Al-Fajr al-Sāṭiʿ ʿalā al-Ṣaḥīḥ al-Jāmiʿ
الفجر الساطع على الصحيح الجامع
...قال مقيده الفضيل عامله الله بلطفه الجميل: ما قالته الجماعة من أن حج أبي بكر وقع في وقته المشروع له، هو الحق الذي لا شك فيه ولا ارتياب، وما قاله مجاهد، وإن جرى عليه جمع محققون، كالسهيلي في الروض(5)، والقرطبي في المفهم، وابن المنير(6) والدماميني، وغيرهم، من أعجب العجاب، إذ يلزم عليه تقرير النبي - صلى الله عليه وسلم - وقوع الأحكام الشرعية في غير أوقاتها، وهو باطل بالبديهة، لأنه - صلى الله عليه وسلم - إنما جاء بمحو آثار الجاهلية، ووضع الأحكام الشرعية في مواضعها، فكيف يتصور توجيهه أصحابه لإقامة الحج في غير وقته، مع أن مكة إذ ذاك صارت دار إسلام، وعامل النبي - صلى الله عليه وسلم - مقيم بها، فمن ذا الذي يمنع أبا بكر من إقامة الحج في وقته، ومن ذا الذي يصده عنه، وتحويل الحج في العام المقبل لذي الحجة موقوف على وضع شيء في موضع ذي القعدة، ومن ذا الذي يضعه وقد انمحى أثر الجاهلية، وحسمت مادة الكفر من مكة ونواحيها، ولأنه - صلى الله عليه وسلم - بعث بالأذان بنقض ما كانت تفعله الجاهلية وإبطاله من قوله: " لايحجن بعد العام مشرك، ولا يطوف بالبيت عريان"(1)، فكيف ينهى عما ذكر، ويقر وقوع الحج في غير وقته، وقد نقل الأبي عن أبي عبيد كلاما في بيان النسيء، إلى أن قال: فجاء الإسلام وقد رجح المحرم إلى موضعه ه، ولما يلزم عليه أيضا أن أبابكرلم يحج تلك السنة، لأن المعدوم شرعا معدوم حسا، والمسلمون كلهم على أنه حج حجا معتبرا، ولأنه مصادم لقوله تعالى: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر"(2)، ولما في الصحيح عن أبي هريرة: " بعثني - صلى الله عليه وسلم - في مؤذنين يوم النحر" (3)، ولما فيه أيضا أن عليا أذن ببراءة يوم النحر، وجميع ذلك وقع في حجة أبي بكر هذه إجماعا، فتبين أن الذي يجب المصير إليه والتعويل عليه، هو أن حج أبي بكر هذه إجماعا، فتبين أن الذي يجب المصير إليه والتعويل عليه، هو أن حج أبي بكر ما وقع إلا في وقته المشروع له، وهو ذو الحجة، وأن ما قاله مجاهد ومن تبعه، لا يلتفت إليه، والله سبحانه الموفق والهادي إلى سواء السبيل؛ وقول/ الحافظ ابن حجر: (والمعتمد ما قاله مجاهد)(1)، سبق قلم منه رحمه الله، كما دل عليه قوله إثره ما نصه: (ويؤيده أن ابن إسحاق صرح بأن النبي صلى الله عليه وسلم أقام بعد أن رجع من تبوك رمضان وشوالا وذا القعدة، ثم بعث أبا بكر أميرا على الحج، فهو ظاهر في أن بعث أبي بكر كان بعد انسلاخ ذي القعدة، فيكون حجه في ذي الحجة) ه كلام الحافظ بلفظه(2)، وهو كما تراه تأييد لقول الجماعة، لا لقول مجاهد، ثم رأيت الزرقاني على المواهب نسب للحافظ ما قلناه من السهو وسبقية القلم، وهو ظاهر؛ وبعد كتبي هذا، وجدت في الإرشاد ما نصه: ( قال الزمخشري(3): قد وافقت حجة الوداع ذا الحجة، وكانت حجة أبي بكر قبلها في ذي القعدة، قاله مجاهد، وفيه نظر، إذ كيف تصح حجة أبي بكر وقد وقعت في ذي القعدة، وأنى هذا وقد قال الله تعالى: " وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الاكبر" الآية، وإنما نودي بذلك في حجة أبي بكر، فلولم تكن في ذي الحجة لما قال الله تعالى: " يوم الحج الاكبر "، قاله ابن كثير(4)ه.
...وتبعه عليه الشيخ التودي معتمدا عليه.
Page 82