242

Fajr Damir

فجر الضمير

Genres

وهناك مصدر آخر يمكن اعتباره من أمثال تلك المؤثرات في تاريخ آسيا الغربية المبكر - ويجب علينا أن نعيره التفاتا حتى في مثل هذه النظرة العاجلة - وهو يستمد من الشعور الخلقي السامي عند الحيثيين، وبين أيدينا الآن قطع من قوانينهم. وإن أبرز مثل نذكره في هذا الشأن ما نراه من تقديرهم للمسئولية الخلقية في الالتزامات الدولية التي أقرها أحد الملوك الحيثيين في القرن الثالث عشر، حيث يعترف هذا الملك بهجوم - لا مبرر له - قام به ضد الدولة المصرية في عهد «رعمسيس الثاني». ولما كان هذا الملك يشعر بالخطأ الخلقي الذي ارتكبه، فقد نسب الوباء الذي كان شعبه يعانيه إذ ذاك إلى غضب إلهه عليهم بأن أرسل عليهم هذا الوباء بمثابة عقاب على تلك الخطيئة التي ارتكبها. كما يلاحظ أيضا نمو شعورهم بالحق والاعتدال في الصورة المنقحة من القانون الحيثي التي أحدثها الملك «خاتشيل» وجعلها أكثر رأفة من قبل، حيث قد قابل الملك ذلك التنقيح بالصرامة التي كان عليها القانون القديم المعمول به قبل حكمه. وقد بقي لنا من هذا القانون نحو 200 فقرة، وهي تكون جزءا كبيرا منه، مدونة على لوحات من الطين.

ومما تجدر بنا ملاحظته أن الحيثيين كانوا كذلك قد جعلوا العقوبات القانونية مدرجة حسب المركز السياسي الذي يشغله المذنب، فكانت تخف وطأة العقاب إذا كان المجرم من أهل البيئة المحلية، فيكون أقل من العقاب الذي يوقع على أحد رعايا الحكومات المجاورة.

6

على أنه لا يزال أمامنا مقدار عظيم من الحفائر والأبحاث التي لا بد من درسها وإتمامها قبل أن تكون لدينا المعلومات الوافية عن كنه المدنية الحيثية، وإلى أن يتم ذلك، تشير الدلائل إلى القول بأن الحيثيين كان لهم بعض التأثير في التقدم الخلقي في آسيا الغربية، على أنه من المهم أن نلاحظ هنا أن المدنية الحيثية بقيت ضئيلة التأثير إلى أواخر الألف الثاني قبل الميلاد، وهو وقت متأخر بالنسبة إلى تاريخ المدنية الشرقية القديمة.

وقد اتصل العبرانيون خلال أسرهم في الشرق - وهم في مرحلة متأخرة من مراحل تقدمهم الديني - اتصالا وثيقا بالمدنية الفارسية ووقفوا على الكثير من ديانة «زروستر». ومذهب «زروستر» هذا مذهب مزدوج يدعو كل إنسان أن يقف إلى جانب قوة من اثنتين؛ فإما أن يملأ روحه بالخير والنور، وإما أن يخلد إلى الشر والظلمة. وقد مثلت هذه القوى جميعها في كائنات حية، وأية طريقة منها يسلكها الإنسان لا بد أن ينتظر بعد موته حسابا عنها في عالم الآخرة، وإن ظهور فكرة الحساب في الآخرة - وهو شيء لم يعرف في آسيا الغربية قبل «زروستر» - قد أوجد نظرية قوية أن «زروستر» قد أخذ الكثير من ديانته عن الديانة المصرية القديمة.

وبعد فوات ستة أسابيع على كتابة البيان المتقدم - وكان تحت الطبع بالفعل - كنت قائما لأول مرة بين الدمن الضئيلة الباقية من قصر «كورش» الأكبر، وهو واقع على مسيرة أقل من نصف ساعة من قبره في «بازارجادة»

، ولم يبق من هذا المبنى (الذي كاد أن يختفي) إلا عمود مربع أو عمودان من الأحجار كانا لا يزالان قائمين، منقوشا عليهما بالخط المسماري باللغة الفارسية القديمة العبارة الموجزة الآتية: «أنا «كورش» [قد أقمته ].» وأحد هذين العمودين عبارة عن قائمة باب ولا يزال ظاهرا فوقه نقش بارز يمثل صورة إنسان طويل القامة - في شكل أحد أنصاف الآلهة له زوجان من الأجنحة المنتشرة في وضع رائع - كأنه واحد من سلالة الملائكة المذكورين في التوراة. وقد عرفت فيه نقشا رأيته من قبل في بعض المطبوعات،

7

غير أنني حققت النظر بدقة فيما كان متآكلا من النقش ظهر لي في الحال شيء لم يسبق أن جذب نظري من قبل قط؛ ذلك أن رأس تلك الصورة المجنحة كان يعلوها تاج «أوزير» إله الحساب المصري في عالم الآخرة عند قدماء المصريين، ولمثل هذا الرمز دائما أهمية في الفن الشرقي القديم؛ فهذا النذر (بحساب الآخرة) ذو الجناحين، بقي قائما في مدخل قصر «كورش» نحو 2500 سنة، وكل زائر دخل القصر كان يشاهده لابسا تاج الحساب لعالم الآخرة عند قدماء المصريين، وعلى ذلك يكاد يكون من الأمور التي لا شك فيها أن المحاكمة الزروستورية في الآخرة مأخوذة عن قدماء المصريين، كما أخذ الفرس الكثير غيرها في العمارة والفن عن المصريين القدماء.

وبعد أن غادرت بلاد الفرس كتب إلي الأستاذ «أرنست هرزفلد»

Unknown page