فقلت وأنا أنظر بين قدمي: ما علي إذن إلا أن أستسلم للموت. - بل أعني أن تصبر وتعتمد على النفس. - أليس من الحكمة أن أستثمر علاقاتي بالرجال الكبار؟ - لن ينقذك إلا اعتمادك على نفسك، افعل ما فعله رمسيس الثاني عندما حاصره الحيثيون، وأوقعوه في الشرك ...
فقلت وأنا أداري ابتسامة: سيدي، أنا لست رمسيس الثاني. - لتكن رمسيس المائة أو الألف.
وتنبه للرسالة بين يديه، فقص المظروف وقرأها بعناية. ونادى النادل فطلب رسالة ومظروفا. وفي تلك الأثناء هفت إلى أنفي رائحة مسك فلم أستطع أن أخفي اضطرابي، فسألني عما ألم بي، فكاشفته بما تردده الشائعات عن خصمي المجهول، قلت: إنه يتطيب عادة بالمسك.
فقال الرجل بضجر: وغيره كثيرون، لا أظنه عضوا في نادينا.
وغرقت في مستنقع الهواجس على حين راح هو يكتب التوصية الجديدة، ثم سلمها إلي في مظروف مغلق. وغادرت النادي، ولما قرأت اسم الوسيط الجديد، رأيت أن أذهب إليه ضحى الغد. وذهبت إلى مسكني بشارع الجندي المجهول، غيرت ملابسي وجلست أمام التليفزيون أشاهد فيلما بطله سيارة تندفع ذاتيا، وتقتل من يصادفها من البشر. شقتي صغيرة بالية ولكن الزمن رفعها ألف درجة، وجعل منها درة لا يفوز بها إلا ذو حظ سعيد. وقد أقمت بها مع قريب على عهد التلمذة، ثم استقللت بها بعد انتهاء دراستي الجامعية وتعييني في الوزارة. ورن جرس الشقة فعاودني الشك الذي اجتاحني حين شممت رائحة المسك، ومضيت إلى العين السحرية فطالعني وجه جارتي المقيمة في الشقة المواجهة لشقتي. ماذا جاء بها دون طلب أو اتفاق؟ دخلت ملتفة في روب وردي مشرقة الوجه بالزواق، ولما رأت فتور وجهي، قالت: لا تحب أن تراني إلا وقت الحاجة؟!
وجلست على مقعد قريب من مقعدي وهي تقول: لا يوجد زبائن، فقلت: أسلي وحدتي بجلسة بريئة!
ثم بعد صمت: ماذا جرى للزبائن؟
فقلت دون أدنى اكتراث: لعلها الحالة الاقتصادية. - أنا لا أتعامل بالدولار.
وتفحصتني قليلا ثم قالت: ما زلت غارقا في همومك؟ - طبعا. - يوجد في قريتي من يصمم على قتلي، لو عثر علي ولكني لا أفكر في الغد.
فقلت بحياد: كل شيخ وله طريقة. - لكل أجله وهو يعمل مستقلا عن الأسباب.
Unknown page