Falsafa Hindiyya Muqaddima Qasira
الفلسفة الهندية: مقدمة قصيرة جدا
Genres
يمكن للمرء أن يلاحظ على الفور أيضا كيف أن هذين الفرعين من التقليد يتضمنان موضوعات ووجهات نظر من المحتمل أن تسبب الخلاف والنزاع بين أتباع التقليد؛ فالتركيز والتأكيد في كتابات الأوبانيشاد لم يتحولا فحسب من الاهتمامات الدنيوية المتمثلة في الطقوس إلى الاهتمام بطبيعة ومصير الإنسان، كما وصفنا في السابق، بل أيضا اعتبر اكتساب المعرفة الباطنية ذا أهمية عليا، كما اعتبر هدفا أسمى من أداء الأفعال الشعائرية. علاوة على ذلك، وربما في غاية الأهمية، فإن ممارسة الطقوس الفيدية وسعي كتابات الأوبانيشاد إلى اكتساب المعرفة كليهما مدعومان بفهم مختلف لطبيعة الحقيقة؛ فكتابات الأوبانيشاد توضح أن تلك الطقوس، على الرغم من أهميتها، يجب أن تمارس فحسب وفق رؤية تفترض أن العالم المتعدد يتسم بالحقيقة المتسامية، وفي واقع الأمر فإن الغرض من الطقوس هو الحفاظ على العالم المتعدد. ورغم ذلك، ترى كتابات الأوبانيشاد أن تلك التعددية حقيقية فقط من الناحية التجريبية (أو من الناحية العرفية)، وأن معرفة الحقيقة الكبرى المتمثلة في وحدة الوجود الكامنة للعالم هي ما تؤدي إلى هدف الخلود الأعلى.
لا توجد تعددية هنا. إنه ينتقل من موت إلى موت من يؤمن بالتعددية في هذا الصدد. يجب أن يرى المرء واحدا فقط ... ومن خلال معرفة ذلك الواحد بعينه ، يمكن للبرهمي الحكيم أن يكتسب البصيرة بنفسه. «بريهادارانياكا أوبانيشاد»، المجلد 4
يطلق على الأشخاص الذين يقرون أن تعددية العالم من حولنا حقيقة مطلقة مصطلح «التعددين»، أما المصطلحات الأخرى التي تطلق على هذا المفهوم الوجودي فهي «الواقعية التعددية» و«الواقعية المتسامية»؛ وهذا يعني أن ما نراه - تعددية العالم التجريبي - حقيقي في حد ذاته، ومتسام (أو «خارج») عن أي شيء له علاقة بالإدراك البشري.
أما الأشخاص الذين يقولون إن التعددية التجريبية ليست حقيقية من جهة التسامي (وهذا سيشمل أولئك الذين يقولون إن الحقيقة واحدة) فإنهم لا ينكرون الحقيقة التجريبية، بل ما يقولونه هو أنه يوجد قدر أكبر من الحقيقة - الحقيقة المطلقة - يختلف عما نراه على السطح، والحقيقة التجريبية في هذا الصدد تكون «اصطلاحية».
في العقود الأولى من القرن الخامس قبل الميلاد لم يبد أن هذين المنهجين تعارضا فيما بينهما أو أنهما طرحا رؤيتين غير متوافقتين للعالم تتنافسان على السيادة، لكن هذا الوضع سرعان ما تغير، كما سنرى في الفصول المقبلة. فهذا القرن لم يشهد فحسب وجود بوذا وغيره من الذين تحدوا التعاليم البرهمية القائمة على كتابات الأوبانيشاد، بل سرعان ما أصبح من الضروري للمتخصصين في الطقوس أن يدافعوا عن رؤيتهم الواقعية للعالم ضد أولئك الذين سعوا إلى دحض الغرض من القربان أو السخرية منه، وفي سبيل القيام بذلك كانوا مضطرين إلى دحض أية فكرة متعلقة بالمكانة العرفية فحسب للعالم التجريبي كما تقول كتابات الأوبانيشاد، وكما يقول آخرون. وكان معنى ذلك أن أصبح التقليد البرهمي مضطرا للتصارع مع النقد الخارجي، وأيضا أصبح معرضا على نحو متزايد للتباين في الرأي بين أتباع التقليد استنادا إلى فرعي النصوص الأولية.
وفيما بعد، حاول أولئك المهتمون بعدم التشكيك في مشروعية وجود كلا المنهجين داخل التقليد نفسه التغلب على عدم التوافق بين المنهجين؛ عن طريق اقتراح ضرورة أداء الواجبات الشعائرية خلال فترة من حياة الفرد هي فترة زواجه وإنجابه للأطفال؛ وهذا يعني استمرار الحفاظ على العالم المعتمد على الطقوس، وكذلك إنتاج الأجيال المتعاقبة من الأبناء الذين يعتمد عليهم استمرار النظام الاجتماعي الطبقي الذي يقوده كهنة البرهمية. وبمجرد انقضاء هذه المرحلة من حياة المرء، يمكن تركيز الانتباه على السعي إلى تحرير المعرفة. وإلى وقتنا هذا، يرى الأشخاص الذين يهتمون في المقام الأول بالممارسة الدينية بدلا من النقاش الفلسفي أن هذا هو طريق الأرثوذكسية البرهمية التي تقر بالمكانة الجوهرية للفيدا ككل.
ومع ازدياد تطور النقاش الفلسفي والجدلي، شارك في النقاش مفكرون من تقاليد متنوعة، لكن من هذه النصوص الأولية مباشرة، بنت مدرستان من مدارس الدارشانا الفلسفية الكلاسيكية - هما ميمانسا وفيدانتا - تعاليمهما ورؤيتهما المختلفة للعالم على تأويلات نصوص تقديم القرابين الفيدية وعلى كتابات الأوبانيشاد على الترتيب. وأصبحت هاتان المجموعتان من النصوص، اللتان على أساسهما تعايش الفرعان الشعائري والمعرفي للتقليد البرهمي خلال أوائل القرن الخامس قبل الميلاد؛ معروفتين باسم «قسم الأفعال» («كارما كاندا») و«قسم المعرفة» («جنيانا كاندا») للفيدا لدى كل من الأشخاص الذين تحدوا التقليد، والأشخاص الذين وفقوا بين منهجي التقليد، والأشخاص الذين فسروا نصوص التقليد.
الفصل الثالث
هجر المنظومة البرهمية
الطريق الوسطي لبوذا
Unknown page