Fahm Fahm
فهم الفهم: مدخل إلى الهرمنيوطيقا: نظرية التأويل من أفلاطون إلى جادامر
Genres
Hermeneueim
عن سابقيه إيحاء ودلالة بالنسبة للهرمنيوطيقا ونظرية التأويل ، «أن تؤول»، في هذا البعد، يعني «أن تترجم».
حين يكون النص من لغة القارئ نفسها، فقد يدق الفارق بين عالم النص وعالم القارئ ويخفى على الملاحظة، أما حين يكون النص بلغة أجنبية فلن يخفى التعارض بينهما في المنظور وفي أفق الرؤية، غير أن مشكلات المترجمين من لغة إلى أخرى، كما سوف نرى، لا تختلف بنيتها عن مشكلات الناقد الأدبي الذي يعمل داخل حدود لغته الخاصة، وهي أقدر على أن تظهرنا على جلية الموقف القائم في أية عملية تأويل لأي نص من النصوص.
لا تعدو الترجمة أن تكون شكلا من أشكال التأويل، وصورة من صور الإفهام، فالعملية التأويلية الأساسية قائمة بتمامها في عملية الترجمة، فالمرء، في عملية التأويل، يأتي بشيء أجنبي أو غريب غير مفهوم ويسلكه في وسيط لغته الخاصة، والمترجم شأنه شأن الإله هرمس، يتوسط بين عالم وآخر، ليس فعل الترجمة مسألة آلية بسيطة من إيجاد مرادف، كما تفعل أجهزة الترجمة فلا تأتي نواتجها المضحكة إلا دليلا بينا على أن الترجمة ليست مرادفة آلية وما كان لها أن تكون؛ ذلك أن المترجم هو وسيط بين عالمين مختلفين لا عالمين متناظرين أو مترادفين، تظهرنا الترجمة على حقيقة كبرى هي أن اللغة ذاتها تنطوي على تأويل شامل للعالم، وعلى المترجم أن يكون حساسا لهذا التأويل الشامل حتى وهو يترجم التعبير الفرد، وليس كالترجمة شيء يخبرنا كيف تقوم الكلمات فعلا بتشكيل نظرتنا للعالم، بل في تشكيل إدراكنا ذاته، إنما اللغة مستودع للخبرة الثقافية، ونحن نوجد في هذا الوسيط وخلاله ... نحن نعيش في اللغة ونرى بعينيها!
ولنأخذ ترجمة الكتاب المقدس كمثال لمشكلات الترجمة بعامة، لقد انحدر إلينا الكتاب المقدس من عالم بعيد من حيث الزمان والمكان واللغة، عالم غريب ينبغي علينا أن نستجوبه (ويستجوبنا!) ينبغي على أفق فهمنا، بطريقة ما، أن يلتقي، ويلتحم، بأفق الفهم القائم في النص، فالتوسط هنا ليس مجرد توسط من خلال اللغة، بل من خلال التاريخ أيضا؛ إذ تفصلنا عن «العهد الجديد» فجوة زمنية من ألفي عام، وعلى «العهد الجديد » الآن أن يخاطبنا بكلمات من عالمنا، من وسيطنا الذي نرى به الأشياء، فكيف لنا أن نأمل في فهم أحداث جرت في سياق مختلف جذريا عن مجتمعنا المدني الحديث وما يعج به من صراعات دولية ووسائط اتصال وفضائيات وإنترنت وأسلحة ذرية وجرثومية ... إلخ؟ هل ينبغي علينا أن نحافظ على الأداء الحرفي للعهد الجديد، أو أن نعرض ما يمكن أن يناظره أو يكافئه في الأزمنة الحديثة؟ فإذا قال القديس بولس مثلا في إحدى رسائله «حيوا بعضكم بعضا بقبلة مقدسة» حيث كانت القبلة تحية مألوفة في ذلك الزمن، فهل ينبغي أن نترجمها في النسخة المعاصرة «حيوا بعضكم بعضا بمصافحة ودية بجمع اليدين»؟
غير أن هذا المثال يقدم مشكلة صغيرة بالقياس بالسؤال الأعمق عن الطريقة التي تختلف بها النظرة الكلية للعالم في زمن «العهد الجديد» عن النظرة العلمية الحديثة، هذه بالتحديد هي المسألة التي حاول اللاهوتي الألماني رودلف بلتمان
R. Bultman
أن يواجهها في مشروعه عن «نزع الطابع الأسطوري» في الكتاب المقدس،
Demythologizing
يشير بلتمان إلى أن رسالة الإنجيل تقوم في سياق التصور الكوزمولوجي للسماء من فوق والأرض في الوسط والعالم السفلي من تحت - أي عالم المستويات الثلاثة - ويذهب بلتمان، في حله لهذه المسألة، إلى أن رسالة «العهد الجديد» لا تعتمد على كوزمولوجيا العهد الجديد التي لا تشكل إلا السياق لرسالة عن الطاعة الشخصية والتحول إلى «إنسان جديد»، و«نزع الأسطورية» هو محاولة لفصل الرسالة الجوهرية عن الميثولوجيا الكوزمولوجية التي لا يمكن للإنسان الحديث أن يقبلها.
Unknown page