غير أنه قد فات رجال العلوم والمؤرخين على السواء تقدير مركز الإنسان الحالي تقديرا كافيا بالنسبة لوقت ظهور الضمير كعامل من العوامل الاجتماعية؛ لأن ذلك لم يكن إلا في الأمس القريب، وهو في الحقيقة حادث جدير بأن يؤرخ به كما يؤرخ بعهد استعمال المعادن التدريجي ، وإن عصر الأخلاق الذي نتج عن ظهور الضمير لا يكاد يزيد عمره على أربعة آلاف من السنين. والواقع أن تطور حياة الإنسان، كالتطورات الطبيعية الأخرى، يسير في بطء، وقد يكون سير الانتقال العظيم نحو الكمال كبطء النشوء والتطور الإنساني في الطبيعة؛ لأنه في مدة مئات آلاف السنين العديدة التي تقع بين «رجل بكين» المكشوف حديثا وبين «رجل ناياندرتال»
Neanderthal
قد ازداد المخ البشري نحو 50٪ من حجمه، في حين أنه من وقت «رجل ناياندرتال» حتى الآن - ذلك الوقت الطويل نسبيا - لم يزد حجم المخ البشري شيئا قط؛ أي إن نسبة تطور الإنسان بطيئة بدرجة هائلة. على ذلك يكون أوج ذلك اليوم الخلقي الذي انبثق فجره علينا الآن فقط لا يزال بعيدا جدا عنا، ويجب أن نتذرع بالصبر الطويل، وبعبارة أخرى: بصبر ذلك الذي يعرف كيف ينتظر في سكون واطمئنان إذا لزم الأمر ذلك.
ولعله لا يوجد مثل يدل على بطء ارتقاء الروح البشرية وتقدمها أوضح من الموازنة التالية بين أفكار أحد الحكماء المصريين القدماء الذي يرجع عهده إلى نحو 3000 سنة مضت وبين أفكار أحد الروائيين المفكرين الحديثين في عصرنا الحالي، وها هي ذه:
حكيم مصري قديم من منذ حوالي 1000ق.م
شارلس مورجان في كتابه الينبوع *
في سنة 1932
يا آمون، أنت أيها الينبوع الحلو الذي يشفي الظمأ في الصحراء. إنه لموصد لمن يتكلم، ومفتوح لمن يتذرع بالصمت. وحينما يأتي الصامت تأمل فإنه يجد الينبوع.
ومع ذلك فإنه كان في سكينة، بل يظهر أنه قد دخل الردهة القصوى للسكينة نفسها حيث كان ينبوع الروح ينبثق كجدول من الماء فوق الأرض. (ص107) *
The Founfain, by Charles Morgan .
Unknown page