149

Fajr Damir

فجر الضمير

Genres

والواقع أن إله الشمس كان يعتبر في عهد الدولة الحديثة قبل كل شيء إله عالم الأحياء من البشر، حاضرا معهم، نشطا في مراقبة شئونهم الدنيوية على الدوام؛ ولذلك كان الناس يشعرون بمسئوليتهم أمامه الآن وفي هذه الحياة الدنيا. وكانت سيطرته تلك قد تعمقت في قلوب الناس واتسع أمامها المجال باتساع أفق ذلك العهد الإمبراطوري، إلى أن انبثق لأول مرة في تاريخ العالم، لأعين سكان وادي النيل القدامي، فجر رؤية الإله العالمي.

الفصل الخامس عشر

السيادة العالمية وأقدم عقيدة للتوحيد

لقد ترك النفوذ الاجتماعي مدة العهد الإقطاعي في مصر أعظم أثر له في الدين والأخلاق، كما فعل ذلك من قبل النفوذ السياسي؛ أي الحكومة المصرية في عصر الأهرام. وكلا الأثرين كانا منحصرين في القطر المصري.

حقا إن عصر الأهرام قد اهتدى إلى فكرة - مبهمة نوعا - عن دولة إله الشمس ذات الاتساع الشاسع المدى، وخوطب إله الشمس في «متون الأهرام» مرة باللقب الطنان «الذي لا حد له». كما رأينا أن عصر الأهرام كان قد أوجد، بالإدراك الاجتماعي الذي قام به أمثال «بتاح حتب» دولة للقيم الخلقية العامة، وفي إعطاء إله الشمس السيادة على مثل هذه الدولة دليل على أن المصريين كانوا قد بدءوا يسيرون بالفعل في الطريق المؤدي إلى «التوحيد». كما أننا نتذكر مما سبق أن نصائح الملك الأهناسي المجهول الاسم قد سارت بالمصريين شوطا بعيدا في ذلك الطريق، وقد كان وقتئذ في مقدور المصريين بما تصوروه من النظام الإداري الخلقي العظيم، الذي أوجدوا له من قبل كلمة تدل عليه، أن يتقدموا نحو الوصول إلى المعرفة التامة للوحدانية.

ولكن على الرغم من ذلك قد بقي هذا النظام الخلقي في عصر الأهرام فكرة قومية لم يمتد نظامها حتى يشمل العالم كله.

فقد كان إله الشمس يحكم مصر فحسب، حيث نجده في أنشودة الشمس العظيمة بمتون الأهرام يقف حارسا على الحدود المصرية، فيقيم هناك الأبواب التي تمنع الأجانب من دخول مملكته المحروسة.

وكان إله الشمس في عصر الأهرام أيضا قد بدأ عملية إدماج آلهة مصر الآخرين في ذاته، وهي عملية استحالت حتى في ذلك العصر السحيق إلى صورة قومية من العقيدة الحلولية القومية التي تقول بأن الإله يحل في كل شيء، وبأن جميع الآلهة تستحيل في النهاية من حيث الأشكال والوظائف إلى وحدة واحدة، ولكنه مع تلك العملية وبالرغم من استمرارها طويلا، فقد تركت دولة ذلك الإله العظيم مقصورة على مصر؛ ولذلك كان هذا الإله بعيدا كل البعد عن أن يكون إلها عالميا.

والواقع أن المصريين ظلوا إلى ذلك العهد غير مدركين للفكرة العالمية؛ أي لفكرة الإمبراطورية العالمية، التي يمكنهم أن يسيطروا عليها بحاكم دنيوي واحد .

ولكن تأثيرات البيئة المقصورة على حدود وادي النيل كانت قد امتدت إلى أقصى مداها، وإذا بمسرح الفكر والعمل ينفسح للقوة القومية، بتلك التوسعات الخارجية الرائعة؛ فإن اللاهوت الشمسي السريع الاندماج والتجاوب مع أحوال ذلك العالم الصغير المكون من وادي النيل، قد دل على أنه لا يقل حساسية وتجاوبا مع ذلك العالم الأكبر الجديد الذي وصل الأفق المصري إلى مداه.

Unknown page