فيتضح الآن تماما من ذلك أن حالة سوء النظام الشاملة التي وصفها في أقواله «إبور» قد ظهرت في فترة من العهد الذي جاء بعد سقوط الدولة القديمة. ويستحيل علينا الآن أن ندرك موقف ملوك «أهناسية» الذين أنتجوا مثل تلك المقالات المثالية المدهشة، أو نحدد علاقتهم بانهيار نظام الحكم. فهل كان احتذاؤهم المثل الأعلى الاجتماعي في مثل ذلك العصر سببا من أسباب ضعفهم السياسي؟ لقد لاحظنا أنه في وسط ذلك الخراب القومي الذي صور لنا بتلك الكيفية من غير تحفظ، أن الحكيم «إبور» كان لا يزال يحمل في نفسه بعض الأمل في إنقاذ البلاد من ذلك الخراب. فهل كان في ذهنه بعض الرجال المعروفين بقوة الشكيمة ممن أبقى عليهم الدهر من أسر الأمراء القدامى؟ على أنه من الجائز أن آماله كانت موجهة إلى قائد كان «بأسه لا يرى»؛ يؤيد ذلك ما فاه به حكيم آخر كان يعيش في نفس ذلك العصر (وسنصغي لكلامه وشيكا) كما يؤيده ما تساءل به حكيمنا المذكور بتدبر وإنعام؛ إذ يقول: «أين هو اليوم؟ هل هو بطريق المصادفة نائم؟»
والواقع أن حكيما آخر من نفس ذلك العصر كان يجول في ذهنه شخصية الملك المنتظر الذي سيكون فاتحة للعصر الجديد المنتظر؛ لأنه لم يتردد في ذكر اسمه، كما سيأتي الآن قريبا.
ولدينا في بردية أخرى عثر عليها «جولنيشف»،
16
وهي موجودة الآن بمتحف «لنينجراد»، نبوءات كاهن مرتل اسمه «نفرروهو»، وهو يدعي أنها ألقيت في حضرة الملك «سنفرو»؛ أي قبل العصر الذي نحن بصدده بما يقرب من ألف سنة.
والواقع أن ذلك مجرد وضع تمثيلي ليسبغ على كلمات «نفرروهو» الهامة قوة التأثير. ومن حسن الحظ أن كاتبا من عهد الدولة الحديثة ممن عاشوا في القرن الخامس عشر ق.م قد ظهرت له أهمية ذلك المقال، حتى إنه لما لم يجد لديه برديا جديدا ينقله فيه أخذ جزءا من بعض أوراق مستعملة في تدوين حسابه هو ونقل تلك النبوءات على ظهرها، وبذلك بقيت نبوءات «نفرروهو» في تلك الصورة التي وصلتنا عفوا بما تحويه من غموض بسبب أغلاطها الكثيرة التي حدثت عند نقله لها بطريق المصادفة كما ذكرنا.
يبدأ «نفرروهو» بالمقدمة التاريخية المزعومة، ثم يصف الخراب والفوضى اللذين كانا يحيطان به، ومثله في ذلك مثل «خع خبرو رع سنب»؛ إذ يتكلم مع قلبه، فتراه يقول: «أنصت يا قلبي وانع تلك الأرض التي فيها نشأت ... لقد أصبحت هذه البلاد خرابا، فلا من يهتم بها، ولا من يتكلم عنها، ولا من يذرف الدمع. فأية حال عليها تلك البلاد؟ لقد حجبت الشمس فلا تضيء حتى يبصر الناس.» وقد كان من جراء تعطيل أعمال الري العظيمة العامة أن «أصبح نيل مصر جافا فيمكن للإنسان أن يخوضه بالقدم، وصار الإنسان عندما يريد أن يبحث عن ماء (يعني النهر) لتجري عليه السفن يجد طريقه قد صار شاطئا والشاطئ صار ماء، وكل طيب قد اختفى، وصارت البلاد طريحة الشقاء بسبب طعام البدو الذين يغزون البلاد. وظهر الأعداء في مصر، فانحدر الآسيويون إلى مصر ... وسأريك البلاد وهي مغزوة تتألم، وقد حدث في البلاد ما لم يحدث قط من قبل ... فالرجل يجلس في عقر داره موليا ظهره عندما يكون الآخر يذبح بجواره ...
سأريك الابن صار مثل العدو، والأخ صار خصما، والرجل يذبح والده، وكل فم ملؤه (حبني) [صياح المتسول؟] وكل الأشياء الطيبة قد ولت، والبلاد تحتضر ... وأملاك الرجل تغتصب منه وتعطى الأجنبي ...
وسأريك أن المالك صار في حاجة والأجنبي في غنى ... وأن الأرض قد نقصت وفي الوقت نفسه تضاعف حكامها، وصارت الحبوب شحيحة في حين أن المكيال صار كبيرا، وتكال الحبوب [أي بجابي الضرائب ] حتى يطفح الكيل ...
سأريك البلاد وقد صارت مغزوة تتألم، وأن منطقة عين شمس لن تصير بعد مكان ولادة كل إله.»
Unknown page