الفاخر
لأَِبي طالب المفضّل بن سلمة بن عاصم
بسم الله الرحمن الرحيم
حدثني أحمد بن عُبيد الله بن أحمد، قال: أملى علينا أبو بكر بن يحيى الصولي ﵀ هذا الكتاب، وكان سبب إملائه إياه علينا أن رجلًا ممن كان يحضر مجلس أبي بكر محمد بن القاسم الأنْباري ﵀، فرأى يومًا في يده كتابًا فأخذه يقرؤه، فوجده مَجْلِسًا من كتاب الزاهر، فقال: هذا منقول من كتاب الفاخر للمفضَّل بن سَلَمة، كما نقل أبو محمد أبو محمد بن قتيبة كتابه في المعارف من كتاب المُحبِّر لابن حبيب. فلما كان المجلس الآخر أخرج كتابه الفاخر فأملى علينا: حدثنا أبو طالب المفضَّل بن سَلَمة بن عاصم قال: هذا كتاب معاني ما يجري على ألْسُن العامة في أمثالهم ومحاوراتهم من كلام العرب وهم لا يَدروُن معنى ما يتكلمون به من ذلك، فبيَّنَّاه من وجوهه على اختلاف العلماء في تفسيره، ليكون مَنْ نظر في هذا الكتاب عالمًا بما يجري من لفظه ويدور في كلامه. وبالله التوفيق.
فأول ذلك:
1 / 1
١_قولهم حيَّاك اللهُ وبيَّاك
فأما حَيّاك الله فإنه مشتق من التحيّة، والتحيّة تنصرف على ثلاثة معانٍ: فالتحية السلام، ومنه قول الكميت:
ألا حُيِّيتِ عَنَّا ياَ مَديِنا ... وَهَلْ بَأْسٌ بِقَولِ مُسلِّمينا
فيكون معنى حيَّاك الله سلَّم الله عليك.
والتحية أيضًا: المُلْكُ، ومنه قول عمرو بن مَعْدي كَرِب:
أَسيِرُ بِهِ إِلى النُّعمانِ حَتَّى ... أُنيِخُ عَلى تَحِيَّتِه بِجُندِي
فيكون المعنى مَلّكَك الله.
والتحيّة: البقاءُ. ومنه قول زهير بن جَنابٍ الكلبيّ:
وَلَكُلُّ مَا نالَ الفَتَى ... قّدْ نِلْتهُ إِلاَّ التَّحِيّهْ
أي إلا البقاء. فيكون المعنى أبقاكَ الله.
وقولهم في التشهُّد: التَّحِيَّات لله يشتمل على الثلاثة المعاني. فأما بيَّاك فإنه فيما زعم الأصمعيّ أضحكَ. ويروى أن آدم ﵇ لما قَتَلَ أحد ابنيه أخاه مكث سنة لا يضحك، ثم قيل له: حيَّاك الله وبيَّاك، أي أضحكك، وقال الأحمر: أراد بَوَّأَك منزلًا، فقال بيَّاك لإزواج الكلام ليكون تابعًا لحيَّاك، كما قالوا:
1 / 2
جاء بالعشايا والغدايا، يريدون الغَدَوات، وقالوا الغدايا للأزواج. وقال ابن الأعرابي: بيَّاك: قَصَدَك بالتحيّة وأنشد:
لَمَّا تَبَيَّيْنَا أَخَا تَمِيمِ ... أَعْطَى عَطَاءَ اللَّحِزِ الَّلئيمِ
وأنشد أيضًا:
باَتَتْ تَبَيَّا حَوْضَهَا عُكُوفَا ... مِثْلَ الصُّفُوفِ لاَقَتِ الصُّفُوفَا
وقال أبو مالك: بيَّاك: قَرَّبَك، وأنشد:
بَيَّا لهم إِذْ نَزَلُوا الطَّعَامَا ... الْكبِدَ وَالْمَلحَاءَ وَالسَّنَاما
أي قَرَّبَ لهم.
٢_قولهم مَرْحَبًا وأَهْلًا
قال الفرَّاء: معناه رحَّب الله بك على الدعاء له، فأخرجه مخرج المصدر فنصبه. ومعنى رحَّب: وَسَّعَ. وقال الأصمعي: أتيتُ رُحبًا أي سعة وأهْلًا كأهلك فاستأنِس. ويقال: الرُّحْبُ والرحْبُ، ومن ذلك الرَّحبَة سُميَّت لِسَعتها. وقال طفيل:
وبالسَّهْب مَيْمُون الخَلِيقَة قَوْلُه ... لِمُلْتَمِسِ المَعْرُوف أَهْلٌ وَمَرْحَبُ
وذكر ابن الكلبي وغيره أن أول من قال مرحبًا وأهلًا سيف بن ذي يَزَنَ الحِمْيَريّ لعبد المطلب بن هاشم لما وفَد إليه مع قريش ليهنئوه برجوع المُلك إليه،
1 / 3
وذلك أن عبد المطلب استأذنه في الكلام. فقال له سيف: إن كنت ممن يتكلم بين يدي الملوك فقد أذِنَّا لك. فقال عبد المطلب بعد أن دعا له وقَرَّظَه وهنَّأه: نحن أهل حَرَمِ الله وسَدَنَة بيته، أشخَصنا إليك الذي أبهَجَنا لك، فنحن وفد التهنئة لا وفد المَرْزِئَة. فقال: وأيُّهم أنت؟ قال: أنا عبد المطلب. فقال سيف: مرحبًا وأهلًا ورَحْلًا، ومُناخًا سَهْلًا، ومَلكًا رِبَحْلًا، يُعِطى عطاءً جَزْلًا.
٣_قولهم لَبَّيْكَ وسَعْدَيْكَ
قال الفرَّاء: معنى لبيَّك إجابةً لك. قال: ومنه التلبية بالحجّ إنما هو إجابة لأمرك بالحج، وثنّى يريد إجابةً بعد إجابة. ونصبَهُ على المصدر. وقال الأحمر: معناه إلْبابٌ بك أي إقامة ولُزوم لك، وهو مأخوذ من قولك: لّبَّ بالمكان وأَلَبَّ إذا أقام به. قال الراجز:
لَبَّ بأرْضٍ مَا تَخَطَّاها الغَنَم
ومنه قول طُفَيلٍ الغَنَوِي:
رَدَدْنَ حُصَيْنًَا مِنْ عَدِيٍّ وَرَهْطِهِ ... وَتَيْمٌ تُلَبىِّ في العُروُجِ وتَحْلُب
أي تلازمها وتقيم بها. قال: وكان أصله لبيَّيْك فاستثقلوا ثلاث باءات فقلبوا إحداهنّ ياء، كما قالوا: تَظَنَّيْتُ، يريدون تَظَنَّنْتُ، فلما كثرت النونات قلبوا
1 / 4
إحداهنّ باء. وكذلك دينار أصله دِنَّار فاستثقلوا نونين فقلبوا الأولى ياء، فإذا جمعوا قالوا: دنانير فرجعت النون لما فرَّقوا بينهما، ومنه قول العَجَّاج:
تَقَضَّى البازِي إذا البازِي كَسَر
أراد تَقَضُّضَ البازِي قاستثقل الضادات فقلب إحداهنّ ياء. وقال الراجز:
إِنِّي وَإِنْ كَانَ صَغيِرًا سِنِّي ... وَكَاَنَ فِي العَيْن نُبُوٌّ عَنِّي
فَإِنَّ شَيْطَانِي أَمِيرُ الجِنِّ ... يَذْهَبُ بي فِي الشِّعْرِ كُلَّ فَنّ
حَتَّى يُزيلَ عَنِّيَ التَّظَنِّي
يريد التَّظَنُّن.
وقد حكى أبو عبيد عن الخليل أنه قال: أصلها من أَلْبَبْتُ بالمكان، فإذا دعا الرجل صاحبه قال: لَبَّيْك فكأنه قال: أنا مقيم عندك، ثم وكَّد ذلك بلبَّيْك أي إقامة بعد إقامة. وحكى عن الخليلي أيضًا أنه قال: هو مأخوذ من قولهم أُمٌّ لَبَّةٌ أي مُحِبّة عاطِفة. فإن كان كذلك فمعناه: إقبال إليك ومحبة لك. قال: وأنشد الطُّوسِيّ:
وَكُنْتُمْ كَأُمٍّ لَبَّةٍ ظَعَنَ ابْنُهَا ... إِلَيْهَا فَمَا دَرَّتْ إِلَيْهِ بساعِدِ
ويُقال: إنه مأخوذ من قولهم: داري تَلَبُّ دارَك. فيكون معناه اتِّجاهي إليك وإقبالي على أمرك.
وسَعْدَيك: معناه أُسْعِدُك إسعادًا بعد إسعاد. قال الفرَّاء: ولم نسمع لشيء من هذا بواحد، وهو في الكلام بمعنى قولهم: حَنانَيْك أي حنانًا بعد حنانٍ. والحنان: الرحمة وقال طَرَفَة:
أَبَا مُنْذِرٍ أَفْنَيْتَ فَاسْتَبْقِ بَعْضَنَا ... حَنَانَيْك بَعْضُ الشَّرِّ أَهْوَنُ مِنْ بَعْضِ
1 / 5
وقولهم: فلانٌ يتحنّن على فلان أي يرحمه، وهو في تفسير قول الله جلّ وعلا: " وَحَنَانًا من لَدُنَّا " أي رحمة.
٤_قولهم أَقَرَّ اللهُ عَيْنَه
قال الأصمعي: المعنى أبرَدَ الله دمعته، لأن دمعة السرور باردة، ودمعة الحزن حارة. وأقرَّ مشتق من القَرُر، وهو الماء البارد. وقال غيره: معنى أقَرَّ الله عينك أي صادفتَ ما يُرضيك فتقرّ عينك من النظر إلى غيره. ويقال للثائر إذا صادف ثأرَه: وقعتَ بِقرَّك، أي صادف فؤادك ما كان متطلِّعًا إليه فقرَّ. وقال الشَّمَّاخ يصف ظَبْيَةً:
كأنَّها وابْنَ أَيَّامٍ تُرَبِّبُه ... مِنْ قُرَّةِ الْعَيْنِ مُجْتَابَا دَيَابُودِ
أي كأنهما من رضاهما بمرتعهما وترك الاستبدال به مجتابا ثوبٍ فاخرٍ، فهما مسروران به. ودَيابود: ثوبٌ نُسِجَ على نِيرَيْن، وهو فارسيّ معرَّب. وقال أبو عمرو: أقرَّ الله عينَه. والمعنى صادف سرورًا أذهب سَهَرَه فنام. قال عمرو ابن كُلثوم:
بِيَوْمٍ كَرِيهةٍ ضَرْبًا وَطَعْنًا ... أَقَرَّ بِهِ مَوَاليِكَ الْعُيُونَا
أي نامت عيونهم لما ظفِروا بما أرادوا فيه.
1 / 6
٥_قولهم أَسْخَنَ الله عَيْنَه
أي بكت بدموعٍ حارة من الحزن، وهو مشتق من السَّخُون وهو الماء الحار. ويقال: من سُخْنَة العين، وهو كل ما أبكاها وأوجعها. وقال ابن الدُّمَيْنَة:
يَا سُخْنَةَ الْعَيْنِ لِلْجَرْمِىّ إِنْ جَمَعَتْ ... بَيْنِي وَبَيْنَ هَوَى وَحْشِيَّةَ الدَّارِ
٦_قولهم ما بِهِ قَلَبَة
قال الأصمعي: أي ما به داء، وهو من القُلابِ، وهو داءٌ يأخذ الإبل في رؤوسها فيقلبها إلى فوق. وقال الفرّاء: ما به عِلَّة يُخشى عليه منها، وهو من قولهم: قُلَبَ الرجل إذا أصابه وجعٌ في قلبه، وليس يكاد يُفلت منه. وقال ابن الأعرابي: أصل ذلك في الدوابّ، أي ما به داءٌ لا يقلب منه حافرَه، وأنشد:
ولَمْ يُقَلِّبْ أرْضَهَا البَيْطارُ ... وَلاَ لِحَبْلَيْهِ بها حَبارُ
وقال الطائيّ: ما به شيءٌ لا يُقلقه فيتقلّب من أجله على فراشه.
٧_قولهم أَرْغَمَ الله أَنْفَه
قال الأصمعي: الرَّغْم كل ما أصاب الأنف مما يؤذيه ويُذِلّه. وقال أبو عمرو وابن الأعرابي: أرغْمَ الله أنفَه، أي عفَّره بالرَّغام، وهو تراب يختلط فيه رملٌ دقيق
1 / 7
فمعنى أَرْغَم الله أنفَه أي أهانه، ومنه حديث عائشة في المرأة تتوضأ وعليها خضابها فقالت: اسْلُتيِه وأَرْغِميه، أي أهينيه وارمي به عنك في الرَّغام. وقال لَبِيد:
كأنَّ هِجَانَها مُتَأَبِّضات ... وفي الأقْران أَصْوِرَة الرَّغام
وأما قولهم: فعله على رَغْمِه، فمعناه على غضبه ومساءَته. يقال: أرغمتُه إذا أغضبته. قال المرقّش:
مَا ذَنْبُنَا فِي أَنْ غَزَا مَلِكٌ ... مَنْ آل جَفْنَة حَازِمٌ مُرغَمْ
أي مُغضب والرِّغم: المذلَّة والهوان. قال أبو خِراشٍ الهُذَليّ:
مَخَافَةَ أَنْ أَحْيا بِرَغْمٍ وَذِلَّةٍ ... وَلَلْمَوْتُ خَيْرٌ مِنْ حَياَةٍ على رَغْم
٨_قولهم لَعَنَهُ الله
قال الأصمعي: معناه باعَدهُ الله. واللّعن: البُعْدُ. وأنشد للشماخ:
ذَعَرْت به القَطَا وَنَفَيْتُ عَنْه ... مَقَامَ الذِّئْبِ كالرَّجُلِ اللِّعِينِ
أي المباعد، وقال غير الأصمعي: اللَّعنُ: الطَّرد. ومعنى كالرجل اللَّعين كالرجل المطرود. والمعنيان متقاربان.
1 / 8
٩_قولهم أَخْزاهُ الله
أي كسره وأهانه وأذلّه، وأصل الخزي أن يفعل الرجل فعلة يستحي منها وينكسر لها. وقال ذو الرُّمَّة:
خَزَايَةً أَدْرَكَتْه عِنْدَ جَوْلَتِه ... مِنْ جَانِبِ الحَبْل مَخلُوطًا بها الغَضَبُ
ويقال من الاستحياء خَزِيَ يَخْزى خَزايةً. والخِزي: الهلاك والذُلُّ. يقال منه خَزِيَ يَخْزَى خِزْيًا.
_١٠ قولهم ما يُساوِي طُليَةً
الطُّلْيَة: قُطَيعَةُ حبلٍ تُشدُّ في رجل الحَمَل أو الجَدي. وقال بعضهم: هي حبل في طُليَته أي في عنقه. وقال الكسائيّ: يقال للعنق طُلية وجمعها طُلىً.
وقال أبو عمرو والفرّاء: واحدتها طُلاة. وأنشد:
مَتى تُسْقَ من أَنْيَابِهَا بَعْدَ هَجْعَةٍ ... من اللِّيْلِ شِرْبًا حِينَ مالَتْ طُلاَتُها
وقال ابن الأعرابي: فيما أظن يُراد بذلك ما يساوي طَليَةً من هِناءٍ يُطْلى به البعير، بفتح الطاء.
1 / 9
١١_قولهم لا تَلُوسُه
أي لا تناله، وهو من قولهم: ما ذقت لَواسًا. أي ما ذقت ذَواقًا.
١٢_قولهم ما يُؤاسيِه
أي ما يعوّضه من قرابته أو مودّته بشيءٍ. قال: والأوْس العِوَض. وأنشد الأصمعي:
فَلأَحْشَأَنَّك مِشْقَصًَا ... أَوْسًا أُوَيْسُ من الهَبَالَه
أُوَيْس: اسم الذئب، وهو تصغير أوس، والهَبالة: اسم ناقته. يقول: أرميك بسهمٍ يكون عوضًا لك من ناقتي، وكان يجب أن يقال: يُؤاوِسهُ، ولكن قُلبت الواو فجُعلت لامَ كما قال القطاميّ:
ما اعْتادَ حُبّ سُلَيْمَى حِينَ مُعْتَادِ ... ولا تَقَضَّى بَوَاقِي دَيْنَها الطَّادِي
أراد الواطد أي الثابت، فقلب الواو فجعلها لام الفعل. ومثله كثير من المقلوب. وقال الفضل: يؤاسيِه بالهمز، أي يشاركه وهي المؤاساة. يقال: آساه بنفسه، أي شاركه فيما هو فيه وحكى الأثرم: آسيتُ فلانا وواسَيْت بمعنى وأنشد لليلى:
فإن يَكُ عبدُ الله آسَى ابن أُمِّهِ ... وآبَ بأَسْلابِ الكَمِيِّ المُغاوِرِ
وقال مؤرّج: يُؤاسِيه. من قولهم أسهِ بخير، أي أَصِبْه به. وأنشد لعبد العزيز ابن زُراة الكِلابي:
1 / 10
فإنِّي أَسْتَيسُ اللهَ مِنْكُم ... من الفِرْدَوسِ مُرْتَفَقًا ظَلِيلاَ
وهكذا بكون من العِوَض، وكذلك قول النابغة الجَْعدِي:
ثَلاثَةُ أهْلِينَ أَفْنَيْتُهُم ... وكان الإلَهُ هو المُستآسَا
أي المُستَوهب، ويكون المسؤول العِوَض.
١٣_قولهم بينهم مُمالَحَة
أي رَضاع. والمِلح الَّلبن. ومنه قولهم: يحفظ المِلح. معناه الرضاع. وقال أبو الطَمَحان القَيني يهجو قومًا أغاروا على إبله:
وإنّي لأرجُو مِلْحَها في بُطونِكم ... وما بَسَطَت من جِلْدِ أشْعَث أَغْبرِ
يريد بالملح اللبن والملح أيضًا البركة. يقال اللهم لا تبارك فيه ولا تُمِلحه، وقال شُتَيم بن خُوَيْلِد الفَرازي:
لا يُبْعدِ اللهُ رَبُّ العبا ... دِ والملِْح ما وَلَدَتْ خالِدَهْ
1 / 11
١٤_قولهم مِلحَهُ على رُكْبَتِه
يقال للرجل أدنى شيءٍ يبدده، يريد أنه سيءُ الخُلُق أدنى شيْ يغضبه. وقال مِسْكين الدَّارِميّ:
لا تَلُمْهَا إِنَّها مِنْ أُمَّةٍ ... مِلْحُهَا مَوْضُوعَةٌ فَوْقَ الرُّكَبْ
كَشَمُوسِ الخَيْلِ يَبدو شَغْبُها ... كُلَّما قيِلَ لها هالِ وهَبْ
الملح يذكَّر ويونَّث، والتأنيث أكثر.
١٥_قولهم أَمْرٌ لا يُنادى وَليدُه
قال الأصمعيّ: أصله في الشدَّة تُصيب القوم حتى تُذهِلَ الأم عن ولدها فلا تناديه لما هي فيه، ثم صار لكل شدة ولكل أمر عظيم. وقال أبو عبيدة: أي هو أمر عظيم لا يُنادى فيه الصغار إنما ينادى فيه الجِلّة الكبار. وقال الكِلابي: أصله في الكثرة والسعة، فإذا أهوى الوليد إلى شيء لم يُزجر عنه حذَر الإفساد لِسَعَة، ثم صار مثلًا لكل كثرة. وقال ابن الأعرابي: أمرٌ لا يُنادى وَليدُه أي ما فيه مُستزاد. أي قد استُغني بالكبار عن الصغار. وأنشد الأصمعيّ:
1 / 12
فأَقْصَرْتُ عَنْ ذِكْرِ الْغَواني بِتَوْبَةٍ ... إِلى اللهِ مِنِّي لا يُنادى وَليدُها
قال الفرّاء: وهذا يُستعار في كل موضع يُراد به الغاية. وأنشد:
لقد شَرَعَتْ كَفَّا يَزيدَ بْنِ مَزْيَدِ ... شَرائِعَ جُودٍ لا يُنادى وَليدُها
١٦_قولهم بالرِّفاءِ والبَنين
يُقال عند التزويج. والرِّفاء: الاتفاق والالتئام. وهو مأخوذ من رفأتُ الثوب أرفؤُه إذا لأَمْتَ بينه وضممت بعضه إلى بعض. وقال ابن هرمة:
بُدّلت مِن جِدَّةِ الشِّبيبَة وال ... أَبْدالُ ثَوْبُ المَشيبِ أردَؤُها
مُلاءَةً غَيْرَ جِدِّ واسِعَةٍ ... أخيطُها تارَةً وأرفَؤُها
وقال الأصمعي: يكون الرِّفاء من الهدوء والسكون، من قولهم رَفَوتُ الرجل إذا سَكَّنته. وأنشد لأبي خِراش:
رَفَوْني وقالوا با خُوَيْلِدُ لا تُرَعْ ... فقلتُ وأنْكَرتُ الوُجُوهَ هُمُ هُمُ
يريد سكَّنوني. وقال أبو زيد: الرِّفاء الموافقة وهي المُرافاة بلا همز. وأنشد
ولمَّا أنْ رَأَيْتُ أبا رُوَيْمٍ ... يُرافيني ويَكْرَه أن يُلاما
يُرافيني بلا همز. وقال اليمامي: الرِّفاءُ: المالُ.
1 / 13
١٧_قولهم النقْد عند الحافِرَة
أي عند أول كلمة، ويقال: التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة، أي عند أول كلمة. ويقال: رجع على حافرته أي في طريقه الأولى. وقال الله تعالى: يَقُولُونَ أَئِنَّا لَمَرْدُوُنَ في الَحافِرَةِ، أي في الخلقة الأولى، أي نحيا بعد موتنا. وقال الشاعر:
أحافِرَةً على صَلَعٍ وَشَيْبٍ ... مَعَاذَ اللهِ مِنْ سَفَهٍ وعارِ
أي أأرجع إلى الصِّبا، وأول أمري بعد أن كبرت؟! وقال الفرّاء: معنى النقْد عند الحافِرة - إذا قال قد بعتك عليه بالثَمَن. وقال الفرّاء: وبعضهم يقول النقْدُ عند الحافِر. قال: وسألت بعض العرب فقال: يُريد عند حافر الفرس. وهذا المثل جرى في الخيل ثم استُعمل في غيرها. وقال بعضهم: معناه النقد عند التقليب والرضا، وهو مأخوذ من حفر الأرض، لأن الحافر يخْبُر الأرض ويعرف أطيِّبة هي أم لا. وقال بعضهم: الحافرة الأرض ولا أعرف للأرض في هذا الموضع وجهًا.
١٨_قولهم تَرَكَه جَوْفَ حِمارٍ
قال الأصمعيّ: المعنى تركه ليس فيه شيءٌ يُنتفع به، لأن الحمار لا يُؤكل من بطنه شيء. وقال ابن الكلبي: حمار: رجل من العمالقة كان له بنون، ووادٍ خصب، وكان حَسَنَ الطريقة. فسافر بنوه في بعض أسفارهم فأصابتهم صاعقة فأحرقتهم، فكفر بالله جل وعز وقال: لا أعبد ربًا أحرق بنيَّ، وأخذ في عبادة الأوثان فسلّط الله
1 / 14
على واديه نارًا فذهبت به. والوادي بلُغة أهل اليمن يقال له الجوف، فأحرقه فما بقي فيه شيء. فهو يضرب به المثل في كل ما لا بقية فيه. قال: وفي قول شّرْقيّ بن القَطامى: حمار بن مالك بن نصر من الأزْد قال: والقول الأول أشبه بالحق. وقال امرؤ القَيْس:
وخَرْقٍ كَجَوْفِ العَيْر قَفْرٍ قَطَعْتُه ... بأتْلَعَ سامٍ ساهِمِ الوَجْهِ حُسَّانِ
يريد بالعير حمارًا هذا. وهو الذي يُضرب به المثل فيقال أكفر من حمار.
١٩_قولهم جَمَعَ الله شَمْلَكَ
قال الأصمعيّ: الشمل: الاجتماع، فيراد بذلك لا فرَّق الله شملك. ومنه قولهم قد شملهم الأمر أي عمَّهم حتى اجتمعوا فيه وأنشد:
وَكَيْفَ أُرَجِّي الوَصْلَ يا لَيْل بَعْدَ ما ... تَقَطَّعَتِ الأهْواءُ وافْتَرَقَ الشَمْلُ
٢٠_قولهم هُوَ أحمَقُ من رِجْلَة
قال الأصمعيّ: الرِّجلة التي تسميها العامة البقلة الحمقاء، وإنما حمقها لأنها تنبت في مجاري السيل وأفواه الأودية، فإذا جاء السيل اقتلعها. وقال أيضًا خالد: سُميت بذلك لأنها تنبت في كل موضع.
1 / 15
٢١_قولهم تَبَلّدَ الرِّجُل
قال الأصمعيّ: التبلُّد هو أن يضرب الرجل براحةٍ على راحةٍ من الغم عند المصيبة. وأنشد للأحوص:
ألا لا تَلُمْهُ اليَوْمَ أنْ يَتَبَلَّدا ... فَقَدْ غُلِبَ المَحْزوُن أن يَتَجَلَّدا
قال: والراحة يقال لها البَلْدة. وقال أبو عمرو: تبلّد إذ تحيّر فلم يدر أين يتوجه، ومنه قيل للصبي بليدٌ لتحيّره وقلة توجهه فيما يراد منه.
٢٢_قولهم ضَرَبَه حَتِّى بَرَدَ
قال الأصمعيّ: ضربه حتى مات. والبرد: الموت. وقال أبو زُبيد:
بارِز ناجِذاهُ قَدْ بَرَدَ الموْ ... تُ على مصطلاه أي بُروُد
٢٣_قولهم " لم يَبرُد بيَدي مِنْه شيء
المعنى فيه: لم يستقر ويثبت. وأنشد:
اليَوْمُ يَوْمٌ بارَدٌ سَمُومُهُ ... مَنْ عَجَزَ اليَوْمَ فَلا نَلومُهُ
قال وأصله في النوم والقرار، يقال: برد الرجل إذا نام، قال الله ﵎: لا يَذوقونَ فيها بَرْدًا وَلا شَرابا. وقال الشاعر:
1 / 16
فإنْ شِئْتَ حَرَّمْتُ النساء سِواكُم ... وإن شئتُ لم أَطْعَم نُقاخًا ولا بَرْدًا
فالنُقاخُ: الماء العذب. والبرْد: النوم.
٢٤_قولهم وَجَب البَيْعُ
قال الأصمعيّ: معناه وقع. وكذلك وجبت الشمس إذا سقطت في المغيب تجب الشمس والبيع وُجوبًا، ومنه سمعت وجبَة الحائط أي سَقْطَتَه. فأما وجب قلبه فمعناه خفق وضرب يَجِبُ وجيبًا. وأنشد:
وللفُؤادِ وَجيبٌ تحتَ أَبْهَرِهِ ... لَدْمَ الغُلام وراءَ الغَيْبِ بالحجَر
٢٥_قولهم لا تُبَلِّمْ عَلَيه
قال الأصمعيّ: معناه لا تُقَبِّح فِعله وتفسده. قال: وهو مأخوذ من قولك أيلَمَتِ الناقة إذا وَرِمَ حياؤها. وقال: بعضهم: لا تُبَلِّمْ عليه أي لا تجمع عليه المكروه. وهو مأخوذ من الأبْلَمَةِ: وهي خُوصَة البَْقل. يقول: لا تجمع عليه أنواع المكروه كجمع الأبلمة أنواع البقل. يقال وإِبْلِمَة وأُبْلُمَة. وبعضهم يقول: هي خوصة المُقْل.
1 / 17
٢٦_قولهم لا تُجلِّح عَلَيْنا
معناه لا تُكاشف. وهو مأخوذ من الجَلَح وهو انحسار الشعر عن مقدم الرأس وانكشافه. وقال بعضهم: معناه لا تشدد وتبقى على الشدة والمخالفة من قولهم: ناقةُ مجالِح، وهي التي تصبر على البرد وتقضم عيدان الشجر اليابس فيبقى لبنها. حكي ذلك عن ابن الأعرابي.
٢٧_قولهم لا تُبَسِّق
قال الأصمعيّ: معناه لا تُطول من البُسوق وهو الطول، قال بَسَق الرجل والنخلة إذا طالا. قال الله جل وعز: والنَّخْلَ باسِقاتٌ لَها طَلْعٌ نَضيدٌ. أي طِوالا. قال الشاعر:
فإنّ لنا حَظائِر باسِقاتٍ ... عطاءَ اللهِ ربّ العالمينا
٢٨_قولهم وَقَعَ في وَرْطَةٍ
قال أبو عمرو وغيره: هي الهلكة. وأنشد:
إنْ تأْتِ يومًا هَذِى الخُطَّةْ ... تُلاقِ من ضَرْبِ نُمَيْرٍ وَرْطَةْ
وقال بعضهم: الورطة: الوحل والرَدَغَة يقع فيها الغنم ولا تقدر على التخلص
1 / 18
يقال: تورطت الغنم إذا وقعت في الورطة، ثم ضُرب مثلًا لكل شدة وقع فيها الإنسان. وقال الأصمعي: الورطة أُهْوِيَّةٌ منصوبةٌ تكون في الجبل يشق على من وقع فيها الخروج منها. يقال: تورطت الماشية إذا كانت ترعى في الجبل فوقعت في الورطة ولم يمكنها الخروج، وأنشد لطُفيل يصف إبِلًا:
تَهابُ الطَّريقَ السَّهْلَ تَحْسَبُ أَنَّهُ ... وُعُوُدٌ وِراطٌ وَهوَ بَيْداءُ بَلقَعُ
٢٩_قولهم ما يَدرْي ما طَحاها
قال الأصمعيّ: طحاها مدَّها، يعنون الأرض، قال الله جل وعز: والأرضِ وَما طَحاها. ويقال طحا قلبه في كذا وكذا إذا تطاول وتمادى. ومنه قول عَلْقَمَة:
طَحا بِكَ قَلْبٌ في الحِسان طَروبُ ... بُعَيْدَ الشَّبابِ عَصْرَ حَانَ مَشيبُ
أي تطاول وتمادى في ذلك.
٣٠_قولهم ما يُعْرَفُ قَبيلًا من دَبير
قال أبو عمرو: معناه ما يعرف الإقبال من الإدبار. قال: والقبيل: ما أقبل من الفتلِ على الصدر، والدبير: ما أدبر عنه. وقال الأصمعيّ: هو مأخوذ من الناقة المقابَلَة التي شُقَّ أذنها إلى قُدَّام، والمُدابرة التي شُقَّ أذنها إلى خلف.
1 / 19
٣١_قولهم إِن لم يكن شَحْمٌ فَنَفَش
قال ابن الأعرابي معناه: إن لم يكن فعلٌ فرياء، وقال: والنَّفَش الصوف.
٣٣_قولهم كأنَّه فُقَّة
قال الأصمعي: الفُقَّة: ما يبس من الشجر. فالمعنى أنه قد بلي ونخر كالبالي من أصول الشجر.
٣٣_قولهم وِيْلَهُ وعَوْلَهُ
فويله كان أصلها ويّ وُصلت بِلهُ - ومعنى وىْ حُزن. ومنه قولهم: وايْه معناه حُزن أخرج مخرج الندبة، وأما عوله فإن أبا عمرو قال: العَوْل والعويل: البكاء. وأنشد:
أَبْلِغْ أَميرَ المُؤْمِنين رِسالة ... شَكْوى إليكَ مُظِلَّةً وعَويلا
وقال الأصمعي: العَوْل والعويل: الاستغاثة. ومنه قولهم: مُعَوَّلي على فلان: اتكالي عليه واستغاثتي به. ومنه قول الأخطل:
لقد أوقَعَ الجَحَّافُ بالبِشْرِ وَقْعَةً ... إلى الله منها المُشتكى والمُعَوَّلُ
1 / 20