وحاصل ما ذكرت في هذين البيتين أن أصل الكفر في اللغة هو الستر والتغطية، ومنه تسمية الليل كافرا كما قال لبيد بن ربيعة في معلقته:
حتى ألقت يدا في كافر وأجن عورات الثغور ظلامها (١) .
ومن محاسن التورية (٢) قول البهاء زهير المتوفى سنة ٦٥٦هـ من قصيدة غزلية أكثر فيها من استعمال المحسنات البديعية:
يا ليل طل، يا شوق دم ... ... إني على الحالين صابر
لي فيك أجر مجاهد ... ... إن صح أن الليل كافر (٣) .
ومنه تسمية الفلاح كافرا لستره الحب وتغطيته إياه بالتراب، كما في قوله تعالى: ﴿كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ﴾، قال ابن كثير:» أي يعجب الزراع نبات ذلك الزرع الذي نبت بالغيث، وكما يعجب الزراع كذلك تعجب الحياة الدنيا الكفار، فإنهم أحرص شيء عليها وأميل الناس إليها «(٤) . وتحتمل الآية أن يقصد بالكفار المعنى الاصطلاحي، كما ذكره العلامة الألوسي في تفسيره (٥) .
وأما في الاصطلاح فالكفر هو نقيض الإيمان. يقول شيخ الإسلام ابن تيمية ﵀:» الكفر عدم الإيمان، باتفاق المسلمين، سواء اعتقد نقيضه وتكلم به، أو لم يعتقد شيئا ولم يتكلم «(٦) .
(١) - انظر شرح المعلقات السبع للزوزني: ٩٦.
(٢) - التورية هي أن يطلق لفظ له معنيان: أحدهما قريب غير مراد، والآخر بعيد هو المراد، ويدل عليه بقرينة يغلب أن تكون خفية لا يدركها إلا الفطن. انظر جواهر البلاغة: ٣١٠.
(٣) - المنتخب من أدب العرب: ٢/١٠٢.
(٤) - تفسير ابن كثير: ٤/٢٧٤.
(٥) - روح المعاني: ٢٨/١٨٥.
(٦) - مجموع الفتاوى: ٢٠/٨٦.
1 / 81