112

Fajr Islam

فجر الإسلام

Genres

صلى الله عليه وسلم ، واعتقد النضر أنه بمعلوماته وفضائله يستطيع أن يقاوم النبوة، «وأين الثريا من الثرى».

وبعد الإسلام استمر هذا الاتصال، فهم يحدثوننا أن خالد بن يزيد بن معاوية «كان من أعلم قريش بفنون العلم، وله كلام في صنعة الكيمياء والطب، وكان بصيرا بهذين العلمين متقنا لهما، وله رسائل دالة على معرفته وبراعته، وأخذ الصنعة عن رجل من الرهبان يقال له مريانس المذكور، وصورة تعلمه منه، والرموز التي أشار إليها»

2

ويقول ابن النديم: «إن خالدا عني بإخراج كتب القدماء في الصنعة وكان خطيبا شاعرا فصيحا حازما، وهو أول من ترجم له كتب الطب والنجوم وكتب الكيمياء، وقد رأيت من كتبه كتاب الحرارات، كتاب الكبير، كتاب الصحيفة الصغير، كتاب وصيته إلى ابنه في الصنعة»

3

ومات خالد سنة 85ه أو 704م.

من هذا جميعه نرى أن الثقافة اليونانية - كالثقافة الفارسية - كانت مبثوثة بين المسلمين في البلدان المختلفة، وكان منالها منهم قريبا، وأنهم أخذوا يستفيدون منها ويتعلمونها على المثقفين بها - ولو لم يكونوا على دينهم - كما تدلنا عليه فتوى يعقوب الرهاوي.

أضف إلى هذا أنه في ذلك العصر، وجد الاحتكاك الديني بين المسلمين والنصارى، فأخذوا يتحادثون ويتحاجون في العقائد؛ ويدلنا على ذلك أن أحد المؤلفين - في هذا العصر - واسمه يحيى الدمشقي ألف رسالة على هذا النمط: «إذا قال لك العربي كذا فأجبه بكذا».

إذا فمن الخطأ البين الفكرة الشائعة أن العرب والمسلمين جميعا كانوا بمعزل عما حولهم من الثقافات والأديان إلى العصر العباسي، وأن آراءهم وآدابهم وعلومهم نبتت وحدها من عقول عربية، من غير أن تغذى بغيرها؛ فقد رأينا أنهم - حتى في جاهليتهم - لم يكونوا بمعزل، وأنهم كانوا بعد الإسلام أكثر اتصالا، ولا يقدح هذا في أية أمة، فالعلم ملك شائع، ومرفق مباح يغترف منه الناس جميعا، وليس له حدود فاصلة كالتي ترسمها السياسة الدولية، وإنما الذي يقدح في الأمة حقا أن تغمض عيونها، وتسد آذانها عما حولها من نظريات وأفكار، أو أن يدفعها التعصب الأعمى أن تنسب لنفسها ما ليس لها، وتعزو إليها خلق ما لم تخلق، وابتداع ما لم تبتدع.

الفصل الثاني عشر

Unknown page