241

Fajr Damir

فجر الضمير

Genres

كمثل ماء الينبوع الأبدي فيه بذرة لا تنفد

لمن يعمل بتقى وطيبة ولا يعرف الغش ...

أما المرء الدنيء العقل فإنه يسجل (على نفسه) ذلك بالقلم

أما الذين يرتكبون الشر فإن بذرتهم لا بقاء لها.

فنجد في هذه الأنشودة مبدأ الجزاء الحسن للرجل الفاضل والعقاب للمذنب، مع الاعتراف بالصفة الاجتماعية للأخطاء. غير أن مثل هذا الاعتراف لم يسد تيار الحياة العريض في «بابل»، ولم تميز به الآراء المنبثة في أنحاء الأدب البابلي عن كنه الشر، ومع أن المزامير البابلية الخاصة بالتوبة يستشهد بها عادة على أنها تعبر عن شعور البابليين المرهف من جهة الخطيئة، فإنه يتضح منها في الحقيقة، أنها لا تحتوي على أي بيان يدل على أن الخطيئة هي ضد المجتمع الإنساني.

وقد لاحظ الأستاذ فستر مارك

Wester marck

5

بنظر ثاقب أنه لا يوجد في أي «مزمار» معروف لنا من التي وضعت للتوبة أية دلالة على أن فكرة الخطيئة فيها تشتمل الذنوب التي ترتكب ضد بني البشر، فقد كان شعور البابليين أن الذنوب لم تكن إلا مجرد تعد ظاهري على حقوق الإله، وقد لا يكون فيها في الواقع ما يدعو إلى غضب الإله. وتدل مزامير التوبة صراحة على أن العاقبة الوخيمة التي يتضرع المذنب بحرارة للنجاة منها لا يرجع سببها إلى سخط الإله على الأخلاق الشريرة، بل كانت ترجع - كما لاحظ الأستاذ «فستر مارك» - إلى «اللعنات التي كان يصبها على المذنب من حاق به الضر.» وهذا الاستنتاج يتفق تمام الاتفاق مع ما لوحظ بوجه عام من أن المبادئ الخلقية عند الشعب البابلي - وهي التي لم نر إلى الآن ما يدل بصفة قاطعة على نموها وتطورها - لم تكن من العناصر الجوهرية في حياة الشعب أو حياة حكامه. وهذه الحقيقة تتضح لنا صحتها - بصورة بارزة - من قانون «حمورابي» الشهير، الذي وردت فيه الجرائم والأحكام مدرجة حسب الدرجات الاجتماعية التي يشغلها المتقاضون أو المذنبون، فكان الرجل صاحب المنزلة السامية ينال فيه رعاية ظاهرة أكثر من الرجل الوضيع الأصل.

وقد رأينا فيما سبق أن الحكماء المصريين الأقدمين ووجهاء القوم كانوا دائما يكررون ذكر عدم اكتراثهم للفوارق الاجتماعية بين طبقات الناس؛ فقد جاء في قول أحدهم: «إني لم أرفع من شأن العظيم على الوضيع.» وهو تعبير يدل على الرجل صاحب المكانة العظيمة ومقارنته بمواطنه «المعتاد»، وبالنص الحرفي «الرجل الصغير». والواقع أن المنزلة الاجتماعية أو المرتبة العالية لم تعط المصري القديم أية ميزة في نظر القانون. ونذكر بهذه المناسبة ما أوردناه فيما سبق من أن الفرعون قد نبه وزيره الأكبر إلى أن واجبه يقضي عليه: «بألا يظهر احترامه للأفراد بصفة كونهم أمراء أو مستشارين.» أي إن هذا المبدأ كان من صلب دستور الدولة المصرية قديما، أما عند البابليين فكانت العدالة الاجتماعية التي هي بعينها الأساس الذي يقوم عليه الرقي الخلقي، ناقصة جدا، بل معدومة بالمرة، وعلى ذلك لم تساهم مدنيتهم مساهمة جوهرية في تاريخ آسيا الغربية الخلقي.

Unknown page