Falsafa Hindiyya Muqaddima Qasira
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
وفي محاولة لفهم طبيعة الطقوس على نحو أكثر فلسفية، وجد مفكرو ميمانسا المتأخرون (الذين جاءوا بعد جايميني) أن أعمال النحويين التقليديين وثيقة الصلة على نحو قاطع بالطريقة التي ترتبط بها اللغة بطبيعة العالم، ورأوا أن نطق إحدى الكلمات يدل على وجود الشيء الذي تشير إليه، وساعدهم هذا الاعتقاد؛ لأنهم سعوا إلى إظهار حقيقة وطبيعة العالم المتعدد، ذلك العالم الذي ضم تعددية «ذوات» مستقلة وذاتية متمثلة في الأشخاص الذين يؤدون القربان. وأنكروا مزاعم الواحدية التي قدمها مؤولو كتابات الأوبانيشاد القدماء، متعللين بأن تلك المزاعم فشلت في مراعاة خصائص الأفراد وعاداتهم الغريبة فضلا عن الجهل والشر والفضيلة لديهم، كما قالوا إن أوامر كتابات الأوبانيشاد التي تحض على معرفة المرء لذاته لم يكن هدفها التحرر، بل كان تحسين أداء الطقوس الفيدية. وبالمثل، فقد أنكروا موقف فلسفة سانكيا القائل بالذوات الخاملة التي «تضيع» هويتها عند اتحادها ببراكريتي، وبدلا من ذلك قال مفكرو ميمانسا إن طبيعة الذات تتمثل في أنها فاعلة واعية (ولذلك فإنها مؤدية طقوس نشطة). وكما قال كوماريلا في تفسيره المعروف باسم «شلوكافارتيكا»: «إن الأمر الذي ينص على أن من واجب المرء فهم ذاته لا يهدف إلى تحرير المرء؛ فمعرفة المرء لذاته هدفها الواضح هو تحفيز أداء الطقوس.»
التعددية والواقعية: نظرة أخرى على الفئات
دافع مفكرو ميمانسا أيضا عن تعددية وواقعية العالم من خلال تأكيد طبيعة سماتهما، وفعلوا ذلك بطريقة مماثلة للتحليلات التي قام بها مفكرو فايشيشيكا والتصنيف الفئوي الذي أجروه، كما وصفنا في الفصل الخامس. وقبل مفكرو ميمانسا الفئات الخمس التي تمثلت في: المادة، والصفة، والفعل، والخصائص العامة، والغياب. وأضافوا إلى الأنواع التسعة للمادة التي حددها مفكرو فايشيشيكا (الأرض، الماء، النار، الهواء، الأثير، المكان، الزمان، الذات، العقل) كلا من الظلام والصوت. وخضعت العلاقة بين المادة والصفات والفئات الأخرى إلى تحليل أسفر عما يسمى مبدأ «الهوية في الاختلاف»؛ فعند اجتماع فئتين معا، مثل اجتماع فئة اللون ممثلة في الأحمر وفئة المادة ممثلة في هيئة الزهرة، فإنهما تختلفان فقط في قدر إسهام كل منهما في الهوية المتمثلة في الزهرة، فلا يمكن أن توجد الفئتان على نحو منفصل. وفي الواقع، لا شيء من الأمور القابلة للإدراك يمكن وصفه بأنه مختلف تماما أو متطابق تماما، بل إن كل الأشياء إما أنها مختلفة من حيث علاقتها بعضها ببعض، أو أنها متطابقة بعضها مع بعض رغم انتمائها لفئات مختلفة. وكل الأشياء التي ندركها تتضمن مبدأ «الهوية في الاختلاف» المتعلق بالجوانب المتعددة للفئات المندمجة في هذا الشيء.
النظرية المعرفية (الإبستيمولوجية) لمفكري ميمانسا
بالنسبة لمفكري ميمانسا، مثل الإدراك وسيلة معرفة صحيحة وموثوقة في حد ذاتها للعالم المحيط بنا و«لذواتنا» كأفراد عارفين. وفعل المعرفة «يكشف» الوجود الخارجي «الواقعي على نحو متسام» لكل من المعروف والعارف؛ وهذا يعني أنه لا أحد منهما يعتمد بأية طريقة على عمل العملية الإدراكية. وبدلا من ذلك، فإن المعرفة تحقق حالة «معلومية» للشيء المعلوم، وتؤكد وجود العارف المستقل؛ ولذلك فإن عملية المعرفة تكشف «الحقيقة»، وفي هذه الحالة تؤكد رؤية العالم الخاصة بالفيدا الأبدية.
وتبنى مفكرو ميمانسا أيضا نظرية أخرى تقضي بأن كل المواد يمكن اختزالها إلى جزيئات ذرية. لكن على النقيض من الذرات المجهرية التي قال بها مفكرو فايشيشيكا، تلك الذرات التي كان من غير الممكن إدراكها على حدة ويعرف وجودها فقط من خلال الاستنباط، فقد أولى مفكرو ميمانسا أولوية كبرى للاعتماد على الإدراك، واعتقدوا أن الذرات ليست أصغر مما يمكن رؤيته بالعين المجردة، مثل ذرة الغبار في شعاع الشمس. وعلى هذا النحو، فقد تمسكوا بنظرة للواقع تعتمد بقوة على الحس العام، وهذه السمة يؤكدها قبولهم للإدراك في حد ذاته كوسيلة مشروعة وموثوقة في حد ذاتها لاكتساب المعرفة المتعلقة بالعالم، ذلك العالم الخارجي والمستقل عن ذلك الإدراك، فالمعروف موجود، والمدركات يجب أن تفهم باعتبارها أفعالا تنتج صفة المعلومية في أشيائها، وبذلك تكشف أفعال المعرفة حقيقة العالم التعددي فقط بموجب حدوثها.
الفيدا حقيقية
لم تكن هذه النظرية المعرفية تتطلب ضرورة إثبات صحة الإدراك - على غرار المنهج المتبع من قبل الآخرين، الذين كان أبرزهم البوذيون - بل كانت تقضي بضرورة إثبات زيف ذلك الإدراك عند خضوعه للتشكيك من قبل أحد الخصوم. وهذه النظرية وضعت مفكري ميمانسا في موقف قوي فيما يتعلق بصحة كتابات الفيدا وتعاليم الطقوس التي سعوا للدفاع عنها. وبالمثل فقد ثبتت صحة موقف المؤدين للقربان؛ حيث قيل إن فعل المعرفة يوضح وجود الذات الأبدية بصفتها عارفة بالعالم التجريبي، وهذا يعني أنه ليس فقط إدراك أداة القربان هو ما يكشف الوجود المستقل لهذه الأداة، بل إن ذلك الإدراك أيضا يكشف وجود الشخص المدرك؛ حيث إن الإدراك المتمثل في جملة «أنا أعرف س» هو الوسيلة التي من خلالها يعرف أن كلا من س والذات لديهما وجود مستقل.
وكانت هاتان النقطتان الأخريان المرتبطتان إحداهما بالأخرى - إثبات الذات وإثبات العالم من خلال الإدراك - تحتلان أهمية كبرى لدى مفكري ميمانسا؛ نظرا لاعتقادهم أن الفيدا كانت حقيقة أبدية مجسدة في اللغة. وتمسكوا بالرؤية التقليدية القائلة إن الفيدا ليس لها مؤلف، وبدلا من الاعتقاد بوجود مؤلف، اعتقدوا أن الفيدا حقيقة ذاتية الوجود، وأن معرفتها هي عملية كشف لصحتها؛ لأن الإدراك في حد ذاته موثوق على الإطلاق. وعلى غرار طبيعة الفيدا بصفتها مجموعة من التعاليم متعلقة بالأفعال الواجب تنفيذها، فإن المعرفة في حد ذاتها نشاط كاشف - والذات ، بصفتها عارفة، ترتبط بالعالم الخارجي، بصفته معروفا، من خلال مثل هذه الأفعال الإدراكية. وبالإضافة إلى إثبات صحة الفيدا، فقد سعى هذا الموقف إلى تمييز عارف الفيدا بصفته وسيلة الحفاظ على ديمومة الواقع؛ ذلك الزعم الذي طالما كان ذا أهمية حاسمة بالنسبة لهذا التقليد الأصيل.
عدم الثنائية في فكر شانكارا
Unknown page