وَبَعْضُهُم أَهمَلَ أَنْ حَمْلًا على ... مَا أخْتِهَا حَيث استَحَقتْ عَمَلَا
وحاصل المعنى: أن أشر أصناف الوضاعين صوفية وضعوا أحاديث يحتسبون الأجر بزعمهم الباطل، وجهلهم الذي بسببه لا يفرقون بين ما يجوز لهم ويمتنع عليهم في صنيعهم هذا، فيرونه قربة، ويحسبون أنهم يحسنون فإذا هم يفسدون، ولا يصلحون. (فقبلت) تلك الموضوعات (منهم) أي من هؤلاء الصوفية الجَهَلَة أي قَبِلَ الناسُ موضوعاتهم (ركونًا لهم) أي لأجل ميل النَّاس إليهم، واعتمادهم عليهم، وثوقًا بهم، لما يتصفون به من التزهد، والتدين، فاغتروا، وفَشَتْ موضوعاتهم بينهم، (حتى أبانها) أي إلى أن أظهر كونها مختلقة (الأولى) اسم موصول بمعنى الذين فاعل أبان، وقوله: (هم هم) مبتدأ وخبره صلة الموصول، وفي اتحاد المبتدإ والخبر من التعظيم ما لا يخفى كقوله:
أنا أبُو النَّجْمِ ... وَشِعْرِي شِعْرِي
والمعنى هم البالغون في الحفظ والإتقان وتمييزِ الخبيث الغايةَ القُصوى.
وحاصل معنى البيتين: أن أشر أصناف الوضاعين وأعظمهم ضررًا قوم نسبوا أنفسهم إلى الزهد والتصوف ولم يتحرجوا عن وضع الأحاديث في الترغيب والترهيب احتسابًا للأجر عند الله ورغبة في حض النَّاس على عمل الخير واجتناب المعاصي فيما زعموا، وهم بهذا العمل يفسدون ولا يصلحون، وقد اغتر بهم كثير من العامة، وأشباههم، فصدقوهم ووثقوا بهم لما نسبوا إليه من الزهد والصلاح، وليسوا موضعًا للصدق ولا أهلًا للثقة، وبعضهم دخلت عليه الأكاذيب جهلًا بالسنة لحسن ظنهم وسلامة صدرهم، فيحملون ما سمعوه على الصدق، ولا يهتدون لتمييز الخطأ من الصواب، وهؤلاء أخف حالًا وأقل إثمًا من أولئك، ولكن الواضعون منهم أشد خطرًا لخفاء حالهم على كثير من الناس.
فلولا أئمة السنة لاخْتَلَطَ الأمر على العامة ولسقطت الثقة بالأحاديث.