--- [15]

Page 14

أيها اقارئ الكريم: هذا إنتاج اغتنمت له عطلة من عطل الدراسة في جامعتنا الكريمة - النجف الأشرف - وتوفرت فيها على درس مشكلة من مشاكل التاريخ الأسلامي، وهي (مشكلة فدك)، والخصومة التاريخية التي قامت بين الزهراء (صلوات الله عليها) والخليفة الأول (رضي الله تعالى عنه). وكانت تتبلور في ذهني استنتاجات وفكر، فسجلتها على أوراق متفرقة، حتى إذا انتهيت من مطالعة مستندات القضية ورواياتها، ودرس ظروفها، وجدت في تلك الوريقات ما يصلح خميرة لدراسة كافية للمسألة، فهذبتها ورتبتها على فصول، اجتمع منها كتيب صغير، وكان في نيتي الاحفاظ به كمذكر عند الحاجة، فبقي عندي سنين مذكرا ومؤرخا لحياتي الفكرية في الشهر الذي تمخض عنه، غير أن حضرة الوجيه الفاضل الشيخ محمد كا ظم الكتبي ابن الشيخ صادق الكتبي (أيده الله) طلب مني تقديمه إليه ليتولى طبعه. وقد نزلت على رغبته تقديرا لأياديه البيضاء على المكتبة العربية والأسلامية. والكتاب هو ما تراه بين يديك. المؤلف

--- [17]

Page 15

AUTO الفصل الأول

| AUTO الفصل الأول

على مسرح الثورة * فدونكها مخطومة مرحولة تلقاك يوم حشرك، فنعم الحكم الله، والزعيم محمد، والموعد القيامة، وعند الساعة يخسر المبطلون. الزهراء عليها السلام

--- [19]

Page 17

تمهيد وقفت لا يخالجها شك فيما تقدم عليه، ولا يطفح عليها موقفها الرهيب بصبابة من خوف أو ذعر، ولا يمر على خيالها الذي كان جديا كلم الجد، تردد في تصميمها، ولا تساورها هاجسة من هواجس القلق والارتباك، وها هي الان في أعلى القمة من استعدادها النبيل، وثباتها الشجاع على خطتها الطموح، واسلوبها الدفاعي، فقد كانت بين بابين لا يتسعان لتردد طويل، ودرس عريض، فلا بد لها من اختيار أحدهما وقد اختارت الطريق المتعب من الطريقين الذي يشق سلوكه على المرأة بطبيعتها الضعيفة لما يكتنفه من شدائد ومصاعب تتطلب جرأة أدبية، وملكة بيانية مؤثرة، وقدرة على صب معاني الثورة كلها في كلمات وبراعة وفنية في تصوير النقمة، ونقد الأوضاع القائمة تصويرا ونقدا يجعلان في الألفاظ معنى من حياة، وحظا من خلود، لتكون الحروف جنود الثورة الخيرة، وسندها الخالد في تاريخ العقيدة، ولكنه الأيمان والاستبسال في سبيل الحق الذي يبعث في النفوس الضعيفة نقائضها، ويفجر في الطبائع المخذولة قوة لا تتعرض لضعف ولا تردد. ولذا كان اختيار الثاثرة لهذا الطريق مما يوافق طبعها، ويلتئم مع شخصيتها المركزة على الانتصار للحق، والاندفاع في سبيله.

--- [20]

Page 19

وكانت حولها نسوة متعددات من حفدتها ونساء قومها كالنجوم المتناثرة يلتففن بها بغير انتظام، وهن جميعا سواسية في هذا الاندفاع والاتياع، وقائد تهن بينهن تستعرض ما ستقدم عليه من وثبة كريمة تهيئ لها العدة والذخيرة، وهي كلما استرسلت في استعراضها ازدادت رباطة جأش، وقوة جنان، وتضاعفت قوة الحق التي تعمل في نفسها، واشتدت صلابة في الحركة، وانبعاثا نحو الدفاع عن الحقوق المسلوبة، ونشاطا في الاندفاع، وبسالة في الموقف الرهيب، كأنها قد استعارت في لحظتها هذه قلب رجلها العظيم، لتواجه به ظروفها ا لقاسية وما حاكت لها يد القدر. أستغفر الله بل ما قدر لها المقدر الحكيم من مأساة مرؤعة تهد الجبل وتزلزل الصعب الشامخ. وكانت في لحظتها الرهيبة التي قامت فيها بدور الجندي المدافع شبحا قائما ترتسم عليه سحابة حزن مرير، وهي شاحبة اللون، عابسة الوجه، مفجوعة القلب، كاسفة البال، منهدة العمد، ضعيفة الجانب، مائعة الجسم، وفي صميم نفسها، وعميق فكرها، المتأملة إشعاعة بهجة، وإثارة طمأنينة، وليس هذا ولا ذاك استعذابا لأمل باسم، أو سكونا إلى حلم لذيذ، أو استقبالا لنتيجة حسنة مترقبة، بل كانت الأشعاعة إشعاعة رضا بالفكرة، والاستبشار بالثورة، وكانت الطمأنينة ثقة بنجاح، لا هذا الذي نفيناه بل على وجه آخر، وإن في بعض الفشل الاجل إيجابا لنجاج عظيم وكذلك وقع، فقد قامت امة برمتها تقدس هذه الثورة النائرة بل تستمد منها ثباتها واستبسالها في هذا الثبات. ودفعتها أفكارها في وقفتها تلك إلى الماضي القريب يوم كانت

--- [21]

Page 20