

Order of Merit ، الذي كان برادلي أول فيلسوف يناله. وقد كرمه إخوانه من الفلاسفة في ذلك الإهداء الحافل بالمعاني الذي صدر به المجلد الثاني من كتاب «الفلسفة الإنجليزية المعاصرة»، وهو: «إلى ف. ه. برادلي، حامل وسام الاستحقاق، الذي دانت له الفلسفة الإنجليزية بالقوة الدافعة التي أضفت عليها حياة متجددة في عصرنا.»

ونستطيع أن نوضح مكانته في المثالية الإنجليزية إذا لاحظنا أولا أنه ظل تقريبا غير متأثر بكانت على الإطلاق، وإنما كان يدين لهيجل بكل ما أتاه من الخارج تقريبا، على أن علاقته بهذا الأخير كانت دائما موضوع خلاف، وكثيرا ما كان هو ذاته يرفض أن يسمى هيجليا، على أساس أنه لا يعرف بأي شيء كان يدين لهيجل، وإلى أي مدى كان دينه هذا. ومن الأمثلة الدالة على ذلك، هامش في أحد كتبه اعترف فيه بدينه لهيجل، ثم أضاف: «ولكن ينبغي أن يذكر القارئ أنني أنا وحدي المسئول عما أقول.»

67

وفي وسعنا، إذا تأملنا الأمر من وجهة نظر عامة إلى أقصى حد، أن نقول إنه تلقى من هيجل القوة الدافعة الأولى للتفكير المستقل، وإن التفكير الهيجلي يتغلغل بعمق في فلسفته، في مجموعها وتفاصيلها، غير أن كل ما أخذه عن هيجل أو غيره قد صهر في بوتقة ذهنه الخاص وأضيفت عليه صورة مميزة. ومن المؤكد أن تأثير هيجل قد ضعف مع نمو مذهب برادلي ونضوجه.

كذلك ذهب البعض إلى وجود بعض أفكار رئيسية اسبينوزية لديه، ولهذا الرأي شيء من الصحة. وقد حبذ برادلي ذاته فلسفة هربارت

Herbart

بوصفها ترياقا مفيدا ضد هيجل، وتدل بعض أجزاء مذهبه الميتافيزيقي على أنه قد عمل بنصيحته الخاصة هذه. كذلك كانت هناك بعض مظاهر التقارب بينه وبين شلنج ، كما كان يبدي نوعا من الإيثار لشوبنهور، وإن لم يكن قد أخذ عنه إلا قليلا جدا من الأفكار. وهناك فلاسفة ألمان آخرون أثروا فيه في ميادين خاصة، مثل لوتسه وسيجارث في المنطق، وفاتكه

Vatke

Unknown page