4 .
وهم أصعب الأمم انقيادا بعضهم لبعض، للغلظة والأنفة وبعد الهمة والمنافسة في الرياسة، فقلما تجتمع أهواؤهم، من أجل ذلك لا يحصل لهم الملك إلا بصبغة دينية من نبوة أو ولاية أو أثر عظيم من الدين على الجملة
5 .
والمباني التي يختطونها يسرع إليها الخراب لقلة مراعاتهم لحسن الاختيار في اختطاط المدن، في المكان وطيب الهواء والمياه والمزارع والمراعي، فإنه بالتفاوت في هذا تتفاوت جودة المصر ورداءته، والعرب بمعزل عن هذا، وإنما يراعون مراعي إبلهم خاصة، لا يبالون بالماء طاب أو خبث، ولا قل أو كثر، ولا يسألون عن زكاء المزارع والمنابت والأهوية، وانظر لما اختطوا الكوفة والبصرة والقيروان كيف لم يراعوا في اختطاطها إلا مراعي إبلهم وما يقرب من القفر ومسالك الظعن، فكانت بعيدة عن الوضع الطبيعي للمدن، ولم تكن لهم مادة تمد عمرانهم من بعدهم، وكانت مواطنها غير طبيعية للقرار، ولم تكن في وسط الأمم فيعمرها الناس، فلأول وهلة - من انحلال أمرهم وذهاب عصبيتهم التي كانت سياجا لها - أتى عليها الخرب والانحلال
6 .
وهم أبعد الناس عن الصنائع؛ لأنهم أعرق في البدو وأبعد عن العمران الحضري وما يدعو إليه من الصنائع وغيرها، ولهذا نجد أوطان العرب وما ملكوه في الإسلام قليل الصنائع بالجملة حتى تجلب من قطر آخر
7 .
وهم أبعد الناس عن العلوم؛ لأن العلوم ذات ملكات، محتاجة إلى التعليم، فاندرجت في جملة الصنائع، والعرب أبعد الناس عنها كما قدمنا، فصارت العلوم لذلك حضرية، وبعد العرب عنها وعن سوقها، والحضر لذلك العهد هم العجم أو من في معناهم من الموالي، ولذلك كان حملة العلم في الإسلام أكثرهم العجم أو المستعجمون باللغة والمربى، ولم يقم بحفظ العلم وتدوينه إلا الأعاجم
8 .
وهم مع ذلك أسرع الناس قبولا للحق والهدى، لسلام طباعهم من عوج الملكات، وبراءتها من ذميم الأخلاق، إلا ما كان من خلق التوحش القريب المعاناة، المتهيئ لقبول الخير
Unknown page